دنشواي … رواية أخرى

من المنطلق ذاته الذي أملى على يعقوب صروف روايتَيه «فتاة مصر» و«فتاة الفيوم»، كتب عبد الحليم دلاور محاولته الروائية «دنشواي».١ وإذا كان إرضاء كل الأطراف هو الهدف الغريب ليوسف صبري في روايته «فتاة الثورة العرابية»، فإن إدانة الشعب المصري، والدفاع عن وجهة النظر الاحتلالية هو هدف عبد الحليم دلاور في «دنشواي».
صدرت الرواية في ٢٠ يوليو ١٩٠٦م، بعد انقضاء حوالي الشهر من وقوع الحادثة. ويقول المؤلف إن القصد من وضع روايته لم يكن «إلا التفكه بمطالعتها وقت الخلو من العمل، وليس لباعث سياسي يحرك مكامن القراء، ويوقظ في قلوبهم مرامي الهيجة، كما خاض البعض [هل يقصد محمود طاهر حقي؟] في بحار السياسة، فجمع روايته [إذن، هو يقصد محمود طاهر حقي!] على مبدأ يخالفني تمامًا، والفرق بين خطتي والخطة التي سلكها بعيد بمراحل شاسعة. ولهذا السبب قد غيَّرت الأسماء التي ردَّدتها الجرائد مرارًا عديدة في حادثة دنشواي.»٢ فإذا تجاوزنا خيوط الافتعال التي حاول بها الكاتب أن ينسج عملًا فنيًّا، فإن «دنشواي» أقرب إلى وثيقة عِمالة من كاتبها، مقابلًا لرأي عام وطني وعالمي، ساندته، وأيدت مواقفه شخصيات وهيئات إنجليزية مسئولة — برناردشو العظيم مثلًا! — واضطر الحكومة البريطانية لأن تنهي مهمة اللورد كرومر في القاهرة، كما تحولت الحادثة إلى رغبة في الثأر تنتظر فرصة التحقيق، وهو ما تحقق بالفعل في ثورة ١٩١٩م.

•••

الكاتب يحادث قارئه: «إنك أيها القارئ الكريم إذا أردتنا لنصِف لك جهل المصريين — والكتاب باللغة العربية، والمفروض أن القارئ مصري — وانحطاطهم لنفسهم عن العلم والمعرفة، لما تيسر لنا جمع ذلك في ألف مجلد ضخم. وبعد هذا يطلب المصريون حرية واستقلالًا، فإنك ربما نسيت أن في العشرة ملايين لا يوجد إلا مليون واحد يعرف ما هي الوطنية، وما هو الاستقلال. أما سائر القيم، فقد مد الجهل أطنابه عليهم، ونشرت الغشاوة أجنحتها فوقهم.»٣

خطف مصطفى حسين شقيق منافسه مرزوق وقتله. ويسأل النائب العمومي مرزوق: من تظن فيه الشر؟

– كل أهل البلد أشر من بعض.

– ومَن ترى فيه الزيادة؟

– إني أراهم يتسابقون جميعًا إلى الشر؛ فكبيرهم يسبق صغيرهم، وصغيرهم يزيد عن كبيرهم.

– وأيٌّ تحصر شبهتك فيه؟

– لا يمكنني حصرٌ في شخص واحد.٤

وقد مارس مصطفى — ولسنا ندري مدى ارتكاز الشخصية إلى الحقيقة — في حياته كل صنوف الجرائم: تهرَّب من الجندية، وأقدم على السرقة، والغش، والإيقاع بين الناس، والخطف، والاعتداء على الأعراض، والقتل، ثم كان هو المحرض الأول للفلاحين على «جريمة» دنشواي.

وعلى الرغم من أن الحادثة كانت — في واقعها — «صناعة إنجليزية»، فإن الكاتب يؤكد أن فلاحي دنشواي كانوا السبب فيما حدث، وأنهم قد دبَّروا الاعتداء على الضباط البريطانيين، بتحريض من مصطفى، ذلك الذي جعله تجسيدًا للشر «وما زالوا في جهلهم يعمهون، وخُيِّل لهم أنهم وزراء حول ملك يشير عليهم بالقتال، ويتابعونه على إتمام أغراضه، وفاتهم أنهم بمناشبتهم العداوة، يغرقون في بحار الضلالة.»٥ ثم يتوجه بحديثه — ختامًا — إلى الفلاحين: «فلست أيها الفلاح، الحاكم الناهي، تعمل بما يوحيه إليك ضميرك الباطل وفكرك الجاهل. فإنا نراك دائمًا تنفرد برأيك، وتنهي غرضك بجهلك، وتنتقم من عدوك بيدك. فأنت لا شيء عن الوحش الضاري والطير الكاسر، إلا جسمك وصورتك … وإلا فأنت ذئب يعوي، أو ثعلب يضبح. ومهما تقدم أصل وطنك، فأنت تتأخر بجهلك، ومهما سنُّوا لك الأحكام، فأنت تحيد عنها بحمقك، ومهما وضعوا لك القوانين، فأنت تتعداها بغيِّك، فإذا حياتك ضلال مبين» … «طمس الله على أبصارهم، وختم على قلوبهم، فهم صمٌّ بكم عمي لا يبصرون. فإذا ظلمهم ظالم قاموا إليه بالنبوت، وتلك هي العدالة يزعمونها» … «وقد أراد الله أن يُظهِر لهم الجهل، وينتقم من شرورهم، فأرسل إليهم من يصطاد حمامهم، فطاروا إلى النبابيت، فجردوها في وجوههم، وكان ما كان مما علمه الناس، وتحدثت به الجرائد يومًا؛ فحُكِم على أربع بالإعدام، فتأمل، وعلى آخرون بما لو أعدموا، وإلا كان أهون لهم منه، فتدبَّر.»٦

