أولياء الله

الإسلام لا يعترف بوسيطٍ بين الذات الإلهية والناس، وقد استُنكِر في القرآن الكريم تقديس اليهود والنصارى للأحبار والرهبان: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ.١
الولي في اللغة هو الناصر والمعين، والولاية في الدين وصف لأهل الإيمان والتقوى. والولاية هي أرفع منازل أهل اليمين، وقد اتفق العلماء على أن الأنبياء أفضل من الأولياء مطلقًا، لم يشذ عن هذا الإجماع إلا فريق من الصوفية والباطنية قالوا إن الولاية أفضل من النبوة.٢ وجاء تعريف الولي في القرآن الكريم، في سورة يونس، حيث يقول — سبحانه: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وقد سئل الرسول عن العلامة المميزة للأولياء، فقال: «هم الذين إذا رُءوا، ذُكر الله تعالى.» وذلك لظهور أنوار المعرفة الكامنة في قلوبهم على سيماهم وظواهرهم. وثمة معانٍ كثيرة — في اللغة العربية — للولاية، منها: القرب، الدنو، المطر بعد المطر. والولي: الاسم منه، والمحب، والصديق، والنصير. والولي بمعناه الشرعي: كل متق ومطيع. والولي يناصر الله تعالى، فمن عادى مَن ناصر الله، فقد حارب الله. والولي فعيل بمعنى مفعول، وهو من يتولى الله — سبحانه — أمره: وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ، أو بمعنى فاعل. وهو الذي يتولى عبادة الله وطاعاته، فعباداته مستمرة لا يتخلَّلها عصيان. «ولا تتأتى الولاية إلا لمن يعرض عن الدنيا.»٣ ومن شرط الولي أن يكون محفوظًا، كما أن من شرط النبي أن يكون معصومًا.٤
يصفهم الفنان بأنهم «أقوى حزب في مصر، حزب الأموات العظام.»٥ وما يُنسَب إلى الأولياء يُسمَّى كرامات أو بركات، فالكرامة من خوارق العادة، وهي تختلف عن المعجزة في أن الله يريد بها أن يدلِّل على صدق دعوة الرسل. أما الكرامة فهي غير مقرونة برسالة.٦ وقد يرتدي الأولياء أكثر الثياب رثاثة، لكنهم يقفون في أركان الدنيا، أو يسيرون. تُطوى المسافات تحت أقدامهم كالبُسط، ويمدُّون أيديهم فيمنحون البرء للمرضى، ويملئون الضرع باللبن، والمخازن بالحبوب. يحيون بين الناس لا تستطيع تمييزهم، ثم يموتون فيُولَد النور، وتُبنى القباب في المدائن، وتمتلئ الطرقات بالناس كأسراب النمل حاملين زادهم إلى موالد الشيوخ.٧ ويحتل أولياء الله موقعًا مهمًّا في التزاوج بين الإيمان الديني والمعتقدات الموروثة. وقد اكتسب الشيخ عبد القوي مكانة الولي بعد وفاته، عندما طالع طيفه الصالحين من أبناء القرية، فأزمع أهل البر تمجيد مثواه، وابتنوا له مقبرة هائلة، راحوا يحجُّون إليها كل عام، وصار مولده من أعياد القرية.٨ ولعل وجود مقام ولي، أو أكثر، في كل مدينة — أو قرية — يتوجه إليه الناس بطلب الشفاعة، امتداد لتوزُّع الآلهة في مدن وقرى مصر الفرعونية؛ إن ولي كل مدينة أو قرية، هو ذلك القريب من الله، الذي يتمتع بمميزات خارقة للطبيعة. إنه يحلِّق في الهواء، وإذا مسَّته النار لا تصيبه بضررٍ، ويستطيع أن يمشي على الماء، وأن ينتقل إلى أماكن بعيدة في لمح البصر، وأن يحصل على حاجته من الطعام في أي وقت، وفي كل مكان، ويعالج العقم، ويشفي الأمراض المستعصية، ويحوِّل المعادن الرخيصة إلى ذهب وجواهر.٩ وثمة مَن يأتي بفاكهة الصيف في الشتاء، وبفاكهة الشتاء في الصيف.١٠ والولي يجول في أماكن متعددة حتى يستقر به المقام في موضع يختاره، حيث يقوم مسجده وضريحه.١١ والتشكيك في كرامة الولي مما لا يقوى على التفكير فيه إنسان، فضلًا عن محاولة التشكيك نفسها؛ إن الإيمان بالولي يرقى إلى مرتبة المسلمات. ويقول الصوفية إن من ينكر كرامات الأولياء، ينكر معجزات الأنبياء؛ فللأنبياء معجزات، وللأولياء كرامات.١٢ وقد تمنَّى محتشمي زايد — يومًا — أن يطير في الهواء، أو يمشي فوق الماء، ويشير إلى الظالم فيصعقه، ويريح الدنيا من شرِّه.١٣ وفي عهود الظلم — وما أطولها في التاريخ المصري! — لجأ الناس إلى أضرحة الأولياء، يكنسونها — بالتعبير الشعبي — على الظالمين. وثمة معتقد أن كرامات الأولياء لا تنقطع بموتهم. ومنذ لمس محمد البرنس نعش سيدي محمد الزغبي، عندما طار في جنازته، والشيخ يظهر له دائمًا ليحيي أشواقًا غامضة مواراة لدنيا الإيمان الديني التي يمثِّلها الشيخ الزغبي.١٤ يقول محمد البرنس لأصدقائه: «مَن يشك فيكم أن سيدي ومولاي محمد الزغبي طارت خشبته بعد الصلاة عليه، وأخذت تطوف في الوسعاية، وأني لمستها حين كنت أقف في بلكونة إسماعيل، فإنه في الحقيقة يشك فيَّ أنا، ويعتبرني كاذبًا.»١٥ وكان الحاج علي قد طلب أن يُدفن بعد وفاته في أسوان، فلما لم تتحقق رغبته غادر قبره وهو في حال الموت — فعل ولي! — وذهب إلى موطنه ليدفن نفسه هناك.١٦
إن ضريح الولي — كما يقول الفنان — ليس مجرد كمية من الحجارة لكنه بناء له قداسة.١٧ (الملاحظ أن الولي الواحد ربما يكون له أكثر من مقام، في أكثر من مدينة). مع ذلك، فإن الولي المنقطع، أو المقطوع نذره، هو الذي لا يزوره أحد ليهدم ضريحه أو مقامه.١٨ واسم معظم أولياء القرى مبارك، لأن الفلاحين يستمدون منه الاطمئنان بأن زراعاتهم تحل بها البركة.١٩ واللافت أن أضرحة الأولياء في القرى قد تعلو الجسر، ليدفن أهل البلد موتاهم حوله، أو تهبط للحوض لينعم الزرع ببركة ولي الله.٢٠ وتروي لوسي دف. جوردون — في ثمانينيات القرن التاسع عشر — عن فلاح اقترب من ضريح الشيخ جبريل بالأقصر، وراح يوجه إليه حديثه: «ادعُ الله أن يرحمهم — زوجه وأطفاله — أيها الشيخ، وأن يطعمهم وأنا بعيد عنهم. أنت تعلم أن امرأتي قد سهرت الليل بطوله لتخبز لي كل ما كان عندنا من قمح، ولم يبقَ لها ولا لأولادي شيء يقتاتون به.»٢١ وعندما تأخرت زوجة إبراهيم أفندي عن الإنجاب، سافر الرجل إلى قريته، وزار ضريح ولي القرية ذي الكرامات الشهيرة، وهمس في سرِّه متوسلًا إلى ولي الله أن يتشفع له، ويحقق أمله، ويرزقه ولدًا، ونذر أن يذبح عجلًا لو جاءه الولد.٢٢ ومع أن الدنيا أقبلت على الست عنباية في كل شيء، فإنها ضنَّت عليها بنعمة الإنجاب، ومن ثَم فقد لجأت إلى أهل الله من العارفين والواصلين، وطافت بأضرحة الأولياء.٢٣ وكان حضور سيدنا الحسين هو الذي دفع عن كمال الصغير الشر، لمَّا أحاط به الجنود الإنجليز، وراحوا يداعبونه.٢٤ والقاهرة عند الكثير من أبناء الريف هي: الأزهر، والسيدة زينب وسيدنا الحسين والسيدة عائشة والسيدة نفيسة وفاطمة النبوية وغيرهم من الأولياء، وهي ليست شيئًا آخر قطُّ.٢٥ بعد أن يضع القادمون من الريف حقائبهم في بيوت الأهل الذين يستضيفونهم، يبدءون حالًا رحلة تشغلهم ويعدون أنفسهم لها قبل أن يأتوا إلى القاهرة. يزورون أضرحة آل البيت وأولياء الله الصالحين،٢٦ ويحرصون على الصلاة في السيدة زينب، والتبرُّك بمقام الحسين.٢٧ بل إن عادة الكثير من الأسر أن تنزل إلى القاهرة — مصر — كل عام لزيارة أولياء الله.٢٨ ويجيب المرء عن السؤال: إلى أين تسافر؟ يقول: أزور أحباب الله، أصلهم نادوني!٢٩ وغالبًا ما يؤدي القادمون من المدن الإقليمية الصلاة في جامع الحسين، أو جامع السيدة زينب.٣٠ وتقول الفنانة (بيت الأقصر الكبير) إن البلاد الإسلامية لا تجد هذه المشاعر القوية تجاه العذراء، أو السيدة نفيسة.٣١
يقين الناس أن من دخل مقام الولي — وبالذات إن كان من آل البيت — «وجد من الأنس بالله والروعة وترويح النفس ما ينسيه همَّه.»٣٢ زيارة أولياء الله — الحسين والسيدة زينب في الدرجة الأولى — واجبة إذا قدِم المرء للقاهرة في عملية شراء، أو لقضاء مصلحة في وزارة.٣٣ لذلك، فإن في مقدمة وداع المسافرين إلى القاهرة: «ما تنساش تقرا الفاتحة لأم هاشم، أو للحسين.»٣٤ فإذا توقع الناس «مصيبة» مثل وفاة مريض، أو فقد غائب، وما إلى ذلك، ثم عدم حدوث تلك المصيبة، فإن ما حدث يعلق — في أوهام الناس — على مشجب قبول شفاعات الأولياء الذين استغاثوا بهم. حتى لو شُفي المريض بعلاج الأطباء، ولو عاد الغائب لأنه لم يكن مفقودًا. وقد راجت في العام ١١٤٧ه (١٧٣٥م) شائعة بأن يوم البعث سيكون هو الجمعة السادس والعشرين من ذي الحجة. وراح الناس يودِّعون بعضهم البعض، ويهيمون على وجوههم خارج البيوت. وأتى السادس من ذي الحجة، ومضى، دون أن تتحقق الشائعة. وتناقل الناس حكاية — مجهولة المصدر — تؤكد أن السيد البدوي وإبراهيم الدسوقي والإمام الشافعي، قد تشفعوا للناس عند الله، فقبِل تأجيل القيامة!٣٥ ومعتادو زيارة المساجد خصَّصوا يومًا لكل مسجد. فيوم الجمعة لزيارة الإمام الشافعي؛ حيث القراء يقرءون متتابعين من العصر إلى المغرب، ويوم الأحد لزيارة السيدة زينب، وليلة الثلاثاء للحسين حيث الحضرة الكبيرة التي يؤمُّها وجوه الصالحين. أما ليلة الأربعاء فلزيارة السيدة فاطمة النبوية، وليلة الجمعة لزيارة المحمدي حيث يقيم السادة الدمرداشية «المحيا» مرددين أدعيتهم، قارئين ما يختارونه من السور.٣٦ والأولياء الأربعة الكبار هم: السيد أحمد الرفاعي، والسيد عبد القادر الجيلاني، والسيد أحمد البدوي، والسيد إبراهيم الدسوقي. وإلى هؤلاء الأقطاب الأربعة يرجع الكون والتصرف فيه، وهم يظلون كل الأولياء بلوائهم. ويضيف الشيخ علي الغاياتي: «كذلك قال الجهلاء.»٣٧ وإذا استعصى حل أية مشكلة، فإن النذر يُستحب لأحد الأولياء، ولو بشمعة واحدة، حتى يقوم بحلِّها. بل إن الأولياء يستطيعون إخضاع الجن لنفوذهم. ويُسمَّى كل ما يصدر عن هؤلاء الأولياء بالكرامات. وثمة حديث — مكذوب؟! — منسوب إلى الرسول يقول: «إذا أعيتكم الأمور، فعليكم بأصحاب القبور.»٣٨
وطبيعي أن كرامات الأولياء لا تصل إلى سر كل الأمراض، فلكل شيخ مرض يشفيه. عرفوا التخصص من قبل أن يعرفه الطب الحديث … فسيدي البيدق يشفي من الصداع، ويزوره المرضى بعد صلاة العصر. سرُّه الباتع يتجلى بين العصر والمغرب. وأمراض الصداع شفاؤها مؤكد كذلك إذا علقت قطعة من ثياب المريض على بوابة المتولي. وأولاد عنان يشفون المريض بالهزال، وسيدي الشعراني يشفي مرض النفس والحسد، ويعالج مس إبليس،٣٩ ولا بد من زيارة ضريحه مرتين في اليوم، في الفجر وعند الغروب. إنه كبعض الأطباء الذين يحتِّمون على مرضاهم عيادتهم في اليوم مرتين، وإن لم يكن هناك ضرورة. أما السيدة نفيسة العلم فيزورها مرضى العيون.٤٠ وأما سيدي الكلشاني، فإن أمراض الغيرة هي تخصُّصه، ولكن سيدي الكلشاني كأولئك الأطباء الذين يحترمون المواعيد، فلا بد أن يزور المرضى ضريحه وقت أذان العصر بالتحديد. بركاته تفيض في أثناء الأذان، فتذهب بالغيرة النازلة بصدور مرضاه الواقفين ببابه. أما سيدي أبو السعود الجرايحي فهو طبيب الجِراح.٤١ إنه يشفي — بإذن الله — دون غرفة عمليات ولا غرف إنعاش ولا ذل الحصول على فصيلة الدم المطلوبة. وأما سيدي العدوي، فإنه موكَّل — فقط — برد التائه إلى أهله. وأما سيدي عبد الرازق — الولي السكندري — فهو يصرف شيطنة الولد بشربة ماء.٤٢ ويحتكر الشيخ أبو السعود علاج النسوة اللائي عليهن عفاريت. حتى الخلافات الزوجية لها وليُّها المتخصص، وهو الشيخ يحيى.
والملاحَظ أن الأولياء ليسوا في كل الأحوال جسرًا بين الله والراغبين في التوبة أو العدل. إن التوبة، أو التماس العدل، تُلقَى — أحيانًا — أمام أضرحتهم باعتبارهم يُقصَدون لِذاتهم، وليسوا واسطة. وعلى سبيل المثال، فإن كامل رؤبة لاظ حين أراد أن يكفِّر عن ذنبٍ ارتكبه، سعى إلى ضريح السيدة زينب، وتقدَّمته أمه إلى المقام وهي تهمس بمرارة: جئتك يا أم هاشم بكامل ليتوب عن هفوته بين يديك، فباركيه وسدِّدي خُطاه. ودعا كامل أم هاشم — بقلبه — «أن تلهمني الصواب، وأن تنقذني من حيرتي وشقائي، وأن تتوب عليَّ.»٤٣ وثمة من يستجدي صاحبة — أو صاحب — المقام على خصمٍ له، يسألها أن تخرب بيته، وتيتِّم أطفاله.٤٤ ولضمان وصول الدعاء، تخلع المرأة غطاء رأسها، ثم يعلو صوتها بالدعاء.٤٥ وفي آثار الشيخ مصطفى عبد الرازق «أن الشيخ س. كان قبل أن تُفتَح في وجهه سُبُل المال، محسوبًا على السيدة زينب — رضي الله عنها — وشهد من مناقب بنت النبي عجائب لا تُحصى. دخل مرة إلى مقامها وهو ذو عسرة، فأفضى بشكواه، ثم صلَّى ركعتين، وجلس مطرقًا. وبينما هو في سهوه، رأى السيدة خارجة من قبرها الذكي في حُلل من سندس وإستبرق، تحمل صرَّة وضعتها بين يديه، وأسرعت إلى مضجعها الأبدي. قال الراوي، وهو عندي ثقة: ولا يزال الشيخ يحتفظ بالصرَّة، وببعض تلك النقود، تبركًا.»٤٦ وقد تأكد لسيد عويس أن الإمام الشافعي، في عقول مرسلي الرسائل، هو شخص حي، على الرغم من مرور مئات السنين على وفاته.٤٧

