إسماعيل … مُفْترٍ أم مُفْترًى عليه؟

لعلي أعترف أني كنت مسرفًا — في الطبعة الأولى من هذا الكتاب — في إدانة إسماعيل. والرجل — في الحقيقة — لم يكن خطأ كله، كذلك فإنه لم يكن صوابًا كله. إنما هو بشر أخطأ وأصاب، ومن الواجب أن نناقش تجربته في ضوء من الموضوعية المنصِفة. والحق أن إدانتي لعهد إسماعيل كانت أشبه برد الفعل لنظرة الرافعي إلى أحداث الثورة العرابية، واتساقًا مع نظرة المصريين — في أعقاب قيام ثورة يوليو ١٩٥٢م — إلى تاريخ الأسرة المالكة، بدءًا بمحمد علي، إلى فاروق آخر أحفاده. ولعلِّي انسقتُ وراء تحمُّس السحار لعرابي من ناحية، ونقمته على الخديو إسماعيل من ناحية ثانية، فبالغتُ مثلما بالغ. إن ما قلته — على حد تعبير سيمون دي بوفوار — هو «ما اعتقدت أنه الصدق في حينه، وإذا كانت الاكتشافات اللاحقة قد أظهرت غير ذلك، فهذا لا يعني أنني كذبت.» وحين راجعت ما كتبت — أتاحت لي ذلك قراءة أعوام طويلة — وجدت أن الموضوعية تقتضي انتزاع الموضوعية من صخب الجهارة والاجتهادات المنفعلة.

كان يكفي إسماعيل — للتغلب على مشكلة الديون التي أورثها له سعيد — أن يحاول ضغط الإنفاق، لكنه زاد من الإنفاق بصورة لافتة، فتضاعفت الديون الخارجية، حتى خرجت إدارة المالية المصرية عن سيطرته تمامًا في ١٨٧٦م، وأصبحت في يد المراقبين الأجانب. لقد أعلن إسماعيل إصراره — غداة توليه منصبه — على السير طبقًا لقواعد الاقتصاد والتدبير، حتى يسدد لمصر ديونها الأجنبية، وركز في خُطبة جلوسه — للمرة الأولى — على أن «أساس كل إدارة جيدة إنما هو النظام والاقتصاد في المالية، فإني سأجعلهما نبراسي في كل أعمالي، وأعمل على توطيد أركانها بكل ما في وسعي.»١ لكنه ما لبث أن تخلى عن كل ما أعلن أنه يؤمن به، وعلى سبيل المثال، فقد بلغ ما أنفقه إسماعيل على حفلات افتتاح قناة السويس مليونًا ونصف المليون من الجنيهات، وكان ذلك المبلغ يساوي سدس ميزانية الحكومة المصرية سنة كاملة.٢ كانت احتفالات افتتاح قناة السويس — كما يقول روبير سوليه — مزيجًا غريبًا بين البذخ الشديد والفخامة غير المألوفة، وبين الفاقة التي لا تُصدَّق.٣ ويصف الرسام الفرنسي يوجين فرد منتان، واحدة من الحفلات التي أقامها إسماعيل لضيوفه على ضفة القناة: «لا مثيل لكرم الضيافة هذا في العصور الحديثة، أو في أوروبا: نحو ثمانية آلاف من الناس كانوا يتناولون طعامهم في الصحراء المكشوفة. أي سحر هذا الذي يقوم بخدمتهم، أو يعد لهم الطعام؟ نحن في ليالي ألف ليلة وليلة، في وسط الرمال. إننا نجلس على حُصر فوق الرمل، وتحيط الرمال بالخيام، وتصل إلى الفراش، إنه خليط من الإسراف في الترف والحرمان الذي لا يصدق.»٤ كان من السهل التعرف على مظاهر البؤس والفقر — بوضوح — خلف مشاهد الأبهة والترف. تصف لوسي دف جوردون مظاهر الحياة في الأقصر في عهد إسماعيل بأنها «كانت تموج بجموعٍ من الناس، وأسراب من الدواب. ثم انظر الآن إلى ما آلت إليه، إذا أصبحت بلقعًا لا زرع فيها ولا ضرع. لا أرى دابة واحدة حيث كان هناك خمسون، والحمير والإبل والخيل قد ذهبت جميعًا، ولم تمُت الماشية ذات القرون وحدها، بل لقد ماتت الكلاب إلا قليلًا، ونقص عدد الصقور وجوارح الطير؛ إذ لا يترك البشر بقية طعام تقتات به الطير والسوائم.»٥ وقد حرص الفنان (الخديوي وجميلة الجميلات) أن بعض المؤرخين يعطون الخديو إسماعيل أكثر من حقِّه في الحديث عن نهضة مصر المعاصرة. إن النهضة الإسماعيلية كانت من أجل الفرنسيين والبريطانيين والإيطاليين والأتراك، من أجل إعطاء صورة براقة لهم، ولم تتجه إلى أبناء الطبقات الفقيرة في المدن، أو القرى.٦

•••

يقول كروشلي إن محمد علي رحل عن العالم في ١٨٤٩م دون أن تكون مصر مدينة لأحدٍ بقرشٍ واحد.٧ حرص الرجل — طيلة فترة حكمه — على رفض كل العروض التي قدَّمها له روتشيلد وغيره من أصحاب رءوس الأموال الأوروبيين، على الرغم من احتياج محمد علي — آنذاك — لتمويلٍ يغطي به تكاليف حملاته على الشام، وقد بلغت قيمة أول القروض في عهد سعيد ثلاثة ملايين جنيه، فتحت الباب للقروض وأفواج المرابين والمقامرين والسماسرة، وشملت القروض حتى الخديو نفسه، والباشوات، والأعيان، وصغار الفلاحين.٨ وثمة روايات متباينة عن ميراث الدَّين من سعيد لإسماعيل، فرواية تقدِّر دين مصر عقب وفاة الخديو سعيد — ١٨٦٣م — بمبلغ ثلاثة ملايين و٢٩٣ ألف جنيه، وفي رواية ثانية أن سعيد باشا ترك على مصر دينًا عامًّا بلغ ١١١٦٠٠٠٠ جنيه، وهو مبلغ كبير بالقياس إلى متوسط إيرادات الحكومة في السنة خلال عهد سعيد، حيث بلغت أزيد كثيرًا من مليونَي جنيه مصري.٩ وفي تقريرٍ لباحثٍ إنجليزي أنه «من المحتمل أن تكون الأموال التي أعطاها سعيد إلى الفرير في القاهرة، وإلى الإيطاليين في الإسكندرية، أكثر من التي أنفقها على ميزانية التعليم طيلة حكمه.»١٠ وفي ١٨٧٦م — أي بعد وفاة سعيد بثلاث عشرة سنة — أصبح هذا الدَّين ٩٤ مليونًا و١١٠ آلاف جنيه، أي أنه زاد بمتوسط سبعة ملايين جنيه في السنة.١١ أما رواية كروشلي فتذهب إلى أن «إسماعيل» ورث عن سلفه سعيد ديونًا قدرها ١٨ مليونًا من الجنيهات، فضلًا عن الشرطَين البالغي الغرابة والقسوة في آن، واللذين تضمنهما امتياز شركة قناة السويس — وحاول إسماعيل، بالفعل، أن يتخلص منهما — توفير عمَّال السخرة في حفر القناة، وفي حفر الترعة التي تزود منطقة القناة بالمياه العذبة.
وكما يقول محمد أنيس، فقد كانت السخرة من سمات النظام الإقطاعي في مصر. كان من حق الدولة دائمًا في الإقطاع المصري، جمْع الفلاحين للعمل بالسخرة في المشروعات العامة، كبناء الجسور وحفر الترع. واستمرت تلك الظاهرة لفترة طويلة خلال القرن التاسع عشر، حتى إن حفر قناة السويس تم بواسطة السخرة.١٢

