عاصفة فوق مصر

نحن نلحظ أن معظم الكتابات التي تناولت أعمالًا روائية — قبل عام ١٩٥٢م — نبضها الفلاح والقرية، تذكَّر محمود خيرت في «الفتى الريفي» و«الفتاة الريفية»، ومحمود طاهر حقي في «عذراء دنشواي»، ومحمد حسين هيكل في «زينب»، وطه حسين في «الأيام»، و«دعاء الكروان» وإبراهيم عبد القادر المازني في «إبراهيم الكاتب»، وتوفيق الحكيم في «عودة الروح»، وبنت الشاطئ في «سيد العزبة»، وغيرها. لكنها تغفل الرواية الأهم في تناولها لأوضاع الفلاح في القرية المصرية، بل إن سيد النساج يعيب على كل تلك الأعمال غياب الرؤية الاشتراكية «التي تنبع من إيمان عميق بحق الإنسان في الحياة الحرة الكريمة، والتي تكشف كشفًا شاملًا عن آلام الأرض والفلاح.»١ لكن النساج يغفل — لغير سببٍ — رواية عصام الدين حفني ناصف «عاصفة فوق مصر»، رغم أنه يستطيع أن يجد فيها — دون عناء — تلك الرؤية الاشتراكية.
لقد كان الشعار الذي نذر له عصام الدين ناصف حياته هو: «الفلاح يزرع، فيجب أن يحصد، الفلاح هو المنتِج، فيجب أن يكون هو المتمتع.»٢ وذلك ما ينعكس في «عاصفة فوق مصر» (في العام نفسه الذي صدرت فيه «عاصفة فوق مصر» (١٩٣٩م) صدرت المجموعة القصصية «الناس والدنيا» لحكمت كامل آدم، دافع فيها عن حق الفقراء في أن يحيوا بكرامة، وتساءل — غاضبًا: «كيف يمكن أن يجوع كل هؤلاء، وأن يطول جوعهم لقرون طوال، وهم ينتجون هذا الخير العميم؟»).٣