والواقع أن النظرة إلى ظاهرة إرسال الرسائل وتقديم النذور إلى ضرائح الأولياء، يجب أن تتم في ضوء معاناة أصحاب الرسائل والنذور، وأن الرسائل تعبير عن لجوء أصحابها إلى الأولياء، كمحاولة نجاة — يائسة — من الظروف القاسية التي يحيونها، وأن تساعد السلطة القائمة في تثبيتها، بدلًا من أن تكون هي أداة الإنصاف والعدل. لقد شكا حوذي تشيخوف مأساة موت طفلته إلى الحصان، لما أخفق في محاولته أن يروي المأساة للناس. وقد لجأ البسطاء من المصريين إلى أضرحة الأولياء، يبثُّونها شكاياتهم حين أخفقوا في محاولاتهم أن تنصت الدولة — أو الأفراد الممتازين — إلى تلك الشكايات:

تعرف يا سعداوي … بروح أصلي العشا وأقعد جنب المقام أحكيله اللي في ضميري … وساعات أفوت على السيدة زينب أقرا الفاتحة … دوا همَّه اللي حموا البلد … ولولاهم كان بقى عاليها في واطيها.٤٨ وكان الناس يعتقدون في رؤية صور الأولياء يوم العيد في مقام سيدي مدين. دخل رجل إلى المقام — في صباح يوم عيد — وهتف: يا سيدة زينب، وظهرت له — كما روى فيما بعد — صورة السيدة زينب وهي ملثمة فوق ظهر جواد.٤٩
من هذه الزاوية، يجدر أن تتحدد نظرتنا إلى تقبيل أهالي الريف عتبات جوامع الأولياء الرخامية بشغفٍ ووله،٥٠ وإلى إيمان أهالي قرية مصرية بأن شجرة الجميز الضخمة القائمة بجوار ضريح سيدي خضر ترتوي من دم الولي نفسه،٥١ وإلى إيمان أهل الدلاتون بقداسة ولي الله الشيخ بيومي، واعتباره شفيعًا في الأولى والآخرة، ودافعًا للشر، ورادًّا للقدر، ومبادرتهم بإيذاء من يتصور غير ذلك.٥٢ ومن هذه الزاوية أيضًا، يأتي الربط بين وجود عددٍ كبيرٍ من المساجد في حي الجمرك بالإسكندرية، وفي مقدمتها جامعا أبو العباس وياقوت العرش، وبين استقرار الحياة في الحي، وزيادة الكثافة السكانية، لأن أضرحة الأولياء تكون مراكز جذب للسكان، باعتبار أن الأهالي ينزلونهم من أنفسهم منزلة عظيمة، لأنهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وكان ذلك ما حدث بالفعل في قنديل أم هاشم، حين حرص الجد — محسوب السيدة زينب — على الإقامة بجوار جامعها.٥٣ إن السيدة زينب — وآل البيت بعامة — بضعة من رسول الله، انحدروا من صلبه عن فاطمة عبر الأجيال، قلة هم، لكنهم أقرب خلق الله إلى الله.٥٤
ولعل الإيمان بالأولياء يجد تجسيدًا له، في تلك الصورة الطريفة التي يقدمها الفنان في رواية «في قافلة الزمان»: «داعب أذان الفجر صوت المنادي قبل الفجر: الصلاة يا مؤمنين الصلاة … الصلاة خير من النوم. فهبَّ أهل البيت من رقادهم، وقام النسوة يجهزن أبناءهن المرضى لزيارة أضرحة الأولياء في الفجر، يلتمسون البرء من أسقامهم. وفتح باب الدار في عماية الصبح، وخرج ثلاث خادمات يحملن ثلاثة أطفال، وما بلغن الشارع الرئيسي حتى افترقن، فما كن ذاهبات إلى ضريحٍ واحد، فإن الأطفال لا يشكون من مرض واحد.»٥٥ ولما اعتصر الألم قلب محسن الصغير نتيجة لفشل حبِّه، لم يجد إلا ضريح السيدة زينب ملاذًا يلتجئ إليه. يتناول بيده قضبان الحجز النحاسية، ويهمس ملهوفًا من صميم قلبه: يا سيدة زينب! يا سيدة زينب! يا سيدة زينب!٥٦ وليس ثمة عروس تدخل دار زوجها قبل مرور موكبها على ضريح الحسين، وقراءة الفاتحة له، وما من ميت يموت إلا ويُصلى عليه في الحسين مهما بعدت الشقة، ومهما أصاب المشيعين من تعب. ومن كرامات الأولياء، ذلك الحادث الغريب الذي قال الكثيرون من أبناء الإسكندرية أنهم شاهدوه بأنفسهم، وهو سقوط طوربيد على ضريح سيدي أبو الدرداء في أثناء غارة جوية في الحرب العالمية الثانية … لكن يدي أبو الدرداء (ترابها زعفران) التقطتا الطوربيد قبل أن يسقط، وقذفتا به في البحر. بسط أبو الدرداء ذراعيه، وتلقَّى في حضنه الطوربيد الهائل المندفع كالصاعقة، فإذا هو برد وسلام، وطار به كلمح البصر أو أسرع، فوصل به في الحال إلى أكمة الشلالات العالية الخضراء الخالية من الناس، ووسده الأرض على جنبه، وقد نزع شرَّه وأذاه، فرقد بين الشجر الملتف الأغصان، حديدًا باردًا ميتًا بلا حول ولا قوة.٥٧ وكان سيد زهير يقرأ الفاتحة للشيخ أبي طاقية كلما مرَّ به. كان يؤمن بكرامات الشيخ الذي كان ضريحه مجاورًا لبيت البطل بدمنهور. وحين قامت ثورة ٢٣ يوليو، اعتبرها البطل كرامة من الولي. وتحمل قصة «عالم الأسرار» لمحمود البدوي إيمانًا مطلقًا بكرامات الأولياء ومكاشفاتهم. أراد المهندس أن يزيل ضريحًا ليشيِّد بيتًا في مساحة الأرض التي تشمله. وحفر العمال الأساس في قطعة الأرض كلها وأبقوا مكان الضريح. لم يجرؤ أحدهم على الاقتراب منه. قالوا إنهم كلما شرعوا في إزالته، شُلَّت أيديهم، أو حدث لهم حادث. وأصر المهندس على إزالة الضريح، وأمسك بالفأس أمام العمال ليريهم بأن الأمر أسهل مما يتصورون ويقدِّرون. ضرب بقوة في الجدار، فانخلع قالب واحد من الطوب، ولكن انخلعت ذراعه معه. «وأحسستُ بمثل النار تسري في كفي اليمنى، وبسواد شديد يزحف أمامي حتى أظلم المكان. ولم أقوَ على حمل الفأس، فألقيتها وأنا أتصبَّب عرقًا، ونظر إليَّ العمال في ذهول، ثم صاح أحدهم: شهدنا لك يا سيدنا الشيخ! وصفقوا وهلَّلوا. وتركتهم مخذولًا. أخذت أفكر في هذا العالم الآخر، عالم الأسرار. وتذكرت الحلم والشيخ الذي جاءني في المنام، وكلَّ ما دار في رأس العمال من مخاوف بسبب الضريح، وقلت إن هذا عالم آخر يعلو عن فهمنا وإدراكنا، وأسراره لا تحيط بها عقولنا. إنه عالم الأسرار لا ندرك منه شيئًا، وأبقينا على الضريح في مكانه، بل بنيناه بالحجر والجرانيت من جديد، وزيَّناه، ووضعنا في سقفه القناديل، وإنه الآن مصباح العمارة ونورها. وقد أخذت ذراعي في التحسن، فأنا الآن أستطيع تحريكها، وأعتقد أنها ستُشفى تمامًا.»٥٨ القصة مشابهة لرواية «أبناء الإسكندرية» عن ضريح الولي أبو الدرداء، الذي حاولت بلدية المدينة نقله إلى مكان آخر، حتى لا يتوسَّط الشارع، لكن واحدًا من العمال توقفت يده وأصيب بالشلل، فامتنع بقية العمال عن الاستمرار في العمل، وانتشر خبر الحادثة في المدينة كلها، مما اضطر البلدية إلى الرضوخ للاعتقاد الجمعي، والإبقاء على الضريح في مكانه، والاكتفاء بتوسيع الشارع من جانبيه ليسهل سير وسائل المواصلات.٥٩ وفي قصة «عتريس الأكبر» لم يكن أحد يعرف من هو الشيخ المظفر صاحب الضريح الذي يعترض الطريق، ويقف بقبَّته الجميلة على ناصية شارعين أحدهما يحمل اسمه الموقر. هو المظفر، وهذا يكفي للتعريف به، وله تحت القبة ضريح عظيم ترتفع فوقه عمامة خضراء كبيرة، تستطيع أن تراها خلال نافذة نحاسية منقوشة، ومن ورائها حوض من الرخام أُعد لوضع الشموع. ولم يسأل أحد عن حقيقة هذا الشيخ المدفون في الضريح، ولا عن كراماته التي جعلته يفضِّل البقاء في تلك البقعة، معترضًا الطريق السالك من شارع محمد علي إلى سبيل أم عباس، ثم يتلوى حتى يصل إلى ضريح السيدة نفيسة رضي الله عنها، ثم يموت عند المقابر. الشيخ المظفر، أو المظفر، أو سيدي المظفر، أراد أن يُدفن هنا، ولا شأن له بعد ذلك بالطريق التي يعترضها، ويُرغِم الناس على الالتفاف حوله حتى يسيروا صاعدين إلى ضريح السيدة نفيسة.٦٠ يقول الرجل: «ده كان سلطان على مصر. بس الناس دلوقت عملوه ولي من أولياء الله، وكل يوم يولعوا له شمعة. وأنا كل ليلة أفوت عليه، واقعد معاه شويه، وآخد منه شمعتين أنوَّر بيهم، والراجل ما قالش حاجة. عمره ما اشتكى. ده حتى بيفرح لما أزوره، ويقول لي يا سمادوني أنا متأسف علشانك لو كان عندي أكل كنت قدمت لك، لكن ما عنديش غير شمع. أصله لما كان سلطان المماليك، قتلوه، ورموه من القلعة. وقع في الحتة دي. قاموا مماليكه دفنوه مطرح ما لقوه وبنوا له قبة، وأهل مصر افتكروا إنه ولي من أولياء الله.»٦١

