الأسرة: ملامح ومشكلات

لا شك أن تحرُّر المرأة قد ارتبط بالتطور الذي عاشه المجتمع ككل؛ فقد بدأ فتح مدارس البنات في عصر محمد علي، العصر نفسه الذي شهد ميلاد الصناعة في مصر. أنشئت في ١٨٣٢م مدرسة لتخريج الحكيمات، وأنشأ الخديو إسماعيل (١٨٧٣م) أول مدرسة ابتدائية للبنات، وهي المدرسة السَّنية التي ما تزال تشغل موقعها القديم بحي السيدة زينب، ثم أنشئت المدرسة الثانية في ١٨٩٥م.١ كما كانت دعوة قاسم أمين — كما أشرنا — مرادفة للنمو الصناعي الملحوظ الذي بدأت البلاد تشهده في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وفي إحصاء ١٨٩٧م بلغ عدد المصريات العاملات ٦٣٧٣١، أي بنسبة ٢٪ من الإناث، ولا يدخل في هذا العدد العاملات في الزراعة ولا الأجنبيات. ولعله يمكن القول إن الدعوة إلى تحرير المرأة كانت قد بدأت تُحدِث أصداءها وتأثيراتها المؤكدة، ومنها تأكيد شكري عياد أن التأريخ لظهور الحب في حياتنا مبعثه تحرير المرأة، وكتاب قاسم أمين «تحرير المرأة». ثمة ظواهر إيجابية، تمثَّلت في توالي صدور المجلات النسائية، والتي تتناول قضايا المرأة بعامة، ومنها: «العائلة» لأستير زهيري (١٨٩٩م)، «المرأة» لأنيسة عطا الله (١٩٠١م)، «شجرة الدر» لسعدية سعد الدين (١٩٠١م)، «فتاة الشرق» للبيبة هاشم (١٩٠٦م)، «الريحانة» لجميلة حافظ (١٩٠٧م)، «الجنس اللطيف» لملكة سعد (١٩٠٨م)، «الحسناء» لجرجي نقولا باز (١٩٠٩م)، «العفاف» لسليمان أحمد مهران السليمي (١٩١١م)، «فتاة النيل» لسارة الميهية (١٩١٤م)، وغيرها. وكتبَ جورست: (١٩٠٧م): «أصبح لدى المصريين رغبة قوية في تعليم بناتهم تعليمًا جيدًا.»٢ وظهرت أسماء: نظلي فاضل — صاحبة أول صالون أدبي في مصر — وعائشة التيمورية، وملك حفني ناصف — باحثة البادية — التي قدمت في ١٩١٠م عدة مطالب، أهمها: تقييد تعدُّد الزوجات، وعدم صحة الطلاق في غياب الزوجة، وجعل التعليم إجباريًّا للبنين والبنات، وإنشاء مدرسة طب نسائية، والتوسع في إنشاء المستوصفات والمستشفيات المجانية … إلخ. وتحدث محمد عمر (١٩٠٢م) عن البنات المتعلمات، وأنهن «ريحانة النفوس وتفاحة القلوب ومخفِّفات هموم الرجال؛ إذ لا خليل أوفى ودًّا من امرأة متعلمة مهذبة.»٣ وتأسست أول مدرسة ثانوية للبنات في ١٩٢٥م، وكتبت باحثة البادية إن وظيفة المرأة هي «إسعاد الكون وتخفيف متاعبه، وظيفتها نافعة وضرورية كوظيفة الرجل، ولكن الجهل أفسد خلقها، وجعلها ترضى بأن تكون أنثى لا غير، فاحتقرها الرجل لأنها هي احتقرت نفسها أولًا، وجهلت قدرها، وما هلك امرؤ عرف قدر نفسه.»٤ وفهم الكثير من الشباب آنذاك، أن «الزوجة ينبغي أن تكون شريكًا في الحياة، ذا عقل وقلب، ولم يعودوا يبحثون عن فتيات كل فخرهن في الغنى.»٥ أرجعت آمال (أزهار) فشل كل المشروعات الاجتماعية، إلى عدم اشتراك المرأة فيها؛ فالحياة لا يمكن أن تقوم إلا على الرجل والمرأة معًا.٦ وكانت المكاسب النسبية التي حصلت عليها المرأة المصرية، على مستوى التعليم، أو العمل، أو المشاركة في العمل العام، هي باعث قول أسرة زدوري السورية إن الفتاة الجاهلة في ذلك الزمان — أوائل القرن — سلعة بائرة.٧ ويشير الفنان إلى أن الدور الذي لعبته المرأة في رواية «الساقية»، كان خطيرًا للغاية؛ لأنها سايرت التطور الاجتماعي من حولها. صحيح أن الاستبداد قد استطاع أن يرغمها على الزواج، وعلى الخضوع للإرادة الأقوى والأكبر في القرية، لكنها — رغم هذا — استطاعت أن تسهم في القضاء على هذا الاستبداد، وأن تتطور.٨ وحين عُرضَت مسرحية «المرأة الجديدة» لتوفيق الحكيم، أولتها بعض الأقلام النقدية هجومًا عنيفًا لأنها: «حاولت التأكيد على أنه ليست هناك نهضة نسائية صالحة: «ليست هناك نهضة نسائية صالحة، وإنما هناك فساد شامل، وإن ما يدعونه بالسفور إن هو إلا مهزلة تجرُّ إلى السقوط، وإن الحجاب أولى من كل هذا.» هذه هي فكرة الشاب الصغير حسين أفندي توفيق الحكيم، الشاب المتعلم الذي درس الحقوق، وسافر إلى باريس لتكملة دراسته في فرنسا.»٩ وقال أحد النقاد: «إذا كان مفهوم المؤلف عن السفور شائهًا إلى هذا الحد، فإنه ينبغي عليه أن يذكر المصدر الذي استقى منه هذه الصورة الشائهة، وكيف سمح له خياله بذلك.»١٠ وعاب مراد (الحفيد) على قاسم أمين — فيما بعد — أنه هو «اللي تخَّن ودان الستات، خلَّاهم يتعرُّوا في الشوارع ويتعلموا ويتوظفوا ويتزنقوا في الأوتوبيسات.»١١ وتبين المفارقة في قول الفنان إن «شهوة التحكم والاضطهاد لا تبرأ منها امرأة.»١٢

باختصارٍ، فقد ظلت المرأة — إلى عام ١٩١٩م — ترتدي البرقع والحَبَرة، وتعاني بعامة من الأغلال التي كبَّلها بها المجتمع، حتى قامت ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢م، فأحدثت تغيرًا كبيرًا في طبيعة كل شيء.

الجواري والخصيان

لعله من الصعب أن نغفل ذلك البُعد المهم في قضية المرأة، أعني به «الجواري» اللائي شكَّلن واقعًا يصعب إغفاله في المجتمع المصري حتى مطالع القرن العشرين.

الجارية هي كل امرأة أُخذَت أسيرة في الحرب، وتنص الشريعة الإسلامية على عدم قتل النساء والأطفال إذا كانوا من أهل الكتاب.١٣ كانت الجارية ترتقي بعد دخولها الحريم السلطاني إلى رتبة «إقبال»، فإذا حملت من السلطان حملت رتبة «قادين»، فإذا أنجبت ذكورًا حملت لقب «خاصكي سلطانة».١٤ أما إذا كانت جارية لمن هو أقل رتبة، فإنه — إن حملت منه — وجب عليه تحريرها، وعدم بيعها.١٥ وقد لعب النخاسون أدوارًا خطيرة في تجارة الرقيق قبيل الثورة المهدية، وكان البدو يسرقون الرقيق من أهل النوبة، أو يشترونه منهم، ويرسلونهم إلى الشرق للبيع. وكان أكبر مركز لتجارة الرقيق «آب تجالة»، حيث يصعب على رجال الحكومة الوصول إليها «لأن أهل جبالها متفقون.»١٦ وكان موسم الحج هو أنشط الأوقات لبيع الرقيق؛ فقد كان الياسرجية يسوقون الرقيق إلى حيث يأتي الحجاج من الممالك الإسلامية المختلفة، ويقبل السراة من الحجاج على شراء ما يريدون، ويعودون به إلى بلادهم.١٧ وقد طالما روت الخادم العجوز «أم يلدز» حكاياتها عن أيام زمان، في الحريم، عن طفولتها، عندما باعها أبوها — لفقره — إلى نخاس، هبط بها من الجبال إلى العاصمة، وباعها.١٨ واشترى عبد الرحمن (شجرة البؤس) من سوق الرقيق جارية سوداء، أعتقها وتزوجها، وأنجب منها ثلاثة أبناء، إحداهم نفيسة التي ورثت — في ملامحها — أقرب ما في الأسرة من ناحيتَي الأب والأم.

وقد تعهدت مصر بإلغاء تجارة الرقيق في معاهدة مصرية إنجليزية وقعت عام ١٨٧٧م، وصدر أمرٌ عالٍ من الخديو في العام نفسه، يحدد فترة انتقالية مدتها اثنتا عشرة سنة، يُسمَح في أثنائها للأسر التي تملك عبيدًا أو جواري أن تتاجر فيهم مع غيرها، يصبح بعدها بيع الرقيق جناية تستوجِب العقاب بالأشغال الشاقة. وبالطبع، فإن القانون لم يطبَّق — حين طبِّق — بصرامة، وظل بيع الرقيق قائمًا لسنوات أخرى تالية.

ولمقاومة الاتجار بالرقيق، ألَّفت الحكومة دوريات تطوف بالقرب من الشواطئ، حيث يكثر تهريب الرقيق إلى بلاد الحجاز وغيرها، كما بثَّت أرصادها في السودان لتعقب تجار الرقيق، وقد واجهت إجراءات الحكومة مقاومة ضارية من تجار الرقيق، دفاعًا عن مورد رزقهم.١٩ واللافت أنه في الوقت الذي شنَّ فيه الخديو إسماعيل حربه ضد تجارة الرقيق، فإنه كان يملك ثلاثة آلاف جارية، وآلافًا أخرى من العبيد يعملون بالسخرة في زراعة قصب السكر بأراضيه!٢٠

لذلك، فقد ظل قانون الإلغاء حبرًا على ورق؛ لم يتحرر المجتمع، وظلت القيم على حالها، بل إن بعض الجواري اللائي أعتقهن أسيادهن فضَّلن البقاء في بيوت السادة، بدلًا من مغامرة الخروج إلى حياة لا يعرفْنَ عنها شيئًا.

فضَّل الكثير من الجواري أن يبقين في الحريم؛ لأن الحرية كانت غائبة عن المجتمع جميعًا،٢١ وعلى حد تعبير الفنان في «بين القصرين» فلم يكن أحد يرفع رأسه في مصر آنذاك، وإلى العشرينيات من القرن العشرين كانت بعض الأسر ما تزال تحتفظ بجارية أو أكثر.٢٢
ولعل الدلالة المادية الوحيدة التي جاء بها قانون تحرير الرقيق، هي انقضاء العهد الذي كان تردُّد رجال الأسرة على غرف الجواري أمرًا مألوفًا. وعلى سبيل المثال، فقد تعرَّض الحاج أسعد (في قافلة الزمان) لحرجٍ شديد، حين ضبطته الحاجة وهو يختلي بالجارية قدم خير. الأمر نفسه بالنسبة لياسين (بين القصرين) الذي كان تطليقه من زوجه، هو النتيجة التي ترتبت على عناقه — ذات ليلة — للجارية نور. كان من حق المالك شرعًا معاشرة جواريه مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وحين تلد الجارية طفلًا، فإنه يحمل اسم الأب، ويصبح حرًّا، ولا يجوز بيع الأم. وكانت «إنجساس» أمة لسيدة كريمة في إحدى مدن الخلافة العثمانية، ثم بيعت إلى إسماعيل خديو مصر، وتألفت منها — وأربعين فتاة أخرى من الجواري الحسان — فرقة موسيقية تعزف للخديو وضيوفه في أثناء تناولهم الطعام «ولكن الزمن لا بد أن يسير، ولا بد في سيره من تغيير. وتبدَّلت حال خديو مصر، فأراد أن يتخلص من هذا الجيش العظيم من فتيات القصر، فأخذ يزوِّجهن من ضباطه وحرسه واحدة إثر أخرى. وكانت إنجساس — بالطبع — واحدة من هؤلاء الفتيات.»٢٣ وفي عهد الوالي سعيد باشا، صدر مرسوم بمنع دخول الرقيق إلى حدود مصر، ثم أصدر مرسومًا آخر في ١٨٥٥م بأن يعتق «السادة» كل مَن يبدي رغبته في ذلك من «العبيد». وظلَّت في القاهرة — حتى عهد الخديو إسماعيل — أسواق وبيوت لبيع الجواري البيض والسود، تتم فيها المعاينة والمساومة والشراء. وكان في أحياء القاهرة المختلفة بيوت خاصة ببيع الرقيق، يرتادها مَن يريد اقتناء الجواري أو المماليك أو العبيد. وثمة أسر كانت تُباع بكامل أفرادها، الزوج والزوجة والأبناء و«كان الرقيق يكاد يُعتبر يومئذٍ جزءًا من الأسرة.»٢٤ ثم بدأت تجارة الرقيق تشهد غروبها عقب قانون إلغاء الرقيق في أغسطس ١٨٧٧م، وحدَّد فترة اثنتي عشرة سنة، يُسمح خلالها للأسر التي تمتلك جواري أو عبيدًا أن تتاجر فيهم مع غيرها «وبعد مُضي المدة المحكي عنها، إذا كان أحد من رعايا الحكومة المحلية يخالف الأمر، ويتجرَّأ على بيع الرقيق السوداني أو الحبشي، تصير مجازاته بالأشغال الشاقة لمدة أقلها خمسة أشهر، وأكثرها خمس سنوات.»٢٥ كان بوسع كل جارية أن تغادر البيت الذي قضت فيه عمرها، دون أن يعترض سادتها السابقون سبيلها، كانت ورقة العتق في يدها بطاقة خروج إلى الدنيا الواسعة. وقد اندفعت أعداد منهن — بتأثير الحرية المفاجئة — إلى لمِّ متاعهن، والفرار من حياة الجواري، ثم عاد بهن تلمُّس واقع الحياة ولقمة العيش التي يصعب الحصول عليها، إلى بيوت السادة، بعد أن مزقت كل واحدة ورقة عتقها، لكن غالبية الرقيق تردَّدن في طلب العتق، خشية ألَّا يجدن موردًا آخر للرزق، فضلًا عن عدم أخذ بعضهن للأمر مأخذ الجد، وظل الجواري بين الأسر التي تربين معها، لا يعرفن مكانًا آخر يلذن به.٢٦ لأن التحرر الاجتماعي لا بد أن يصحبه تحرر اقتصادي، ولم يكن لدى الأرقاء المحرَّرين ما يواجهون به حياتهم الجديدة. وكان يقين أصحاب البيوت من السراة، أن العبد إذا خرج من باب البيت، جرَّ أهل البيت كلهم وراءه؛ لذلك كانوا يحرصون على عدم التفريط فيما يملكون من عبيد.٢٧ وبعد أن ضاع العز من عائلة السنديك (تحويد العروسة) وتقلصت أراضيها، ورهنت البنوك المحصول قبل جمعه وحصاده، فإنه لم يبقَ من مظاهر الحياة المرفَّهة، القديمة، سوى عبد يدل على أنه كان للعائلة عبيد.٢٨ ذلك ما حدث — كما أشرنا — للجارية نور في «بين القصرين»، وقدم الخير في رواية «في قافلة الزمان»، وإلى أواخر العشرينيات كان لسنية جارية ترعاها في البيت، وتصحبها خارجه.٢٩ وقد ظلَّت عمليات جلب الجواري من الشركسيات لحريم القصور المصرية، حتى الربع الأخير من القرن التاسع عشر. بل إن العديد من بيوت الطبقة الوسطى ظلَّت تلحق الجواري بخدمتها، مثل جارية سنية في «عودة الروح»، والجارية في بيت محمد عفت (بين القصرين) والجارية سويدان عند آل شوكت (بين القصرين). حتى المعلمة زبيدة العالمة كان لها جارية هي «جلجل» (قصر الشوق). وإلى عام ١٩٣٠م كان ثمة جارية سوداء في بيت جبر بك السيد،٣٠ وظل أدهم أفندي إلى نهاية العشرينيات يحيا مع جارية بيضاء في منزل صغير بالغورية.٣١ وكانت أم وصفي (قصر على النيل) جارية تركية، اختطفها اللصوص وهي طفلة، وأتوا بها إلى مصر، حيث بيعت بيع الرقيق إلى جد وصفي الذي زوَّجها لولده أدهم باشا شكري، وزوجة التاجر عبد الرحمن (شجرة البؤس) جارية سوداء اشتراها من سوق الرقيق، ثم أعتقها وتزوَّجها، ورُزق منها أولادهما الثلاثة. وارتكازًا إلى رأي علماء الدين في أنه ما تكاد الجارية تحمل من مالكها، حتى تتحرر تلقائيًّا ويُحرم بيعها؛ فقد استغلت عشرات الجواري هذا الرأي، فحملْنَ، وأنجبْنَ، وأصبحْنَ من سيدات القصور. وهو ما حدث لجدة «دولت» التي كانت جارية تركية، وضعت ابنتها في قصر السلطان، وأصبحت أمها من سيدات القصور التركية،٣٢ وأم شقيقها عباس — على اسم الخديو — أو حمص، جارية أيضًا، تقول عن زوجها: أنا جارية يا ابني … أنا كلي له … ملكه.٣٣ وحين مات زوجها، قالت ضرتها — السيدة التركية، وإن كانت هي الأخرى جارية: إنها جارية، حتى ليست خادمة. قلت جارية، اشتروها ذات يوم، لا حق لها في البقاء لحظة هنا. تمشي حالًا.٣٤ وكانت أم سعد (الشوارع الخلفية) تتقاضى راتبًا شهريًّا من وقف الخديو؛ لأن جدتها كانت جارية في القصر قبل أن تتزوج، وكانت سرنديل هانم جارية بيضاء، وكانت تعاني عدم وجود أقارب لها.٣٥ أما الجواري اللائي آثرْنَ البقاء في بيوت السادة — كخادمات — بعد أن أُعتِقن، فقد كانت حاجتهن إلى المعيشة في البيوت، هي الباعث لأن يبقين بمحض إرادتهن، وقد فكرت قدم خير (في قافلة الزمان) أن تذهب، لكن إلى أين؟ إنها تأكل وتنام ولا تكاد تفعل شيئًا، فماذا ينقصها إلا المتعة الجسدية التي كان يهبها لها الحاج أسعد قبل وفاته؟ فلمَّا عجزت عن نيل تلك المتعة من سيدها الجديد — محمد — فضَّلت أن تغادر البيت إلى المجهول. أما أم عباس (دولت) فقد خرجت من البيت لتحيا مع جارية مثلها تزوجت ثم استقلَّت في حياتها، في حجرة صغيرة، وبدأت تخدم في البيوت لتحصل على لقمتها.٣٦ ولا شك أن «الدادة» امتداد للجارية في البيت المصري.
وثمة نتيجة سلبية أخرى أفرزها غروب ظاهرة الجواري. كتبت المؤيد (٢٩/ ٣/ ١٩١٤م) أن «البوليس المصري أنقذ في السنة الماضية ٥٨٢ بنتًا قاصرة جاء بهن أعداء الإنسانية من تجار الرقيق الأبيض إلى مصر ليدفعوا بهن إلى هاوية الفساد.» ويقول أحمد عبد الجواد: «لا تنسَ يا شيخ متولي أن غواني اليوم هن جواري الأمس، واللائي أحلَّهن الله بالبيع والشراء.»٣٧ لكن الجواري لم يصبحن ماضيًا إلا في الثلاثينيات من القرن العشرين، بعد أن ترك الرق — متمثلًا في الجواري والأغوات — بصمات واضحة على الحياة الأسرية المصرية.

•••

أدى نظام الحجاب إلى ظهور طبقة الخصيان في المجتمع الإسلامي. الأغا هو الرجل الخصي الذي حُرم من ذكورته في الطفولة، بحيث لم يعُد يُخشى منه على الحريم؛ فهو يصحب نساء البيت إلى أي مكان، حتى الحمام.٣٨ الأغا إذن ليس رجلًا ولا امرأة، وهو ليس مجرد خادم، لكنه يلي صاحب البيت في تولي أموره، سلطانه يشمل الجميع بلا استثناء. يجلس أمام «باب الخوخة»، لكنه يُلِم بكل ما يدور داخل البيت — أو القصر — ولا أحد حتى من أبناء صاحب البيت له حق الدخول من الباب إلا بأمره. فإذا وجد في تصرفات بعض الخدم والحشم ما يدعو إلى فصله، أمر بذلك، لا يرده عن أمره أحد.٣٩ وكان للتكوين الفسيولوجي للأغا تأثيره السلبي على أفكاره وتصرفاته، فالناس من حوله إما رجال كاملو الرجولة، أو نساء مكتملات الأنوثة، وهو ذلك كله بين بين؛ ومن ثَم فإنه قد يمارس دور ساعي البريد بين سيدات القصر وأحبائهن في الخارج، أو يفرط في استخدام الحق الذي أجازه له صاحب البيت فيفرض على سكانه سطوة وقهرًا، تنفيسًا للأزمة التي تعتور حياته.٤٠ وتقول السيدة (أمواج ولا شاطئ) فليس الأغوات من النساء حتى تكلفهم بما تكلِّف به النساء من الخدم، ولا هم من الرجال فتعتمد عليهم فيما يقوم به الخدم من الرجال.٤١ وقد ورثت نبيلة الأغا مرجان عن والديها مع الحلي والماس والأثاث، وظل في خدمتها حتى موتها.٤٢ وكان بشير أغا (ثم تشرق الشمس) عبدًا، ثم نال حريته، وأبى نيلها، وظل مع أسرة همام بك حتى بعد أن ألجأتها الظروف المادية القاسية إلى ترك قصرها إلى شقة صغيرة.٤٣ ولا يخلو من دلالة قول سطيح (ليالي سطيح): «فلعل الذي سخَّر لجماعة الرقيق والخصيان من أنقذهم من يد الذل والهوان، يسخر لتلك السجين الشرقية، والأسرة المصرية، من يصدع قيد أسرها، ويعمل على إصلاح أمرها.»

الخدم

حلَّ الخدم محل الجواري، يبدأ الرجل حياته صبيًّا للحريم، ثم يرتقي إلى أن يصبح فراشًا للقصر.٤٤ وتأكد دور الزوجة في بيتها بعد غياب دور الجارية عن الحياة المصرية، ولأن دور الجواري لم يكن يقتصر على العمل المنزلي، وإنما تجاوز ذلك إلى تقديم المتعة الحسية لأرباب الأسر؛ فقد اعتادت الخادمات محاولات الغواية والاعتداء الجنسي من رجال الأسر التي يلتحقْنَ بخدمتها، ولياسين «بين القصرين» وقائع مشهودة في هذا المجال، وإن دخلت أم حنفي — بالتحديد — في صميم أسرة أحمد عبد الجواد،٤٥ ووصفتها أمينة بأنها «ربة بيتنا، ولولاها ما كان لنا بيت.»٤٦

ثم بدأ نظام الحريم — والجواري أحد أركانه — يتقوض ويتلاشى، في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، نتيجة للتغيرات الاقتصادية، وفي مقدمتها انتشار حركة التصنيع، وخروج المرأة إلى العمل في المصانع والمؤسسات والمتاجر الصغيرة، وتقدم وسائل الإدارة، وتفسخ الروح القبلية التي كانت تتميز بها الأسر الريفية، نتيجة لنزوح أعداد كبيرة منها إلى المدن بحثًا عن فرص العمل، وما صاحب ذلك من تغييرات اجتماعية في طبيعة المجتمع، وفي صورته.

