… والمرأة أيضًا

تبدأ أحداث «الثلاثية» بعادة تلقنتها أمينة فيما تلقته من آداب الحياة الزوجية: أن تستيقظ في منتصف الليل لتنتظر زوجها في عودته من سهرته، فتقوم على خدمته حتى يخلد إلى النوم. وخطر لها، في العام الأول من معاشرته، أن تعلن نوعًا من الاعتراض المؤدب على سهره المتواصل، فما كان منه إلا أن أمسك بأذنها، وقال لها بصوته الجهوري في لهجة حازمة: أنا رجل، الآمر الناهي، لا أقبَل على سلوكي أية ملاحظة، وما عليك إلا الطاعة، فحاذري أن تدفعيني إلى تأديبك. وتهمس المرأة لنفسها: ترى أين يكون سيدي الآن؟ فلم يكن الرجل يُنادى باسمه، كان سيدًا اسمًا وواقعًا. وكان أعذب أخلاق المرأة وأول واجباتها — في رأي أحد الكُتاب: «أن تبادر بطاعة الرجل فيما يأمر، حتى ولو غير حقٍّ.» ولم تكن أمينة ترى لنفسها الحق في أن تجلس إلى جانب زوجها — سيدها — تأدبًا، وإنما كانت تسحب شلتة من تحت السرير، وتضعها أمام الكنبة، وتتربَّع عليها.١ وقد أمضت أمينة ربع قرن حبيسة الجدران «ما عدا زيارات معدودات لأمها في الخرنفش، تقوم بها داخل حنطور بصحبة السيد، فلا تسعفها الشجاعة حتى لاستراق النظر إلى الطريق.»٢ ويرسم لنا الفنان صورة آسية موحية لتلك الأعوام التي قضتها أمينة بين جدران بيتها، لا تغادره: «كم تروعها المآذن التي تنطلق انطلاقًا ذا إيحاء عميق، تارة عن قرب حتى لترى مصابيحها وهلالها في وضوحٍ كمآذن قلاوون وبرقوق، وتارة عن بُعد غير بعيد، فتبدو لها جملة بلا تفصيل كمآذن الحسين والغوري والأزهر، وثالثة من أفقٍ سحيقٍ فتتراءى أطيافًا كمآذن القلعة والرفاعي. وتقلِّب وجهها فيها بولاء وافتتان، وحبٍّ وإيمان، وشكر ورجاء، وتحلِّق روحها فوق ذراها أقرب ما تكون إلى السماء، ثم تستقر منها العينان على مئذنة الحسين، أحبها — لحب صاحبها إلى نفسها — فتنفض نظرتها حنانًا وأشواقًا، مشوبة بحزنٍ يطوف بها كلما ذكرت حرمانها من زيارة ابن بنت رسول الله وهي على مسير دقائق من مثواه. وتنهدت نهدة مسموعة استردتها من استغراقها، فثابت إلى نفسها وراحت تتسلى بالنظر إلى الأسطح والطرقات، فلم تزايلها الأشواق. ثم استدبرت السور وقد فاض بها التطلع إلى المجهول بالقياس إلى الناس جميعًا، وهو عالم الغيب، والمجهول بالقياس إليها وحدها وهو القاهرة، بل الأحياء المتاخمة التي تترامى إليها أصواتها. تُرى ما هذه الدنيا التي لم تر منها إلا المآذن والأسطح القريبة؟! ربع قرن من الزمان خلا وهي حبيسة هذا البيت فلا تفارقه، إلا مرات متباعدات لزيارة أمها بالخرنفش. وعند كل زيارة يصطحبها السيد في حنطور لأنه كان لا يحتمل أن تقع عين على حرمه سواء وحدها أم بصحبته. لم تكن ساخطة ولا متذمرة، إنها أبعد ما تكون عن هذا، بيد أنها ما تكاد تنفذ ببصرها من ثغرات الياسمين واللبلاب إلى الفضاء والمآذن والأسطح حتى تعلو شفتيها الرقيقتين ابتسامة حنان وأحلام. تُرى أين تقع مدرسة الحقوق حيث يجلس فهمي في هذه اللحظة؟ وأين مدرسة خليل أغا التي يؤكد لها كمال أنها على مسير دقيقة من الحسين؟»٣ وطبيعي أن أمينة لم تكن تحيا ذلك الواقع وحدها؛ فقد عاشت الفتاتان — خديجة وعائشة — في ظله، ولم تجدا خلاصًا منه إلا بالزواج. كانتا، مثل أمهما، «تجهلان العالم الخارجي تمامًا.»٤ كانت أمينة واحدة من نساء ذلك العصر، لا يتابع غالبيتهن الأحداث إلا بالقدر الذي يأذن به الرجل، بالقدر الذي يتحدث عنه.٥ وكانت الابنة خديجة تقيس الأمور بمقدار تأثيرها المباشر على الحياة من حولها، وعلى أسرتها بالتالي. تتساءل في دهشة: «لماذا تحبون الألمان وهم الذين أرسلوا زبلن ليلقي بقنابله علينا؟» وعندما يدعو الشيخ متولي عبد الصمد لخديجة وعائشة بالفلاح والتقوى، ينتاب أحمد عبد الجواد إحساس مخيف أشبه بالذعر: «وقع نطق الشيخ باسمَي خديجة وعائشة من أذني السيد موقعًا غريبًا، على الرغم من كونه هو الذي أفضى إليه باسميهما منذ وقت طويل، ليكتب لهما حجابين، وليست أول مرة ينطق الشيخ باسميهما، ولا آخر مرة، ولكن لم يكن يتردد اسم واحدة من حريمه بعيدًا عن الحجرات — ولو على لسان الشيخ متولي — حتى يقع من نفسه موقعًا غريبًا ينكره ولو إلى حين.»٦ العادة ألَّا تُذكَر أسماء النساء أمام الأغراب.٧ بل إن عقدة ابن ستيتة التي لازمته طيلة حياته هي مناداة الناس له باسم أمه.٨ ويتقدم حسن إبراهيم ضابط قسم الجمالية لخطبة عائشة، ويتساءل أحمد عبد الجواد: كيف يطلب هذا الضابط يد عائشة مع أنه لم يرها … وتؤكد الأم — في خوف — أن الضابط لم تقع عينه — إطلاقًا — على ابنته، فيضرب الرجل كفًّا بكف، وهو يصيح بهما: مهلًا مهلًا. هل حسبتني أشك في هذا يا ولية؟ لو شككت فيه ما أشبعني القتل. ذلك لأن عيني رجل لم تقعا على الفتاتين منذ انقطعتا عن المدرسة في سن الطفولة. حقيقة لا يسمح الرجل — حتى لنفسه — بأن تكون موضع شك أو مناقشة. وكان الرجل يتمنى لو لم يكن الزواج هو الوسيلة الوحيدة لهذا «الستر»، ولعلَّه تمنى لو كان الله قد خلق البنات على طبيعة لا تحتم الزواج، أو لعلَّه تمنى في الأقل لو لم يكن أنجب بنات قطُّ. حتى مجلس القهوة الذي يجتمع فيه شمل الأسرة بعيدًا عن سطوة الأب، لا يؤذَن للشقيقتين وكمال باحتساء القهوة مع ياسين وفهمي «بحكم التقاليد والآداب.»٩

والحق أن ذلك الفاصل العميق بين حياة المرأة وحياة الرجل في «بين القصرين» يذكِّرنا برائعة لوركا بيت برنارد إلبا — وما أكثر ما سنتذكرها في فصول هذا الكتاب — فالحياة المرحة اللاهية التي يمارسها أحمد عبد الجواد خارج البيت، يقابلها جدران صماء تقضي النساء بينها سني حياتهن، إلى حد الذي يعد خروج الأم لزيارة الحسين، أو رؤية عائشة ﻟ «المنتظر» من خصاص المشربية، جريمة لا تغتفر. هذه الحياة المتناقضة، نجدها في بيت برنادر إلبا. فالرجال يطلبون المرأة في صراحة وجرأة، حتى إن الأب المُتوفى كان يرفع قميص خادمته خلف جدار الإسطبل، وكانت لابرنشيا الخادم العجوز تعطي ابنها مالًا ليصحب غازية إلى حدائق الزيتون «لأن هذه الأشياء ضرورة للرجال»، بينما النساء يعانين الرقابة المتعسفة والسيطرة والشك. ليس نساء البيت وحدهن، لكن نساء مجتمع القرية الصغيرة أيضًا. نساء بيت «بين القصرين» ونساء «بيت برنارد إلبا» ينطبق عليهن — بصورة عامة — قول إيليا في «بيت برنارد إلبا»: إن شر عقاب يصيب المرأة هو أنها تولَد امرأة. عائشة التي تتلصص بنظراتها من المشربية إلى «المنتظر» تذكِّرنا ببنات برنارد إلبا اللواتي كن ينظرن إلى الرجال من أخصَّة النوافذ. كذلك أمينة التي يصل إلى سمعها أصوات سمار المقاهي في الليل عبر المشربية، هي نساء بيت برنارد إلبا اللائي تصل إلى أسماعهن من خلال النوافذ أصوات اصطخاب الحياة في الخارج. وقد حقق الزواج لخديجة وعائشة الأمل في الفرار من سجن بين القصرين الذي تحكمه سيطرة الأب المستبدة، وهو الأمل الذي كانت بنات برنادر إلبا يحلمن به للخروج من السجن الذي صنعته تقاليد الأم المتعسفة. بل إنه يمكننا أن نربط بين نار القيظ في داخل البيت، وفي القرية والحقل، ونار الحرمان التي تحرق قلوب عوانس بيت برنارد إلبا من ناحية، وبين القيود الاستعمارية التي فُرضت على المواطنين وطغيان الأب في «بين القصرين»، وما يقابل ذلك من حرص الجميع على حرياتهم من ناحية أخرى.

•••

يصف الفنان نساء أواخر القرن التاسع عشر، بأنهن «جميلات، مخدرات، مسجونات، يعلو حور عيونهن روح سأم وكسل.»١٠ لم تكن المخالطة ممنوعة بين الشباب والفتيات فحسب، بل إنها كانت ممنوعة بين الصبية، أولادًا وبنات: «يا حفيظ! ولد يلعب مع بنت؟! هذا إثم كبير ومعصية توصد من دونها أبواب الغفران.»١١ كانت الصبية الصغيرة تُمنَع من اللعب في الشارع، أو في ساحة البيت، تكفيها حجرات البيت التي تطل على الطريق، وعلى فناء الدار «صحيح أن الشبابيك مسمَّرة، ولكن النظر من الثقوب ميسور، وهذا يكفي.»١٢ وكان من العيب أن يرى الرجل زوجة أخيه إذا كانت غريبة، أو من غير قريباته.١٣
وإذا كانت المرأة قد ظهرت على المسرح الإيطالي — للمرة الأولى — في القرن السادس عشر، وعلى المسرح الفرنسي في القرن السابع عشر، وعلى المسرح الإنجليزي في عهد الملك شارل الثاني،١٤ فإن الرجل في مصر كان يؤدي دور المرأة — لندرة العنصر النسائي، أو لانعدامه — إلى ما بعد ثورة ١٩١٩م. وثمة كلمات لمحمد تيمور في مطالع القرن العشرين، عن الفرق بين الحياة الأوروبية والحياة المصرية: «نساء أوروبا يناقشن الرجال في الأدب والسياسة والفلسفة، ورجال مصر يتناقشون في أنواع الأوتومبيلات وجمال الملابس، وإذا ألقت بهم الصدفة أمام موضع جدِّي، مزجوه بالنكات المصرية المستملحة التي تطير الموضوع في جوف الفضاء. أما نساؤنا …» والنقاط الثلاث وضعها الكاتب.١٥
لم يكن للفتاة خيرة فيمن يكون زوجها، وظلَّت الأم تعتز بأنها تزوجت، ولم تكن رأت زوجها، ولا رأت خياله.١٦ لم تكن سن الزواج — كما يقول المازني — لها حد أدنى في تلك الأيام،١٧ وإن كان من المهم أن تتزوج الفتاة في سن مبكرة لأن «سترة البنت جوازها.» وعندما كانت الفتاة تتجاوز السادسة عشرة بلا زواج تُعتبَر بائرة، وتُتهَم بالقبح.١٨ ويرجع نبيل راغب سلبية الشخصيات النسائية في أعمال يوسف السباعي إلى «إدراكه لطبيعة المجتمع المصري — والعربي بالتالي — الذي فرض العزلة والسلبية على المرأة أجيالًا عدة.»١٩ كان يقين الرجل دومًا أن «الاستبداد هو السيادة.»٢٠ المرأة — في تقدير الكثير من الرجال — وسيلة للاستمتاع، فإذا عافتها نفس الرجل، استبدل بها أخرى جديدة.٢١ وكان البعض يرى أن المرأة كالحذاء، على الرجل أن يبدِّله بين الحين والآخر.٢٢ وكانت فلسفة الراوي (ست البنات) — بالنسبة للمرأة — أنها للرجل أشبه بالطعام، ورؤية المرء للطعام وهو جائع ألذ من تذوقه، وتذوقه ألذ من ابتلاعه، وابتلاعه ألذ بكثير من هضمه، ومن ثَم كان يفضل الجوع دائمًا!٢٣
كان رأي الراوي (في بيوت الناس) أن المرأة مخلوق ضعيف، مطيع، إذا قاده رجل شديد، فإذا كان قائده ضعيفًا، كان شيطانًا مريدًا.٢٤ أضاف الراوي قوله: إن المرأة هي سبب المصائب ومنبع الشر،٢٥ من هنا، فقد كان حلم الفتاة الذي تفرضه عليها الظروف — من الصغر — أن يأتي الفارس الذي يحملها على جواده إلى بيت الزوجية. وكانت الصورة العامة للرجل الذي يستلفت نظر المرأة آنذاك هي الطربوش المفرط في الطول، والشارب الغزير المبروم، والبذلة الأنيقة.٢٦ ويلاحظ الراوي (سجناء لكل العصور) أن المرأة المصرية بعد الحمل الأول، تنتفخ بطنها، ويتدلى ثدياها، وتفقد المرأة بضاضتها.٢٧ والدلالة واضحة، ومؤثرة، في قصة «تاريخ ميلاد جديد»: تقتل المرأة وليدتها حتى لا تلاقي الظلم الذي لاقته هي في حياتها!٢٨ ويقول التعبير الموروث: «الولايا لهم رب.»٢٩ ويسأل الراوي (أحزان مدينة) كريمة: لماذا انقطعت عن اللعب معنا؟

– إن أبي يمنعني.

– يمنعك؟ لماذا؟ إن الأولاد كلهم يلعبون.

– ولكنني بنت.