أما الشرط الثاني، فهو التنازل لشركة القناة عن الأراضي الملاصقة لقناة المياه العذبة، وتستخدم تلك القناة في ريها، وكان قرار التحكيم الذي أصدره الإمبراطور نابليون الثالث لتعويض الشركة عن هذين الشرطين هو إلغاءهما مقابل أربعة ملايين من الجنيهات. وقد تضاعف — في عهد إسماعيل — دخل مصر القومي، كما تضاعف — في الوقت نفسه — حجم الديون، التي بدَّد الخديو معظمها في الإنفاقات المظهرية، وهو ما سهَّل التدخل الاقتصادي الأجنبي إلى حد التهديد بإعلان إفلاس البلاد. وكان الحصول على الوظائف بالرشوة التي يتقاضاها الخديو شخصيًّا، وكانت الضرائب تشمل كلَّ شيء، وكل إنسان، حتى لقد أُنزِل نعش ميت من فوق أكتاف مشيِّعيه، ومنع دفنه قبل أن تدفع الضريبة المستحقة!

كانت مشكلة إسماعيل الأولى هي الاستدانة، ومع أن الصادرات المصرية زادت في العامَين الأولين من حكم إسماعيل بنسبة ثلاثة أمثال، فإن إسماعيل لجأ — حتى في هذين العامين — إلى الاستدانة؛ عقد قرضًا خارجيًّا بمبلغ ٥٫٧ ملايين جنيه في ١٨٦٤م، بزعم الحاجة إلى المال لمقاومة الطاعون البقري الذي كان سائدًا آنذاك، فضلًا عن سداد أقساط ديون الخديو سعيد، لكن مقاومة الطاعون البقري كانت حجة واهية لأن «الفلاحين والملاك هم الذين احتملوا وحدهم الخسائر الناشئة عن هذا الطاعون.»١٣ وتلا ذلك القرض قرض آخر — في السنة التالية — بمبلغ ٣٫٤ ملايين جنيه.١٤ وكان القرضان حلقتَين أوليين في سلسلة من القروض التي أنفقت — في مجموعها — على متطلبات شخصية ومظهريات، دون أن تُوجَّه في خدمة الأهداف التي تم الحصول على الديون لتحقيقها، ولم يكن الرجل يفرق بين ما يملكه وما تملكه الحكومة. من هنا فقد استدان، ووضع أموال الحكومة ضمانًا لتلك الديون. ويشير أحمد بهاء الدين إلى رسالة هنري إليوت سفير إنجلترا في إستانبول، يحرِّض فيها حكومة بلاده على إغراء إسماعيل بالاقتراض: «إن ما ناله الوالي من حرية مطلقة في شئون مصر الداخلية لا قيمة له إذا لم تُطلَق له حرية الاقتراض من الأسواق الأجنبية للحصول على الأموال التي يحتاج إليها في المشروعات النافعة لتنمية موارد بلاده العجيبة.»١٥ ثم أضحت الديون مأساة أنهت العهد الإسماعيلي؛ فقد أتاحت لبيوت المال الأجنبية، ثم للدول الأوروبية — وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا — فرصة التسلل إلى الاقتصاد المصري، والسيطرة عليه، وإخضاع مقدرات الدولة — تمامًا — للاستعمار الاقتصادي الذي ما لبث أن التحم به الاستعمار السياسي، فالعسكري. وللأسف، فقد كانت موارد مصر تكفي لأداء ما عليها من الالتزامات إذا أُحسِن إدارتها، كما ذكر المستر كيف في تقريره، «ولكن لما كانت كل الموارد التي يمكن الانتفاع بها مخصَّصة لأداء أرباح القروض الحاضرة، كان لا بد من تسوية جديدة تموِّل الدَّين السائر الفادح الحاضر إلى دين ثابت ذي فائدة معتدلة. إن في وسع مصر أن تحمل جميع ديونها الحاضرة متى كانت ذات فائدة معقولة، ولكن ليس في وسعها أن تمضي في اقتراض ديون سائرة جديدة بفائدة ٢٥٪ وعقد قروض بفائدة ١٢٪ أو ١٣٪ لأداء هذه الديون الجديدة.»١٦
يصف إلياس الأيوبي القرض الكبير الذي عقده الخديو إسماعيل بأنه «لم يرد، ولم يسمع عن مثيله في تواريخ قروض العالم كافة، بل ولا في تواريخ الربا والمرابين قاطبة، بل لم يُذكَر في تواريخ العالم كلها أن شعبًا وحكومته سُرِقا سرقة وقحة كهذه السرقة! وعليه، فإن هذه السنة — سنة ١٨٧٣م — التي حصل إسماعيل فيها على فرمان ٨ يونيو، فأصبح بمقتضاه، فيما عدا الجزية السنوية المفروضة عليه، ملكًا حقًّا، مستقلًّا تمام الاستقلال ببلاده، وحقق بالتالي كل أماني أيامه الماضية. هذه السنة التي كان يجب — والحالة هذه — أن يكون بدء ارتقاء سعده، وتاريخ بلوغ أوج مجده، وفاتحة سيره إلى عزٍّ أقدس، بلا قيدٍ يعرقل أعماله، ولا عقبة تسد السبيل في وجهه. هذه السنة عينها، أمست — بفضل القرض المشئوم الذي عقده وزيره إسماعيل صديق باشا، بواسطة أوبنهايم وشركائه الماليين اليهود — بدء اشتداد الصعوبات المالية حول مشاريعه ومصروفاته، وتاريخ بلوغه إلى مأزق ملكه الحرج.»١٧ يصف لاندز آل أوبنهايم بأنهم السحرة الحقيقيون للمالية المصرية، فلم توجد شركة غير شركتهم استطاعت أن تحافظ على مركزها الهام خلال فترة طويلة، وسط تقلبات راديكالية «وكأنهم كانوا يملكون مصباحًا سحريًّا.»١٨ يضيف الأيوبي أن «اليهود الذين أخذوا على أنفسهم تقديم القرض بضماناتٍ يدركون قيمتها الحقيقية، كانوا يقصدون السرقة «ولم يكن يشغلهم الأمر» ما داموا يستردُّون من الحكومة المصرية الملايين الخمسة التي أقرضوها إياها في العام الماضي بأرباحٍ هائلة، ويصرفون أيضًا بما يوازيه، وبسعرٍ جيدٍ، أوراقًا مالية مصرية لا يستطيعون مطلقًا تصريفها في أي سوق بذلك السعر، لم يكن يهمُّهم أن يُحرَق دم الشعب المصري، ولا أن تعرض أموال المكتتبين المزمعين في القرض إلى بعض الضياع.»١٩
كان البرلمان الإنجليزي في إجازة، عندما طرح إسماعيل أسهم مصر في قناة السويس، لكن دزرائيلي رئيس الوزراء اليهودي لم يعُقه ذلك عن شراء الأسهم؛ ليصحِّح الخطأ الذي وقعت فيه بلاده، بإهمالها شراء الأسهم. كان هَم دزرائيلي الأول فرض الحماية البريطانية على مصر، برغم معارضة بعض زملائه، وبالذات اللورد داربي الذي كان يخشى التورط في مغامراتٍ استعمارية جديدة.٢٠ وكتبت «التايمز» إن الصفقة تعطي إنجلترا الحقَّ في الاهتمام الوثيق بإدارة مالية مصر، ومصيرها الذي لا يمكن أن ينفصل عن الظلال المخيِّمة على الإمبراطورية العثمانية.٢١ ولم يكن ذلك سعي دزرائيلي الوحيد نحو تقييد الفريسة تمامًا، فقد أوفدت حكومته موظفًا كبيرًا هو «كيف» لدراسة أبعاد الحياة الاقتصادية المصرية، والنظر في مدى خطورة الوضع. وقضى الموظف الإنجليزي — فترة — يدرس، ويناقش، ويتحرَّى الحقائق، ثم بعث إلى حكومته تقريرًا موضوعيًّا يؤكد فيه أن مصر «تشكو مما ينتشر في الشرق من أمراض، منها الجهل والإسراف والاختلاس والإهمال والتبذير، وأنها تشكو من كثرة النفقات التي سبَّبتها محاولة إدخال مدنية الغرب، والتي تترتب على مشروعات لا تجدي نفعًا، وعلى مشروعات نافعة، لكنها تنطوي على الخطأ.» ثم أضاف الموظف الإنجليزي أن «مصر تستطيع أن تدفع ما عليها من الديون إذا أحسنت إدارة البلاد.» ولأن هذا التقرير كان يعني — ببساطة — تلاشي المزاعم حول الهاوية التي تردَّى فيها الاقتصاد المصري، فقد تعمَّد دزرائيلي حجب نشره، وأعلن في البرلمان الإنجليزي — متصعبًا! — أنه يمتنع عن نشر التقرير تلبية لرجاء شخصي من الخديو إسماعيل بألَّا يفعل ذلك! وكان تصرفًا ماكرًا بصرف النظر عن حقارته. وحقق ما ابتغاه دزرائيلي: احتضن الدائنون الذعر، هبطت قيمة الأسهم المصرية إلى المستوى الأدنى، وقال الخديو في أسًى: لقد احتفروا لي قبري، والحقيقة أن قبر الاستقلال المصري كان هو الذي احتفر!
أراد الخديو أن يجعل مصر قطعة من أوروبا، وتحوَّلت البلاد — بالفعل — إلى قطعة من أوروبا في مظهرها الحضاري: ميادين وشوارع وقصور ومنشآت ودار للكتب وأخرى للأوبرا ومسارح ونادٍ لسباق الخيل وحفلات باذخة وغزوات أعلى النيل ورشاوى باهظة للحصول على لقب «خديو» وقصْر الولاية على أكبر الأبناء، وقال إسماعيل للسير ريفرس ولسن: «لم تعُد بلادي في أفريقيا، نحن قطعة من أوروبا.»٢٢ ثم جاوز إسماعيل دعوته بأن تصبح مصر قطعة من أوروبا، فاعتبر أنها قطعة من الغرب جميعًا، وأن البحر المتوسط ليس إلا أداة وصل «ولم يكن غير ذلك في أي عصر من العصور، وقد محت مخترعات هذا العصر كلَّ حاجزٍ وحائل.»٢٣ وحين احتل الإنجليز مصر، فإنها لم تكن مجرد أرضٍ يسكنها شعب، وإنما كانت دولة متكاملة، بها سلطات تشريعية وتنفيذية، فضلًا عن الجيش المنظم والشرطة التي تحكم قبضتها على الأوضاع الداخلية في البلاد … لكن الواجهة كانت تخفي واقعًا متخلفًا، ظلَّت مصر في أفريقيا من حيث التخلف الزري، ومن حيث فقدان الاستقلال الاقتصادي، فضلًا عن توقع الاحتلال العسكري الذي بدا ماثلًا في الأفق. اكتفى الرجل بالمظهر المدني دون أن يتجاوز ذلك إلى البنية الهيكلية للمجتمع، وللدولة، وحسب قوله — تعبيرًا عن حبِّه للتشييد والعمران — «إن أغلب الناس يتيهون جنونًا بشيء ما، أما جنوني أنا فهو في الحجر والملاط.»٢٤ ثمة البلاط الفخم والقصور والحدائق والكازينوهات ودار الأوبرا والبرلمان الواجهة، بينما يغيب التعليم والديمقراطية الدستورية والتنمية الإنتاجية والرعاية الصحية والثقافية والاجتماعية، كانت المظهرية هي السِّمة الغالبة. «وأسرف إسماعيل، ودفعه حب الظهور إلى إنفاق الأموال المقنطرة في إكرام ضيوفه الأوروبيين وهداياه وحفلاته الراقصة وقصوره الباذخة. وعندما أراد إسماعيل تزويج أربعة من أبنائه في وقتٍ واحدٍ، امتدت الاحتفالات أربعة أسابيع.»٢٥
«كان سليم الطوية، في حين أن السياسة الأوروبية كانت تنصب له الحبائل بطريقة غير شريفة، وقد أعارته المال بأفحش أنواع الربا.»٢٦ ويقول النديم: «ما جدوى الأوبرا التي بناها — إسماعيل — وطريق الهرم الذي أمر برصفِه من بضعة شهور ابتغاء شهرة كاذبة، ومجدٍ مزيف، وسمعة أساسها الفجور والشهوات؟»٢٧ كان إسماعيل — في رأي البارون دي بلورسي — «كالباني الذي أراد أن يبني بيتًا يكلِّفه ما لا طاقة له به، فرهن الأرض، وتقدمت له الشركات الأوروبية بالمال، علمًا بأنها ستضع يدها على الملك يوم يعجز المدين عن سداد دينه.» وفي ١٨٧٦م كانت ديون الخديو لبنوك أوروبا قد بلغت ٩١٠٠٠٠٠٠ جنيه إنجليزي، وانتهت مصر كلها إلى أن تخضع للنفوذ الأوروبي، وبالتحديد للمراقبة الثنائية لإنجلترا وفرنسا، بحيث تضغط المصروفات، ويُحجَز من الإيرادات ما يوفر للدائنين حقوقهم كاملة.٢٨ وفي العام التالي بلغت ميزانية الحكومة المصرية ٩٥٤٣٠٠٠ جنيه، تقاضى الدائنون منها ٧٤٧٣٩٠٩، بحيث لم يعُد للالتزامات والمسئوليات الداخلية سوى ١٠٧٠٠٠٠ جنيه بعد دفع الجزية للسلطان.٢٩
وتشير الأهرام إلى أن تنازل إسماعيل عن العرش لولي عهده، جاء استجابة لإنذارٍ من الحكومتَين الفرنسية والبريطانية، وأن استجابة إسماعيل لذلك الإنذار سوف «تكفل لنفسه راتبًا كافيًا، وتضمن لعائلته حقَّ الوراثة.»٣٠