ومن المفيد أن نقف عند قول أحمد عبد الجواد للشيخ متولي عبد الصمد: «ولا تنسَ يا شيخ متولي أن غواني اليوم هن جواري الأمس، واللائي أحلَّهن الله بالبيع والشراء.»٤٧ تلك حقيقة تصدق على غالبية الجواري اللائي لم تُتَح لهن فرص الزواج، ثم التحقت أعداد كبيرة منهن بالخدمة في البيوت، لينشأ بُعد جديد في المأساة، يتمثَّل في تحوُّلهن — فيما بعد — إلى غانيات، نتيجة لانتفاء حق الرجل في أن يضم «الخادمة» إلى حوزته الجسدية. ولعل طرف الخيط الذي تبدأ به مأساة الغانيات هو الخدمة في البيوت، ثم اعتداء الزوج — أو الابن — على الخادمة، فتواجه اتهامًا خطيرًا ينتهي بها إلى الطريق. تلك قصة فتاة «ليلة أنس» لمحمود تيمور التي نشأت في كفالة سيدة ثرية، وكان للسيدة ابن يكبرها بقليل، وبدأت نظرة الابن إليها — بنمو جسده — تتغير، حتى أسلمت نفسها له تحت إغراء الوعد بالزواج. وما إن علمت السيدة بذلك حتى طردتها من البيت، وظلَّت نهبًا للتشرد والضياع، إلى أن صادفتها الست نظيرة التي همست في أذنها: إن فتاة مثلك تستطيع أن تحيا حياة رغد ورفاهية، دون أن تكابد المشقة والإذلال، إنكِ تستطيعين أن تلعبي بالمال وبعقول الرجال. وقد واجهَت ألطاف (الشوارع الخلفية) المشكلة نفسها، عندما اعتدى عليها داود أفندي، فلما حملت وتضخم حملها، دون أن يفكر في درء فضيحتها، فرَّت إلى المجهول. حتى مبروكة (الرجل الذي فقد ظلَّه) التي حققت أمنيتها — ذات يوم — بأن تصبح سيدة، تحوَّلت — في ختام حياتها — إلى الغانية ريري. وقد دفع «الياتق» ببناته للعمل في بيوت المدينة، وكان يسافر لتحصيل أجورهن، وحمل ما سرقْنَه له من هذه البيوت المليئة بالأشياء اللطيفة.٤٨

تعدُّد الزوجات

حين شكَت أمينة إلى أمها من عشق زوجها لنساء أخريات، تقول لها الأم: «لقد تزوَّجك بعد أن طلق زوجته الأولى، وكان بوسعه أن يستردها لو شاء، أو أن يتزوج غيركِ ثانية وثالثة ورابعة، وقد كان أبوه مزواجًا، فاحمدي ربنا على أنه أبقاكِ زوجة وحيدة.»٤٩ وعزَّت أمينة نفسها قائلة: «فليكن ما قيل حقًّا، فلعله من صفات الرجولة كالسهر والاستبداد.»٥٠ ويوضح الرجل حكمة تعدُّد الزوجات بالقول: «تعدد الزوجات صيانة للمجتمع من الانحلال والفساد، فالرجل الذي لا يكتفي بامرأة واحدة، ويخشى أن يتطلع إلى أخرى في الحرام، عليه أن يتزوج ثانية وثالثة ورابعة إذا استطاع. أليس ذلك خيرًا من الخيانات الزوجية التي تنتشر الآن في بلدنا، أسوة بالمجتمعات الأوروبية؟!»٥١ وقد يجد الزوج في تقدُّم سن الزوجة (كأن سنَّه تثبت، ولا تتقدم!) سببًا في إقدامه على الزواج ثانية، وثالثة «لمَ تألم المرأة وتتكدر إذا رأت لزوجها حليلة غيرها؟ هل تريده وقفًا عليها مدى العمر؟ ألا تحس المرأة بأنها تكبر، وتتقدم بها السن، ويذويها الحمل والوضع، وأن الرجل ينشد الجدة، ولا يرضيه الكبر ولا الذبول.»٥٢
والحق أن الشرع الإسلامي لم ينص على تعدُّد الزوجات، وإن أباحه لأسباب. الآية القرآنية تقول فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً من هنا، يبدو غريبًا قول الراوي في قصة «حارس المرمى» ليوسف الشاروني: «لا أخفي أني أشتهيك، فلديَّ قوة تكفي — على الأقل — أربع نساء كما نص الشرع.»٥٣ تعدُّد الزوجات — في إجماع الفقهاء — ليس واجبًا ولا مندوبًا، وإنما هو أمر أباحه الإسلام لمقتضيات عمرانية وضرورية وإصلاحية. وكما يقول جوستاف لوبون، فإن تعدُّد الزوجات هو البديل الأخلاقي — عند الضرورة — لتعدد الزوجات السري لدى الأوروبيين! والمقصود هو العلاقات المحرمة! وعلى الرغم من أن اللورد كرومر يؤكد في تقريره أن تعدُّد الزوجات لم يكن ظاهرة واضحة في الحياة الأسرية المصرية، وعلى الرغم من رأي قاسم أمين بأن «الفلاح في الريف أميل بغريزته إلى وحدة الزوجة، ذلك لأنه لا يكسب إلا ما يتبلغ به» وقد بقي في الحواضر رجال من أهل العصر القديم يعولون غير امرأة، إلا أنهم شرذمة قليلون، وفي الغالب ليس لكل واحد من الموظفين إلا امرأة واحدة … على الرغم من ذلك، فقد كان لتعدُّد الزوجات نتائجه الاجتماعية الخطيرة. حقيقة لم يشكِّل ظاهرة مرضية في جسد المجتمع المصري، ولكنه — في الحالات القليلة التي تحققت — تبدَّت دلالاته الضارة والخطيرة. فإذا لم يكن أحمد عبد الجواد قد فكر في أن يقترن بغير واحدة، ورفض مغريات الزواج على كثرة ما تهيأ له من فرص مواتية بقوة إرادة لا تنتهي، وإذا كان العامل عبد المعبود قد رفض أن يتزوج على زوجته رغم رغبته في الخلف حتى لا يذل زوجته بضرة،٥٤ إذا لم يكن ذلك كذلك، فإن المعلم نونو الخطاط — خان الخليلي — تزوج أربعًا دفعة واحدة، والعصا سبيل تأديبهن، فضلًا عن وجود خليلة، وكان رأيه أنه لا يؤدِّب المرأة إلا الزواج بغيرها، وربنا أمر بالزواج من أربع.٥٥ لم يكن المعلم يرى في ذلك غرابة، بل يعده أمرًا طبيعيًّا ومألوفًا … أليس ذلك هو ما أحلَّه الله؟ الأمر نفسه بالنسبة للعمدة الذي أقدم على الزواج للمرة الثانية والثالثة، وربما الرابعة، مرتكزًا إلى أنه لم يتعد حدود الشرع، فله في ذمة الدين زوجات أربع.٥٦ ويقول أحمد عبد الجواد للشيخ متولي عبد الصمد: أأنت ولي من أولياء الله أم مأذون شرعي؟ كان أبي شبه عقيم فأكثر من التزوج، وعلى الرغم من أنه لم ينجب سواي إلا أن عقاره تبدد بيني وبين زوجات أربع مات عنهن، إلى ما ضاع على النفقات الشرعية في حياته. أما أنا فأب لثلاثة ذكور وأنثيين، وما يجوز لي أن أنزلق إلى الإكثار من الزوجات، فأبدِّد ما يسَّر الله علينا من رزق، ولا تنسَ يا شيخ متولي أن غواني اليوم هن جواري الأمس واللائي أحلهن الله بالبيع والشراء، والله من قبل ومن بعد غفور رحيم.٥٧ ويبرر ياسين جريه وراء النساء، حتى بعد الزواج بقوله: «الدين يؤيد رأيي، وآي ذلك أنه سمح بالزواج من أربع غير الجواري اللاتي كانت تكتظ بهن قصور الخلفاء والأغنياء، فقد فطن إذن إلى أن الجمال نفسه — إذا ابتذلته العادة والألفة — ملَّ وأسقم وقتل.»٥٨ وقد أفاد الجد في القرية القريبة من الأقصر، من حقه المشروع كمسلم، فتزوج من أربع نساء، هن أسماء وفاطمة وهند والزهراء.٥٩ حجة الذين بلا حجة في الزواج بثانية — كما أشرنا — أن الشرع يبيح الزواج بأربع.٦٠ وكان والد رضا (الجنة العذراء) زوجًا لاثنتين، وأصبحت أم مختار (شمس الخريف) الزوجة الثانية لعباس أفندي، وبدأت سميرة (من أجل ولدي) حياتها الزوجية ضرة لأخرى. ولما أقدم عثمان أفندي على زواجه الثاني، لم يجد في ذلك إهانة لزوجه الأولى، ولا رضي لها المذلة، ولا أحس بأنه يأثم في هذا المجتمع، وإنما كان عميق الإيمان بأن الجمع بين الزوجتين أمر لا تأباه سنة الحياة، ولا تنكره شريعة الله. كان في استطاعته أن يلقي على زوجه الأولى كلمة الطلاق، وأن يفسح البيت كله لزوجه الجديدة، ولكنه استنكف أن يفعل ذلك وفاء لماضيها معه، وعرفانًا لحقها عليه.٦١ وكانت تفيدة ابنة الفلاح البسيط في حديقة الحاج سلطان هي الضحية — اسم الجزء الأول من رواية «الساقية» لعبد المنعم الصاوي — بعد أن أغرى جمالها الحاج سلطان على أن يستكمل بها نصابه الديني، فتصبح زوجه الرابعة، وتفكر الفتاة الصغيرة في الانتحار، لكنها تعدل إشفاقًا على أبيها الذي أخضعه تمامًا نفوذ الحاج وسطوته. ومع أن التاجر علي أضاع تجارته، وأتلف ماله، لإسرافه في الزواج والطلاق، واستكثاره من البنين والبنات، فإنه أرجع ذلك إلى ما أباحه الله له من الحق، حين أذن للمسلمين أن يتزوجوا مثنى وثلاث ورباع. وكان يؤمن إيمانًا راسخًا بأن تعدُّد زوجاته وكثرة أبنائه هو لصالح الإسلام والمسلمين، فالله هو الذي يرزق الولد، وهو لا يخلق فمًا إلا أطعمه، وقد نصح الرسول أتباعه بأن يتناكحوا ويتناسلوا حتى يباهي بهم الأمم يوم القيامة.٦٢ وكان الدافع الديني غائبًا في ظاهرة تعدُّد الزوجات. كان الدين مجرد واجهة، تبرير لما يفعله الرجل. الدافع الحقيقي هو الشهوة الجنسية. يساعد على الفعل ما كان يتحقق لهم من كسب مادي يتيح الإنفاق على أكثر من زوجة، وأكثر من أسرة، إن لزم الأمر. وفي «علم الدين» أن الحكمة «في إباحة تعدُّد الزوجات عندنا، وعند من كان على رأينا، أن التدبير الإلهي لما ميز الرجل بقوة البنية وطول زمن التناسل بالنسبة للمرأة، وسلامته من الأعذار المعتادة للنساء في أوقات معينة، كالحيض والنفاس، فقد راعى الشرع ذلك.»٦٣
المشاهد في العادة — والقول لزكريا إبراهيم: «أن تعدُّد الزوجات هو مظهر لخصوبة الرجل الإنتاجية، بالإضافة إلى أن الأطفال في الأسر الريفية هم بمثابة عناصر منتِجة، ولذلك فإن نظام تعدُّد الزوجات يظهر في القرى أكثر مما ينتشر في المدن. إلى جانب أن أهل القرى لا يحملون همًّا في تربية أولادهم، وبالتالي فإنهم لا يشعرون بفداحة المسئولية التي تقع على عاتق رب الأسرة الكبيرة.»٦٤
نظام تعدُّد الزوجات — في تقدير خصومه — ينطوي على مسايرة لنوازع الرجل الشهوانية، وينطوي — في الوقت نفسه — على إهدار لكرامة المرأة، وتجاهل لحقوقها، وإنكار لمبدأ المساواة بين الجنسين، فضلًا عن سلب حق المرأة في أن تكون ربة لبيتها، وأن يكون زوجها خالصًا لها.٦٥ وقد أخذ الزوج الفلاح (سراج) الجاموسة والبغلة، بدعوى أنه سيقدمهما لصالح الثورة العرابية، لكنه باعهما لامرأة غير زوجته.٦٦ وكان مطلب الزوجة الوحيد — حين علمت أن زوجها تزوج من أخرى — ألَّا يذيع الخبر بين الجيران.٦٧ وتقول الأم لابنتها (حكاية ريم الجميلة): «لا تتزوجي من رجل مزواج، لا تتزوجي أبدًا من رجل يكبرك في العمر كثيرًا.»٦٨ وقد عارض قاسم أمين تعدُّد الزوجات لأن فيه احتقارًا شديدًا للمرأة «لأنك لا تجد امرأة ترضى أن تشاركها في زوجها امرأة أخرى، كما أنك لا تجد رجلًا يقبل أن يشاركه غيره في محبة امرأته، وهذا النوع من حب الاختصاص طبيعي للمرأة، كما أنه طبيعي للرجل، ويظهر في أن رجلًا مهذبًا عارفًا بما يفرضه عليه الشرع والعدل، لا يطيق النهوض بما يضعه على عاتقه الجمع بين امرأتين، فضلًا عن أكثر.»٦٩ ولا يخلو من دلالة نصيحة الطبيب للأبناء بألَّا يعارضوا أمهم، فهي قد صُدمَت بزواج أبيهم من سيدة أخرى.٧٠ وحين دافع الشيخ عن لجوئه إلى الطلاق، وميله إلى تعدُّد الزوجات، أشار إلى أنه «لم يعمل قَطُّ مثلما عمل الشيخ بكر الذي ذهب مرة إلى الصعيد، فتزوج من بوش — وكان نزل بها ضيفًا — ثم في بني مزار، وتزوج من أسيوط، وعاد إلى القاهرة بعد أسبوع مطلِّقًا هذه وهذه وتلك.»٧١ وتسأل السائحة الأجنبية العم أبو حسن الصياد: كم امرأة تزوجت قبل أم حسن؟

– كتير.

– كتير يعني ثلاث، أربع، خمس.

– أكتر كتير.

– يا لطيف! يعني تلاتين؟

– ما عدتهمش بالواحدة … لكن ييجو خمستاشر.

– والجيش ده راح فين يا عم أبو حسن؟

– مارحش مطرح … أديني طلقتهم وارتحت.٧٢ ويصف طه حسين حيرة الزوج في ظل تعدُّد الزوجات، فقد كثر النساء، وكثر الأولاد بالتالي، وازدادت النفقة، وثقلت الأعباء، وصار أغلب يومه يستمع إلى شكوى من هذه، ونعي على تلك، وعيب للثالثة، وثناء على نفسها، فإذا سمع صوت المؤذن أسرع إلى الوضوء، فالصلاة، يظن أن التقوى هي التي تدفعه إليهما، وما كان يدفعه إليهما إلا الهرب من قسوة أيامه.٧٣
وحين تزوج والد داود الصغير سيدة أخرى، غير أمه، ضاع داود بين الأب والأم «أمه تفتكر إنه عند أبوه، وأبوه يفتكر إنه عند أمه.»٧٤ ويتساءل خليل: «هل أجازت شريعة الإسلام تعدُّد الزوجات، ليقاسي هو وإخوته من أبيهم ما قاسوه من مختلف الأهوال والآلام؟»٧٥ وتهبنا قصة «ما ذنبها» نتيجة مؤثرة لتعدُّد الزوجات، فقد تزوج المعلم حسنين فتاة صغيرة — بالإضافة إلى زوجته وأم ابنته الوحيدة — لتنجب له ولدًا يحمل اسمه، ويعنى المعلم بالزوجة الجديدة، ويهمل الزوجة الأولى وابنته، حتى تقع الابنة فريسة لغواية شاب مستهتر، فتحمل منه سفاحًا، ويدرك المعلم — متأخرًا — أنه هو المذنب الوحيد في مأساة ابنته!٧٦

أما الذين يؤيدون التعدُّد فإنهم يستندون إلى أن الذكور — بصفة عامة — أكثر تعرضًا للوفاة من الإناث، نتيجة لطبيعة الأعمال التي يقومون بها — القتال في المعارك الحربية مثلًا — ومن ثَم فإن عدد الذكور يقل في مراحل العمر المختلفة عن عدد الإناث، بل إن الحماسة تأخذ هؤلاء، فيرون أن نظام تعدُّد الزوجات سيتسع باتساع نطاق الحضارة، وليس العكس، إلى جانب مرض النساء الشهري.

وثمة أسباب أخرى تبيح تعدُّد الزوجات، في مقدمتها عدم صلاحية الزوجة للإنجاب، أو أن تكون مصابة بمرضٍ يحُول دون أدائها واجباتها الجنسية — من حق الزوجة، إذا كان الزوج هو المُصاب أن تطلب الطلاق! — حيث يبقي الزوج عليها، حفاظًا على العشرة والأولاد الذين ربما أنجبتهم قبل أن تمرض!٧٧

تسأل سيدة أم علام: أتعرفين أن ابنك متزوج؟

تجيب المرأة في برود: وما له … هو صغير … والَّا عاجز؟

– يتزوج عليَّ؟! أنا يتزوج علام عليَّ؟

– ولمَ لا؟ الرجل له أربع … على سنة الله ورسوله … على الأقل يتزوج امرأة تنجب له ولدًا كبقية الرجال.٧٨ وبعد أن حقق العمدة مكانة لم تكن له، وجد أن امرأته تقيِّده، تزوجها أيام كان نسيًا منسيًّا، وأن عليه التقدم لفتاة من عائلة كبيرة يضمن بها المستقبل.٧٩
وقد ألحَّت زوج الشيخ مسعود عليه، حتى اتخذ لنفسه زوجًا ثانية تلد له غلامًا، بعد أن تعدُّد إنجابها للبنات.٨٠ وهو ما فعلته — فيما بعد — الزوجة في «الضباب» عندما دفعت زوجها إلى الاقتران بثانية، فقيرة، لتعوِّضه عن العقم الذي تعانيه.٨١
ولعل مشكلة السيد سليم علوان (زقاق المدق) كانت إحدى المشكلات التي تجد في تعدُّد الزوجات حلًّا حاسمًا. يقول لأم حميدة: لقد انتهت زوجي كامرأة، ولست من الرجال الذين ينزلقون إلى الفسق في مثل هذه السن، ولا داعي مطلقًا للرضا بالعذاب والغم، لقد يسَّر الله لنا، فلماذا نعسِّر على أنفسنا؟٨٢ وكانت الزوجة الثانية — أو مبدأ تعدُّد الزوجات بعامة — هي هذا اليسر الإلهي! وربما كان من بواعث تعدُّد الزوجات، الإفادة من القوة العضلية للأبناء. فالزراعة هي مجال العمل الأهم للغالبية من المصريين، والعمل الزراعي يحتاج إلى أيدٍ عاملة، والأبناء — بالتأكيد — يغنون عن الأيدي العاملة التي تطلب أجرًا. ويعلل الفنان وضوح ظاهرة تعدُّد الزوجات بين الفقراء، بينما الأغنياء يكتفون بزوجة واحدة، وإن أضافوا إليها عددًا من العشيقات، لأن تكاليف الزوجة أقل من تكاليف العشيقة. الفقير يستطيع أن ينفق على أربع زوجات، ولكنه لا يستطيع أن ينفق على أربع عشيقات، ولا حتى على عشيقة واحدة، أما الغني فليس محتاجًا لأن يتزوج أكثر من واحدة، لأنه يستطيع دائمًا أن يقتني عشيقة.٨٣ ويقول الراوي (سقوط الإمام): «ثمن الجاموسة أغلى من ثمن المرأة، ويملك الرجل جاموسة واحدة وأربع زوجات.»٨٤

وحتى لا يتزوج الرجل ثانية، فإن المرأة تحرص على أن تقصقص طيرها كي لا يلوف بغيرها، وهذه القصقصة تجري بأكثر من وسيلة:

  • محاولة دفع الزوج إلى الإنفاق بما يجعله في موقف المحتاج ماديًّا، لأن الرجل الذي يملك نقودًا أكثر من احتياجات أسرته، ربما يتزوج بثانية وثالثة.

  • محاولة إنجاب العديد من الأطفال لتوريط الرجل في الرعاية والإنفاق، فلا يجد وقتًا للتفكير في زوجة ثانية.

والحق أن الشريعة الإسلامية لم تنفرد بمبدأ تعدد الزوجات، وإن كانت قد انفردت بتقييد هذا التعدد بثلاثة أمور، أولها ألَّا يزيد عدد الزوجات عن أربع، وثانيها ألَّا يكون في تعدد الزوجات ظلمًا لإحداهن، وثالثها أن يكون الزوج قادرًا على الإنفاق على ما في عصمته من زوجات.

على أنه يمكننا القول إن تعدد الزوجات لم يكن أمرًا مألوفًا أو مطلوبًا في المجتمع المصري، اللهم إلا في حالات قليلة مثل عدم إنجاب الزوجة، و«الذين لا تلد نساؤهم أطفالًا قد يسرحونهن بالطلاق، وقد يضمون إليهن امرأة ولودًا صالحة لإنماء الزرع.»٨٥ حتى إن حرم الحاج والي (الضباب) كانت هي التي سعت لتزويج رجلها من إحدى فتيات القرية، لينجب ولدًا يخلفه. وكانت زوجة هلال (هارب من الأيام) عاقرًا، فزالت عنه لهفة الحب الأول، وأصبح لا يرى فيها إلا امرأة عقيمًا، لا عمل لها إلا أن تفتح عليه أبواب الخراب.٨٦ وتقول خديجة: إذا كانت العروس لا تحبل ولا تلد، فما فائدتها؟٨٧
وطبيعي أن الرجل ينكر عقمه، ولو كان ذلك صحيحًا، ولكن الناس يدعون له — مع ذلك — في كل مناسبة أن يكرمه الله بالإنجاب.٨٨ العقم عيب تختص به المرأة وحدها. تسأل فؤادة (الغائب) رجلًا صحب زوجته إلى الطبيب لتجري تحليلًا، فيتبيَّن سبب عقمها: هل فحصت نفسك أنت أيضًا؟

أجاب الرجل في دهشة وغضب: أنا؟!

– نعم، أنت. الرجل أحيانًا يكون السبب.

فشدَّ الرجل امرأته من ذراعها، وهو يقول: ما هذا الكلام الفارغ. إنها لن تحلل هنا!٨٩ ولم يكن العقم هو داء الرجل، بل إنه كان فاقد الذكورة أصلًا، وظلَّت الزوجة عذراء لعشر سنوات، لكنه كان يفر من مواجهة الحقيقة بإجراء الفحوص والتحليلات للزوجة المسكينة!

ويلح محمود طاهر لاشين على قضية تعدد الزوجات، ويوضح النتائج السلبية الخطيرة التي تفضي إليها، كما في قصص «بيت الطاعة»، «منزل للإيجار»، «الانفجار»، «لون الخجل»، «النقاب الطائر»، «الوطواط»، «الكهلة المزهوة» … إلخ. وكان قد سبق لاشين إلى إثارة المشكلة نفسها محمد المويلحي ومصطفى لطفي المنفلوطي.

وإذا كان مبدأ تعدد الزوجات عاملًا أساسيًّا في زيادة نسبة عدد المواليد في مصر (من زوجتين اثنتين، أنجب العمدة ١٣ ولدًا وبنتًا — سيد القرية — من الأعماق) فإن سهولة الطلاق مثَّلت عاملًا آخر، لأن الرجل الذي يتزوج وينجب أطفالًا، ثم يطلق زوجته، ويتزوج من أخرى، ينجب منها أطفالًا آخرين، فيزيد عدد الأطفال الذين ينتمون إلى والد واحد.

الضرة

عندما تعصي المرأة زوجها، فإن بوسعه أن يتزوج غيرها، فالضرة — كما يقول المثل — «تعدل العصيَّة» وفي المقابل من المثل الشعبي: جوز الاتنين عريس كل ليلة، ثمة مثل شعبي آخر يقول: إن اصطلحت الضراير يخرب البيت؛ ذلك لأن عداوة الضرائر مسألة شبه حتمية، ارتكازًا إلى نظرة كل منهما إلى الأخرى أنها سلبتها حقها في الزوج. العلاقة بين الضرتين أقسى — في الأغلب — من العلاقة بين الزوجة وحماتها؛ وجود الضرة صدمة لأنوثتها، وتهديد لاستقرار حياتها الزوجية، ونذير بمشكلات لا تنتهي. فإذا بدا أن هناك وئامًا بين الزوجتين، فمعنى ذلك أنهما تدبران شيئًا للزوج بما يعني خراب البيت. ومع ذلك، فإنه حين حاول الشيخ حسان عامر العزازي أن يحدِّث الناس في خطبة الجمعة في أمر الزواج، ليبيِّن لهم أن تعدد الزوجات يقلع الحب من أساسه لأن الحب موحد لا يقبل الشرك، وإذا ذهب الحب فعلى السعادة العفاء في هذا العالم كله،٩٠ فقد ثار المأذون والفقهاء وصاحوا: هذا علم آخر الزمان. ودافع عن الشيخ بعض «المتنورين»، فقامت معركة تُبُودِل فيها القذف بالأحذية.٩١ وظلت الزوجة (المعذبون في الأرض) مفردة في عصمة زوجها، أثيرة عنده، حتى سافر زوجها إلى القاهرة، وعاد بعد أيام، ومعه سيدة أخرى لم تبلغ الثلاثين، فتحوَّلت حياتها الهانئة إلى جحيم، واعتكفت في حجرتها لا تبرحها إلا لضرورة حتى أذن لها الموت أن تفارق قسوة أيامها.
وحتى أواسط الثلاثينيات من القرن العشرين، كان ملايين النساء — كما يقول سيد عويس — يخشين في كل لحظة من شبح «الضرة».٩٢ والمؤلم أن معظم الزوجات كن يقبلن طائعات زواج أزواجهن بأخريات، بل إن عدالات — عندما وافقت على الزواج من عبد العزيز — فإنها اشترطت أن يطلق زوجته أولًا، حتى لا تتزوج على ضرة.٩٣ وكانت نسبة الزواج بأكثر من واحدة في المجتمع المصري في ضوء تعداد ١٩٣٧، ٣٫٤٤٪. وكانت النسبة في مدينة القاهرة في العام نفسه ٢٫٨٪.٩٤ وبالطبع، فإنه لا يكون الشقاق بين الضرتين إلا إذا كان ماء الشباب يترقرق في وجه الزوج.٩٥

عدم حرية المرأة في اختيار الزوج

كتب الطهطاوي في ١٨٧٣م: «من أحسن الإحسان إلى البنات تزويجهن إلى من هوينه وأحببنه.» وعلى الرغم من قول أحد الكُتاب في أوائل القرن العشرين «إننا إن طلبنا من المرأة حق انتخاب رجلها، فلسنا نأتي أمرًا إدًّا، ولا نريد سوى التنازل لها عن حق أخذناه ظلمًا واستبدادًا.»٩٦ فإن المرأة — مهما تتميز ثقافيًّا أو اجتماعيًّا — لم تكن تنشد هذا الحق، وبديهي أنه لم يكن يدور بخاطر الرجل — أي رجل — على الإطلاق. وإذا كان أحمد بهاء الدين قد قدم قصة زواج الشيخ علي يوسف بابنة الشيخ السادات على أنها مأساة رفض الطبقة الأرستقراطية تزويج إحدى بناتها لجورنالجي، فإن أحمد أمين — الذي عاصر القصة المأساة — قدَّمها على نحوٍ آخر، فهي قصة كهل تزوج فتاة بلغت سن الرشد، برضاها دون رضا أبيها، واعترض أبوها على ذلك الزواج.٩٧ ثم تفرَّعت عن ذلك الرفض اتهامات لا حصر لها؛ فالقضية إذن ليست تمايزًا طبقيًّا بقدر ما هي قضية وضع المرأة في المجتمع الذي لم يكن يبيح لها حق اختيار زوجها مهما تبلغ من الوعي والتعلم. كانت وصية زينب لأبويها قبل أن يغيِّبها مرض السل: «بكرة والَّا بعده حاموت يا امه، ووصيتكوا إخواتي لما تيجوا تجوزوا حد منهم ما تجوزهمش غصب عنهم لحسن دا حرام.»٩٨ كانت تلك الكلمات هي وصية استشهاد زينب للأجيال التالية، وقد أصر والد بطريق الحموي على أن يزوِّجه وهو تلميذ في الرابعة عشرة من عمره، وبعد أن يكمل تعليمه العالي، ويسافر في بعثة دراسية إلى إنجلترا، يكتشف أن التوافق مع ماضيه متعذر، ومع زوجته بالتحديد، يضيق بجهلها وخرافاتها، ويتخذ قرارًا حاسمًا بتطليقها.٩٩ وكان إصرار الباشا (إني راحلة) على تزويج ابنته من أحد الشبان المدلَّلين لمجرد أنه ابن رئيس وزارة سابق، قد يعود إلى منصبه، أو يعود إليه منصبه.١٠٠ وحين أصر والد خديجة (المعذبون في الأرض) على تزويجها دون رغبتها، فإنها لم تجد ملاذًا إلا الانتحار بإغراق نفسها في النهر. وقالت سيدتها: «لقد أكرهت خديجة إكراهًا على الزواج، ومسَّ حياءها النقي ونفسها الطاهرة منه دنس، لم يستطع الحب أن يغسله، فغسله الموت.»١٠١ إن الموافقة على الزوج، أو رفضه، حق ديني للمرأة، وقد أفادت سيدة من هذا الحق عندما أصرَّت على رفض أحد المتقدمين لخطبتها.١٠٢ ومع ذلك، ففي أحيان كثيرة، تتزوج بمن يرى أبوها أنه أحق بها، حتى لو لم تكن قد رأته من قبل، حتى لو لم تكن تحبه.