– ولماذا لا تلعب البنت؟

– أبي يقول: إن من العيب أن تلعب البنت مع الأولاد!٣٠
العمدة (سيد القرية) يبدي دهشته من مناقشة زوجته الثالثة له، يقول في استغراب: «إني لم أعتد أن أسمع للمرأة صوتًا في هذا البيت.»٣١
وحتى الآن، فإن العادة — في الكثير من قرى الصعيد — أن تتقدم المرأة الرجل، حتى لا يشاهد الغرباء قدميها وأجزاء من ساقيها أثناء السير.٣٢ وحين أرادت المرأة أن تشكو للقاضي زوجها الذي يضاجعها من الخلف، فإنها خلعت فردة حذائها، وقبلتها، وبكت.٣٣
عانت المرأة سلطة الرجل الباغية، حتى سلمت بأن العزاء الوحيد للمرأة في مثل هذه الحياة هو الموت المريح، بعد أن يمر العمر كله في صبر وامتثال.٣٤ إنها — مثل بقية النساء — تتمتع بالمرونة وسرعة التكيف.٣٥

التعديد يقول على لسان المرأة التي تودع أمها المتوفاة:

أمك تجول صبري عليك صبر مسكينة،
صبر البهيمة تحت سكينة.
أمك تجول صبري عليك صبر فلاحة،
صبر البهيمة تحت دبَّاحة.
وكما ترى، فإن المسكينة في البيت الأول هي الفلاحة في البيت الثاني. وهي بلا حول ولا قوة، أشبه بالبهيمة فوق رقبتها سكين الذبح! ونتذكر قول الراوي في «الأيام»: «النساء في قرى مصر لا يحببن الصمت، ولا يمِلن إليه، فإذا خلت إحداهن إلى نفسها، ولم تجد من تتحدث إليه، تحدثت إلى نفسها ألوانًا من الحديث، فغنت إن كانت فرحة، وعدَّدت إن كانت محزونة.»٣٦

وحين زار الرحالة الدنماركي كارستن نيبور مصر في ١٧٦١م لاحظ أن زحام نساء القاهرة على القرافات، لم يكن للتعبير عن الوفاء والإخلاص لموتاهم، بقدر ما كان هذا الطقس يتيح لهم حرية نزع النقاب، والجلوس في حرية.

وقد طرحت نوال السعداوي السؤال أمام ظاهرة كثرة تردد النساء على أضرحة أولياء الله: لماذا يخاف الناس والفقراء عقاب الآلهة أكثر من غيرهم؟٣٧ والحق أن الظلم هو الدافع لكثرة تردد النساء على أضرحة الأولياء، وليس الخوف من عقاب الآلهة. يعانين ظروفًا مادية واجتماعية قاسية، لا يجدن خلالها إلا اللواذ بالغيبيات، التماس النصفة بالوقوف على مقامات آل البيت، وأولياء الله الصالحين وأضرحتهم، أذكِّرك بوقفة أنسية في روايتي «رباعية بحري» أمام مقام أبي العباس، تطلب نصرته على حمادة بك!
إن أجمل وصف للمرأة في أوائل القرن العشرين، وإطلاقه — بدرجة أقل — على المرأة في أواخر القرن العشرين — هو «السيدة المصونة والجوهرة المكنونة.» تعبير بليغ، لكنه يعبِّر — بقسوة — عن حقيقة وضع المرأة/الزوجة في المجتمع المصري. إن جسد المرأة لا يفهم في المجتمع الأبوي فهمًا إنسانيًّا، كما أن إنسانيتها لا تؤخذ كأمر طبيعي، إن جسدها لا يخصها، وعقلها مغروس في تراثٍ حارسٍ لهذا الجسد، في سوق العرض والطلب.٣٨
المرأة توافق على الزواج من الرجل لأنه يحبها، ولأنه يحبها فهو سيجعل منها جوهرة في بيته، بيتهما. والرجل يطلب الزواج من المرأة لأنه يريد من تغسل له ثيابه، وتطبخ طعامه، وتربي أولاده … يسبق ذلك أن تكون جميلة، تدفئ فراشه، وتؤنس وحدته! وكان رأي حسن مفتاح (العنقاء) أن نصف المجتمع المصري — يقصد المرأة — سجين البيوت، يطهو الطعام للنصف الآخر سجين القهاوي، أو يرتق له جواربه، أو يقرأ المجلات المصورة، مستلقيًا على السرير، أو يسترسل في أحلام بائسة محورها رجال لا سبيل إلى الوصول إليهم.٣٩ تقدير الحكيم أن المرأة مثل القمر — بمعناه الفلكي — فهي لا تشع ضوءًا من داخل نفسها، بل تعكس الضوء الآتي إليها من شمس عقل الرجل. هي كالقمر كائن سلبي، وسطح معتم في ذاته، لا تسطع إلا بما ينعكس على قلبها ورأسها من تفكير الرجل وإحساسه، فدنوها منه في مجال العمل المنتج له من الفائدة ما يعادل فائدة المرآة إلى جانب المصباح. إنها تضاعف نوره، وتزيد إشعاعه. أما أن ننتظر منها أكثر من ذلك، فهو انتظار للمستحيل. لن يكون للنساء في مجالسنا النيابية والاجتماعية أكثر مما للمرايا بجوار المصابيح في القاعات والصالات، ولقد بلغنا — ولا شك — في الحضارة حدًّا يقضي أن نزين جدراننا بالبلُّور!٤٠ وحين ثار زوج سهير (أحلام في بلاد بعيدة) عليها، وهددها بأنه سيرسلها إلى أهلها، أدركت أنها مجرد شيء في حياته، يبقى معه، أو يعيده إلى حيث أتى به.٤١ وتقول إنجي أفلاطون إن فكرة المرأة للبيت ليست — في مضمونها — سوى تجميع المساوئ التي تحيط بالأسرة المصرية، فهي تعني للفتاة إجبارها على الزواج، وتعني للزوجة إباحة تعدُّد الزوجات، وإطلاق حق الطلاق والزنا والطاعة والتعذيب، وتعني للمرأة بعامة حرمانها من التعليم، ومن الإسهام في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية، ومن تنمية شخصيتها ومواهبها. «إن فكرة المرأة للبيت هي — في حقيقتها — فكرة المرأة عبدة البيت.»٤٢
وحتى عام ١٩٠٥م لم يكن قد حصل على الشهادة الابتدائية في مصر كلها سوى ١٤ طالبة،٤٣ وتقول نبوية موسى إن تلك الشهادة كانت — في نظر الناس — أعلى من الدبلومات.٤٤ ولم تنجح مصرية في امتحان البكالوريا إلا في سنة ١٩٢٨م.

•••

يذهب بعض غلاة المتشددين إلى أن المرأة هي التي أغوت آدم بالأكل من الشجرة المحرمة، ويرى أوجستين أن المرأة فشلت في التوصل إلى فائدة المرأة للرجل، إذا استثنيت وظيفة إنجاب الأطفال. وإذا كان علي فكري يرى أن إرادة الله قضت أن يكون الرجال قوامين على النساء، وهي سنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلًا،٤٥ فإن سيمون دي بوفوار ترى: «أن آلهة الرجل كائنون في سماء بعيدة، حتى لكأن ليس له في الحقيقة من آلهة، أما بالنسبة للمرأة، فإن الآلهة ذوو وجوه بشرية، وهي تحيا معهم تحت سماء واحدة.»٤٦
وقد استكانت أمينة «الزوجة المحبة المطيعة المستسلمة»٤٧ إلى مصيرها وسلَّمت بسلطة زوجها، وقبلتها، واستغرقها هذا الإحساس حتى انتفت لديها كل رغبة في المقاومة، أو حتى الغضب أو السخط أو حتى محاولة الفهم. وحين أعلن فهمي عن طلب سعد وزميلاه السفر إلى لندن، للسعي إلى الاستقلال، وخروج قوات الإنجليز من مصر، قالت أمينة بطيبتها الساذجة: «يذهبون إلى بلاد الإنجليز ليطالبوهم بأن يخرجوا من مصر؟ ليس هذا من الذوق في شيء؟ كيف تزورني في بيتي وأنت تضمر طردي من بيتك؟»٤٨ اطمأنت المرأة إلى رغبة في المسالمة، ونوع من الرضا القانع، حتى إنها استنكرت مظاهر التحرر عند الأخريات. فقد رفضت من أعماقها أن يسهر ياسين مع زوجته عند كشكش بيه «عابت هذا السلوك امرأة أمضت عمرها حبيسة وراء الجدران، امرأة دفعت صحتها وسلامتها ثمنًا لزيارة بريئة لزين آل البيت لا لكشكش بيه، فمازج انتقادها الصامت شعور طافح بالمرارة والغيظ، وكأن منطقها غدا يردد فيما بينها وبين نفسها: إما أن تنال الأخرى الجزاء، أو فلتذهب الحياة هباء.»٤٩ كذلك قابلت ثورة زينب حين ضبطت زوجها ياسين مع خادمتها نور بغضبٍ هائل، فلم يكن من حق المرأة — في رأيها — أن تناقش الرجل في أي شيء. كانت زينب — لما ضبطت ياسين مع جاريتها السوداء نور — أول سيدة في بيت أحمد عبد الجواد تثور لكرامتها المجروحة؛ عاشت أمينة حياتها في البيت وقد استقر في أعماقها أن «علاقات» الرجل الأخرى حقٌّ له. وربما لم تكن أمينة تضيق بحياة العزلة التي فرضها عليها أحمد عبد الجواد، باعتبار ما تؤمن به نساء الطبقة الوسطى من أنه إذا أعطى الزوج قدرًا من الحرية أكثر مما تعودت عليه المرأة منه، فذلك يعني أنه لم يعُد يحبها (ألا تعد نقيضًا لشخصية أم ياسين، تلك التي وافقت على أن تعود إلى زوجها — بعد أن طلقها — بشرط ألَّا يسجنها أو يضربها؟) إن إبسن يدين نورا — مسرحية بيت الدمية — تلك الشخصية الفنية التي أصبحت أشهر من أية شخصية نسائية نضالية أخرى، حتى لتفرض نفسها دائمًا على علماء الاجتماع الذين يتناولون قضية المرأة؛ يدينها لمجرد أنها قبلت أن تعيش كدمية في بيت ثورفولد. أما أمينة نجيب محفوظ فهي قد رضيت بواقعها الأليم، ووجدت فيه أمرًا طبيعيًّا. وعندما أصر أحمد عبد الجواد على رفض خطبة عائشة لضابط قسم الجمالية الشاب، في حين قبِل زواجها بخليل شوكت، رغم أنها كانت تحب الأول ولا تعرف شيئًا عن الثاني، فإنها ما لبثت أن كتمت مشاعرها، ولم تستطع إلا أن تظل على حبها لأبيها، وخضوعها لإرادته. أما زينب، فقد أعلنت ثورتها: «لم يستطع الصبر الذي تغلق به صدرها على حزنها وتذمرها أن يصمد للمنظر المروع الذي رأته عيناها في حجرة جاريتها.»٥٠ ويبين وضع المرأة عن إحدى ذرواته التحررية في قول حكمت لصديقتها وحيدة: إننا نعيش في عصر الحرية الذي يتيح للفتاة حق اختيار الزوج،٥١ ثم في تقبيل الشاب زكي فتاته، واعتبار ذلك عربونًا لحبِّه!٥٢ وإذا كانت عائشة قد استسلمت لقرار أبيها، ولم تتصور أنها يمكن أن تناقشه، فضلًا عن أن تعارضه، فإن عزة في قصة محمد حسين هيكل «وفاء» كانت توقن إنها كَمٌّ مهمل، وإن عواطفها ووجودها وحياتها لا رأي فيها ولا قيمة لها عند أبيها، لكنها أضافت إلى ذلك الشعور قرارًا بأن تمتنع عن تناول الطعام، حتى اعتور المرض جسدها.٥٣ بل إن زينب تحذِّر أبويها وهي تقاوم السل، من أن يزوِّجا أيًّا من أخواتها البنات ضد اختيارهن «ما تجوزهمش غصب عنهم، لحسن ده حرام.»
ولأن رجال الطبقة المتوسطة وما فوقها كانوا لا يسمحون لزوجاتهم بالخروج إلى الأسواق، لشراء ما يحتجن إليه، فقد كانت الأسواق تنتقل إلى النساء في البيوت بواسطة بقجة «الدلالة» التي تضم بضائع من المحال المختلفة.٥٤ وربما حملت البقجة أمشاطًا ولاسن وعطورًا وبخورًا وعلب بخت لتسلية النساء في البيوت.٥٥ وكانت المرأة في المدينة الجنوبية تنزل إلى العاصمة من حين إلى حين، وتعود ببضائع رخيصة «فيها فتنة للنساء، ومتعة للرجال.»٥٦ واعتادت التردد على البيوت، تحمل الرسائل والأخبار، وتتسمَّع الأنباء، بالإضافة — طبعًا — إلى ما تحمله من بضائع يسيرة.