•••

فأين موضع الشعب المصري في تلك الصورة؟

لقد كان عدد المصريين — أيام الخديو إسماعيل — خمسة ملايين نسمة فقط، هذا ما ذكره ر. سي أوستل R. C. Ostle.٣١ وتقول مدام أولمب إدوار في كتابها «كشف الستار عن أسرار مصر»: «إنه — الخديو إسماعيل — لم يكن يهتم إلا بجمع الملايين، وكان يقتني الأطيان في كل ناحية قدر ما يستطاع، ويلجأ إلى السخرة لزرعها واستصلاحها، ويعقد القرض تِلوَ القرض لآجالٍ طويلة، تاركًا لمن يخلفه في الحكم أن يسدد ديونه، حتى كأنه يقصد أن يعقد مهمة الحكم لمن يأتي بعده.»٣٢ وإذا كان إسماعيل قد أصدر لوائح بإلغاء السخرة، فإن ذلك لم يجاوز الكلمات إلى التطبيق الفعلي؛ حدثت السخرة في حفر قناة السويس، وفي إنشاء السكك الحديدية، وفي الكشوف التي جرت بالسودان، وفي تعمير القاهرة، وفي محاولات إضفاء الملامح الأوروبية على المدن المصرية بعامة.٣٣ كما استبدل بالسخرة شعار مقاومة أخطار الفيضانات وغيرها، وحتى عام ١٨٧٩م كان قد تم حفر ٨٤٠٠ ميلٍ من الترع، ومدَّ حوالي ١٠٠٠ ميل من السكك الحديدية، و٤٥٠ جسرًا، و٦٤ مصنعًا للسكر، وقد دفع مئات الألوف من الفلاحين المصريين حياتهم ثمنًا لإنشاء قناة السويس، ودفع عشرات الألوف من الفلاحين المصريين ثمنًا لإنشاء خط السكة الحديد: الإسكندرية-القاهرة-السويس.٣٤ ففي ١٨٥٤م أنشئ خط سكة حديد يصل بين الإسكندرية والقاهرة، ثم أنشئ خط آخر في ١٨٥٨م يصل بين الإسكندرية والسويس، يصف إدوار ديسي مشهد سخرة بقوله: «مررت بجماعة من المسخرين، يعملون في رصف طريقٍ لا يبعد عن القاهرة بأكثر من نصف كيلومتر. رأيت رجالًا ونساءً وأطفالًا يعملون تحت إجبار السوط، وعلى كل عشرة من الشغالين كان هناك خولي يمسك عصًا ، يضربهم بها باستمرارٍ، وبدون انقطاعٍ، على الرغم من أنهم منهمكون في عملهم، وريس الأنفار يحمل سوطًا يلهب به ظهور رؤساء الأنفار، وكان المنظر نموذجًا مصغرًا للحياة الاجتماعية في مصر كلها، وأبشع ما في هذا النموذج أن الجميع كانوا ينظرون إليه على أنه مسألة طبيعية.»٣٥
وإذا كان مما يُحسَب لإسماعيل أنه أدخل مياه النيل إلى الإسكندرية بحفر ترعة المحمودية، فإن مما يُحسَب عليه أن عمليات الحفر جرت بأبشع صور السخرة، فقد حفرها الفلاحون المصريون بأيديهم وفئوسهم؛ لأنه لم تكن هناك آلات!٣٦ وبينما كانت الحدائق تزدهر، والتماثيل ترتفع إلى السماء، والشوارع الأنيقة تمتد، والسهرات الباهرة تزحم ليالي القصور، فإن الشوارع كانت تمتلئ بالعراة والمتسولين،٣٧ ويصف الفنان أحوال الفلاحين في العهد الإسماعيلي بأنهم هجروا الحقول هربًا من لذع السياط، فتخطَّفهم لصوص البدو، وارتمى الآخرون تحت أقدام المرابين ليستطيعوا دفع الضرائب المتراكمة، فاستولى المرابون — آخر الأمر — على ماشيتهم، ثم صاروا عبيدًا بلا مقابل في الأرض التي امتلكوها ذات يوم.٣٨ ثم لم يعُد المال هو القضية الوحيدة في حياة المصريين؛ ففي ١٨٧٧م انخفضت مياه النيل بصورة مروعة «وفي الصعيد جفَّت أشجار القطن وأعواد الذرة، وصوَّحت الحقول، وامتد الجفاف إلى كل شيء، إلى ضروع الماشية، ووجوه الصغار والكبار، وتحوَّلت الكلاب الضالة إلى ذئاب مفترسة، واختفت الطيور، واختفت قبلها ديدان الأرض، ولم تعُد الهجرة وسيلة للحياة، فقد كان الموت البطيء المريع في كل مكان.»٣٩ لقد ظل الفلاح — بمفرده — في مواجهة كوارث طبيعية وحكمية طيلة أعوام حياته على ضفتَي الوادي. ثمة الجراد والفئران والطيور وفيضان النهر وجدبه ورجال الإدارة وملاك الأراضي، وقد خرج جَد عبد القيوم من قرية «كارديس» فارًّا من أداء عشور الأرض التي كان يفلحها للمرة الرابعة في سنة واحدة، اكتفى الجَد بحمل حمارَين من الزاد، وقطعوا عشرات الكيلومترات إلى قرية «البراقنة» سيرًا على الأقدام، ليبدأ بها حياة جديدة، أثمرت — فيما بعد — أبناءً وأحفادًا.٤٠
وفي العهد الإسماعيلي، حُرِم الموظفون من قبض مرتباتهم ثمانية عشر شهرًا، ووافق البعض على أخذ مقابل مرتباتهم بأشياء عينية!٤١ وبالنسبة لمجلس شورى القوانين، فإنه لم يكن — في تقدير البعض — أكثر من واجهة غير حقيقية للديمقراطية؛ فهم يؤيدون أو يصمتون. لوسي دف جوردون تقول في رسالة لها: «أريدك أن تعلمي شيئًا واحدًا، وهو أنه ليس هناك عدلٌ في هذا البلد ولا قانون إلا إرادة رجل واحد وهواه.»٤٢ ومع أن الخديو إسماعيل أراد أن يجعل من مجلس شورى النواب واجهة مدنية، فإن المجلس قد جاوز الهدف الذي حدَّده له الخديو. بدأ الأعضاء — منذ اللحظة الأولى — يسألون ويناقشون ويعرضون الاقتراحات ويعترضون، وكانوا — بالفعل — نواة الحياة الديمقراطية في البلاد، لكن يعقوب صنوع — في إطار مهاجمته لكل ما أفرزه عهد إسماعيل — كتب العديد من الصور الكاريكاتورية الساخرة التي تنال من مجلس شورى القوانين، فأطلق على أعضائه أسماء رمزية ساخرة، مثل الشيخ عبد العال أبو جاموس عمدة ناحية بيت العجل، والشيخ محمد بلاص عمدة كوم الشقافة، والشيخ عمر أبو عيش نائب كفر الجعانين، وفلتس أفندي هلس عمدة تل جريس، ومنافق بك … إلخ. وأسرف صنوع في إظهار أعضاء المجلس في صورة التبعية المطلَقة للخديو، والسذاجة التي لا تعرف ألف باء الحياة السياسية.

وقد تصور بعض الشباب المثقف أنه بوسع مصر الأوروبية أن تصدر صحفًا تعبِّر عن حرية الرأي، واستطاع شابان أن يحصلا — بالفعل — على ترخيص بإصدار جريدة هي «نزهة الأفكار»، لكنها ما لبثت أن أغلِقت بعد عددها الثاني، كانت مصر الأوروبية واجهة فحسب!