عدم التكافؤ

إن سؤال ياسين غير المكترث: لماذا يشترط الناس أن تكون العروس أحدث سنًّا من العريس؟١٠٣ هذا السؤال يثير قضية مهمة، بل هو يقف على أرضية مجتمعية يصعب إغفالها، حتى لقد اعتبر فوزي السيد (أزهار) فارق السن بينه وبين آمال — ست سنوات — هوة واسعة تفصل بينهما،١٠٤ ووضع كمال عبد الجواد (قصر الشوق) فارق السن بينه وبين معبودته في كفة واحدة مع الفارق الطبقي، ليحُولا بينه وبين مجرد التفكير في الزواج منها. وحين يعرض فهمي على أمه فكرة الزواج من مريم، تسأله: ولكن أليست هي في مثل سنك أو تزيد؟ يجيب الشاب في حسم: لا يهمني هذا بتاتًا!١٠٥
إن الرجل قيِّم على المرأة، فهو زوجها وأبوها، ومن ثَم فإن المفروض أن يكون في سن أعلى من سنها. الاستثناء يتبدَّى في أمثلة قليلة، كالسيدة الثرية العجوز التي تتزوج — بتأثير غناها — رجالًا عديدين.١٠٦ الأمر نفسه أقدمت عليه أم ياسين (بين القصرين) عندما تزوجت شابًّا تكبره بعشرة أعوام ظمأ للارتواء الجنسي من ناحيتها، وطمعًا في مالها وعقارها من ناحيته.١٠٧ وكان رأي علوان — يوم قتل الزعيم — أنه لا غرابة في أن تتزوج فتاة من رجل يكبرها، أما العكس فغير مقبول.١٠٨ وتقول العمة: «الرجل لا يعيبه السن.»١٠٩ وتقول منيرة: «الرجل الأكبر في السن مقبول ألف مرة أكثر من المرأة الأكبر.»١١٠ أما التبرير الذي يلجأ إليه الأكبر سنًّا في زيجاتهم من الفتيات الصغيرات، أن الرسول قد تزوج من عائشة، ولم تتعدَّ بعد سن الطفولة.١١١ ثمة من يرى أن الرجال ليس لهم سن، بعكس النساء، ولهذا، فلا غرابة في أن يتزوج شيخ من فتاة قاصرة.١١٢ وبتعبير آخر، فإن الشيخوخة تسرع إلى المرأة قبل الرجل، ومن ثَم فهو يحاول تجديد شبابه بالزواج من فتاة تصغره بعشرات الأعوام، وكان رأي الأم أن فارق السن تعوضه أمور كثيرة: المركز الاجتماعي، المكانة في المهنة، الثروة … إلخ.١١٣
المثل يقول «بفلوسك بنت السلطان عروسك.» وعلى الرغم من تعدد خُطَّاب مستورة بنت الحاج سليمان أبو خطاب، فإن أباها أجبرها على الزواج من الشيخ علوان أبو بحيري، لأنه غني، يمتلك ثمانية أفدنة مناصفة مع شقيقه الأكبر.١١٤ وبدعوى أن «الرجل رجل مهما طال عليه القدم» زُوِّجت نفيسة من شيخ عجوز لينقذ شقيقها من ضائقة مادية، وكان ذلك هو السبب الحقيقي.١١٥ وقد انتهز العجوز الثري ذو الستين عامًا، تراكم الديون على جاره، فتقدم لخطبة ابنته الصغيرة كوثر.١١٦ ووافقت الفتاة على الزواج من رجل يكبرها ثلاث مرات، بعد أن همس لها البعض بأن الرجل يخفي كنوزًا من الذهب.١١٧ ويقول حسني حجازي: «توجد فتيات ذكيات، يفضِّلن الاقتران بالكهول الأغنياء، طلبًا للاستقرار في الحياة.»١١٨ وهو ما فعلته الفتاة في الصنادقية (زقاق المدق)، فقد نُشئت في الفقر، ثم أسعفها الحظ بزوج ثري يعمل مقاولًا، انتشلها من ظروفها القاسية، ونقلها من حال إلى حال.١١٩ وقد اعترفت الزوجة الشابة أنها «تزوجت هاربة من الفقر إلى الغنى.»١٢٠ وأكدت المرأة أنها «تزوجته رغم أنه قبيح الشكل والنفس.»١٢١

ويسأل أمين عم إسماعيل عن زواج أبيه المفاجئ: تزوج بنت من؟ ومن أين؟

– تزوج الست كوثر بنت شوكت بك.

وأفلتت من فم أمين صرخة، وأعاد السؤال مستوثقًا: كوثر … بنت شوكت بك جارنا؟

– أجل يا سيدي، فقد ساءت حال شوكت بك، وتراكمت عليه الديون، وباع عزبته.

كان أمين يعرف كوثر، وأنها «سبور» ومن بنات الليسيه، ويعرف أن أباه لم يتم علومه في الأزهر، ويتذكر ما قاله له عم إسماعيل إن شوكت بك تراكمت عليه الديون، وباع عزبته، فيرى في ذلك تفسيرًا معقولًا، ويلقي اللوم على خزانة أبيه الممتلئة بالنقود.١٢٢ وإذا كانت زهرة، الفتاة الريفية الصغيرة الجميلة، قد وافقت على تزويج أبيها لها من الشيخ متولي فقيه كُتاب القرية، وأهملت حبها للشاب يوسف، لقاء أربعين جنيهًا تقاضاها الأب، وحَشِيَّة وثيرة وعشرة أثواب ونحاس أحمر للفتاة، فإنها ما لبثت أن تبيَّنت بشاعة مصيرها، وتحوَّلت الطفلة الجميلة — شيئًا فشيئًا — إلى امرأة ناضجة، دائمة السهوم.١٢٣ وقد لجأت حورية إلى الفرار من بيت زوجها، بعد أن زوَّجها أهلها لابن الأربعين وهي في السابعة عشرة.١٢٤ وعندما تنبَّهت فتحية إلى فارق السن بينها وبين زوجها، حملت ملابسها وحليها الذهبية البسيطة، وكل ما في البيت من نقود، واختفت.١٢٥ وطالما ردَّدت الأم — بين وقت لآخر — «تزوجت رجلًا له سن أبي، فحرمني من شبابي.»١٢٦ وكانت سيدة الشرفة التي تعرَّف إليها كامل رؤبة لاظ أرملة للواء مات في سن متأخرة، وكانت صغيرة السن، فهي — بدرجة ما — ضحية الزواج غير المتكافئ.١٢٧ وعندما تعلن خطبة سليمان عتة لابنة العطار الصغيرة السن، يقول أحمد راشد بحدة: «انظر إلى المال كيف يستذل الحسن؟ إن أقبح ما في عالمنا هو خنوع الفضائل والقيم السامية للضرورات الحيوانية، فكيف سامت الحسناء نفسها على قبول يد هذا القرد الذميم؟ ولن يكون اجتماعهما زواجًا، ولكنه جريمة مزدوجة، تُعَد من ناحية سرقة، ومن ناحية اغتصابًا. ولن يزال جمالها فاضحًا لقبحه، وقبحه فاضحًا لجشعها، ولا يمكن أن تُرتكب هذه الجريمة وأمثالها في ظل الاشتراكية.»١٢٨ وبعد أن قبلت فردوس الزواج من رجلٍ يكبرها بسنوات كثيرة، لتأمن في ظله خطر الحاجة، فإنها بدأت تستشعر الاحتياج الجنسي يتيقظ في داخلها، فلما تعاظم الشعور داخلها، ناوشها التفكير في الحرام.١٢٩ وكاد الزواج غير المتكافئ سنًّا بين السيدة يسرية وزوجها، يهجر بها بيتها إلى شاب في سنها، لولا أن انشغالها بمأساتها كاد يخلق مأساة أخرى ضحيتها ابنتها الوحيدة.١٣٠
لقد تزوجت لوليتا بطلة نابوكوف رجلًا في الأربعين ليعوضها عن حنان أبيها، ليدلِّلها ويرضي غرورها. وهو ما فعلته دومنيك بطلة «ابتسامة ما» لفرانسواز ساجان التي تطلَّعت إلى الحب على صدر رجل في الأربعين. أما فردوس ذات الأعوام الخمسة والعشرين، فإن زواجها من سويلم الذي كان يخطو نحو الستين، فرضه الفقر وحده. ثم ما لبثت أن مالت إلى الخيانة «هذا ظلم، ما كنت لأختار هذا الطريق لو كان زوجي شابًّا.» بل إن الشعور بالندم لم يتملَّكها، وإنما استشعرت زهوًا لأنها انتقمت من المجتمع الذي ظلمها يوم قدَّمها ضحية إلى شيخ لا يقدر عليها.١٣١ وهي تذكِّرنا بجميلة — الباب المفتوح — زوَّجوها رجلًا لا يعيبه إلا جيبه، فاختارت الخيانة سبيلًا للحصول على المتعة الحسية.
إن زواج غير المتكافئين سنًّا، يستتبعه بالضرورة شم رائحة الخيانة «أو التلظي نشوة وقلقًا على نار الشك في وجودها.»١٣٢ ثمة الكثير من الأعمال الإبداعية، عن زوجة شابة تشقى بزوجٍ عجوز، فتنفِّس عن ثورتها على ذلك الوضع القاسي باصطياد شاب، هو — في الأغلب — طالب ريفي يجهل حقائق الحياة، لكنه يملك جسدًا قويًّا وفحولة، فتعجب به الزوجة الشابة، وتحكِم تدبيرها، حتى يصبح — بعد محاولات ساذجة — أسير عشقها. ذلك ما يطالعنا في رواية «شباب امرأة»، وفي الكثير من قصص أمين يوسف غراب القصيرة. وفي قصة «حارة السقايين» نتعرَّف على الشاب الريفي الذي يسافر إلى القاهرة للالتحاق بالجامعة. يسكن حجرة صغيرة تلاصق حجرة أخرى يسكن بها شيخ مع زوجته الشابة، وتغوي الزوجة الشاب، ويظل أسيرًا لعشقها عامين متصلين، حتى تفرق بينهما الأسباب.١٣٣ وكان فارق السن بين التاجر محمد بك طلبة، وزوجته روحية هانم، دافعًا لأن تتخذ الزوجة من محامي الأسرة عشيقًا لها.١٣٤ وتعرض الأم على الراوي أن يهبط من غرفة السطح إلى شقتها «زوجًا لابنتها أمام الناس، وعشيقًا لها أمام الشيطان.»١٣٥ وفي قصة «لون الخجل» يناقش كامل العلاقة بين عم رجب وتوحيدة التي يسعى لإقامة علاقة معها: «فلما آوى إلى فراشه، عاودته ذكرى فاتنته، على أن تفكيره آنئذٍ لم يكن بذي مرحٍ أو بهجة، وإذا به يتصور مقدار النذالة فيما كان منه، وفيما اعتزم. على أنه ما لبث أن قال لنفسه: إن هذا المسخ المهدم الأثيم، إنه لا يميل إليها أقل الميل. وبديهي أنها تمقته وتود الخلاص منه، ولن تطول بها الأمانة الزوجية والحالة هذه، بل إن من التعسف على الفطرة أن مثل هذا الشباب الناضج، وهذا الجمال المكتمل، وتلك الروح المتشوقة، إلى أن تنال أقصى ما تبيحه لها الحياة من لذة ومتاع يطلب إليها بأي حكم — أو عرف — أن تذوي رويدًا رويدًا، في وجار هذا الكلب العجوز»، ثم أقامت الزوجة مع كمال علاقة حين عاده في مرضه «فاندفعت توحيدة تشكو مر الشكوى، وترد عن نفسها ما يعزوه إليها زوجها من طيش وإهمال ومفتريات أُخر … وانتهت الشكوى بدموع، فتعزية، فقبلات.»١٣٦ وتشير هذه الثيمة إلى ظواهر اجتماعية مهمة، من بينها تأخر الزواج عند الرجال، أو ميلهم إلى الاقتران بنساء في سن بناتهم، أو إرغام الفتيات الصغيرات أمام الظروف الاجتماعية القاسية على الزواج من رجال يكبرهن بأعوام طويلة، ولجوء بعض الزوجات إلى الخطيئة، تعويضًا عن الإهمال والقسوة التي يُعامَلن بها من أزواجهن، والزوجة التي تقدِم — لكي تنجب الولد — على خيانة زوجها، وتلهُّف بعض الرجال — كلما زاد دخله، وبصرف النظر عن تقدُّم أعوام عمره — للزواج بأخرى.
فقد فرَّت زهرة — ميرامار — من قريتها إلى الإسكندرية، واشتغلت في بنسيون مدام ماريانا لتفادي عقد قرانها على شيخ يكبرها في السن بأعوام طويلة.١٣٧ ولأن فارق السن كان كبيرًا بين الشيخ عبد البصير وفتحية، فقد عاد — فجر ليلة — من سهرة مولد، ليفاجأ باختفائها من البيت، حملت معها ملابسها وحُليها، وكل ما في البيت من نقود، واختفت.١٣٨ وعلى الرغم من أن الحاج أمين استعان — ليقوى على أداء واجباته الزوجية مع زوجة تصغره بعشرات الأعوام — بما يمتلكه من خبرة في أصناف «المقويات» تعيد الشباب، وتعين على أوصاب الشيخوخة، فإن الزوجة أقامت علاقة جسدية مع السقا الشاب منصور. لقد فرحت فتحية عندما طلبها الشيخ، وانتقلت إلى بيتها مزهوة، ثم أخذت حقائق الحياة الزوجية تتكشَّف لها شيئًا فشيئًا، وكان عليها أن تتوصل إلى حلٍّ بطريقتها الخاصة.١٣٩ ونتيجة للزواج غير المتكافئ سنًّا، فرَّت الزوجة الصغيرة مع ضابط بوليس، وذهبت لتقيم معه في الإسكندرية، ومات الزوج الذي يكبرها بأكثر من عشرين عامًا، متأثرًا بالصدمة.١٤٠ والمأساة تتكرر في قصة «كيدهن»،١٤١ وقصة «حلاوة ونار».١٤٢ وكان الشعور الذي يمض درية — بعد زواجها من عبد السلام أفندي، الذي يكبرها بعشرات الأعوام — أنها لم تتزوج زواجًا حقيقيًّا، بل بيعت لرجل لم تكن تريده، وظلت ثائرة على ظلم بِيع بأمره جسمها وزُيِّفت إرادتها، وكان ذلك مبررًا لخيانته مع ابنه الذي يماثلها في السن.١٤٣ المبرر ذاته وراء خيانة الزوجة ذات الثلاثين لزوجها الذي جاوز الستين، مع شاب يصغرها بعشرة أعوام.١٤٤ وتروي قصة «الراية الحمراء» حكاية الشيخ مرزوق السليماني الذي جاوز الثمانين، وتزوج من عذراء في السادسة عشرة، ظلَّت كما هي لأيام طويلة، وأم العروس تربض له في قلب الدار معقدة الجبين، تسأله عما تم، وتصر على ألَّا تغادر الدار حتى تتلقى البشرى التي تملأ قلبها طمأنينة ورضا، بشرى خفوق الراية الحمراء. وكانت خيانة الزوجة — تلك التي غابت عن الزوج — هي التي جعلت الراية الحمراء تخفق أخيرًا في دار السليماني.١٤٥ وتأخذ المأساة ملمحًا غريبًا في قصة «ثم السعادة»: جاوز رضوان بك — حكمدار في المعاش — الستين من العمر، ومع ذلك فإنه تزوج — بعد وفاة زوجه — فتاة في الرابعة والعشرين، لم تلبث أن أقامت علاقة جسدية مع مدرس ابنه الصغير، وكان الزوج — العاجز جنسيًّا — يعلم، ويوافق!١٤٦ وغمر فردوس شعور بالزهو حين أقامت علاقة جنسية مع قريبها الشاب، لأنها انتقمت من المجتمع الذي ظلمها يوم قدَّمها ضحية إلى شيخ لا يقدر عليها.١٤٧ أما إحسان (حكايات حارتنا) فقد عاشرت — عامين — زوجًا مسنًّا، ثم اختفت من حياته، ومن الحارة، لتمارس الدعارة!١٤٨ وقد اعتبر أستاذ جامعي جريمة قتل صابر الرحيمي (الطريق) لعم خليل أبو النجا، صاحب فندق القاهرة، نتيجة للزواج غير المتكافئ بين عم خليل وكريمة، زوج الرجل وعشيقة القاتل.١٤٩ وبتوالي الأعوام، فقد أصبحت معظم الفتيات يؤمن «أن عصر إرغام الفتاة على الزواج من رجل لا يناسبها، وخاصة إذا كان في سن أبيها، قد ذهب وولَّى بلا رجعة.»١٥٠
المعنى لا ينعكس في رفض المرأة للزواج غير المتكافئ معها سنًّا فحسب، وإنما في رفض الرجل أحيانًا، نتيجة ملامسته لسلبية النتائج. فعندما تزوج خال إحسان — مثلًا — فتاة صغيرة السن بالنسبة إلى سنِّه، فقد ظل يعاني عدم الانسجام النفسي بينها وبينه، بل إن المرأة الشابة حاولت أن تفسد ما بينه وبين أخته التي كان يحترمها ويعتمد عليها في شئون البيت.١٥١ وربما أثار الزواج غير المتكافئ عمرًا، مشكلة الميراث؛ فالأبناء الكبار يرفضون زواج أبيهم من امرأة غير أمهم، لا لمجرد الخوف على مشاعر الأم، وإنما للخوف على ميراث أبيهم أن يقتطع منه الأبناء الجدد!١٥٢

سلبية العلاقة من جانب المرأة

لأن جدران البيت هي العالم الذي كانت المرأة تقضي فيه حياتها — أو معظم حياتها — فقد حوَّلها ذلك إلى أداة جنس، ولم تعُد تملك من الميول سوى الميل الحيواني، ومن ثَم فإنها لم تكن تشعر بالإهانة من معاشرة الرجل لها معاشرة جنسية فحسب.١٥٣ إن أهم ما تتعلَّمه المرأة أن تطيع زوجها متى طلب مضاجعتها، حتى لو كانت نائمة أو متعبة؛ إنها إذا لم تفعل ذلك فستلعنها الملائكة من فوق سبع سموات.١٥٤ تقول الأم لابنتها: «لقد عمَّرت مع أبيك كل هذه السنين الطوال، لا لأنني خير النساء أو أجملهن، أبدًا، ولكن لأنني كنت له دائمًا الأم والأخت والزوجة، فكوني له كذلك يا ابنتي، كوني له أمًّا في غيبته، وأختًا في حضرته، أما في خلوته فكوني له امرأة لأنه سيكون لك الرجل.»١٥٥
يعرِّف أندريه مالرو العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة بأنها «بذل من المرأة، وتملُّك من الرجل.»١٥٦ وأن المرأة ليست إلا أحد قطبي متعة الرجل الشخصية.١٥٧ ويمكن القول إنه لم يكن ثمة «لذة» جنسية متبادَلة — في معظم الأحيان — بين الرجل والمرأة، بمعنى انتفاء العلاقة بين اللذة الجنسية وعملية الإخصاب، فلسنا ندري — ولا الفنان نفسه حاول أن يدري! — كيف كان الرجل، السيد، في «بين القصرين» — مثلًا — يضاجع زوجه في بيئة متشددة. لقد أنجبت له أربعة أبناء، ولكن السؤال يظل مطروحًا: هل عرفت أمينة — في حضن أحمد عبد الجواد — عدا الخوف — معنى اللذة الجنسية؟!
لعل أداء أحمد عبد الجواد لواجباته الجنسية مع زوجته — التي طالما أرعبها ظل استبداده — جاء في تلك الأوقات التي كان يعود فيها إلى البيت وهو متأثر بحالة النشوة التي تمليها معاقرته للخمر «الخمر تكشف فيه عن النقيض الداخلي.»١٥٨ تلك هي الإمكانية الوحيدة التي أتصور أن الزوج المستبد عانق فيها زوجته. السيناريو المغاير لن يكون إلا اغتصابًا حقيقيًّا تقتصر فيه النظرة إلى الزوجة على أنها مجرد إناء يفرغ فيه ما تبقى من امتلاء شهوته، عقب عودته من سهرته الليلية!
وتعبِّر دولت عن عدم التكافؤ الجنسي بين الزوج الشيخ والمرأة الصغيرة في قولها عن زوجها: «نعم إنه يحبني، ويبالغ في إرضائي، هذا صحيح. وأنا أحترمه من أجل ذلك وأجلُّه، ولكن: أهذا كل شيء؟! أهذا كل شيء؟!»١٥٩
إن العلاقات العاطفية في الرواية المصرية، وفي الواقع المصري بالتالي، بعد أن أسفرت المرأة، ونزلت إلى العمل، جعلت الحب متاحًا. إنها — في الأغلب — بين طرفين، سالب وموجب، والمرأة — دومًا — هي الطرف السالب، بينما الرجل هو الطرف الموجب، بمعنى أن الرجل هو الذي يحاول — ابتداء — لفت نظر المرأة، فتستجيب له المرأة أو لا تستجيب، وليس ثمة قصة عن امرأة استهواها رجل فبدأت تطارده، ولو بالنظرة، حتى يفطن إلى حبها، ويستجيب له! وليس ثمة قصة كذلك عن امرأة تهيئ نفسها للمضاجعة بدهانات ومنشطات، مثل جوزة الطيب وعود القرح والتحبيشات.١٦٠ ويلاحِظ الراوي أن المشكلات الزوجية ترجع إلى سوء العلاقات الحسية، فالرجل يمارس حقَّه دون مبالاة بحق زوجته، مما يصيبها بالإحباط، ويذهب الثقة من نفسها، وقد يدفعها التوتر وعوامل نفسية مصاحبة إلى الخيانة «تفاجأ بالرجل يريدها، وكثيرًا ما ينتهي قبل أن تستيقظ من نومها.»١٦١ وأحيانًا، يطلب الرجل من امرأته ما تجده شاذًّا، أو خارجًا عن المألوف، فترفضه. ويستمع الجيران إلى صراخ الزوجة في سكون الليل متألمة من ضربات زوجها وهو يصيح: تعصين أمري يا امرأة؟! افعلي ما أقوله لك!١٦٢ والعلاقة بين الزوجين في الريف تتحدد في تعمد الزوج أن يظهر البرود واللامبالاة لآراء المرأة، والاستخفاف بتلك الآراء، بل وعدم الاستماع إليها، أما الزوجة فإن عليها أن تقبل كل سلوكيات الزوج، دون مناقشة أو اعتراض.١٦٣ وقد تزداد معاناة الزوجة، فتحاول التخلص من زوجها، فهي تسقيه — في غفلة منه — دماء حيضها.١٦٤
واللافت أن نساء بيت «بين القصرين» لم يعرفن الخيانة على أي نحو، بينما أقبل أحمد عبد الجواد وأكبر أبنائه ياسين على العلاقات الجنسية في بساطة، ودون إحساس بالذنب. بل إن المرأة الساقطة — مريم أو زنوبة على سبيل المثال — حين قررت التوبة، وتزوجت، فإنها أخلصت لزوجها وبيتها، ولم تصنع أم مريم علاقات جنسية إلا بعد وفاة زوجها. الأمر نفسه بالنسبة لأم ياسين التي لم يعرف الرجال طريقهم إلى بيتها — للاقتران بها — إلا بعد أن طلقها أحمد عبد الجواد. مع ذلك، فإن ياسين يهمس لنفسه — حين يبلغه نبأ اعتزام أمه الزواج ثانية: «لا عيب في أن تتزوج امرأة بعد طلاقها، أما أن تكون المرأة أمه، فهذا شيء آخر، شيء آخر جدًّا.»١٦٥

بيت الطاعة

هو — على حد تعبير الفنان — سجن لا منزل، والزوج هو السجان، والزوجة مجرمة خاطئة، يُخشى من حركاتها وسكناتها لا زوجة طاهرة تعرف الشرف وتقدِّر الواجب.١٦٦ وتقول سيدة (نحن لا نزرع الشوك): «هذا هو قانون الرجل … هو واضعه، وهو المستفيد به.»١٦٧ ومع أن أحمد أمين أعاد زوجته إلى بيته — بحكم بيت الطاعة — فإنه لم يجد حرجًا في الاعتراف بخطأ ولا إنسانية ما فعل.١٦٨ وتبدي كوثر (نحن لا نزرع الشوك) دهشتها حين يأتي العسكري ليصحب سيدة إلى بيت الطاعة: هل حقيقة ستسجنونها في بيت الزوجية؟

– أمر المحكمة!