•••

لعله يمكن القول إنه إذا كان أحمد عبد الجواد نموذجًا متشددًا للرجل في أوائل القرن، فإن أمينة — وثلاثي نساء «بين القصرين» بعامة — نموذج متشدد للمرأة في نفس الفترة. وربما نجد شبيهًا لأمينة وابنتيها في بعض النماذج الأخرى التي تُعَد مثلًا لعالم المرأة المغلَق، كما كان الرجل — ممثلًا في أحمد عبد الجواد — نموذجًا متكاملًا لعالم الرجل المستبد. يصف الراوي البيوت في مطالع القرن العشرين بأنها «سجون النساء».٥٧ وتصف الراوية المرأة بأنها مظلومة، تابعٌ باستمرار، من وقت طفولتها إلى شيخوختها، وإلى أن تشيَّع إلى قبرها،٥٨ وقد اعتبرت الزوجة ولادتها لبنتٍ سوء بشرى.٥٩ وثمة قصة واقعية لرجلين أحب أحدهما زوجة الآخر، ولأنها كانت حاملًا، فقد عرض على صديقه «حمارة» مقابل أن يبادل كلٌّ منهما الآخر زوجته، وزيادة حمارة للمولود المرتقب.٦٠ ولم تكن فاطمة (طلائع الأحرار) تعرف من الدنيا الواسعة غير بيتها والأماكن المحيطة به. بل إن عينيها لم تقعا قَطُّ على نهر النيل العجيب، وتصِف نوال السعداوي «سيدة البيت» بأنها «هي المرأة المستعبَدة المقهورة التي تتكفَّل بأن تنتعل زوجها الحذاء، وتخاف إذا أقسم يمين الطلاق، تفعل ما تشاء في السر، وتقول لا وهي تقصد نعم، إنها شخصية الجارية التي تؤديها سيدة البيت في مجتمعاتنا العربية.»٦١
ولما أبدت فاطمة (الشارع الجديد) استياءها من تخصيص زوجها بضع غرف في البيت الجديد الذي اشتراه لسكنى البنات المتزوجات، قال يونس في بساطة: هذه إحدى مساوئ خِلفة البنات، على الوالد أن يبحث لهن عن ثيران ليسترهن، ثم عليه أن يتكفَّل بهن وبثيرانهن، وبما يجود به عليه الثيران من أولاد وذرية؛ فالبنت هَمٌّ قبل الزواج، وبعد الزواج!٦٢ والبنات خلف عار في رأي المعلم سمعان،٦٣ ويقول الأب الفقير: «ما ينبغي للفقراء أن يلِدوا البنات.»٦٤ والأم زهرة (دعاء الكروان) تؤكد أن المرأة «عورة يجب أن تُستَر، وحرمة يجب أن تُرعى، وعرض يجب أن يصان.» واسم المرأة يجب ألَّا يُذكر أمام الأغراب، فإذا اضطر الرجل إلى الكلام عنها أومأ قائلًا: الأولاد!٦٥ والمرأة في حديث المويلحي، لا نجدها إلا في أماكن ثلاثة: المحكمة الشرعية، والعرس، والمرقص، وكل ما بلغته من حرية أنها تطل على الحياة من نافذة في يوم العرس فقط، حيث تباح المحظورات، والمواطنة في «ليالي سطيح» أشفقت على مواطنيها من عذاب دفن موتاهم لوعورة الطريق إلى المقابر، فخصصت مبلغًا كبيرًا لتسوية الطريق وتمهيده، وكان جزاؤها من مواطنيها على ذلك العمل أن سموا طريق المقبرة «قطع المرة»، والحاجة بمبة (الضباب) بحثت لرجلها — يومًا — عن زوجة ينجب منها، مع ذلك فإنها كانت «من أولئك النسوة اللائي يرين أن أوامر أزواجهن مقدسة لا سبيل إلى التهاون فيها.»٦٦ وزكية (في قافلة الزمان) دفعتها الرغبة في الإنجاب إلى التفكير في أن تعرض نفسها على طبيب يصف لها ما يزيل عقمها، لكنها خجلت من أن يتولى فحصها رجل. نفس الفكرة راودت الحاجة بمبة — بإيحاء من زوجها — فدقت سيدة صدرها، كأنما طعن شرف الحاجة بمبة، وقالت: ماذا يا ستي الحاجة … طبيب رجل … يكشف عليك أنت؟ أنت يا طاهرة يا نظيفة … قطع الخلف وأيامه … أمن أجل العيال يكشف عليك رجل … رجل يا ستي الحاجة … رجل؟!٦٧ و«في قافلة الزمان» تحس الأم نفيسة حزنًا ورهبة لما تخبرها سكينة ذات الأعوام الثمانية، بأن شقيقها الأكبر شاهدها في الشارع تسير مع موكب سيدي البيومي. وفي «نفوس مضطربة» تُحرَم ليلى الصغيرة من مواصلة تعليمها، لأن الشيخ مصطفى الحفني — والدها — قال في غضب: في أي عهدٍ نحن نعيش؟ ألسنا في بلاد إسلامية؟ ألا يحكمنا والٍ مسلم ابن مسلم؟ أليس القرآن هو الكتاب؟ وهل تصدعت مساجد الله؟ وهل انهارت مآذنها؟ وهل التفرنج طغى على كل شيء حتى على المشايخ وبيوت المشايخ وبنات المشايخ؟ أتجيز الشريعة أن تخرج البنت بثديين ناهدين ووجه متورد سافر وجسم مغرٍ صارخ؟ وقد تعلَّمت عزيزة (زينب) القراءة والكتابة حتى بلغت العاشرة من عمرها، ثم بعث بها والداها إلى معلمة تعلِّمها الخياطة والتطريز لمدة سنتين، ثم ارتدت الحَبَرة قبل أن تجاوز الثانية عشرة، ولزمت بيتها، لا تقابل معظم أقاربها، ولا تغادره إلا في صحبة والديها، ولا تخفي الأم انزعاجها لأن ابنتها بلغت السادسة عشرة والعدل يفوتها.٦٨ ويصف محمد تيمور الفتاة المصرية بأنها تعيش في بيتها وهي لا تعرف عن الحياة إلا ما يقع في ذلك البيت، ولا تسمع من الأصوات إلا صوت أهلها، ولا ترى من الأشياء إلا جدران هذا البيت، وإذا لاح لها برق آمالها في طلعة شاب تراه عفوًا، ويكون من أقربائها، تحكم عليها الظروف بالابتعاد عنه، فلا تجد تعزية إلا في الاستسلام للأسى والدموع. وكان تباهي أمينة (بين القصرين) أن عينَي رجل لم تقع على إحدى ابنتيها، منذ انقطاعهما عن المدرسة في سن الطفولة.٦٩ ولما بلغت الراوية الثالثة عشرة من عمرها، ذكرت لها أمها أن التقاليد تمنع خروجها نهارًا إلى ما وراء أسوار الحديقة، وتمنع نزولها بها ساعة وجود العمال من الرجال فيها. وأدركت الفتاة أنها تدخل ميدانًا جديدًا من ميادين الحياة، وأنها موشكة أن تلبس ملابس النساء: الحَبَرة والبرقع، «وألَّا أخرج إلى الطريق وحدي.»٧٠ بل إن رجلًا طيبًا، هو الحاج أسعد، يبكي ﻟ «توهمه» أن أوانًا سيأتي، تخرج فيه النساء عرايا سافرات الوجوه كاشفات الصدور. ويأبى خيال حفيدته — ووجهها مضرَّج بحمرة الخجل — أن يتصور نساء سافرات الوجوه، يخطرن بين الرجال مرفوعات الرءوس «فمن ذا الذي يقبل ذلك العار؟»٧١ ويتناهى إلى مصطفى (في قافلة الزمان) صوت صديقته من النافذة إلى الطريق، فيتمنى أن تصمت، لأن صوت المرأة — في رأيه — عورة! وذلك ما كانت تعلمه الأم، وكانت تحرص ألَّا تنادي ابنتها مخافة أن يسمع صوتها خادم من الرجال، أو أحد معارف الأب الجالس معه في السلاملك.٧٢ وكان من دواعي مباهاة عمة أمينة أنها لم تعرف إلى الزواج منظر فانوس الشارع عندما يضيء.٧٣ وتقول ناني: «كنت أتمنى أن أكون ولدًا، فقد كنت أرى الأولاد حولي يفعلون كل شيء، وأنا والبنات نستأذن لفعل أي شيء، حتى إذا أردنا أن نشرب.»٧٤ وكان اسم المرأة بعامة يلوِّث سمعة العائلة وشرفها، ولم يكن الرجل يذكر أسماء آل بيته، حتى بطاقات الزفاف كان يُكتفى بذكر اسمَي الأب والعريس، بينما تتحدد العروس في تسمية صاحبة الصون والعفاف.
وحتى لا تواجِه الزوجات رجالًا من نوع السيد أحمد عبد الجواد، الذي أعلن ثورته لاصطحاب ياسين لزوجه إلى كشكش بك، فقد أعلن كباريه «الأبيه دي روز» أنه «تتشرف إدارة تياترو «الأبيه دي روز» باستلفات نظر السيدات إلى أنها ستمثَّل خصيصًا لهن في يوم ١٧ أكتوبر ١٩١٦م، الساعة السادسة مساء، رواية «بكرة في المشمش»، وهي الرواية التي حازت استحسانًا نادرًا من نوعه، وسيقوم حضرة نجيب أفندي الريحاني مؤلف الرواية بتمثيل دوره المشهور كشكش بك.»٧٥

•••

إن بهية (فتاة مصر) التي تمثِّل أقصى التحرر بين بنات الطبقة البرجوازية، تفاجأ بسؤال هنري لها: أنت مخطوبة؟ فتجيب في خجل: كلا … ولكننا لم نعتد هذا السؤال! وعندما يطلب منها هنري أن تراسله بعد سفره، تقول له في لهجة قاطعة: كلا! ثم تضيف: أنا أعلم أنكم لا تستهجنون هذه العادة، ولكننا نحن بنات المشرق نستهجنها جدًّا. وقد أدركت إحسان أن الزواج الذي لا يقوم على الحب مصيره الفشل، ومن ثَم ظلَّت تبحث عن الشاب الذي يأسر قلبها «ولكن حالت تقاليدنا الشرقية دون اختلاط الجنسين، فلم أعثر على مَن أحبه ويحبني، وخطبني وقتئذٍ أحمد أفندي إلى أبي، فلم يسعني أن أرفض فتزوجته مرغمة.»٧٦ وكانت أنوثة رتيبة زوجة نوح — مجرد أنها أنثى — مصدر عذابها المقيم في بيئتها الريفية القاسية، وفي بيت زوجها. وعندما تحاول الفرار من هذا المصير، تقول أمها في أسًى: هنهرب من النصيب؟! دا نصيب يا عيني؟!٧٧ إن المرأة، الفتاة، مجعولة للزواج، والزواج هو التبرير الاجتماعي الوحيد لكل وجودها.٧٨ وكان إبراهيم الكاتب يجد في المرأة أداة لبقاء النوع، وجمالها ليس إلا شركًا تنصبه الحياة، ويحسن كثيرًا أن يُتَجنَّب.٧٩ يضيف الفنان أن البيت هو ميدان عمل المرأة، وأن العناية بما فيه، وبمن فيه، من أقدس وظائفها.٨٠ الأمر نفسه في تصور المرأة نفسها أن «وظيفة المرأة في منزلها، وفي الدائرة التي خُلقت لها.»٨١ المثل الشعبي يؤكد «البنت مسيرها للبيت»، والمثل يقول: «اللي تخرج من دارها، يتقل مقدارها» والمثل يقول أيضًا: «نار جوزي ولا جنة أبويا» حتى ياسين الذي لم يكن يأبه لبيت ولا أسرة ولا تقاليد اجتماعية من أي نوع، كانت نظرته إلى القضية «منذ القدم والبيوت للنساء، والدنيا للرجال.»٨٢ مع ذلك، فإنه لم يكن من حق الفتاة أن تشير — ولو من بعيد — إلى موضوع الزواج، مهما تقدَّمت بها السن. وقد لجأت خديجة — التي عانت دمامتها الملحوظة — إلى الحلم، والمصارحة به، تعبيرًا عن حاجتها إلى الرجل: «رأيت كأني أمشي على سور سطح، ربما كان سطح بيتنا أو غيره، وإذا بشخص مجهول يدفعني فأهوي فأهوي صارخة.»٨٣ وتقول الأم: «من يدري يا خديجة … لعله العريس.»٨٤ «ووجب قلب الفتاة الذي لم يكربه شيء كما أكربه أمر الزواج، وكانت على إيمان بالحلم وتأويله بحيث وجدت لكلام أمها سرورًا عميقًا.»٨٥ لذلك فإن حسان (بداية ونهاية) عُني بالتخطيط لتزويج حسين من ابنته، الأمر نفسه حاوله صاحب المخبز الذي التحق به حسن، فقد أخذ يدبر لتزويج حسن من ابنته العانس!٨٦ بل إن المأساة تضيق بمجرد جعل المرأة للزواج في قول أحمد عبد الجواد: «البنت مشكلة حقًّا. ألا ترى أنَّا لا نألو أن نؤدبها ونهذبها ونحفظها ونصونها. ولكن ألا ترى أنَّا بعد هذا كله نحملها بأنفسنا إلى رجل غريب ليفعل بها ما يشاء، الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.»٨٧ ويقول رؤبة لاظ: من التعاسة أن تنجب بنات، وأن ترضى لهن بمضاجعة الأغراب في بيتك باسم الزواج. هذا عار كبير، مهما قالوا إن الزواج نصف الدين، إلا إذا كان النصف الآخر هو الطلاق.٨٨ ويقول الراوي: «لست أعرف هذا الشعور الذي يختلط فيه الفرح بالخجل عندما نتحدث عن زواج الأخت، ولا هذا الإحساس المبهم الذي يغمرنا عندما نرى الطفلة الصغيرة التي خالطناها تصبح فجأة فتاة لها صدر ناهد، ثم تُحمل إلى بيت رجل ما لتكون أمًّا لأطفاله! ما حقيقة موقفنا من هذا الرجل الذي يستولد أخواتنا الأطفال؟!»٨٩ وارتكازًا إلى فكرة سيادة الذكر، فإن المرأة لا تكتفي — في الأغلب — بخدمة زوجها وحده، لكنها تخدم إخوته سواء كانوا متزوجين أم غير متزوجين.٩٠ وحتى الآن، فإن علاقة المرأة بالرجل — في الكثير من جوانبها — تشبه علاقة العبد بالسيد؛ الرجل يشتري المرأة بمقدم الصداق، وينص عقد الزواج — في أول بنوده — على أن الزوجة ملك لزوجها، واجبها الطاعة المطلَقة، وتخدم الزوجة في بيت زوجها بغير أجر، فإن عصت أو تذمَّرت أو مرضت أو وهنت، باعها الرجل بحقِّه المطلق في الطلاق.٩١

وثمة صورة بالغة الدلالة يرسمها الفنان في «طلائع الأحرار» عن التنظيم السري الذي أراد أعضاؤه أن يشركوا المرأة في الإعداد للثورة، واتفقوا على أن يتصلوا بأديبة شاعرة، لا يعرف أحدٌ حقيقة اسمها — فقد كانت الصحف تنشر مقالاتها وقصائدها باسم مستعار — وأن يطلبوا إليها السعي لتكوين جمعية نسائية تعمل على تحطيم أغلال المرأة، وتمكِّنها من أداء رسالتها كاملة. وتوصلت الجماعة إلى معرفة مسكن الشاعرة، واختارت عضوَين منها للقيام بهذه المهمة، ووقف الرسولان أمام سورٍ عالٍ له باب ضخم شبيه بأبواب القلاع، فلم يستطيعا تبيُّن قصر الشاعرة المحتجب وراءه، وأمسك نبيه بحلقة سميكة من الحديد معلَّقة بذلك الباب، فطرقه بها، ومرَّت فترة من الوقت قبل أن يُفتَح لهما الباب خصي أحدب. ولمحا وهما يجتازان فناءً فسيحًا قصر الشاعرة الأنيق الذي لم يره، ولم يعلم بوجوده، سكان حي عابدين الذي يقع فيه. أدهشهما أن يريا القصر محصنًا بباب لا يقل ضخامة عن باب السور الخارجي. وشعرا بعسر المسعى الذي يسعيانه: كيف السبيل إلى تحرير المرأة المصرية وهي محصنة وراء مثل هذه الأبواب؟ قادهما الخصي إلى غرفة الاستقبال حيث انتظرا وقتًا غير قصير، ثم سمعا صوت امرأة تحييهما من وراء الباب. لم تدخل، وإنما ظلَّت تحدِّثهما طوال مدة الزيارة متوارية خلف ستار الباب. فإذا كانت الشاعرة المثقفة لا تجرؤ على مواجهة الرجال، فكيف تكون حال سائر النساء؟ وازداد نبيه اقتناعًا بأهمية المسعى في سبيل تحرير المرأة المصرية. وبعد تبادل عبارات المجاملة المعهودة، سأل الشاعرة: أتقرئين ما يكتبه قاسم أمين عن الحجاب والسفور؟

– نعم.

– ولماذا لا تخوضين بقلمك غمار المعركة؟ لماذا لا تؤازرينه؟

– لأني لا أريد أن أعرض نفسي لتخرصات الألسنة البذيئة.

– ألا تستحق خدمة وطنك وبني جنسك مثل هذه التضحية؟

– خدمة الوطن متعددة الميادين … وقد اخترت الميدان الذي يلائمني.

– أي ميدان؟

– نظم الشعر … ألا تقرأ شعري؟

– قرأت بعضه، فرأيته يتجنَّب مشكلاتنا الاجتماعية والوطنية التي تحتاج إلى أقلام الشعراء والكُتاب.

وقدَّم الدكتور توفيق عرضه: «إن أدبك العالي هيَّأ لكِ مكانة مرموقة بين النساء، ولهذه المكانة تكاليف نرجو أن تضطلعي بها، فالنهضة النسائية تحتاج إلى زعامة، ومكانتك الأدبية ترشحك لها دون غيرك.

وتعتذر الشاعرة — في رقة — عن قبول العرض: أنا لا أصلح يا سيدي للزعامة التي تتحدث عنها. فكم من سيدة فاضلة من المصريات أجدر بها مني. أنا شاعرة لا تصلح إلا لقرض الشعر، بل إني لا أجيد من الشعر إلا ما كان وصفًا للطبيعة الساحرة، أو تصويرًا للمشاعر الوجدانية السامية، وأحسب أني أخدم بنات جنسي بتقديم هذا اللون من الشعر إليهن.٩٢
لعلنا نجد في ذلك كله تعبيرًا عن عالم المرأة المغلق في مطالع القرن العشرين، والذي وسم فن العمارة، فالبيوت لها مشربيات، وفيها قاعة ودُرقاعة، ومندرة يستقبل فيها صاحب البيت ضيوفه من الرجال، وحريم تقيم فيه النساء، ويُحرم دخوله على الغرباء. فإذا أراد الرجل أن يحيي أو يخاطب سيدة من المحرمات، فإنه يقف خلف باب قاعة الزوار يحيي الضيفة، فتدنو هي من الباب تبادله التحية، ثم يجري بينهما من الحديث ما يقتضيه المقام.٩٣ بل لقد كان من العيب أن يرى الرجل زوجة أخيه إذا كانت غريبة، أو من غير قريباته،٩٤ وعندما لحق التطور النسبي الحياة المصرية، أذن بعض الأزواج لنسائهن أن يستقبلن ضيوفًا من الرجال في مجلسه، شريطة أن تضع حول رأسها شالًا.٩٥

ولعلنا نجد تعبيرًا عن ذلك أيضًا في الأمثال الشعبية: الراجل ابن الراجل اللي عمره ما يشاور مره … قيِّدها بقيدٍ من حديد، وجوِّزها في بيت السعيد … عمر المره ما تربي طور ويحرت … لا تأمن للمره إذا صلَّت، ولا الخيل إذا وطَّت، ولا للشمس إذا ولَّت … إلخ.، ثم في هذه الأبيات من الشعر الشعبي:

مال الولية نعشها مايل،
مالهاش ولد بين الرجال شايل.
مال الوليه نعشها بيميل،
مالهاش ولد بين الرجال بيشيل.
عزَّى المعزِّي واترجع بيميل،
مالهاش ولد رايحين نعزِّي مين.
حاسب عليها يا مدليها،
مالهاش ولد اوعى تعريها.
حاسب عليها يا منزلها،
مالهاش ولد اوعى تبهدلها.