•••

صدرت الرواية في ١٩٣٩م، لكن الفنان يحدد المساحة الزمنية للرواية بالفترة منذ ١٩٢٩م إلى ١٩٣٧م إبَّان الأزمة الاقتصادية العالمية، ويقدمها بأنها «مصرية في جوِّها وأشخاصها، عالمية في مشاكلها وفلسفتها.»٤ وكان الدافع لتأليف الرواية — كما يشير الفنان — دراسة الأسباب الحقيقية لحوادث قتل النظار في القرى المصرية، والتي تحوَّلت إلى ظاهرة تستلفت النظر. من هنا، فإن عصام الدين حفني ناصف ينفي عن نفسه الموهبة، ويضغط على حقيقة أنه كان في وسع أي شرطي ممن ألِفوا تدوين المحاضر أن يكتب هذه الرواية نفسها، لو أنه كُلِّف بكتابة محضر بسَير الأحوال في أية قرية مصرية.٥
مظهر باشا — صاحب العزبة التي تسمَّت باسمه، فهي قصر مظهر — شخصية نمطية للإقطاعي الذي تخضع لسطوته قرية بأكملها، أرضها وبيوتها المبنية باللبن وناسها وبهائمها.٦ كان الباشا يمارس إقطاع القرون الوسطى، في بلدة تعيش بالفعل في بيئة تلك القرون. إنه — على حد تعبير الفنان — أمير إقطاعية من إقطاعيات القرون الوسطى، نسيها الزمان، ونام عنها نومة أهل الكهف، ثم نفض عنه الكرى في عهد مظهر باشا. فإذا بهذه البلدة لا تزال في هذا العصر الحديث محتفظة بمبانيها القديمة، وأزياء أهلها القديمة، وأدواتهم الزراعية القديمة، وعاداتهم القديمة، وتفكيرهم القديم.٧ كان يسيطر على الباشا إحساس بأنه صاحب الأمر المطلق في البلدة، يستطيع أن يذل من أهلها من يشاء، ويعز من يشاء، ويخفض ويرفع، ويُفقِر ويُغني، ويسحق من يجسر على الوقوف في وجهه، فضلًا عن استمتاعه بأية امرأة تروقه.٨ والحق أن الباشا لم ينشأ في عائلة ثرية، لكنه حاول أن يستغل كل ما أتيح له من فرص، بصرف النظر عن الطرق التي سلكها.٩ وكما يقول الفنان، فقد «تسنَّم — الباشا — ذروتَي الثروة والجاه وحده، دون سائر مزارعي البلدة، لا لأنه أحدُّهم ذكاء، أو أكثرهم اجتهادًا، أو أعلمهم بشئون الزراعة، ولكن لأنه أقلهم تقيُّدًا بالخُلق القويم، وأبعدهم عن الإيمان بالفضائل والواجبات الدينية والأدبية، وفي الوقت نفسه أكثرهم تظاهرًا بها، وإعلانًا لها.»١٠
إن الباشا يحيا في أيامٍ مضت، كانت الأوامر تصدر فيها للفلاح، فينبطح أرضًا ليتلقَّى على قدميه ضربات العصا. أما في هذه الأيام، فقد فسد الفلاحون، وتعلَّموا أن يتحضَّروا، حتى غدا منهم من يلبس الحذاء.١١ والواقع أن مظهر باشا لم يكن يختلف — في ذكائه لا في موهبته — عن بقية الفلاحين من أبناء قريته، لكنه كان يملك قدرة فائقة على التحلل من كل القيم، والمزاوجة بين التمسك الظاهري بالعادات والمعتقدات والتقاليد والرفض المستمر لها. فلما طرحت الدائرة السنية أطيانها للبيع مقابل أثمان مقسَّطة، مع تفضيل صغار المزارعين، استطاع أن يستولي على ألف فدان بحيلة قذرة، وأخضع لسطوته — شيئًا فشيئًا — كلَّ مَن في القرية وما فيها، حتى تحوَّلت إلى «دسكرة». أنفق مظهر باشا ثلاثة آلاف جنيه على تزويج ابنه، في حين أن يومية الفلاح قرشان أو ثلاثة، ويومية الصبي قرش واحد في الحقل، وقرشان في المحالج، والتي يستمر العمل فيها ست عشرة ساعة.١٢ وللظروف المادية القاسية التي واجهها عمران، نتيجة اقترع زراعته وتسميم مواشيه، فقد عجز عن تدبير قيمة البدلية (٢٠ جنيهًا) «يشتري بها نفسه وراحته من العسكرية.» وهيَّأ نفسه للسفر إلى السودان، بعيدًا عن فتاته، ويعيش — كما حدَّث نفسه — وسط الصحاري والفيافي.