ولعل إيمان المصريين بالأولياء يصل إلى ذروته — في عمل أدبي — عندما ترفض عينا فاطمة النبوية (قنديل أم هاشم) أن تُشفيا بعلاج الدكتور إسماعيل، بينما يفلح الوهم، في زيت القنديل، في أن يعيد البصر إليهما.

•••

زيارة الأولياء خطوة ترافق زيارتنا لأقاربنا في المدن الأخرى، وبخاصة مدن الأولياء المهمِّين، مثل السيدة زينب والحسين والشافعي والرفاعي والبدوي والدسوقي وأبو العباس وغيرهم.٦٢ والأولياء لا يتمتعون بمكانة واحدة. ومن ثَم، فإن الناس يلجئون إلى الولي الأبعد صيتًا في تحقيق الآمال وتخفيف الآلام، أو البرء منها، فهو ولي «سرُّه باتع». الأولياء يتدرجون في المنزلة والمكانة، حسب ما ينال كلٌّ منهم من حيث تقدير الناس.٦٣ وتتميز أضرحة الأولياء ذوي المكانة الأرسخ بسجاجيدها السميكة الفاخرة، وشبابيكها المذهَّبة، ونجفها الفخم الكبير، والرائحة الغامضة الغريبة التي تملأ جوها، وتوحي بالرهبة والخشوع والإجلال.٦٤ وعندما قلَّت كرامات الشيخ عفيفي، خلال السنوات العشرين الأخيرة، فلم يعُد يتولى علاج المرضى، أو يتوسَّط لذوي الحاجات، أهمله الناس، ولم يغيِّروا كسوة ضريحه، حتى بهتت، وتهلهلت، وعلاها التراب، وقلَّت الشموع المهداة إليه شيئًا فشيئًا، حتى تلاشت تمامًا.٦٥ والملاحَظ — على سبيل المثال — أن حصيلة النذور في جامع السيدة زينب تفوق الحصيلة التي يحققها صندوق النذور في أي جامع أو مسجد آخر في مصر. حتى جامع الإمام الحسين الذي يُعَد أشهر جوامع مصر، على المستوى الشعبي، تقل حصيلة نذوره عما يحققه جامع شقيقته. مرد ذلك — في تقدير فتحي رضوان — أن المرأة القديسة أقرب إلى قلوب الناس من أولياء الله من الرجال، مهما يعلو مقامهم. فالمرأة إلى جانب طهرها وقداستها (هل يخلو الولي الرجل من ذلك؟) تمثِّل لأصحاب الحاجات من النساء والمستضعفين، الأم الحانية التي تطيل عليهم صبرها، والتي تعرف ضعفهم وعجزهم وقلة حيلتهم. وحين يرتكب المرء خطيئة، فمن الأصوب أن يلتمس التوبة بين يدي أم هاشم، السيدة زينب، فتباركه، وترشد خُطاه.٦٦ وكان الشيخ س — قبل أن يعرف الثراء طريقه إليه — محسوبًا على السيدة زينب. شكا أمام مقامها ظروفه المادية، ثم صلى ركعتين، وجلس مطرقًا «وبينما هو في سهوة؛ إذ رأى السيدة خارجة من قبرها الزكي، في حُللٍ من سندس وإستبرق، تحمل صرَّة، وضعتها بين يديه، وأسرعت إلى مضجعها الأبدي … ولا يزال الشيخ يحتفظ بالصرَّة، وببعض تلك النقود تبركًا.»٦٧ والسيدة زينب هي «بنت زين العابدين»،٦٨ وهي أم العواجز وأم هاشم، فهي الأم التي تَنتسب إلى بني هاشم. ومن أسماء السيدة زينب: أم العواجز، الباتعة، الأم الرءوم، الهاشمية بنت الإمام، العقيلة الطاهرة، كريمة الدارَين، صاحبة الشورى، وغيرها. لذلك فإن الذين يقصدونها في الأزمات والضوائق والشدائد أكثر من الذين يقصدون سواها، حتى لو كان أخاها.٦٩ وكان والى مصر يشاورها في شئون البلاد، فسُمِّيت «المشيرة».٧٠ وهي ترأس ديوان العظماء وذوي الرأي فهي رئيسة الديوان. وهي غفيرة مصر، وكم طالت أحاديث الشيخ درديري، خادم مقام السيدة زينب، بعد صلاة العشاء، للشاب إسماعيل، قبل أن يسافر إلى الخارج، ويصبح طبيبًا، عن ليالي الحضرة التي تجلس فيها السيدة الرئيسة للنظر في ظلامات الناس، ومن حولها الإمام الشافعي والسيدة سكينة والسيدة فاطمة النبوية٧١ (ثمة روايات أخرى، عن أسماء أولياء آخرين يقال إنهم هم الذين يحضرون مجلس السيدة زينب).
وفي ليلة الحضرة عند السيدة زينب — كما روى الشيخ درديري خادم الضريح للدكتور إسماعيل، قبل أن يذهب إلى أوروبا، ويعود طبيبًا — يجيء سيدنا الحسين، والإمام الشافعي، والإمام الليثي، يحفُّون بالسيدة فاطمة النبوية والسيدة عائشة والسيدة سكينة في كوكبة من الخيل، ترفرف عليهم أعلامٌ خضر، ويفوح من أردائهم المسك والورد، يأخذون أمكنتهم عن يمين الست، وعن يسارها، وتنعقد محكمتهم، وينظرون في خصومات الناس.٧٢
وقد التقى الراوي (ناني القطة السمراء) بسيدنا الخضر، الذي روى له حكاية قطة دخلت حياة أسرة، فغيَّرت فيها أشياء «لم أكن قد أبصرت وجهه في حياتي كلها مرة واحدة، رغم أن طفولتي كلها كانت ملأى بصورة هذا الوجه الكريم، منذ كنت أجلس في المساجد قبيل صلاة الجمعة، أستمع إلى ترتيل سورة الكهف، منتظرًا — في لهفة — ذلك الحوار المثير بين سيدنا موسى عليه السلام وسيدنا الخضر.»٧٣
وكان شبيكة — في النوبة — شيخًا أقيم له مقام مرتفع، على قمة جبل عالية في «الدر»، يتبرَّك به الناس من كل قرية، يذبحون له القرابين عند الطهور أو الزواج، أو يوفون بنذرٍ قطعوه على أنفسهم، ويعودون والرضا يشعُّ من عيونهم.٧٤ كان شبيكة جَدًّا أكبر لواحدة من عائلات النوبة. وكان — في اعتقاد أبناء العائلة — مقرَّبًا من الله، يعبر النيل في قفزة واحدة، أو يخطو على سطح الماء في يُسر، تمامًا كما يخطو الناس على الأرض، أو يتكئ على فرو يعوم به في المجرى، يهبط أو يصعد به في النيل، بلا معدية أو فلوكة، أو يصعد الجبال بلا طعام ولا ماء. فإذا اتَّكل على الله في الهجير ظلَّلته الغمامة، ويعطش فتمطر السماء لإروائه، وتقع الطيور مشوية عند قدميه.٧٥

وللنيل دور في المعتقدات الشعبية، يشابه تمامًا دور الأولياء، فمياهه تبرئ من العقم، وكثرة البكاء عند الأطفال، امتدادًا للمعتقَد المصري القديم.