إن الولد — الرجل — هو «ستر» المرأة، حتى بعد وفاتها، أما المرأة فهي لا شيء بدون الرجل. أليست ناقصة عقل ودين؟! وهي لا تملك حتى شرفها. إنه — قبل الزواج — ملك أبيها، وهو — بعد الزواج — ملك زوجها!

والحق أن الأسرة المصرية تميل، منذ العصور القديمة — كما أشرنا — إلى تفضيل الولد على البنت، لعدة اعتبارات، من بينها: أن والد البنين أظهر بين قومه، وأكرم على أهل حيِّه من والد البنات، وأن الشاب درء لعشيرته دون الفتاة، وهو يشارك أباه خبرته، ويخلفه في أهله ومهنته وثروته، إن كان صاحب ثروة. فضلًا عن أنه يحمل اسم العائلة، فلا ينقطع تواصلها. أيضًا فإن خطيئة الشاب يسهل نسيانها، أو إهمالها، بعكس خطيئة الفتاة التي تستوجب قتلها (أذكِّرك بهنادي في دعاء الكروان).

الأم في الأسرة

حين عرض جلال (الشارع الجديد) فكرة زواجه من الفتاة التي يحبها على شقيقها الأكبر لبيب، قال له لبيب في هدوء: إنني أوافق على هذا الزواج، على شرط.

– ما هو؟

– أن تسأل عن أمها، فإذا كانت سيدة طيبة، فتقدَّم على بركة الله، فالأم مرآة البنت.٩٦ ولا شك أن الأم لها في حياة الأسرة دور مهم، بصرف النظر عن الوضع الذي تحياه، أو الظروف التي تلاقيها. ولعل الظروف وحدها هي التي تبرز طبيعتها الجوهرية من إيجابية وسلبية. حتى في سلبيتها الكاملة تبدو محورًا تدور حوله حياة الأسرة بالكامل. أشير إلى أننا لو عالجنا بالبحث عصر الرق نفسه، فسنجد أن الأم — مع حرمانها من كافة الحقوق الإنسانية — كانت أساس الحياة الاقتصادية، بل أساس الحياة الفكرية بطريقة غير مباشرة، لأنها — بقيامها بكافة الأعمال الشاقة — أعطت الفرجة للسادة للتفلسف والبحث والحرب.

نحن نلحظ أن الأم في أعمال نجيب محفوظ لا تتشابه صفاتها، حتى في أدق التفاصيل. أمينة «بين القصرين» تشي بالاستسلام الكامل، وهو ما يناقض موقف الأم في «بداية ونهاية» التي تحاول أن تقود قارب الأسرة إلى بر الأمان بعد وفاة العائل، وكلتاهما تتناقض مع الأم في «القاهرة الجديدة» التي تنظر إلى ابنتها المتبناة بنظرة المنفعة أكثر مما تنظر إليها بنظرة الأمومة، فضلًا عن الأم في «خان الخليلي» التي تمارس سيادتها على بيتها في الوقت نفسه الذي تجد فيه تدليلًا واحترامًا من كل أفراد الأسرة.

يصف الفنان حياة أمينة في بيت بين القصرين بأنه قد مضى ربع قرن من الزمان وهي حبيسة هذا البيت، ما عدا زيارات قليلة لأمها في الخرنفش، بضع مرات في العام يصحبها فيها زوجها داخل حنطور، فهي لا تكاد تجد الشجاعة لمجرد استراق النظر إلى الطريق.٩٧ «ترى، ما هذه الدنيا التي لم ترَ منها إلا المآذن والأسطح القريبة؟ ربع قرن من الزمان خلا وهي حبيسة هذا البيت، فلا تفارقه إلا مرات متباعدات لزيارة أمها بالخرنفش، وعند كل زيارة يصطحبها السيد في حنطور لأنه كان لا يحتمل أن تقع عين على حرمه، سواء وحدها أم بصحبته. لم تكن ساخطة ولا متذمرة، إنها أبعد ما تكون عن هذا، بيد أنها ما تكاد تنفذ ببصرها من ثغرات الياسمين واللبلاب إلى الفضاء والمآذن والأسطح، حتى تعلو شفتيها الرقيقتين ابتسامة حنان وأحلام. ترى أين تقع مدرسة الحقوق، حيث يجلس فهمي في هذه اللحظة؟ وأين مدرسة خليل أغا، التي يؤكد لها كمال أنها على مسير دقيقة من السطح؟»٩٨ وبالطبع، فإن أمينة لم تغادر البيت للغرض نفسه الذي غادرت بيتها من أجله «ماشا» بطلة رواية تولستوي «السعادة العائلية» — ١٨٥٣م — كان شاغل ماشا فكرة الخروج إلى المجتمعات، والمساواة — في الحياة — مع زوجها. ولم يكن ذلك مما يدور لأمينة في بال. كان سعيها — في المرة الوحيدة التي خرجت فيها من البيت دون إذن — لزيارة سيد شباب أهل الجنة. ما عدا ذلك فإنها كانت قد استكانت إلى الحياة في سجن بين القصرين، تنتظر كل مساء أوبة زوجها، وتودعه كل صباح، وتكتفي — من العالم الخارجي — بالتطلع إليه من خصاص المشربية.
كانت أمينة تلتزم — في غياب الأب — الحدود التي تلزمها في حضوره، خوفًا من مخالفته أكثر منها اقتناعًا بوجاهة شدَّته وصرامته.٩٩ ولعل المرة الأولى — وربما الأخيرة — التي انتقدت فيها زوجها بصورة مباشرة، ما قالته لفهمي عندما حادثها في شأن اعتزامه خطبته مريم ابنة الجيران «لا أدري ماذا يكون موقفه من هذا الرجاء؟ أبوك شخص غريب، غير الناس جميعًا. وقد يرى جريمة فيما يراه الغير شيئًا عاديًّا.»١٠٠ وظني أن وصف أمينة للزوج الذي تحبه وتخافه بأنه «شخص غريب» هفوة لسان من المرأة الطيبة، ولعلها زلة قلم من الفنان نفسه!
كانت رقة أمينة في التعامل مع أبنائها (يقول الفنان إن حب أمينة لفهمي كان يفوق حبه لها، وكم كان يحبها! (بين القصرين، ٢٤٢)) هي كفة الميزان التي تقابل كفة الاستبداد في تعامل الأب مع أبنائه. ولنا أن نتصور الاستبداد صورة وحيدة للحياة في بيت بين القصرين. لعل إناء البخار المضغوط كان سيحدث نتائج سلبية يصعب التنبؤ بها. لقد احتفظت أمينة للأسرة بكيانها، بطيبتها وسلبيتها مقابلًا لإيجابية الرجل الزائدة. ويجد المازني أن حب الرجل لبنيه غير حب أمهم لهم؛ ذلك لأن الأم قد حملتهم، وثقلت بهم، وولدتهم، وأرضعتهم، ومن ثَم فإن الأبناء — حين يولدون — يبدون مثل الأجزاء التي خرجت من الكل، إنهم بعض جسدها. أما الرجل، فإن شعوره بالأبوة معنوي، وإن كان الأبناء من صلبه. ثم يأتي الإيحاء بأن الأبناء من صلبه، وأنهم بعضه — فضلًا عن تأثير العادة — فيقوى شعور الأب بأبوته، حتى يقارب شعور الأم أو يعادله.١٠١ يصف كمال أباه بأنه «الفظاظة الجاهلة»، ويصف أمه بأنها «الرقة الجاهلة»، ويؤكد أنه سيظل ضحية هذين الضدين!١٠٢ ويقول ياسين لأخيه كمال: «ليس في هذه الأسرة قلب أسود، وقلب والدتك أنصعها بياضًا.»١٠٣ أمينة — كما يصفها الفنان — هي الرجاء والدعابة والرقة البالغة، هي السياسة الوحيدة التي تنتهجها إزاء أبنائها، لأنها صادرة عن طبع لا يطيق سواها. أما ما تقتضيه التربية أحيانًا من الحزم فشيء لم تعرفه، ربما تمنَّته دون أن تقدر عليه، وربما حاولت تجربته فغلبها التأثر والضعف، وكأنها لا تحتمل أن يقوم بينها وبين أبنائها غير أسباب المودة والحب، تاركة للأب — أو لشخصيته التي تسيطر من بعيد — تقويم المعوج، وإلزام كل حدوده.»١٠٤ كان النهر أقسى ما تمارس من ضروب التأديب.١٠٥ لكن مجلس الأسرة — قبيل المغيب — كان يؤكد دورها قائدة للأسرة؛ إنها — مثل كل الأمهات المصريات اللائي ولدن قبل مائة سنة «فهن طراز واحد من حيث الأمية، والإيمان بالخرافات، واحترام التقاليد، والتزام الحجاب، ولكن إذا كان النور قد نقصهن، فإن الطيبة لم تكن تنقصهن.»١٠٦
اعتادت أمينة حياة الأسر، لكنها كانت — في أعماقها — تحب الثناء، وتتمنَّاه، حرمها زوجها من كلمة ثناء خلال عمر زواجهما الطويل. وطالما عانت مرارة الحرمان مما تأمله من ثناء، لشعورها بالجهد الدائب الذي تبذله عن حب وطواعية في خدمة البيت وآله.١٠٧ وباحت أمينة لنفسها بالسخط — للمرة الأولى — حين طردها أحمد عبد الجواد من البيت بعد زيارتها — في غيبته — إلى مقام الحسين، سخطت «على الإرادة المتحجرة التي لم ترع لضعفها حقًّا.»١٠٨ سافر أحمد عبد الجواد إلى بورسعيد، وأصر الأبناء على اقتراحهم بخروجها لزيارة الحسين «واشترك الجميع — وهم لا يدرون — في الثورة على إرادة الأب الغائب.»١٠٩ وكان أول خروج أمينة من بيتها — بموافقة الزوج — بعد أن تزوجت عائشة، فهي تخرج — في حنطور — مع خديجة وكمال — لتزور ابنتها في بيتها.١١٠
لقد شهد العالم حربين عالميتين، وطرأت تحولات على المجتمع المصري، وغابت مظاهر حياة، واستقرت مظاهر أخرى. ونهضت أمينة من تحت قدمَي أحمد عبد الجواد، وجلست إلى جانبه. ثم زادت، فخرجت من البيت، بينما اضطرته الظروف — الشيخوخة — إلى البقاء فيه! الأمر نفسه عاشته حميدة الأعمش. كانت تدعو زوجها «سيدي»، ولا تجلس في حضرته إلا إذا أذن لها. فإذا أذن، جلست عند قدميه على شلتة، واستلقى هو على الكنبة في كبرياء، فلما كرت الأيام، وصارت أمًّا للكثير من الأبناء، صارت تجلس إليه في طمأنينة وثقة.١١١ وإذا كانت خديجة قد قالت لأمها: أنت يا نينة لا تصلحين لتربية أحد،١١٢ فإن شخصية الأم — في الحقيقة — هي التي حافظت على أسرة بين القصرين تماسكها واستمرارها، وليس الأب. أمينة الزوجة الخاضعة المنقادة، كانت هي حجر الأساس في ذلك البيت، ولولاها لكانت الحياة فيه لا تطاق «فبفضلها وحدها ظلَّت الأسرة متماسكة، سعيدة متحابة.»١١٣ ولا يخلو من دلالة أن أمينة تطالعنا في بداية «بين القصرين» — أول أجزاء الثلاثية — ثم هي تغادرنا في «نهاية السكرية»، ثالث الأجزاء. وحين ماتت أمينة، كانت قد صنعت — على حد تعبير كمال — بناء كاملًا.١١٤ من هنا، جاء قول أندريه مايكل إن شخصية الأم — أمينة — هي التي أعطت للثلاثية وحدتها كاملة.١١٥

