يوميات نائب في الأرياف

كتب توفيق الحكيم «عصفور من الشرق» قبل «زهرة العمر»، والأولى تمثِّل وجه التقابل للثانية من حيث نظرة الفنان إلى الواقع المصري، والحضارة الشرقية عمومًا. لكن «عصفور من الشرق» تطل بعينَي التعاطف والمحبة، بينما تنعى «زهرة العمر» البلادة والاستكانة والتخلف … ذلك ما فعله الحكيم أيضًا في «عودة الروح» و«يوميات نائب في الأرياف»، فقد كتب الأولى قبل الثانية، وكلتا الروايتين تتناول الريف المصري والفلاح المصري، ولكن «عودة الروح»، مع إسقاط فصولها الكاريكاتورية، قصيدة نثرية مطولة تتغنَّى بالفلاح المصري، وبالحضارة المصرية الممتدة، والمتواصلة، بينما نبض اليوميات (١٩٣٧م) سخرية مريرة، وترفع عن واقع الفلاح المصري.

والواقع إن اختلاف النظرة لا يعبِّر عن صدمة الفنان في الواقع المصري، بعد عودته من فرنسا، ولكنه — للأسف — يعكس افتقاد الفنان للنظرة الشمولية التي تتأمل، وتناقش، وتحلل. إن الصورة الكاريكاتورية التي يتناول بها الحكيم حياة الفلاح وشخصيته في «اليوميات» تناقض «المقولة» التي حاول التعبير عنها في «عودة الروح». إنه — في عودة الروح — يبطن شخصية غير الشخصية الظاهرة، فهو وارث حضارة عميقة، يبدو لا مباليًا وساخرًا ومتواكلًا، لكن تراث آلاف السنين في داخله بُعد مهم في شخصيته، وهو — بهذا البعد — ينتظر الزعيم الذي يقوده لصنع المعجزات.

ولعلي أوافق على أن الرواية «وثيقة تسجيلية»،١ فهي قد كُتبَت في العام ١٩٣٧م، لكنها تعبِّر عن واقع المصرية بين عامَي ١٩٢٩م و١٩٣١م، إبان الأزمة الاقتصادية التي طحنت العالم آنذاك، والإرهاب الذي فرضه محمد محمود، ومن بعده إسماعيل صدقي، وإن جرت أحداثها — في حياة المؤلف — في اثنَي عشر يومًا.

•••

يصف يحيى حقي مهام معاون الإدارة بأنها متعددة «فهو يؤدي أولًا كل خدمات وزارة الداخلية من تحقيق للجرائم، والخروج في الدوريات، وانتخابات العُمد والمشايخ، والتحقيق معهم، وتحصيل الجزاءات منهم، والتفتيش على السلاح غير المرخَّص به وضبطه، والقيام بتحريات عن طلبات جديدة للموالد، والإشراف عليها، وحماية شركة الأسواق الإنجليزية بزج الفلاحين قسرًا داخل أسوارها، وإحصاء السكان، والبحث عن الغائبين والفارين، وإصدار رخص فتح الدكاكين، وإبطال المدافن القديمة، وإنشاء مدافن جديدة، والسماح لثري أن يُدفن في مسجده، وحضور مزاد المعدية، وتحصيل رسومها، وجمع الحجاج، وتسهيل سفرهم، ومراقبتهم عند عودتهم … إلخ.»٢
وكتابة التقارير هي الجهد الأساس المطلوب في عمل معاون النيابة، ومحضر التحقيق هو «كل شيء في نظر أولي الأمر.»٣ ومن هنا فإن الديباجة يجب أن تكون مكتملة، ويلي الديباجة وصف الإصابة والملابس والموضع الذي وُجِد فيه المجني عليه، حتى ذلك الوشم المرسوم في أعلى صدغه، ولون شاربه، وثيابه بدءًا بالدفية إلى الجلباب القزم إلى السروال البفتة الأبيض ذي التكة الحمراء، وربما مات المصاب قبل أن ينتهي المحقق من ذكر تلك المعلومات المهمة، الأولية.٤ ويشير الراوي إلى أنه ترك — ذات يوم — جريحًا يلفظ أنفاسه الأخيرة، وانشغل بوصف سرواله وبُلغته ولبدته، وحين أنهى تقريره، ومال على الرجل يسأله عن المعتدي، كان الرجل قد مات.٥ فإذا كان التحقيق في جناية، فإنه يجب أن يشغل من الصفحات عشرين صفحة في الأقل؛ ومن هنا يجب أن يسأل حتى هؤلاء الذين ربما لن يفيدوا التحقيق بشيء، فالمهم أن تمتلئ الصفحات بما يساوي قتل رجل! ولكن بعض وكلاء النيابة كان يكتفي — حتى في قضايا القتل — بسؤال شاهدين فقط، ثم يقفل المحضر، ويميل على المأمور قائلًا: هو القتيل أبونا ولا أخونا؟! قم يا شيخ نبل ريقنا!٦
وعلى الرغم من تقضي الأعوام، فإن الصورة العامة لمعاون — وكيل — النيابة، ظلَّت — فيما يبدو — في عدم مخالطته الناس مضطرًّا، فهو يجلس — في أغلب الأحيان — وحيدًا، متعاليًا في مظهره، يبحث عن متعة أو تسلية خفية لا يدركها أحد من الناس، وكانت تلك هي الصورة التي قدمها فتحي غانم في «الجبل».٧ وكما يقول الفنان، فقد كان انتقال المحقق في منتصف الليل، لضبط وقائع جنائية، مما يثير — عادة — سخط المحققين.٨