– أن تُسجَن الزوجة في بيت الزوجية؟!١٦٩ وتقول كوثر لسيدة: «تذهبين إلى بيت زوجك بالبوليس يا سيدة؟ وفي زمن تُدرَّس في المدارس حقوق المرأة ومساواتها بالرجل» — فترة الثلاثينيات.١٧٠ وتقول سيدة لنفسها: «هذا هو قانون الرجل يا سيدة، هو واضعه، وهو المستفيد به.»١٧١ وحين أعد الزوج بيت الطاعة لزوجته، فإنه لم يزِد عن غرفة متوسطة المساحة في بيت صغير حقير، في إحدى الحواري، لها نافذتان سُمِّر شيشهما، وثمة سرير صغير ودولاب نصف عمر ومرآة مطموسة.١٧٢ ولما دخلت نعيمة بيت الطاعة، فوجئت بأنه غرفة متوسطة المساحة، تطل على حارة، سمَّر الزوج شيشها، وثمة سرير صغير للغاية، ودولاب نصف عمر، كان ذلك هو بيت الطاعة؛ إن القانون ينص على أن يحوي بيت الطاعة فراشًا ودورة مياه.١٧٣ وتصِف الزوجة بيت الطاعة الذي أعدَّه لها زوجها بأنه — في حجرة النوم — سرير خشب ودولاب كبير وشماعة للثياب. أما الصالون فكنبة كالمرجيحة، وكرسيان من الخيزران، وترابيزة صغيرة، بالإضافة إلى لمبة جاز نمرة خمسة، وقلة قناوي في صحن صاج.١٧٤ فإذا تبيَّنَّا أن الزوجين ينتميان إلى الطبقة الوسطى، وأن القصة تنتسب — زمانيًّا — إلى ما بعد الخمسينيات من القرن العشرين — أدركنا طبيعة المأزق الذي واجهته الزوجة، وكان إصرار الزوج على وضع زوجته في بيت الطاعة، محرضًا لها على خيانته مع شاب آخر.١٧٥
كان بيت الطاعة من الحقوق المطلَقة الممنوحة للزوج، ومظهرًا من مظاهر السلطان والسيطرة المباحة للرجل على زوجته، دون اعتبار لرغبات الزوجة أو ميولها، فليس لها أن تترك بيت الزوجية مهما كرهت البقاء فيه، فإذا غادرته على غير رغبة الزوج، وفشلت في استعادة حريتها بالطلاق، صار من حق الزوج إجبارها على العودة إلى بيته بقوة البوليس «إذا قلنا سجينة، فنحن نعنيها قصدًا لا مجازًا، فالطاعة لا تكره المرأة على معاشرة زوجها، هذا الذي تبغضه وتمقته، معاشرة على أسنة الرماح فحسب، بل تُلزمها عقر دارها لا تبرحه لأي سبب من الأسباب، إلا بإذن سيدها وسجانها الأعظم.»١٧٦

إحجام الشباب عن الزواج

كذلك فقد اتسم العصر بإحجام أعداد كبيرة من الشباب المثقف عن الزواج. مردُّ ذلك — في تقدير قاسم أمين — أن «رجال العصر الجديد يفضِّلون العزوبة على زواج لا يجدون فيه أمانيهم المحبوبة، فإنهم لا يرضون الارتباط بزوجة لم يردها، وإنما يطلبون صديقة يحبونها وتحبهم، لا خادمة تُستعمل في كل شيء، ويطلبون أن تكون أم أولادهم على جانب من العلم والخبرة يسمح لها بتربية أولادها على مبادئ الأخلاق الحسنة وقواعد الصحة.»١٧٧ لذلك فقد أحجم بعض الشبان عن الزواج لشعوره بجهل الفتاة، وبالفرق الثقافي بينهما. وثمة باعث آخر لعدم إقبال الشبان على الزواج، هو — في رأي لطفي السيد — مطالبة أسر الفتيات لهم بما يفوق قدرتهم المالية، ويضطر الكثير من الشبان «ذوي الحال الرقيقة، إلى الامتناع عن الزواج، يخافون إن هم قتروا، سقطت مراتبهم في أعين زوجاتهم، وإن هم طاوعوهن على مطالبهن التي لا تُحصى، أفلسوا، وضاقت عنهم حالهم ووظائفهم.»١٧٨ وبالإضافة إلى العوامل الاقتصادية، مثل المغالاة في المهر، والإسراف في حفلات القران والزفاف، وثمة كذلك خضوع عملية الزواج للحظ، لعدم إتاحة الفرصة للخطيبين كي يرى أحدهما الآخر. وكانت ظاهرة إحجام الشباب المثقف عن الزواج من أخطر الظواهر الاجتماعية في رأي لطفي السيد، لأنه يقلل نسل المتعلمين في مجتمع جُهَّاله يتناسلون في خصوبة شديدة. ورغم تلك الظاهرة السلبية، فإن الراوي يشير إلى أنه كلما نظر إلى الشوارع، رآها غاصة بالأطفال، وكلما نظر في الحوانيت والعربات والمتنزهات، وجد إلى جانب كل امرأة رجلًا، وإلى جانب كل رجل امرأة، فلا يصدق أن في مصر عزوبة «وقد زاد — بحمد الله — عددنا، وهو لا يزال يتزايد، حتى لوددنا أن يبطؤ التزايد في أيام هذه العسرة حتى تضع الحرب — العالمية الأولى — أوزارها.»١٧٩

الزواج من أجنبيات

ألقت باحثة البادية محاضرة في الجامعة المصرية، أشارت فيها إلى أن «من يتصفح تاريخ المرأة المصرية الحديثة يرى أنها كانت دائمًا مظلومة مهضومة الحقوق؛ ففي عصر إسماعيل هجم جيش من الشركسيات، وانهزمنا أمامه، وخرج ظافرًا منا بأحسن رجالنا، ولم يبقَ شريف أو نابِه في مصر إلا وأم أولاده من الجواري التي اشتراها إسماعيل. وفي هذا الزمن بدأ رجالنا يتزوجون بأوروبيات، وبناتهن من ذوات المكانة أو الشرف، ونحن ساكنات. أليس من العار وأنت تقدر على أن تجعل ابنك شريفًا من أم ذات حسب يختار أن يكون ابن جارية أو راقصة أوروبية؟! أوَليس من العار أن نتطلع إلى ما في يد الغير وعندنا أفضل منه؟!» كانت ظاهرة قليلة الانتشار، لكنها مؤشر بالغ الدلالة. وقد بعثت «إحدى الفاضلات» رسالة إلى مجلة «الجنس اللطيف» تسأل عن سبب ميل الشبان المصريين للأوروبيات. وردت عليها المحررة بأن «هذا الميل هو لعدم وجود بنات مصريات متعلمات يصلحن لشبان مصر، فاضطروا — بحكم الضرورة — إلى التزوج بالأوروبيات لتقتبس أولادهم — هكذا — منهن التربية الصحيحة، ويبلغوا الدرجة القصوى منها، فينفعوا أنفسهم ويخدموا بلادهم.»١٨٠ وثمة من أقدَم على الزواج من شركسيات وتركيات كالأب في «عودة الروح»، و«ميدو وشركاه». وقد سافر حسن (الضحية) إلى باريس للدراسة، ثم عاد وهو يتأبط ذراع خليلته الفرنسية، بدلًا من الشهادة العلمية، ثم ملَّت المرأة — بعد فترة — صحبته، واختفت من حياته لتعاشر رجلًا آخر من بنات جنسها.١٨١ وفي تقديم روايته «انتصار العفاف في ميدان الحب» أشار عبد الغني محمود إلى أنها محاولة لعلاج مرض «تفضيل الأجنبيات على بنات النيل العفيفات.»١٨٢ لقد خطب مهدي ابنة عمه نعمى قبل أن يسافر إلى باريس لاستكمال دراسته في جامعة السوربون، لكنه يتعلق بفتاة فرنسية هي مرجريت، ويتزوجها، ويعود بها إلى القاهرة. وما تلبث الزوجة الفرنسية — بعد إقامة قصيرة في القاهرة — أن تتطلع إلى حياة الانطلاق والحرية، وتتعرف بالفعل إلى العديد من الشبان، ورآها الزوج في موقف مشبوه مع أحد هؤلاء الشبان، فطلقها، وتقدم — ثانية — إلى نعمى يطلب يدها. والعظة — كما ترى — واضحة، وتدعو إلى وجوب نبذ الزواج من أجنبيات، لأن الأجنبية تنتمي إلى بيئة مغايرة وقيم ومُثُل لا يتقبَّلها الوجدان الشرقي.١٨٣ ويقول الراوي: «كنت مصريًّا، وكانت أجنبية، ومن أجل هذا افترقنا.»١٨٤

الطلاق

تتناول قصة «سيد القرية» ثلاث مشكلات تعانيها الأسرة المصرية: تعدد الزوجات، زيادة النسل، الطلاق. فالعمدة يتزوج اثنتين تنجبان له ثلاثة عشر ولدًا وبنتًا. فلما يصر أن يعامل الثالثة، المتعلمة، كضرة، كل علاقته بها ليلة جنس في مقابل ليلتين للضرتين الأخريين، تطلب الطلاق حالًا، فيوافق — وهو غير مصدق — أن زمانًا قد أتى تناقش المرأة فيه زوجها، وتحتد في نقاشها، فضلًا عن أن تطلب الطلاق!١٨٥ ولما ضغط محمد عفت على أحمد عبد الجواد لكي يطلق ياسين ابنته، دهش لأن تجيء المطالبة بالطلاق من ناحية الزوجة، وخُيِّل إليه أن الدنيا انقلبت رأسًا على عقب.١٨٦ ويلاحظ الراوي أن الناس في الريف إذا شاءوا أن يجعلوا لحديثهم صيغة علمية، لم يجدوا بين أيديهم إلا مسائل الطلاق يتذاكرونها، ويتناقشون فيها، ويعدُّون التفقه فيها من أشرف أبواب العلم، وكثيرًا ما يسألون عن صور غريبة تحير الألباب.١٨٧ وكان الشيخ السيد محمد أحد هؤلاء الذين استغلوا إباحة الطلاق، فطلَّق ثماني نسوة، وانطلق بحثًا عن التاسعة. أما الشيخ بكر — وهو كما يقول الفنان شخصية حقيقية — فقد ذهب مرة إلى الصعيد، فتزوج من «برش»، ثم في بني مزار، ثم أسيوط، وعاد إلى القاهرة بعد أسبوع بعد أن طلق زوجاته الثلاث.١٨٨ وقد نفى الشيخ محمد اتهام الآخرين له بأنه مطلاق، وأقسم إنه لم يطلق في حياته كلها إلا ثماني نسوة فقط.١٨٩
وعلى الرغم من أن نجيب محفوظ لم يلح على مشكلة الطلاق في «بين القصرين»، إلا أنها تشكِّل خلفية عريضة لتطورات الأحداث، فهو قد تزوج أمينة بعد أن طلق زوجته الأولى. وكانت مأساة ياسين — لفترة طويلة — هي طلاق أمه من أبيه، ثم زواجها وطلاقها بأكثر من رجل، وكان ابنه ياسين أيضًا ضحية طلاق أبويه، كذلك أم حنفي، فارقت البيت للزواج، ثم عادت إليه بعد الطلاق. وتشير الأم (بين القصرين) إلى مشكلتَي الطلاق وتعدد الزوجات، في قولها لابنتها الغاضبة: «لقد تزوجك بعد أن طلَّق زوجته الأولى، وكان بوسعه أن يستردها لو شاء، أو أن يتزوج غيرك ثانية وثالثة ورابعة، وقد كان أبوه مزواجًا، فاحمدي ربنا على أنه أبقاك زوجة وحيدة.» وكان ياسين — على حد تعبير الأب جومييه — «أحد ضحايا الطلاق ومساوئه.»١٩٠ وتتوضح مشكلة الطلاق — أو مأساته — بصورة مكثَّفة، في قصة محمود تيمور «محمد أفندي صل على النبي»: الرجل تزوج خمسًا، لكن مصائرهن كانت تنتهي بهن تباعًا إلى الطلاق، لماذا؟ لأن النساء — في رأيه — سواء، ليس لكل منهن إلا اجترار المغانم وابتزاز المطالب، وليس لهن دستور إلا السيطرة والتآمر والعجرفة. حتى الطلاق كان يجشمه أفدح المشاق، فهو قد كابد الدين والرهن والبيع، ليواجه القضايا والأحكام، فيؤدي ما وجب من مؤخر الصداق ونفقات الزوجة والأطفال. ولعلنا نجد في رضوان ياسين — ذلك الشاذ! — ضحية لظروفه العائلية، أو — بتعبير محدد — ضحية طلاق أبويه، فهو قد نشأ يخشى الزواج، ثم قضى شبابه في إقامة الصلات الشخصية مع قيادات الأحزاب. والملاحَظ أنه ليس للعزباء أن تشترط، بل عليها أن تقبل «العريس» الذي يبعث به الله إليها، وتقبله على عيبه، متحمِّلة نتيجة فشل زواجها الأول الذي كثيرًا ما تكون غير مسئولة عنها.١٩١
كان الطلاق في الفترة ما بين أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين — يُعتبَر — بالنسبة للمرأة — حكمًا محققًا بالإعدام الاجتماعي أو يكاد.١٩٢ ويشير الإحصاء العام لحالة الزواج والطلاق في مصر سنة ١٨٩٨م إلى قيد ١٢٠ ألف حالة زواج، و٣٣ ألف حالة طلاق، أي نسبة حالة طلاق إلى كل ثلاث زيجات.١٩٣ وقد أرجعت باحثة البادية بواعث الطلاق إلى عامل مهم، هو إقامة الزواج على الخاطبة، دون أن يرى الشاب فتاته، فضلًا عن عوامل أخرى هي: جهل أحد الزوجين بالآخر، اختلاف البيئة والطباع، التركيز على النواحي المادية بغير نظر إلى الأخلاق، وتأويل أحكام الدين بعكس ما تعنيه في الزواج والطلاق، وفي أحيان كثيرة، فإن عدم الإنجاب يكون سببًا في الطلاق.١٩٤ وقد يتحسَّن مركز الرجل، فيتزوج على زوجته!١٩٥ وربما أثرى الزوج من تجارته أو حرفته، فيطلق زوجته، ويتخذ زوجة أخرى أصبى، وأنعم، وألين.١٩٦ ويقول الزوج المطلق: «الطلاق أحيانًا رحمة لكلا الطرفين، أن ينفصل الزوجان، خير من أن يُبنى بيت على الخيانة، أو الغش، أو طلوع الروح.»١٩٧
وإذا كان الطلاق «هو سلوك إنساني، يصدر عادة عن أشخاص متزوجين، يعيشون في مجتمع من المجتمعات»١٩٨ فقد كان رأي قاسم أمين أن «الزواج عندنا حيازة رجل لامرأة يومًا أو شهرًا أو سنة، أو عدة سنين. حيازة تنتهي بمجرد إرادة الرجل، ولا فرق بينها وبين الحيازة غير الشرعية، ما جاز للرجل أن يدفع زوجته إلى الباب، ويقول لها: اخرجي!»١٩٩ ويشير هيكل في «مذكرات الشباب»، إلى مطالبة صديق له بأن تتحدد قوة الزوج في القدرة على الطلاق، حتى تصبح تلك العلاقة محترمة بالقانون وفي العمل.٢٠٠ ويقول صديق: «أظن أن من أكبر الحرج أن يصبح أطفال في مركز اليتامى، لأن أباهم طلق امرأته ثلاثًا في غضبة، ثم ندم على ما فعل، من أكبر الحرج أن تبقى امرأة في عصمة زوجها الذي يسومها الخسف وسوء العذاب.»٢٠١ إن سيادة الرجل الاقتصادية والاجتماعية كانت تضع المرأة دائمًا في مواجهة ذلك القرار المدمر الذي يكفي أن يلفظه الرجل لكي تتعرض حياة المرأة — والأسرة — لدمار شديد. إن أقسى ما تشعر به الزوجة هو عدم الأمان، وأن زوجها يستطيع — بكلمة ينطقها — أن يطردها من البيت، فتفقد بالتالي العائل والمورد والمستقبل. وكان الطلاق هو الذي أعاد أم حنفي (بين القصرين) إلى الخدمة في بيت أحمد عبد الجواد، بعد أن غادرته — لفترة — إلى بيت الزوجية. وعدم الإنجاب يجعل الطلاق ميسورًا.٢٠٢ وبعد أن توالت السنون دون أن تنجب الزوجة، أرسلها زوجها إلى بيت أسرتها، ثم لحقها بقسيمة الطلاق.٢٠٣ والطلاق ليس حق الرجل وحده فقط، ولكنه بعض أخلاقه أيضًا، فهو يستطيع أن يخفي عن مطلقته أنها طالق ليمد في حياته معها، «لولا أن ذلك غش وخداع، واغتصاب غير مباشر، والله لا يتسامح في ذلك أبدًا.»٢٠٤ وحين طالب محمد عفت صديقه أحمد عبد الجواد بأن يطلق ياسين ابنة عفت، لضبطها إياه مع الجارية، لم يخفِ الرجل انزعاجه، فهو لم يكن يتصور أن يكون الطلاق من ناحية الزوجة، وخُيِّل إليه أن الدنيا انقلبت رأسًا على عقب.٢٠٥ أما ياسين فقد «شعر بهوان لم يشعر بمثله إلا فيما كابد من سلوك أمه، حموه يطالب بالطلاق! أو بمعنًى آخر زينب تطالب بالطلاق، أو في الأقل توافق عليه، أيهما الرجل، وأيتهما المرأة؟ ليس عجيبًا أن ينبذ الإنسان حذاء، أمَّا أن ينبذ حذاء صاحبه! كيف رضي أبوه له بهذا الخزي الذي لم يسمع بمثله من قبل؟»٢٠٦ وربما يحدث الطلاق لسبب تافه، كالذي طلق زوجه بالثلاثة لأنها رفعت صوتها في وجهه،٢٠٧ أو أن تكسر الزوجة قلة حماتها — عفوًا — ساعة السحور، فيحلف الزوج يمينًا بالطلاق ثلاثًا بأن يكسر ذراع الزوجة في مقابل القلة، ولأنها — بالطبع — لم تُتِح له كسر ذراعها، فقد طلقها.٢٠٨ وقد تصر الزوجة على أن يدخل الزوج البيت بأكياس الفاكهة، يعتذر بضيق ذات اليد، فتطلب الطلاق.٢٠٩ ونحن نقسم بالطلاق إذا أردنا إحراج الضيف ليقضي ليلته في ضيافتنا، أو ليأكل على مائدتنا.٢١٠ وحين تعترض خديجة على زواج ابنها أحمد من فتاة ذات أصل فقير، يقول لها أخوها ياسين باسمًا: الأمر بسيط يا أختي، يتزوج اليوم، ويطلق غدًا، نحن مسلمون لا كاثوليك.٢١١ وضآلة مؤخر الصداق بين الطبقات الشعبية يمثِّل عاملًا في سهولة تطليق الرجل لزوجته. ويقول زوج رسمية عليها يمين الطلاق، فتهمس لنفسها في عجب وأسًى: «أَوَفي مثل هذه السهولة انتهت العلاقة بيني وبينه؟ أما من أحد يستطيع أن يلجم هذا الفم الذي نطق بحكمه الجائر عليَّ وعلى أولادي؟ أما من عدالة إلهية تنتقم منه؟!»٢١٢
ولعلنا نجد تجسيدًا لثقة الرجل اللامحدودة بامتيازه وتفوقه على المرأة، في تطليق أحمد عبد الجواد لزوجته الأولى — إلى حين — لأنه كان شديد التعلق بها، طلقها، وتظاهر بإهمالها أيامًا وأسابيع، وهو ينتظر، أملًا أن تجيئه، لكنها وضعت شروطًا للعودة، فطلقها بلا تردد رغم حبه لها؛ قتل حبه لقاء كبريائه كرجل.٢١٣ وحين يصر أحمد شوكت على الزواج من سوسن حماد، يواسي ياسين خديجة بقوله: «الأمر بسيط يا أختي … يتزوج اليوم ويطلق غدًا، نحن مسلمون لا كاثوليك.»٢١٤ وكان رد الفعل للتحمس الطارئ في الظروف المادية لرشدي السيسي، مدرس الابتدائي، هو تطليق زوجته، والزواج من أخرى.٢١٥

تسأل السيدة العم أبو حسن، وكان مزواجًا: ألم تطلقك ولا واحدة من زوجاتك؟

– واحدة مرة تطلقني — ويشير إلى نفسه — أنا، وهي المرة تطلق؟

– ولماذا لا تطلق المرأة إذا استاءت من زوجها زي ما هو يطلقها إن أزعجته عشرتها؟ أليست مثله إنسانًا يستاء ويرضى ويحزن ويفرح؟

«إنسان مثله؟» قال بتأفف وازدراء، «دي واحدة مرة وتبقى مثله إزاي؟ … الراجل يعمل زي ما يعجبه علشان راجل، إن خلَّاها وياه خلَّاها، وان طلقها برده كتر خيره.»٢١٦ وكانت مشكلة أم إحسان التي غادرت بها الحياة مقهورة، كلمة الطلاق التي كانت مختبئة خلف شفتَي زوجها، يلفظها الزوج الذي أقدم على الزواج بثانية، إن حاولت أم إحسان — عقابًا له — أن تتنصَّل من خدمته!٢١٧
الطلاق هو أبغض الحلال إلى الله، يقول ربيع: الطلاق يا فتحي أبغض الحلال إلى الله!٢١٨ وحين يأتي المأذون بدفتره لإتمام إجراءات الطلاق، فإنه يظل يردد: أعوذ بالله من غضب الله، ليه بس الطلاق؟ الستر كويس يا ناس!٢١٩ ويلقي — في البداية، ولكي يبرئ ذمته — خطبة مألوفة، يحاول بها إصلاح ذات البين، ثم يغمس قلمه في الدواة، ليبدأ في تدوين وثيقة الطلاق.٢٢٠ ويبرر أنصار الطلاق ما يفعلونه، بأن الطلاق أبغض الحلال إلى الله، لكنه مع ذلك حلال لا خطيئة فيه، ولا إثم على الذين يقدِمون عليه.٢٢١
الرجل هو الذي يطلِّق، هو الذي يرمي يمين الطلاق، فإذا أرادت المرأة الطلاق، فإنها تلجأ إلى القضاء. وقد تطلب المرأة الطلاق لأن زوجها عاجز عن أداء واجباته الزوجية.٢٢٢ وحين قالت الزوجة للمأذون في دهشة واستياء: رغبتك ليست كافية، ليست قانونية، وقبل أن تتعبونا يا ناس ادرسوا القانون كويس، سلام عليكم!٢٢٣

واللافت أن الزوج — في مصر الفرعونية — لم يكن يحق له أن يطلق زوجته إلا إذا ارتكبت جريمة الزنا، أما إذا طلَّقها لغير سبب، فلا بد أن يتنازل لها عن جزء كبير من أملاكه، ولكن نسبة الطلاق — في أوائل القرن العشرين، كما يقول قاسم أمين في «تحرير المرأة» — كانت ٤ إلى ٣، بمعنى أن كل أربع زوجات يُطلَّق منهن ثلاث، وتبقى واحدة فقط.

لذلك كان رأي قاسم أمين أنه «ما دام الطلاق متروكًا إلى رأي الزوج، يستحيل أن يثبت في نفوس الرجال والنساء، أن أساس الزواج فكرة الاستمرار والمعاشرة، إلى آخر الحياة.»٢٢٤ (يقول الفنان إن «المطلقات خطيرات على البيوت الآمنة» (يوسف جوهر، يوم في السنة، المصباح الأعمى، هيئة الكتاب).) وتقول إحسان هانم في رسالتها إلى دولت: «فهذا التخوف الدائم من الطلاق يقضي على كل أثرٍ للثقة والحب، ويربي في نفسها — المرأة — استعدادًا مخجلًا خطرًا؛ إذ يصبح كل همِّها اغتنام الفرص، وإعداد العدة للمستقبل حينما تطلق، فتسلخ جلده بطلباتها المتوالية الجنونية.»
ويقصر يحيى حقي الحرج الذي تحس به المرأة المطلقة على الطبقة الوسطى، فالعامة لا تحس به إلا على صورة تخفيض المهر من ثمن البكر إلى ثمن الثيب، وليس لمصير الأولاد تأثير في حكمهم على الموقف، بينما تقدير الطبقة الموسرة لحرج موقف الزوجة المطلقة متوقف على نتائجه المحتملة على مستوى معيشتها، ومقدار اعتمادها على ثروة الزوج، فكلما زادت ثروة الزوجة على ثروة الزوج، قَلَّ الحرج، والعكس بالعكس، وقد يدخل مصير الأولاد عاملًا في تقدير الموقف.٢٢٥ ورجال الأعمال يكرهون الطلاق لأنه يؤثر على مصالحهم٢٢٦ لما يستتبعه من أقاويل وشائعات وفضائح، وهو ما يؤثر على مصالحه، وعلى أولاده.٢٢٧ لذلك فإن السلاح الوحيد الذي يسهل على المرأة أن تستخدمه في مواجهة شبح المصير القاسي، هو أن تكثر من الإنجاب. تنجب العدد الأكبر من الأبناء لتسد عليه الطريق إلى عدم تطليقها، أو الزواج من أخرى. مع ذلك، فإن سلبيات الطلاق قد تنعكس على الأبناء؛ يعبِّر الصبي خميس عن انعكاس مأساتَي الطلاق وتعدد الزوجات بقوله: «منذ ماتت أمي بعد ولادتي مباشرة، تزوج أبي ست مرات، يتزوج ويطلق، ويطلق ويتزوج، ومع كل زواج جديد أجد نفسي حائرًا بين منزل عمتي وخالتي حتى سن العاشرة، حيث تعودت التشرد، والحياة بين الحارة والورشة.»٢٢٨ وكانت فتحية (في الدرجة الثامنة) ضحية لمأساة الطلاق، بعد أن أصبحت أمها سيدة بلا رجل، فتنازلت — تحت إغراء وعد كاذب، وبعيدًا عن رعاية الأب ورقابته — عن عفافها لأول من توسَّل بكلماتٍ معسولة، ثم غادرت فتحية مع أمها المنيا إلى القاهرة، بعد أن غيَّرت اسمها، لتصبح واحدة من فراشات الفن.
وعلى الرغم من أن الديانة المسيحية ترفض الطلاق، فإن عمدة القرية في قصة «النوم الخاطف» لأندريه شديد أقدَم على تطليق زوجته بعد سنتين من الزواج لأنها لم تنجب له الولد!٢٢٩ وكفالة الأب المطلِّق لابنه تحين في السابعة من عمر الصبي، فهو يأخذه من حضانة أمه ليقيم عنده.٢٣٠ ولا بد للمرأة أن تنتظر إنهاء فترة العدة قبل أن تعقد قرانها على آخر.٢٣١
وثمة مشكلة «المحلل» التي تأتي نتيجة الطلاق ثلاث مرات، وقد أفاد الشيخ نعيم، إمام زاوية «الخليلية» من تلك الضرورة حين سأله المزارع عبد التواب سبيلًا لإعادة زوجته التي طلقها ثلاث مرات، فقال له الشيخ: لا سبيل إلى معاشرتك إياها إلا أن يتزوجها رجل غيرك، فإن طلقها كانت لك من بعده حلالًا. ولم يجد الرجل بدًّا — لتنفيذ الشرع — إلا أن يعرض على الشيخ أن يكون ذلك الزواج خدمة لوجه الله، ووافق الشيخ مضطرًّا، وانتشر الخبر في القرية، ثم في القرى المجاورة. وقدِم إلى الشيخ نعيم أولئك الذين طلَّقوا زوجاتهم ثلاثًا، ثم ندموا على ما فعلوا، يبتغون عنده مثل ما ابتغى عبد التواب، وكان الشيخ لا يخيِّب لهم هذا السؤال، ابتغاء مرضاة الله: ألا يلتئم بصنيعه شمل الأسر، وتتوافر بين الأزواج أسباب الوفاق؟٢٣٢ وفي قصة «في بيت الزوجية» يطلق الرجل زوجه طلقة بائنة، وحين أراد إرجاعها لم يكن ذلك ممكنًا إلا بمحلل، وقام بالمهمة رجل فقير، ما لبث — كما هو متوقع — أن وقع في هوى الزوجة، وأن تقع هي كذلك في هواه و«عض الزوج بنان الندم» حيث لا يجدي الندم!٢٣٣