•••

لا شك — كما يقول مصطفى كامل — أن عشرات السنين كانت أقصر من أن تحيي شعور الشعب كما أحياه هذا الحادث. وقد انتهز مصطفى كامل الفرصة بالفعل، فشن هجومًا عنيفًا على السياسة الاستعمارية، كان له أثره المباشر، ليس في داخل البلاد فقط، ولكن لدى الأحرار في أوروبا، وفي إنجلترا بالذات. فقد شنَّ عدد كبير من الكُتاب البريطانيين حملة ضد حكومة بلادهم، فأرسل برناردشو خِطابًا إلى جريدة «التايمز» ينتقد فيه بشدة ما صدر من أحكام وطريقة تنفيذها. واعتبر بلنت — في مقالة له بالمانشستر جارديان — أن كرومر مسئول عن كل ما حدث، وطالب بإجراء تحقيق.٧ حتى إدوارد وايس الذي كان من أشد أنصار إعلان الحماية على مصر، أدان سياسة كرومر في مقالات بجريدة «الديلي تلغراف»، ثم في كتاب «مستقبل مصر» (١٩٠٧م)، وعزا وايس «جميع الشرور التي حدثت، إلى سياسة إغراق الإدارة المصرية بالموظفين الأجانب، وطبْع كرومر الأوتوقراطي، وعدم وجود إشراف كافٍ عليه من حكومة لندن.»٨ أما النتائج الداخلية ففي مقدمتها استقالة اللورد كرومر، وقيام الأحزاب السياسية، واتصال شاعرة «طلائع الأحرار» — التي رفضت الإسهام في الإعداد للثورة — بقيادة التنظيم السري تعرض مجهوداته (وتلك، بطبيعة الحال، نتيجة روائية). ومن المفيد هنا، أن نعرض للرسالة التي تُعَد إشارة إلى بداية خروج المرأة الفعلي من أسوار حياة الحريم، إلى المشاركة الإيجابية في صنع الثورة، وفي تجسيدها. تقول الشاعرة في رسالتها: «كان لا بد أن أعترف لك بخطئي، وأن أعبِّر لك عما أشعر به من خجلٍ كلما ذكرت الجدال الذي دار بيني وبينك … كشفت كارثة دنشواي غشاوة كانت مضروبة حول ناظري، وشفَتني من داء الأثرة، وأنارت لي سبيل الحق. لقد مكَّنتني من فهم مرامي حديثك الثمين معي، وحملتني على الإيمان بما تؤمن به أنت وزملاؤك. إن الشاعر الذي لا ترغمه مآسي قومه على الخروج من قوقعة أنانيته، ومشاركة المغبونين المظلومين فيما يعانون، غير جدير أن يُعد في الشعراء، بل غير جدير أن يُعد إنسانًا. إني لا أجد مهربًا من الخواطر المفجعة التي حلَّت بدنشواي المنكودة لا تنفك تتجسم لي، فتلهب دمائي، وتؤرق عيني، وتقض مضجعي. إن هدوء الليل يذكِّرني كل مساء بهدوء الريف المصري، ثم تثور نفسي حين أذكر كيف عكَّر المحتل الغاصب ذلك الهدوء، وأعمل في أهل الريف الحديد والنار، ونشر فيه القلق والرعب. كان الفلاحون في قرية دنشواي يحتفلون كغيرهم من قطان الريف بموسم الحصاد، وتشاركهم في احتفالهم الطيور والسوائم، فطلع عليهم أولئك الشياطين حمر الأردية والوجوه، يجيلون نظراتهم المفترسة في المنازل الآمنة، باحثين عن الضحايا. ورأَوا الحمائم المسالمة تلتقط الحَب، راقصة فوق أكوام القمح، فحفَّزهم تعطشهم للدماء إلى الفتك بها، ولم يهمهم أن يضرموا النار في تلك الأكوام. لم يكتفوا بسلب أقوات الفقراء في سبيل المغانم، فجاءوا اليوم يحرقونها في سبيل اللهو والتسلية، وأغضبهم أن يدافع الفقير عن قوته، فصوَّبوا النار إلى كل من يحتج أو يستغيث. هال السادة أن يقف أولئك الفلاحون الأجلاف في سبيل لهوهم ومرحهم، هالهم أن يحاولوا انتزاع سلاحهم، وأن يقاوموا العدوان، فدفعهم غرورهم المجنون أول الأمر إلى التمادي في الاعتداء. ولما وجدوا تظاهرهم بالقوة لا يجدي، انقلبت غطرستهم إلى جبن وخور، فولَّى الأدبار مَن ولى، واستسلم لرجال الأمن مَن استسلم. وحين أصيب أحد ضباطهم الفارين بضربة شمس، وكلَّفه الخوف أن يبذل في العدو فوق طاقته، فانقطعت أنفاسه، وخرَّ على الأرض بعد أن خلَّف دنشواي وراءه، وصار بمأمن من غضب الفلاحين العزل من السلاح. ورآه أحد الفلاحين الطيبين غريبًا ضعيفًا يحتاج إلى العون. وفهم من لسانه المدلَّى أنه في حاجة إلى شربة ماء، فجاء إليه يحنو عليه ويبل ريقه. فاجأه جنود الإمبراطورية وهو على هذه الحال، فجازوه على إنسانيته بضرب هامته بكعوب بنادقهم، ثم شفوا غليل همجيتهم بتمزيقه إربًا … ولكن العدالة الإنجليزية رأت في تلك الأحداث ما لا يراه الناس، فجعلت المعتدين معتدًى عليهم، والمظلومين مجرمين جديرين بأقصى عقوبة، وأقصى قصاص. وبينما ظل المظلومون يحومون حول الجرن المحترق والمرأة المضرجة بالدم، ملتاعين، منتظرين أن يقتص لهم، وأن يُعوَّضوا عما أصابهم من ضرر وأذًى، أقبل رجال الأمن يغلُّون أيديهم، ويسوقونهم إلى غيابة السجون. ولم يكد ذووهم يفيقون من هول تلك الصدمة، حتى رأَوا أولئك الرجال يعودون حاملين على أكتافهم خشبًا لم يتبيَّنوها من بعيد، ثم لم يلبث أن صاح أحدهم صيحة فزع ارتعدت لها الفرائص، وردَّدت الألسنة التي جفَّت حلوقها تلك الكلمة الرهيبة: المشانق! ويا هول ما جرى بين جدران تلك المحكمة المخصوصة. لقد تناول الإرهاب المتهمين والشهود على السواء، لقد تجرأ أحد الشهود، فطفق يتحدث عن إحراق الجرن وإطلاق النار على المرأة المفزوعة، فلاحقته صرخات القضاة الإنجليز العدول وصيحاتهم: اخرس يا كاذب … نحن نعرفكم أيها المصريون تمام المعرفة؛ فأنتم لا تحسنون غير الكذب … نحن لا نرحم شهود الزور. والتهب الشر في أعين حماة العدل، وارتجفت فرائص الشهود المساكين. وجرت الشهادة على ما يشتهي الظالمون، ولكن ما قيمة ذلك التمويه الذي شاهدته قاعة الجلسة، ما دامت الأدلة المادية القائمة في جرن عبد النبي تفصح بأجلى بيان عن بربرية أدعياء المدنية؟ وعكَّر الطغيان الإنجليزي هدوء دنشواي مرة أخرى، حين أقبلت الكتيبة الإنجليزية التي مات ضابطها فزعًا، والتفَّت حول المشانق رافعة البنادق على الأكتاف، كأنما تستعد لخوض معركة حربية خطيرة. وجيء بالمحكوم عليهم بين قعقعة السلاح، وصراخ النساء والأطفال. ولم يُسمح للزوجات والأولاد بتوديع رجالهم الوداع الأخير قبل وضع الحِبال في رقابهم. آه للصرخات التي مزَّقت الفضاء حين تدلَّى الشهداء من المشانق، وتأرجحوا في الهواء! لقد عبَّرت تلك الصرخات عن اللوعة التي حرقت الأحشاء، تعبيرًا تعجز عنه الكلمات، إن دويَّها لا يفتأ يخترق أذني، ويمزق هدوء ليالي. إن تلك الصرخات تمزق أحشائي، إني لن أهدأ حتى أصوغها شعرًا يدوي في آذان الإنسانية على توالي الأجيال، حتى يستيقظ الضمير العالمي فيمحق الظلم والظالمين. إني لن أهدأ حتى أخلِّد ذكرى سيد أحمد سعيد فلا تضيع مروءته بددًا، ولا يهطل دمه هدرًا، بل يظل لعنة على أولئك القوم الذين يتشدقون بالعدالة وهم لا يؤمنون بغير الغدر واستنزاف الدماء. أترى الذين أهدروا دمه ندموا على ظلمهم بعد أن تبيَّنوا براءته؟ لا؛ فهو أقل شأنًا من أن يشغلوا أنفسهم به، بل ما أهمية موته بعد أن مات ضابطهم؟! لقد جاءوا إلى دنشواي بعد أن لوَّثوا أيديهم بدمه البريء ليتشفُّوا بقتل الضحايا الجدد. على أن اعتداء الإنجليز على أبرياء دنشواي لم يكن مجرد اعتداء وحشي على أفراد، لكنه صورة جزئية من اعتداء الإنجليز على مصر؛ ومن ثَم اكتسب خطورته ورهبته. حرام عليَّ بعد اليوم أن أشغل بعواطفي وأحلامي عن مواطني الضعفاء الذين يحتاجون إلى بث الثقة فيهم من جديد، وحفزهم إلى الوقوف في وجه المعتدين، وتحطيم قوى الشر التي ذاقوا منها الأمرَّين. لقد أدركت اليوم قيمة الدرس الذي جئتم إلى داري لتلقوه عليَّ، وإني أعاهدكم اليوم أن أعمل على جمع شمل مواطناتي، وتبصيرهن بواجبهن، وتنظيم جهودهن، حتى تقف الأمة كتلة واحدة في وجه المعتدي الذي أهدر كرامتها، واغتال حقوقها، وتذرَّع بكل وسيلة للحيلولة دون استمتاعها بالقوة والعزة والرفاهية.»٩

هذه الرسالة — بالإضافة إلى تسجيلها البارع لأحداث المأساة — تعبير عن بداية تحرر المرأة من قيود الحريم، وخروجها إلى مجالات الحياة العامة.