كان في انتظار معاون النيابة جثة قتيل، وعُمدة يقسم بالطلاق أن الجاني ليس من أهل القرية، في حين يخفي أهل القتيل ما يعلمونه حتى يثأروا من القاتل، أو مَن يتصورونه قاتلًا، بأنفسهم. كان المأمور مؤمنًا ببركات الشيخ عصفور، فهو يلجأ إليه للعثور على الأسلحة المخبَّأة، ويرفض نصيحة معاون النيابة في تجاهل سؤال الشيخ عصفور، والانتقال — بدلًا من ذلك — مع المعاون والعساكر لتفتيش دور المشتبه فيهم من الأهالي.

لقد كان في مقتل «ريم» سحقًا للحقيقة، وفقدانًا للأمل.

ويتساءل الراوي: كيف يراد منا أن نعرف متهمًا في قضية غامضة كهذه القضية، وكل من المأمور والبوليس ملبوخ من رأسه إلى قدمه في تزييف الانتخابات، وأنا ملبوخ في قراءة شكاوى وجنح ومخالفات وحضور جلسات. لو أن لدينا بوليسًا سريًّا على النظام الحديث، وقاضي تحقيق ينقطع لقضايا الجنايات، كما هو الحال في أوروبا والعالم المتحضر. إنهم هناك ينظرون إلى أرواح الناس بعين الجد، أما هنا فلا أحد يأخذ ذلك على سبيل الجد، وإن الأموال لتنفق هنا بسخاء في التافه من الأمور. وأما إذا طلبت لإقامة العدل أو تحسين حال الشعب، فإنها تصبح عزيزة شحيحة تقبض عليها الأكف المرتجفة، كأنها ستلقى في البحر هباء، ذلك أن العدل والشعب … إلخ، كلمات لم يزل معناها غامضًا عن العقول في هذا البلد، كلمات مهمتها أن تُكتَب على الورق، وتُلقى في الخطب كغيرها من الألفاظ والصفات المعنوية التي لا يحس لها وجود حقيقي … فلماذا ينتظر مني أن آخذ على سبيل الجد روح سي قمر الدولة علوان؟٩

•••

لعله يمكن أن نتعرف في «اليوميات» إلى الصورة الرأسية للجريمة في الريف. فثمة قاضيان، كانا يتناوبان قضايا الناس ومشكلاتهم وجرائمهم وما يعانون. أما أولهما فمقيم في القاهرة، يصل إلى المدينة في أول قطار، ويرأس الجلسة فور وصوله؛ ليسهل عليه نظر القضايا المعروضة عليه، ويلحق قطار الحادية عشرة الذي يعود إلى القاهرة.١٠ بل إنه يحرص أن يأخذ في رحلة العودة بعض الأطعمة الريفية، يوصي الحاجب بشرائها قبل أن تبدأ الجلسات «اللحم يكون فلاحي من قشرة بيت اللوح. واصح للبيض يا شعبان أفندي، والزبدة والجبنة على عهدتك، وضَع الحاجة في السلالي كويس، وانتظرني بها على المحطة في قطر ١١ كالمعتاد.»١١ فهو يُصدِر أحكامه بمجرد قراءة نوع الاتهام. القاضي هنا هو قاضي «حديث عيسى بن هشام» في مقاطعته واستعجاله وسرعة انجازه للقضايا. وإذا كان قاضي «اليوميات» يخشى فوات موعد القطار الذي يعود به إلى القاهرة، فإن قاضي «الحديث» يخشى فوات «الوليمة» التي دعاه إليها بعض رفاقه عند الظهر تمامًا. القاضي الذي يأتي بقطار، ويعود بقطار آخر، بينهما وقت محدد يجب إنهاء كومات من القضايا خلاله، يشير إليه الفنان (خليها على الله) بأنه يمارس طريقة «شهِّل شهِّل».١٢ بل إن أغلب القضاة كانوا يكتبون الحكم والمحامي في أول مرافعته؛ فالقضية — في تقديرهم — واضحة كالشمس، وكل كلام لغو. أما القاضي الثاني، فهو يقيم مع أسرته في دائرة المركز، ومن ثَم فهو في غير حاجة إلى الإسراع، الوسواس يغلب عليه، والبطء واضح في نظره للقضايا، خشية العجلة والخطأ، فضلًا عن ميله إلى شغل وقته، وتسلية سأمه في هذه المدينة الإقليمية، فليس أمامه — مثل زميله — قطار يحرص على موعده.١٣ إنه يناقش المجني عليهم والجناة، ويستمع في صبر إلى مرافعات النيابة والدفاع، ويحاول — ما أمكن — أن يلم بكل تفاصيل القضية — أية قضية — قبل أن يصدر حكمه فيها.
مع ذلك، فقد كان المتقاضون يفضِّلون المثول أمام القاضي الذي يطيل الجلسات، لأنه كان يحكم في المخالفة بما لا يزيد على عشرين قرشًا، بينما كان القاضي المقيم في القاهرة يرفع سعر الغرامة إلى خمسين قرشًا. وحرص الجميع على الهروب من القاضي صاحب السعر المرتفع، واللجوء إلى صاحب السعر الزهيد!١٤ أخطر ما تبين عنه هذه الأحكام، أن من وقعت عليهم لم يكونوا على وعي بمعناها ولا جدواها، لم يعرفوا أنها عقوبات على ذنوب ارتكبوها، إنما هي مصائب أتتهم، فتقبَّلوها تقبُّل الصابرين.