١٣ وترك الحاج درويش ابنه يتطوع في الجندية، لأنه لم يجد عملًا يقتات منه، وسحب خالد ابنه من المدرسة الابتدائية؛ لأنه لم يقو على دفع مصاريف الدراسة، وباعت أم الخير سِوارها لتعيش بثمنه حتى يأذن الله بالفرج.١٤ ويلخص مجاهد — ذلك الشاب الذي يمثِّل — على حد تعبير الفنان — صلابة الفلاح المصري وذوده عن كرامته حين يكون في الإمكان أن يذود عنها — يلخص المأساة التي يحياها الفلاحون في قوله: لقد أصبحت هذه العيشة تورِّث الكفر. يشتغل المرء كالمحكوم عليهم بالأشغال الشاقة، ويهد قواه هدًّا وهو لا يدري أيكون له من عمله في آخر العام نصيبًا من الغلة التي أنتجها بكدِّه؛ فالدائرة هي التي تغنم كل شيء، أما نحن فلا نفيد شيئًا!١٥ ويقول له الناظر: إذا كنت غير مرتاح عندنا ففارقنا يا أخي، هل نحن ألزمناك بالبقاء بيننا؟ هل نحن أمسكناك من يديك؟
– أفارقكم إلى أين؟ إنكم جميعًا متشابهون، وما تفعله هذه الدائرة هنا تفعله الدائرة الأخرى هناك؛ في وسعي أن أبدِّل سيدًا بآخر، ولكني أظل عبدًا في جميع الأحوال.١٦ ويقول عبد القوي: «فنحن محكوم علينا بالذلة والمسكنة من قبل أن نتكوَّن في بطون أمهاتنا، وأولادنا أيضًا سيسلمون للشقاء والتعاسة بحكم مولدهم من أصلابنا، فيُسامون الخسف، ويُحقَّرون ويُهانون، دون أن يجدوا بين الناس من يرأف بهم، أو يستمع لهم.»١٧ ويقول: «إننا نظل نشقى في خدمة صاحب الأرض، نحرث ونعزق ونطهر المصارف والقنوات، ونقوم بجميع أعمال الزراعة، حتى إذا جاء أوان الحصد كان الحصيد له، فإذا ارتفع ثمن القطن تحوَّل الثمن المرتفع إلى خزانته. وإذا حلَّت أزمة كان علينا نحن أن نتحمَّل نتائجها، أو هبطت الأثمان اعتبرنا نحن المسئولين عن هبوطها، والمطالبين بتعويض صاحب الأرض عما لحقه من جراء ذلك الهبوط. وليست مصيبتنا مقصورة على ذلك، فإن مياه النيل ما تلبث أن ترتفع حتى يسخِّرنا القوم في بناء الجسور لحماية أطيان صاحب الأرض. وإذا زحفت أسراب الجراد، ألزمونا المبيت في الحقول لإجلائه عن مزروعات صاحب الأرض. وإذا ظهرت الدودة جمع البوليس والهجانة أولادنا وبناتنا لالتقاطها من أقطان صاحب الأرض. وإذا تطلبوا مجنَّدين أخذوهم منا، في حين يفتدي كلٌّ من السادة نفسه بعشرين جنيهًا، وما عشرون جنيهًا بالنسبة لمن في مثل ثرواتهم إلا كعشرين مليمًا بالنسبة لأمثالنا. نمشي منذ أن ندرج على المشي وراء الحمير لنقل السماد، ونظل نعمل ونكد ونكدح، وتغزونا الأمراض واحدًا فوق آخر، فلا نجد القوة على مكافحتها ومعالجة أنفسنا منها، حتى لتُسرِع إلينا الشيخوخة قبل الأوان. ومع ذلك، فما ننقطع عن العمل حتى يتولانا عزرائيل برحمته. وإنها — علم الله — لرحمة، فليس لنا سن نتقاعد فيها، مكفولي الرزق، ولا أمل في ثراءٍ مقبِل يرفِّه عنا بعض هذا الشقاء، فإلام هذا البؤس؟ وما هي الغاية من هذه الأشغال الشاقة المؤبدة؟»١٨ وحين يشكو الحاج عمر تعاسة ظروفه، وأن «الشرع حرَّم علينا لحم الخنزير، ولكنَّ الفقر حرَّم علينا باقي أنواع اللحوم.»١٩ يذكِّره الباشا بدَين قديم عليه في ١٩٣٠م، ويتساءل الرجل: وهل سنة ١٩٣٠م هذه ستظل قائمة في طريقنا؟ ألم يبقَ لنا حتى الأمل أن نكسي ذات يوم عيالنا، أو نشتري بقرة فأقدم لبنها؟ علام الدين؟ هل أفدنا من الزراعة شيئًا؟ أنشتغل بلا أجرٍ ثم تحمِّلوننا ديونًا؟٢٠