الميراث

أقسى الأشياء عندما تقبل النفس البشرية — بسهولة — ترقب موت إنسان، وترتِّب مشاريعها وآمالها، وتجعلها معلَّقة على انقضاء حياة.٢٣٤ لذلك فإن القانون يشترط على طبيب الصحة أن يضمن تصريح الدفن للمُتوفى المتقدم في السن تعبير «شيخوخة بدون جنون» حسمًا للخلافات التي قد تنشب بين ورثة المُتوفى، وبالذات إذا كان قد خلَّف ثروة أو عقارًا.٢٣٥ ويهمس ياسين (بين القصرين) لنفسه حول الميراث الذي ينتظره بوفاة أمه: «شيء واحد يهمني جدًّا، هو عقارها، دكان الحمزاوي وربع الغورية والبيت القديم بقصر الشوق، وإني أعد أمام الله إذا ورثته كاملًا — كانت مزواجة! — يومًا أن أترحم عليها بلا أسف.»٢٣٦ لم يكن يخشى إلا ضياع الثروة التي ينتظر أن يرثها ذات يوم.٢٣٧ ولا يخلو من دلالة مشهد الشيخ المريض الذي يعاني سكرات الموت بينما الأبناء «ينتظرون أن تُزَف إليهم البشرى فيقابلوها بالعويل.»٢٣٨ وثمة الأبناء الذين يحيون على أمل موت الأب «وكانوا ينقمون على أبيهم، ويعتبرونه بالنسبة إلى ثروته التي سيرثونها من بعده، حارسًا ثقيل الظل، خشن الكف، يقظ العين، يجب أن يتزحزح شيئًا ما عن باب هذا الكنز.»٢٣٩ وكانت ممتلكات الست زليخة من أطيان وأموال هي السبب المباشر في محاربة أقاربها لها، ثم في إقدامهم على قتلها تعجيلًا بالوراثة.٢٤٠ وفور وفاة الأخت الوحيدة، أخرج شقيقها المفاتيح من ثوبها، وفتح الدولاب، وعبأ كل ما به في زكائب، وأخذ النسوة كل شيء: الملابس والأغطية وزلع الجبن والمش والسمن والعيش.٢٤١
من المهم أن ينجب الزوجان ولدًا، لأن «الولد بيحوش الورسة «الورثة» والصبي يمنع العدد، أي الأقارب البعيدين، من الميراث. الذكر هو الأحق بالحصول على الميراث. لذلك كان سرور الحاج بيومي، بإصرار ولده مصطفى، على أن يظفر بكل أملاك أبيه دون زوجة أبيه، زوجة الحاج بيومي. كان الرجل مؤمنًا بأن الأرض كلها ينبغي أن يرثها من بعده ولده مصطفى، بلا منازع ولا شريك.»٢٤٢ المرأة ترِث بحق الربع لو مات زوجها من غير ولد، وتظفر هي وابنها بالكل لو رُزقَت بولد.٢٤٣ ولأن الولد، الذكر، يمنع الأعمام من المشاركة في ميراث الأب الراحل، فقد لجأت الزوجة إلى شراء طفل، ونسبته إلى نفسها حتى يرث أموال الزوج المريض، وتكون هي الوصية عليه.٢٤٤ وقد تصوَّر محجوب عبد الدايم (القاهرة الجديدة) نفسه ابنًا لأحد باشوات شارع رشاد باشا، وقال لو أن أباه أشرف على الموت لانتظر موته بفارغ الصبر!٢٤٥ وكانت المشكلة التي واجهتها فاطمة عقب وفاة زوجها — الدكتور ضياء — هي تكاتف أهل الزوج ضدها، بغية خفض ميراثها إلى أقل حدٍّ ممكن.٢٤٦ وكان الميراث هو الشيطان الذي انتصر على السلام في أسرة السيدة أم ميلاد بعد أن رحل زوجها، وضاعت الوحدة التي كانت تجمع شمل الأسرة. بلغت الخصومة بين الابنين حدَّ تجنب كل منهما الآخر — إذا التقيا في الطريق — وكأنه لا يعرفه، وحرَّض كلٌّ منهما زوجه وأولاده على تجنُّب الأخرى وأولادها.٢٤٧ وأدرك ميلاد — بعد أن كبر الأخوان — الدور الذي يطلبه منه أبوه، تعلم كيف يعيش في سلام مع أخيه، وكيف يقوم بدور الأخ الأكبر على خير وجه،٢٤٨ وقد تصارع الأبناء في القرية على الميراث، حتى اضطروا إلى بيع الأرض في النهاية، واقتسام ثمنها، والرحيل إلى القاهرة.٢٤٩ والصراع على الميراث بين أبناء الضرتين هو قوام رواية «الجنة العذراء» لمحمد عبد الحليم عبد الله.
والشريعة الإسلامية تنص على أن نصيب الأنثى نصف نصيب الذكر (يقول محجوب عبد الدايم: أليس أحقر رجل بامرأتين؟)٢٥٠ ذلك لأن الإسلام يرفع التكاليف المالية عن المرأة في مختلف مراحل حياتها، فالأب يحمل مسئوليتها قبل زواجها، والزوج يحمل هذه المسئولية بعد الزواج، والأبناء يحملونها لو مات الزوج. من هنا، فإن الرجل — بمسئولياته عن المرأة والبيت — أخذ ضعف المرأة «ومن الواضح أن خمس أوراق نقدية بدون مسئوليات أثمن وأبقى من عشر بمسئوليات جسام.»٢٥١
والملاحَظ أن بعض العائلات والأسر القبطية لا تجد حرجًا في قبول قوانين الميراث الإسلامية التي تقضي بأن يرِث الذكر مثل حظ الأنثيين، تعبيرًا عن حرص النخبة المسيطرة من الذكور، بصرف النظر عن الديانة التي تنتمي إليها، على فرض اللامساواة بين الجنسين.٢٥٢
والرغبة في الإبقاء على الثروة داخل حدود الأسرة، أو العائلة، هي الباعث لظاهرة زواج الأقارب بين المسلمين.٢٥٣ وحتى تظل الملكية — عند توزيع الميراث — داخل نطاق العائلة، فقد كان الكثير من العائلات يحرص على أن تتزوج فتيات العائلة من فتيانها. وعلى الرغم من القوانين الدينية والوضعية، فإن بعض العائلات الكبيرة كانت تميل إلى حرمان البنات كلية، أو تقليل أنصبتهن، بتسجيل الأرض — في حياة الأب — للأولاد الذكور، لتظل الأرض في الاتجاه الأبوي، ونظام الوقف يبيح الوصية، بقصر الميراث على الذكور.٢٥٤ وبعد أن مات الابن الوحيد للحاج سلامة (أخبار الدراويش) كتب لكل واحدة من بناته المتزوجات ستة قراريط، وأوصى بأن يقسَّم الباقي على أحفاده الثلاثة بالتساوي. وقيل له إن ذلك غير مقبول شرعًا، فقال إن الأولاد الذكور فقط هم الذين يحملون اسم الأسرة، وإن الله غفور رحيم.٢٥٥ ولما كانت الراوية (عندما يفيض النيل) وحيدة أبويها، فقد كان الطبيعي أن تئُول كل أرضه لها بعد وفاته. وتدخل تقليد آخر هو ألا يدخل غريب في أملاك العائلة، واتفق الأب والعم على وجوب تزويجها لابن عمها حتى لا يدخل غريب في أملاكها.٢٥٦ وثمة أوقاف كانت تقتصر على الذكور، وتحرم البنات من الميراث.٢٥٧ وكما يقول الفنان، فقد كان المشرع يجيز الوقف الأهلي، وكان الفقهاء يقررون أن شرط الواقف كنص الشارع. واتخذ الكثيرون من نظام الوقف وسيلة لمجاوزة أحكام الوصية بحرمان البنات من التركة، أو جعلهن تبعًا لإخوتهم الذكور، فالبنت تخرج من الأسرة حين تتزوج، وحرام أن يأخذ زوجها مال الأسرة. ولأن الشارع يجيز حرمان البنات من الوقف، فليس ثمة وزر في حرمانهن، وأزواجهن ملزمون شرعًا بالإنفاق عليهن، أو يتولى الإنفاق — في حالة عدم زواجهن — إخوتهن الذكور بما يكفل الكفاف.٢٥٨ كان حرمان المرأة من الميراث، بإقدام الآباء على البيع — صوريًّا — للذكور من الأبناء، حتى لا تئُول الأرض إلى أزواج الإناث، فضلًا عن حرمانها من التعليم، وقلة فرص العمل أمام المرأة المتعلمة، كان ذلك باعثًا لحرمان المرأة من الاستقلال الاقتصادي.
والميراث من المشكلات التي تتولَّد عن الزواج غير المتكافئ. فقد أحب أمين زوج أبيه كوثر، وأحبته كوثر، وكان كلٌّ منهما يحس نحو صاحبه بغير قليلٍ من العطف، ويظهره على ما يجول في خاطره، فلما صارحته بأنها تحس بالجنين يتحرك في أحشائها، وأنها ستلِد له أخًا سيقاسمه ثروة أبيه، كاد «يكرهها من جديد».٢٥٩ من هنا، يرفض الأبناء زواج أبيهم المسن من امرأة أخرى غير أمهم، حتى لو كانت متوفاة؛ ذلك لأن معنى الزوجة الجديدة هو أولاد جدد، مما يزيد من رقعة المتنافسين على الميراث.٢٦٠ يقول أحمد عبد الجواد (بين القصرين): «كان أبي شِبه عقيم، فأكثر من التزوج، وبالرغم من أنه لم ينجب سواي، إلا أن عقاره تبدَّد بيني وبين زوجات أربع مات عنهن، إلى ما ضاع على النفقات الشرعية في حياته. أما أنا فأب لثلاثة ذكور وأنثيين، وما يجوز لي أن أنزلق إلى الإكثار من زوجات، فأبدِّد ما يسَّر الله علينا من رزق.»٢٦١ ويروي محمود كامل (يوميات محام مصري) عن أسرة من أثرى أسر الوجه البحري، لكن تكاثر النسل، وتقسيم الثروة بين العدد الكبير من الورثة، هوى بثروة تلك الأسرة، فتبدَّد أكثرها، ونشب خلاف شديد بين أبناء الأعمام بسبب الأرض، تطور إلى ارتكاب جرائم القتل.٢٦٢ وكان أول ما قفز إلى تفكير السيد سليم علوان (زقاق المدق) حين اعتزم الزواج من حميدة، ما سيخلفه من ميراث، وطمأن نفسه بأن ثروته كفيلة بإرضاء أفراد أسرته جميعًا، و«لن يسلبهم زواجه الجديد أكثر مما كانت تسلبهم إياه رتبة البكوية فيما لو سعى إليها.»٢٦٣ وغالبًا، فإنه عندما يقترن شيخ من زوجة جديدة، تبذل أسرته الأصلية جهدها للتخلص منها قبل أن تستولي على أموال أبيهم.٢٦٤ أما إذا أظهر الابن عقوقه، فإن الأب قد يوصي بحرمانه من الميراث، أو يقدِم على إجراءات تحرمه منه.٢٦٥ والتمرد على الأب، بحيث يحرم الأب ابنه المتمرد من الميراث، يطالعنا في العديد من أعمال نجيب محفوظ؛ ذلك ما حدث لجعفر الراوي (قلب الليل)، ولإحدى شخصيات «الفجر الكاذب». أما والد وحيد (سكون العاصفة) فكان لا يؤمن بالتوريث، ويعتبره خرافة، وكان رأيه — الذي يحرص على إعلانه — أنه يجب على الآباء أن يمتعوا أنفسهم وأولادهم بما يملكون، وعندما يموت الأب، فليبدأ الابن كما بدأ أبوه. وقد فرض الرجل لذلك فرضين: فإذا كان الوارث يملك مواهب تؤهله للحياة، فإنه سيقدر على الكسب، أما إذا كان متلافًا وغير مسئول، فإنه كفيل بأن يضيع ما ورثه!٢٦٦ وفي المقابل، فقد فكر المرحومي في الزواج — بعد أن قارب الخمسين — لا لشيء إلا لرغبته في صيانة ثروته، وحمايتها من التشتت والضياع.٢٦٧
ويتساءل سيد زهير (أنا الشعب) في استغراب: «هذه الحقوق القانونية التي توزع بها المقادير الحظوظ وهي مغمضة العينين! من هؤلاء الذين يملكون الألوف من الأفدنة وألوف الألوف من الجنيهات الذهبية؟ أبناء الإماء الذين يكبرون ليصيروا سادة، وينسى الناس أنهم أبناء الإماء، وأبناء اللصوص وقطاع الطرق وأبناء تجار المخدرات ومصاصي الدماء، كل هؤلاء يبسطون سلطانهم على الحياة عندما يرثون الضياع ويملكون الخزائن، ها هم يريدون أن يزيدوا امرأة ساقطة وولدًا دعيًّا.»٢٦٨

•••

مهما يكن من أمر، فلا شك أن كل النجاحات الجزئية التي حصلت عليها المرأة، لم تحد من الإهمال الذي كانت تعانيه المرأة بوجه عام، والذي دفع أحد دعاة تحريرها — أحمد لطفي السيد — لأن يكتب في «الجريدة» قائلًا: «فإن الذي يهمُّنا نحن المصريين من الموضوع، ليس مساواة الرجل والمرأة في حقوق الانتخاب والتوظف، فإن نساءنا — بارك الله لهن — لم يطلبن بعدُ مثل هذه المطالب المقلقة للراحة العمومية كما هو الحال في إنجلترا.» وكاتب آخر، اسمه محمد فخري، ينادي بتحرير المرأة، ثم يقول: «ليس الغرض من تحرير المرأة — في رأينا — أن نتعدى الدائرة التي خصَّتها بها الطبيعة والقانون، ولا أن تطمح إلى طلب حقوق الانتخاب، ومساواتها تمام المساواة بالرجل، فإن ذلك لا يناسب ضعف ما هي عليه من جسمٍ وعقل.»٢٦٩ ولا تخلو من دلالة تلك الثورة التي تبارت فيها الأقلام — في مطالع القرن العشرين — لأن فتاة مصرية التحقت بشركة التليفونات.٢٧٠

التربية

ثمة عوامل، منها البيئة والوراثة والزمكانية، تضافرت، وتفاعلت، فتشكَّلت منها شخصية ما، بحيث تختلف — على نحو أو آخر — عن شخصيات الآخرين. يقول جلال (أيوب) «عندما يخرج الوليد إلى الدنيا تتسلَّمه أسرته، ثم تتكاتف على حبه في قالبٍ جاهزٍ من القيم والأذواق والتقاليد والعقائد، وهو يتشكَّل بلا قدرة على الإدراك أو النقد أو الاختيار.»٢٧١ ويروي الفنان (قصة حياة) «أنه فتح عينيه — أول ما فتحهما في حداثته — على دنيا تنتزع الكرة من يد الطفل، وتقول له: أتظن نفسك طفلًا له أن يلهو، ومن حقِّه أن يرتع ويلعب؟ لشد ما ركبك الوهم يا صاحبي! لا كرة ولا لعب، وعليك أن تثِب الآن وثبًا من هذه الطفولة التي كان ظنك أن ترتع في ظلها إلى الكهولة دفعة واحدة، حتى الشباب يجب أن تتخطاه وثبًا.»٢٧٢ ولا يتذكر الراوي من طفولته سوى قسوة أبيه وتعليمات أمه، فالأب يعود من الدكان كل يوم، فيضربه علقة لأنه لا يستحم، فإذا كان في الشارع ضربه علقة لأنه ليس في الفراش، وفي الصباح يحمله من السرير، ويضع رأسه تحت الحنفية، ويضربه قلمين ليسرع في ارتداء ثيابه، ثم يضربه شلوتًا ليسرع إلى المدرسة. أما الأم فإنها لا تكف عن إلقاء التعليمات: ما تنزلش الحارة، ما تلعبش مع العيال الخسرانين، ما تبصش للجيران، اقفل الشباك، ما تتكلمش كتير، اتأدب، اقفل بقك، ما تبحلقش في البنات، اختشي عيب، ما تجريش كتير، اقعد ساكت، عيب، غلط، حرام، مش أصول، مش تمام، قلة أدب، قلة حيا … إلخ.٢٧٣
ويقول العجوز: «كانوا يضربوننا على أيدينا ونحن أطفال، لأننا ارتكبنا خطأ تافهًا، كانوا يؤدبوننا حتى نتعلم.»٢٧٤
وفي المقابل، فقد كان الراوي آخر العنقود، وحظي لذلك بتدليل أمه، فهي تُجلِسه على ركبتَيها، وترقصه، وتأخذه بين ذراعيها، وتحضنه.٢٧٥ وكان تدليل الأسرة لأصغر أبنائها سليم سببًا في انحرافه، فرسب ثلاث مرات في امتحان التوجيهية، وفُصِل من المدرسة.٢٧٦ وكان الباعث الأهم لانحراف حميدة (زقاق المدق) أنها نشأت في جو لا يكاد يتفيأ ظل الأخلاق، أو يتقيد بأغلالها.٢٧٧ ويقول ياسين (بين القصرين) لنفسه: «عرفت الآن من أكون، لست إلا ابن هذين الشهوانيَّين، وما كان لي أن أكون غير ما كنت.»٢٧٨ وكان الأبناء (بداية ونهاية) مثلًا للتباين بين الأب والأم «فكأن حسن شاهدًا تعيسًا على رخاوة الأب وتدليله، وكان حسين وحسنين شاهدَين على حزم الأم وحسن تربيتها.»٢٧٩ مع ذلك، فإن حسين يقول: «ليتنا ما عرفنا التدلل أبدًا، إذن لهانت علينا الحياة الجديدة المقضي علينا بها.»٢٨٠ ويقول الفنان عن حسني (شجرة اللبلاب): «إن الأقدار تفنَّنت في إيذائه حتى كادت تخلق منه لصًّا لكثرة ما حرمته، أو تخلق منه مجرمًا لقلة ما هفا عليه من حنان، أو تخلق منه غبيًّا لعدم من يُبصِره بأغلاطه. كادت تخلق منه أحد هؤلاء، أو هؤلاء جميعًا، لولا أن الأقدار التي قلبت به الزورق مكَّنته هي نفسها من أن يركبه وهو مقلوب، فنجا، وإن لاقى في سبيل النجاة هولًا وشدة.»٢٨١

•••

هل نستطيع أن نضيف مأساة كامل رؤبة لاظ (السراب) إلى المآسي التي تُعَد نتيجة مباشرة للتربية الخاطئة. خطأ التربية هنا — بالتحديد — ينطلق من اعتبار الجنس عيبًا وحرامًا، وسرًّا يجب ألَّا نعرِّضه للضوء، والنعامة التي تخفي رأسها في الرمال، يغيب عن تفكيرها المحدود أن الجسد كله في مرمى أعين وبنادق الصيادين. الصيادون هم زملاء الدراسة، والنساء اللائي أقام معهن علاقة. الطفل المصري يتعرَّف إلى الجنس دون معونة من الكبار في أسرته. مجرد السؤال في مشكلة تنبعث منها رائحة الجنس، أمرٌ معيب يُقابَل بالتوبيخ، وربما — في أقل تقدير — بالإجابة المضلِّلة، وقد دخل كامل رؤبة لاظ عالم الجنس من خلال عناق لذيذ — لم يفهمه — بينه وبين الخادمة الشوهاء.

نحن نجد طرف الخيط في تملُّك الخمر من نفس الأب رؤبة لاظ، بحيث قضت على إنسانيته، ولم يعُد يشغله زوجة ولا أبناء، وإنما كل همه أن ينشد كأس الخمر ليروي ظمأه المتجدد؛ كان إدمان الزوج (المستنقع) للخمر، سببًا في انصرافه عن تربية ابنتيه.٢٨٢ لم تبقِ الخمر على ذرة من إنسانيته، فأُنسي واجباته، وبدَّد مرتباته.٢٨٣ والواقع أن الأب كان لا أخلاقيًّا بصورة مزعجة، فقد قتلت فيه الخمر كل إحساسات الأبوة، فلم يأبه لفرار الابنة التي وقف طويلًا في طريق زواجها، واكتفى بالقول: في داهية! ووافق — بلا تردد — على أن يحيا الابن بعيدًا عنه، شريطة ألا ينفق عليه مليمًا واحدًا. فلما كبر الطفل، ولجأ إليه جده لأمه لكي يساعده في مصاريف تعليمه، اكتفى أيضًا بالقول: إذا متَّ غدًا تكفلتُ به!٢٨٤ لقد تزوجت راضية — شقيقة كامل — من موظف يعمل في الحقانية، ويسكن مع أسرته في بنها، وإن أكد الزوج أنه يُعِد للانتقال مع عروسه إلى القاهرة للإقامة فيها، واعتذرت راضية بأنها لم تقدِم على ما فعلت إلا بعد أن رفض أبوها خطبتها لزوجها، وكان قد رفض شابًّا آخر من قبل، وسافرت معه إلى بنها، حيث تقيم أسرته، وحيث كان في انتظارهما مأذون ليعقد قرانهما، واستقبل الأب ما حدث كأنه لا يعنيه، وقال بهدوء: في داهية!
وتستكمل الصورة ملامحها في العلاقة بين الأم وابنها، وهي علاقة تتسم بالرغبة في الاستحواذ والسيطرة من جانب الأم، ومحاولة الفرار من سطوة الأم من ناحية ثانية. لقد وجدت الأم في صغيرها عزاء عن المصيبة التي ألمَّت بها، الطلاق، فهما لا يفترقان، ينام في حضنها، ويستحم معها، تضعه عاريًا في طست، وتتجرد أمامه من ثيابها، يرشُّها بالماء، ويدلِّك جسدها برغوة الصابون، ولا يغادران البيت إلا نادرًا. وحتى تقضي الأم على ما كان يتطلع إليه من الحرية والانطلاق، فإنها كانت تملأ أذنه بقصص العفاريت والأشباح والأرواح والجان والقتلة واللصوص، فبدا العالم من حوله مثيرًا للقلق والخوف. أصبح يخاف من كل إنسان، وكل حيوان، وكل شيء، وسيطر عليه شعور بالعجز زاده قصور في تعليمه وثقافته، وضعف ثقة في قواه العقلية. وكان كامل يسأل أمه: أين يوجد الله؟ تجيب في دهشة: إنه — تعالى — في كل مكان. يسأل: وفي هذه الحجرة؟ تجيب: طبعًا، استغفره على سؤالك هذا.٢٨٥ وظل الصبي متحيرًا، وظلَّت أسئلته تنشد الجواب عن الزواج والحمل والولادة، وقابلت الأم أسئلته بأجوبة كاذبة حينًا، وبتأففٍ أحيانًا أخرى، وحدست الخادمة تحيُّر الصبي، فتطوعت لتعليمه أمورًا خليقة بأن تُعرَف. وواجه كامل التجربة بلذة وسذاجة، لكن الأم ضبطتهما متلبسَين، فطردت الخادمة، وصبَّت على الصبي لعنات كأنها السياط.٢٨٦ وتلك الواقعة ثمرة لمنع الطفل المصري من أن يسأل في أي شيء يتصل بالحياة الجنسية. سؤاله يُقابَل — عادة — بالتهرب، أو التوبيخ، أو الكذب، أو السكوت والإهمال. فإذا لمس الطفل أعضاءه الجنسية عُوقِب على تصرفه دون أن يدري سببًا للتمييز بين أعضاء جسده، وينشأ الطفل وفي أعماقه ترسُّبات كثيفة من الشعور بالإثم والخوف والدنس إزاء كل ما يتصل بالجنس.٢٨٧ ولما أراد جد كامل لأمه أن يذهب إلى أبيه، ليحدِّثه في واجبه نحو ابنه، رفضت أم كامل بإصرار، فصارحها الجد بأن مبعث رفضها هو الخوف من أن يؤدي نقاشها مع الزوج إلى شجار، وربما أدى الشجار لأن يسترد الرجل ابنه، وهذا هو بيت القصيد؛ فالمرأة لا يشغلها من الأمر إلا أن يظل الولد في رعايتها، وقد بلغ تدليل الأم لطفلها حد تأجيل إلحاقه بالمدرسة حتى لا يبتعد عنها.٢٨٨ وظل كامل يحصل في بداية حياته الدراسية على بضعة أصفار، فلم يتعلم — في ظل تربيته الشاذة — شيئًا حقيقيًّا؛ كان ما يشغله تحوُّل ضوء الشمس عن جدار الفصل ليعرف أن جرس الخروج قد جاء أوانه، ولم يحفظ في عامه الدراسي إلا بضع سور من القرآن الكريم، كانت أمه ترددها في صلاتها. واستطاع كامل أن يحصل على البكالوريا وهو في الخامسة والعشرين، وإن فشل في دراسته الجامعية بعد ذلك. ويومًا قال الجد لكامل بلهجة ساخرة: «اخجل يا رجل وابتع لك فراشًا، أتظل الدهر تنام في حضن أمك؟» وابتاع — بالفعل — فراشًا، لكنه ركنه في الحجرة نفسها، فظلَّت تحويهما معًا.٢٨٩ وظلَّت الأم توصي ولدها — حين مغادرته للبيت — بالحيطة في المشي والركوب والنزول وعبور الطريق.٢٩٠

ومع أن كامل قد أقبل على حياة الوظيفة بتفاؤلٍ وأمل، فإن خجله حال بينه وبين تحويل الزمالات إلى صداقات، وانصرف إلى ما بين يديه من أوراق، لا يرفع رأسه إلا عندما يأتي موعد الانصراف، وفطن الموظفون إلى حالته، فحاولوا استغلال ذاك بإسناد مهامهم إليه.