•••

كانت مذبحة دنشواي «نقطة تحوُّل في تاريخ العلاقات المصرية البريطانية؛ حاولت بعدها بريطانيا أن تتخذ سياسة جديدة في مصر، إثر تكشف خطأ «سياسة الشدة القديمة» التي وحَّدت بين الخديو والوطنيين، وأوشكت أن ترمي بالفلاحين في أحضان الحركة الوطنية.»١٠ وحين تكررت حادثة دنشواي — بعد فترة قليلة — في قرية بالجيزة لم يستطع الإنجليز أن يعيدوا وحشية دنشواي، وأصدرت القيادة البريطانية أمرًا يحرم على جنودها صيد الحمام، والاقتراب من القرى.١١ لقد حاولت الحكومة البريطانية أن تعطي المصريين نصيبًا أكبر من حكم بلادهم، وإرضاء الخديو عباس بإعادة قدر من سلطاته إليه، وأفلحت تلك السياسة في اجتذاب الخديو، لكنها أخفقت في استمالة الوطنيين، أو القضاء على الحركة الوطنية.١٢ بل إن ذلك اليوم المأساوي في دنشواي مهد الطريق لقيام الفلاحين بدور مهم ومؤثر في بدايات ثورة ١٩١٩م. من هنا، رفع كرومر استقالته إلى حكومة بلاده، وضمَّنها عددًا من الأسباب: تحالف الخديو والحركة الوطنية ضده عقب مذبحة دنشواي، الحملة العنيفة التي واجهها في مجلس العموم البريطاني، تخلي الحكومة البريطانية عن تأييده، ضعف صحته وعجزه عن مواجهة ذلك كله.١٣ وكانت المذبحة — من ناحية ثانية — معلمًا هامًّا وخطيرًا في طريق الانتفاضة الشعبية الهائلة، التي وجدت أقصى امتداداتها في ثورة ١٩١٩م. وكان من النتائج المباشرة لتلك الهزيمة ظهور العديد من الأحزاب. أما الأحزاب الثلاثة الرئيسة، فقد بدأ تأليفها وانتهى، في الفترة من أكتوبر ١٩٠٦م إلى سبتمبر ١٩٠٧م، وهي: الحزب الوطني، وحزب الأمة، وحزب الإصلاح على المبادئ الدستورية. ويفسر حافظ محمود قيام الحزب الوطني وحزب الأمة بأنه كان ثمرة حوار: الحزب الوطني بزعامة مصطفى كامل للدفاع عن مفهوم الحرية في إطار الوحدة الإسلامية، وحزب الأمة بالقيادة الفكرية لأحمد لطفي السيد للدفاع عن مفهوم الحرية في إطار الوحدة المصرية.١٤ وهو تفسير يفتقد الدليل. وقد أشار مصطفى كامل إلى الحزب الوطني — قبل تكوينه كحزب سياسي — بأنه «عبارة عن الأمة بأسرها تجاه الاحتلال، فرغائبه هي رغائبها، وأهم هذه الرغائب تحقيق الجلاء عن مصر.»١٥ وأكد مصطفى كامل أن الحزب «موجود في مصر منذ ثلاثة عشر عامًا مضت، فهو، وإن لم يظهر بشكل نظامي وبلائحة ولجنة إدارة، قد ظهر بأعمال اتفق فيها أعضاؤه على خدمة البلاد بكل قوة. قاوم الاحتلال في أوروبا ومصر مقاومة شهدها كل المصريين والغربيين، وارتبط بروابط أكيدة مع جملة من سواس أوروبا. ولما حدثت حادثة فاشودة ضعفت هِمم بعض رجال الحزب، كما انفصل عنه بعض أفرادٍ لتمكُّن اليأس من قلوبهم.»١٦ ثم أعلن مصطفى كامل مبادئ الحزب في خُطبة له بالإسكندرية (٢٢ أكتوبر) بمسرح زيزينيا بالإسكندرية، ثم في خُطبة ثانية بالقاهرة (٢٧ ديسمبر)، ودعا المصريين للانضمام إليه.
وكان برنامج الحزب يختلف عما سبق أن نادى به — ومارسه — مصطفى كامل قبلًا من اللجوء إلى فرنسا، واستعدائها على إنجلترا، باستغلال خلافات الدولتَين على تقسيم مناطق النفوذ الاستعماري في الشرق، فضلًا عن التمسك بعلاقتنا مع الأتراك، فلم يعُد اللجوء إلى فرنسا واردًا بعد اتفاقية ١٩٠٤م، وأصبح استقلال مصر التام، حتى عن الخلافة التركية، بندًا أساسيًّا بعد افتضاح موقف الخديو عباس والباب العالي، وأيضًا المطالبة بوضع دستور للبلاد، ونشر التعليم، والنهوض الاقتصادي، والتأكيد على الائتلاف الطائفي. وهو ما كان — من قبل — موضع تخوُّف الأقباط، وعائقًا ضد الدعاية المصرية في الخارج. وضم الحزب إلى قيادته بعض الزعامات القبطية مثل قليني فهمي باشا، ليؤكد ارتفاعه عن الطائفية. في ١٩٠٨م تولى الشيخ عبد العزيز جاويش رئاسة تحرير «اللواء»، وكان ﻟ «اللواء» طابعه الواضح في مهاجمة الاستعمار البريطاني، وفي إيقاظ الروح الوطنية «إن البلاد المصرية أخذت — منذ بدء الاحتلال المشئوم — تتدلى في مهاوي الضعف والاضمحلال، وإنه لا منقذ لها سوى أن يرفع الاحتلال يده الثقيلة المفسدة عنها.» ويخاطب جاويش قلمه قائلًا: «أيها القلم، لو كنت سيفًا لأغمدتك في صدور من يحاربونك، أو سهمًا لأنفذتك في أعماق قلوبهم، ولو كنت جوادًا لوجدت لك في ميادين النزال مجالًا للكر والفر.» وكما يقول أحمد شفيق باشا في مذكراته، فقد كان الحزب الوطني «هو أقوى الأحزاب المصرية، وأعظمها في العدد والنفوذ.»١٧ ويضيف سلامة موسى أنه «بفضل الحزب الوطني، بل بفضل الشاب مصطفى كامل، تزايدت الحركة الوطنية، وأخذت موجاتها تعلو وتزيد.»١٨ وقد اكتفى الحزب الوطني — بعد رحيل زعيمَيه التاريخيَّين مصطفى كامل ومحمد فريد — برفع شعار «لا مفاوضة إلا بعد الجلاء»، لكن حافظ رمضان — خليفة الزعيمَين — اتجه بولائه للملك فؤاد، وشارك في كل الوزارات الانقلابية، وأعلن معاداته للوفد.١٩
أما حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية، فقد تألَّف بإيعاز من الخديو الذي وجد في برنامج الحزب الوطني ما يتعارض مع حالة الوفاق بينه وبين المعتمد البريطاني السير إلدون جورست. فضلًا عن تعرض الشيخ علي يوسف لحملات قاسية من مصطفى كامل ورجال الحزب الوطني، اتهموه فيها بأنه خرج على الصف الوطني، وأن سياسة الاعتدال التي يدعو لها هي سياسة اليأس والاضطراب.٢٠ نشرت المؤيد (٩ ديسمبر ١٩٠٧م) نبأً يقول: «اشتغل منذ شهر جماعة من سراة مصر وفضلائها بمشروع حزب سياسي اتفقوا على تسميته بعد ذلك بحزب الإصلاح على المبادئ الدستورية، فاجتمعوا مرات عديدة لوضع نظامه وتحرير مبادئه، حتى فرغوا من ذلك، فأتمُّوا عملهم منه، وحان الوقت لإعلانه وإذاعة قانونه … إلخ.» تألَّف الحزب برئاسة الشيخ علي يوسف، واشتمل برنامجه على بعض الخطوات الإصلاحية، وأيضًا على بعض النقاط التي تبين عن الهدف الحقيقي من إنشائه، وفي مقدمتها «الاعتماد على الوعود والتصريحات التي أعلنتها بريطانيا العظمى، عند احتلالها القطر المصري، ومطالبتها بتحقيقها.»٢١ وزار الشيخ علي يوسف العاصمة البريطانية، فاحتفى به الساسة الإنجليز، وخطب في إحدى الحفلات التي أقيمت تكريمًا له، قال: «يجب على المصريين أن يتركوا طلب الجلاء، ويكتفوا بإدخال الاحتلال في البلاد بالاتفاق مع الإنجليز.»٢٢ وكتب حافظ عوض سكرتير الحزب: «أما نحن — يقصد رجال الحزب — فلا نطلب شيئًا بحدة، ولا ندعو إلى الثورة، وإنما نطلب في الوقت الحاضر تحقيق الدستور الذي وضعه اللورد دفرين. وغايتنا العظمى أن نعمل مع الإنجليز — إذا شاء الإنجليز أن يعملوا معنا — سعيًا وراء ترقية مجالسنا الحالية.» وأكد الشيخ علي يوسف «أن الإنجليز يستطيعون أن يستميلوا هذه الأمة بالمعاملة الحسنة، فيستولوا على القلوب بدلًا من الاكتفاء بالاستيلاء على مصر.»٢٣ وقد خرجت المظاهرات تهتف بسقوط الشيخ علي يوسف، وتقذف مبنى «المؤيد» بالحجارة، ولأن الحزب كان يَدين بالفعل — في مبادئه ومواقفه — لأفكار الشيخ علي يوسف، فإنه — الحزب — لم يكن سوى إعلان لسياسة الشيخ علي يوسف نفسه، هو الذي كتب البرنامج، وكوَّن التنظيم، وجمع الأعضاء. وكانت نقطة الضعف الأساسية في الحزب هي التناقض والارتباك في التفكير السياسي للشيخ علي يوسف؛ فقد طلب من الحكومة أن ترسل ممثِّلًا لها في الحزب، لكنه في الوقت نفسه، أعلن مساندته للخديو. وقد أحدث هذا الموقف المتناقض ارتباكًا شديدًا لدى الأعضاء. وأشار العقاد إلى أن طبيعة هذا الحزب تبدو واضحة من الاسم الذي اختاره، «فكلمة «دستور» موجهة إلى الوطنيين، بينما كلمة «إصلاح» تستهدف كسب الإنجليز، والنتيجة أن الحزب فشل في كسب أيٍّ من هذه القوى، لا الوطنيين ولا الخديو ولا الاحتلال، وكانت النتيجة الحتمية هي الفشل.»٢٤ لذلك فقد تفكك الحزب بعد وفاة مؤسسه.