لقد سخَّر إسماعيل ذكاءه وإقدامه ليحاكي عرشه عروش دول أوروبا، وجعل قصره أجمل من قصر لويس الرابع عشر، فتصبح مصر — في تقديره — قطعة من أوروبا، لكنه أثقل كاهل مصر وكواهل المصريين بما يستحيل احتماله. وبتعبيرٍ آخر، فإنه من الصعب إهمال اللمسات المدنية التي أضفاها إسماعيل على الحياة المصرية، لكن من الصعب — كذلك — إغفال التصرفات اللامبالية والمظهرية التي أغرقت مصر في وحل الديون، ويهبنا الفنان هذه اللوحة المؤثرة لتناقض المظهر المدني الذي يصنعه الحاكم، وشعارات الاستقلال والغد الأفضل، مقابلًا للواقع الذي كان الشباب يحيا في إساره: «طلبت الحكومة من الفلاحين والتجار والصناع أن يدفعوا مزيدًا من الضرائب، وأن يضحوا في هذه الأيام بكل شيء لأن مصلحة الدولة في خطر، ولم يكن لديهم شيء يُضحَّى به على الإطلاق، فمنذ سنوات طوال — عندما لم تكن مصلحة الدولة في خطر — وهم يحصلون على القوت بمعجزة، وأحيانًا لا تسعفهم المعجزة … ثم لم يعُد في مقدور دمائهم أن تنزف قطرة أخرى.»٤٣
واللافت أن الخديو أسرف في شراء الأطيان والعقارات لنفسه، وكان نظَّار أملاكه يحملون الفلاحين على بيع أراضيهم أو التنازل عنها، حتى أصبح إسماعيل مالكًا لخُمس الأراضي الزراعية. كذلك فقد أصبح بناء القصور هواية غريبة، أنفق فيها الملايين من الجنيهات، فبالإضافة إلى نحو ٣٠ قصرًا في القاهرة والأقاليم، اشترى قصر «ميركون» على ضفاف البوسفور ليتخذه مقرًّا له في زياراته للآستانة، وقام بتوسيعه وإعادة تأثيثه وزخرفته، دون تقيد بالمبالغ التي أنفقت عليه، فقد كان شاغله ألَّا يقل القصر في بهائه عن قصور سلاطين آل عثمان! وكانت مرتبات الأسرة الخديوية غير محددة ولا معلومة؛ لأن الخزانة كانت تحت تصرف الخديو مباشرة «يأخذ منها ما يشاء، ويهب منها لمن يشاء.»٤٤