•••

الملاحظ أن الحياة الأسرية تحتاج إلى وجود المرأة في الدرجة الأولى، أما غياب الأب فلا يُحدِث تأثيرًا سلبيًّا إلا في إطار العوامل الاقتصادية، وإن استمرت الحياة على نحو أو آخر. المثل يقول «الأم تعشش، والأب يطفش.» وكما يقول سيد عويس فإن المكانة الاجتماعية للمرأة المصرية، سواء كانت زوجة أو ابنة أو أختًا أو جارة، مكانة اجتماعية منخفضة في الأغلب، بعكس مكانتها كأم، فهي مكانة اجتماعية رفيعة للغاية.١١٦ وعلى الرغم من النهاية المأساوية لأسرة «بداية ونهاية»، فإن تصور العكس في قيادة الأسرة، أي أن تموت الأم وليس الأب، ربما أفضى إلى نتائج أشد فداحة، كان الشعور برابطة الأسرة «قويًّا في آل كامل بفضل الأم قبل كل شيء.»١١٧ وكانت الأم أشبه بأمينة في عدم اهتمامها بما يدور خارج البيت من شئون لا تعنيها، فهي تقول صراحة: احتلال، استقلال، لا أدري أي فرق بينهما!١١٨ كان شاغلها فحسب أن تصل بأسرتها — بعد رحيل العائل — إلى مرفأ الأمان، كانت — كما وصفها الفنان — عصب حياة الأسرة. انهدَّ حيلها بعد رحيل الأب، وهرمت في عامين كما لم تهرم في عمرها كله، لكنها لم تستسلم للمحنة، ولا عرفت الشكوى، واستعانت بما جبلت عليه من الصبر والحزم والقوة، وشغلت نهارها كله بالطبخ والغسل والكنس والمسح والرتق والرفو ورعاية الابنين، وتأسَّى لتعب الابنة.١١٩ يقول حسين لنفسه: «شاء الله أن يبتلي أسرتنا بمصيبة قاصمة، ولكن سبق لطفه فقدَّر أن تكون هذه المرأة أمنا، ماذا يكون مصيرنا لولاها؟ كيف غذَّتنا وكستنا؟ كيف سيطرت على توجيهنا؟ كيف نهضت بضرورات أسرتنا في هذه الظروف القاسية؟ يا لها من معجزة تحيِّر العقول!»١٢٠
وفي حين أن الأم في «بداية ونهاية» — رغم شخصيتها الحازمة وصدق محاولاتها — لم تفلح في رأب الصدع بعد وفاة الأب، حتى ازداد الصدع فأضحى انهيارًا كاملًا، فإن أمينة (بين القصرين) حافظت — بأمومتها الطيبة المتسامحة — على بيت «بين القصرين»، ساعدها على ذلك — بالتأكيد — ظروف مواتية. حاولت الأم في «بداية ونهاية» — قدر جهدها — أن تمنع الأسرة من التفكك، وتيسِّر لأفرادها مواصلة الحياة في ظروف مناسبة. بذلت من العزم وقوة الإرادة ما يصعب أن يمتلكه أي رب أسرة رجل، لكن الظروف السلبية المعاكسة، الأقوى، سارت بالأسرة في طريق التفسخ، وحين أرادت الأم أن تواجه الظروف المعاكسة، وتتغلب عليها، وأن تداري حزنها بالحكمة والحزم،١٢١ فإن النهاية التي سعت إليها لم تُحقق، وعندما أعلنت استحالة إعطاء أي مصروف يومي لحسين وحسنين، فإن أحدهما اعترض قائلًا: ولا مليم؟ فأجابته في جزم: ولا مليم! ثم زادت فطلبت منهما أن يأكلا وجبة الغداء كلها في المدرسة، خشية ألَّا يتاح لهما طعامًا كافيًا في البيت. وقد وصفها حسنين بأن «الشدة مركبة في طبعها، ولولا المرحوم والدنا ما عرفنا المرح.»١٢٢ كانت الظروف أقسى من أن تتغلب عليها المرأة، فلم يعُد إلى جوارها من أفراد الأسرة إلا حسين، الذي قنع بوظيفة مدرس في إحدى مدارس طنطا، متخليًا عن كل ما يشغله من أحلام. كان المرفأ الذي بذلت الأم كل جهدها للوصول إليه هو أن يثوب حسن إلى رشده، وتتزوج نفيسة، ويصبح حسنين ضابطًا مرموقًا، ويجاوز حسين عثرات أيامه. لكن الجريمة ابتلعت حسن، وماتت نفيسة، وأسلم حسنين نفسه إلى الضياع (هل وافقت إرادته الجبانة على الانتحار؟!) ولم يعُد إلا حسين بمرتبه الضئيل وأحلامه المقتولة.
وعلى الرغم من تباين الظروف والنهاية، فإن الأم في «بداية ونهاية» تذكِّرنا بصفية (الشارع الجديد) من حيث إدارة شئون بيتها في صبر، وتدبُّر أمر ملء البطون، وأمر كسوة الأجساد، وأمر الأولاد الذين يذهبون — كل صباح — إلى الكُتاب. تكافح، وتحرم نفسها، لتوسع على زوجها وأولادها، وحين شعرت أنها مقبلة على أيام قاسية، ركبها الهم، وإن تجلدت أمام من في الدار، وجاهدت كي تبدو سعيدة قانعة.١٢٣ بل إن البعض يجد في شخصية الأم في «بداية ونهاية» دليلًا على ممارسة المرأة دور الرجل عن جدارة واستحقاق، وبنوعٍ من التفوق يكاد يتجاوز تفوق الرجل.١٢٤ لم يكن أبغض لنفس الأم من أن يشذ أحد أبنائها عن حدوده، أو أن يبدر منه ما يُعَد افتئاتًا على رابطة الأسرة المقدسة،١٢٥ لكنها وافقت — مضطرة — أن يمارس أكبر أبنائها حياة البلطجة، ووافقت على أن تحترف الابنة الخياطة، وحرَّضت أصغر الأبناء على أن يتجه لشقيقه في حي البغاء ليحصل منه على نفقات الكلية الحربية، ولم ترفض هدايا أسرة محمد أفندي فريد في العيد. أما صفية فقد أصرَّت أن يسلم زوجها إلى القسم كيس النقود الذي وجده ابنها بجوار الجامع. وكانت الأسرة — آنذاك — تعاني ضائقة مالية؛ ذلك لأن هدف صفية كان تنشئة أبنائها بصورة سليمة، أما الأم في «بداية ونهاية» فقد انصرف همُّها كله إلى مجاوزة المأزق الذي صنعته وفاة الزوج المفاجئة.
أما الأم — دولت — في «خان الخليلي» فقد بدا دورها المعلن — بالنكتة والدعابة — في مجاوزة ما ألمَّ بأسرتها من ظروف قاسية.١٢٦ وكانت الأم — دولت — عاملًا هامًّا في شفاء الأب من محنة إحالته إلى المعاش في سنٍّ باكرة. ظلت على اعتنائها بنفسها، وعلى روحها المرحة، ومسحت عن صدره الحزن بلطفها ودعابتها وتفاؤلها، وقالت له ضاحكة: لقد انتهيت يا عاكف أفندي من الحكومة، فافرغ لي!١٢٧ ويصف أحمد عاكف (خان الخليلي) أمه بالقول: «أمنا لطيفة كالملائكة، لأنها لا تغضب، ولا أكاد أذكرها إلا راضية أو ضاحكة.»١٢٨
وبقدر ما كانت أمينة خاضعة، مستكينة، مستسلمة، فإن الزوجة في «عصفور من الشرق» كانت ذات شخصية قوية، تناقش، وترفض، وتنصح.١٢٩ وكانت فاطمة (نحن لا نزرع الشوك) أمية، لكنها كانت حكيمة، عاقلة، حازمة، صارمة. وكان زوجها — على كل قراءاته واطلاعه — يخضع لأحكامها، ويسلم بصدق نظرتها وسلامة حكمها. الأمر نفسه بالنسبة لحمدي وشقيقته.١٣٠ نحن نتعرف إلى الشخصية نفسها في «دولت» التي تجهل القراءة والكتابة، لكنها فرضت طاعتها على أبنائها بصورة غريبة، حتى إن الراوي كان يخفي رسائله عنها، رغم علمه أنها لن تستطيع قراءتها «ومع هذا فقد كانت من القوة والجبروت بحيث كنا نخفي عنها انحرافاتنا المكبوتة.»١٣١ وكان الأب (هارب من الأيام) هو الذي يدلل ابنته، بينما تشتد الأم حين ترى لين الأب فاقعًا، وتقسو حين ترى الابنة تنحرف عما تريده لها الأم.١٣٢ ويصف الراوي (أيام الطفولة) أمه بأنها «أمي البطلة.» لقد واجهت مأساة مرض الأب، ثم موته فيما بعد، بصمتٍ وعزيمة وعناد. وكانت تتحرك في البيت — طيلة يومها — بين الابنة التي تعمل على ماكينة الخياطة، والزوج المريض، وطشت الغسيل، وفرن الخبيز، كأن جسدها قُدَّ من صلب أو حديد.١٣٣ ورغم قسوة الجوع، إلى حد الحرمان من الخبز الجاف، وصراخ بطون الأبناء في الليل والنهار، فإن الأم ظلت ترفض أن تمد يدها إلى الغير، وكانت تتحايل بشتى الطرق لتخفي عن أقاربها وجيرانها أنها لا تملك قوت اليوم.١٣٤ وقد شغلت الأم (امرأة ومصباح) بعد رحيل زوجها، بتزويج بناتها؛ راحت تبيع البيت الذي تملكه جزءًا جزءًا، كلما تزوجت ابنة باعت لذلك قطعة من البيت، حتى باعت البيت كله، واكتفت بأن تستأجر غرفة على سطح البيت الذي كانت تملكه، ولم يعُد لها من مورد سوى ما تتقاضاه من أجر، لانكبابها على ماكينة خياطة.١٣٥ وكما يقول حلمي القاعود، فإن «الكاتب يجعلنا نتعاطف مع هذه المرأة، ونقدِّر عطاءها، ونحترم عاطفتها، وغريزة الأمومة التي جعلتها تكافح حتى تموت منكفئة على ماكينة الخياطة، بينما مصباح الغاز يلفظ أنفاسه الأخيرة، من أجل سعادة بناتها.»١٣٦ وإذا كان كامل رؤبة لاظ (السراب) ضحية الأب الذي أدمن الشراب، وطلَّق أمه وهو صغير وتركه لرعايته، فالصغير لا يعرفه إلا من أحاديث أمه القليلة عنه، فإنه — من ناحية ثانية — كان ضحية الأم التي أسرفت في تدليله. يقول: «فلم أدرك إلا بعد فوات الوقت أنه كان حنانًا شاذًّا قد جاوز حده، ومن الحنان ما يُهلِك. كانت مصابة في صميم أمومتها، فوجدت فيَّ أنا السلوى والعزاء والشفاء. كرست حياتها جميعًا لي، أنا في حضنها، وأقضي نهاري على كتفيها أو بين يديها. وحتى في الأويقات التي كانت تتعهد فيها شئون البيت لم أكن أفارقها، أو لم تكن تدعني أفارقها. وحتى في المطبخ كنت أمتطي منكبها، مفترشًا رأسها بخدِّي، متسليًا بمشاهدة الطاهي وهو يشعل النار ويقطع الفحم ويخرط البصل، بل كنا نستحم معًا، فتحطني في طست عاريًا، وتجلس أمامي متجردة فأرشها بالماء، وأقبض على رغوة الصابون النافشة على جسدها، فأدلك بها جسدي.»١٣٧ وكان عماد (عزاء) يصف أمه بأنها أمه وأبوه وإخوته، من يدها يأكل — مع أنه لم يعُد صغيرًا — وتربت عليه عندما ينام، ويرمي في حجرها بكل همِّه.١٣٨ ولعل ذلك ما نجده في قصة «النقاب الطائر» لمحمود طاهر لاشين، حين يلجأ البطل إلى صدر أمه، يدفن فيه توتراته نتيجة لتكشُّف خيانة زوجة صديقه أمام عينيه، وفي «قصة الحب» يلهو للفنان نفسه عندما يفر الراوي — في أحاديثه التافهة مع أمه — من أزمته العاطفية.١٣٩ كانت المرأة تجسيدًا للمثل العامي: «الشاطرة تغزل برجل حمار»، فهي تضع يدها في كل شيء، ولا تعرف معنى المستحيل — وفَّرت أجر الحلاق وتولَّت هي قص شعر ابنها — فضلًا عن أحاديثها الواعية عن الحكومة، وعن الوزارات، وحلولها المستنيرة لما تصادفه جاراتها من مشكلات.١٤٠ وكانت أرضية الإيمان التي تتحرك المرأة فوقها أن هذه الحياة كُتبَت علينا، وليس أمامنا إلا أن نتقبَّلها ونتحمَّلها، فليس في مقدورنا كبشرٍ أن نغيِّر ما كتبه الله! وقد مات زوج نبوية (الحرام) وخلَّف لها عربة وحصانًا وبنتًا وولدًا، فباعت العربة والحصان، وتاجرت بثمنهما في الطماطم، لكنها أفلست، فعملت مقاوِلة أنفار وخبَّازة وخادمة في بيت المأمور. ثم عملت — أخيرًا — في تجارة البيض، واستطاعت أن تربي ابنيها، وأن ترسل الولد للتعلُّم في الكُتاب، ولم تفكر — لحظة — أن تدفع بأي منهما للعمل في التفتيش، أو في البيوت.١٤١ وقد اعتمد شوشة السقا في إدارة البيت بعد وفاة زوجته على أمها الضريرة. وعلى الرغم من وصف الفنان لأمينة بأنها طُبعَت على سلبية شاملة جعلتها أعجز من أن تجد حلًّا موفقًا لمشكلة من المشكلات،١٤٢ فإنها حافظت على كيان البيت، ولما حان أجلها كانت — والتعبير للفنان — قد وضعت بناء كاملًا.١٤٣
وتبين الأمومة عن ذروة متفوقة في الزوجة التي قرر الزوج حرمانها من إنجاب الأطفال، فلما أصرت على تحقيق أمومتها طلَّقها الزوج، فلم تعُد إليه إلا بعد أن أوهمته بأن الطفلة ماتت، وتعيش موزَّعة النفس بين الزوج والابنة التي تركتها عند قريبة لها.١٤٤ وتبلغ تضحية المرأة ذروة متفوقة حين تظهر الأم فرحتها لأن نشاط ابنها السياسي أودى به إلى السجن.١٤٥
الأم — في شمس الخريف — كما يصفها الراوي عانت طيشًا ورعونة، فهي — كما يصفها الراوي — زوبعة لا تكف عن التدوير، لكنها — في الوقت نفسه — «امرأة مستقيمة في أخص المعاني التي نقصدها بالاستقامة إذا ما ذكرنا النساء.»١٤٦ وفي رأيي أن الطبع الناري الذي اصطدم بطبع الزوج الهادئ في كثير من الشئون الخاصة، مثل محاسبته على التبسط في الحديث أمام امرأة، أو مبيته خارج بيته لشئون التجارة … فذلك بعض طبع الزوجة المصرية بعامة. والراوي — إلى ذلك — يكاد يفسر ذلك الطبع الناري بأن المرأة كانت تحب زوجها، «وقد أورثها حبه حرصًا عليه، ودَّت لو يتحوَّل يومًا ما قفلًا كأقفال الخزائن.»١٤٧
الراوي يقدم الأم بأنها «امرأة مترمِّلة مريضة، تدبِّر أمر معاشينا ببقية أعصاب وصحة.»١٤٨ ويشير أيضًا إلى أن الأمراض قد اعتادتها بعد موت الزوج مباشرة.١٤٩ ثم يؤكد الراوي بأنه لا يتهمها بالقسوة ولا بالانصراف عنه، لأنها — في الحقيقة — امرأة طيبة القلب، وإن كانت الظروف الخاصة التي تربَّصت لها عند مدخل الحياة الزوجية، قد أكسبتها عدة عادات ألقت ظلالًا من القسوة على معاملتها إياي «وفي الحق أنني كنت أنا شخصيًّا نقطة ضعف في حياتها الخاصة، لأنها لم تكن تراني من الموفَّقين في الدروس، على حين كان الآخرون من أبناء الجيران والمعارف يكادون يقطعون سني الدراسة وثبًا لو لم تقيدهم السنوات، وذلك على قلة عملهم وكثرة لعبهم، أما أنا فقد كنت كثير العمل، قليل اللعب، نادر التوفيق.»١٥٠ وكما ترى، فإن كل هذه الكلمات في صالح الأم.
لقد رحل الزوج، فأدخل الابن الفاشل في اعتبارها على أنها مرفأ يئوي إليه على قلة أماني وضماني. غير أني على كل حال نخلة في صحراء، قد ألقى ظلًّا خفيفًا على الرمل المتقد، وقد أسقط بلحة في وقت جوع.١٥١ أحصت الأم ما تركه الزوج، ووجدت أن ما تركه من مال قليل، بالإضافة إلى ديون بسيطة في ذمة بعض الناس، وقدَّرت أن ذلك كله سيكفيها — وصغيرها — من سنتين إلى ثلاث سنوات.١٥٢ كانت تأمل أن تحيا مع ولدها في أمان، لولا ضغط الظروف الاقتصادية. وثمة اعتراف من الراوي بأنه مثَّل — شخصيًّا — نقطة ضعف في حياة أمه الخاصة، لأنها لم تكن تراه من الموفَّقين في الدروس، على حين كان الآخرون من أبناء الجيران والمعارف «يكادون يقطعون سني الدراسة، وثبًا لو لم تقيِّدهم السنوات، وذلك على قلة عملهم وكثرة لعبهم، أما أنا فقد كنت كثير العمل، قليل اللعب، نادر التوفيق.»١٥٣ ثم أدركت الأم أن الحياة ظلَمتها، وأن ولدًا مثل ولدها يُنسَب إليها، لهو من أفدح ما رمتها به الحياة.١٥٤ نقم الراوي على وضعه من الأم بأنه متنفس للغضب — وتعييرًا للفشل، لكنه استحق — باعترافه — ذلك الغضب والتعيير! بل إن تناقض الراوي مع نفسه، ومع الآخرين، ينعكس في ضيقه — في أيام تالية، وبعد أن وضعت الأم أصابعها في الشق — من أن مسألة نجاحه أو إخفاقه قد أصبحت من مسائله الشخصية التي لم تعُد تشاركه فيها بشيء أبدًا.١٥٥ وعلى الرغم من اعتراف الراوي لنفسه — حين أقدمت الأم على الزواج — بأنه «ليست هذه أول حادثة من نوعها على الأرض، كلهن يفعلن ذلك، ولا يفعل ذلك إلا اللائي يخفن على شرفهن»، فإنه استوحى — لم؟ — من العبارات نقيضها المؤلم.١٥٦ إنه يتشكك حتى في قيمة ما تركه أبوه من مال «ولعدم معرفتي ماذا تركه أبي من مال معرفة واضحة، فهي — الأم — تستطيع أن تدَّعى أنها تتسول من أجلي منذ سنوات، ويصدِّقها الناس.»١٥٧ يقول: «إن دمعة واحدة تراق على فراق مثل هذه السيدة، إنما هي نوع من الإسراف لا ينبغي أن يكون.»١٥٨ وقد صارحته الأم وهي تعرض عليه مشروع زواجها: «يبدو أنك تنظر للموضوع من زاوية واحدة فحسب.»١٥٩ وقد التمس في زواج أمه الأعذار لكل من زلت به قدم، لأن فعلة أمه المشروعة — في تقديره — لم تكن مشروعة، ولأنها تطالع في مخدعها وجهًا يستغفر الله كلما تأمَّلته.١٦٠ ولعل الباعث لهذا الموقف المتعسف من الراوي ضد الأم هو أنانية الراوي وحبه المسرف للذات، فهو يصف عينيه بأنهما جميلتان،١٦١ ويتحدث عن تكسر نظرات الفتيات على محياه «في تطلعٍ ونهمٍ حبَّب إليهن المقام.»١٦٢ بل إنه كان على يقين من أن مسألة إخفاقه أو نجاحه، إن هي إلا من المسائل الشخصية التي لا تشاركه فيها أمه بشيء أبدًا!١٦٣
والحق أن الأم — في الأعمال الإبداعية بعامة — «تعشش»، وهي «ست الحبايب»، والمثل يقول «اللي بلا أم حاله يغم»،١٦٤ وإن بدت نماذج قليلة تتجه إلى السلبية. وعلى سبيل المثال، فقد كانت الأم في «عودة الروح» تشعر دومًا أن ما يربطها بابنها إنما هي صلة تكاد تكون رسمية شرعية لا أكثر.١٦٥ كانت طبيعتها منصرفة عن الأمومة وشئونها، إلى رغبات أخرى، ومطامع.١٦٦ وتصارح أم سنية (عودة الروح) ابنتها بأنها دائمًا ساحباها وراها.١٦٧ والفنان في «المستحيل» يقدم لنا نمطًا متفردًا من الأمومة، كانت الأم جافة قاسية، تخرج وتدخل على كيفها، ولا يشغلها إلا شئونها ونزواتها وثيابها وزياراتها وصديقاتها، وكانت تلهو بالزوج المسكين وتمشي على كيفها.١٦٨ وعند مرض أحد الأبناء، فإنها كانت تترك للأب مهمة تمريضه «لأنها ليست في السن التي تسمح لها بالسهر إلى جوار مريضة.»١٦٩ وتختلف أم رباب (السراب) في أنها هي التي أمسكت بيدها أمور الأسرة، فهي أول من علم بوقفة كامل رؤبة لاظ على محطة الترام، يرنو إلى رباب الواقفة وراء النافذة، أو داخل الشرفة، وهي التي رتبت كل الخطوات حتى تزوج الحبيبان، وهي التي دارت على ابنتها حتى الموت، عندما حملت من غير زوجها. إنها صورة مغايرة تمامًا للأم في «الثلاثية» و«خان الخليلي» و«بداية ونهاية» وغيرها. وعلى ضعف ملاحظة كامل رؤبة لاظ، فلم يخف عن عينيه أن والد رباب من الأزواج المطيعين، وأن زوجه هي الآمرة الناهية في البيت. وقد قارنت فايزة (الطريق المسدود) بين أم أحمد وأمها، بين الوجه النظيف الخالي من الأصباغ، والوجه الذي تتجمع فوقه كل الألوان، بين الحشمة والوقار وبين الخلاعة والمجون، بين سجادة الصلاة وزجاجة الويسكي، بين الأعصاب الهادئة ومنطق الاستسلام للقدر، وبين الأعصاب الثائرة ومنطق اقتناص الفرص!١٧٠ ثم مضى الزمن الذي كان الابن فيه لا يدخن بين يدي والدته، ولا يجلس في مجلسها إلا متخشعًا هيوبًا، وصار الرجل لا يحترم امرأة، وصارت المرأة أيضًا لا تحترم رجلًا!١٧١