•••

تطالعنا الرواية بمفتش التعاون الذي راح يزيِّن للفلاحين — في حضرة الباشا — فكرة إنشاء جمعية تعاونية تنهض بمختلف الأعمال الزراعية والاقتصادية بنفقاتٍ أقل وأرباح أكثر، واشترى الفلاحون بواسطتها جرارات للحرث، تختزل الوقت والتكاليف.٢١ لم يخفِ الباشا تململه وضجره، وأكد أن الفلاحين يربون بهائمهم، ويأكلون خبزهم من ورائها، وأنهم لا يجدون وقتًا يمضونه في «متاعب الآلات، وإصلاح عطبها، ومشاكسة سواقيها.»٢٢ أما معاونو الباشا: العمدة والمأذون وكاتب الدائرة وناظر العزبة، فقد رفضوا الفكرة بإصرار، ثم أعلن الباشا موافقته وقد أضمر شيئًا، فهو يحصل من الفلاحين على أقساط السلفيات، ثم يبني بها قصرًا لنفسه!
وعندما يبدأ تجفيف الترعة، لتطهيرها في السدة الشتوية، ويخوض الفلاحون فيها لاصطياد السمك، يفرض العمدة لنفسه على كلٍّ منهم نصيبًا مما صاده.٢٣

وكان الشيخ مصطفى — رئيس مدرسة القرية — يدرك كل ما يجري في القرية، لكنه كان حريصًا على حكمة القرويين القائمة على المشاهدة مع التزام الصمت، والوقوف بعيدًا. وكان يفكر أحيانًا في أن يفعل شيئًا لهؤلاء الناس، أهله وناسه وجيرانه، لكن يُرجِعه الخوف على حياته، وعلى رزقه، وعلى مركزه بين الناس، وأنه نبات ضعيف في غابة ملأى بالأخشاب الضخمة، فضلًا عن سخطه على موقف الفلاحين الذين لا يحاولون — من أنفسهم — شيئًا، اللهم إلا الشكايات والتوسلات التي لا تفيد شيئًا. وأخيرًا، إحساسه بتفشي الفساد، وأن المحاولات الفردية للقضاء عليه، لا بد أن تبوء بالفشل. ومن هنا، فقد اكتفى الشيخ بأضعف الإيمان، بقلبه، يشفق على أحوال الناس، ويتصعب لهم، ويأمل الخير في قادم الأيام.