وبالطبع، فقد كان لتلك الحياة تأثيرها في علاقات كامل بالمجتمع من حوله. وعلى سبيل المثال فقد كانت مناسبات الإضراب كثيرة، لكنه لم يحاول أن يشارك في أية مظاهرة. وحين عنَّفه أحد مدرسيه ذوي الاتجاه الوطني — يومًا: أليس هذا الوطن وطنك أيضًا؟ أحس بالحيرة الشديدة بين تعنيف المدرس، وبين وصايا أمه التي كانت تدفعه إلى القسم كل صباح على اتِّباعها.٢٩١ لم يكن لكامل اهتمام بأي شيء يجاوز نفسه، وأدهشته دهشة زملائه من الموظفين عندما أعلن جهله باسم رئيس الوزراء الذي كان مضى على توليه الحكم بضعة أشهر. وكان عدم الفهم هو ما يستقبل به أحاديث الموظفين عن الأزمة الاقتصادية، وهبوط أسعار القطن، والأزمة الدستورية. يقول: «كأني لست من هذا المجتمع، فلا أدري شيئًا من آماله وآلامه، قادته وزعمائه، أحزابه وهيئاته، ولَكَم طرقت أذني أحاديث الموظفين عن الأزمة الاقتصادية، وهبوط أسعار القطن، وتغيير الدستور، فلم أكن أفقه لها معنى، أو أجد لها في نفسي صدًى، لا وطن لي ولا مجتمع، لا لأني أسبق الوطنية، ولكن لأني لم أدركها بعد.»٢٩٢
ومع أنه كان يحب الناس «كشيء معنوي عام» فإن الشعور بالجفاء والنفور كان يغلبه إذا اتصلت أسبابه بأسباب شخص بالذات. وكان — أحيانًا — يسخط على أمه التي كانت تتوارى وراء كل شيء.٢٩٣ حتى إنه يصِفها بأنها «مفرطة في الحنان لحد الشذوذ.»٢٩٤ وعندما لمَّح لأمه بفكرة زواجه، عارضت الفكرة بشدة، وحدَّثتها خالته عن رغبتها في زواجه من ابنتها، فاستقبلت الاقتراح بنرفزة رافضة، وعرضت إحدى الدلالات أن تخطب له عروسًا لائقة، فانفجرت فيها المرأة برفضٍ غاضب. وظلَّت الأم — بدافع حرصها على أن يظل في حضنها — تستبعد فكرة زواجه، بحجة أن الشخص لا يجوز أن يتزوج قبل أن تكتمل رجولته، وكان الشاب قد جاوز السادسة والعشرين.٢٩٥
العادة السرية هي المخرج الوحيد لصبي في مجتمعٍ مغلق، يحيا على عبارات العيب والحرام والمنكر والحساب والعقاب، متغافلًا تلك السن الخطرة التي لا بد أن يجتازها كل صبي بما تحمله من تغيرات سيكولوجية وفسيولوجية. وقد اكتشف كامل — تحت ضغط تلك الحياة — والتعبير للراوي — هواية الصبا الشيطانية، العادة السرية. لم يعرِّفه بها أحد، فقد كان بلا أصدقاء. اكتشفها كما اكتشفت للمرة الأولى في حياة البشر، واستقبلها بنشوة ومتعة. وكرر المحاولة، وقرنها بتخيلات وتصورات ليضاعف تجسيد اللذة.٢٩٦ أصبحت العادة السرية إدمانًا استغرق فيه كامل تمامًا، وكان يمارسها وسط أحلام شهوانية، شخوصها الرئيسة — وربما الوحيدة — خادمات قذرات،٢٩٧«كأني موكل بعشق الدمامة والقذارة!»٢٩٨ وحتى ليلة زفافه، لم يكن كامل قد عرف من الحياة الجنسية إلا العادة السرية التي كان لا يزال يمارسها، وإن كان قد عرف أمورًا بالسماع — مصادفة — بين زملائه في الوزارة.٢٩٩ والملاحظ أنه لم يقرن صورة محبوبته — ليلة — بتلك الأحلام الشهوانية التي كانت تصاحب لذته اليومية، فقد كانت الخادمات فقط محور تلك الأحلام.٣٠٠ ومضت الأيام بالزوجين في حب طاهر — أو ما كان يتصور أنه كذلك — فامتزجت روحاهما حتى صارا — في تصوره أيضًا — روحًا واحدًا في جسمَين غير متصلين.٣٠١ ويصف كامل نفسه بأنه ذو إيمان عميق، وإن لم يستطع إيمانه أن ينقذه مما كان يعانيه من وحشة مخيفة، فضلًا عن أنه أثقل ضميره بالقلق والتأنيب، وأوسعه إحساسًا حادًّا بالخطيئة من جراء العادة المجنونة التي استبدَّت به، ظل كامل يمارس العادة السرية، حتى بعد فترة طويلة من زواجه.٣٠٢ حاول أن يجتذب صورة رباب إلى أتون عادته الجهنمية، فلم تطاوعه، فأبعد صورة الفتاة عن أتون عادته، وقنع هو بالوجوه التي ألِفها، تثير أحط المشاعر في جسده.٣٠٣ وكانت عطيات — امرأة الشرفة — هي أول امرأة في حياته تخصه بنظراتها. وكان أعجب ما لاحظه في إقباله على المرأة أنه فتن بما هو حري أن يُعَد من النقائص في نظر الغير، بكهولتها ودمامتها وجسارتها، وكانت تملؤه ثقة لا حد لها.٣٠٤ وتساءل: ترى لو كان لجميع النساء ما لهذه المرأة من جرأة، أكنت أقطع ما خلا من زماني موحوحًا بغير رفيق؟٣٠٥ وحين أقبلت عليه المرأة تعانقه، وتمارس وإياه الحب، امتلأ حياة وجنونًا وثقة لا حد لها، «لا أدري كيف واتتني الثقة، كانت المرأة سيدة الموقف، فوجدت فيها المرشد الذي ضللته حياتي كلها، أعادت لي الثقة والطمأنينة لأنها أخلتني من كل مسئولية، وأخذتني بالهوادة والرفق.»٣٠٦

•••

إن التربية المتشددة ربما أدت إلى نقيض النتائج المرجوة، والعكس صحيح. فإذا حاولنا أن نتبيَّن أثر ذلك السلوك المتشدد من أحمد عبد الجواد (بين القصرين) حيال أفراد أسرته، فلعلنا نجد ما يناقض الأثر الذي كان يتوخاه الأب الطاغية. كانت الثامنة مساء هي الموعد الذي تذهب فيه خديجة وعائشة إلى حجرة نومهما، ذلك لأنه لم تكن ثمة — آنذاك — أية وسيلة ترفيه منزلية كالراديو والتليفزيون، حتى التطلع من أخصة المشربية إلى الطريق الصاخب بالحياة لم يكن مأذونًا به.٣٠٧ وطبيعي أنه «لم يكن الكذب في هذا البيت بالرذيلة المحزنة، ولم يكن في وسع أحد منهم أن يتمتع بالسلامة في ظل الأب دون حماية من الكذب.»٣٠٨ كان الكذب هو وسيلة أفراد الأسرة حتى تصبح الحياة في مواجهة قسوة الأب وتشدده أمرًا محتملًا، كان وسيلتهم الوحيدة لتفادي بطش الأب. حتى أمينة التي كانت علاقتها بالرجل تجسيدًا للصدق، انتوت الكذب عليه لما التفَّت بملاءتها وخرجت لزيارة الحسين. ولم تفلت عائشة الفرصة لأن ترد على نظرات الضابط المعجَب بنظرات مقابلة من خلف المشربية، وأن تغني في وله: «يا بو الشريط الاحمر … ياللي أسرتني ارحم ذلي.» ثم أصبحت — بعد الزواج — مع خليل شوكت والصغيرين محمد ونعيمة «فرقة» منزلية — إن جاز التعبير — تمارس ألوان الغناء والطرب، والرقص أيضًا. لم تنعكس الحياة المتشددة في بيت أحمد عبد الجواد على حياتها الجديدة في بيت قصر الشوق إلا ولعًا بكل ما يفض عن القلب همه. حتى السجائر أقبلت على تدخينها، وكانت مصيبتها في فقد أفراد أسرتها، واحدًا بعد الآخر، هو الباعث — وحده — لأن تسلم نفسها إلى دوامة اليأس والاستسلام. أما خديجة، فقد حملت معها إلى بيت الزوجية طبعًا حادًّا، وإرادة مستبِدة، ونفسًا تعبد نفسها، وإن أحبَّت الآخرين. وهي — بلا جدال — بعض موروثات أبيها. حوَّلت خديجة خضوع أمها — وخضوعها — لإرادة الأب المستبدة، في بيت بين القصرين، إلى رفض مستمر، وتمرد، وثورة ضد الحماة. ولم يسلم الزوج المسكين من جارح القول، حتى لجأت الحماة — يومًا — إلى الأب — الذي صُدم في سلوك ابنته — تطلب منه تأديبها. أما ياسين فقد اكتفى بالجانب الدنيوي من طباع أبيه، الجانب الحسي، إلى حد محاولة الاعتداء على الخادم، ثم الجارية، والإقدام على الزواج من مريم، رغم صلة شقيقه الراحل بها، ثم علاقتها بالعسكري الإنجليزي جوني. وكانت الضربة المذهلة التي حاول أحمد عبد الجواد احتمالها، زواجه من زنوبة العوادة، مع معرفته بأنها عشيقة أبيه. لم يكن يعاني — كما أشرنا — من الانفصام الديني، وكان أداؤه لصلاة الجمعة في الحسين، في صحبة الوالد والإخوة، واجبًا ثقيلًا. أقبل على الملذات — الجنسية بالتحديد — بنهمٍ وشره، وأهمل الجانب الديني تمامًا، إلا ما أُكره عليه، مثل صلاة الجمعة في الحسين. لذلك فإن شخصيته أقرب إلى الاستواء من شخصية الأب التي كانت تعاني انفصامًا غريبًا. ياسين لم يحاول أن يصطنع شخصية مغايرة لشخصيته «العامة» في الوظيفة والمقهى والبار والشارع، بل إنه لم يجد غضاضة في أن يصحب زوجته إلى كشكش بيه، وكان مجرد خروج المرأة من بيتها جرمًا لا يُغتفَر، فضلًا عن أنه لم يحاول اللجوء إلى حقِّه كأخ أكبر، إلى حد أنه عرض على شقيقه الأصغر كمال — لما التقى به مصادفة في حي الدعارة — أن ينال الصغير متعته أولًا، على أن ينتظر الأكبر في الخارج. شخصية تعانق اللذة بقبضتين لا تفتران، يرفض الزيف في التعامل حتى من أبيه. وبعد أن تزوج ياسين، وأصبح أبًا، لم يطق أن يمثِّل في أسرته الدور القاسي الذي مثَّله أبوه معه، وكره أن يخلق في قلب رضوان — ابنه — شعور الرهبة والخوف الذي كان يجده نحو أبيه.٣٠٩ يقول: «أنا رجل له آراؤه في التربية، أنا الأب الصديق، لا أحب أن يرتعد أبنائي خوفًا في محضري، أنا حتى اليوم ينتابني الارتباك أمام أبي.»٣١٠ وعلى الرغم من انشغال فهمي بالشئون السياسية، فإنه قد أهمل كل تعاليم والده — ومنها حرمة النظر إلى الجيران — فقد صعد — مثلًا — إلى سطح البيت، وحاول أن يستميل جارته أم رضوان، قبل أن يتمكَّن منه حبها ويسعى إلى خطبتها. وأما كمال الصغير فقد كان محصلة التربية المتشددة، وما يقابلها مما يقرؤه ويعايشه ويجرِّبه، حيرة قاسية تلقفت في دوامتها، فأنكر الإيمان الديني، وأكثر من التجول في درب كلوت بك، ومارس الضياع إلى منتهاه. لقد بدأت حياته الواعية برفض إيمانه اللاواعي بالحسين بعد أن عرف — ويا لهول ما عرف! — أن الضريح ليس إلا رمزًا لشهيد كربلاء. ثم أدركه التحيُّر في حقيقة المعتقدات والأفكار والناس والأشياء، وأسلمه التحيُّر إلى الرفض الذي ينطوي على اليأس بأكثر مما ينطوي على الاقتناع، ولا يخلو من دلالة قول كمال — بعد أن أصبح مسئولًا عن نفسه: «ليسقط الأب المستبد»!٣١١ حتى أمينة التي كانت علاقتها بأحمد عبد الجواد تجسيدًا للصدق، انتوت الكذب عليه لمَّا التفَّت بملاءتها، وخرجت لزيارة الحسين. ولعلنا نجد في موافقة أمينة على زيارة الحسين — في أثناء غياب الأب عن البيت في مهمة تجارية — نوعًا من الرفض لتشدُّده، ورغبة في التحرر من القيود التي ظلَّت تكبِّلها طيلة ربع قرن «لبَّت دعاءها في الأعماق، تيارات حبيسة متلهفة على الانطلاق.»٣١٢
إذن، فلم تسفر شخصية الطاغية الصارمة المستبِدة عن النتائج التي كانت تستهدفها قسوة المعاملة، بل إن المحصلة كانت نقيضًا لذلك إلى حدٍّ كبير. وربما اعترف أحمد عبد الجواد بالتأثير المناقِض لتربيته المشددة في قوله: «إن وراء إرادتنا دنيا وشياطين تهزأ من تصميمنا، وتفسد علينا نوايانا الطيبة.»٣١٣ وكان يذكر عن أبيه أنه التزم في تربيته شدة تهون إلى جانبها شدته مع أبنائه، لكن الأب سرعان ما غيَّر من معاملته له منذ أن بدأ في معاونته بالدكان، ثم استحالت معاملته له — بعد زواجه — صداقة أبوية.٣١٤ ورغم أن أحمد عبد الجواد قال — يومًا — في ثقة: «هيهات أن تتعرض الرابطة بيني وبين أبنائي لتغيُّر الزمن»٣١٥ فإن تلك الرابطة تعرضت — فيما بعد — للتغير، ومضى الزمن الذي كان يملي فيه إرادته، فلا يجد رادًّا لها.٣١٦
لقد انتقل ياسين (بين القصرين) إلى حضانة أبيه وهو في التاسعة من عمره، ولم يكن تلقى من مبادئ العلم كلمة واحدة، لكن قسوة الأب وطيبة زوجة الأب والمناخ الجديد الأكثر صحة في البيت الجديد، دفعوا ياسين إلى الحصول على الابتدائية بعد أن تجاوز التاسعة عشرة من عمره،٣١٧ ومنذ عُيِّن كاتبًا بمدرسة النحاسين، لم يعُد أبوه يحاسبه على ذهابه وإيابه، وأين يسهر، وكيف.٣١٨ مع ذلك، فقد أرجع كمال عبد الجواد (قصر الشوق) انحرافه — وأخيه — ممثلًا في شرب الخمر، والتردد على حي البغايا، إلى جهل أبيه بأصول التربية، وإلى شخصيته المستبدة الشرسة «وإني أعاهد نفسي — إذا صرت يومًا أبًا — أن أكون لأبنائي الصديق قبل أن أكون المربي.»٣١٩
وإذا كان كمال قد وصف أباه بأنه «الفظاظة الجاهلة»، ووصف أمه بأنها «الرقة الجاهلة»، وأكد أنه سيظل ضحية هذين الضدين،٣٢٠ فإن عيد منصور (المرايا) جاء ضحية تربية والده القاسية؛ فقد صمم الرجل على إخراجه على نمطه، وكان بخيلًا دقيقًا فظًّا جامد المشاعر، فرباه بلا رحمة ولا مهادنة، ولم يوله أدنى قدر من المعاملة العاطفية أو الحنان أو الرحمة، فنشأ الشاب بلا قلب. واتخذ من القرش معبودًا، ومقياسًا للرجولة والتفوق.٣٢١
ولا شك أن مبعث مأساة بطل المستحيل، تلك الأرض الرخوة من الأوامر والواجبات والكلمات الغريبة: الواجب، الأصول، تقاليد العائلة تحتم، مركز والدك لا يسمح، سنك لا تليق فيها كذا، كرامتك، ماذا يقول الناس، كيف تكون نظرة المجتمع إلينا، الاحترام، الوقار يا أخي.٣٢٢ ولأن الأب كان يفضِّل شرب الشاي، فقد كان على الابن أن يشرب معه الشاي، ولما تقدَّمت به السن ومرض بالضغط، حرَّم عليه الطبيب شرب الشاي، فاستبدل به الينسون، وأصبح الطفل بالتالي يشرب الينسون.٣٢٣ حتى زوجته لم يكن يحبها، ولم يكن يكرهها، لأنه لم يخترها أصلًا، فقد كانت اختيار أبيه، وكانت تعبيرًا عن ذوق الأب لا ذوقه هو.٣٢٤ وعندما مات الأب — فجأة — فقدَ الابن الحائط الذي عاش حياته يستند إليه، وقضى أيامًا يتساءل، في كل ما يصادفه من أمور الحياة، عن الصواب والخطأ، وهل يقدم أو يتأخر، ثم اضطر لأن يتحمَّل أعباء نفسه.٣٢٥
ويعبِّر عباس (لقاء هناك) عن وضعه في الأسرة بقوله: «هذا شيء تعودت عليه، أصبحت أعلم أن أبي وحده هو رب البيت، وأن إليه وحده يتجه التقديس، وتُقدَّم الخدمات، أما أنا فشيء ضمن هذه الأشياء التي يقتنيها الناس، ولكن هذا وضع تعوَّدته منذ نحن صغار.»٣٢٦
وفي رواية أحمد زكي مخلوف «نفوس مضطربة» كان الشقيق الأكبر شخصية مستبِدة، صارمة، لا يعجبها الحال المائل، ويرى أن نظام العالم مقلوب، وأن هذه دنيا العجائب، ويؤكد أنه لو أوكل إليه أمر هذه البلاد لعرف كيف يسُوس بنيها بالشدة والعنف. وكان يستهويه من شخصيات التاريخ الحجاج بن يوسف الثقفي وفرعون مصر القديمة. ورغم هذا، فإن الرجل لم يستطع أن يحكم بيته، فامرأته تأخذ موقف الرفض لكل آرائه ومطالبه، وولداه لم يتعلَّما، ولم يذهبا إلى مدرسة، وكان الهيرويين — أو الكوكايين — مسحوقهما المفضَّل الذي يفضِّلان شمه.٣٢٧
وقد عكست فترة الطفولة «المكبوتة» الحادة الصارمة آثارها على آراء وتصرفات عايدة (إني راحلة)، بل إنها وجدت فيها الباعث لمأساة حياتها التي فضَّلت أن تنهيها بالانتحار «إن ذلك الكبت في مشاعري وأنا طفلة، والمبالغة في الحزم والشدة في تربيتي، قد أنتج نتيجة عكسية، وسبَّب لي الانطلاق من أول ثغرة بدت في حياتي، وإنه — ككل فعل — كان لا بد له من ردٍّ مساوٍ له، ومضاد له في الاتجاه.» كانت النهاية المأساوية نتيجة مباشرة للتربية الصارمة التي حرص أبوها على أن يعاملها بها، إلى حد إلغاء شخصيتها تمامًا، وإذابتها في شخصيته، بحيث تصبح عاطلة من الإرادة واستقلال الرأي.٣٢٨
والأبوان في الصعيد (خالتي صفية والدير) ينصحان ابنهما — من السادسة تقريبًا — بتجنُّب اللعب مع البنات، فهو قد كبر وأصبح رجلًا وعليه أن يصادق الأولاد مثله.٣٢٩ والواقع أن التخويف من العلاقة بين الولد/الشاب والفتاة هو السبيل الأقرب لتحقيق تلك العلاقة؛ فقد أسرفت أم عباس (طريق إلى الحب) وكل المحيطين به في تحذيره من النظر إلى بنت الجيران. ومع أن الفتاة لم تكن تخطر له ببال، فإن توبيخات أمه توالت، وهمسات الخدم لم تنته، حتى بدأ الشاب يثبت نظراته على الفتاة، ويسعى — بالفعل — لإقامة علاقة معها!٣٣٠ ورغم صغر سن الفتيات، وانشغالهن بالدراسة، فإن الأم — كما يقول الراوي — كانت تصر على أن يفعلن كل شيء في البيت، من الخبيز إلى الطبيخ إلى الكنس، وكانت تلك «طريقتها في التربية.»٣٣١
وكان والد خليل زكي (المرايا) عطارًا في بين الجناين، وكان يعامله بقسوة غريبة في حين يحمل له خليل كراهية غريبة، ويتمنى موته. وكم تعرَّض خليل أمام أصدقائه لضربات أبيه الموجعة، وكانت تلك التربية القاسية دافعًا لأن يتجه خليل إلى حياة البلطجة والجريمة.٣٣٢ ولأن والد رضا حمادة (المرايا) كان يريد أن يجعل من ابنه شابًّا مثاليًّا، فقد اشتد في معاملته، وحمَّله ما يطيق وما لا يطيق، وطالبه بالعلم والأخلاق والوطنية والتفوق، وراقبه مراقبة قاسية، فنشأ الشاب متطهرًا متقشفًا مجتهدًا مطَّلعًا طموحًا، لكنه افتقد دائمًا الحنان والعذوبة، ويومًا، أهانه أبوه أمام أصدقائه، فحاول أن ينتحر بشرب حامض الفنيك، مما غيَّر من أسلوب أبيه في تنشئته.٣٣٣
وكان والد مأمون (طيور الليل) يضربه بالبلغة، فإذا وقعت البلغة من يده في أثناء الضرب، انحنى مأمون المؤدب فناولها له ليكمل.٣٣٤ وكانت قسوة الأبوين (ريحان أغا) هي الدافع لانحراف ابنتهما الصغيرة ملك.٣٣٥ كذلك كان سوء تربية الأم (الهاربة) وتسلُّطها وتشددها في معاملة ابنتها، دافعًا لأن تفر الفتاة مع شاب وعدها بالزواج.٣٣٦ وكان الحاج حسن إبراهيم (أزهار) ساعيًا في مصلحة التنظيم، وكان متدينًا، متزمتًا، يتبع جماعة السنية الذين يطيلون لحاهم، ويرخون العذبة من عِممهم. ولما بلغت ابنته — أزهار — العاشرة من عمرها، أقعدها في البيت، ورفض أن تواصل تعليمها، وإن أذن لها أن تحفظ القرآن — في البيت طبعًا — وكان المصير نفسه ستلقاه أختها الصغرى فاطمة، لولا أن مات الأب، فأصبحت فاطمة من أولى الطبيبات المصريات، بينما تحوَّلت أزهار إلى مومس «فليرحم الله أبي، لقد جعل منا نسوة جاهلات عاجزات، لا نعرف شيئًا مما يجري في الدنيا.»٣٣٧ كما أفضى القهر الذي مارسه المعلم إبراهيم (الشبابيك المغلقة) على ابنتيه لواحظ وفكيهة، إلى طواف الفتاتين بغرف طلاب المتعة. لم تكن المادة هدفهما، وإنما كان الهدف هو إشباع احتياجاتهما الجنسية، في المقابل من رفض الأب مجرد فكرة تزويجهما، فهو يصر على أن يكون انتقال الفتاتين من بيته إلى القبر.٣٣٨ الأمر نفسه يطالعنا في اتجاه الشاب (شباب وغانيات) — نتيجة للتربية المتشددة — إلى دور اللهو، وازدياد تخلفه عن المدرسة، حتى كاد يفقد حياته تمامًا.٣٣٩
وقد لاحظ الراوي (المرايا) أن حرم الدكتور إبراهيم عقل لم تتردد في إعلان استنكارها لتدليل زوجها لابنيه.٣٤٠
والبكري، أو البكرية — أي أكبر الأبناء أو البنات — غالبًا ما يَفسد بالتدليل.٣٤١ والعكس — بالطبع — صحيح، فقد يتركز التدليل في أصغر الأبناء، أو آخر العنقود. ولعل هذا هو ما أفسد حسنين (بداية ونهاية). وكان رشدي عاكف (خان الخليلي) — على نحوٍ ما — ضحية أبويه، فهو لم يجد منهما الحزم الذي يرشده ويعصمه، فارتبكت خطواته، وتخبطت، ولولا دماثة خلقه، ورقة طبعه، لانحرف انحرافًا كاملًا.٣٤٢ أما علي الكيلاني (السراية) فقد كان يعتبر تأديب ابنه الأكبر فرضًا يجب ألا يتهاون فيه، فهو يختلق الأسباب إذا مضت فترة طويلة على «العلقة» السابقة حتى لا ينسى الولد طعم العصا.٣٤٣
والولد الوحيد بين إخوة بنات، أكثر عرضة للتدليل، والانحراف بالتالي، وقد أنجب قناوي (قناوي وولده) ولدًا وحيدًا على خمس بنات، لكن الولد سار في طريق الانحراف. يتركه الرجل على عربة الفاكهة، ويذهب في مشوار؛ يسرق الولد ما يبيع به، ويلعب القمار على أرصفة الناصرية، ويرسله الرجل إلى المعلمين ليدفع عربون الفاكهة، فيأخذ الولد الفلوس ويختفي يومًا أو يومين.٣٤٤
ويلخص الراوي (الثائر) مأساة حياته بأن البعبع كان أقوى منه وهو طفل، وأبوه أقوى منه وهو حي، والمدرس أقوى منه وهو شاب، ورئيسه أقوى منه وهو رجل.٣٤٥ أما جلال (أيوب) فيقول: «عندما يخرج الوليد إلى الدنيا، وتتسلَّمه أسرته، ثم تتكاتف على صبِّه في قالب جاهز من القيم والأذواق والتقاليد والعقائد، وهو يتشكَّل بلا قدرة على الإدراك أو النقد أو الاختيار … ثم تتلقَّاه المدرسة لتحكم حوله قالبًا جديدًا يهبه في النهاية عملًا ورؤية للدنيا والأشياء، وينضم إلى المدرسة في عملها المجتمع كله ممثلًا في أحزابه وجمعياته ونماذجه البارزة، الجميع طامعون في حريته، ولو فعلوا ذلك باسم الحرية نفسها.»٣٤٦

فحتى تمنع الأم طفلها من الحرية والانطلاق، فإنها تحرص على حشو أذنه بحكايات العفاريت والأشباح والأرواح والجان والقتلة واللصوص، وكما يقول الراوي (السراب) فقد «خلتني أسكن عالمًا حافلًا بالشياطين والإرهاب. كل ما به من كائناتٍ خليق بالحذر والخوف. ذاك عهد بعيد، ولكنه لا يزال حيًّا في صدري ودمي، وهو الذي جعل من الخوف جوهرًا أصيلًا في نفسي تدور حوله حياتي جميعًا.» أضافت الأم (السراب) إلى حنانها المسرف، تخويفًا للطفل من كل شيء، حتى تحتفظ به في حضنها، فنشأ وهو يخاف كل شيء، وشعور العجز لا يفارقه.

وكان فراق الأبوين (السراب) وخلافاتهما المتجددة، باعثًا مباشرًا في أن تفر راضية من بيت أبيها، وأرسلت خِطابًا قالت فيه إنها تعيش في بيت زوجها ببنها، وسألت أخاها — لا أباها — المغفرة عن سلوكها الذي اضطرت إليه اضطرارًا. وكانت الفتاة محقة — إلى حدٍّ كبير — فيما أقدمت عليه. فقد تقدَّم صابر أمين — الشاب الذي تزوجته — إلى أبيها لخطبتها، لكن الأب رفض بغلظة، وكان قد رفض قبله شابًّا آخر. وأدرك اليأس الفتاة، فكلا الشابين ناجح ومستقيم، ومن عائلة طيبة، فلم تجد سبيلًا إلا الهرب مع الشاب، وسافرت إلى أسرته؛ حيث كان المأذون في انتظارها.

وكانت التنشئة الخاطئة — إن جاز التعبير — هي الدرب الذي سار فيه الشاب (آخر الطريق)، فهو قد اكتشف خيانة أمه لأبيه، ويطرد الأب زوجته، ويتفرغ لرعاية ابنه، وتهيئة كل وسائل النجاح أمامه. وينجح الشاب في دراسته بالفعل، لكن التنشئة المضطربة تنعكس على حياته وتصرفاته؛ فتضفي عليها سلبية مقيتة، تدفعه إلى الارتماء في أحضان راقصة، تقضي عليه تمامًا، فيحاول قتلها، ليقضي زهرة أعوامه في السجن.

ويصف الفنان البيئة التي نشأ فيها عبد العال (تجربة) بأنها متعصبة فاسدة؛ فالأب يفرض سطوة قاسية على كل أفراد الأسرة. وانفلاتًا من تلك البيئة المتشددة مارس عبد العال الجنس مع أول امرأة أتاحت له التعرف إلى ذلك العالم المثير، وكانت زوجة أخيه. أما محجوب (كان طفلًا فصار شابًّا) فقد كانت مربيته هي التي قادته إلى دنيا الجنس.

وتقول الفتاة (من أعماق السجون): «كيف ننتظر أن أكون فتاة شريفة، وكل فرد من أفراد عائلتي، كان منحطًّا مستهترًا عابثًا بالأخلاق. كيف أعرف العفة وأبي كان يلقِّننا دروس الإثم برجوعه بعد مطلع الفجر إلى منزله. وأنا أبصر أمي تحتسي الخمر مع أصدقاء والدي في المنزل، وتمكث معهم تضحك وتلهو حتى منتصف الليل. وأنا أشاهد أختي تلاقي كل شاب مستهتر دنيء النفس وضيع الخلق دون أن يؤنبها أبي أو أمي على ذلك، أو يحُولان بينها وبين المُضي في هذا الطريق» (ونتذكر «الطريق المسدود» لإحسان عبد القدوس).