•••

أما المشكلة التي تشغل المحامي فهي أن يكون صوته «سالكًا» بحيث يسهل عليه أن يؤثر في المحكمة، ويقنع أهل المتهم — وهذا هو السبب الأهم — أنه قد بذل جهدًا غير عادي يستحق لقاءه أتعابًا مضاعفة. أما أوراق القضية فإنه يكتفي — في أغلب الأحوال — بتصفحها، وربما لم يعن بالنظر إليها على الإطلاق، مثل ذلك المحامي الذي اعترف موكله بأنه قد شاهد وابور الجاز الذي اتهم بسرقته، لكنه لم يسرقه. مع ذلك، فقد علا صوته — المحامي — في إنكار: يا حضرة الرئيس … نحن لم نصادف وابور، ولا رأينا وابور، ولا مرينا في طريق وابور، والقضية ملفقة من ألفها إلى يائها. وحين يشير القاضي إلى أن المتهم قد اعترف أنه وجد «الوابور» فعلًا، يضرب المحامي المنصة بقبضة يده، ويقول: هذا سوء دفاع من موكلي!١٥

•••

كان أول اعتبار يُراعى في ترقية المأمور إلى منصب وكيل مديرية أو حكمدار، هو قلة عدد الجنايات في مركزه، ومن ثَم فقد كان حرص كل مأمور أن تقل حوادث الجنايات في دائرة إشرافه بأي ثمن. وكان من المألوف، عندما تطفو جثة قتيل إلى جانب الشاطئ، أن تدفع الجثة بعصا تفصلها عن العشب لكي يتلقَّاها تيار الماء ويحملها إلى مركز آخر، فلا تُقيَّد الحادثة جناية، ويتضمنها رصيده.١٦ وكان أحمد قدري (المرايا) شخصية مخيفة، تُنسَج حولها أساطير الرعب، بعد أن سل سوط عذاب في أيدي الطغاة، يلهبون به الوطنيين. وقد برر جرائمه بالقول: «يحدث أحيانًا أن تصدم سيارة أحد المارة فترديه قتيلًا، من الخطأ أن نحمِّل السيارة تبعة ما حدث، التبعة تقع على السائق أو الطريق أو المصنع أو الضحية نفسها، أما السيارة فلا ذنب لها.» وأضاف: «لِم لمْ نعذب أحدًا في عهود الوفد؟ المسألة أنه يوجد نوعان من الحكومة، حكومة يجيء بها الشعب فهي تعطي الفرد حقَّه من الاحترام الإنساني ولو على حساب الدولة، وحكومة تجيء بها الدولة فهي تعطي الدولة حقها من التقديس ولو على حساب الفرد.»١٧ وعلى الرغم من أن طه عنان (المرايا) لم يخف خجله من تصرفات أبيه ضابط الشرطة، فإنه دافع عنه بالقول: أبي وطني، مثلنا تمامًا، ويؤمن بمصطفى النحاس، كما آمن بسعد زغلول، ولكنه يؤدي واجبه. قال رضا حمادة: سمعنا عن ضباط مثله انضموا إلى الثوار في سنة ١٩١٩م. قال طه عنان: كانت أيام ثورة، ولا ثورة الآن!١٨
نحن نجد المعنى ذاته في قول المأمور (يوميات نائب في الأرياف) مدافعًا عن نفسه: «تصدق بالله؟ أنا مأمور المركز بالشرف، أنا مش من المآمير اللي أنت عارفهم. أنا لا عمري أتدخل في انتخابات، ولا عمري أضغط على حرية الأهالي في الانتخابات، ولا عمري قلت انتخبوا هذا، وأسقطوا هذا. أبدًا، أبدًا. أنا مبدئي ترك الناس أحرارًا تنتخب كما تشاء. ويعقب الراوي: شيء عظيم يا حضرة المأمور، بس الكلام ده مش خطر على منصبك؟ أنت على كده … أنت رجل عظيم. لكن المأمور يبين عن فهمه لحرية الانتخابات: «دي دايمًا طريقتي في الانتخابات، الحرية المطلقة، أترك الناس تنتخب على كيفها لغاية ما تتم عملية الانتخاب، وبعدين أقوم بكل بساطة شايل صندوق الأصوات، وأرميه في الترعة، وأروح واضع مطرحه الصندوق اللي احنا موضبينه على مهلنا.»١٩