•••

والنذور تأخذ صورًا عدة، فهي — أحيانًا — نذور عينية مثل الذبائح والمأكولات والشموع والسجاجيد والحصر وأدوات النظافة. وهي — أحيانًا أخرى — نقدية. وهي — أحيانًا ثالثة — طقوسية، مثل نذر صوم، أو صلاة لله، وغيرها.٧٦ وثمة أناس يوزِّعون — بصفة دورية — نذورًا تحتوي على شقق الفول النابت والعيش.٧٧ وقد نذرت الست زكية للسيدة زينب، أنه إذا نجح ابنها تعمل له خاتمة، وتوزع في مسجدها فولًا نابتًا وعيشًا على الفقراء والمساكين.٧٨ كما نذر الأسطى محمود دستة شمع للسلطان الحنفي لو جبر بخاطره، ونجح في الكشف الطبي.٧٩ ويطالعنا الراوي بشابٍّ جاوز العشرين، أحضرته أمه لختانه. وكانت الأم قد نُكبَت بوفاة أطفالها في العام الثاني من ولادتهم، ومن ثَم فقد نذرت ألَّا تختن وليدها القادم — هذا الرجل! — إلا بعد أن تعلو قامته على قامة الرجال.٨٠ ويقول الحكيم: «أذكر أن جَدَّتي قالت لي يومًا ونحن في الإسكندرية ذات صيف: سآخذك لزيارة مقام سيدي الطرطوشي! وهو مشهور بشفائه للأمراض، وخاصة للحمى التي كانت تلازمني ملازمة الرفيق السوء. كان هناك شرط لا بد منه: أن أفي بنذره المعروف، وهو الامتناع التام عن أكل الجبن الرومي. كان يقال إنه يمقت الجبن الرومي. وكنت — بالطبع — أصغر سنًّا من أن أناقش هذا القول، وأسأل: هل سيدي الطرطوشي — وهو من أولياء الله الغابرين — كان معاصرًا لظهور الجبن الرومي؟! نذرت ذلك النذر بكل إخلاص الطفل المؤمن الساذج، ونفَّذته بكل أمانة ودقَّة. أذكر أني لبثت مدة طويلة لا أقرب هذا الجبن، ولا أمسُّه بشفتي، مع حبي الشديد له. وشُفيت فعلًا.»٨١ الأولياء في يقين غالبية المصريين — بصرف النظر عن حظهم من المعرفة — هم آخر خيط من الرجاء للكثير من المرضى الذين تعز عليهم الصحة بالتردد على الأطباء.٨٢ أما سيدي المظفَّر — ينطقها العامة «المدفَّر» — فهو ولي صالح، قانع، لا يطلب من مريديه وزواره نقودًا، وإنما كل ما يطلبه من الذين ينذرون له، شمعة تُضاء بعد صلاة المغرب، أو بعد صلاة العشاء، خلف شباك مقامه النحاسي.٨٣ وحين يقصده البعض في شكاية، أو مطلبٍ بنذر، فإنه يوجِّه حديثه لصاحب الضريح — على سبيل المثال: «يا سيدي يا مدفَّر … بحق جاه النبي تكبسها وترقدها. إلهي وانت جاهي ترقد ما تقوم نفيسة بنت حوا وآدم. يا سيدي يا مدفر تعميه عنها، لا يمد لها إيد ولا يمشي لها برجل … يا سيدي يا مدفر ابعد سليمان بن الحاج محمود عن سكة نفيسة الملعونة بنت حوا وآدم … ندرن عليَّ يا سيدي يا مدفر دستتين شمع أولعهم لك في ليلة نص شعبان.»٨٤ ومع أن عديلة لم تكن تملك سوى جنيه واحد، فإنها احتفظت لنفسها بخمسة قروش فقط، قيمة تذكرة العودة إلى قريتها، ووضعت بقية المبلغ في صندوق النذور بجامع السيد البدوي.٨٥ والكثير من أبناء الريف يخصصون لأولياء الله نصيبًا في المحصول الزراعي، سواء كان قطنًا أو غير ذلك. ويباع نصيب الولي الموسمي، ويُودع ثمنه في صندوق النذور، أو يودع جزء منه في الصندوق، ويُشترى بالجزء الثاني أشياء عينية أخرى، مثل الشموع والذبائح، أو يُنفَق في الاحتفال بمولد الولي.٨٦ وكان عدد الموالد التي تقام في القاهرة كل عام حتى أواخر القرن التاسع عشر ٨٠ مولدًا. ومع أن الدين الإسلامي يَعتبر النذور من أعمال الجاهلية٨٧ فإن المعتقَد الشعبي الذي يؤكد قيمة النذر ودلالاته، فرض نفسه على الحكومة؛ فهي تخصص لها صناديق، وتتقاسم إيراداتها مع العاملين في المساجد.
أما إذا لم يتحقق نذر أو شفاعة، فإن العيب — بالقطع — في صاحب الشفاعة أو النذر. وعلى سبيل المثال، فإنه إن لم يحقق زيت قنديل أم هاشم تحسنًا واضحًا، فليس ذلك لهوان الزيت، وإنما لأن المريض يعاني قلة الإيمان، يعاني فقد البصيرة، ومن ثَم فهو يظل يثابر على العلاج حتى تشمله أم العواجز برضاها، فيبدأ المريض في التحسن، عندما أصيبت عين عوضين الفلاح بمرض، ذهب إلى الدير، وأخذ ترابًا من كنيسة «العدرة»، وضعه في عينه، لتُشفى.٨٨
واللافت أنه يصعب أن يوجد يوم على مدار السنة، لا يقام فيه احتفال بمولد ولي في مدينة أو قرية مصرية.٨٩ وعادة، فإن مولد الولي يستمر ثلاثة أو أربعة أيام. وربما امتدت ليالي المولد إلى سبعة أو عشرة أيام. وتختتم الليالي بليلة أخيرة تُعرف باسم «الليلة الكبيرة»، وهي الليلة الرئيسة، وبها ينتهي المولد. وبالطبع، فإن احتفالات المولد تقام في المكان الذي دُفن فيه الولي، أو المقام الذي ينتسب إليه. ومن أهم الاحتفالات، تلك التي تقام في مناسبة المولد النبوي، وموالد السيدة زينب والسيدة عائشة والحسين والسيد أحمد البدوي والسيد إبراهيم الدسوقي وأحمد الرفاعي وعبد الرحيم القناوي وأبي الحجاج الأقصري، وغيرهم … «ففي الشارع العام أعلامٌ تُنصب، وزينات تضرب، تنتشر كالعدوى من دكان إلى دكان، ومن بيت إلى بيت، وفي كل يوم عنصر غريب يبدو ويتكاثر — عنصر الدراويش والمجاذيب — فمن ذي عمامة استفحل أمرها إلى ذي قاووق قد تمادي طوله: هذا يقبض على سيف من خشب، يسير في رزانة ووقار، وذاك يلوِّح بصولجانه في رعونة وجنون، ومن ذات أسمال تنوء بما عليها من سبح وتمائم، اتخذت لها من إحدى الزوايا محلًّا مختارًا يقصد ما فيه طلَّاب التبرك والزلفى، إلى ذات أثوابٍ كقوس قزح، أخذتها الجلالة، فهي أبدًا ثائرة فائرة لا يستقر لها قرار. هذا مولد ولي الله في الحي.»٩٠
والمؤكد — تاريخيًّا — أن احتفالات المولد النبوي وغيرها من الاحتفالات الدينية، لم تكن قائمة في حياة المصريين إلى القرن الرابع الهجري، حين غزاها الفاطميون، فوسموا الدين بطقوسٍ واحتفالات ومواكب وأعياد، مثل الاحتفال برأس السنة الهجرية، وليلة المولد النبوي، وليلة أول رجب، وليلة المعراج، وليلة أول شعبان، وليلة نصف شعبان، وليلة رؤية رمضان، وعيد الفطر، وعيد الأضحى … بالإضافة إلى الاحتفال بمولد علي بن أبي طالب، ومولد الحسن، والحسين، والسيدة فاطمة الزهراء، التي يَنتسب إليها الفاطميون، ويوم عاشوراء الذي قُتل فيه الحسين في كربلاء.٩١ وانطلاقًا من كل تلك الاحتفالات، حرس المتصوفة على إقامة الموالد، للرسول، أو لآل بيته، أو تقيم كل طائفة احتفالًا بمولد قطبها.
كانت الدوسة من أهم مظاهر احتفالات الطرق الصوفية بموالد الأولياء. وفي ١٨٨٠م أصدر الخديو توفيق أمرًا بإلغاء «الدوسة» وغيرها من مظاهر الكرامات والأعمال الخارقة، مثل ابتلاع الثعابين وازدراد الزجاج ودق المسامير في الخدود والأنوف والأذرع والسير على حد السيف … إلخ، وكانت «الدوسة» — إلى ذلك الحين — مظهرًا مهمًّا من مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف. ثم أمر السيد البكري — عقب توليه نقابة الأشراف في ١٨٨١م ببطلان الدوسة، وإلغائها كلية من جميع الموالد والاحتفالات.٩٢ وقد احتج المؤمنون بكرامات الشيخ يونس — المدفون بجهة باب النصر — بأن الدوسة من كرامات الولي، وعمل بها من زمن، فلم يعترض عليه أي من العقلاء، لكن قرار إبطال البدعة ظل ساريًا. وأصل الدوسة أن الولي يونس ركب حصانه، وداس به على ألواح الزجاج، فلم ينكسر، وتحققت بذلك كرامة، كررها الأتباع باصطفاف أعداد منهم على وجوههم متلاصقي الأكتاف، فيطؤهم الخليفة بحصانه في أثناء سير موكبه.

•••

زيارة أضرحة الأولياء وقبورهم لا تستهدف مجرد الزيارة، أو حتى الدعاء لهم، أو الوفاء بنذر، لكنها تمتد فتشمل الشكوى من ضائقة، أو الاستغاثة من مكروه، أو الحصول على بركة.٩٣ تقول المرأة: «عندما تضيق بك الحياة، زُر أهل البيت، زُر أولياء الله الصالحين، وصلِّ ركعتين في كل مسجد، وتوجه إلى الله في الساحات الطاهرة، وسيزيل الله عنك الغمة.»٩٤

ويطرح السؤال نفسه: كيف تنشأ الولاية؟ وبتعبيرٍ آخر: كيف يستحق الولي صفته؟

لقد كانت المشكلة التي شغلت ذهن هارون هي حقيقة الولي شهاب الدين الذي يعمل خادمًا لمسجده، وماذا كان في زمانه المجهول. أكان الولي صاحب الكرامات التي تمشي بذكرها مواكب أهل الطريق مرة في كل عام، ضاربة دفوفها، ورافعة بنودها؟ أم لعله كان دجالًا لا يزيد؟!٩٥ ويشير الفنان إلى قبر شيخ وهمي، يقف أمامه الرجال والنساء، يقرءون الفاتحة، وهم ينظرون إلى السماء نظرة رجاء وابتهال، ثم يمسحون وجوههم بأيديهم، ليتم الله نعمته عليهم.٩٦ أما الشيخ عبد القوي، فقد مات عن أكثر من مائة عام، وكان رجلًا فاضلًا يهَب الآخرين خلاصة تجاربه وخبراته، فابتنى أبناء القرية له مقبرة كبيرة، تعدَّدت زياراتهم لها حتى صارت الزيارات حجًّا، وأصبح مولده من المناسبات المهمة التي تحتفل بها القرية.٩٧ وكان أهل القرية التي أقيم فيها ضريح سيدي خضر، يجهلون تمامًا من هو سيدي خضر، وكانوا — بالتالي — يجهلون تاريخه. ومن هنا فإن مولده لم يكن يُقام في يوم معين من أيام السنة، بل ولا في شهر معين. إنما كان يقام عندما يأخذ أحد أغنياء القرية على نفسه تكاليف إحياء ليلة المولد بالاشتراك مع العمدة.٩٨ وفي المعصرة ضريح يسميه الأقباط «برسوم العريان»، ويسميه المسلمون «سيدي محمد العريان»، ويقام له احتفال كل عام، يعتبره الأقباط عيدًا، ويعتبره المسلمون مولدًا، ويدَّعي كل الفريقين أن صاحب الضريح ينتمي إليه.٩٩ وكانت السيدة المسلمة العجوز تؤمن ببركة مار جرجس، وتؤكد أنه ولي من أولياء الله.١٠٠ وفي الإسماعيلية، ضريح ولي يُحتفل بمولده في كل سنة، ويُدعى الشيخ حنيدق. ويقول المسلمون إنه ولي مغربي، ويقول الفرنسيون إنه ناسك فرنسي، ويقول اليونانيون إنه قديس يوناني.١٠١ وقد بدأت حكاية سيدي الغريب بالسويس، لما رأى الخديو توفيق في منامه وهو ولي للعهد، شيخًا من السويس اسمه الغريب، أنبأه بأنه سيتولى الحكم عما قريب، وأوصاه — مقابلًا لنبوءته — أن يبني فوق ضريحه جامعًا. وتحققت الرؤيا، فقرر توفيق أن ينفِّذ ما أوصى به الشيخ في منامه. وتبرع فعلًا بخمسمائة جنيه من الذهب لإنشاء مسجد «الغريب» الذي أصبح — فيما بعد — ولي السويس وسلطانها وحاميها.١٠٢ ولعلِّي أستأذنك في أن أشير إلى بطل روايتي «بوح الأسرار» فرج عبده زهران، أو ابن شفيقة الذي مارس الجريمة، فلما مات أقام له الفلاحون ضريحًا، ونسبوه إلى الأولياء.١٠٣ بل إن بعض الباحثين يرجِّح أن يكون السيد البدوي خرافة تجسَّدت في أوهام الناس، حتى صارت عقدة راسخة، مثلما يعتقدون في الشيخ الأربعين والشيخ المتولي.١٠٤ وقد فسر الأستاذ الشيخ س إقبال الحياة عليه، وتمتُّعه بثراء مفاجئ، أنه كان محسوبًا على السيدة زينب، فدخل مرة إلى مقامها، وشكا من العسر المادي، وفوجئ بالسيدة خارجة من قبرها الزكي في حُلل من سندس وإستبرق، تحمل صرَّة وضعتها بين يديه، وأسرعت إلى مضجعها الأبدي.١٠٥ وبالطبع، فقد كان ذلك «السر» حيلة من الشيخ لإخفاء الهوية الحقيقية لثرائه المفاجئ! وعندما حاول الراوي أن ينبِّه أهله وأبناء حيِّه إلى حقيقة الشيخ مدبولي، ذلك الولي المؤمن الطيب الذي كُشف عنه الحجاب، وأن كل المعلومات التي يعرفها عن مشكلات حياتهم اليومية، مصدرها خادمات الحي اللائي يقدمن له المعلومات مقابل أجور رمزية، فإن الجميع — حتى أفراد أسرته — رفضوا تصديقه، ونبذوه من مجتمعاتهم تمامًا.١٠٦ وقد عاش أبو سيد ممثلًا للأسطورة الدينية في نفوس أبناء القرية، ولم يكونوا يجسرون على مناقشته في كل ما يرويه من بطولات وهمية، حتى جاء اليوم الذي أفاق فيه على صوت صبي صغير يرد فيه قولًا لأبي سيد عن أسد في أسيوط بأنه لا توجد أسود في أسيوط. ويغضب الشيخ لرد الصبي، وامتد غضبه إلى المدارس التي تعلم هؤلاء الصغار الملاعين الملاحاة والأسئلة السخيفة، لكنه — مع ذلك — يتوقع ريح العلم التي تدنو لتقضي على الخرافة.١٠٧ ثمة آراء تنفي خطوة الأولياء «فإن التوسل لا يكون إلا لله وحده لا شريك له.»١٠٨ وقد ظل عم رمضان خاضعًا — بإرادته — لسطوة الشيخ تهامي منذ وفاته، حتى كفر به أخيرًا — بعد أن تبيَّن له عبثية الإيمان بكراماته، والظروف المادية تحاصره بقسوة. حتى محاصيله سُرقت، أو التهمتها الدودة قبل جنيها، وسوَّى ضريح الشيخ بالأرض تمامًا، فلم يُصَب بالعمى كما توقع أهالي القرية، ولم تتعرض أرضه للبوار، وجاهر عم رمضان: بإذن الله … كل اللي دخل بطنه خرفان وعجول … حا يطلع على جتته برسيم وفول!١٠٩ ويهبنا الفنان صورة الاحتفال بمولد سيدي الماوردي: (يرجع سيد عويس إقامة المصريين لاحتفالات الأولياء في ذكرى وفاتهم، إلى صعوبة تحديد تاريخ الميلاد (الخلود في حياة المصريين المعاصرين، ٦٩)) دنيا حافلة، ناس يصرخون، ويذكرون، ويتهدجون «وهو قطعًا لا يدري. وإذا درى، فماذا يهمه؟ حقيقة أن بعض المجاذيب ينادونه في صرخاتٍ محمومة، لكن ماذا يستطيع أن يفعل لهم؟ وبعض المصابين والمحزونين ينادونه للتوسُّط لدى الله في قضاء حاجاتهم، وإزالة كروبهم، لكنه لا يعرف كيف يتوسط لهم، والله يسمعهم ولا شك قبله، وهو من غير شكٍّ لا ينتظر في إقامة عدله وساطة ميت.»١١٠ كما يعرض لنا الفنان صورة الموكب الذي كانت تختتم به احتفالات مولد السيدة نفيسة. يمرُّ الموكب من شارع محمد علي إلى جامع السيدة نفيسة. الطبل والزمر والبيارق والرايات والأذكار والنقرزان «ترى النساء الفواحش لابسات ملابس الرجال، ونسوة أخرى (هكذا) يقلدن المساخر بوجوه مشوَّهة معكوسة، وأسوأ حال، وكثير من الرجال والصبيان بملابس النساء مرتدون كأنهم أباليس أو عفاريت، والبعض عرايا كما خُلقوا يهتزون قيامًا على البغال والحمير بشكلٍ مزعجٍ مميت … إلخ.»١١١
والحق أن المسلمين الأوائل لم يشيِّدوا أضرحة ولا قبابًا لموتاهم، إنما حرصوا على دفنهم بالطريقة الشرعية، بحيث يبيد أثرهم بعد مدة، طالت أو قصرت. وقد عرف المسلمون الأضرحة والقباب والمساجد التي تُبنى فوق الميت، تأثُّرًا بالأديان الأخرى التي تعنى ﺑ «الموت» وﺑ «الميت». ويصف الرجل ضريح أحد الأولياء بأنه مجرد مبنى من المباني، أما الولي فجثمان.١١٢ ولم يكن الشيخ عبد الودود خادم مسجد السيدة زينب، يخفي رفضه لخرافة الرسائل التي تلقى في الأضرحة، وكان يجمعها بالمئات، ويحرقها؛ يعتبرها بدعة، ولأنها بدعة فهي ضلالة، وكل ضلالة في النار. وكان رأيه أن أهل البيت وأولياء الله يُقتدى بهم، ولا شأن لهم بالمظالم وعرائض الاسترحام.١١٣
الإسلام لا يعترف بوسيطٍ بين الله والناس، وآيات القرآن تنهى عن الإيمان بأية قدرة إلا القدرة الإلهية، وتستنكر تقديس اليهود والنصارى للأحبار والرهبان: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ.١١٤ بالإضافة إلى ذلك، فإن الرسول لم يزعم لنفسه الإتيان بالخوارق أو المعجزات، أو علم الغيب. إنما هو بشر لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم أُوحي إليه، فبلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ثم انتقل إلى الرفيق الأعلى. ما هو إلا رسول قد خلت من قبله الرسل. مع ذلك، فإن الغالبية العظمى من الشعب المصري دانت — ولا تزال — لسطوة الأولياء. وما من شكٍّ في أن ذلك الاعتقاد غير المحدود بكرامات الأولياء، قد أفرز نتائجه الضارة، فكل الحاجات يمكن أن تُقضى ببركات الأولياء، ولن يصيب المرء إلا ما كُتب له. أما «المصيبة» فإن سلطة الولي كفيلة بردِّها. وأما من يأخذ عهدًا على أحد الأولياء أو العلماء الصالحين (ما يلبث بعد وفاته أن يصبح وليًّا!) فإنه لا يخشى أذى الشيطان.١١٥ ليس المرء إذن في حاجة حقيقية لأن يعمل ما دام يلزم نفسه بتسديد نصيب الولي في دوابه، وفي مزروعاته، وكل ما يجنيه في حياته. ومهما يكن من حاجة الفلاح إلى ما يبذله للولي، فإنه يحرص على أدائه حتى لو رهن بعض أثاثه، أو استدان بالربا، ليتمكَّن من تأدية هذه الواجبات في المواعيد التي ألزم نفسه بها. لذلك، فإن الاتكالية هي أخطر ما أفرزه التوهم بأن بركات الولي، أو الشيخ، وشفاعته، تكفل قضاء الحاجات مهما بدت مستعصية؛ فلا حاجة إذن لسعي ولا عمل ولا علم ولا محاولة لاسترداد الحق. الحاجة تُقضى ببركات الولي، وما هو مقدَّر مكتوب، فلا حاجة للتعب والنصب.١١٦ وفي المقابل، فإن الانفصام الديني الذي ينهض على الاعتقاد في كرامات الأولياء، وأن شفاعاتهم تجبُّ كلَّ الخطايا والرذائل، ربما يكون دافعًا لإهمال الفرائض الدينية، بل والإقدام على الجريمة، مع التردد على ضريح الولي، وتلمُّس البركة، وأداء النذر، لتبرأ الذمة وتؤدي ما عليها من حق الدين! وكما يقول محمد فهمي عبد اللطيف، فإن «ذلك الاستغراق الوجداني الذي أخذ بعواطف الشعب في تقديس سكان الأضرحة والقباب العالية، والتعلق بأرباب المشيخة والدروشة، كان له أكبر الأثر في تفكير الشعب واتجاهاته الاجتماعية، وتكييف عواطفه وميوله واندفاعاته النفسية، حتى لتُعتبَر هذه الناحية عنصرًا من العناصر الأصلية التي تقوم عليها حياة هذا الشعب، وتتكوَّن منها شخصيته، وليس من شكٍّ في أنها ستظل هكذا إلى أمدٍ لا يعرف مداه إلا الله.»١١٧