وكانت إحسان شحاتة (القاهرة الجديدة) ضحية لوالدَيها؛ تنبَّهت إلى حقائق حياتها المُرة، وخوافيها المحزنة، والواقع أن والديها لم يضمرا للأخلاق احترامًا قطُّ، وكانت شركتهما عشقًا قبل أن تصير زواجًا، وظل أبوها يرتزق في سوق النساء بجماله وصفاقته، حتى تزوجته أمها، ووهبته ما ادَّخرت من مال ليتاجر به، فبدَّد ما بدَّد على المخدرات والقمار، وظلَّت له دكان السجاير الصغيرة. وجدت إحسان في والدَيها عونًا للشيطان والسقوط. وحين رأت الشاب صديقها يجالس أباها — ذات يوم — في الدكان، أدركت أنه يساومه على عرضها، فثار غضبها، وشعرت بالخزي والعار، ثم قاطعت الشاب بقسوة لم تدع له أملًا. ولا شك أن إحسان حاولت أن تحافظ على حبها لعلي طه؛ فهي على الرغم من نشأتها الغريبة: أم من عوالم شارع محمد علي، وأب يساوم الشبان على عرضها، وضغوط مادية قاسية، فإنها ظلَّت صامدة للرياح حتى ألقت بها في الوحل. وتقول حميدة (زقاق المدق): «لا أب لي ولا أم، وليس لي في الدنيا سواه.» أي إن عدم وجود أبوين لها كان سببًا في سقوطها. وكانت كل الظروف مهيأة أمام سلوى (سلوى في مهب الريح) لتسلم خطواتها إلى طريق الغواية، تقودها في ذلك أم لا تكف عن التحريض، لكنها استطاعت أن تجاوز ظروفها الصعبة، وأن تظل حريصة على تماسكها. أما فايزة (الطريق المسدود) فقد كان حرصها الأخلاقي في أسرة لا تؤمن بالأخلاق، باعثًا لكل المتاعب التي واجهتها في الحياة. وإذا كان الفنان قد جعلها في ختام الرواية واحدة في طابور الحائرات، فإن الرواية تغادرنا — ونغادرها — دون أن تتنازل فايزة عن القيم التي كانت تؤمن بها.

وكانت مأساة الراوي (شمس الخريف) هي تحوُّل أمه عنه إلى رجل غريب، فهو يشعر بالغيرة والألم، ويفتقد الحنان، ويحاول تعويض ذلك بالإصرار على أن يصنع من نفسه شيئًا، وحين ينجب طفلًا فإنه يسهر عليه، ويحاول أن يجنِّبه المأساة التي عاشها هو، ويهبه من الحنان ما كان يفتقده في شبابه.

وعادة، فإن الأولاد — وبالذات في أول عهدهم بالمدرسة — يكرهونها، وعندما يدق جرس المدرسة، فإن الباب الضخم يُغلَق كأبواب السجون، والسور المرتفع حول المدرسة مرتفع ليمنع هروب التلاميذ، وقد تعلوه الأسلاك الشائكة! ويعيب الراوي (الوعي الجديد) على نظام التعليم أنه وأد الشعور بالحرية في نفوس التلاميذ «فمن أين له — الطالب — الحرية والاستقلال وقد نشأ بين جدران المدرسة المصرية، فلم تنم فيه — يومًا — الشخصية، بل ما انبثق منه شعاع لها.» ورغم أن وزارة المعارف كانت تحرم الضرب في المدارس، فإن المدرسين — حتى في المدارس الثانوية — كانوا يلجئون إلى العصي الخيزران وسنون المساطر، للضرب على أطراف الأصابع، وظهور الأيدي، وعلى الأرجل. وربما أقدموا على الرفس بالأرجل والشلاليت، وكبس الطرابيش، والضرب على القفا، وتركيع الركبتَين، مع رفع الذراعَين، وألوان أخرى من التعذيب. ليس ثمة إدراك حتى لظروف التلاميذ الاجتماعية، إنما هي سلسلة متصلة من العقاب الذي يرتكز إلى أهون الأسباب.

ويهبنا الفنان بانوراما متسعة الأبعاد للحياة في مدرسة مصرية، بدءًا بالمبني ذي الأسوار، والباب الضخم، وانتهاء بالفرَّاش الذي يمارس وظيفة السجان، مرورًا بالطرقات الضيقة، والفصول المزدحمة، والأوامر، والنواهي، والشخط، والنطر، والشتائم، والعقاب البدني. وبالطبع، فإن النتيجة الحتمية لذلك كله، هي ارتفاع نسبة الرسوب بين التلاميذ. أمنية معظم التلاميذ أن يستيقظوا من نومهم فيجدوا مدارسهم قد نُسفَت أو ابتُلعَت، المهم أن تختفي من الوجود. وبواعث كراهيتهم للمدرسة لا تقتصر على ما يحدث في داخلها فقط، وإنما يشارك في صنع الكراهية تصرفات الأهل، حين يدفعون الطالب للاستيقاظ من نومه بالقرص والعض أو الطرح أيضًا، ثم دفعه إلى المدرسة بالشتم والإيذاء البدني، والخروج إلى الشارع في ظروف مناخية سيئة — معظم أيام الدراسة تجري في الشتاء! وقد ظلَّت فترة الدراسة في ذاكرة يوسف أشبه بقيود السجن، وقسوته كذلك «فكان عهد التلمذة عهد رعب وإرهاب وعنت.» يقول: «ما أسعد حظكم يا تلاميذ اليوم، فإن لكم من مدرسيكم آباء رحماء يودون لكم الصحة والعافية، ويشفقون عليكم من الأذى. أما على أيامنا فكان الحال غير الحال، والمدرسون غير المدرسين. وإني لأذكر العنت الذي كان يصيبنا في نفس مدرستك خليل أغا، وما كانوا يلزموننا من حفظ البلدان والثغور والجزر والحاصلات. وكم من مرة مددنا على الأرض، وألهبت العصي القاسية ظهورنا وبطون أقدامنا، تلك أيام خلت … أما أيامكم!»

كانت العصا الخيزران هي وسيلة الشيخ في الكُتاب لتأديب التلاميذ، يلسعهم بها، وعند الإهمال الجسيم يمدِّد التلاميذ، ويأمر اثنين من الكبار بتثبيت رجليه بالفلقة، ثم يهري راحتَي قدميه الحافيتين بالعصا.

ومن المؤكد أن المدرس الشيخ (السراب) قد أسهم في تنشئة الآلاف ممن يؤمنون بالجان والعفاريت والمردة. فقد كانت طريقته المفضَّلة في إسكات التلاميذ وضبط النظام، أن يخيف التلاميذ بالعفريت الذي يسكن أرض الحجرة من قديم الزمان قائلًا إنه لا يحب الضوضاء. وكان إذا أفلت الزمام من يده يجلس القرفصاء، وينقر على أرض الغرفة، ثم يقول في خشوع ورهبة: عفوك يا سيدنا، إنهم لا يدركون شيئًا، لا تركبهم وسامحهم هذه المرة!

ويقول الراوي (أيام): «طوال أربعة أعوام في المدرسة الابتدائية، لا أذكر أنني رأيت أحد المدرسين إلا مكشر الوجه وكأنه يتحفز للانتقام من هذه الوجوه الصغيرة بصفعاته إذا أغضبه شيء.» وثمة صور لقسوة المعاملة في المدارس: طابور الصباح الذي يجري فيه التأكد من نظافة الحذاء والأظافر، ومن وجود الطربوش فوق رأس كل منا، ومعاقبة من يجرؤ على مخالفة لائحة النظام، ومدرس اللغة العربية الذي يهرس بمشبك غسيل لسان التلميذ الذي يهمل النطق الصحيح للثاء والذال والظاء، ومدرس اللغة الإنجليزية والحساب الذي تنزل عصاه كيفما اتفق على جسد التلميذ … إلخ.

وطبيعي أن تمتلك الحيرة الصبي بين تعنيف المدرس في المدرسة وبين وصايا الأبوين التي يحثَّانه كل صباح على اتباعها.

أما الضاحك الباكي فيعلل ضعف التربية الدينية بين المثقفين — أو المتعلمين — إلى المستر دنلوب، وأخطاء المستر دنلوب، حصة واحدة إضافية بالمدرسة الابتدائية، يلقنونه فيها بعض آيات القرآن كالببغاء، فهو يحفظ الآيات عن ظهر قلب، ولا يعلم منها شيئًا. حصة الديانة هذه تجيء في آخر النهار، وقد لعب الجوع بعقل الصغير وبطنه، وقد لعب الحر والعناء بأجفانه وذهنه. فإذا ما تخطى دراسة الطفولة، وانتقل إلى الدراسة الثانوية، حيث يشرع العقل في النضج، وحيث تشرع المدارك في الاستواء، كانت الكرة والجمباز أجدى على البدن من الدين على النفس. وإذن فهناك كرة وجمباز، ولا دين! فإذا ما انتقل للدراسة العالية، فالدين علم متأخر لا يتمشى والمنطق والقانون والاقتصاد، هو لا يرتفع إلى مستوى العلوم العصرية والدراسات الفقهية. فإذا ما تخرج الفتى لم يذكر من قرآنه، ودينه، وسنته، وروحانيته، غير خيالات كتَّاب القرية، وغير إيضاحات سيدنا الشيخ وستنا الشيخة. لكن أحمد عزت راجح يذهب إلى أننا غالبًا ما نلجأ — في غرس التربية الدينية — إلى التخويف، مع أن الدين في جوهره أمن وعزاء. وللتخويف تأثيره السيئ في نفس الطفل، وتكون النتيجة أمرًا من ثلاثة: التحدي، أو أداء الفروض الدينية على أنها فرض لا أكثر، أو الفصل بين هذه الفروض وبين معاملاتهم مع الآخرين.

يقين المصريين — على سبيل المثال — أنه لا يظفر بالسعادة من حُرِم رضاء الوالدين و«التربية الدينية تُدين من يسخر من آخر لعاهة فيه أو دمامة، باعتباره — على أي حال — من صنع الله القدير.»

وربما كانت معاملة الشيخ مدبولي (لقاء هناك) الذي تلقَّى عباس الصغير على يديه، في السنة الأولى الابتدائية، دروس الديانة، هي الباعث لأن ينفر عباس من مادة الدين، ثم يعانق الإلحاد فيما بعد. كان الرجل يمسك بأربع مساطر من حديد، فمن لم يحفظ الآية راح يضربه بحد المساطر على عظام ظاهر اليد.٣٤٧ ولما أزمع عباس أن يقلع عن أداء فروض الصلاة بحجة أنه غير مقتنع بها، فإن الشيخ سلطان لم يجد وسيلة لإقناعه إلا العصا، ثم كانت المفاجأة القاسية التي دفعت بالصبي في طريق رفض الإيمان الديني، فقد ضبط الشيخ وهو يقبِّل أحد التلاميذ.٣٤٨

وانطلاقًا من ذلك كله، جاءت دعوة طه حسين في كتابه «مستقبل الثقافة في مصر» بأن تكون شهادة إتمام الدراسة الثانوية مؤهلًا ضروريًّا للالتحاق بمدارس المعلمين الأولية، وأن تُضاف مادة أصول التربية التي تتصل بحياة الطفل وتنشئته إلى التعليم الجامعي.

تقول الجدة (أحاديث جدتي): «كنا يا ابنتي لا نعرف نظريات في التربية ولا قواعد، وإنما كنا ننقاد في تربية أبنائنا بفطرتنا، وكانت العصا عندنا أكبر دواء لكل أدواء الطفولة الخلقية والنفسية، فإن ألهمتنا الفطرة طريقًا غير العصا لنصل به إلى ما نريد من الطفل العنيد المتلف المثير للغيظ، كان ذلك من حسن حظ الطفل، ومن حسن حظنا، وإلا فإن العصا أقرب ملجأ وأيسره وأسرعه فائدة.»٣٤٩
ويقول جعفر الراوي (قلب الليل): «علاقة الأب بابنه علاقة غامضة، بالرغم من وضوحها السطحي؛ أحيانًا يتدفق منها الحنان، وأحيانًا تتجمَّد بالقسوة.»٣٥٠ ومع أن شوشة (السقا مات) كان أميًّا، فإنه يهبنا المثل للتربية السليمة؛ لم يكن يعامل ابنه سيد كما يعامِل آباء درب السماكين أبناءهم. لم يكن يسبه أو يضربه، لكنه يبيِّن له الصواب من الخطأ، ويشرح له ما خفي عنه، وينصحه، ويرشده، فإذا ما أخطأ لامه في رفق، فإذا كرر الخطأ زجره في شدة، فإذا لم يزدجر، أوقع عليه عقابًا نفسيًّا، كأن يخاصمه أو يحرمه من بعض المزايا.٣٥١
لذلك جاء قول الرجل (شمس الصباح البعيدة): «إن التربية ليست نصائح متكررة أو ضربًا.»٣٥٢ ويقول الراوي (عزف منفرد): «التربية ليست هي كل شيء، أسلوب التربية هو المهم.»٣٥٣

الأجيال

يتصل بذلك كله ظاهرة مهمة هي العلاقة بين الأجيال. إن المواطن المصري يسأل الآخر عن لقب عائلته، وليس عن لقب أسرته، لأن العائلة تمتد لعدة أجيال. أما الأسرة فهي — في العرف الشائع في الأقل — زوج وزوجة وأطفالهما. الظاهرة الواضحة منذ أيام الفراعنة — بما يكاد يشكِّل صورة متكررة، إن لم تكن ثابتة — هي تأكيد كل جيل أنه كان أفضل الأجيال من حيث الحفاظ على القيم والعادات والتقاليد، في المقابل من إدانة الجيل التالي، أو الأجيال التالية، لجيل الآباء والأجداد، وأن أفكاره وآراءه ومعطياته تحتاج إلى الكثير من المناقشة والتقويم. ذلك ما نجده — على سبيل المثال — في رواية إيفان تورجنيف «آباء وأبناء» التي تعني بتناول صراع الأجيال المتعاقبة. القديم يحرص على الموروثات، ويدافع عنها، والجديد يعلن تمرده على تلك الموروثات، ويحرص على أن يفرز معطياته الخاصة. ذلك ما نجده أيضًا في ثلاثية نجيب محفوظ، الجديد لا يرفض القديم علانية، لكنه يناقضه — بالطبع — في آرائه وتصرفاته. حرص أحمد عبد الجواد على إيثار السلامة، والاكتفاء بالأمنيات الطيبة تعبيرًا عن مساندته لثورة ١٩١٩م، يقابله إصرار من فهمي — أوسط أولاده — على المشاركة في أحداث الثورة إلى حد الاستشهاد في مظاهرات الاحتفال بالإفراج عن سعد زغلول. وكان رأي أحمد عبد الجواد أن يدخل كمال — أصغر الأبناء — مدرسة الحقوق، لكن الشاب أصر على رغبته في دخول مدرسة المعلمين، إشباعًا لميوله الثقافية، والأمثلة عديدة. واللافت أن ياسين لم يجد غضاضة أن يصحب زوجه إلى كشكش بيه، وكان مجرد خروج المرأة من بيتها — في يقين أبيه — جرمًا لا يغتفر. أما كمال فقد بدأت حياته الواعية برفض إيمانه اللاواعي بالحسين، بعد أن عرف — ويا لهول ما عرف! — أن الضريح ليس إلا رمزًا لشهيد كربلاء، ثم أدركه التحيُّر في حقيقة المعتقدات والأفكار والناس والأشياء، وأسلمه التحيُّر إلى الرفض الذي ينطوي على اليأس بأكثر مما ينطوي على الاقتناع.

إن كل جيل يستعيد أيام صباه وشبابه، ويتنهد،٣٥٤ يطلق تنهيدة التحسُّر بقوله: «كانت أيامًا، وكنا رجالًا.»٣٥٥ ويقول الرجل: «الواحد في شبابه كان لا يستطيع أن يرفع عينيه لأي جارة من الجيران وليس معاكستها، وإذا تحدث له واحد في سن والده فإنه يتحدث بكل أدب واحترام، لا يرفع صوته أمامه. لكي تطلب شيئًا من أحد يكفي أن تقول له: عن إذنك، لو سمحت، لو تتكرم، لكي يستجيب، أما اليوم فلكي يتحقق لك شيء لا بد أن تستخدم عضلاتك بالزق والضرب، الله يرحمك يا أيام زمان.»٣٥٦ وفي قصة محمود تيمور «خرفان» يتحسر العجوزان على الأيام الماضية «أيام السجايا الفاضلة، والأخلاق العالية، تلك الأيام التي كان فيها الناس كرماء أوفياء يعرفون الأقدار والمقامات.»٣٥٧ ويصِف أحدهم الجيل السابق بأنه «جيل الصلاة خير من النوم» بمعنى أنه جيل يحرص على صلاة الفجر، تأهبًا لما بعد الحياة الدنيا. وكان الراوي على ثقة من أن الدنيا ليست في حاجة إلى الرجل بعد أن يبلغ سن الأربعين. إنه يصبح — بعد هذه السن — عالة على الدنيا، عالة على التقدم الذي ينشده الإنسان، فهو يفكر بعقلية الماضي، ويتصور أن الدنيا قد وقفت نهائيًّا، وأن الطريق قد انتهى، ويريد أن تقف كل الأجيال التي تأتي بعده النقطة نفسها التي وقف عندها.٣٥٨ مع ذلك، فقد رفض العم حسن أن يعمل ولداه — مثله — في صيد السمك، حرص على تعليمهم القراءة والكتابة «علشان يتعلموا صنعة كويسة.»٣٥٩
جيل الآباء يرى — في الأغلب — أن الماضي كان أفضل من الحاضر، ويعيب الجيل السابق على الجيل الحالي أفعاله التي تؤكد أننا «في آخر زمن».٣٦٠ ويحرص الأب، أو الجد، على ترديد القول: «إحنا على أيامنا.»٣٦١ إن أيام زمان — في تقدير الأجيال السابقة — هي دائمًا «أيام المروءة والإخلاص وتواضع النفوس»،٣٦٢ والكلمة التي لا يفتأ يردِّدها جيل الآباء هي: «الله يرحم الناس بتوع زمان.»٣٦٣ أو «رحم الله أيام زمان»،٣٦٤ «أيام زمان، عندما كانت الدنيا بخير.»٣٦٥ وتقول الأم: «كم كانت قلوب الناس طيبة في تلك الأيام، وما أكثر من كانوا أولاد حلال.»٣٦٦ والمقارنة مطروحة دائمًا بين أسعار اليوم وأسعار الأمس، والأمثلة المتعددة على ارتفاعها الفاحش الآن، وانخفاضها العجيب فيما مضى.٣٦٧ وتقول زبيدة لكمال عبد الجواد: «أف من زمانكم أف، كانت فلوسنا من الذهب، وفلوسكم من الحديد والنحاس، وطربنا كان من لحم ودم، وطربكم راديو، وكان رجالنا من صلب آدم، ورجالكم من صلب حواء.»٣٦٨ وتقول المرأة (أوقات خادعة) «انتهى زمان عبودية الآباء لأبنائهم.»٣٦٩ ويؤكد ياسين المعنى بقوله: «نحن لا نحكم أبناءنا، إنهم يرون أنفسهم خيرًا منا وأذكى.» وعلى حد تعبير الفنان، ﻓ «كل واحد ينظر إلى أبيه شزرًا، وإلى جده في ازدراء.»٣٧٠ ويتحدث الراوي عن جيل الثلاثينيات، لقد ولى سلطان الآباء عليهم، بل انعكست الآية في بعض الأحوال فصار السلطان للبنين والبنات، والأمر والنهي لهم، وما على الآباء إلا السمع والطاعة، راضين أو مُكرَهين.٣٧١ وتقول سيدة لأخرى في الأوتوبيس: «إن الدنيا لم يعُد فيها ذوق زي زمان، عندما كان الرجال يقومون من مقاعدهم للسيدات، والجالس أمام المتحدثة ينظر إلى النافذة متظاهرًا بأنه لا يسمع شيئًا.»٣٧٢ لذلك فإنه كلما تقدم العمر بالإنسان سرح بخياله مع الأيام القديمة.٣٧٣ يقول أحمد عبد الجود لابنه كمال: الأيام الحقيقية كانت أيامنا! كانت يسرًا ورغدًا، وصحة وعافية، شهدنا سعد زغلول، وسمعنا سي عبده … ماذا في أيامكم؟

قال كمال: لكل زمان محاسنه ومعايبه.

قال أحمد عبد الجواد: كلام يقال ليس إلا.٣٧٤
ويقول العجوز: «المشكلة هي الهوة بين الأجيال، نحن جيل وهؤلاء جيل آخر.»٣٧٥ وحين يصر أحمد شوكت (السكرية) على الزواج، يقول خاله ياسين لأمه: «لن يفيدك الشجار شيئًا، نحن لا نحكم أبناءنا، إنهم يرون أنفسهم خيرًا منا وأذكى، إذا كان لا بد من الزواج فليتزوج، فإن سعد كان بها، وإلا فهو المسئول عن نفسه!»٣٧٦
وجيل الشيوخ له مقاهيه التي قلما يجلس فيها من غير كبار السن، يتحدثون عن الماضي ويعجبون لأحوال الأجيال الجديدة ولغلاء المعيشة.٣٧٧ شعورهم أنهم ليسوا من أهل هذا الزمن الحاضر، ليسوا من أبناء هذا الجيل الذي يزحف ويستولي على الدنيا «فهم يحتملوننا، ولا يبخلون علينا بالرعاية والترفق، وقد يحبوننا ويحترموننا، ولكنهم يشعروننا أننا انتهينا، وأننا محسوبون على الماضي، مضافون إلى آثاره.»٣٧٨ وفي تقدير الفنان أن الأجيال التي قاربت حافة الاندثار، تحاول التشبث بالأجيال اللاحقة، وتلوح لهم — أحيانًا — بالمغريات، وأحيانًا بما يخيف، حتى تجذب أنظارهم وتسمرهم عليها.٣٧٩
لكن الصورة — بالطبع — ليست ثابتة، وقد عاش عبد الجواد أفندي يقدس والده الشيخ عبد المقصود عبد الكريم، فهو يقبِّل يده بمناسبة وبلا مناسبة، ويحرص ألا يمسك السيجارة في يده أمامه.٣٨٠
وكان من لحظات السعادة في حياة أحمد عبد الجواد، عندما كان أحفاده يجلسون قبالته وحوله، يتتبَّع فيهم ملامح الأجداد والآباء والأمهات.٣٨١ ورثت عائشة من أبيها بشرته البيضاء المشربة بحمرة، وعينيه الزرقاوين، وورثت عن أمها أنفها الصغير، بينما تفردت بشعرها الذهبي الذي دلَّلها به قانون الوراثة وخصَّها به وحدها من ميراث جدها لأبيها.٣٨٢ أما ياسين فقد ورث الطبيعة الشهوانية لكل من أبيه وأمه «ولعل أمه، لو كانت رجلًا، لما قصرت عن أبيه في اللهج بالشراب، والطرب أيضًا.»٣٨٣ ويقول: «عرفت الآن من أكون، لست إلا ابن هذين الشهوانيَّين، وما كان لي أن أكون غير ما كنت.»٣٨٤ وتقول الست عين (عصر الحب) لوحيدها عزت، تدليلًا على رفضها زواجه من الفتاة التي أحبها: أتحب أن أروي لك نوادر أمها؟

– أمها لا تهمني البتة!

– إنها كامنة في أعماقها!٣٨٥
والوراثة هي نبض رواية السراب: كامل رؤبة لاظ ضحية الأب الذي أدمن الخمر، والأم التي أفرطت في الحنان، فأصابه الشذوذ، فضَّل العادة السرية، ولا يضاجع إلا نوعًا معينًا من النساء!٣٨٦