•••

ولعلنا نجد في زوجة الأب — أو زوج الأم — وجهًا مناقضًا في معظم الأحيان لدور الأم في الأسرة المصرية. وإذا كان حسني (شجرة اللبلاب) قد أدرك أن الزواج ثانية شر، حتى من قبل أن يتزوج والده، فذلك لأن الأب لم يكن يذكره إلا في موطن التهديد،١٧٢ «لقد فهمت اليوم المعنى الذي كان يقصده أبي بوعيده، فهمت تمامًا معنى زوجة الأب بعد انقضاء أيامٍ من حلولها بيتنا.»١٧٣ وكان أهم ما يذكر عيد (أحزان نوح) من الحواديت التي استمع إليها في طفولته، تلك الحدوتة التي صوَّرت مساوئ زوجة الأب وشرورها.١٧٤ وكم كان مؤلمًا إحساس الطفل الصغير (الإغراء الأخير) بأنه لا يستطيع أن يفهم وجود رجل آخر يحل في البيت محل أبيه، بل يحل أيضًا محله في حضن أمه.١٧٥ وقد طالما عانى أبو المعاطي من سيطرة امرأة أبيه، تغري أباه بكراهيته، والتشدد معه.١٧٦ وقد تقبل المرأة عرضًا بالزواج، لمجرد أن ينفق صاحب العرض على طفلها الذي فقد أباه.١٧٧ وكان الراوي واحدًا من ضحايا «زوج الأم»، مات أبوه وهو طفل، وكان يحب أمه، وكانت أمه تحبه، حتى تزوجت من ذلك الرجل، فأصبحت — من يومها — ضعيفة لا حول لها ولا قوة، وأجبره الرجل على ترك المدرسة، والعمل كصبي نجار، وكانت تلك هي البداية لانحرافه.١٧٨ ويقول الفنان إن الابنة من طبيعتها أن تتحمَّل زواج أمها من رجل آخر بعد أبيها، لكنها لا تتحمَّل زواج أبيها من امرأة أخرى غير أمها، أما الابن فإنه يتحمَّل أن يتزوج أبوه من امرأة أخرى، ولا يتحمَّل زواج أمه من رجلٍ آخر.١٧٩ وقد عانت نعيمة من زوجة الأب، استبدلتها بالخادمة، فهي توقظها في الصباح الباكر، وتسلِّمها إلى دوامة متصلة من العمل البيتي، سواء في المطبخ أو الحمام أو في حجرات الشقة، فلا تتيح لها فرصة الراحة إلا بعد أن تجاوز الساعة العاشرة ليلًا، تقول لها بنبرة مغلَّفة بالعطف الكاذب: آن لك أن تنامي يا نعيمة لتأخذي قسطك من الراحة.١٨٠ ونعيمة تروح في البيت وتغدو، تعمل بلا أجر «وكأنه واجب تؤديه نظير لقمتها وإقامتها في البيت المفترض أنه بيت أبيها.»١٨١ وكان أشد ما يؤلم نعيمة أنها لم تجد عند أبيها الصفيق أي دفاع؛ لم يحاول مناصرتها منذ ماتت أمها وهي في الثامنة من العمر، حتى عبرت الثامنة والعشرين، والمستقبل لا يبين عن ملامح أمل. وحين تضيق نعيمة بظروفها تمامًا، تهجر بيت أبيها، وتعمل خادمة في بيت أسرة مقتدرة، ثم تتزوج من كهربائي، تبدأ معه حياة جديدة.١٨٢ وكانت قسوة زوجة الأب هي الباعث لأن تهرب الطفلة حمدية حمدان من قريتها، فتضيع في زحام المدينة.١٨٣ ولأن مشكلة الرجل الأرمل (هروب الطائر الأبيض) التي يتذكرها هي زوجة أبيه، عندما كانت توغر صدر أبيه عليه، ليضربه، فقد رفض تلميح المرأة له بالزواج، لأنه لا يريد أن تكون لصغيره زوجة أب.١٨٤
لقد رفضت الست عديلة (السرير النحاس) أن تتزوج — بعد وفاة زوجها — لخشيتها على ابنتها الوحيدة من غوائل زوج الأم.١٨٥ في قصة المخبولة تقيم الابنة علاقة مع زوج أمها،١٨٦ وفي المقابل من هذه النماذج السلبية، فقد عاد الراوي إلى البيت يومًا، ليجد رجلًا غريبًا، قدَّمته أمه له بأنه زوجها، وقبِل هذا الزواج بشيء من التوجس والخوف، لكنه سرعان ما تعوَّد الرجل، وقبِل وضعه، بعد أن وجده إنسانًا خنوعًا طيب القلب.١٨٧