الصوفية

المجذوب — في اللغة — هو من جذبه الله لحبه. وإذا كانت بعض الاجتهادات تنسب المجاذيب إلى الصوفية، فإنهم يمثِّلون بُعدًا سلبيًّا مؤكدًا. يصف الفنان المجذوبَ بأنه يرتدي خرقة ابن السبيل، حافي القدمين، يظلع في مشيته، محني الظهر، يستند على فرعٍ يابس من الحطب، لحيته طويلة لم يهذبها مشط، ويضع فوق رأسه عمامة خضراء كبيرة، ومن رقبته تتدلى مسبحة كاملة بها تسع وتسعون حبة.١١٨ وكان الشيخ متولي عبد الصمد — بالإضافة إلى كراماته في قراءة الغيب والدعوات الشافية وعمل الأحجبة — معروفًا بالصراحة وبالظرف، وبه متسع للدعابة والمزاح، ولم يكن يثقل على أحدٍ من مريديه بالزيارات. وقد تتوالى الأشهر وهو غائب لا يُعلَم له مكان. فإذا زار مريده بعد انقطاع، لاقى ترحابًا وأشواقًا وهدايا.١١٩
الاجتهادات تتعدَّد في الأصل اللغوي لكلمة «صوفي». ثمة مَن اعتبرها مشتقة من الأصل «صوف» أو «صفو» أو «صفف»، فنُسبَت إلى الصوف، وإلى الصفاء، وإلى الصف، وإلى الصفة، وإلى رجل يُسمَّى صوفة، وإلى صوفة القفا، وإلى بقلة اسمها الصوفة تنبت في الصحراء، وإلى الكلمة اليونانية «سوفيا».١٢٠ وثمة تعريف للصوفية بأنها «صفاء الأسرار ونقاء الآثار.» وقد سُمي الصوفية كذلك لأنهم «في الصف الأول بين يدَي الله بارتفاع هِممهم إليه، وإقبالهم بقلوبهم عليه، ووقوفهم بسرائرهم بين يديه.» وقيل إنهم سُمُّوا صوفية لارتدائهم الصوف. وعلى الرغم من خصومة العلماء والأشراف والحكام للطرق الصوفية، وميلهم إلى محاربتهم — ولو بصورة غير مباشرة — فإن شعبية الطرق الصوفية بين الجماهير زادت — ربما بتأثير كراهيتها للسلطة ووسطائها! — وانتشرت الطرق الصوفية في كل أقاليم الدولة العثمانية، وأصبح لكل حرفة، ولكل مجموعة من الناس، حلقة صوفية أو حلقات ذات صلة بإحدى الطرق الصوفية الكبرى.١٢١ ثمة ٦٨ طريقة، في بعضها فروع لطرقٍ أقدم؛ فالشاذلية فيها ١٤ فرعًا، والأحمدية ١٤ فرعًا، والبرهامية ثلاثة فروع، والغنيمية فرع واحد. واختلاف الطرق مبعثه اختلاف المناهج، منهج كل شيخ يختلف عن مناهج الآخرين. ومن هنا جاء القول «كل شيخ وله طريقة» أي له منهج في الوصول إلى الله؛ لذلك فإن الفنان يُدين شيوخ الطريق بأنهم «كانوا كثيرين، منبثين في أقطار الأرض، لا تكاد تخلو منهم المدينة أسبوعًا، وكانت مذاهبهم مختلفة، وكانوا قد تقسَّموا الناس فيما بينهم فجعلوهم شيعًا، وفرَّقوا أهواءهم تفريقًا عظيمًا.»١٢٢ بحيث ينشد أهل كل طريقة، ويصفقون على أنغام الناي ودق الدفوف، وينشدون تحت البيارق.١٢٣
والذكر هو البُعد الأهم في الطرق الصوفية. يصف الراوي حلقة الذكر: «بعد أن صلَّينا جماعة، انتظمنا عقدًا محور دائرته الحاج علي أبو يابس الذي كان يدير الحلقة، وابتدأنا الطبقة الأولى جلوسًا على هيئة التشهد، نهبط برءوسنا إلى الأرض، موقعة حركاتنا البطيئة المركبة على صيحاتنا الواضحة البسيطة بهذا الذكر: الله … الله! وأخذ المنشد يهتف بنغماتٍ متشابهة ما دد … ما دد، ثم وقف مدير الحلقة ووقفنا، وانتقلنا إلى طبقة ثانية، نهتز يمنة قائلين: آه … آه … الله، ونهتز يسرة قائلين أيضًا: آه … آه … الله! وأخذت النغمات الساذجة التي كان يردِّدها الشيخ محمود الصعيدي من غير تنويع تؤلف لحنًا موسيقيًّا، وجعلنا نستمع أنات ابن الفارض الغرامية موقعة توقيعًا إن فاتته مهارة الصناعة، لم يفته جمال الصوت، ولا حسن البديهة. وبعد ساعة، حمي وطيس الذكر، فأخذنا نهز رءوسنا هزًّا سريعًا متواليًا، تصاحبه صيحات: الله … الله … الله … الله. وعلا صوت المنشد، واشتد، فدَوى صريخٌ رنانٌ غير متمايز النغم، وصرنا من نشوة الذكر وحماسته، بحيث ترتج بنا جوانب المكان ارتجاجًا، ولم يَعُد في نفوسنا المملوءة بحرارة الهزات العنيفة موضع للطرب بصياح الشيخ الصعيدي: مِنى لمحبك مِني … أرض ما تمنى. ثم أوقف الحاج علي أبو يابس رحى الحلقة ساعةً ليستريح الذاكرون.»١٢٤ كانت حلقات — أو مجالس — الذكر حتى مطالع القرن العشرين عامرة بأعلام الفن وكبار المنشدين، أمثال عبده الحامولي ويوسف المنيلاوي ومحمد عثمان والشيخ المسلوب وسلامة حجازي وسيد درويش وعلي محمود وغيرهم. ثم تبدَّلت الصورة بتبدُّل نمطية الحياة، فانصرف المغنون والمنشدون عن مجالس الذكر وحلقاته إلى حفلات الإذاعة والصالات وتسجيل الأغنيات للسينما.١٢٥ ويعيب الراوي على جماعات الصوفية «أن تكون من دين الفطرة تلك الهزات المضطربة، وذلك الهدير تفيض به الحناجر. ولوددت أن أولئك المساكين إذ لم يستفيدوا من هذا العبث لأرواحهم، جعلوا منه نفعًا لأجسامهم، فنظموا حركاته على وجه يمرِّن عضلاتهم العامة، حتى يصير نوعًا من الألعاب الرياضية المفيدة، وحتى يمكن أن يلتمس له من الوجهة الدينية شبهًا بالرمي والوثب على الخيل، وقد ندب إليها الشارع ، وكثير من صحبه من بعده. كلا. إنهم حرصوا على حركات تقليدية تشوِّه جمال الخلقة الإنسانية ونظامها، وتشوِّش التناسب في النمو بين أعضاء البدن، وإنك لتعرف المدمنين على تلك الأذكار بعلاماتٍ لا تختلف؛ إذ تغلظ رقابهم وتندلق بطونهم وتربو أسافل ظهورهم.»١٢٦
وبالطبع، فإنه من الصعب أن تتحدد نظرتنا إلى الصوفية باعتبارها — فحسب — مواكب وأذكارًا وهزَّ رءوسٍ ودعوات وابتهالات وصراخًا. ثمة فلسفة خاصة يرتكز إليها التصوف، محورها مضمون الآية القرآنية: فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا التي كشف فيها الله عن بداية خلق الإنسان من أنه قبضة من تراب، ونفحة ربانية من روحه سبحانه وتعالى. وقد وجدت دولة المتصوفة — عند قيامها — تربة هي أصلح ما تكون لتلقي ثمارها. كانت في الوجدان المصري بقايا من معتقدات الديانات الفرعونية وغيرها، مثل الخضوع للكهنة، والإذعان لسيطرتهم، والفناء فيما يؤدُّون من طقوس. ثم أقبل الفاطميون بشعائرهم واحتفالاتهم وطقوسهم التي لم تكن تنتهي إلا لتبدأ، وبالمعتقدات التي أجادوا نسجها في داخل العقل المصري، وأبرزها الاتكال اللامحدود على شفاعات أولياء الله الصالحين وسكان الأضرحة. ثم هبَّت رياح الحروب الصليبية العاصفة والمدمرة، فزادت من لواذ البسطاء من المصريين بالأساطير والخوارق الدينية.١٢٧