وأما حزب الأمة، فإنه يجد بدايته الحقيقية في أعقاب الاحتلال مباشرة. لقد أنشأت سلطات الاحتلال طبقة جديدة من سَراة المصريين لتكون بديلة للأرستقراطية التركية التي أوجدها حكم محمد علي وخلفائه، وبعد أن كان عدد البكوات والباشوات المصريين قليلًا في عهد سعيد، ثم في عهد إسماعيل. فلما قدِم الاحتلال البريطاني زاد دور الأرستقراطية المصرية التي كانت تَدين — حتى بمجرد وجودها — للاحتلال البريطاني. قام الإنجليز بتوزيع ثلاثمائة ألف فدان من أراضي الدائرة السنية (كان مجموع مساحة أراضي الدائرة السنية في ١٨٨٠م، ٥٠٣٩٩٩٠ فدانًا) على عدد من كبار الأعيان المصريين، في محاولة لصنع طبقة من العملاء، تَدين لهم بالولاء المباشر، ويستخدمونها كأداة ضد أحلام الاستقلال في إدارة الحكم، بعيدًا عن مباشرة سلطات الاحتلال، أو العودة إلى حظيرة الخلافة. بالإضافة إلى استخدامهم لتقويض، أو امتصاص، أو ركوب، أية محاولة وطنية من جماهير الشعب لتحقيق الاستقلال دفاعًا عن مصالحهم الطبقية من ناحية، وولاء لسلطات الاحتلال من ناحية ثانية. وقد ارتفع — في ظل الاحتلال — عدد الملاك الذين يملكون أكثر من ٥٠ فدانًا من ١١٢٢٠ مالكًا عام ١٨٩٤م، إلى ١٢٤٨٠ مالكًا عام ١٩١٤م، وزادت أملاكهم من ١٩٩٧٠٠٠ فدان في ١٨٩٤م إلى ٢٣٩٧٠٠٠ فدان في ١٩١٤م. وفي ذلك الإطار، كان قول اللنبي إنه من الممكن أن يجلو الإنجليز عن مصر وهم مطمئنون إلى أنهم خلَّفوا طبقة من الكبراء، تستطيع إنجلترا أن تستأمنهم على سياستها في هذه البلاد. إنهم — في نظر إنجلترا — درع يدافع عن سياستها. وفي ذلك الإطار أيضًا، كانت تسمية مفكِّري تلك الطبقة لها بأنها «صاحبة المصلحة الحقيقية». كما وصف لطفي السيد مؤسسي الحزب بأنهم «من سَراة البلاد وأعيانها، وطائفة غير قليلة من كُتابها وأذكيائها، للمطالبة لأمتهم بحقوقها، والعمل لرقيها وسعادتها.» والأعيان — على حد تعبير لطفي السيد — «هم رؤساء الأمة الطبيعيون، هم رؤساء العائلات، والأمة لا تتكوَّن من الأفراد، بل تتكوَّن من العائلات.»٢٥
أما تكوين الحزب فقد برَّرته الحاجة إلى الاشتغال بالأحوال السياسية المصرية «بطريقة معينة محدودة، وبرنامج مكتوب منشور، ودعوة واضحة … تنادي بسلطة الأمة.»٢٦ ويدافع مصطفى عبد الرازق عن حزب الأمة بأنه أنشِئ ليقف بالأمة المصرية موقفًا وسطًا، لا يميل بهم ذات اليمين ولا ذات الشمال، لكن الخديو — على حد تعبير الكاتب — فزع بشدة من هذا الحزب «فتصدَّى للكيد له سرًّا وجهارًا، وهب أنصاره يناضلون الحزب، وينشرون عنه ظن السوء، ويزعمون أنه يمالئ الإنجليز على حساب مصر، وهبُّوا يقاومون هذا الحزب بالدعوة إلى الاحتماء بحمى الخلافة الإسلامية التي يحمل علمها سلاطين آل عثمان، ولكن الواقع أن الإنجليز كانوا أرحم بالبلد وأدنى إلى رعاية مصلحته من الخديو الذي شوهت المطامع والشهوات عقله وخلقه، وباعدت بينه وبين قلوب العارفين من المصريين، وربما كانوا أرحم بالبلد وأدنى إلى رعاية مصلحته من سلاطين آل عثمان وعمالهم.»٢٧ ويقول قندلي القائم بأعمال المعتمد البريطاني في القاهرة عن مؤسسي حزب الأمة في تقرير له إلى الحكومة البريطانية (٥ أغسطس ١٩٠٦م): «يبلغ عدد المساهمين في الجريدة ستين، وقد تم اختيارهم بعناية كبيرة، وجميعهم من الرجال أصحاب الثروة والمكانة العالية، ويتمتع عدد كبير من الأعضاء بعضوية الجمعية العمومية. وشارك اثنان من كبار الشخصيات القبطية في المشروع. كما حاول القائمون على المشروع ضمان تأييد شخصيتَين كبيرتَين من كل مديرية، والرئيس ونائب الرئيس، وكذا أمين الصندوق من ذوي المكانة السامية. أما رئيس التحرير فسيكون لطفي بك السيد، وهو محامٍ شاب ذو مقدرة ملحوظة، تولَّى أخيرًا مهمة الدفاع عن المتهمين في قضية دنشواي، أثبت خلالها موهبته وميله للاعتدال.» وكتب لطفي السيد في «الجريدة»: «إن «الجريدة» لم تنشأ لأن تحابي السلطة الشرعية (الخديو) أو السلطة الفعلية (الاحتلال)، ولا أن تعادي واحدة منهما، ولا أن تنتصر لإحداهما على الأخرى.» وقد يكون مفهومًا قول لطفي السيد إنه لم ينشئ جريدته لمعاداة السلطة الشرعية؛ فقد كانت للخديو عباس مواقفه التي قد يتعصَّب لها البعض، ويتردد في إدانتها البعض، ويرفضها البعض، لكن النظر إليها من الزاوية نفسها التي ننظر بها إلى مواقف سلطات الاحتلال، مسألة مرفوضة من حيث إعلان عدم معاداة الاحتلال في أقل تقدير. ويروي لطفي السيد أنه وجد في مناصرة مصر لبريطانيا في حربها ضد ألمانيا، فرصة مناسبة للحصول على الاستقلال. ووضع بالفعل مسودة معاهدة بين الدولتَين المصرية والإنجليزية تتضمن اعترافًا باستقلال مصر، واعترافًا مقابلًا بمصالح إنجلترا في مصر، وفي قناة السويس. ثم ذهب لطفي السيد — بعد أيام — إلى عدلي يكن وزير الخارجية آنذاك، وسأله عن رد فعل مشروع المعاهدة في الجانب البريطاني «فوجدته قد يئس نهائيًّا من تحقيق مطلبنا، فخرجت من عنده وأنا مصمم على اعتزال السياسة، ثم قدمت استقالتي من رئاسة الجريدة لرئيسها محمود سليمان باشا، وسافرت إلى بلدتي برقين، وكان هذا آخر عهدي بالعمل الصحفي.»٢٨ لطفي السيد هنا يذكِّرنا بإضراب طلبة الجامعة المصرية عن حضور محاضرات الأستاذ الإيطالي، احتجاجًا على موقف السلطات الإيطالية من الشعب الليبي، لكن الأستاذ الإيطالي نبَّههم إلى خطأ «الوسيلة» التي ستفضي إلى «نتيجة» ضد مصالح الطلبة وحدهم. وعاد الطلبة إلى دروسهم بالفعل. ولعلي أسرف في التشبيه، فأتصور ما فعله لطفي السيد — احتجاجًا على الرفض البريطاني لمشروع المعاهدة الذي يقول إنه قد أعده — بأنه أقرب إلى ما فعله زوج ساذج، أراد أن يعاقب زوجه، فخصى نفسه!
كان مطلب سلطات الاحتلال من قادة ثورة ١٩١٩م — في ذرى أحداث الثورة — أن يسافروا إلى قراهم، لا يغادرونها. ورفض كل الزعماء، ما عدا واحدًا اسمه عز العرب، فسمَّاه الناس عز الهرب! ومن هذه الزاوية، يجدر أن تتحدد نظرتنا إلى مغزى رد الفعل الذي واجه به لطفي السيد رفض مشروع المعاهدة، لكن لطفي السيد يعود من منفاه الاختياري بعد أشهر قليلة؛ فقد استحثَّه والده على أن يقبل الدخول في الحكومة، حتى لا يقبض الإنجليز عليه «فقبِلتُ ذلك إرضاءً لوالدي رحمه الله.»٢٩ وعُيِّن لطفي السيد رئيسًا لنيابة بني سويف، ليمكن ترشيحه قاضيًا بالاستئناف، ثم رشحه السلطان حسين مديرًا لدار الكتب المصرية خلفًا للمدير الألماني. والحق أن الطبقة التي كان ينتمي إليها لطفي السيد لم يكن يمتد تاريخها — منذ بدأ يعي هموم وطنه ويشتغل بقضاياه — إلى أكثر من عشرين عامًا، وفي عصر إسماعيل على وجه التحديد، حين بدأت طبقة الأعيان المصريين في الظهور على مسرح الحياة المصرية، من خلال عضوية مجلس شورى القوانين، ومناصب العمدية، وغيرها من وظائف الإدارة. وكان الشيخ سيد أبو علي — والد لطفي — واحدًا من أعيان القرن التاسع عشر، أتاحت له «عصاميته» أن ينمي ثروته، وأن يحصل على وضع اجتماعي ممتاز، فيحصل على رتبة البكوية، ثم الباشوية، ويشارك في الحياة السياسية إلى جانب وظيفته الإدارية كعمدة، ومات عن ألفَي فدان ورثها أبناؤه الثلاثة. وبصرف النظر عن الظروف التي سقط فيها لطفي السيد في المرة الأولى والأخيرة التي تقدم فيها لعضوية مجلس النواب، فلا شك أنها تعبِّر — في بعض الجوانب — عن رفضها لمرشح «ظل بعيدًا عن الجماهير، يطل عليها من عل، ويخاطبها بلغة لا تدركها تمامًا، إن لم تبهم عليها تمامًا» وما بين القوسين لمؤرخ لطفي السيد حسين فوزي النجار.٣٠ لطفي السيد — كما يصفه عبد العزيز فهمي — ديمقراطي الرأي والعقيدة، لكنه — طيلة حياته — أرستقراطي بين الأرستقراطيين.٣١ ولعلَّه مما يثير التأمل — والعجب — ما قاله لطفي السيد لقائد القوات البريطانية في مصر عقب قيام ثورة ١٩١٩م — وكان القائد البريطاني قد استدعاه وبقية أعضاء الوفد الذين لم يُعتقَلوا — قال لطفي السيد: «إن الوفد بريء منها — الثورة — وإن تبعتها تقع على السلطة العسكرية التي نفت أربعة من رجال الوفد المصري بلا ذنبٍ أتوه، إلا أن يطالبوا بحرية بلادهم، ثم قابلت المظاهرات بالمترليوز، فغضب أهالي البلد لقتل أبنائهم، فقاموا بهذه الحركة. وإني أنصح للسلطة العسكرية أن تستدعي حسين رشدي باشا، أو عدلي يكن باشا، أو ثروت باشا، ليؤلف وزارة تعمل على ترقية الأمة ترقية كافية، وبهذا يُقضى على الثورة.»٣٢ ولعله مما يثير التأمل والعجب، كذلك، انضمام لطفي السيد — المناصر لدعوة مصر للمصريين — إلى دعاة الخلافة — عقب سقوط دولة الخلافة العثمانية — وعمله على نشرها بين طلبة الجامعة، وتأييده بيعة الملك فؤاد ليكون خليفة للمسلمين.٣٣ أما ما يثير ما أخطر من مجرد التأمل والعجب فهو حضور أحمد لطفي السيد مدير الجامعة المصرية في عام ١٩٢٥م، حفل افتتاح الجامعة العبرية بالقدس في أبريل من العام نفسه، ممثلًا للحكومة المصرية!