والحق أن حاكم المديرية — الذي تتركز فيه هيبة الحكومة٢٠ — والمأمور، وكل رجال الإدارة، لم يكن في مقدورهم سوى اتخاذ السبل التي تكفل انجاح مرشحي الحكومة، فإذا تقاعسوا، فإنهم سيواجهون — لا جدال — عقابًا لا تداخله رحمة ولا شفقة.٢١ وحين تلُوح في الأفق أزمة وزارية، يخلص تفكير رجال الإدارة في تنسُّم هوى الوزارة الجديدة، حتى يعدوا أنفسهم للتعامل معها، وكسب ثقتها. وأول ما يجب اتباعه في هذا السبيل هو التجهم للعُمد والأعيان الموالين للوزارة التي يتلاشى ظلها، والابتسام لأنصار الوزارة المقبلة. وعندما تتولى الحكم وزارة جديدة، فإن على رجال الإدارة أن يحاولوا التعرف إلى هوى الوزارة الجديدة حتى يعدُّوا أنفسهم للميل معها كما مالوا مع غيرها، كأن يسيئون معاملة العمد والأعيان الموالين للوزارة السابقة، ويقبلون على أنصار الوزارة الجديدة.
وكما يؤكد الراوي أن «كأس الإذلال تنتقل من يد الرئيس إلى المرءوس في هذا البلد، حتى تصل في نهاية الأمر إلى جوف الشعب المسكين، وقد تجرَّعها دفعة واحدة.»٢٢
يقول المأمور للعمدة: اسمع يا عمدة … البك الوكيل لا يحب الخرفان على الصبح، ولا الديوك ولا حاجة أبدًا، ولكن لا بأس من كم زغلولة مدفونة في الأرز والقراقيش إياها، والفطير المشلتت، وإن كان عليه كم كتكوت محمر مفيش ضرر، واللبن الرايب طبعًا شيء مفيد للصحة. ولا بأس من كم بيضة مقلية في القشدة. كفاية، إيَّاك يا عمدة تعمل حاجة زيادة، البك الوكيل أكلته ضعيفة، وإن كان عندك عسل نحل بشمعه لا بأس من قرصين جبنه ضاني … لا مانع طبق كعك وغريبة … الغرض حاجات خفيفة لطيفة، وأنت سيد العارفين.٢٣

لا يعني المأمور طيلة التحقيقات التي كانت القضية على الحبل، بمعنى أن وكيل النيابة وُفِّق في الحصول على الأدلة التي تذهب برأس المتهم إلى المشنقة، أو أن خيوط الحقيقة متشابكة تستعصي على الحل، ولكن الذي يعنيه في الأمر كله ألا يجور التحقيق حتى على وقت فراغه، أو يسلبه حقه في أن يسلم جسده إلى النوم ليلًا، فضلًا عن أن يكون العمدة الذي تدور التحقيقات في داره مضيافًا.

•••

المحاكم في الريف تأكيد على هشاشة الرباط الذي يصل بين الناس وبين القانون، فالواقع الاجتماعي القاسي، وانشغال الجميع بهمومهم الآنية، وتفشي الأمية … ذلك كله، وغيره، جعل من سيادة القانون أقرب إلى القضاء والقدر منها إلى الاقتناع والتفهم. لقد تعارضت القوانين مع الواقع الاجتماعي الذي أُعدَّت لتحكمه، فتوضح التناقض الاجتماعي بصورة زاعقة. وكما يقول الراوي: «لم أرَ واحدًا من المخالفين بدا عليه أنه يؤمن بحقيقة ما ارتكب، إنما هو غرم وقع عليهم من السماء كما تقع عليهم المصائب، وإتاوة يؤدونها؛ لأن القانون يقول إنهم يجب عليهم أن يؤدوها! ولطالما سألت نفسي عن معنى هذه المحاكمة، أنستطيع أن نسمي هذا القضاء رادعًا والمذنب لا يدرك مطلقًا أنه مذنب؟»٢٤

إن المحضر يحجز على قمح الفلاح، ويعيِّنه حارسًا عليه، حتى يسدد ما عليه من أموال للدولة، ويشتد الجوع بالرجل وعياله، فيأكل من القمح، قمحه، فيعتبره القانون سارقًا:

– بددت القمح المحجوز ليه؟

– القمح قمحي يا سعادة القاضي وأكلته أنا والعيال.