•••

كانت البداية — كما أشرنا — في موقف رفاعة الطهطاوي الداعي إلى تعليم الفتاة، وفي ١٨٤٩م ألقى بطرس البستاني خِطابًا دعا فيه إلى تحرر المرأة. وأكد في خِطابه أن المرأة «لم تُخلَق لكي تكون في العالم بمنزلة صنم يُعبَد، أو أداة زينة تُحفَظ في البيت لأجل الفرجة، ولا لأن تصرف أوقاتها بالبطالة وكثرة الكلام والهذيان، أو تقتصر في الأعمال على كنَّاسة البيت مثلًا … إلخ.»١٨٨ وفي ١٩٠٠م أصدر قاسم أمين كتاب «تحرير المرأة» وتولَّت نشره دار الترقي للطبع والنشر. وعلى الرغم من أن عدد نسخ الطبعة الأولى لم يزد عن ألف، فقد ظلَّت في المكتبات عدة أعوام قبل أن تنفد.١٨٩ وجد قاسم أمين في الحرية خلاصًا للأمة جميعًا من مشكلاتها المختلفة، ذلك أن «الحرية الحقيقية تحتمل إبداء كل رأي، ونشر كل مذهب، وترويج كل فكر. في البلاد الحرة قد يجاهر الإنسان بأن لا وطن له، ويكفر بالله ورسله ويطعن على شرائع قومه وآدابهم وعاداتهم، ويهزأ بالمبادئ التي تقوم عليها حياتهم العائلية والاجتماعية، يقول ويكتب ما شاء في ذلك، ولا يفكر أحد — ولو كان من ألد خصومه في الرأي — أن ينقص شيئًا من احترامه لشخصه متى كان قوله صادرًا عن نية حسنة واعتقاد صحيح.» وحدد قاسم أمين دعامتَي التحرير الحقيقي للمرأة بأنهما: التعليم ونزع الحجاب، وذهب إلى أن «تربية النساء أهم من تربية الرجال في الهيئة الاجتماعية»، لأنه «يجب أن يكن عظيمات وفاضلات ليكون الرجال عظماء وفضلاء» … «لأن الرجال يكونون كما تريد النساء.» وقال: «لستُ ممن يطلب المساواة بين المرأة والرجل في التعليم، فذلك غير ضروري، وإنما أطلب الآن، ولا أتردد في الطلب، أن توجد هذه المساواة في التعليم الابتدائي على الأقل، وأن يُعتنى بتعليمهن إلى هذا الحد، مثل ما يُعتنى بتعليم البنين.» وفنَّد قاسم أمين ما كان مستقرًّا من ادعاءات بأن الإسلام فرض الحجاب على المرأة، وأكد القرآن والسنة أباحا تغطية المرأة لكل جسمها، ما عدا وجهها وكفيها. وأفاض في شرح عيوب الحجاب، وأنه يضعف الصحة، ويمنع المرأة من تلقي العلم، بل إنه قد يمنع الخطيب من رؤية خطيبته، فيكثر الطلاق: «إن المرأة التي تحافظ على شرفها وعفَّتها، وتصون نفسها عما يوجب العار وهي مطلقة غير محجوبة، لها من الفضل والأجر أضعاف ما يكون للمرأة المحجوبة، فإن عفة هذه قهرية، أما عفة الأخرى فهي اختيارية، والفرق كبير بينهما، ولا أدري كيف نفتخر بعفة نسائنا، ونحن نعتقد أنهن مصونات بقوة الحراس، واستحكام الأقفال، وارتفاع الجدران؟!» وقد طالب قاسم أمين أن يتم ما دعا إليه بالتدريج وليس بالطفرة، بل إنه لم يدع إلى رفع الحجاب بصورة مطلقةً، لكنه نادى بما أسماه «الحجاب الشرعي» «ربما يتوهم ناظر أنني أرى الآن رفع الحجاب بالمرة، لكن الحقيقة غير ذلك، فإني لا أزال أدافع عن الحجاب، وأعتبره أصلًا من أصول الآداب التي يلزم التمسك بها. غير أني أطلب أن يكون منطبقًا على ما جاء في الشريعة الإسلامية هو الحجاب الشرعي، وهو الذي أدعو إليه، كشف المرأة وجهها وكفَّيها، ونحن لا نريد أكثر من ذلك.»١٩٠ وأكد الكاتب أن الإسلام لا يشكِّل عقبة في طريق حصول المرأة على حقوقها «ولو كان لدينٍ ما سلطة وتأثير على العوائد، لكانت المرأة المسلمة اليوم في مقدمة نساء الأرض.»١٩١ بعكس الديانة المسيحية — مثلًا — التي لم تضع — في رأي قاسم أمين — نظامًا يكفل حرية المرأة، ويبيِّن حقوقها. أما السبب الحقيقي في تأخر وضع المرأة في المجتمعات المسلمة، فمبعثه النظم المستبدة سياسيًّا واجتماعيًّا، وتأثيرها على الدين. وكما يقول الكاتب فقد سبق الشرع الإسلامي كل شريعة سواه،١٩٢ «ولو كان لدين ما سلطة وتأثير على العوائد، لكانت المرأة المسلمة اليوم في مقدمة نساء الأرض.»
لم تنطلق دعوة قاسم أمين من مجرد الرغبة في «تحرير المرأة»، ولكنه كان ينشد حلًّا لمشكلة بدأت تجد سبيلها إلى الظهور والتأكد، وهي أن «رجال العصر الجديد يفضِّلون العزوبة على زواج لا يجدون فيه أمانيهم المحبوبة، فإنهم لا يرضون الارتباط بزوجة لم يروها، وإنما يطلبون صديقة يحبونها وتحبهم، لا خادمة تُستعمَل في كل شيء، ويطلبون أن تكون أم أولادهم على جانبٍ من العلم والخبرة يسمح لها بتربية أولادها على مبادئ الأخلاق الحسنة وقواعد الصحة.»١٩٣ وقال: «أي نفس حساسة ترضى بالمعيشة في قفصٍ مقصوصة الجناح، مطأطأة الرأس، مغمضة العينين، وهذا الفضاء الواسع الذي لا نهاية له أمامها، والسماء فوقها، والنجوم تلعب ببصرها، وأرواح الكون تناجيها، وتوحي إليها الآمال والرغائب في فتح كنوز أسرارها.» وتحدَّث قاسم أمين عن الحب، فأكثر الناس — في تقديره — «لا يفهمون من الحب إلا أنه تمتع يشبه أكلة لذيذة، إذا حضرت أكلوها هنيئًا، وإذا غابت استعاضوها بغيرها، والحقيقة أنه إحساس عميق يستولي على النفس كلها، ويجعلها محتاجة إلى الاختلاط بنفسٍ أخرى احتياجًا ضروريًّا، كاحتياج العليل إلى الشمس، والغريق إلى الهواء. نار تلهب القلب، لا يطفيها البعد، ولا يبردها القرب، بل يزيدها اشتعالًا، ومرض يقاسي فيه العاشق عذابًا يظهر باحتقان في مخه، وخفقان في قلبه، واضطراب في أعصابه، واختلال في نظام حياته، يظهر على الأخص في الأكل، وفي النوم، وفي الشغل، ويجعله غير صالح لشيء سوى أنه يقضي أوقاته شاخصًا إلى صورة محبوبته، مستغرقًا في عبادتها، ذاكرًا أوصافها وحركاتها وإشاراتها وكلماتها، نظرة في عيون محبوبته تملأ قلبه، وتجعله يتخيل أنه ماشٍ في طريق مفروش بالورد، أو مراكب سابحة، وطائر في المرتفعات العالية فوق قرب السماء. في هذه اللحظة يكون سعيدًا، أسعد من أكبر ملوك الأرض، فإذا انقضت عاد إلى ما كان فيه من العذاب والألم. وأشار قاسم أمين إلى أن المصريين الذين يفهمون أن للزواج معنًى غير مجرد الاستمتاع المؤقت، هم تابعون لقانون الحب والأمانة، والإخلاص لنسائهم وأولادهم قانون أعلى من مبادئ حب الذات الذي وضعه بعض فقهائهم. ووصف الرجل الزواج في مصر بأنه حيازة رجل لامرأة، يومًا أو شهرًا أو سنة أو عدة سنين، حيازة تنتهي بمجرد إرادة الرجل، ولا فرق بينها وبين الحيازة غير الشرعية ما جاز للرجل أن يدفع زوجته إلى الباب، ويقول لها اخرجي! وما دام الطلاق متروكًا لرأي الزوج، يستحيل أن يثبت في نفوس الرجال والنساء، لأن أساس الزواج فكرة الاستمرار والمعاشرة إلى آخر الحياة.١٩٤
وذهب قاسم أمين في كتابه «المرأة الجديدة» إلى أن الحجاب يعكس نظرة الرجل إلى المرأة، فهي ملك له، خُلقت لمتاعه، ومن ثَم فلا بد أن يحميها من نظرات الآخرين، وكان الحجاب هو السبيل لذلك. لم يستهدف الرجل حماية المرأة بقدر ما استهدف إرضاء كبرياء الرجل. وأكد قاسم أمين — صراحة — أن «المرأة التي تلزم بستر أطرافها والأعضاء الظاهرة من بدنها، بحيث لا تتمكن من المشي، ولا من الركوب، بل لا تتنفس ولا تنظر ولا تتكلم إلا بمشقة، تُعد رقيقة.»١٩٥ وأن حجاب المرأة يجعل الأمة «كإنسان أصيب بالشلل في أحد شقَّيه».١٩٦ وانتهى الكاتب إلى الرأي بأن «إلزام النساء بالاحتجاب هو أقسى وأفظع أشكال الاستعباد.»١٩٧
لم ينكر قاسم أمين على المرأة دورها الأساس، وهو إنشاء الأسرة، وتربية الأولاد، كانت تلك عنده أفضل خدمة تقدمها المرأة للمجتمع. بل لقد اعتبرها «قضية بديهية» لا تحتاج إلى نقاش، لكنه أضاف إلى ذلك دورها الغائب في مواجهة الحياة بالعمل إذا فرضت عليها الظروف ذلك. والملاحَظ كذلك أن قاسم أمين لم يطلب المساواة بين الرجل والمرأة في التعليم — على سبيل المثال — فذلك — في تقديره — كان غير ضروري، وإنما طلب المساواة في التعليم الابتدائي في الأقل. أما الحجاب، فهو قد طالب بالاقتصار على الحجاب الشرعي» على ما جاء في الشريعة الإسلامية، والمتمثل في «كشف المرأة وجهها وكفَّيها ونحن لا نريد أكثر من ذلك.» واعتبر قاسم أمين تعدُّد الزوجات مظهرًا من مظاهر احتقار الرجل للمرأة، فهو «حيلة شرعية لقضاء شهوة بهيمية، وهو علامة تدل على فساد الأخلاق، واختلال الحواس، والشره في طلب اللذائذ.» وشدد على ضرورة الإلغاء — التدريجي — لتعدُّد الزوجات، وقصره في حالات استثنائية، يحددها القاضي أو الطبيب حماية للأسرة. وأدان قاسم أمين مظاهر احتقار الرجل للمرأة، ومنها شراء الجواري البيض والسود، والتطليق بلا سبب، وتناول الطعام وحده، فتأكل نساء البيت ما يخلفه (ونتذكر أسرة «بين القصرين») والحبس في البيت، فهي لا تغادره إلا لضرورة، وبرفقة من يحافظ عليها، وربما لا تغادر البيت إلا إلى القبر. وبالنسبة للطلاق، فقد عارض قاسم أمين حدوث الطلاق بكلمة، لمجرد التلفظ بهذه الكلمة، فالطلاق «إنما هو عمل يقصد به رفع قيد الزواج، وهذا يفرض حتمًا وجود نية حقيقية عند الزوج، وإرادة واضحة في أنه إنما يريد الانفصال عن زوجته.» ودعا قاسم أمين إلى وجوب الاستشهاد كشرطٍ لصحة الطلاق كما تشير الآية الواردة في سورة الطلاق وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ، واقترح ألَّا يتم الطلاق إلا أمام القاضي الشرعي أو المأذون. فإذا أصر الزوج — بعد مُضي أسبوع على نية الطلاق — فإن على القاضي أو المأذون أن يبعث حكمًا من أهل الزوج، وحكمًا من أهل الزوجة، أو عدلَين من الأجانب، إن لم يكن لهما أقارب يُصلحان بينهما. وبعد أن قيَّد حق الرجل في الطلاق، أضاف «ولكن لنا أن نلاحظ أنه مهما ضيقنا صدور الطلاق، فلا يمكن أن تنال المرأة ما تستحق من الاعتبار والكرامة، إلا إذا منحت حق الطلاق، ومن حسن الحظ أن شريعتنا النفيسة لا تعوقنا في شيء مما نراه لازمًا لتقدم المرأة.» واستند الإمام في فتواه إلى المذهبين المالكي والحنفي. وعمَّق قاسم أمين من خطورة المشكلة بقوله «انظر إلى البلاد الشرقية تجد أن المرأة في رق الرجل، والرجل في رق الحاكم، فهو ظالم في بيته، مظلوم إذا خرج منه» … «إن علاقة المرأة تتأثر بالعلاقة بين الحكومة والأفراد، فالحكومة المستبدة تقضي على كرامة الرجل، وتجعل الحق للقوة الغشوم. وإذا كانت القوة شعارًا للجماعة آمن أفرادها باحترام القوة في كل مظهر من المظاهر، وخافوا من أصحابها. وما دام الحق قد أصبح للقوة، فقد أصبح الرجل يستبد بالمرأة.»١٩٨

واللافت أنه عندما دعا قاسم أمين إلى «تحرير المرأة»، وإلى «المرأة الجديدة»، فإن المعركة — التي شغلت حياتنا السياسية والاجتماعية جميعًا — لم تقتصر على المقالات والكتب التي تناقش وتحلل وتؤيد وتعارض، وتجعل من دعوة قاسم أمين معلَمًا مهمًّا ومؤثرًا في مسار الحياة المصرية، وفي حياة المرأة المصرية على وجه الخصوص. فثمة إسهام مباشر في المعركة لم يفطن إليه مؤرخو تلك الفترة، رغم أنه شكَّل صوتًا جهيرًا في المناقشات التي أثيرت، مناصرة ورفضًا لتحرير المرأة وسفورها وصعودها درجات في سُلَّم المساواة بالرجل. ويتمثَّل هذا الإسهام في العديد من الأعمال الأدبية والفنية التي تتناول دعوة قاسم أمين، وتبين عن ملابساتها ونتائجها في حياة قطاعات مختلفة من المجتمع. كانت القصة فنًّا مستحدثًا، لكن السِّمة التي غلبت على كل المحاولات الأولى، بدءًا ﺑ «علم الدين» وانتهاء ﺑ «زينب»، مرورًا ﺑ «ليالي الروح الحائر» و«قلب الرجل» و«حديث عيسى بن هشام» و«ليالي سطيح» و«مذكرات الأميرة يراعة» و«نظرات» المنفلوطي و«عبراته» وغيرها، أنها عانقت همومنا الاجتماعية، وحاولت أن تناقش ما يعاني المجتمع من قضايا ومشكلات. وقد أحدثت دعوة قاسم أمين رد فعل عنيفًا في أوساط المثقفين المصريين، تمثَّل في المواقف المؤيدة والمعارضة التي عبَّر عنها كُتاب وساسة، كبار وصغار. بل إن مصطفى كامل أفرد صفحات «اللواء» — لأشهر طويلة — للهجوم الضاري على قاسم أمين، إلى حد التشكيك في وطنية الرجل!

لقد انحصر الخلاف بين قاسم أمين ومعارضيه في إلغاء الحجاب، أما تربية المرأة وتعليمها، فلم نرَ حولهما خلافًا حقيقيًّا، فضلًا عن تخوف المعارضين من ظاهرة التفرنج، وما قد تحمله من أمراض اجتماعية. اعتبر دعاة السفور زي المرأة — الحَبَرة والحجاب — أحد مظاهر إذلالها، فهي ملك للرجل، وقد خُلقَت لمتعته، ومن ثَم جاء حرصه على حمايتها من أعين الآخرين، فألزمها بارتداء الحَبَرة والحجاب. وبينما أُطلقت على قاسم أمين — من الأقلام المؤيدة — ألقاب مثل «محرر المرأة» و«لوثر الشرق» وغيرها، فإن محمد فريد كان أول من تصدَّى للدفاع عن الحجاب والنقاب: «أنا لا أنكر أن الحجاب بمعناه الحاضر بدعة لا أصل لها في الدين، وليست من عادات العرب الثابتة، وكانت بنت فاطمة تخاطب الناس، وتكلم الرجال، وتفتيهم فيما أرادوا استفتاءها فيه، وكذلك كانت زوجته عائشة رضي الله عنها. ولكن لا بد من وجوب ملاحظة الزمان والوسط في موضوعنا هذا؛ وعندئذٍ لو علم حضرة مؤلف «تحرير المرأة» أن عين الرجل في ذلك الزمان كانت أقصر من أن تمتد إلى ثوب الأجنبية عنه، وفهم من هذا أن الحجاب لا معنى له، إذا كانت تلك حالهم، أمكنه أن يدرك ضرورته لنسائنا في عصرنا، بل وربما أمكنه أن يدرك ما في «التمدن العصري» الذي يريد من المساوئ.»١٩٩ أما مصطفى كامل فكان رأيه أن «حرية المرأة لا محل للحديث عنها الآن.» كما هاجمت «اللواء» سفور المرأة بشدة بالغة. وبعد مناقشة لآراء قاسم أمين، قال طلعت حرب محددًا رأيه في وظيفة المرأة: «ظهر من ذلك أن للمرأة أعمالًا غير ما للرجل، ليست بالأقل أهمية من أعماله، ولا بالأدنى منها فائدة، وهي تستغرق معظم زمن المرأة، إن لم نقل كله، فالرجل يسعى ويشقى ويكد ويتعب ويشتغل، ليحصل على رزقه ورزق عياله، وامرأته ترتب له بيته، وتنظف له فرشه، وتجهز له أكله، وتربي له الأولاد، وتلاحظ له خدمه، وتحفظ عينه من المحارم.» وأشار الشيخ محمد عبد الرازق الدمنهوري — أحد علماء الأزهر — إلى أن الوظيفة الطبيعية التي خُلقَت لها المرأة، هي العناية ببيتها وأطفالها. وقال إن المرأة تحمل، ثم تلد، ثم تربي أطفالها — وهذه أظهر الحالات الطبيعية للمرأة — ثم لا تكاد المرأة تقطع هذا الشوط حتى تبتلي بحملٍ آخر يزيد من شقائها، ويضاعف أعباءها، وهكذا تنقضي حياتها بين حملٍ ووضعٍ وتربية.٢٠٠ وأكد عالم أزهري آخر أننا «ما سمعنا في تاريخ من التواريخ، ولا في سفر من الأسفار، ولا في خبر من الأخبار، أن أمة من الأمم تقدمت بنسائها، وارتفع شأنها بإناثها. وهذه الدول الأوروبية قد ارتفعت في هذه الأيام، واشتهرت بالعلوم والمعارف والحرف والصنائع واختراع الأمور العظيمة التي عمَّ نفعُها. فأي شيء من هذه العلوم والمعارف، وأي أمر من مخترعات الحرف والصنائع اشتهرت به امرأة من النساء.» وبلغت المعارضة ذروتها في تلك الحادثة السخيفة، عندما طرق أحد المتزمتين باب بيت قاسم أمين، وطلب الاختلاط بزوجه متسائلًا: ألم تدعُ إلى اختلاط المرأة والرجل؟ وسُئل أحد الوجهاء: ما رأيك في كتاب تحرير المرأة؟ أجاب: رديء! سُئل: هل قرأته؟ أجاب: لا! سئل: أما يجب أن تطلع عليه قبل الحكم برداءته؟ قال: ما قرأت ولا أقرأ كتابًا يخالف رأيي! وعارضت السيدات ذوات الاتجاه الإسلامي الدعوة لخلع الحجاب، فهو — في رأيهن — «شارة أجدادنا المسلمات.»٢٠١ ولعل سفور المرأة قد بدأ في داخل البيوت، وهو ما لاحظه الراوي (في بيوت الناس) حين ظهرت العروس الجديدة، المتحررة — أمام الخدم — مكشوفة الرأس والوجه.٢٠٢ ومع الأصوات المؤيدة والمعارضة لدعوة قاسم أمين، فإن الشيخ علي يوسف كتب في «المؤيد»: «إننا نظن أن يكون ظهور هذا الكتاب مصدر تغيُّر عظيم في أفكار الأمة، ينشأ عنه فيما بعد تغيُّر أعظم في أخلاقها.»٢٠٣ وثمة نقطة مهمة، يشير إليها محمد حسين هيكل في قوله إن الذي يحُول بين المجتمع المصري (هل تغير الوضع كثيرًا في قرن أو أكثر؟) وبين العدل في مسألة المرأة ليس هو الدين، لكنه الاستبداد الذي تخلل نفوس الرجال، وأفسد ملكاتهم، فلم يبقَ في وسعهم أن يتخلوا عن الظلم «بل تدفعنا نفوسنا، فلا نكتفي بظلم أقراننا وبظلم النساء، حتى نظلم الدين هو الآخر، في حين أن الدين لا ذنب له.»٢٠٤ والمؤكد أن الإسلام قد جعل للمرأة حقوقًا لم تكن لها من قبل، بل إن هذه الحقوق لا تملكها المرأة في مجتمعات أخرى غير إسلامية، مثل حقها في اختيار الزوج، وعدم فقدان اسم أسرتها، ولا شخصيتها الذاتية، ولا أهليتها في التعاقد، ولا حقها في الملكية، ولا استقلالها المالي. فضلًا عن حقوقها «الزوجية» متمثلة في العشرة بالمعروف، أو التسريح بإحسان، والعدل، والحقوق الجنسية، والإنفاق … إلخ.