•••

لم تجد دولة المتصوفة صعوبة في بذر ثمارها، وفي إحاطة العقل المصري بسياجٍ من المعتقدات الثابتة، والإيمان غير المحدود بسُلطة هؤلاء الدراويش الإلهية. كما أسهم في ترسيخ سلطة الصوفية، حرص الحكومات — أيًّا كان ميلها إلى الشعب أو ابتعادها عنه — على العناية بأضرحة الأولياء، وتجهيزها، وإقامة الموالد لهم، امتصاصًا لمشاعر المصريين — الطبقات الشعبية بخاصة — الذين يعانون الحاجة إلى المستوى الأدنى من الحياة. وقد حاول علماء الأزهر مواجهة هذا التيار الكاسح، وتنقية الدين من الشوائب والخرافات، لكنهم لم يقووا على الصمود طويلًا، فانقلبوا — للأسف — إلى النقيض. وحاول كل شيخ أن يصنع حوله المريدين والأتباع مثلما يصنع الدراويش، ولقَّب كلُّ شيخ نفسه بلقب شيخ طريقة، فتحوَّلت الصوفية إلى دولة هائلة في قلب المجتمع المصري، قادتها وأتباعها منتشرون في القرى والمدن والمساجد وأروقة الأزهر والخوانق والتكايا والزوايا، وفي الأضرحة، وتحت القِباب العالية.١٢٨ وعندما يدخل الشيخ قرية ما، فإنه يحلُّ بأحد بيوتها. يأتيه طالبو البركة والشفاعة والستر، يمسح على رءوس الأطفال ويتفل في أفواههم. يكتب — أو من ينوب عنه — الرُّقى والأحجبة للنساء العواقر اللائي يموت أطفالهن.١٢٩ ويصِف السيد إبراهيم الدسوقي المريدَ بأنه يكون مع شيخه على صورة الميت؛ «لا حركة ولا كلام، ولا يقدر أن يتحدث بين يديه إلا بإذنه من زواجٍ أو سفرٍ أو خروج أو دخول أو عزلة أو مخالطة أو اشتغال بعلم أو قرآن أو ذكر أو خدمة الزاوية أو غير ذلك.»١٣٠ وفي تقدير الصوفية أن بقاء العالم يرتكز إلى تدخُّل عددٍ محدود من طبقة الأولياء المستورين، كلما مات أحدهم خلَّفه غيره، وهم ثلاثمائة من النقباء، وأربعون من الأبدال، وسبعة أمناء، وأربعة عمد، وأخيرًا القطب أو الغوث.
إن مقياس التديُّن ليس في التعبُّد وحده، ليس في أداء الفرائض فحسب، وإنما في مدى الحرص على أداء ما يتصل بها من مظاهر إيمانية. لذلك وجدت الطرق الصوفية مجالًا طيبًا في الريف المصري. كانوا ينزلون إلى كل قرية في أعداد كبيرة، في المواسم المختلفة، مثل الحصاد والتخزين، فتتنافس العائلات في استضافتهم، وتقديم الهدايا لهم عند الرحيل.١٣١ بل إن الفنان يرجع ما كان (هل لا يزال؟) لأهل الريف من عقلية خاصة، فيها سذاجة وتصوف وغفلة، إلى الطرق الصوفية؛ كانت — في تقديره — هي السبب المباشر في تكوين تلك العقلية.١٣٢
حين بلغ الراوي الثانية عشرة، أعطاه أبوه عهد الرفاعية، ولم يترك له حرية تكوين الصداقات إلا في مجال مَن ربطه بهم من شيوخ المساجد ورجال الطريقة.١٣٣ ولما وقع حامد (زينب) في الخطيئة، فإنه حاول طرد شعوره بالذنب بالجلوس إلى أحد مشايخ الطرق الصوفية، ليعترف له. ومع أن زيارة شيخ الطريقة لأسرة «الأيام» كانت تستهلك كثيرًا من القمح والسمن والعسل وما إلى ذلك. وكانت تكلِّف صاحب البيت الاقتراض لشراء ما لا بد منه من الضأن والماعز، فضلًا عما كان الشيخ يحمله معه: بساطًا، شالًا من الكشمير … إلخ، فإن زيارة الشيخ وأصحابه كانت شيئًا ترغب فيه الأسرة «لأنه يمكِّنها من الفخر ورفع الرأس ومناوأة الأشباه والنظائر.»١٣٤
وأهل الطريقة — أو الدراويش١٣٥ — يُسمَّون «أهل الغيب»، وشيخ الطريقة يُسمَّى قطبًا، فكل طريقة دينية يقودها شيخ كبير، يعهد بسلطاته إلى ممثِّلين لفروع الطريقة، والشيخ الكبير يتمتع بسلطة مطلَقة على أتباعه، بل إن قوته الروحية تنتقل منه إلى ممثِّليه، وهو ما يذكِّرنا بشيخ الطريقة في «شجرة البؤس». ويشبِّه سيد عويس ظاهرة تعدُّد الطرق الصوفية بتعدُّد الأندية الرياضية وتعصُّبها، فهي تُعتبَر منفذًا لإخراج التوترات التي يواجهها الناس وهم يعيشون حياتهم، وهي أيضًا قد تُعتبَر مجالًا لتماسك بعض الجماعات أو الفئات.١٣٦ وقد بلغ نفوذ شيوخ الطرق الصوفية إحدى ذراه عندما أخذوا ينازعون علماء الأزهر ما كان لهم من دورٍ على المستويين الرسمي والشعبي، واحترام بين جموع المواطنين، إلى القرن الثامن عشر.١٣٧ وكان إدراك عرابي لنفوذ الطرق الصوفية هو الذي أملى عليه دعوتهم إلى معسكرات الجيش، ينشدون الأناشيد الدينية، ويستحثُّون الجنود، ويستنهضونهم، ويثيرون حماستهم. وبصرف النظر عن صواب تلك الدعوة أو العكس، فإنها تشي بمدى التأثير الغلَّاب للصوفية في المجتمع المصري عبر مراحل تاريخه المختلفة.
ومنصب شيخ مشايخ الطرق الصوفية يعود إلى عهد صلاح الدين الأيوبي، عندما أنشأ للصوفية خانقاه تُسمَّى «دويرة الصوفية»، بها عدد من المشايخ، حتى انتقلت إلى بيت البكرية، وكان آخر من تولَّاها منهم السيد أحمد مراد البكري، الذي تولَّاها عام ١٩٤٦م، ثم تولَّاها — من بعده — الشيخ الصاوي، وهو من علماء الأزهر، فالشيخ علوان، فالشيخ السطوحي، وكان آخر من تولى المنصب أبو الوفا التفتازاني.١٣٨
ولأننا لسنا في مجال تقويم التصوف كتيارٍ ديني، وكظاهرة، فإن الذي يمكن أن نشير إليه أن التصوف قد اختلط — أحيانًا — في الممارسة الفعلية، بالدجل والشعوذة والنصب على الغلابة والسذَّج، والسطو على أحلام البسطاء وتطلعاتهم، بل وهز عقيدتهم الدينية بما يضفونه عليها من طلاسم وألغاز وبدعٍ يأباها العقل. وكما يقول العقاد فإنه ليس من الإنصاف أن نحمِّل التصوف أوزار الأدعياء واللصقاء الذين يندسُّون في صفوفه نفاقًا واحتيالًا، أو جهلًا وفضولًا، لأنه ما من نحلة في القديم والحديث سلمت من أوزار اللصقاء الذين ينتمون إليها من غير أهلها. والملاحَظ أن الصوفية يؤكدون — في اجتهاداتهم — وجوبَ التزام الشريعة. فأبو الحسن الشاذلي يقول: «من دعا إلى الله تعالى بغير ما دعا به رسول الله فهو بدعي.» ويقول: «إذا لم يواظب الفقير على حضور الصلوات الخمس في الجماعة، فلا تعبأ به.» بل إن أبا يزيد البسطامي يقول في حسمٍ: «لو نظرتم إلى رجل أُعطي من الكرامات حتى يرتقي في الهواء، فلا تغتروا به، حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي، وحفظ الحدود، وأداء الشريعة.» ويؤكد الإمام الجنيد الصلة بين التصوف والشريعة في قوله: «الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على مَن اقتفى أثر الرسول واتَّبع سنته، ولزم طريقته.» بل إن الإمام مالك يذهب إلى القول: «من تشرَّع ولم يتصوَّف فقد تفسَّق، ومَن تصوَّف ولم يتشرَّع فقد تزندق، ومن تشرع وتصوف فقد تحقق.»١٣٩ وكان والد نور من الصالحين الذين أمضوا عمرهم في تقشُّف، واحترفوا تعليم القرآن والحديث وإعطاء العهود، وسعى إليه عددٌ كبير من طلاب العلم ومشايخ الطرق.١٤٠ ومما يحسب للصوفية تأثيرها الإيجابي الغلَّاب في القرن الثامن عشر، من خلال طوائف الحرفيين التي ساعد انخراطها في الطرق الصوفية على الاشتراك في الحركات الشعبية التي جرت في أحياء القاهرة المختلفة. وعلى سبيل المثال، فإن طائفة الجزارين بحي الحسينية ارتبطت بالطريقة البيومية، وتجار الفاكهة والحبوب في باب الشعرية ارتبطوا بالطريقة الشعراوية، وتجار الخضر من القلعة إلى الخليج ارتبطوا بالطريقة الرفاعية، وهكذا.١٤١ وكان الراوي صبيًّا يجني القطن في ضِياع أحد الأمراء، فلما لسعته العصا، أبَقَ ولم يعُد، وانتسب مواطنًا في دولة السيد البدوي.١٤٢