كان عبد الخالق هو بقعة الضوء في ليل القرية الدائم. وبقدر خفوت الضوء في البداية، فإنه ما لبث أن امتد واتسع ليفيد — فيما بعد — من مظاهر الحياة تمامًا في قصر مظهر. ترك عبد الخالق الجامعة، ورحل إلى القرية، يذيع فيها نظرياتٍ جديدة، وآراءً جديدة، وأفكارًا لم تخطر لأحدٍ من قبل. انطلق عبد الخالق من إيمان بأن العالم قد ارتقى كثيرًا، ولم يعُد يحتمل التصرفات المتخلفة عن العهد الإقطاعي. وقد قطعت مصر — بعد الحرب العالمية الثانية — شوطًا لا بأس به في مضمار المدنية والتقدم، ولكن الفلاحين ظلوا في حاجة إلى نهضة قوية.٢٤ كان عبد الخالق ينظر إلى المشكلات في صورتها البانورامية المتسعة التي لا تعترف بالجزئيات، ولا تُعنى طويلًا بالهوامش أو التفصيلات الثانوية. وعلى سبيل المثال، فإن مشكلة تفضيل الآباء عمل أولادهم بالزراعة بدلًا من إلحاقهم بالمدارس، ستجد حلًّا مؤكدًا حين يتعلم الجميع؛ لأنه لو اقتصر التعليم على خمسة أو عشرة، فربما تطرق الزهو إليهم، وامتنعوا عن احتراف الزراعة تعاليًا على بقية إخوانهم من الأميين، لكن تعلُّم الجميع سيجعلهم فلاحين متعلمين. ولم يكن عبد الخالق يكتفي بتبصير الفلاحين بحقوقهم، وإنما صارح زينب — قبل خطبته الرسمية لها — بحاجته إليها في العمل على ترقية مدارك الأهالي، فهو يسعى لأن تؤدي المرأة دورها المطلوب في المجتمع.٢٥ لكن عبد الخالق حرص — في الوقت نفسه — على تذكير الفلاحين بأنهم أصل الخير الذي يحيا فيه الباشا. حتى الضرائب التي تحصل عليها الحكومة، لتبني بها المستشفيات والطرق والمدارس إنما تحصل عليها من أموال الفلاحين بصورة مباشرة وغير مباشرة.٢٦ ويلجأ صالح في التعبير عن رأيه إلى الآية القرآنية كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ (البقرة: ٢٤٥)، فيقول عبد الخالق أفندي مصححًا: ينبغي ألا نعتبر أنفسنا فئة قليلة؛ فالفلاحون هم الكثرة الساحقة في البلاد، وإنما ينقصهم التنظيم والتوجيه الصالح.٢٧ ويحدد عبد الخالق أفندي للفلاحين مطالب بعينها للخلاص من إسار ظروفهم السيئة، وفي مقدمة هذه المطالب «وضع نظام عادل ثابت للإيجار الزراعي يضمن لكم أن تنالوا نصيبًا معقولًا مما تنتجه الأرض.»٢٨ ويسلِّط الباشا أعوانه لقتل عبد الخالق أفندي، لكن الرصاصات تقتل الفلاح صالح الذي تبرع له عبد الخالق بمعطفه القديم، فظنَّه القاتل عبد الخالق، وأفرغ فيه رصاصاته، لكن عبد الخالق لا يسعد بالسلامة الفردية، فالواجب هو سلامة المجموع، هو القضاء على الأوغاد الذين لا يحيون إلا بالجريمة «لقد أعلنوا الحرب عليَّ؛ فلا مناص من خوض غمارها.»٢٩
لقد كان المحامي نبيه مثلًا للشاب الوصولي الذي يحاول مداراة أهدافه فلا يفلح. الأستاذ نبيه — لكي يستولي على قلوب الفلاحين، وأصواتهم — يرسم لهم عالمًا ورديًّا، عقبته الكأداء بقاء الباشا على رأس القرية، فالبيوت من الحجر بدلًا من الطين، وكل فلاح يعمل في حقله الخاص، وله جواميسه وأبقاره وخِرافه. أما إذا ظل الفلاح أجيرًا، فإن الأجر الذي يجب أن يحصل عليه هو ستة قروش وليس ثلاثة قروش. وبعكس الموقف الضبابي الذي تحرك من خلاله الأستاذ نبيه، فإن عبد الخالق أفندي وضع تصورًا عامًّا لبرنامج يجب تنفيذه للنهوض بالريف المصري: فمن المهام الأولى، تمكين أبناء الفلاحين الفقراء من التعلم مثل غيرهم، بجعل التعليم مجانيًّا في جميع المدارس على اختلاف درجاتها، فإذا لم تتسع المدارس لكل التلاميذ، فبالوسع رفض أقل الطلبة جدارة، ولو كان آباؤهم من أصحاب الملايين.٣٠ ومن اللازم — ثانيًا — وضع نظامًا للإيجار الزراعي، ولا سيما نظام الزراعة بطريق الشراكة بين الفلاح وصاحب الأرض. ومن اللازم — ثالثًا — الاستغناء عن التصويت الشفوي والكتابي في الانتخابات، بوضع صناديق مختلفة الألوان داخل غرفة، فيضع كل فلاح ورقة في الصندوق المخصَّص لمن يريد اختياره. والهدف من هذا الاقتراح — بالطبع — هو التغلب على مشكلة الأمية.٣١ ثم يكشف الأستاذ نبيه عن حقيقة موقفه، حين يسأله عبد الخالق أفندي: ما الخدمات التي تود أن تتعهد بالقيام بها للفلاحين؟

– سأفعل ما فيه صلاحهم.

– أليس لك برنامج؟

– وما هي الحاجة إلى البرنامج؟ سأفعل لهم كل ما أستطيع فعله.

كان «الأستاذ» يسعى للوصول إلى كرسي البرلمان، بصرف النظر عن الوسيلة، ودون الالتزام ببرنامج محدد، اللهم إلا استخدام الشعارات الجوفاء، والعبارات التي لا تفيد شيئًا.٣٢

والحق أن عبد الخالق لم يكن واثقًا على الإطلاق في قيمة الشعارات التي كان يرفعها الأستاذ نبيه، وكان ينفر من أسلوبه في التفكير، ومن جرأته في الكذب الواضح. وقد أزمع — للحظة — أن يمتنع عن انتخاب أيٍّ من الرجلين — مظهر باشا أو الأستاذ نبيه — لكنه تخلى عن فكرته تقديرًا للتضحيات التي بذلتها الأمة لإيجاد دستورها، والحفاظ عليه. ثم تبيَّن لعبد الخالق صحة شكوكه حين تنازل الأستاذ نبيه عن ترشيح نفسه، مقابلًا لسعي الباشا في تعيينه مأمورًا للإدارة.