هوامش

(١) بين القصرين، ١٤.
(٢) المصدر السابق، ٤٣.
(٣) المصدر السابق، ٤٣.
(٤) المصدر السابق، ١٨.
(٥) مآذن دير مواس، ٤٤.
(٦) بين القصرين، ٤٧.
(٧) محمد جلال، القضبان، دار الهنا، ٨.
(٨) سعد الدين وهبة، حكاية ابن ستيتة، المجلة، فبراير ١٩٦٨م.
(٩) بين القصرين، ٦١.
(١٠) نجيب محفوظ، ثمن الضعف، المجلة الجديدة، ٣/ ٨/ ١٩٣٤م.
(١١) إبراهيم عبد القادر المازني، قصة حياة، الهدى للنشر والتوزيع، ٢٠.
(١٢) المصدر السابق، ٢٠.
(١٣) المصدر السابق، ٢٠.
(١٤) ليلى أبو سيف، نجيب الريحاني وتطور الكوميديا في مصر، دار المعارف، ١٣.
(١٥) أحمد الصاوي محمد، باريس، دار الكتب المصرية، ٧٨.
(١٦) إبراهيم عبد القادر المازني، ثلاثة رجال وامرأة، مكتبة مصر، ٦١.
(١٧) إبراهيم عبد القادر المازني: لو عرف الشباب، ع الماشي، مكتبة مصر.
(١٨) إحسان عبد القدوس، رائحة الورد وأنوف لا تشم، مكتبة مصر، ٣٥.
(١٩) نبيل راغب، فن الرواية عند يوسف السباعي، الخانجي، ٥١.
(٢٠) مي زيادة، باحثة البادية، ٥٤.
(٢١) عبد العزيز عمر ساسي، سيد القرية، من الأعماق، جماعة نشر الثقافة بالإسكندرية.
(٢٢) رأفت سليم، أربعة رجال في حياة فتاة الكباريه، الحدود، مركز الحضارة العربية.
(٢٣) أمين يوسف غراب، ست البنات، روز اليوسف.
(٢٤) محمد لطفي جمعة، في بيوت الناس، ٤٩.
(٢٥) المصدر السابق، ٤٩.
(٢٦) المرايا، ٤٤.
(٢٧) فؤاد حجازي، سجناء لكل العصور، أدب الجماهير، ٩١.
(٢٨) أحمد جمعة، تاريخ ميلاد جديد، سيرة الصمت والجوع.
(٢٩) فتحي غانم، قليل من الحب، كثير من العنف، هيئة الكتاب، ٤٤.
(٣٠) أحزان مدينة، ٦٨.
(٣١) بنت الشاطئ، سيد القرية، من الأعماق.
(٣٢) مآذن دير مواس، ٢٨٥.
(٣٣) محمد هاشم، ملاعب مفتوحة، ميريت، ٣٦.
(٣٤) سعد مكاوي، العمر كله، الزمن الوغد، هيئة الكتاب.
(٣٥) إبراهيم عبد القادر المازني، إبراهيم الكاتب، ١٣.
(٣٦) الأيام، ١: ٢٥.
(٣٧) نوال السعداوي، رحلاتي حول العالم، دار المستقبل العربي، ٤٢.
(٣٨) عفيف فراج، الحرية في أدب المرأة، مؤسسة الأبحاث العربية، ٢١٠.
(٣٩) لويس عوض، العنقاء، ٨٨.
(٤٠) توفيق الحكيم، حماري وعصاي والآخرون، مكتبة مصر، ٣٠.
(٤١) زينب صادق، أحلام في بلاد بعيدة، شهرزاد تبوح بشجونها، كتاب العربي.
(٤٢) إنجي أفلاطون، نحن النساء المصريات، ٢٥.
(٤٣) نبوية موسى، تاريخي بقلمي، هيئة قصور الثقافة، ٥٧.
(٤٤) المرجع السابق، ٦٩.
(٤٥) سعادة الزوجين، مكتبة ومطبعة الشباب، ١٩٢١م، ٦.
(٤٦) سيكولوجية المرأة، ٥١.
(٤٧) بين القصرين، ٩.
(٤٨) المصدر السابق، ٣٧١.
(٤٩) المصدر السابق، ٣٥٧.
(٥٠) المصدر السابق، ٤٤١.
(٥١) ليست هي، ٧١.
(٥٢) المصدر السابق، ٧٦.
(٥٣) محمد حسين هيكل، وفاء، قصص مصرية، مكتبة النهضة المصرية، الطبعة الأولى.
(٥٤) ثروت أباظة، الست عيشة، هذه اللعبة، دار القلم.
(٥٥) جاذبية صدقي، اسمي العذاب، شيء حرام، الكتاب الذهبي.
(٥٦) دعاء الكروان، ٤٠.
(٥٧) من آثار مصطفى عبد الرازق، ١١٥.
(٥٨) محمد زكي عبد القادر، كان أبواها يريدان ولدًا، لست مسيحًا أغفر الخطايا، كتاب اليوم.
(٥٩) محمد عبد الحليم عبد الله، الكنز، الضفيرة السوداء، مكتبة مصر.
(٦٠) جريدة الوطن، ٦مارس ١٩٠١م.
(٦١) «الحوادث» اللبنانية، ١٨/ ١٠/ ١٩٨٥م.
(٦٢) الشارع الجديد، ٥.
(٦٣) مقامات ريان، ٦.
(٦٤) طه حسين، قاسم، المعذبون في الأرض.
(٦٥) فتحي هاشم، الأسطورة، الدار المصرية للتأليف والترجمة.
(٦٦) ثروت أباظة، الضباب، طبعة دار نهضة مصر، ٢١.
(٦٧) المصدر السابق، ٧.
(٦٨) عبد الرحمن الشرقاوي، في المطر، صباح الخير، يناير ١٩٥٦م.
(٦٩) بين القصرين، ١٧٩.
(٧٠) هكذا خلقت، ١٩-٢٠.
(٧١) في قافلة الزمان، ١٩٩.
(٧٢) هكذا خلقت، ١٦.
(٧٣) أنا حرة، ٧٦.
(٧٤) المستحيل، ٧١.
(٧٥) الأهرام، ١٧ أكتوبر ١٩١٦م.
(٧٦) إحسان هانم.
(٧٧) شوقي عبد الحكيم، أحزان نوح، هيئة الكتاب.
(٧٨) سيكولوجية المرأة، ٩٦.
(٧٩) إبراهيم الكاتب، ١٤.
(٨٠) المرأة بين الماضي والحاضر، ١٣٧.
(٨١) حواء الجديدة، ٤٠.
(٨٢) بين القصرين، ٣٨٢.
(٨٣) المصدر السابق، ٣٨.
(٨٤) المصدر السابق، ٣٨.
(٨٥) المصدر السابق، ٣٨.
(٨٦) المجلة الجديدة، ٥/ ١/ ١٩٣٤م.
(٨٧) بين القصرين، ٣٠٢.
(٨٨) السراب، ١٤٢.
(٨٩) عبد الرحمن الشرقاوي، قلوب خالية، الكتاب الفضي، ١٢٤.
(٩٠) القرية المتغيرة، ١٥٨.
(٩١) نوال السعداوي، المرأة والجنس، الطبعة الثالثة، ١١٠.
(٩٢) طلائع الأحرار.
(٩٣) شباب وغانيات، ١٤.
(٩٤) قصة حياة، ١٢.
(٩٥) القضبان، ١٣٦.
(٩٦) الشارع الجديد، ٤٤٤.
(٩٧) بين القصرين، ١٩١.
(٩٨) المصدر السابق، ٤٣.
(٩٩) المصدر السابق، ١٨٨.
(١٠٠) المصدر السابق، ١٤٠.
(١٠١) إبراهيم عبد القادر المازني، من النافذة، ٣٠.
(١٠٢) قصر الشوق، ٤١٢.
(١٠٣) المصدر السابق، ١٣٢.
(١٠٤) بين القصرين، ٤٠.
(١٠٥) المصدر السابق، ١٥٢.
(١٠٦) تربية سلامة موسى، ١٩.
(١٠٧) قصر الشوق، ٣٥.
(١٠٨) بين القصرين، ٢٢٧.
(١٠٩) المصدر السابق، ١٩٠.
(١١٠) المصدر السابق، ٣٩٢.
(١١١) نجيب محفوظ، مهرج، همس الجنون، مكتبة مصر.
(١١٢) بين القصرين، ٣٣.
(١١٣) جاك جومييه، بين القصرين، مكتبة مصر.
(١١٤) السكرية، ٣٨٩.
(١١٥) الثقافة، يوليو ١٩٧٨م.
(١١٦) نشأة تاريخ مهنة الخدمة الاجتماعية، ٥٣.
(١١٧) بداية ونهاية، ١١.
(١١٨) المصدر السابق، ١٧٦.
(١١٩) المصدر السابق، ١٧٤.
(١٢٠) المصدر السابق، ١٩٨.
(١٢١) المصدر السابق، ١٩٣.
(١٢٢) المصدر السابق، ٢٩.
(١٢٣) عبد الحميد جودة السحار، الشارع الجديد، مكتبة مصر، ٧٦.
(١٢٤) إدريس الكريوي، صورة المرأة في رواية بداية ونهاية، عمَّان، العدد المائة.
(١٢٥) بداية ونهاية، ٨٣.
(١٢٦) خان الخليلي، ٢٧.
(١٢٧) المصدر السابق، ٢٧.
(١٢٨) المصدر السابق، ١٢١.
(١٢٩) عصفور من الشرق.
(١٣٠) نحن لا نزرع الشوك، ٤٩٤.
(١٣١) عبد المنعم الصاوي، دولت، مكتبة مصر، ٣٠.
(١٣٢) هارب من الأيام، ٧.
(١٣٣) إبراهيم عبد الحليم، أيام الطفولة، دار الفكر، ٢٠.
(١٣٤) المصدر السابق، ١٧.
(١٣٥) محمد عبد الحليم عبد الله، امرأة ومصباح، حلم آخر الليل، مكتبة مصر.
(١٣٦) حلمي محمد القاعود، حلم آخر الليل، عالم الكتاب، أبريل ١٩٨٨م.
(١٣٧) السراب، ١٨-١٩.
(١٣٨) جار النبي الحلو، عزاء، طائر فضي، هيئة الكتاب، ١٩٩٠م.
(١٣٩) محمود طاهر لاشين، الأعمال الكاملة.
(١٤٠) المصدر السابق، ٣٥.
(١٤١) الحرام، ٢٤.
(١٤٢) بين القصرين، ١٧٦.
(١٤٣) السكرية، ٣٨٩.
(١٤٤) ملك عبد العزيز، قلب يستيقظ، الجورب المقطوع.
(١٤٥) في بيتنا رجل، ٥٢٥.
(١٤٦) شمس الخريف، ٢٨.
(١٤٧) المصدر السابق، ١٧.
(١٤٨) المصدر السابق، ١٠.
(١٤٩) المصدر السابق، ١١.
(١٥٠) المصدر السابق، ١٢.
(١٥١) المصدر السابق، ٢٩.
(١٥٢) المصدر السابق، ٢٩.
(١٥٣) المصدر السابق، ١٢.
(١٥٤) المصدر السابق، ٣٠.
(١٥٥) المصدر السابق، ٦٦.
(١٥٦) المصدر السابق، ٩٤.
(١٥٧) المصدر السابق، ١١٨.
(١٥٨) المصدر السابق، ٩٥.
(١٥٩) المصدر السابق، ٩٣.
(١٦٠) المصدر السابق، ١١٦.
(١٦١) المصدر السابق، ١٥٨.
(١٦٢) المصدر السابق، ٧٤.
(١٦٣) المصدر السابق، ٦٦.
(١٦٤) حديث عن المرأة المصرية المعاصرة، ٣٨.
(١٦٥) عودة الروح، ٢: ٧١.
(١٦٦) المصدر السابق، ٢: ٧١.
(١٦٧) المصدر السابق، ٢: ٩٠.
(١٦٨) مصطفى محمود، المستحيل، ٨٣-٨٤.
(١٦٩) المصدر السابق، ٩٢.
(١٧٠) إحسان عبد القدوس، الطريق المسدود، مكتبة مصر، ١٨٤.
(١٧١) من آثار مصطفى عبد الرازق، ٢٤٦.
(١٧٢) محمد عبد الحليم عبد الله، شجرة اللبلاب، مكتبة مصر، ١٦.
(١٧٣) المصدر السابق، ١٨.
(١٧٤) أحزان نوح، ٩٢–٩٤.
(١٧٥) نعيم عطية، الإغراء الأخير، دار المعارف، ١٩٧٨م، ١٣.
(١٧٦) محمود تيمور، إحسان لله، مكتبة الآداب، الطبعة الثانية.
(١٧٧) خروج للحياة، نزيف الشمس.
(١٧٨) يوسف إدريس، العتب على النظر، مركز الأهرام للترجمة والنشر، ١٩٨٧م.
(١٧٩) رائحة الورد وأنوف لا تشم، ١٧٨.
(١٨٠) نجيب محفوظ، من تحت لفوق، الفجر الكاذب.
(١٨١) المصدر السابق.
(١٨٢) المصدر السابق.
(١٨٣) بهاء السيد، عين الشمس، السفر في الليل، هيئة الكتاب.
(١٨٤) رمسيس لبيب، هروب الطائر الأبيض، دار الثقافة الجديدة بالإسكندرية، ٦٨.
(١٨٥) يحيى حقي، السرير النحاس، عنتر وجولييت، هيئة الكتاب.
(١٨٦) سعد مكاوي، المخبولة، راهبة من الزمالك، دار التحرير.
(١٨٧) محمد سالم، دموع، باب المجتمع، هيئة الكتاب، ١٩٨٢م.
(١٨٨) حنا الفاخوري، تاريخ الأدب العربي، المطبعة البولسية، ١٠٣٧.
(١٨٩) يوميات محام مصري، ٨٠.
(١٩٠) تحرير المرأة، ١٩٢٨م، ٥٤–٦٣.
(١٩١) المرجع السابق، ١١.
(١٩٢) لويس عوض، المؤثرات الأجنبية في الأدب العربي الحديث، قضية المرأة، ٥٣.
(١٩٣) تحرير المرأة، ١٥٠.
(١٩٤) محمد عمارة، كلمات النص الكامل لكتاب مجهول لقاسم أمين، الهلال، يناير ١٩٧٧م.
(١٩٥) قاسم أمين، المرأة الجديدة، مطبعة الشعب، الطبعة الثانية، ٣٤.
(١٩٦) المرجع السابق، ٦٤.
(١٩٧) المرجع السابق، ٣٨.
(١٩٨) المرجع السابق.
(١٩٩) المؤيد، ٣/ ٦/ ١٨٩٩م.
(٢٠٠) طلعت حرب، تربية المرأة والحجاب، الطبعة الأولى، ١٧.
(٢٠١) ترقية المرأة، السنة الأولى، العدد ٢، ١٩٠٨م، ١٩.
(٢٠٢) في بيوت الناس، ٧٠.
(٢٠٣) ثمة أقوال تنسب كتابة فصول من كتاب «تحرير المرأة» للإمام محمد عبده — الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده — تحقيق محمد عمارة — المؤسسة العربية للدراسات والنشر ١٩٧٢م، ٢: ٨٨٤ وما تلاها. وعمومًا، فقد استطاع محمد عبده — من خلال منصب الإفتاء — أن يؤدى دورًا إيجابيًّا لتغيير التصورات المجتمعية السائدة، بشأن المرأة، وقوانين الأحوال الشخصية بخاصة، وأصدر الإمام العديد من الفتاوى المتصلة بالطلاق، ومنها جواز طلاق العاجز عن النفقة، حق القاضي في فسخ الزواج في حالة مرض الزوج أو سجنه، حق القاضي في فسخ الزواج بعد سفر الزوج لمدة أربع سنوات في الأقل، حق المرأة في أن تطلب الطلاق إذا عاملها الزوج معاملة سيئة.
(٢٠٤) محمد حسين هيكل، مذكرات الشباب، المجلس الأعلى للثقافة، ٣٩.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