•••

يقول الرجل (شجرة العواصف): «والخديو إسماعيل، هذا الذي اتُّهم بأنه سبب كل كوارث مصر: صندوق الدَّين، إفلاس الخزينة المصرية … كان عاشقًا للجمال وللحرية، يكفيه فخرًا أن بريطانيا لم تكن ترتاح له، وظلت تضغط على السلطان عبد الحميد حتى عزله في يونيو ١٨٧٩م، كانت تخطط منذ ذلك الحين لاحتلال مصر.»٤٥ أما محمد عودة فيذهب إلى أن إصلاحات إسماعيل لم تكن سطحية، لم تكن ديكورًا أو قشرة كما وصفها البعض. وحتى الآن، فإن بعض كُتابنا المحدَثين يرى في إسماعيل «أكبر ثائر قام في مصر في العصور الحديثة.»٤٦ من الصعب إذن أن نلخص عهد إسماعيل في قول أحمد بهاء الدين: «أسرف وبذَّر، وسرق ونهب، وقتل وزير ماليته، وترك البلاد بعد أن رهن مديرياتها وجماركها ومرافقها للمرابين الأجانب.»٤٧ ولعلِّي — شخصيًّا — أوافق على تسمية عصر إسماعيل بأنه عصر التجدُّد الاجتماعي. وبداية، فإن مما يحسب له إصراره على أن تكون «القناة لمصر، لا أن تكون مصر للقناة.»٤٨ كانت الدولة في عصر إسماعيل — والكلام للويس عوض — «منحازة إلى تحرير العبيد، وإلى تحرير المرأة، وإلى تحرير المواطن، سواء بممارسة الحياة النيابية، أو بتطبيق أرقى نظامٍ قانوني عُرِف يومئذٍ، وهو قانون نابليون.»٤٩ كان الهدف الذي سعى إليه إسماعيل هو أن يحيل مصر من بلدٍ أفريقي خامل ومستكين، إلى بلدٍ أوروبي حديث له برلمانه، ويرتدي أهله اللباس الغربي، ويمارسون العادات الغربية، بل لقد دفع المصريين إلى التزوج من الغربيَّات، كان عدد المدارس في بداية عهد إسماعيل ١٨٥ مدرسة، فأنشأ خلال أعوام حكمه — ١٦ سنة — ٤٨١٧ مدرسة.٥٠ وكان سلفه سعيد، الذي ادَّعى محبة المصريين، هو نفسه الذي قال ردًّا على اقتراح بإعادة افتتاح المدارس التي أغلقها عباس الأول: «لم نعلِّم الشعب؟ لكي يصبح الحكم عليه، والتصرف فيه، أعسر مما هما عليه؟ دعهم في جهلهم! فالأمة الجاهلة أسلس قيادًا في يدَي حاكمها.»٥١ ومن قبل سعيد كان عباس الأول، الذي وصفه واحدٌ من حاشيته بأنه: «يرى بسوطه، ويسمع بسوطه، ويشم بسوطه، ويلمس بسوطه، ويفكر بسوطه. تصور يا سيدي إنسانًا يترك السوط يفكر له، ثم تصور بلدًا يحكمه هذا الإنسان.»٥٢ وكان رأي عباس الأول أن «الشعب الجاهل أسلس قيادًا من الشعب المتعلم.»٥٣ وكان محمد أفندي بيومي (طريد المفروزة) كبير أساتذة الرياضيات في مدرسة المهندسخانة، واحدًا من العلماء الذين أبعدهم عباس إلى السودان، حتى يتخلص منهم، تأكيدًا لسياسته بعدم نشر التعليم، والتي أغلق في إطارها معظم المدارس.٥٤ وقد اعتزل عباس في قصره بالقرب من بنها، مع عددٍ من عبيده المخلصين له، وأحاط القصر بحديقة فيها حيوانات مفترسة. وكانت الشهور تمضي دون أن يأذن لأحدٍ، سواء من أبناء البلاد، أو من الأجانب الذين لم يخفِ كراهيته لهم، بمقابلته، وقد قُتِل مخنوقًا في قصره، وأوصى القنصل الأمريكي بنقله — دون الإعلان عن وفاته — إلى القلعة، ثم أعلن موت عباس، ورغم أن تكتُّم نبأ الوفاة كان يستهدف تولية إلهامي باشا، ابن عباس، بدلًا من أبيه، فإن الخوف من غضب الأسرة المالكة ظل قائمًا؛ لأن سعيد باشا هو أكبر أفراد الأسرة، ومن حقه الشرعي أن يصبح واليًا على مصر، وخلف سعيد — بالفعل — عباس الأول في ولاية مصر.٥٥
وقد ازدادت رقعة الأرض الصالحة للزراعة — في عهد إسماعيل — أكثر من مليون وربع مليون فدان في مدى ستة عشر عامًا هي فترة حكمه، بعد أن كانت شبه ثابتة في السنوات العشر السابقة على عهده. وأضاف إلى شبكة الري ما يزيد عن ٨٤٠٠ ميلٍ من الترع وقنوات الري الجديدة، وأضاف ٩١٠ أميالًا من السكك الحديدية، ربطت بين مدن الدلتا الأساسية، ووصلت إلى أسيوط والفيوم، وبنى ٤٣٠ جسرًا، ومدَّ ٥٢٠٠ ميلٍ من الخطوط التلغرافية، وعني بتحديث الإسكندرية وبورسعيد والسويس، وافتتح مدينة الإسماعيلية، وأصلح — ووسَّع — ميناء الإسكندرية، كما افتُتِح الكثير من الشوارع الجديدة بالمدينة، مثل إبراهيم باشا، والجمرك، وشُيِّدَت البنايات الحديثة، وأُنيرت الشوارع بغاز الاستصباح، ووصلت المياه النقية إلى البيوت، ومُدَّت مواسير الصرف الصحي، وأنشئ العديد من المدارس الحكومية، ومدارس الجاليات الأجنبية، وأضيف ١٥ فنارًا على البحرَين المتوسط والأحمر، ومُدَّت خطوط البرق جنوبًا حتى أسوان، وأعيد فتح مصانع الأسلحة والنسيج والطرابيش التي أنشأها محمد علي، وأغلقت في عهد عباس، وأُجريَت توسعات كبيرة في مصانع السكر، وارتفعت ميزانية التعليم من ٦٠٠٠ جنيه مصري إلى ٥٧٠٠٠ جنيه، وراجت الصحف والمطبوعات، وارتفع عدد الطلاب المصريين المبعوثين للتعلم في مدن أوروبا إلى أكثر من ٦٠٠ طالب.٥٦
كانت الشوارع ضيقة، تكفي — بالكاد — لمرور جملٍ واحدٍ يحمل حطبًا، وهو ما أوصى به علماء الأزهر لمَّا أراد محمد علي شقَّ طرقٍ عصرية، وعرض الأمر على العلماء، وطلب أن يقترحوا عرضَ كل شارع، واقترحوا الجمل بحمل الحطب عرضًا للمساحة التي اقترحوها، وكانت الكهرباء غائبة عن تلك الشوارع، فضلًا عن البيوت. أما المياه، فقد كان السقاءون ينقلونها إلى البيوت، وكانت القاهرة تعاني البرك والمستنقعات والأمراض، في حين أن غالبية الموتى كانوا يُدفَنون في بيوتهم، وفي المساجد والمدارس، وربما شيدوا مقابر وسط المدينة، وعهِد إسماعيل إلى المهندس الفرنسي جورج هاوسمان رئيس بلدية باريس أن يخطط القاهرة مثلما خطط العاصمة الفرنسية من قبل، كما عهِد إسماعيل إلى المهندس المصري علي مبارك بعمل الرسومات، ومباشرة تنفيذ المشروع. وكما يقول علي مبارك «كنت مشغولًا بالمصالح الأميرية، وتنفيذ الأغراض الخيرية ليلًا ونهارًا، حتى لا أرى وقتًا ألتفت فيه لأحوالي الخاصة بي، ولا أدخل بيتي إلا ليلًا، بل وكنت أفكر في الليل فيما يُفعل بالنهار.» وأعاد المهندسان تخطيط القاهرة من مناطق ثلاث، أو مرتكزات ثلاثة، هي حدائق الأزبكية، قصر عابدين، ميدان السيدة زينب، وتحوَّل عمران القاهرة إلى الغرب، وأنشئ بينها وبين النيل حي جديد هو حي الإسماعيلية، وتجاوزت حدودها ضفة النيل الشرقية إلى الجيزة والجزيرة، وحرص التحديث على أن تحتفظ القاهرة القديمة بملامحها الإسلامية، وتضم الدرب الأحمر ومصر القديمة والسيدة زينب والقلعة والمقطم وبولاق، وشملت التغييرات في ملامح القاهرة تخطيط مناطق جديدة خارج حدود المدينة القديمة، وشق شبكة من الشوارع الواسعة، على جانبَيها الأشجار، وتحفُّ بها البواكي المسقوفة على غرار بوليفار ريفولي بباريس، وإزالة التلال والخرائب، وإقامة حدائق ومساحات سكنية بدلًا منها، وردم البرك والمستنقعات، وإدخال مياه الشرب النقية، وتنفيذ مشروع للمجاري، وإنشاء الكباري التي تربط القاهرة بالجيزة، ونقل المدافن إلى خارج المدينة، بحيث تتحوَّل مساحاتها إلى حدائق وميادين وأحياء سكنية، وإقامة الفنادق حول مربع الأزبكية، مثل شبرد والفندق الشرقي الكبير وغيرهما، وإنشاء الشوارع والميادين الفسيحة والحدائق العامة، وتزيين الميادين، وإنشاء مباني الخدمات كدار الكتب والأوبرا — كما أشرنا — ومحطات السكك الحديدية والمحاكم والجمعيات العلمية وغيرها، واتسعت القاهرة، وامتدت إلى ما وراء الأسوار التي كانت تحيط بها منذ العصور الوسطى، ويقول علي مبارك: «فمن يدخل القاهرة الآن، وكان قد دخلها من قبل، أو قرأ وصفها في كتب مَن وصفوها في الأزمان السالفة، فلا يرى أثرًا لما ثبت في علمه، ويرى أن التغيير كما حصل في الأوضاع والمباني وهيئاتها، حصل في أصناف المتاجر، وفي المعاملات والعوائد، وغيرها من أحوال الناس.» وثمة رأي ينفي النزعة الأوروبية عن إسماعيل، أما قوله بأن مصر قطعة من أوروبا، فمعناه أنها يجب أن تفيد من المدنية الأوروبية في مجالات التقدم المختلفة، دون أن تفقد هويتها الإسلامية والشرقية.٥٧ وكان يؤمن — في الوقت نفسه — بأن مصر قطعة من أفريقيا، وأنها النافذة الشمالية للقارة السوداء على العالم المتمدين.٥٨ من هنا، كان حرص إسماعيل على فتوحاته الأفريقية التي لم تقتصر على البُعد العسكري، وإنما تزامن معها عمليات واسعة للبناء والتشييد والتحديث، حتى لقد أكد السير صمويل بيكر أن السائح الأوروبي يمكنه أن يجوب تلك الأصقاع البعيدة، دون أن يخشى على نفسه أكثر مما يخشاه مَن يتنزَّه بعد غروب الشمس في حديقة هايد بارك.٥٩ ومما يُحسَب لإسماعيل تلك الحملات التي أرسلها لتستولي على شاطئ البحر الأحمر، وعلى إمارة هرر، ومهدت السبيل للكشف العلمي عن الأجزاء التي كانت مجهولة في أواسط أفريقيا إلى منابع النيل.٦٠ ولعل من أهم الإيجابيات التي اتَّسم بها عهد إسماعيل، تحوُّل مصر إلى ملاذٍ آمن ورأي للعشرات من المثقفين العرب الفارِّين من العسف العثماني، بل إن إسماعيل جعل من الحرب بين تركيا وروسيا بداية التحرك الفعلي للفكاك من إسار التزاماته للدولة العثمانية. كانت الحرب تفرض على المصريين التزاماتٍ باهظة في العتاد والأموال والمقاتلين، وفي محاولة من إسماعيل للتهرب من أداء هذه الالتزامات، استصدر موافقة من مجلس شورى القوانين بالامتناع — لظروف العجز المالي — عن أداء أي التزام. ثم زاد إسماعيل، فسمح لبعض الصحف المصرية أن تشير إلى نواحي السقم في بِنية الرجل المريض، ليمهِّد الرأي العام المصري لفكرة استقلال البلاد عن الدولة العثمانية من ناحية، وليهيئ الرأي العام الأوروبي — من ناحية أخرى — لقبول هذه الفكرة أيضًا. ولأن اللحظة الحضارية واحدة، متشابكة، متصلة، فقد افتتح مئات المدارس، وأنشأ دار العلوم لتخريج أساتذة اللغة العربية والآداب، وأعلن اللغة العربية (١٨٧٣م) بوصفها اللغة الرسمية للبلاد، بدلًا من اللغة التركية، وأدخل قانون نابليون بوصفه القانون الرسمي في مصر، وأنشأ دار الكتب، ودار الأوبرا، وشجع على تأليف جمعية المعارف — ١٨٦٨م — التي تألفت لنشر الثقافة بواسطة التأليف والطباعة والنشر والجمعية الجغرافية الخديوية، ومسرح الكوميدي بالأزبكية، ومسرحَي زيزينيا والفيري بالإسكندرية، وحقق فن الموسيقى والغناء تفوقًا ملحوظًا، وكان أبرز نجوم تلك الفترة عبده الحامولي ومحمد عثمان في الرجال، وألمظ والوردانية في النساء، وكانوا يغنون في قصور الأمراء والنظَّار والأعيان، وكانت معظم أغنياتهم من قصائد شعر الأندلس والعباسيين، بالإضافة إلى بعض الأدوار والمواليا التي تناسب روح العصر.٦١ بل إن محمد رشيد رضا قد وجد في استدانات إسماعيل المسرِفة من الدول الأوروبية، وعدم وفائه بتلك الديون، محاولة لانتزاع استقلال مصر من دولة الخلافة «كان يريد أن يكون ذلك العجز معروفًا عند الدول ذات النفوذ، ويحب أن تتداخل أيضًا في تحديد وجوه الوفاء وطرق التسديد، ظنًّا منه بأنه متى ثبت عجز المالية المصرية عن أداء الدَّين، ولم يبقَ من وجوه الوفاء ما يكفي له، أعلنت الدول قطعَ مرتب الآستانة، ونادت به ملكًا مستقلًّا على مصر لا يؤدي خراجًا إلى سلطان آخر!»٦٢
لقد كان همُّ تركيا الوحيد أن تنتقص مزايا الاستقلال الذي نالته مصر في عهد محمد علي، ثم في عهد إسماعيل، واسترداد هذه المزايا، والتدخل في شئون مصر الداخلية. وقد أراد إسماعيل أن ينسب مصر إلى أوروبا، وليس إلى أفريقيا ولا إلى تركيا «حتى تحكم الأصفاد، وتطرح عن عنقها نِير الاستعباد.»٦٣ وكان مجلس شورى القوانين أول مجلس نيابي برلماني في تاريخ الشرق، الأمر الذي دعم التيار الوطني بين صفوف الجيش والرأسمالية الوطنية، وبعد عشرة أسابيع فقط من طرد إسماعيل للوزارة الأوروبية، وتشكيل وزارة مصرية برئاسة شريف باشا، بهدف تطبيق مشروع جديد للإصلاح الاقتصادي بدلًا من المشروع الذي كانت قد أعدَّته لجنة التحقيق، كانت مساعي الحكومتَين البريطانية والفرنسية لدى الباب العالي قد أثمرت، فتم عزل إسماعيل في ٢٦ يونيو ١٨٧٩م، وتهيَّأت الظروف أمام الثورة العرابية في ١٨٨١م، لتتكرر — بعد قيامها — قصة الذئب والحمل، وتدخُل قوات الاحتلال البريطاني مصر في العام التالي.