– معترف … حضوري … حبس شهر مع الشغل.

– شهر! يا مسلمين! القمح قمحي … زراعتي … مالي.

والحق أن الرجل لم يكن قد سرق أحدًا، لقد حجز المحضر على القمح لقاء دين عليه للحكومة «ولكن الجوع اشتد به وبعياله، فأكل قمحه.»٢٥ وكانت سيارة نقل تعبر جسرًا، عندما سقط منها كيس كبير به كميات من الثياب، فلما انحسرت مياه الترعة عن الكيس، وعرف أهل القرية ما به، ظنوه كنزًا هبط من السماء، وارتدوا الثياب وهم يهتفون: الكساوي في البحر … الكساوي في البحر … وتحرى رجال الشرطة الأمر، فعرفوا حقيقة ما حدث، ووجَّهوا إلى أهل القرية تهمة سرقة الملابس، فدافعوا عن أنفسهم بالقول: «أبدًا والله ما سرقنا ولا نعرف السرقة، البحر رمى علينا الكيس، وكل واحد منا طال نصيبه.»٢٦
ولأن القاضي يريد اللحاق بالقطار، فإنه يترك المتهم يدافع عن نفسه، في حين يكون هو مشغولًا بكتابة منطوق الحكم والحيثيات. وينطق القاضي دون أن ينظر إلى المتهم، أو ينتظر بقية دفاعه: شهر مع الشغل … غيره! ولا ينصت القاضي حتى إلى صراخ المتهم: يا سعادة القاضي، أنا عندي شهَّاد، لا ضربت ولا بطحت، الحكم ظالم، ظالم يا ناس.٢٧

ويسأل القاضي أحد المخالفين: أنت يا راجل متهم بأنك غسلت ملابسك في الترعة.

– يا سعادة القاضي … ربنا يعلِّي مراتبك تحكم عليَّ بغرامة لأني غسلت ملابسي؟

– لأنك غسلتها في الترعة.

– واغسلها فين؟!

ولا يحر القاضي جوابًا، ذلك أن المياه النقية لم تكن دخلت معظم قرى الريف المصري، وكان القاضي يعرف أن هؤلاء المساكين لا يملكون أحواضًا يصب فيها الماء المقطر الصافي من الأنابيب، فهم قد تركوا طول حياتهم يحيون كالسائمة، ومع ذلك يُطلَب إليهم أن يخضعوا إلى قانون استورد من الخارج على أحدث طراز. ويلتفت القاضي إلى معاون النيابة — الراوي — قائلًا: النيابة، فلا ذلك الذي يكتفي بإبداء تعاطفه مع قضية الفلاح في أوراقه الخاصة، إلا أن يقول في بساطة: النيابة ليس من شأنها أن تبحث أين يغسل هذا الرجل ملابسه، ولكن ما يعنيها هو تطبيق القانون.٢٨ ويشيح القاضي بوجهه قليلًا، ويطرق، ويهز رأسه، ثم يقول في سرعة يزيح عن كاهله حملًا: غرامة عشرين … غيره.

وينادي المحضر اسم امرأة، فتحضر، مومس ترتدي ثوبًا أحمر فاقعًا، وصورت بالوشم على ذراعها العارية قلبًا يخترقه سهم، ووضعت في معصمها أساور وغوايش من المعدن ومن الزجاج الملون:

– أنت متهمة بأنك وقفت أمام باب بيتك.

– هو يا روحي من وقف قدام بيته كفر؟!

– وقوفك فيه إغراء للجمهور.

– حسرة وندامة علينا … وحياة دقن القاضي عمرنا ما وقعت عيننا على جمهور، ولا مر من قدام منزلنا ادلعدي جمهور.٢٩

ويسأل المعاون المتهم: أنت سرقت كوز الدرة؟

يجيب الرجل: من جوعي.

يعترف المساعد بلهجة انتصار: اعترف المتهم بالسرقة.

يقول الرجل: ومن قال إني فاكر؟ أنا صحيح من جوعي نزلت في غيط من الغيطان، سحبت لي كوز.

ويسأله المعاون: يا رجل … لماذا لا تشتغل؟

يجيب الرجل: يا حضرة البك هات لي الشغل، وعيب عليَّ إن كنت أتأخر … لكن الفقير منا يوم يلقى، وعشرة ما يلقى غير الجوع.

– أنت في نظر القانون متهم بالسرقة.

– القانون يا جناب البك على عيننا وراسنا، لكن برضه القانون عنده نظر، ويعرف إني لحم ودم ومطلوب لي الأكل.

– لك ضامن يضمنك.

– أنا واحد على باب الله.

– تدفع كفالة؟

– كنت أكلت بها.

– إذا دفعت يا رجل خمسين قرشًا ضمانًا ماليًّا نفرج عنك فورًا.