•••

لعل لطفي السيد قد أدرك بذكائه — وكان ذكيًّا بلا جدال — أن «عدم معاداة الاحتلال» سيدفع الجماهير المصرية إلى وضعه في المرتبة نفسها التي وضعت فيها وحيد الأيوبي عميل الإنجليز الأشهر، فقرن السلطة الشرعية بالسلطة الفعلية، وساوى بين السلطتَين في النظرة، وفي الرأي، لكن تلك المحاولة انطوت على بُعد سلبي يسهل ملاحظته. كان لطفي السيد هو المقابل للطرف الثوري الذي مثَّله مصطفى كامل في البداية، ثم سعد زغلول فيما بعد. وفي وداعه للورد كرومر قال لطفي السيد: «سياستنا مع الإنجليز لا تخلو من أحد وصفَين: إما سياسة عناد وعداء، وإما سياسة مسالمة لا استسلام. ولا شك أن سياسة المعاندة عقيمة؛ إذ كيف يقبل المعاند من المعاند حسابًا على أعماله؟ بل كيف يرجو العدو من العدو إصلاحًا له؟ فلم تبقَ إذن إلا سياسة المسالمة والمحاسنة المقرونة بالمحاسبة، وأول مظاهرها المجاملة في المعاملة. ومن هذا النوع يكون اهتمام العقلاء بالاحتفال بوداع اللورد كرومر.»٣٤ نسي لطفي السيد — أو تناسى — أن مصر عانت التخلف؛ لأن الاستعمار كان يريد لها التخلف، حتى يسهل عليه قيادتها. وكانت مصر تعاني بدائية التعليم لأن كرومر كان يجد في انتشار الكتاتيب، تخليق المتعلمين الذين يتخرجون لشغل الوظائف الصغرى، أمرًا كافيًا. ويقول حسين فوزي النجار: «لم يكن في فلسفته وأفكاره ما يناقض اتجاهه في تأييد حزبه، فإنه قبل كل شيء أحد أفراد تلك الطبقة التي يتكوَّن منها الحزب الذي يمثِّله وينطق بلسانه، وما كانت فلسفته وأفكاره — وإن اتسمت بطابع التجديد — إلا تأييدًا لاتجاهات حزبه، واتجاهات الطبقة التي ينتمي إليها ومصالحها.»٣٥

واللافت أن لهجة «الجريدة» وحزب الأمة بعامة لم تعنف ضد الاحتلال البريطاني إلا في ظل سياسة الوفاق بين الخديو والمعتمد البريطاني؛ ذلك لأن الوفاق — ببساطة — قضاء مباشر على طموح الأعيان للمشاركة في الحكم، وعلى إمكانية تفاهمهم مع الاحتلال على مصلحة مصر. كان الوفاق ضد مصالح الأعيان كطبقة، وكانت أية زيادة في سلطات الخديو ضد محاولات سعيهم للمشاركة في السلطة، وكان المعتمد البريطاني هو حليفهم الطبيعي ضد الخديو.

•••

تطورت شركة «الجريدة» إلى حزب الأمة. تألَّف الحزب في ٢١ سبتمبر ١٩٠٧م (وكان لسعد زغلول يد في تأليفه (مذكراتي في نصف قرن، ٦٢٩)، بل إن الخديو عباس يصف سعد زغلول في مذكراته بأنه الرأس المفكر وراء ذلك التكتل الجديد لمحاربة الحزب الوطني (جريدة «المصري»، ١١ / ٥ / ١٩٥١م)). بعد رحيل كرومر، وإن كان كرومر هو الذي وضع حجره الأساس، مستغلًّا في ذلك تبرم بعض الأغنياء بتطرف الحزب الوطني، وكرههم اتجاهه نحو تركيا، وشجع هؤلاء، وغيرهم من المعتدلين في نظرتهم إلى الاحتلال من خلال رجله مصطفى فهمي، متوسمًا فيهم الوقوف في وجه الخديو عباس والأوتوقراطية الخديوية. كان مصطفى فهمي أداة طيعة في يد سلطات الاحتلال، حتى وصف المصريون نظارته بأنها نظارة الأراجوزات. وكان القوام الأساس لحزب الأمة — كما أشرنا — جماعة من أصحاب المصلحة الحقيقية، من الباشوات وكبار ملاك الأراضي المصريين، وبعض أعضاء مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية (وهم من كبار الملاك كذلك)، وقلة قليلة من كبار الموظفين. كانوا — والوصف لحافظ محمود — رغم صفتهم الإقطاعية «كلهم من المصريين لحمًا ودمًا، من الفلاحين الذين أثروا على حساب الاقتصاد الأجنبي الذي كان يسيطر على مقدرات البلاد. لقد كان لأولئك السَّراة من الفلاحين فضل تمصير الثروة المصرية، بعد أن كانت هذه الثروة تركة مقسَّمة بين المتمصرين الذين يخدمون بلاط السلطان الأجنبي، وبين الأجانب على اختلاف جنسياتهم من الذين تعاونوا مع سلطات الاحتلال، أو الاستعمار البريطاني في مصر.»٣٦ الكلمات — كما ترى — تنطوي على مغالطة واضحة؛ فإذا كان الإقطاعيون قد أثروا على حساب الاقتصاد الأجنبي الذي كان يسيطر على مقدرات البلاد، فإنهم — في الوقت نفسه — قد أثروا على حساب الملايين الكادحة، وأصبحوا استمرارًا مؤسفًا لإقطاع الأجانب. أما فضل تمصير الثروة المصرية، فهو اجتهاد تغلب عليه السذاجة، ويبلغ ذلك الاجتهاد قمته حين يصف الكاتب هؤلاء الإقطاعيين بأنهم أولو الضربة الأولى التي نزلت على رأس الاستقلال الاقتصادي الأجنبي في مصر، كأن الاستقلال — حين يصبح في أيدٍ مصرية بدلًا من الأيدي الأجنبية — يصبح أمرًا مقبولًا، رغم إشارة الكاتب إلى الأسلوب الذي كان يتعامل به هؤلاء الإقطاعيون مع الملايين الكادحة. بل إن الكاتب يشير إلى تحالف الإقطاعيين «في سبيل هذه الغاية مع بعض الأجانب» وإن كان يضيف مستطردًا أنهم «أول من نبَّه إلى تمصير الثروة المصرية.»٣٧

كان محور اعتقاد مؤسسي الحزب، أن الأمة لا تتكوَّن من الأفراد، بل تتكوَّن من العائلات، والأعيان بالتالي هم رؤساء الأمة الطبيعيون؛ لأنهم رؤساء العائلات. وأعلن حسن عبد الرازق باشا وكيل الحزب أنه «من يوم اجتماعنا الأول، نحن حزب متشابه الأعضاء في المقاصد، متحد الأجزاء في المراكز الاجتماعية.» ووصف مؤسسي الحزب بأنهم «من وجهاء المصريين». وكتب لطفي السيد في «الجريدة» (يناير ١٩٠٩م) يؤكد أن حق قيادة الأمة، وحق تمثيلها بالتالي، إنما هو تحول ﻟ «أصحاب المصالح الحقيقية». وحددهم بأنهم أبناء العائلات من الأعيان أو كبار المزارعين وأبنائهم، أو فئة المتعلمين وأصحاب الوظائف الذين تعني مصلحة الأمة مصلحتهم. أما تلك المصالح فهي متعددة بنسبة اتساع ثرواتهم؛ فهم يريدون قضاء تلك المصالح «سواء أكانت متعلقة بري الأطيان، أو بترتيب العُمَد والمشايخ والخفراء، أو سلامة حقوق الانتخاب من العبث.» وزاد لطفي السيد، فحدد هُويَّة الحزب بأنه «ليس حزب جمهور العامة».

وما من شك أن وصف قادة الحزب لحزبهم بأنه «حزب أصحاب المصلحة الحقيقية» هو تعبير عن الأساس الطبقي الذي أنشئ عليه الحزب، وكان في مقدمة مبادئ الحزب عدم المطالبة لمصر بالاستقلال «لأن استقلالها ثابت معترَف به بالمعاهدات الدولية، ولكن الذي نطالب به هو استرداد حقوق الأمة الطبيعية بأن يكون لها في مصر كل السلطة التشريعية تدريجيًّا. أما الاحتلال الإنجليزي فإنه قوة أتت بها ظروف سياسية مرتَّبة، وتذهب بها ظروف مرتَّبة كذلك.» شدَّد الحزب من خلال «الجريدة» وقلم لطفي السيد على إبراز القومية المصرية، وهي قومية تحددت في القطر المصري، باعتبار أن ذلك وحده يكفل خلق الأمة دون حاجة إلى روابط أخرى مثل الدين أو اللغة.٣٨ (من الملاحظ أن حزب الأمة قد اختفى بعد قيام ثورة ١٩١٩م، وانتقل معظم زعمائه إلى حزب الأحرار الدستوريين، الذي يُعو أيضًا حزبًا لكبار الملاك). والحق أن الأتراك كانوا هم «أصحاب المصلحة الحقيقية» في المجتمع المصري، وهو التعبير نفسه الذي استخدمته «الجريدة» لتحديد هوية أعضاء حزب الأمة، لكن الضعف التدريجي للجالية التركية نتيجة لانقطاع ورودها من ناحية، وانصهارها في المجتمع المصري من ناحية أخرى، خلَّف تأثيراته الواضحة على دور هذه الجالية، أو الطبقة، في الحياة السياسية والاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، فقد عانى مؤسسو الحزب في تحويله إلى حزب سياسي قومي، لأن نفوذهم الطبقي كان مقصورًا في دوائر نفوذهم فيما يمتلكون من أراضٍ زراعية. ولأن مفكِّريه حرصوا على الترفُّع عن الطبقتين المتوسطة والدنيا، وهما الطبقتان اللتان مثَّلتا — فيما بعد — دعامات الوفد المصري. أما الخلاف بين حزب الأمة من ناحية، والخديو والإنجليز من ناحية أخرى، فلم يكن في كل مراحله خلافًا على المصالح الوطنية بقدر ما كان خلافًا على أسلوب الحكم.٣٩ إن محمود سليمان باشا يقبِّل يد الخديو في إحدى الجلسات ظهرًا لبطن مرتين، وعلي شعراوي حاول تقبيلها بشدة، فانزاح طربوشه حتى كاد يسقط، لولا أن سنده بيده، مع أنهم كانوا يمثِّلون «المصالح الحقيقية» المناوئة — على نحو ما — لمصالح الخديو.٤٠

•••

حسين فوزي النجار — مؤرخ لطفي السيد — يصف مؤسسي حزب الأمة بأنهم لم يكن لهم يد «في حركة مصطفى كامل، ولا نحسُّ لهم دبيبًا في الحركة الوطنية.»٤١ قيمة هذه الكلمات — في الدرجة الأولى — إنها للمؤرخ الذي كانت تلمذته لأستاذية لطفي السيد هي الأرضية التي أقام عليها دراسته الممتازة في حياة السياسي المصري الكبير، وكما يقول النجار فإن الأعيان لم يجدوا في آراء لطفي السيد ما يتعارض ومصالحهم.٤٢ وحين وقع ما يشبه الخلاف بين لطفي السيد وأعضاء حزب الأمة في الأيام الأخيرة للجريدة، لم يكن الخلاف في الرأي، وإنما كان خلافًا في الخطة. وكان تقدير أعضاء الحزب أن فيلسوف حزبهم لم يوفَّق في اجتذاب الجمهور إلى مبادئه — مبادئ الحزب — وأنه غير قادر على إدارة «الجريدة» مما عرضها للإفلاس. وبدأ أعضاء الحزب في الانفضاض عن «الجريدة»، وعن الحزب، وذوى الحزب تمامًا، ثم لفظ أنفاسه دون إعلان وفاة! وكانت استقالة لطفي السيد من «الجريدة» مجرد تحصيل حاصل.

•••

كان الحزب الوطني إذن تعبيرًا عن الإرادة الشعبية في مجموعها، بينما قام حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية للدفاع عن وجهة نظر الخديو في مقابل القوى الوطنية النامية. أما حزب الأمة، فقد قام بتوجيه مباشر من ممثِّل الاحتلال في مصر. ولا يخلو من دلالة أن اهتمامات حسان (الشارع الجديد) السياسية الباكرة هي التي دفعته للانضمام إلى الحزب الوطني، والمواظبة على حضور اجتماعاته. وكانت هي التي دفعته — فيما بعد — للسفر إلى تركيا، والانضمام للقوات العثمانية التي قدِمت لغزو مصر.

وإلى جانب الأحزاب الرئيسة الثلاثة، نشأت أحزاب أخرى أقل جدوى وأهمية، مثل حزب المستقلين المصريين، حزب مصر الفتاة، حزب المصريين الأحرار، أو الحزب المصري الحر، ويرأسه أخنوخ فانوس، وكان يمثِّل الاتجاه القبطي داخل الحركة الوطنية المصرية، وأهم ما يتضمنه برنامجه تنظيم العلاقة بين مصر وإنجلترا في صورة معاهدة تتيح للمصريين إدارة الأمور الداخلية للبلاد تحت الحماية البريطانية،٤٣ حزب الأحرار، حزب النبلاء، حزب العمال المصري، حزب الوطنيين الجمهوريين، الحزب المصري، الحزب الاشتراكي المبارك الذي أسسه حسن فهمي جمال الدين بك عام ١٩٠٩م، وكان يعنى بقضايا الفلاحين، وإن لم يعرف المؤرخون سوى مؤسس الحزب وعضوه الوحيد،٤٤ وحزب الأعيان، وغيرها. وعلى سبيل المثال، فإن حزب الأحرار، الذي يُعد أول حزب تأسس في مصر بعد الاحتلال (٢٦ يوليو ١٩٠٧م)، وكان مؤسسه ورئيسه — محمد بك وحيد الأيوبي — معاديًا بشدة لمجموعة مصطفى كامل، التي تكوَّن منها الحزب الوطني بعد ذلك، في ٢٧ ديسمبر ١٩٠٧م … ذلك الحزب، كان يرى أن الخير يكمن في مسالمة الإنجليز، وأن مصلحة الوطن تكمن في «الاعتماد على الدولة المحتلة العادلة في جميع شئونها المادية والأدبية.»٤٥ وكان من برنامج الحزب «مسالمة المحتلين، والسعي في نيل ثقتهم، والاتفاق معهم على كل ما فيه خير القطر وترقيته ونجاحه، وتنبيههم إلى فائدة مصر وأهلها، كما هو حال الشعوب الضعيفة العاقلة مع الأمم القوية الراقية التي ترتبط مصالحهم بمصالحها؛ لأن طريق المسالمة هذه هي الطريق الوحيدة التي تضمن للأمم الضعيفة بلوغ الاستقلال في كنف الأمم القوية المشرفة عليها.» وعندما ندَّد محمد غانم مؤسس الحزب الجمهوري بسياسة الاحتلال، وكرومر تحديدًا، نشر الأيوبي بيانًا يؤكد فيه انقطاع الصلة بينه وبين كاتب المقال، الذي كان من المفروض أن ينشر في جريدة «الأحرار»، فرفض الأيوبي نشره، لأن محمد غانم ظلم كرومر الذي تَدين له مصر بالفضل. وحدد برنامج الحزب ثلاث مراحل يمر بها تدرج الأمة الطبيعي: الدستور، فالاستقلال التام، فإعلان الجمهورية. وأعلن الحزب معاداة نظام حكم أسرة محمد علي، وشنَّ عليها حملات قاسية، متوالية.٤٦ أما الحزب المصري فقد ترأسه أخنوخ فانوس في ١٩٠٨م، ولأنه نشأ كحزب طائفي، فقد عزف عن الانضمام إليه كل المشتغلين بالعمل السياسي من المسلمين والأقباط. ومات الحزب الوليد قبل أن تنتظم أنفاسه. وأما حزب الوطنيين الجوهريين، أو الحزب الجمهوري، فقد تألَّف في عام ١٩٠٧م، وكانت أفكاره متطورة بالقياس إلى تلك الفترة، فهو قد دعا إلى ثلاث مراحل من النضال، أولاها نيل الدستور، ثم تحقيق الاستقلال بعيدًا عن كل من إنجلترا ودولة الخلافة، ثم إعلان النظام الجمهوري. وهاجم رئيس الحزب — محمد غانم — أسرة محمد علي والطبقات الموسرة، فضلًا عن الوجود الاحتلالي، وقد ضم الحزب إليه مجموعة صغيرة من المثقفين، ما لبثوا أن انجرفوا في شواغل الحياة، واختفى الحزب تمامًا بعد عام من إنشائه.٤٧
لكن كل تلك الأحزاب كانت غير ذات تأثير حقيقي في السياسة المصرية، رغم التقدمية المعلَنة التي كانت تتضمنها برامج العدد الأقل منها، ثم ما لبثت أن انتهت إلى الصمت الذي خرجت منه.٤٨