ويؤكد محمد عودة أن إسماعيل قاوم «من البداية إلى النهاية، وتراجع أحيانًا، وتخاذل أحيانًا، وظل وطنيًّا مصريًّا حتى دفع في النهاية عرشه ثمنًا لإصراره وثباته.»

•••

ثمة من يرجع الإيجابيات التي تحققت في العهد الإسماعيلي إلى الشعب المصري، إنه هو الذي أكره إسماعيل — في ظل ظروف معينة — على «أن يحوِّل مشروعاته الديمقراطية من مجرد لعبة سياسية إلى عملٍ نيابي.»٦٤ كان إسماعيل أميل إلى المظهرية، ولم يكن يشغله من الحياة النيابية إلا لأنها صورة من الحياة الأوروبية التي لم يخفِ افتتانه بها، فحاول من ثَم أن يستورد الشكل المدني الأوروبي، وإن حرص على أن يفرغه من محتواه الديمقراطي. وقد احتاج المظهر المدني — بالطبع — إلى نفقات هائلة، أفلست الخزانة نتيجة لها «ولو كانت جهود إسماعيل تبغي حقيقة بناء مصر لما وصل إلى النتيجة التي وصل إليها، والتي أدَّت إلى إفلاس مصر في نهاية عهده، وأدَّت إلى خروجه من مصر بعد أن فقد كل شيء.»٦٥ كانت الواجهة المدنية الأوروبية: الأبنية الضخمة، القصور، الحدائق، الكازينوهات، دار الأوبرا، تماثيل الميادين … كانت تلك الواجهة هي الشاغل الحقيقي لإسماعيل، حتى الإمبراطورية التي كان يعد لإقامتها كانت تستند إلى تلك النوازع الشخصية في السيطرة. وتتوضح لنا أهمية سيطرة الحاكم على مياه الري، في رفض الخديو إسماعيل لإنشاء شركة زراعية تُحِل الآلة البخارية محل الإنسان والحيوان، وتتولى تأجير المضخات للملاك، وكان رفض إسماعيل كما يقول لاندز «خشية أن تعتدي الشركة بنشاطها على أثمن ضمان في يد أي حاكم لمصر منذ ستة آلاف عام: السيطرة على مياه الري. ولقد بنى إسماعيل — مقتفيًا تقاليد سلفه — ثروته الضخمة — إلى حدٍّ كبير — بالتحكم في مياه الري، وهو لا يستطيع اليوم أن يسمح للوكوفيتش أن يقيم آلاته على ترع مصر وأنهارها، وأن يؤسس بينه وبين الفلاحين حقوقًا ملزمة بكل قوة ونفوذ للدول الأوروبية، والأكثر من ذلك — وإن كان أقل أهمية — أن إسماعيل كانت لديه خططه الخاصة باستيراد المضخات البخارية وبيعها لزرَّاع القطن، وعندما واجه القنصل الفرنسي إسماعيل بهذه الحقيقة، كتفسيرٍ لعداء الخديو للوكوفيتش، أنكر إسماعيل هذا بقوة. ومن المحتمل أن الفكرة لم تكن قد اختمرت تمامًا في ذهنه بعدُ، ولكن الحقيقة تظل — بعد كل ذلك — أن إسماعيل — بعد وباء الماشية — أصبح أكبر مستورد للآلات البخارية في مصر، وأنه باع معظمها لكبار الملاك وأغنياء الفلاحين.»٦٦ ويقول مارلو: «كان هناك ميلٌ متزايدٌ لدى دائني مصر إلى الاعتقاد بأن شيئًا ما يتعيَّن عمله لضمان السيطرة على تصرفات الخديو، وحاول إسماعيل أن يستخدم في المعركة الدائرة بينه وبين الدائنين كلَّ وسيلة كان بإمكانه استخدامها، مهما كانت المحاولة يائسة، كالاعتماد — مثلًا — على أن الحكومة البريطانية قد لا تهمها مصلحة الدائنين بقدر ما تهمها مصلحتها الاستراتيجية في مصر باعتبارها واقعة على طريق إنجلترا إلى الهند، أو مسايرته وانصياعه لرغبات الحكومة البريطانية فيما يتعلق بمصالحها في البحر الأحمر وأفريقيا الوسطى، أو محاولته الحصول على مساعدة بعض الشخصيات الأوروبية البارزة التي كانت تبدي تعاطفًا معه، بل وحاول أن يستغل عاطفة الوطنية المصرية الوليدة والشعور الديني لإثارة غضب المصريين على طريقة الأوروبيين في ابتزازه، ولكن اضطر إسماعيل للخضوع التام، والاستسلام في النهاية، كما حدث بالضبط في قبوله لتسوية جوشن وجوبير، نتيجة لاتفاق الحكومتَين البريطانية والفرنسية على اتخاذ مسلك واحد إزاءه.»٦٧ ولعله يجدر بنا أن نشير إلى ما أوردته بعثة كِيف في تقريرها من أن «المعلومات التي انتهت إلينا، أن في وسع مصر أن تتحمَّل مجموع ديونها الحاضرة بفائدة معقولة، إلا أنها لا تستطيع أن تستمر في تجديد ديونها العائمة بفائدة ٢٥٪، ولا أن تعقد قروضًا جديدة بفائدة ١٢ أو ١٣٪ لإيفاء الزيادة في ديونها، مما لا يعود على خزينة الدولة بقرشٍ واحدٍ من الربح.»٦٨