– خمسين قرش؟ وحياة راسك أنا ما وقعت عيني على صنف النقدية من مدة شهرين. التعريفة نسيت شكله ما اعرف إن كان لحد الساعة مخروم من وسطه والا سدُّوه.

ويملي معاون النيابة على مساعده نص القرار: «يُحبَس المتهم احتياطيًّا أربعة أيام، ويجدَّد له، ويعمل له فيش وتشبيه.» ويضيف: اسحبه يا عسكري … ويقبِّل الرجل كفَّه وجهًا لظهر حامدًا ربه: وما له الحبس؟ حلو … نلقى فيه على الأقل لقمة مضمونة.»٣٠

القانون هو القانون، ووكيل النيابة يحرص على تطبيقه بمنتهى الدقة والصرامة، بصرف النظر عن تعاطفه وإشفاقه. إنه يشارك في لعبة السلطة، وكان بوسعه — كتصور مثالي — أن يدفع قيمة الضمان بدلًا من الشيخ، أو — كتصور واقعي — يخفف قيمة الضمان إلى الحد الذي يسهِّل فرصة الرجل لنشدان المعونة من الآخرين حتى يخلي سبيله، وكانت الخمسون قرشًا مبلغًا لا يستهان به حينذاك!

أخطر ما في الأمر أن أحدًا من المخالفين لم يكن يبدو عليه أنه يؤمن بحقيقة ما ارتكب، إنما هو غرم وقع عليه من السماء كما تقع المصائب، وإتاوة يؤدونها؛ لأن القانون يقول إنهم يجب عليهم أن يؤدوها.٣١
ولعل النظرة الواحدة التي تلقى — كما يقول الفنان — في مخزن نيابة أي بلد، تدل حالًا على اللحظة الحضارية التي يحياها هذا البلد، فمخزن النيابة في المدينة الريفية المصرية يضم بنادق وغدارات وسكاكين وشراشر ومناجل وفئوس وبلط ونبابيت وهراوات ولبد وبُلغ وجلابيب ملطخة بالدم وصدارات مثقوبة بالرش والبارود … ذلك كله صورة لأنواع الأزياء والسلاح والسلوكيات في القرية المصرية.٣٢
وجرائم الريف ترتبط بنوعية المحصول وموعده؛ لكل نوع من الزرع محصوله من الجرائم، فحين يرتفع الذرة والقصب يبدأ موسم القتل بالرصاص. وحين يزدهر القمح والشعير يتم الحرق بالجاز والقوالح، وفي أيام جني القطن يكثر التقليع والإتلاف.٣٣

معاون النيابة — رغم أي تعاطف إنساني — لا يعنيه إلا تنفيذ مواد القانون بصرامة، بينما لا يشغل المأمور في أية قضية إلا أنها ربما تحرمه من أن يقضي بعض ساعات الليل في فراشه، أو أنها — في المقابل — تهَبه غداء طيبًا يدفع تكاليفه عمدة القرية الذي وقعت الحادثة في دائرته، والعمدة — إذا كان غائبًا عن مسرح الجريمة — لا بد سيزعم حالفًا بالطلاق أن الجاني ليس من أهل الناحية، والجناة والمجني عليهم يحيون جميعًا في دنياهم الخاصة التي لا تفهم للقوانين معنى، وتجد فيها قضاء وقدرًا، يتقبَّلها المرء دون أن يجهد نفسه في البحث عن نصيبها من الصحة … تلك هي الصورة الرأسية لدنيا الجريمة في الريف المصري، في الفترة التي عنيت بتصويرها «اليوميات». ومن المؤكد أن ملامح الصورة أخذت — بتوالي الأعوام — سبيلها إلى التغير، ولكن الملامح الرئيسة ستظل ثابتة لأعوام كثيرة أخرى قادمة في الأقل.

يقول الراوي: أنا روحي طلعت خلاص … زهقت من حاجة اسمها أرياف … زهقت من أصناف اللبد.٣٤

ومع كل الكلمات المتحمسة التي دافع بها الراوي عن الغلابة والمقهورين والباحثين عن العدل، فإنه ما يلبث — في أول تجربة عملية — أن يبتلع كلماته، فهو يشاهد رجالًا زج بهم في حجرة التبن والعلف، دلالة أنهم ليسوا مقيدين في الدفاتر، يتساءل: يعني نترك الناس في الحبس من غير جريمة؟

ويتلقى الجواب: يا سعادة البك، رئيس المأمور، ولا يخفاك هو وزير الداخلية ورئيس الوزراء في الوقت نفسه، أما رئيسنا فهو وزير الحقانية فقط، وقد سبق أن قضاة ووكلاء نيابة وقفوا للإدارة في ظروف سياسية … مواقف من هذا القبيل … قاموا نقلوهم للصعيد.

– يعني نمضي على دفاتر المركز ونسكت؟

– يا سيدنا البك، إحنا نكون أحسن من مين؟ كان غيرنا أشطر.