•••

قرر الصديقان عبد القوي ومجاهد إلغاء جملة «العفو عند المقدرة»، ووضْع — بدلًا منها — جملة أخرى هي «البطش عند المقدرة.»٣٣ وإذا كان عبد القوي قد خرج لقتل ناظر الزراعة ثأرًا لعمه، فإن مجاهد لم يكن يطالب بثأر، وإن كان لا يقل عن أصحاب الثأر شوقًا لمعاقبة الظالم. يقول عبد القوي في هدوء وحسم: آن الأوان أن نرتاح ونريح الخلق من هذا الشر، وهذا الفساد. آن الأوان أن نضع حدًّا لهذا العبث بمصالح الناس والاستخفاف بكرامة البشر. آن الأوان أن نعلن رفضنا تضحيتنا جميعًا على مذبح أنانية فرد أو بضعة أفراد، لقد خدعوا حين رأَوا أفواهنا مخرسة، فتمادوا في غيِّهم، فالآن فليتكلم الرصاص.٣٤ ويقول مجاهد: يسرُّني أني رفيقك في هذا العمل. إنك تثأر لعملك، أما أنا فأثأر للبشر كافة، أثأر لهؤلاء الألوف من المساكين الذين أجاعهم هذا الوغد، وأذلَّهم، وكاد يمسخهم قردة.٣٥ وترصَّد الرفيقان للناظر حتى اقترب منهما، ثم صوَّبا بندقيتيهما ليقتلا نخاسًا، مقابلًا لإنقاذ حياة الألوف. وانتشر النبأ في البلدة التي لم تخفِ فرحتها بما حدث، ووصل إلى الباشا الذي أعلن إصراره على العثور على القاتل «ولو أدَّى الأمر إلى طرح جميع فلاحي البلدة تحت «العدَّة»، وتقطيع جلودهم بالسياط.»٣٦ وتنبَّه الباشا — متأخرًا — إلى أنه قد أهمل التصدِّي لأفكار عبد الخالق، حتى أوشكت أن تخلخل ركائز النفوذ الذي قضى سني عمره في تدعيمه، وواجه عبد الخالق قائلًا: إن غرورك يزيِّن لك إنك تستطيع بسفهك ووقاحتك أن تثير زوبعة على البلدة. وعلا صوت عبد الخالق: إنها ليست زوبعة على البلدة، بل هي عاصفة فوق مصر، فوق مصر من أقصاها إلى أقصاها، تجتث جذور الظلم، وتقتلع أصول الفساد، ولئن لم تعُد أنت وأمثالك إلى رشدكم قبل فوات الأوان، فسندك صروحكم المبنية من القش على رمال متمورة غير ثابتة.٣٧ ويصل الفنان إلى القضية التي دفعته إلى كتابة روايته، فالباشا يشير إلى زيادة الجرائم بصورة لافتة — نفس ملاحظة الفنان في المقدمة — وأنها دليل مؤكد على طغيان روح الشر على الفلاحين، وأنهم إذا لم يؤخذوا بالشدة، فسيعم الفساد. ويقول المفتش الذي كان لا يزال يعاني فشل فكرته لإنشاء جمعية تعاونية يشارك فيها الفلاحون، بعد أن استولى الباشا على أموالهم لنفسه: الحقيقة يا باشا أن الأزمة الأخيرة جعلت الفلاحين في حالة مستحيلة، فهم أنصاف عراة، أنصاف جياع، بل أنصاف أحياء؛ فالأمراض تفتك بهم، ولا ريب أن هذه المجاعة التي نزلت بهم هي علة ازدياد الجرائم في السنين الأخيرة.٣٨ ويقترح الباشا — لإصلاح الحال — أن يعالَج الأمر بمنتهى القسوة، لكن طبيبًا شابًّا كان يتابع المناقشة، يتدخل قائلًا: أعتقد خلاف ذلك، فالذي يَلزمهم هو العدل لا القسوة؛ فالظلم هو العلة الأساسية لكل ما هم فيه، وما دامت العلة الأساسية باقية، فمن العبث، بل من الخطر أن نتركها ونلجأ إلى القوانين الصارمة والعقوبات القاسية.