•••

كان قيام الأحزاب الرئيسة الثلاثة بعدًا لإطار يضم انتفاضة قومية شاملة تسعى لإثبات وجودها. فقد بدأ أحمد لطفي السيد في «الجريدة» (١٩٠٧م) مقالاته عن القومية المصرية، واحتفل للمرة الأولى (١٩٠٨م) برأس السنة الهجرية، وبدأ الحزب الوطني في إنشاء مدارس خاصة للمعلمين والمعلمات في وسط القاهرة وبولاق والمنصورة والفيوم وبنها وشبين الكوم،٤٩ ونجحت أول فتاة مصرية — نبوية موسى — في امتحان الشهادة الثانوية. وعلى الرغم من الواقع المتخلف الذي كان تحياه المرأة المصرية، فإن ذلك لم يحل دون ظهور بعض الأسماء النسائية في مجالات الأدب والفن، مثل عائشة التيمورية التي كتبت قصائدها باللغات العربية والفارسية والتركية، وألَّفت بعض القصص على نمط ألف ليلة وليلة، وملك حفني ناصف — باحثة البادية — التي كتبت العديد من المقالات في الصحف، ثم مي زيادة — الآنسة مي — التي تُعَد مثلًا للمرأة المتحررة التي اكتملت ثقافتها العربية والأوروبية. وقنع أبناء الأتراك بثرواتهم الموروثة، فأقبل المصريون على كل فرص التعليم، وأنشئت المدارس الأهلية تحت إشراف الأفراد أو الجمعيات الخيرية، ومنعت الحكومة مجالس المديريات سلطة فرض ضرائب محلية، وصرفها في نشر التعليم، وأنشأ محمد فريد مدارس ليلية في الأحياء الوطنية لتعليم الفقراء والعمال بالمجان، وقامت أول نقابة للعمال في ١٩٠٩م، وهي نقابة عمال المصانع اليدوية التي كانت منطلقًا لتكوين أكثر من نقابة في الإسكندرية والمنصورة وطنطا وغيرها، وارتفعت الأصوات تنادي بإنشاء الجامعة الأهلية، وفتحت الجامعة أبوابها بالفعل في ١٩٠٨م، وكتبت الصحف عن الجلاء والدستور وإصلاح حال الشعب. وقد انتهت نتيجة انتخابات الجمعية التشريعية في ١٩١٢م بفوز ٤٩ من ملاك الأراضي، ٨ محامين، ٤ تجار، ٣ مشايخ متفقهين في الدين الإسلامي، مهندس واحد.٥٠
والحق أن الرغبة في التغيير لم تكن مقصورة على فئة معينة، أو طبقة بالذات، فقد كان السلطان يأمل في أن يصبح ملكًا، وأن يرث العرش أكبر أبنائه، وأصحاب المصالح الحقيقية — كما سمى كبار الملاك أنفسهم — كانوا يسعون لوراثة الأرستقراطية التركية، وبقية فئات الشعب تعد للتخلص من الاحتلال، وتحقيق أمنياتها الاجتماعية في الوقت نفسه. ويقول أحمد شفيق باشا: «في هذا العام (١٩٠٨م) ازدادت قوة الحركة الوطنية، وتنبَّه الشعب إلى حقوقه السياسية، ويرجع ذلك لأسباب منها التنافس بين الأحزاب السياسية الثلاثة التي تألَّفت في العام الماضي، واتساع دائرة المناقشات في حقوق الشعب وما إليها، ومنها إعلان الدستور في تركيا، وأخبار الآستانة التي كانت تصوِّر الانقلاب العثماني تصويرًا واضحًا، وتبيُّن قوة الشعب وأثرها، مما كان له وقع عميق في مصر، وأثر قوي في إذكاء الشعور الوطني، ومنها إحساس المصريين بتراجع الإنجليز، واضطرارهم لتغيير عميدهم في مصر اللورد كرومر أمام قوة الوطنية المصرية.»٥١ وحين أراد الأب تثقيف ابنته، فإنه اختار لها كتب: «حديث عيسى بن هشام» للمويلحي، و«تحرير المرأة» لقاسم أمين، و«التربية» الذي ترجمه محمد السباعي عن هربرت سبنسر. وكان نبض الكتب الثلاثة يخالف مألوف الحياة في مصر آنذاك.٥٢ وكانت قد بدأت حركة تهدف إلى بعث الأدب العربي، فأصدرت مطبعة المعارف، التي أنشأها إبراهيم المويلحي، قاموس تاج العروس، ورسائل بديع الزمان، وسلوك الممالك، وألف باء، وأسعد الغابة … إلخ. ونقل فرح أنطون إلى العربية بعض قصص فولتير وروسو وديدو، وقصة الثورة الفرنسية لدوماس. «واستطاع الشيخ محمد عبده وسعد زغلول وعبد الكريم سلمان أن يكتبوا فصولًا لا تخلو من آثار القديم، فيها السجع، وفيها تكلف البديع والبيان، ولكنها بعيدة كل البعد عما كان يُكتَب في أوائل القرن الماضي — التاسع عشر — وفي منتصفه أيضًا؛ فيها حرية لفظية ومعنوية ظاهرة، وفيها اجتهاد في اختيار الحر من الألفاظ.» وما من شك أن طبيعة حكم الاحتلال قد انعكست على الواقع الأدبي؛ فصدر العديد من الأعمال الأدبية التي «تتودد عنواناتها إلى الأسماع» — على حد تعبير محمود تيمور — مثل اليتامى والبؤساء والمساكين والعبرات والذبائح والضحايا والأبرياء ورسائل الأحزان وآلام فرتر والأجنحة المتكسرة، فضلًا عن أن معظم تلك الأعمال كانت تعن بالنهاية المأساوية المثيرة التي يسقط فيها البطل نتيجة لقساوة الظلم!
وتُعد أعمال مصطفى لطفي المنفلوطي تجسيدًا لأدب تلك الفترة، فهو قد عني بمخاطبة وجدان قارئه، ويقول المنفلوطي في مقدمة «العبرات»: «الأشقياء في الدنيا كثر، وليس في استطاعة بائس مثلي أن يمحو كثيرًا من بؤسهم وشقائهم، فلا أقل من أن أسكب بين أيديهم هذه العبرات، لعلهم يجدون فيها تعزية وسلوى.» ومنا هنا يأتي قول نجيب محفوظ «كان المنفلوطي أديب عصرنا، وكنا نقرؤه ونبكي.» ويقول محمود البدوي: «لقد سيطر المنفلوطي بروائعه على جيلنا بأكمله. وكانت كتبه تتداول بين الطلبة، وتُخفى في بطون الأدراج لتُقرأ خفية في حصص الجبر والهندسة.»٥٣ وكانت الوصية الأولى في درس الإنشاء عند أساتذة اللغة العربية — كما يقول العقاد: اقرأ كتب المنفلوطي، واكتب على منواله! وكانت موضوعات الإنشاء كلها تنتهي بالبكاء على بطل من الأبطال المعروفين في «النظرات» و«العبرات» «وهم كلهم أناس يبكون ويُبكى عليهم؛ لأنهم مخذولون منكسرون، أو مضيَّعون في ذمم اللئام وقرناء السوء، وقَل منهم من هو مسئول عن خيبته، أو قادر على إنصاف نفسه، والاقتصاص لها ممن يجني عليه. وكان من ديدن الغلابة إذا كان الموضوع في غير هذه الأغراض، أن ينحرفوا به إلى عبارة محفوظة يستطردون بعده إلى مناسبة للبكاء والشكوى، يسردونها أحيانًا بكلماتها المسطورة في القصة والمقال.»٥٤ وعلى الرغم من دعوة محمد تيمور الباكرة إلى القصة القصيرة التي تصدر عن الواقع المصري، فإن تأثير المنفلوطي كان واضحًا على بعض محاولاته الأولى، حتى إنه أهمل ضمَّها في كتب، مثل «قصة الحب بين دمعة اليأس وقبلة الأمل» التي نشرها في جريدة السفور (٢٩ سبتمبر ١٩١٦م)، وفي قصته القصيرة «عرس ومأتم» (١٩١٨م) يبيِّن تيمور عن التضاد الحاد بين حياة الأغنياء وحياة الفقراء — وهو ما كان المنفلوطي يعنى بتصويره في نظراته وعبراته — فالباشا ينفق مالًا كثيرًا على حفلات زواج ولده أربعين يومًا متوالية، بينما الحوذي الفقير لا يجد نفقات دفن ابنه.٥٥ ونستعيد كتابات المنفلوطي في هذه الحادثة التي تطالعنا في آثار مصطفى عبد الرازق، حين طرد قصر العيني أحد مرضاه ممن طال بهم المرض. عانى الشاب — كان شابًّا! — من الجوع وآلام المرض ومطاردات الشرطة، ثم لجأ إلى أرض خلاء في أول شارع سليمان باشا (طلعت حرب) من ناحية قصر النيل، غير بعيد من نادي محمد علي «مجمع أهل الغنى من الأمراء والوزراء والكبراء»، «وهنالك وجد مكانًا للموت؛ إذ لم يجد مكانًا للحياة في بلد لا يجد فيه المريض مستشفى يحتمل علاجه إذا طال، ولا يجد العاجز ملجأ يئوي اختلاج صدره بالنفس الأخير.»٥٦ والحق أننا لا ندري إذا كانت هذه الحادثة واقعية — وأغلب الظن أنها كذلك — أم أن الكاتب أفلح في تصويرها، بحيث تبدو حادثة واقعية؟!