هوامش

(١) تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل، ١: ٢٣.
(٢) الخطط التوفيقية، ١٨–١٣٨.
(٣) مصر ولع فرنسي، ١٩١.
(٤) أكتوبر، العدد ٢٨١.
(٥) رسائل من مصر لسياسي إنكليزي كبير في سنة ١٩٠٥م، ٨٧.
(٦) محمد الصاوي، الخديوي وجميلة الجميلات، دار الوفاء، ١٣٥.
(٧) الهلال، فبراير ١٩٨٧م.
(٨) محمد عودة، ميلاد ثورة، روز اليوسف، ١٠٢.
(٩) تاريخ مصر الاقتصادي في القرن التاسع عشر، ٢٦٥.
(١٠) مصر ولع فرنسي، ١٨٢.
(١١) كل شيء والدنيا، ٢٢ / ٣ / ١٩٣٣م.
(١٢) محمد أنيس، المجتمع المصري في ظل الإقطاع، الكاتب، يونيو ١٩٦٥م.
(١٣) تاريخ مصر المالي، ١٨-١٩.
(١٤) الهلال، أبريل ١٩٨٧م.
(١٥) أحمد بهاء الدين، أيام لها تاريخ، روز اليوسف، ١٧.
(١٦) فصول من المسألة المصرية، ١١.
(١٧) تاريخ مصر في عهد إسماعيل، ٣٠٤-٣٠٥.
(١٨) بنوك وباشوات، ٢٨٥.
(١٩) المرجع السابق، ٣٠١-٣٠٢.
(٢٠) مصر والمسألة المصرية، ٢٩.
(٢١) التايمز ٢٧ / ١١ / ١٨٧٥م.
(٢٢) روبير سوليه، مصر ولع فرنسي، ت. لطيف فرج، هيئة الكتاب، ١٧٥.
(٢٣) الأهرام ١٠ / ١ / ١٩٢٣م.
(٢٤) ريمون فلاور، مصر من قدوم نابليون حتى رحيل عبد الناصر، المجلس الأعلى للثقافة، ١٥٦.
(٢٥) المرجع السابق، ٢٠١.
(٢٦) محمد عودة، قصة الحزب الأول، الكاتب، يونيو ١٩٦٤م.
(٢٧) نجيب توفيق عبد الله، عبد الله النديم خطيب الثورة العرابية، مكتبة الكليات الأزهرية، ١٧٩.
(٢٨) العودة إلى المنفى، ١: ٥٧.
(٢٩) ميلاد ثورة، ١٠٤.
(٣٠) الأهرام، ٢٤ / ٦ / ١٨٧٩م.
(٣١) المدينة في الأدب العربي الحديث، الثقافة العالمية، العدد ٣٢.
(٣٢) عصر إسماعيل، ٢: ٢٨.
(٣٣) رسائل من مصر، ١٤٠.
(٣٤) مصر ولع فرنسي.
(٣٥) صلاح عيسى، الثورة العرابية، ١٤٤.
(٣٦) تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل، ١: ٣٠.
(٣٧) عبد الرحمن الشرقاوي، مصر للمصريين، أرض المعركة، مطبعة الاعتماد بالقاهرة، ١٩٥٣م.
(٣٨) المصدر السابق.
(٣٩) العودة إلى المنفى، ١: ٧٢.
(٤٠) إسماعيل مظهر، قديس الظلام، رؤيا هناء، دار القاهرة للطباعة.
(٤١) مذكراتي في نصف قرن، ١: ٢٩.
(٤٢) رسائل من مصر، ١٦٢.
(٤٣) عبد الرحمن الشرقاوي، مصر للمصريين.
(٤٤) مذكراتي في نصف قرن، ١: ١٠٤.
(٤٥) نبيل راغب، شجرة العواصف، المجموعة، مكتبة مصر.
(٤٦) سلامة موسى، في الحياة والأدب، ٥٥.
(٤٧) أحمد بهاء الدين، فاروق ملكًا، ٤٦.
(٤٨) محمد عودة، الوعي المفقود.
(٤٩) الأهرام ١١ / ١٠ / ١٩٧٤م.
(٥٠) المرجع السابق.
(٥١) تاريخ مصر في عهد إسماعيل، ١: ١٨٣.
(٥٢) عبد الرحمن فهمي، الذئب والفريسة، أبوللو، ٧٦.
(٥٣) ألفريد فرج، حكايات الزمن الضائع، دار المستقبل العربي، ٩٩.
(٥٤) غبريال وهبة، طريد المفروزة، العربي، العدد ٢٠٢.
(٥٥) فتحي غانم، تلك الأيام، روز اليوسف، ٧٢–٧٤.
(٥٦) The city in Modern Literature, by R. C. Ostle; Bulletin of the School of Oriental and African Studies, Vol. XIIX, Part 1, 1986
(٥٧) لم تكن العروبة قد طرحت نفسها في صورة واضحة القسمات بعد.
(٥٨) جمال بدوي، مصر من نافذة التاريخ، هيئة الكتاب، ٩٥.
(٥٩) المرجع السابق.
(٦٠) المنافسة الدولية في أعالي النيل، ٦٥.
(٦١) مذكراتي في نصف قرن، ١: ٥٨.
(٦٢) محمد رشيد رضا، تاريخ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، ١٦٧-١٦٨.
(٦٣) أحمد عرابي الزعيم المُفترى عليه، ٣١.
(٦٤) فاروق منصور، الحياة النيابية في مصر، الجديد، أول سبتمبر ١٩٧٦م.
(٦٥) المرجع السابق.
(٦٦) بنوك وباشوات، ٢٤٤.
(٦٧) الهلال، أبريل ١٩٨٧م.
(٦٨) إسماعيل المُفترى عليه، ١٢٦.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