شجرة البؤس

لعل أهم ما تمثِّله رواية طه حسين «شجرة البؤس» أنها تعرض لتأثير تلك القوة الهائلة، المسيطرة، في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين. فعلى الرغم من التناقضات الحادة بين كل شخصية وأخرى، فإن كلَّ الشخصيات — التي تحيا بين الريف والحضر — تسلِّم أمرها كله لله، وللقدر الذي يتحكم في مصائر الناس، ثم لشيخ الطريقة الذي يصل الناس بالله وبالسماء، والذي تصدر تعاليمه وأقواله كأنها إرادة الله، فيتلقَّاها الجميع باستسلامٍ وخشوع ورجاء. وكما يقول زكي نجيب محمود: «فلم يكن التفكير العقلي عند أهل «شجرة البؤس» هو المدار في تسيير الحياة، بل والحياة الخاصة، وإنما كان هو الشيخ، وما يحكم به.»١٤٣ إنهم يسعون بحثًا عن الرزق، ثم يمضغون ذلك الإيمان الذي أصبح جزءًا من حياتهم، إيمان بالقوة الهائلة المسيطرة في السماء، وبالقوة الدينية التي ينطق الشيخ بلسانها في الأرض. إنهم — على حد تعبير توفيق الطويل — يستكينون له، ويؤمنون بدجله، ويستسلمون لسلطانه، ويستحيلون أداة في يده، يعوزها العقل، وينقصها الحس.١٤٤ خالد — مثلًا — يذعن لإرادة الشيخ، ويقبل الزواج من فتاة دميمة شوهاء هي نفيسة، على الرغم من معارضة أمه التي كانت ترى في ذلك الزواج غرسًا لشجرة البؤس في البيت. قالت لزوجها، تثنيه عن موافقته: «ثِق بأنك ستندم على ما أنت مقدم عليه من الأمر، وبأنك إن أتممت هذا الزواج لم تزِد على أن تغرس في دارك شجرة البؤس.» وقال لها الرجل في نبرة قاطعة: تخيَّري … فإما أن يُعقَد هذا الزواج، وإما أن تفصم عقدة الزواج بينك وبيني، فأقسم لنعودن إلى مدينتنا أربعة، أو لتعودن إلى أهلك وحيدة. فسكتت المرأة كارهة، وعادت إلى بيت زوجها في المدينة، فلم تبرح غرفتها مقهورة محزونة، حتى أدركتها الوفاة، وكان آخر ما قالته لزوجها: «ليكن مرضي وموتي كفَّارة عما جنيت بتزويج ابننا من هذه الفتاة، فإنه أمر الشيخ، وليكن مرضي وموتي كفَّارة عن الشيخ أيضًا.»١٤٥ وعندما ينصح الشيخ بزواج الأب أيضًا، فإنه يقبل النصيحة كأنها قدر، ويتزوج. إن شيخ الطريقة في الريف هو الضامن لنعيم الجنة وحورها، وهو الحاكم بأمره، المنعِم المُسعِد المشقي، بيده الأمر، وإليه ترجع القرية.١٤٦ ذلك لأن «المريد الذي يتردد في طاعة شيخه إذا أمره بإهمال الصلاة، أو الكفِّ عن الصيام، أو تطليق زوجته وفراق أولاده، لغير ما سبب معروف، لا يفلح في الطريق أبدًا، ولو كان على عباده الثقلين.»١٤٧

فهل يمكن القول إن مأساة الأسرة في «شجرة البؤس» كان باعثها شيخ الطريقة، أو بتعبيرٍ آخر: إيمان أتباعه المطلَق بما يشير ويرى ويفعل، وأنه — أي الشيخ — هو الذي زرع شجرة البؤس في حياة الأسرة، وفي توالي أجيالها؟

لقد كان تحرك الجميع في الرواية، في إطار قول الله تعالي: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا. أحداث الرواية تنطلق من مشورة الشيخ وأوامره ونواهيه. كان الشيخ هو الذي زوَّج ابنَي علي وعبد الرحمن، الشاب للفتاة: «يا علي، زوِّج ابنك، وليَعِنك على ذلك عبد الرحمن.» غرس الشيخ بكلماته شجرة البؤس في دار علي، واطمأن الجميع إلى غرسه، حتى مَن حاول الاعتراض، فإنه واجه الغضب من الآخرين، فابتلع غضبه، وسكت. كانوا يجدون الخير، كل الخير، فيما اختاره الشيخ، وفيما أمر به ونهى عنه، قضاؤه من قضاء الله ورسوله. حتى عبد الرحمن الذي أمره الشيخ بتزويج ابنته الدميمة من خالد، ضايقه الأمر لما يعلم، ويرى، من قُبح ابنته، لكنه ما لبث أن طمأن نفسه بالقول: «أَوَ ليس قد أمر الشيخ؟ وأيُّنا يقدر على أن يختار لنفسه غير ما اختار الله له؟ لم يكن بوسع المريد أن يسيء الظن بشيخه، أو يتردد في امتثال أمرٍ تلقَّاه عنه، ولو كان يقضي بطلاق زوجه وفراق أولاده.»١٤٨ ولمَّا عرف خالد أن الشيخ سيختار بيته لإقامة حلقة الذكر إذا زار المدينة، غلبه تردُّد، ثم مال إلى الموافقة، لأنه لم يألف مخالفة أمر الشيخ، ويَعتبر نفسه مدينًا له بكل ما في حياته من خير وشر. وقد بلغ تأثر خالد بشخصية الشيخ وكلماته وأوامره، حد التصور بأن امرأته الدميمة «بارعة الحسن، رائعة الجمال، خفيفة الروح، ساحرة الطرف، خلابة الحديث» فهو يفزع إلى الله — عقب كل صلاة — ألَّا يجعل منها فتنة تصرفه عن العبادة والتقوى والتماس المعرفة من الشيخ.١٤٩ وكان رد الشيخ على شكوى علي وأصحابه من التجار، من منافسة الأجانب لهم في التجارة: لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم أكد أن أكثر أهل النار من الأغنياء الذين يكنزون الذهب والفضة. كان الرجال أشد خضوعًا للشيخ من النساء، ربما لأن صلته بالرجال مباشرة، فهم يتبعونه أينما حلَّ، ويلازمونه في كل مجالسه. وكان يحرص — دومًا — على تأكيد قدرته المستمَدة من قدرة الذات الإلهية، لا يوغل فيما قد يُدينه، ويضع كلماته في إطار الاختلاق أو الكذب، لكنه يكتفي بالتحديق في وجه أحدهم، يحاول تفهُّم ما يعانيه. ثم يلقي إليه ببضع كلمات لا تعني شيئًا محددًا، ولا تبذل نصيحة بالذات. يذكِّرنا بما فعله الشيخ علي الجنيدي — بعد أيام «شجرة البؤس» بعشرات السنين، حين اكتفى بالقول ردًّا على شكوى سعيد مهران (اللص والكلاب) من حصار المشكلات لحياته: قُم، توضأ وصلِّ. لكن شيخ «الشجرة» في الحقيقة لم يكتفِ بتلك النصيحة التي تُقال للخاطئ والمؤمن، تُقال للإنسان في تطورات حالته النفسية. كانت كلماته تتضمن نهيًا عن المنكر وأمرًا بالمعروف. تلد زوج خالد بنتًا للمرة الثانية، ويلحظ الشيخ ملامح الخيبة، فيقول: حسنة وأنا سيدك. إن فقراء الترك يقولون هذا لأغنياء المصريين، فأما أنتما فتقولانه للغنى عن الناس، وعن كل شيء. ويضيف فيأمرهما بالصوم والدعاء وإطعام المساكين لكي يتوب الله عليهما. ويؤكد قدرته الإلهية بالقول: سأعرف ذلك في وجوهكما! والحق أن علي قد أظهر استجابة للتطورات التي شهدها المجتمع، أما سليم فقد ظل رافضًا لتلك القوى الغريبة، الوافدة، والتي أوشكت أن تغيِّر صورة المجتمع العام.

ومع أن الرجال كانوا يعتبرون كلمات الشيخ أوامرَ واجبة التنفيذ، لا يحاولون السؤال أو النقاش، فإن النساء كن يجاهرن بإبداء الضيق، وبالرفض. رأت أم خالد عروس ابنها، فصاحت تنعى دمامتها «واستقبلت زوجها كأسوأ ما يُستقبَل الزوج، وقالت له في نفسه، وفي شيخه أسوأ ما يمكن أن يقال» ولم تسكت المرأة عن إبداء رأيها إلا حين أنذرها زوجها بالطلاق، وما لبث أن لحقها المرض بتأثير الزيجة التي لم تكن راضية عنها. وأعلنت أن وفاتها المرتقبة كفَّارة عن الشيخ؛ لقد أذنب الشيخ، وهي تكفر عن ذنوب بعمرها. امرأة أخرى، جاهرت برفضها لأوامر الشيخ. عندما تساءلت أم خالد عن بواعث تعيين الشاب في مدينة نائية، قيل لها: إنه أمر الشيخ، فهتفت في غضب: خلُّوا بيني وبين الشيخ، فلئن لقيته لأغيرن من رأيه، فإن لم أستطع فسأعصي أمره مجاهرة له بالعصيان. أما المرأة الثالثة التي أشفقت على أسرتها من تدخل الشيخ في أمور حياتها، فهي زبيدة زوجة سليم. حين أمر الشيخ بطلاق خالد لنفيسة، وخطبته لمنى، أعلنت أن نفيسة لم تختر لنفسها القُبح، ولم تؤذِ زوجها في نفسه أو في بيته، ولم تدع المرض إلى نفسه. ففيم كان إعراضه عنها؟ فيم كان هذا الطلاق؟ وفيم كانت هذه الخطبة؟

وعلى الرغم من النتائج السلبية التي أحدثتها نصائح شيخ الطريقة الصوفية في «شجرة البؤس»، فإنه يُعَد — على نحوٍ ما — مثلًا سلبيًّا لما كان عليه مشايخ الطرق الصوفية آنذاك. كانوا أقرب إلى اتِّباع الشعوذة والتنكُّر لتعاليم الإسلام، والإقبال على المحرَّمات، ونشر التحلل والفساد بين أتباعهم توصلًا لأغراضٍ خاصة.١٥٠ وكما يقول توفيق الطويل، فقد كثر مدَّعو الطريق «وتهيأ لهم سلطان واسع النطاق، وتغلغل نفوذهم في شتى الطبقات ومختلف الهيئات، وأضحى لهم من المريدين والأتباع كثرة يستعبدها سلطان الشيوخ استعبادًا فادحًا، وكلهم يدَّعون القدرة على فعل الكرامات وإتيان خوارق العادات، والناس يستسلمون لهذه الظواهر سراعًا، ويقبلون على أهلها خفافًا.»١٥١ ويتحدث محمد فهمي عبد اللطيف عما يملكه مشايخ الطرق ودراويش المتصوفة «من العمارات الفاخرة والعقارات الواسعة والثروات الكبيرة الضخمة، وكلها مما جمعوه وامتصُّوه من دماء المساكين من أبناء الشعب الذين هم أحوج ما يكونون إلى قوت يومهم.»١٥٢ ويشير الكاتب إلى أن المستشرقين خلطوا في أحكامهم بين الدين، وبين «ذلك الشعور الديني الذي خلَّفه أولئك المتصوفة في نفوس العامة.»١٥٣ وفي خلال الأيام السبعة التي يمضيها شيخ الصوفية ومريدوه في القرية، يفقد ناس القرية طعامهم وماشيتهم وزراعاتهم وأموالهم، وحتى شرفهم، يسطو على ذلك كله الشيخ ومريدوه «من لا يملك أرضًا فليقدِّم أرزًا، من لا يملك أرزًا فليقدم نقودًا، فليقدم طيورًا، من لا يملك نقودًا فليقدم نفسه، وليحمل عن الآخرين بركتهم، وكل شيء مباح.»١٥٤ ويقول رشيد رضا: «إن المنتسبين إلى طرق الصوفية في هذا العصر ألوف الألوف، ولكنهم هبطوا إلى أسفل سافلين، فقلما يصلح أحدٌ منهم أن يُعَد ممن سمَّاهم ابن تيمية صوفية الرسم. دع صوفية الأرزاق وصوفية الحقائق، وإن من هؤلاء من ينتحل لنفسه مقام شيوخ الطريقة، وهو لم يعرف للسلوك معنى، ولم يذُق للتصوف طعمًا، ولم يعقل له حدًّا ولا رسمًا، إنما قصارى أمره فيه أن يرأس زعنفة من الغوغاء، وعلى اللغط والصياح بما يسمُّونه الأذكار والأوراد، ثم إنه يدَّعي له مقامات العارفين وكرامات الصالحين، فيخادع العوام الغافلين، بتخييلات السحرة وحيل المشعوذين، ويخترع لهم من الرؤى المنامية ما هو عندهم أهدى من الكتاب العزيز والأحاديث النبوية، فإذا مثل الهوس في أحلامه بعض ما يشغله في عامة لياليه وأيامه، فقد يلبس على نفسه ما كان يلبسه على الناس، ونعوذ بالله من شر الوسواس الخناس.»١٥٥