•••

يقول كمال عبد الجواد: «موت المنفلوطي وسيد درويش وضياع السودان، أحداث كللت زماننا بالسواد.»٥٧ كذلك يتبدَّى تأثير المنفلوطي العميق على عصره، في الخِطاب الذي بعث به سليم إلى سنية (عودة الروح) منقولًا عن رواية «ماجدولين» التي ترجمها المنفلوطي، ثم في حرص شباب العشرينيات في «الثلاثية» و«الخيط الأبيض» و«نفوس مضطربة» على أن يكتبوا أدبًا أقرب إلى ما كتبه المنفلوطي في وجدانياته الميلودرامية، ويذهب سيد النساج إلى أن المنفلوطي قد «اختار قصصه التي مصَّرها اختيارًا ذاتيًّا، يمثِّل مزاجه الفني وعصره بسواد الأعظم من القراء؛ إذ كانت تسود العصر رنة من اليأس والحزن والتشاؤم، إثر الصدمات السياسية المتتالية التي انتابته، فجاءت موضوعات القصص التي مصَّرها تتسم بالحزن، وتلائم الحياة الحزينة البائسة التي كان يعيشها المجتمع المصري آنذاك، والمجتمع الشرقي على وجه العموم، وكأن البكاء والحزن كانا هما الوسيلتين التعبيريتين عن روح الشرق في حرمانه الحرية ومكابدته الضيم والأذى.»٥٨ وكانت أداة فيفي في مغامراتها العاطفية قراءة رواية «ماجدولين» عشر مرات، و«الفضيلة» خمس مرات، وحفظ بضعة سطور من هذه وتلك، فضلًا عن كتاب «إنشاء الرسائل».٥٩ وفي الثلاثينيات، تبدَّى تأثير المنفلوطي في قول محمد أفندي أنه كتب عريضة القرية لرفعها إلى المسئولين بفصاحة نادرة، واستعانة بأساليب المنفلوطي البليغة.٦٠ ويجد المنفلوطي امتدادًا خصبًا له في محاولات عز الدين حمدي، وبخاصة روايته «وفاء» التي تروي حب صديقين لفتاة واحدة، ويفكر أحدهما في قتل الآخر، لكنه ما يلبث أن يخجل من نفسه، ويقع صريعًا بالحمى، فينقذ صديقه حياته، ومن ثَم يضحي هو بحبه، ويحصل الثاني على قلب الفتاة. أما مجموعة «دموع» (١٩٣٩م) فهو يصدِّرها بهذه الكلمات: «الدموع هي الملجأ الذي يفزع إليه المنكوبون في بأسائهم وضرائهم.»٦١ وحتى الأربعينيات كان أبو زيد يشبِّه القعدة تحت التكعيبة بالحياة تحت شجرة الزيزفون — اسم رواية المنفلوطي — وكان يشبِّه صديقه إبراهيم بأحد أبطال الرواية التي ترجمها المنفلوطي «وقرأناها، وبكيناها لها، عندما خشنت أصواتنا لأول مرة.»٦٢ ولعله من هنا جاء وصف المازني للمنفلوطي في «الديوان» بأنه «ندابة»، وأن أبطاله من المخنثين الناعمين. كما هاجم تأثير قصصه الضار في الشبان «وأذكر — على سبيل التمثيل لتأثير هذه القصص المنحوسة — أني أعرف رجلًا بلغ من استيلاء «سنكلر» وضروب احتياله على نفسه وهواه في صدر أيامه أن ظل سنين وليس له غاية يطلبها، سوى أن يكون على رأس فرقة من البوليس السري يطارد المجرمين، ذلك لأن هذه القصص الكاذبة الصور، المستحيلة الوقائع، تحدِث الاضطراب في نضوج الإحساسات الطبيعية في نفوس الشباب، وأخصها الحب، بتبنيها مركز التوليد قبل الأوان، وقبل أن يكون الباعث على الحب هو النضوج الجنسي في الفرد.»٦٣ ويُعَد عبد الحليم عبد الله من أشد أدباء الأجيال التالية تأثرًا بالمنفلوطي. وكما يقول شكري عياد فإن بين الرجلين اتفاقًا كبيرًا في الطبيعة والثقافة والأسلوب، كلاهما ريفي لم تستطع المدنية أن تنفذ إلى عظامه، وكلاهما يتناول أشكال الأدب الحديث بنفس القلم الزخرفي القديم. إن جعله تطور الحضارة يصنع شملات يستدفئ بها عامة الناس، فإنه ينسجها من نفس الخيط، وبنفس الحساسية اللتين كان يستعملهما صانع المطارق، وكلاهما شاعر نثر شعره.٦٤

•••

وفي عام ١٩١٢م، عُقد مؤتمر للنظر في أحوال البلاد الاجتماعية، وقرر المجتمعون الدعوة لإنشاء بنك مصري، كما أصدر طلعت حرب في عام ١٩١٣م كتاب علاج مصر الاقتصادي، وقد استعرض فيه أحوال البلاد الاقتصادية، وانتهى إلى وجوب إنشاء بنك مصر. وواتت أحد الكُتاب شجاعة فكتب يقول: «الحرب حيث توجد الملوك، كما أن السلم والأمن يستتب حيث يهبط الفلاسفة والعلماء.» وعرفت العاصمة — للمرة الأولى — المظاهرات الشعبية المنظمة: عشرات الألوف يجتمعون في حديقة الجزيرة، ويبدءون زحفهم إلى قلب العاصمة، منادين بالحرية والاستقلال. وقال عبد السلام في «القضبان»: «بلدنا في حاجة إلى هزَّة عنيفة عشان تصحى، دنشواي صحَّت مصر كلها، صحَّت الدنيا كلها، وعشان كده إحنا عاوزين دنشواي تانية في بلدنا.»٦٥

باختصار، فقد كانت الموجات الصغيرة تتلاحق في مدٍّ وجزر متواصلين، لتصنع — في مارس ١٩١٩م — موجة هائلة تغرق كل مؤسسات الرمل التي أقامها الاحتلال على الأرض المصرية.

هوامش

(١) عبد الحليم دلاور، على نفقة محمود توفيق الكتبي بالأزهر ١٩٠٦م، وقد علمت من يحيى حقي أن الكاتب كان من حاشية الخديو، ثم عمل موظفًا بوزارة الأوقاف.
(٢) المصدر السابق، ٣.
(٣) المصدر السابق، ٤٦.
(٤) المصدر السابق، ٦٢.
(٥) المصدر السابق، ٨٣.
(٦) المصدر السابق، وقد تركت الأخطاء اللغوية على حالها.
(٧) دنشواي، ١١٧-١١٨.
(٨) المرجع السابق، ١٢٠.
(٩) محمد مفيد الشوباشي، طلائع الأحرار، دار الفكر العربي.
(١٠) دنشواي، ٣٦.
(١١) عبد الرحمن الشرقاوي، في الصيف صادوا الحمام، أرض المعركة، مطبعة الاعتماد، القاهرة.
(١٢) دنشواي، ١٣٢-١٣٣.
(١٣) المرجع السابق، ١٣١.
(١٤) حافظ محمود، أسرار الماضي، روز اليوسف، ١٩٧٣م، ١٨.
(١٥) بلادي! بلادي! خُطب مصطفى كامل.
(١٦) الاتجاهات السياسية والفكرية والاجتماعية، ٣٠.
(١٧) مذكراتي في نصف قرن، ٢: ١٢٨.
(١٨) الكاتب المصري، يوليو ١٩٤٦م.
(١٩) مذكرات إبراهيم طلعت، مكتبة الأسرة، ٣٦١.
(٢٠) الكاتب، يونيو ١٩٦٦م.
(٢١) مذكراتي في نصف قرن، ٢: ١٢٨.
(٢٢) الاتجاهات السياسية والفكرية والاجتماعية، ٢٥.
(٢٣) الطليعة، أكتوبر ١٩٦٩م.
(٢٤) جمال أحمد، المصادر الثقافية للقومية المصرية، طبعة جامعة أوكسفورد، ٨١.
(٢٥) صفحات مجهولة من التاريخ المصري، ١٣٦.
(٢٦) صفحات مطوية، ١٣-١٤.
(٢٧) من آثار مصطفى عبد الرازق، ١٣-١٤.
(٢٨) قصة حياتي، ١٦٦.
(٢٩) المرجع السابق، ١٦٧.
(٣٠) حسين فوزي النجار، أحمد لطفي السيد، أعلام العرب، مكتبة مصر، ١٢٥.
(٣١) العقاد، أحمد لطفي السيد كما عرفته، المجلة، أبريل ١٩٦٣م.
(٣٢) قصة حياتي، ١٧٩.
(٣٣) محمد عودة، كيف سقطت الملكية في مصر، مكتبة الأسرة، ٣٥.
(٣٤) فتحي رضوان، عصر ورجال، ٤٤٥.
(٣٥) أحمد لطفي السيد، ١٤٣.
(٣٦) حافظ محمود، أسرار الماضي، ٢١.
(٣٧) المرجع السابق، ٢٢.
(٣٨) الاتجاهات السياسية والفكرية والاجتماعية، ٣١.
(٣٩) مذكرات سعد زغلول، ٥٧.
(٤٠) المرجع السابق، ٤٢.
(٤١) أحمد لطفي السيد، ١٢٥-١٢٦.
(٤٢) المرجع السابق، ١٣٩.
(٤٣) رفعت السعيد، محمد فريد، الموقف والمأساة، ٦١.
(٤٤) الأحزاب المصرية قبل ثورة ١٩٥٢م، ١٢.
(٤٥) محمد فريد، الموقف والمأساة، ٦١.
(٤٦) الأحزاب المصرية قبل ثورة ١٩٥٢، ٣٨-٣٩.
(٤٧) علي الدين هلال، السياسة والحكم في مصر، ٨٥.
(٤٨) عبد الخالق لاشين، سعد زغلول، دوره في السياسة المصرية، ١: ٨١.
(٤٩) الاتجاهات السياسية والفكرية والاجتماعية، ٧٠.
(٥٠) سعد زغلول، دوره في السياسة المصرية، ١٩٧.
(٥١) مذكراتي في نصف قرن، ٢: ١٥٢.
(٥٢) محمد حسين هيكل، هكذا خلقت، مكتبة النهضة المصرية، ٢٧.
(٥٣) الثقافة، مارس ١٩٧٥م.
(٥٤) العقاد، رجال عرفتهم، كتاب الهلال، ٦٥.
(٥٥) مؤلفات محمد تيمور، المكتبة العربية، ٣٥١.
(٥٦) من آثار مصطفى عبد الرازق، ٣٦٠–٣٦٢.
(٥٧) نجيب محفوظ، قصر الشوق، مكتبة مصر، ٣٤٩.
(٥٨) عباس خضر، تطور فن القصة القصيرة في مصر، المكتبة العربية، ٦٢.
(٥٩) صلاح ذهني، في الدرجة الثامنة ٦٩.
(٦٠) عبد الرحمن الشرقاوي، الأرض، ٩٤.
(٦١) عز الدين حمدي، دموع، مطبعة عباس عبد الرحمن، ٢.
(٦٢) عبد الرحمن الشرقاوي، قلوب خالية، الكتاب الفضي، ٥٧.
(٦٣) العقاد، المازني: الديوان، طبعة دار الشعب، ٢.
(٦٤) شكري عياد، تجارب في الأدب والنقد، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، القاهرة، ١٧٤.
(٦٥) محمد جلال، القضبان، دار الهنا للطباعة، ٩١.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