– طيب قم استعجل لنا الدفاتر والسلام،٣٥ فهو إذن قد آثر السلامة أخيرًا.
وعندما يتردد وكيل النيابة في التوقيع على دفاتر السجن، بعد أن شاهد أناسًا يُوضَعون في حجرة التبن والعلف، مما يشي بأنهم ليسوا مقيدين في الدفاتر، يشير مأمور المركز إلى مصائر القضاة ووكلاء النيابة الذين حاولوا الوقوف في وجه الإدارة، فكان جزاؤهم النقل إلى الصعيد، فيسرع النائب إلى القول: طيب قم استعجل لنا الدفاتر والسلام.٣٦
ولعله من هنا جاء القول إن «الريف المصري يبدو من خلال كتابات توفيق الحكيم، معرضًا للفقر والجهل والمرض والتخلف في كل شيء، وهو ريف قذر تكاد حياة الإنسان المتحضر فيه تكون مستحيلة، يسكنه بشر بُلهاء وساذجون ومتخلفون، لن تعدم أوجه شبه كبيرة بينهم وبين الحيوانات التي تعيش بينهم، سكان كوكب آخر لا يملكون من أمر نفوسهم شيئًا، قوم بلا حيلة وبلا طموح أو أحلام، بدائيون مستسلمون لقدرهم، ينتظرون يد مصلح تمتد إليهم، وتنتشلهم من وهدتهم.»٣٧

وعلى الرغم من الرأي المتعسف الذي تدين به نظرة الحكيم لفلاحيه، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل استطاع المحقق أمام هؤلاء الشهود الأغبياء والأهالي المواشي — كما وصفهم — أن يصل إلى هوية المحقق؟ لقد استطاعوا، بتعاونهم على عدم التعاون معه، وهو ممثل السلطة الحاكمة، أن يحتفظ لذيل المحضر بالتأشيرة المعهودة «تُحفَظ القضية لعدم معرفة الفاعل». والحق أن علاقة الشك بين الفلاحين والسلطة كانت هي الباعث لأن يحرص الشهود على مراعاة الحذر في أقوالهم، حتى لا يعود أي اعتراف عليهم بالضرر.

•••

نحن نلحظ أن المحقق في «يوميات نائب في الأرياف» يختلف عن محقق «الجبل» لفتحي غانم، في أن الأول يحرص على برجوازية التصرف والمظهر، ولا يعاني همومًا عامة من أي نوع، حتى المَشَاهد المؤلمة ينتهي موقفه منها بالسخرية. أما محقق «الجبل» فإنه يقدم نفسه من كلمات رئيسه المباشر الذي يقول له: أنا عارف كويس أفكاركم اللي حتخرب البلد، بس فالحين تقولوا على نفسكم إنكم متحررين، وإننا ناس من بتوع زمان، أيامنا انتهت وخلاص راحت علينا.٣٨

وكتابة التقارير هي الجهد الأساس المطلوب في عمل معاون النيابة. ويشير الراوي إلى أنه ترك — ذات يوم — جريحًا يلفظ أنفاسه الأخيرة، وانشغل بوصف سرواله وبُلغته ولبدته، وحين أنهى تقريره، ومال على الرجل يسأله عن المعتدي، كان الرجل قد مات.

وإذا كان إسماعيل أدهم يؤكد الأثر الطيب الذي أحدثته يوميات الحكيم بين المستشرقين ودارسي الأدب العربي في الخارج، وإن كانت الطبقة الحاكمة — على حد تعبير إسماعيل «جعلت هذه اليوميات تمر كأنها لم تحتوِ على شيء.»٣٩ فإن الناقد الفرنسي إدمون فرنانديز يذهب إلى أن القارئ لرواية الحكيم ينسى في غالب الأحيان المقاصد الإصلاحية التي حركت المؤلف لوضع كتابه، بل إن القارئ يتمنى ألا يتغير شيء في عالم هذه المخلوقات الإنسانية.٤٠ والواقع أن الراوي لم يكن متعاطفًا مع أحد، ولا مع شيء؛ لقد شملت سخريته كل إنسان، وكل شيء. رأى الفنان في أهل البيئة الريفية التي تدور فيها أحداث يومياته، يذكِّرنا برأي الشيخ يوسف الشربيني في أبناء الريف، فهم يعانون نقصًا خلقيًّا مضافًا إلى ما بهم من أمراض جسمانية وفكرية واجتماعية كثيرة، وهم قليلو المقدرة، ضعيفو الثقة بالنفس منشؤه اشتغالهم بأعمال العبيد من قديم الأزل في الأرض والزراعة، وترك الفروسية للمغيرين.٤١ «اليوميات» تأخذ موقف المناصرة لقضية الفلاح في تلك الفترة الحبلى بالمظالم، ولكن ذلك الموقف لا يغادر أسوار السلبية في كل الأحوال. فمعاون النيابة يبدي تعاطفه وإشفاقه، وربما هجس لنفسه بردودٍ على أسئلة القضاة، وأسئلته هو أيضًا، تلك الأسئلة التي تفرضها حرفية القانون، ولكنه لا يجاوز ذلك كله إلى «الفعل». أما غاية مواقفه من الأوضاع السياسية المتفسخة فلا تكاد تجاوز قوله: «لهذا الحد تعبث السياسة عندنا بالعدالة والنظام والأخلاق؟ أعوذ بالله! شيء مخيف!»٤٢ فإذا أهملنا الحادثة الرئيسة في الرواية، وهي وقائع القتل الثلاث التي راح ضحيتها قمر الدولة علوان وزوجته وشقيقتها، فستطالعنا إدانة مباشرة لكل ما كان يعانيه الفلاح المصري.