هوامش

(١) سورة التوبة: ٣١.
(٢) محمود المراكبي، موسى والخضر عليهما السلام، دار الطباعة والنشر الإسلامية، ٨٦.
(٣) نجيب محفوظ، يوم قتل الزعيم، مكتبة مصر، ٨.
(٤) قاسم الشماعي الرفاعي، أهل الولاية وحرقة الولي، الفكر المعاصر، ب. ت.
(٥) سعد مكاوي، في قهوة المجاذيب، الكتاب الذهبي.
(٦) حسين أحمد أمين، دليل المسلم الحزين إلى مقتضى السلوك في القرن العشرين، دار الشروق، ٨٩-٩٠.
(٧) أيام الإنسان السبعة، ٨.
(٨) يوسف المعناوي، الأقدار، لجنة التأليف والترجمة والنشر ١٩٤٦م، ٣٩.
(٩) محمد جبريل، رباعية بحري، مكتبة مصر.
(١٠) سعد مكاوي، غرباء في المولد، كلمات في المدن النائمة، هيئة الكتاب، ١٩٨٩م.
(١١) نجيب محفوظ، حكاية بلا بداية ولا نهاية، مكتبة مصر.
(١٢) يوسف زيدان، المقدمة في التصوف وحقيقته، مكتبة الكليات الأزهرية، ٥٢.
(١٣) يوم قُتل الزعيم، ٥٤.
(١٤) عباس أحمد، البلد، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر.
(١٥) المصدر السابق.
(١٦) إبراهيم المصري، الحاج علي، بنت اليوم، كتاب اليوم.
(١٧) يوسف إدريس، سره الباتع، حادثة شرف، دار الآداب ببيروت.
(١٨) أحمد شمس الدين الحجاجي، سيرة الشيخ نور الدين، هيئة الكتاب ١٩٨٦م، ٢٠.
(١٩) يحيى حقي، يا ليل يا عين، هيئة الكتاب، ١٩٨٦م، ٢٠.
(٢٠) يحيى حقي، قصة في سجن، دماء وطين، هيئة الكتاب.
(٢١) رسائل من مصر، ١٣٠.
(٢٢) فتحي غانم، الغبي، روايات الهلال، ٤٢.
(٢٣) نجيب محفوظ، قسمتي ونصيبي، رأيت فيما يرى النائم، مكتبة مصر.
(٢٤) بين القصرين، ٤٦٠.
(٢٥) الأيام، ١: ٦٤.
(٢٦) جمال الغيطاني، سفر، ثمار الوقت، كتاب اليوم.
(٢٧) أحمد السيد عوضين، البحر الصغير، دار الشروق، ١٢٣.
(٢٨) فاروق منيب، لقاء، الديك الأحمر، دار سعد مصر.
(٢٩) لطفي الخولي، بدوي أفندي وشريكه، ألوان من القصة القصيرة، دار النديم.
(٣٠) عبد العال الحمامصي، التذكرة، للكتاكيت أجنحة، هيئة الكتاب.
(٣١) فوزية أسعد، بيت الأقصر الكبير، ت. منى قطان، هيئة الكتاب، ٨٧.
(٣٢) إبراهيم جلال، الأمير حيدر، دار المعارف، ٣٤.
(٣٣) الغبي، ٧٨.
(٣٤) القطار، قصص مصطفى محمود.
(٣٥) تاريخ الجبرتي، ٥٩.
(٣٦) عبد الحميد جودة السحار، وسوسة الشيطان، همزات الشياطين، مكتبة مصر.
(٣٧) فتحي رضوان، عصر ورجال، مكتبة الأنجلو المصرية، ٣٠٣.
(٣٨) أبو رية، جمال الدين الأفغاني، ١٢.
(٣٩) عزت نجم، شكوى لأم هاشم، أكتوبر ١٦ / ٦ / ١٩٩١م.
(٤٠) المصدر السابق.
(٤١) خيري عبد الجواد، الكائن الليلي، حكايات الديب رماح، هيئة الكتاب.
(٤٢) شكوى لأم هاشم.
(٤٣) السراب، ١٢٧.
(٤٤) قنديل أم هاشم، ٤٦.
(٤٥) شحاتة عزيز، الجبل الشرقي، هيئة الكتاب، ١٨.
(٤٦) صفحات من سفر الحياة، من آثار مصطفى عبد الرازق.
(٤٧) سيد عويس، ظاهرة إرسال الرسائل إلى الإمام الشافعي، ١٣٩.
(٤٨) محمود السعدني، بوابة التاريخ، بنت مدارس، الكتاب الذهبي، ١٩٦٠م.
(٤٩) زكي مبارك، مجنون سعاد، كتاب الهلال، مارس ١٩٧٧م، ٨٤-٨٥.
(٥٠) قنديل أم هاشم، ٥.
(٥١) صلاح طنطاوي، الصورة القاتلة، الناس والحجارة، المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية.
(٥٢) سعد مكاوي، عصر عويس الذهبي، الماء العكر، دار الفكر.
(٥٣) قنديل أم هاشم، ٥.
(٥٤) أيام الإنسان السبعة، ٢٤.
(٥٥) في قافلة الزمان.
(٥٦) عودة الروح، ٩١.
(٥٧) إدوار الخراط، ترابها زعفران، ١٥١.
(٥٨) محمود البدوي، عالم الأسرار.
(٥٩) جمال الدين الشيال، أعلام الإسكندرية في العصر الإسلامي، دار المعارف، ١٤.
(٦٠) عبد المنعم شميس، عتريس الأكبر، مطبوعات الجديد، ١١.
(٦١) المصدر السابق، ٤٠.
(٦٢) سعد مكاوي، حكاية الحاج، الزمن الوغد، هيئة الكتاب.
(٦٣) ظاهرة إرسال الرسائل إلى الإمام الشافعي، ٢٥.
(٦٤) يوسف إدريس، سره الباتع، حادثة شرف، دار الآداب ببيروت.
(٦٥) حسين مؤنس، حكاية سي توفيق، إدارة عموم الزير، دار المعارف.
(٦٦) السراب، ١٢٦.
(٦٧) من آثار مصطفى عبد الرازق.
(٦٨) عبد الله الطوخي، في شارع السد، ابن العالم.
(٦٩) فتحي رضوان، خط العتبة، دار المعارف، ٦٦.
(٧٠) عزة بدر، أم الدنيا، ٦٢.
(٧١) قنديل أم هاشم، الرواية.
(٧٢) المصدر السابق، ١٧.
(٧٣) محمد أبو المعاطي أبو النجا، ناني القطة السمراء، الأعمال الكاملة، المجلد الثاني، هيئة الكتاب.
(٧٤) الشمندورة، ٢٦٩.
(٧٥) المصدر السابق، ٢٧٠.
(٧٦) سيد عويس، حديث عن الثقافة، ١٣٣-١٣٤.
(٧٧) يوسف السباعي، السقا مات، مكتبة مصر، ٢٤٨.
(٧٨) محمود طاهر حقي، غادة حمانا، كتب للجميع.
(٧٩) عباس الأسواني، أبو حنفي، ألوان من القصة المصرية القصيرة، دار النديم.
(٨٠) أحمد زكي مخلوف، نفوس مضطربة، مكتبة مصر، ٤٧.
(٨١) توفيق الحكيم، سجن العمر، مكتبة الآداب، ٦٥-٦٦.
(٨٢) محمود البدوي، صراع، الأعمال الكاملة، هيئة الكتاب.
(٨٣) عتريس الأكبر، ١٢.
(٨٤) المصدر السابق، ١٨-١٩.
(٨٥) جاذبية صدقي، مولد السيد، شيء حرام، الكتاب الذهبي.
(٨٦) سيد عويس، من ملامح المجتمع المصري المعاصر، المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.
(٨٧) سيد عويس، حديث عن المرأة المصرية المعاصرة، ١٥٧.
(٨٨) مصطفى محمود، المستحيل، روايات الهلال، ١٢٢.
(٨٩) عرفة عبده علي، القاهرة.
(٩٠) محمود طاهر لاشين، لون الخجل، يُحكى أن، المكتبة العربية.
(٩١) محمد فهمي عبد اللطيف، السيد البدوي أو دولة الدراويش في مصر، الطبعة الأولى، ١٩٤٧م، ٩٢.
(٩٢) الوقائع المصرية، ٤ / ٣ / ١٨٨١م.
(٩٣) سيد عويس، حديث عن المرأة المصرية المعاصرة، ١٠٩.
(٩٤) عبد المنعم الصاوي، دولت، ٤٢٠.
(٩٥) سعد مكاوي، ابن نفيسة، الماء العكر.
(٩٦) مؤلفات محمد تيمور، المكتبة العربية، ٢٤٧.
(٩٧) الأقدار، ٣٩.
(٩٨) الصورة القاتلة.
(٩٩) السيد البدوي، ٢٨.
(١٠٠) سهام بيومي، خرائط للموج، روايات الهلال، ١١١.
(١٠١) كل شيء والعالم، العدد ٣٧٧.
(١٠٢) مذكراتي في نصف قرن، ١: ١٠٠.
(١٠٣) محمد جبريل، بوح الأسرار، الرواية، روايات الهلال.
(١٠٤) السيد البدوي، ٢٨.
(١٠٥) صفحات من سفر الحياة.
(١٠٦) إسماعيل الحبروك، أنا الكافر وحدي، القصة، ١٠ مارس ١٩٥٠م.
(١٠٧) سعد الدين وهبة، السبع، أرزاق، كتاب الشهر.
(١٠٨) الأدب، أكتوبر ١٩٧٧م.
(١٠٩) صلاح حافظ، نهاية الشيخ تهامي، الولد الذي جعلنا لا ندفع نقودًا، الكتاب الذهبي.
(١١٠) يوسف السباعي، نحن لا نزرع الشوك، الخانجي، ٥٤.
(١١١) السبب اليقين المانع لاتحاد المسلمين، ٥٨.
(١١٢) نجيب محفوظ، قلب الليل، مكتبة مصر، ٣٩.
(١١٣) شكوى لأم هاشم.
(١١٤) التوبة، ٣١.
(١١٥) محمود تيمور، الشيطان، الجديد، ١٥ / ٢ / ١٩٧٣م.
(١١٦) السيد البدوي، ١٢٨.
(١١٧) المرجع السابق، ١٢-١٣.
(١١٨) يحيى الطاهر عبد الله، الفخاخ منصوبة للمحبِّين، الأعمال الكاملة، دار المستقبل العربي.
(١١٩) بين القصرين، ٤٦.
(١٢٠) فاروق أحمد مصطفى، البناء الاجتماعي للطريقة الشاذلية في مصر، هيئة الكتاب، ٤٠.
(١٢١) علي المحافظة، الاتجاهات الفكرية والاجتماعية عند العرب، ١٧.
(١٢٢) الأيام، ١: ٨٨.
(١٢٣) حكاية بلا بداية ولا نهاية.
(١٢٤) من كراسة الشيخ المرحوم الفزاري، من آثار مصطفى عبد الرازق، دار المعارف، ٨٦.
(١٢٥) السيد البدوي، ١٤٢.
(١٢٦) المرجع السابق، ٨٧.
(١٢٧) المرجع السابق.
(١٢٨) المرجع السابق، ١٠.
(١٢٩) أيام الإنسان السبعة، ٣٨.
(١٣٠) جريدة «البيان»، الإمارات، ٢٢ / ٨ / ١٩٨١م.
(١٣١) القرية المتغيرة، ١٠٦.
(١٣٢) الأيام، ١: ٩٦.
(١٣٣) عبد العال الحمامصي، الفتى الذي جاء متأخرًا، للكتاكيت أجنحة، هيئة الكتاب.
(١٣٤) الأيام، ١: ١٩٣.
(١٣٥) كلمة درويش فارسية الأصل، وتعني فقيرًا. والمعنى نفسه في اللغة التركية، وهي تنطبق على علماء الدين الذين يمارسون الصوفية.
(١٣٦) الهلال، مايو ١٩٨٦م.
(١٣٧) الاتجاهات الفكرية عند العرب، ١٣.
(١٣٨) المصور، ١٣ / ٢ / ١٩٨٧م.
(١٣٩) منبر الإسلام، العدد التاسع، السنة الرابعة والعشرون.
(١٤٠) مسامرات العصر، ٩-١٠.
(١٤١) أندريه ريمون، أحياء القاهرة الشعبية في القرن الثامن عشر والحركات الجماهيرية التي قامت فيها، الطليعة، يوليو ١٩٦٨م.
(١٤٢) محمد روميش، قصة لا تنتهي، الليل الرحم.
(١٤٣) زكي نجيب محمود، قيم من التراث، هيئة الكتاب، ١٩٩٩م، ١٩٩.
(١٤٤) توفيق الطويل، التصوف في مصر إبان العصر العثماني، هيئة الكتاب، ٥.
(١٤٥) طه حسين، شجرة البؤس، الرواية، دار المعارف.
(١٤٦) طه عبد الباقي سرور، الشيخ عمران، الكتاب، أكتوبر ١٩٤٦م.
(١٤٧) التصوف في مصر إبان العصر العثماني، ١٩٨.
(١٤٨) المرجع السابق، ١٠٨.
(١٤٩) شجرة البؤس، الرواية.
(١٥٠) الاتجاهات الفكرية عند العرب، ٢٠.
(١٥١) التصوف في مصر إبان العصر العثماني، ٥٥.
(١٥٢) السيد البدوي، ١٥١.
(١٥٣) المرجع السابق، ١٣٨.
(١٥٤) السيد البدوي، ١٤٨-١٤٩.
(١٥٥) صلاح عبد السيد، السفينة، العصفور، هيئة الكتاب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