هوامش

(١) إنجي أفلاطون، نحن النساء المصريات، ٣٠.
(٢) بث بارون، النهضة النسائية في مصر، ت. لميس النقاش، المجلس الأعلى للثقافة، ١٢٢.
(٣) حاضر المصريين، ٣٤.
(٤) آثار باحثة البادية، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر.
(٥) من آثار مصطفى عبد الرازق، ٣٣٨.
(٦) أزهار، ١١٦.
(٧) شحاتة عبيد، البائنة، درس مؤلم، مكتبة الوفد.
(٨) الهلال، يناير ١٩٧٨م.
(٩) رمسيس عوض، صفحات مجهولة من مسرح توفيق الحكيم، دراسة مخطوطة.
(١٠) المرجع السابق.
(١١) عبد الحميد جودة السحار، الحفيد، مكتبة مصر، ١١.
(١٢) يحيى حقي، مولد بلا حمص، عنتر وجولييت.
(١٣) علي السيد محمود، الجواري في مجتمع القاهرة المملوكية، هيئة الكتاب.
(١٤) خالد محمد نعيم، صفية الإيطالية، العربي، يوليو ١٩٨٧م.
(١٥) فتحي رضوان، خط العتبة، دار المعارف، ٢٥.
(١٦) عبد الكريم السكري، ليست هي، مطبعة ملجأ أمير الصعيد، ٣.
(١٧) المصدر السابق، ٢٧.
(١٨) جاذبية صدقي، على رأس السلم، شيء حرام، الكتاب الذهبي.
(١٩) ليست هي، ١٩–٢١.
(٢٠) رسائل من مصر، ١٨٩.
(٢١) إقبال بركة، المرأة الجديدة، مكتبة الأسرة، ٢٠٠٣م، ٥٤.
(٢٢) مآذن دير مواس، ٤٠.
(٢٣) أحاديث جدتي، ٨٠–٨٢.
(٢٤) مذكراتي في نصف قرن، ١: ٥٠.
(٢٥) صلاح عيسى، حكايات من مصر، ١٥٩.
(٢٦) أحمد أمين، حياتي، ٢٨.
(٢٧) حسين عبد العليم، السبب، مهر الصبا الواقف هناك، هيئة الكتاب.
(٢٨) يوسف إدريس، تحويد العروسة، حادثة شرف، دار الآداب ببيروت.
(٢٩) عودة الروح، ٢: ٨.
(٣٠) السراب، ٢٠٦.
(٣١) يحيى حقي، الوسائط يا أفندم، الفراش الشاغر، هيئة الكتاب.
(٣٢) دولت، ٢٧٤.
(٣٣) المصدر السابق، ٣٨١.
(٣٤) المصدر السابق، ٣٩٠.
(٣٥) يحيى حقي، فلة مشمش لولو، الفراش الشاغر، هيئة الكتاب.
(٣٦) دولت، ٣٩٠.
(٣٧) بين القصرين، ٥٠.
(٣٨) عبد المنعم شميس، حرافيش القاهرة، ٩.
(٣٩) المرأة في عصر الديمقراطية، ١٠٥.
(٤٠) المرجع السابق، ١٠٦.
(٤١) ثروت أباظة، أمواج ولا شاطئ، الأعمال الكاملة، هيئة الكتاب.
(٤٢) محمود كامل، الجارية، لوحات وظلال، مؤسسة المطبوعات الحديثة.
(٤٣) ثم تشرق الشمس، ١٠٤.
(٤٤) محمود تيمور، سيدنا، الشيخ جمعة وقصص أخرى، المطبعة السلفية، ١٩٢٥م.
(٤٥) السكرية، ٢٧٢.
(٤٦) المصدر السابق، ٢٧٥.
(٤٧) بين القصرين، ٥٠.
(٤٨) أيام الإنسان السبعة، ١٠٧.
(٤٩) بين القصرين، ١٠.
(٥٠) المصدر السابق، ١٠-١١.
(٥١) عبد الوهاب داود، نصف الحقيقة الآخر، هيئة الكتاب، ٢٩٩.
(٥٢) عبد العزيز عمر ساسي، من الأعماق، جماعة نشر الثقافة بالإسكندرية، ١٩٣٣م.
(٥٣) يوسف الشاروني، حارس المرمى، الأعمال الكاملة، هيئة الكتاب.
(٥٤) الشوارع الخلفية، ١٣٣.
(٥٥) خان الخليلي، ٢٠٣.
(٥٦) سيد القرية، من الأعماق.
(٥٧) بين القصرين، ٤٩-٥٠.
(٥٨) المصدر السابق، ٣٨٧.
(٥٩) يحيى الطاهر عبد الله، المهر، الأعمال الكاملة، دار المستقبل العربي.
(٦٠) سعد حامد، البحث عن النسيان، روايات الهلال، ٩٠.
(٦١) محمود تيمور، زوجة وضرتان.
(٦٢) شجرة البؤس، الرواية.
(٦٣) علم الدين، ٣٤٥.
(٦٤) زكريا إبراهيم، الزواج والاستقرار النفسي، مكتبة مصر.
(٦٥) علي عبد الواحد وافي، تعدُّد الزوجات بين خصومه وأنصاره، حياتك، مايو ١٩٥٩م.
(٦٦) رضوى عاشور، سراج، روايات الهلال، ٣٨.
(٦٧) يوسف جوهر، سيد الموقف، شيء كان ممنوعًا، هيئة الكتاب.
(٦٨) مجيد طوبيا، حكاية ريم الجميلة، كتاب اليوم، ٣٢٧.
(٦٩) تحرير المرأة.
(٧٠) أليفة رفعت، أنا وأختي، في ليل الشتاء الطويل، مطبعة العاصمة.
(٧١) صفحات من سفر الحياة، من آثار مصطفى عبد الرازق.
(٧٢) العم أبو حسن يستقيل.
(٧٣) شجرة البؤس، ٥٤.
(٧٤) عبد الله الطوخي، داود الصغير، دار النشر المصرية.
(٧٥) عبد الكريم عبد العزيز، الزوجات العشر، مطابع رمسيس بالإسكندرية، ٢٠٠.
(٧٦) محمود إسماعيل مكي، ما ذنبها؟ أبريل ١٩٣١م.
(٧٧) تعدُّد الزوجات بين خصومه وأنصاره.
(٧٨) نحن لا نزرع الشوك، ٥٤٩.
(٧٩) محمد الشاذلي، مصرع الراوي، لمس الأكتاف، هيئة الكتاب.
(٨٠) شجرة البؤس، الرواية.
(٨١) الضباب، الرواية.
(٨٢) زقاق المدق، ١٦٧.
(٨٣) شيء في صدري، ٨٠.
(٨٤) نوال السعداوي، سقوط الإمام، دار المستقبل العربي، ١١٢.
(٨٥) من أجل ولدي، ٧.
(٨٦) هارب من الأيام، ٤٧.
(٨٧) السكرية، ٣٤٩.
(٨٨) القرية المتغيرة، ١٠٤.
(٨٩) نوال السعداوي: الغائب، ٩١.
(٩٠) من آثار مصطفى عبد الرازق، ١٠٣.
(٩١) المصدر السابق، ١٠٣.
(٩٢) تاريخ نشأة مهنة الخدمة الاجتماعية، ٥٥.
(٩٣) أمين يوسف غراب، عدالات، نساء الآخرين، كتب للجميع.
(٩٤) تاريخ نشأة مهنة الخدمة الاجتماعية، ٥٦.
(٩٥) في بيوت الناس، ٦٩.
(٩٦) الجنس اللطيف، ٥/ ١٢/ ١٩١٠م.
(٩٧) حياتي، ٧٩.
(٩٨) زينب، الرواية.
(٩٩) حكايات حارتنا، ٦٤.
(١٠٠) إني راحلة، الرواية.
(١٠١) طه حسين، المعذبون في الأرض، الكاتب المصري، مايو ١٩٤٧م.
(١٠٢) حكايات حارتنا، ٦٨.
(١٠٣) قصر الشوق، ٤٥.
(١٠٤) أزهار، ٢٨.
(١٠٥) قصر الشوق، ١٤١.
(١٠٦) محمود تيمور، الوطواط، أنا القاتل.
(١٠٧) بين القصرين، ١٢٤.
(١٠٨) نجيب محفوظ، يوم قتل الزعيم، مكتبة مصر، ٧٥.
(١٠٩) علي شلش، عزف منفرد، الأعمال الكاملة، هيئة الكتاب.
(١١٠) الباقي من الزمن ساعة، ١٦.
(١١١) محمود طاهر لاشين، صح، الأعمال الكاملة، هيئة الكتاب.
(١١٢) الثور، إدارة عموم الزير.
(١١٣) محمد حسين هيكل، لله في خلقه شئون، قصص مصرية، مكتبة النهضة المصرية.
(١١٤) أليفة رفعت، محصول القطن، من يكون الرجل؟، كتاب المواهب.
(١١٥) في بيوت الناس، ٤٠.
(١١٦) يوسف جوهر، دماء بريئة، الحياة قصص، كتاب اليوم.
(١١٧) إدريس علي، هل أنا السبب؟، واحد ضد الجميع.
(١١٨) الحب تحت المطر.
(١١٩) زقاق المدق، ٥١.
(١٢٠) عبد الوهاب داود، حنان الذئب، الأعمال الكاملة.
(١٢١) المصدر السابق.
(١٢٢) دماء بريئة، الحياة قصص.
(١٢٣) بنت الشاطئ، ذبول، الريف المصري.
(١٢٤) حسني سيد لبيب، دمعة على عصفور، أحدثكم عن نفسي، اتحاد الكُتاب العرب.
(١٢٥) سعد مكاوي، أعصاب، مجمع الشياطين، الكتاب الذهبي.
(١٢٦) إقبال بركة، بحيرة التمساح، الطبعة الثانية، ٨١.
(١٢٧) السراب، ٣٠٩.
(١٢٨) خان الخليلي، ١٠٦-١٠٧.
(١٢٩) نعيم عطية، الإغراء الأخير، دار المعارف، ٧٤.
(١٣٠) محمود تيمور، الرسالة، البارونة أم أحمد، دار المعارف.
(١٣١) عبد الحميد جودة السحار، فاجرة، كشك الموسيقى، مكتبة مصر.
(١٣٢) يوسف إدريس، صاحب مصر، لغة الآي آي، روز اليوسف.
(١٣٣) عزت محمد إبراهيم، حارة السقايين.
(١٣٤) نجيب محفوظ، نكث الأمومة، همس الجنون، مكتبة مصر.
(١٣٥) يوسف الشاروني، لمحات من حياة موجود عبد الموجود، الزحام، هيئة الكتاب.
(١٣٦) محمود طاهر لاشين، لون الخجل، الأعمال الكاملة، المجلس الأعلى للثقافة.
(١٣٧) ميرامار، الرواية.
(١٣٨) أعصاب.
(١٣٩) حسين مؤنس، عطش، إدارة عموم الزير، دار المعارف.
(١٤٠) إحسان عبد القدوس، البحث عن أمي، بنت السلطان، مكتبة مصر.
(١٤١) نجيب محفوظ، كيدهن، همس الجنون، مكتبة مصر.
(١٤٢) حلاوة ونار.
(١٤٣) سعد مكاوي، الولد الحليوة، الأعمال الكاملة.
(١٤٤) ثروت أباظة، ثم تشرق الشمس، ١١٤.
(١٤٥) محمود تيمور، الراية الحمراء، أنا القاتل.
(١٤٦) نجيب محفوظ، ثمن السعادة، همس الجنون، مكتبة مصر.
(١٤٧) فاجرة.
(١٤٨) حكايات حارتنا، ٢٥.
(١٤٩) نجيب محفوظ، الطريق، مكتبة مصر، ١٦٠.
(١٥٠) نبيل راغب، سوق الجواري، مكتبة مصر، ٣٨.
(١٥١) علي أحمد باكثير، ليلة النهر، مكتبة مصر، ١٧.
(١٥٢) يوسف جوهر، دماء بريئة، الحياة قصص، كتاب اليوم.
(١٥٣) لعله ينبغي التأكيد هنا على أن طهارة البنت تؤثر في تكوينها الجنسي، وتسِمها بالبرودة، فضلًا عن أنها، بالطريقة البدائية التي يتم الختان بها، تنفِّر البنت من الجنس، وتصوِّره لها كشيء مخيف.
(١٥٤) سحر توفيق، طعم الزيتون، المجلس الأعلى للثقافة، ٩٧.
(١٥٥) أمين يوسف غراب، امرأة بالسليقة، نساء الآخرين، كتب للجميع.
(١٥٦) أندريه مالرو، قدر الإنسان، ١٠٥.
(١٥٧) المصدر السابق، ١٠٥.
(١٥٨) بين القصرين، ١٠.
(١٥٩) محمود طاهر لاشين، صح، الأعمال الكاملة.
(١٦٠) السقا مات، ٣٦١.
(١٦١) كامل سعفان، الإدانة، مطبعة حسان، ١٠٢-١٠٣.
(١٦٢) سعيد سالم، بوابة مورو، ٣٦.
(١٦٣) القرية المتغيرة، ١٥١.
(١٦٤) سمير أحمد ندا، القتلة، والله زمان، هيئة الكتاب.
(١٦٥) بين القصرين، ١٣٢.
(١٦٦) محمود طاهر لاشين، بيت الطاعة، الأعمال الكاملة، المجلس الأعلى للثقافة.
(١٦٧) نحن لا نزرع الشوك، ٨١٤.
(١٦٨) أحمد أمين، حياتي.
(١٦٩) نحن لا نزرع الشوك، ٨١٤.
(١٧٠) المصدر السابق، ٦٩٥.
(١٧١) المصدر السابق، ٨١٤.
(١٧٢) المصدر السابق، الرواية.
(١٧٣) المصدر السابق ٧٠١؛ أيضًا: محمود طاهر لاشين، بيت الطاعة، الأعمال الكاملة، المجلس الأعلى للثقافة.
(١٧٤) نجيبة العسال، بيت الطاعة، الليلة الثانية بعد الألف، هيئة الكتاب.
(١٧٥) محمود طاهر لاشين، بيت الطاعة، الأعمال الكاملة.
(١٧٦) نحن النساء المصريات، ٢٢.
(١٧٧) تحرير المرأة، ١٥٠.
(١٧٨) سامية الساعاتي، علم اجتماع المرأة، ١٧٩.
(١٧٩) من آثار مصطفى عبد الرازق، ٣٢٠.
(١٨٠) الجنس اللطيف، ٥/ ٢/ ١٩١٠م.
(١٨١) عبد الرحمن الغمراوي، الضحية، المكتبة التجارية، ٧.
(١٨٢) عبد الغني محمود علي، انتصار العفاف في ميدان الحب، مطبعة مصر الحديثة بالعباسية.
(١٨٣) المصدر السابق.
(١٨٤) محمد أمين حسونة، الغمام، أوراق الورد.
(١٨٥) سيد القرية، من الأعماق.
(١٨٦) بين القصرين، ٤٦٤.
(١٨٧) صفحات من سفر الحياة، من آثار مصطفى عبد الرازق، ١٦٢.
(١٨٨) المصدر السابق.
(١٨٩) المصدر السابق.
(١٩٠) جاك جومييه، ثلاثية نجيب محفوظ، مكتبة مصر، ٥٣.
(١٩١) كوثر عبد السلام البحيري، مآذن دير مواس، مكتبة الآداب، ١٦.
(١٩٢) المصدر السابق، ٢٤.
(١٩٣) المؤثرات الأجنبية في الأدب العربي، ٥٩.
(١٩٤) يوسف جوهر، أمهات لم يلدن أبدًا، الأعمال الكاملة، هيئة الكتاب.
(١٩٥) لوحات وظلال، ١٨١.
(١٩٦) إبراهيم عبد القادر المازني، من النافذة، الطبعة الثالثة، ٨٣.
(١٩٧) طه وادي، الممكن والمستحيل، مكتبة مصر، ٧٣.
(١٩٨) سيد عويس، الخدمة الاجتماعية ودورها القيادي في مجتمعنا الاشتراكي المعاصر، دار المعارف، ٤٤٩.
(١٩٩) الهلال، يناير ١٩٧٧م.
(٢٠٠) محمد حسين هيكل، مذكرات الشباب، ٤٥.
(٢٠١) المصدر السابق، ٤٦.
(٢٠٢) عزة بدر، طريقة للتفاهم، أعناق الورد، مركز الحضارة العربية.
(٢٠٣) أمهات لم يلدن أبدًا.
(٢٠٤) دولت، ٤١٨.
(٢٠٥) بين القصرين، ٤٦٤.
(٢٠٦) المصدر السابق، ٤٧٠.
(٢٠٧) عبد العال الحمامصي، الفتى الذي جاء متأخرًا، للكتاكيت أجنحة، هيئة الكتاب.
(٢٠٨) جمهورية فرحات.
(٢٠٩) عبد الوهاب الأسواني، ثلاثة أصوات، مملكة المطارحات العائلية، هيئة الكتاب.
(٢١٠) شحاتة عزيز، الجبل الشرقي، هيئة الكتاب، ٣٩.
(٢١١) السكرية، ٣٢٠.
(٢١٢) عبد الكريم عبد العزيز، الزوجات العشر، مطابع رمسيس، ٥٩.
(٢١٣) بين القصرين، ١٢١.
(٢١٤) السكرية، ٣٢٠.
(٢١٥) الدرجة الرابعة، في زورق الحياة.
(٢١٦) العم أبو حسن يستقيل.
(٢١٧) يوسف جوهر، الطامع، الهلال، أغسطس ١٩٨٥م.
(٢١٨) طه وادي، الأفق البعيد، مكتبة مصر، ١٥٠.
(٢١٩) منى حلمي، الدائرة الذهبية، أجمل يوم اختلفنا فيه، مكتبة مدبولي.
(٢٢٠) محمود تيمور، محمد أفندي صلِّ على النبي، إحسان لله، مكتبة الآداب.
(٢٢١) أديب، ٨٦.
(٢٢٢) تلك الأيام، ١٩٥.
(٢٢٣) الدائرة الذهبية.
(٢٢٤) الهلال، يناير ١٩٧٧م.
(٢٢٥) عطر الأحباب، ٣٥.
(٢٢٦) ثروت أباظة، وجهات نظر، ذكريات بعيدة، دار القلم.
(٢٢٧) المصدر السابق.
(٢٢٨) محمد صدقي، أغنية للخريف، مجلة أكتوبر، العدد ٧٣٩.
(٢٢٩) أندريه شديد، النوم الخاطف، روايات الهلال، ١١٧.
(٢٣٠) السراب، ٣٣.
(٢٣١) محمود كامل، الشيخ مرسي يتزوج الأرض، لوحات وظلال، مؤسسة المطبوعات الحديثة.
(٢٣٢) محمود تيمور، الشيخ نعيم الإمام، الحاج شلبي وأقاصيص أخرى، لجنة التأليف والترجمة والنشر ١٩٣٠م، وقد أعيد نشر القصة باسم «شيخ الزاوية» في مجموعة «شباب وأغنيات».
(٢٣٣) محمد لطفي جمعة، في بيت الزوجية، في بيوت الناس.
(٢٣٤) يحيى حقي، عبد التواب أفندي السجان، الفراش الشاغر، هيئة الكتاب.
(٢٣٥) يوسف إدريس، شيخوخة بدون جنون، حادثة شرف، دار الآداب.
(٢٣٦) بين القصرين، ٧٢.
(٢٣٧) المصدر السابق، ٩٨.
(٢٣٨) محمد عبد الحليم عبد الله، زفاف إلى الجنة، حافة الجريمة، مكتبة مصر.
(٢٣٩) محمد عبد الحليم عبد الله، عزيز، ألوان من السعادة، مكتبة مصر.
(٢٤٠) يحيى حقي، تنوَّعت الأسباب، أم العواجز، الكتاب الذهبي.
(٢٤١) صلاح عبد السيد، اصحي يا عمتي، صراع، هيئة الكتاب.
(٢٤٢) سعد مكاوي، حكاية الحاج، الزمن الوغد، هيئة الكتاب.
(٢٤٣) نعيم عطية، الإغراء الأخير، دار المعارف، ٩٠.
(٢٤٤) محمد سالم، الوريث الشرعي، باب المجتمع، هيئة الكتاب.
(٢٤٥) القاهرة الجديدة، ٣٧.
(٢٤٦) محمود طاهر لاشين، ولكنها الحياة، يُحكى أن، المكتبة العربية.
(٢٤٧) يوسف الشاروني، الظفر واللحم، الأعمال الكاملة، هيئة الكتاب.
(٢٤٨) المصدر السابق.
(٢٤٩) ألوان من السعادة.
(٢٥٠) القاهرة الجديدة، ٦٤.
(٢٥١) أحمد شلبي، الوراثة والوصاية، الفكر الإسلامي، السنة السادسة، العدد الخامس.
(٢٥٢) أميرة الأزهري سنبل، النساء والأسرة وقوانين الطلاق في التاريخ الإسلامي، المجلس الأعلى للثقافة، ٢١.
(٢٥٣) المرجع السابق، ١٦.
(٢٥٤) محمد سالم، الوريث الشرعي، باب المجتمع، هيئة الكتاب.
(٢٥٥) عبد الوهاب الأسواني، أخبار الدراويش.
(٢٥٦) أليفة رفعت، عندما كان يفيض النيل، الثقافة، أبريل ١٩٨٢م.
(٢٥٧) الوريث الشرعي.
(٢٥٨) محمد حسين هيكل، ميراث، قصص مصرية، مكتبة النهضة المصرية.
(٢٥٩) يوسف جوهر، دماء بريئة، الحياة قصص، كتاب اليوم.
(٢٦٠) حسين مؤنس، فاطمة عبد النور، إدارة عموم الزير، دار المعارف.
(٢٦١) بين القصرين، ٣٨.
(٢٦٢) محمود كامل، يوميات محام مصري، ٣٩.
(٢٦٣) زقاق المدق، ١٧٣.
(٢٦٤) نجيب محفوظ، تحقيق، الجريمة، مكتبة مصر.
(٢٦٥) محمود البدوي، امرأة في الجانب الآخر، الأعمال الكاملة، هيئة الكتاب.
(٢٦٦) محمد عبد الحليم عبد الله، سكون العاصفة، ١٦٢.
(٢٦٧) نقولا يوسف، المرحوم، مواكب الناس، مطبعة دار نشر الثقافة بالإسكندرية.
(٢٦٨) أنا الشعب، ٢٢٧.
(٢٦٩) محمد فخري، تحرير المرأة والسفور، ١٣.
(٢٧٠) حسين فوزي، سندباد في رحلة الحياة، دار المعارف.
(٢٧١) نجيب محفوظ، السلطان، الشيطان يعظ، مكتبة مصر.
(٢٧٢) إبراهيم عبد القادر المازني، قصة حياة، الهدى للنشر والتوزيع.
(٢٧٣) قصص مصطفى محمود، لا أحد، روز اليوسف.
(٢٧٤) حسين البلتاجي، الكلام، الرقص فوق البركان، هيئة الكتاب ١٩٨٩م.
(٢٧٥) يحيى حقي، كأن، سارق الكحل، هيئة الكتاب.
(٢٧٦) محمود البدوي، السلسلة، عذراء ووحش، الكتاب الذهبي.
(٢٧٧) زقاق المدق، ١٠٣.
(٢٧٨) بين القصرين، ٣٤٣.
(٢٧٩) بداية ونهاية، ١٨.
(٢٨٠) المصدر السابق، ٣٠.
(٢٨١) شجرة اللبلاب، ٤.
(٢٨٢) المستنقع، ١٩.
(٢٨٣) السراب، ٤٣.
(٢٨٤) المصدر السابق، ٤٣.
(٢٨٥) المصدر السابق، ٥٧.
(٢٨٦) المصدر السابق، ٤٩.
(٢٨٧) أحمد عزت راجح، الأمراض النفسية مع إشارة إليها في المجتمع المصري، دار الشرق للطبع والنشر، ١٢٠-١٢١.
(٢٨٨) السراب، ٢٥.
(٢٨٩) المصدر السابق، ١٠٢.
(٢٩٠) المصدر السابق، ٧٦.
(٢٩١) المصدر السابق، ٥٨.
(٢٩٢) المصدر السابق، ١٥٢.
(٢٩٣) المصدر السابق، ١٥١.
(٢٩٤) المصدر السابق، ٤.
(٢٩٥) المصدر السابق، ١٠٩.
(٢٩٦) المصدر السابق، ٥٤-٥٥.
(٢٩٧) نجيب محفوظ، السراب.
(٢٩٨) نجيب محفوظ، السراب.
(٢٩٩) نجيب محفوظ، السراب.
(٣٠٠) المصدر السابق، ٢٣٠.
(٣٠١) المصدر السابق، ٢٣٠.
(٣٠٢) المصدر السابق، ٢٤٣.
(٣٠٣) المصدر السابق، ٨٥.
(٣٠٤) المصدر السابق، ٣١٤.
(٣٠٥) المصدر السابق، ٢٨٦.
(٣٠٦) السراب، ٣٠٦ (ولعل بطل السراب هو عدلي بركات، ذلك الذي كان يجاهر بعداوته لأبيه، وبقدر ما كان يحب مصاحبة الحسان، فإنه لم يكن يستجيب لهن، لم يكن يستجيب إلا للمومسات ذوات السِّحن الوحشية (نجيب محفوظ، عدلى بركات، المرايا، مكتبة مصر)).
(٣٠٧) بين القصرين، ٧٥.
(٣٠٨) المصدر السابق، ٣٧٥.
(٣٠٩) السكرية، ٧٢.
(٣١٠) المصدر السابق، ٢١٣.
(٣١١) قصر الشوق، ٣٥٣.
(٣١٢) بين القصرين، ١٤٧.
(٣١٣) المصدر السابق، ٣٥٨.
(٣١٤) المصدر السابق، ٣٢٧.
(٣١٥) المصدر السابق، ٣٢٧.
(٣١٦) قصر الشوق، ١٢٦.
(٣١٧) بين القصرين، ٩١.
(٣١٨) المصدر السابق، ٦٧.
(٣١٩) قصر الشوق، ٤١١-٤١٢.
(٣٢٠) المصدر السابق، ٤١٢.
(٣٢١) المرايا، ٣١٣-٣١٤.
(٣٢٢) مصطفى محمود، المستحيل، ٧-٨.
(٣٢٣) المصدر السابق، ١١.
(٣٢٤) المصدر السابق، ١٢.
(٣٢٥) المصدر السابق، ١٢.
(٣٢٦) لقاء هناك، ٩٢.
(٣٢٧) نفوس مضطربة، ٢٥-٢٦.
(٣٢٨) إني راحلة، الرواية.
(٣٢٩) خالتي صفية والدير، ٤٦.
(٣٣٠) محمود تيمور، طريق إلى الحب، شباب وغانيات، الشركة العربية بالقاهرة ١٩٥٨م.
(٣٣١) خالتي صفية والدير، ٥٨.
(٣٣٢) المرايا، ٩٤.
(٣٣٣) المصدر السابق، ١٠٩-١١٠.
(٣٣٤) سعد مكاوي، طيور الليل، الفجر يزور الحديقة، هيئة الكتاب.
(٣٣٥) جاذبية صدقي، ريحان أغا، مملكة الله، مطبعة الاستقامة.
(٣٣٦) عبد الحميد جودة السحار، الهاربة، خفقات قلب.
(٣٣٧) أزهار، ١٠٥.
(٣٣٨) عبد الحميد جودة السحار، الشبابيك المغلقة، صور وذكريات، مكتبة مصر.
(٣٣٩) شباب وغانيات.
(٣٤٠) المرايا، ٩.
(٣٤١) المستنقع، ١٧.
(٣٤٢) خان الخليلي، ١١٣.
(٣٤٣) سامي البنداري، السراية، هيئة الكتاب، ٥٧.
(٣٤٤) حكايات صبري موسى، قناوي وولده، هيئة الكتاب.
(٣٤٥) صلاح ذهني، الثائر، في الدرجة الثامنة.
(٣٤٦) نجيب محفوظ، أيوب، الشيطان يعظ، مكتبة مصر.
(٣٤٧) لقاء هناك، ٧٢.
(٣٤٨) المصدر السابق، ٤٣.
(٣٤٩) سهير القلماوي، أحاديث جدتي، ٣٢.
(٣٥٠) نجيب محفوظ، قلب الليل، مكتبة مصر، ٥٢.
(٣٥١) السقا مات، ٢٠.
(٣٥٢) عبد الله خيرت، شمس الصباح البعيدة، هيئة قصور الثقافة.
(٣٥٣) علي شلش، عزف منفرد، الأعمال الكاملة، هيئة الكتاب.
(٣٥٤) فخري لبيب، النمرة صح، كنز الدخان، هيئة قصور الثقافة.
(٣٥٥) السراب، ٧٥.
(٣٥٦) هشام قاسم، الكاراتيه والعجوز، النغم والزمن، هيئة قصور الثقافة.
(٣٥٧) محمود تيمور، خرفان، انتصار الحياة، دار المعارف، ١٩٦٤م.
(٣٥٨) إحسان عبد القدوس، سأترك بيتي، بنت السلطان، مكتبة مصر.
(٣٥٩) العم أبو حسن يستقيل.
(٣٦٠) نعمان عاشور، يا مبارك، ألوان من القصة المصرية، دار النديم.
(٣٦١) محمد صدقي، صورة من الذاكرة، زوجات الآخرين، هيئة الكتاب.
(٣٦٢) محمود تيمور، محمد أفندي صلِّ على النبي، إحسان لله، مكتبة الآداب.
(٣٦٣) محمد أبو المعاطي أبو النجا، حارس المقبرة، الأعمال الكاملة، هيئة الكتاب.
(٣٦٤) جاذبية صدقي، ريحان أغا، مملكة الله، مطبعة الاستقامة.
(٣٦٥) فتحي زكي، أزمة ثقة، هيئة الكتاب.
(٣٦٦) محمود دياب، أحزان مدينة، هيئة الكتاب، ٨.
(٣٦٧) يوسف السباعي، الأوسطى عبده والمستر تويدي، الوسواس الخناس، الكتاب الذهبي.
(٣٦٨) السكرية، ١٣٢.
(٣٦٩) ثروت أباظة، أوقات خادعة، شيء من الخوف وقصص أخرى، هيئة الكتاب.
(٣٧٠) قصص مصطفى محمود، اللي يكسب، روز اليوسف.
(٣٧١) من النافذة، ٢٨.
(٣٧٢) محمد سالم، ابن ناس، باب المجتمع، هيئة الكتاب.
(٣٧٣) نعيم عطية، قبيل الانصراف، لحظة لقاء، هيئة الكتاب.
(٣٧٤) السكرية، ٢٤٠.
(٣٧٥) نعيم عطية، العودة إلى البيت، نورسان أبيضان، هيئة الكتاب.
(٣٧٦) السكرية، ٣٢٠.
(٣٧٧) مجيد طوبيا، للذكرى، الأعمال الكاملة، هيئة الكتاب.
(٣٧٨) إبراهيم الكاتب، ١١٢.
(٣٧٩) قبيل الانصراف.
(٣٨٠) يا مبارك.
(٣٨١) قصر الشوق، ٣١.
(٣٨٢) بين القصرين، ٣٤.
(٣٨٣) المصدر السابق، ٣٤.
(٣٨٤) المصدر السابق، ٣٤٣.
(٣٨٥) عصر الحب، ٥٦.
(٣٨٦) السراب، الرواية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