أما القول بأن «يوميات نائب في الأرياف» كانت هي الباعث لإنشاء وزارة الشئون الاجتماعية ومصلحة الفلاح، فلعل رواية عصام الدين حفني ناصف «عاصفة على مصر» كانت أشد تعبيرًا عن الواقع القاسي الذي كان الفلاح يحيا في إساره، وكانت أكثر حضًّا على الثورة؛ فهي بالتالي أبعث إلى التفكير في إنشاء وزارة للشئون الاجتماعية.

الحكيم ينظر إلى الحياة في القرية المصرية بعين السائح الذي ربما يحس بالإشفاق لما يصادف ويرى، أما عصام الدين حفني ناصف فهو يرفض ذلك اللون من الحياة، حتى لو ارتضاه الفلاحون.

مع ذلك، فإن انتخابات صدقي — في تقدير حسين فوزي — لم يدمغها كاتب بمثل ما فعل الحكيم في «يوميات نائب في الأرياف».

•••

إن الأحداث تنعكس بصورة مكثفة على واقع الريف المصري في الفترة ما بين أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من القرن العشرين في «يوميات نائب في الأرياف» للحكيم، و«الأرض» لعبد الرحمن الشرقاوي، و«عاصفة على مصر» لعصام ناصف وغيرها. مرد ذلك إلى الضغوط السياسية ممثَّلة في إرهاب صدقي، والضغوط الاقتصادية ممثَّلة في تأثيرات الأزمة الاقتصادية العالمية.

هوامش

(١) مدخل إلى تاريخ الرواية، ٨١.
(٢) يحيى حقي، خليها على الله، هيئة الكتاب، ١٩٩٥م، ١٣٩.
(٣) يوميات نائب في الأرياف، مكتبة مصر، ١٤.
(٤) المصدر السابق، ١٤.
(٥) نفسه، ١٩.
(٦) نفسه، ٤٥.
(٧) فتحي غانم، الجبل، روز اليوسف، ٢٠.
(٨) محمود كامل، صورة زينب، أرواح بين السحب، هيئة الكتاب، ١٩٧٦م.
(٩) يوميات نائب في الأرياف، ١٦٨-١٦٩.
(١٠) المصدر السابق، ٣١.
(١١) نفسه، ٨١.
(١٢) خليها على الله، ٨٥.
(١٣) يوميات نائب في الأرياف، ٣١.
(١٤) المصدر السابق، ٣٢.
(١٥) نفسه، ٣٩-٤٠.
(١٦) يوميات محام مصري، كتاب اليوم، ٣٠-٣١.
(١٧) المرايا، ٢٧.
(١٨) المصدر السابق، ٢٢٩-٢٣٠.
(١٩) يوميات نائب في الأرياف، ١٢٠-١٢١.
(٢٠) مؤلفات محمود كامل، أرواح بين السحب.
(٢١) يوميات نائب في الأرياف، ١٣٢.
(٢٢) المصدر السابق، ١٢٩.
(٢٣) نفسه، ٤٩.
(٢٤) نفسه، ٣٣.
(٢٥) نفسه، ٨٤.
(٢٦) نفسه، ٦٢-٦٣.
(٢٧) نفسه، ٨١.
(٢٨) نفسه، ٣٢.
(٢٩) نفسه، ٣٤-٣٥.
(٣٠) نفسه، ٦٠-٦١.
(٣١) نفسه، ٣٥-٣٦.
(٣٢) نفسه، ١٣٠.
(٣٣) نفسه، ١٥.
(٣٤) نفسه، ١٥٣.
(٣٥) نفسه، ١٠٩-١١٠.
(٣٦) نفسه، ١١٦.
(٣٧) عبد المحسن طه بدر، الروائي والأرض، ٨٦.
(٣٨) فتحي غانم، الجبل، روز اليوسف، ٧.
(٣٩) إسماعيل أدهم، توفيق الحكيم، ١٨١.
(٤٠) محمد عودة، الوعي المفقود، روز اليوسف، ١٤.
(٤١) راجع يوميات نائب في الأرياف.
(٤٢) يوميات نائب في الأرياف، ١٣٢.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