٣٩ ولأن الباشا كان يدافع عن كيانه، فهو يعلن رفضه حتى لمحاولات تبصير الفلاح بواقعه: الفلاح لا يشعر بأن له حقوقًا مهضومة، فهو قانع بعيشته، ولئن علِّمتموه ألَّا يقنع بها، فإنكم تكونون أنتم الذين تسببون له الألم والشقاء. إنكم عاجزون عن إمداده بما تزعمون أنه ينقصه، ولذلك لا أرى ثمة حاجة إلى تفتيح عينيه لرؤية ذلك النقص المزعوم.٤٠ ويلجأ الباشا إلى حيلة أخيرة، فيبعث رسولًا إلى عبد الخالق، يعرض عليه أن يعمل ناظرًا لعزبته، لكن عبد الخالق يرفض العرض، ويشترط لكي يتم الصلح بينه وبين الباشا — أن يتنازل الباشا عن ديونه قبل الفلاحين، ويخفض إيجار الأرض لهم، ويزيد رواتب الأجراء منهم، ويعطي الفلاحين ضمانات تطمئنهم على أنه سيحاسبهم على زراعتهم بكل دقة وأمانة. وقبل أن يصل رسول الباشا بالقبول أو الرفض، يصبح شراء عبد الخالق أمرًا غير ذي موضوع، فقد باع الأستاذ نفسه، وأعلن تنازله عن الترشيح، وفاز الباشا بالتزكية. لكن اليأس لم يتطرق إلى عبد الخالق؛ فقد كان واثقًا من عدالة القضية التي يناضل من أجلها. واستطاع بالفعل أن يتغلب على العقبات التي اعترضته، وحوَّل الفلاحين إلى أناس غير الذين كانوا بالأمس؛ فهم يرفضون العمل بالأجر الزهيد، ويصرُّون أن يُسمَع رأيهم في تحديد قيم الإيجار، ويرغمون الدائرة على القيام بواجباتها نحوهم على أكمل وجه، ويراقبون حساباتهم لديها مراقبة دقيقة. ثم تطورت العلاقة بين الباشا والفلاحين، مقابلًا لتصاعد المقاومة من جانب الفلاحين، ومؤامرات الباشا ضد تلك المقاومة؛ فعمد الفلاحون إلى سلسلة من الأعمال التخريبية والانتقامية، التي وجدت ذروة لها في قتل الابن الوحيد لمظهر باشا.
ويفيق الباشا على الصدمة القاسية، وأنه لم يكن يحسب العاصفة تهب بهذه السرعة، وهذه القوة، ويقرر الرجل التخلص من أعوانه الذين زيَّنوا له الشر، وسهَّلوا له ممارسته: العمدة والمأذون والباشكاتب. ويعلن الرجل، فيما يبدو أنه حرصٌ من الفنان على تنفيذ أفكاره الإصلاحية، والثورية أيضًا، ولو بتصاعدٍ غير منطقي لتطور الأحداث، يعلن الرجل وقْف أراضيه كلها على البلدة، وأن يُستخدَم ريعها في تشييد منازل صحية مستكملة وسائل الراحة، تُعطَى للفلاحين بأجورٍ رمزية، وفي إصلاح طرقات البلدة، وتجهيزها بمولِّد تيار كهربائي، وإقامة مستشفى ومدرسة ودار للسينما. ثم يختار الرجل، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، عبد الخالق أفندي ناظرًا على الوقف، يتولى قيادة الفلاحين نحو بلدة جديدة، وواقع جديد شعاره: لا استغلال ولا استعباد ولا خنوع ولا عبودية.٤١ ولعل في مقدمة ما يحفظ للرواية قيمتها المضمونية، التعبير الأدق: الاجتماعية، أن الفنان قد أمسك بالمفاتيح نفسها التي تدخل بها أفكار البرجوازية إلى وجدان الفلاح المصري (قال الفنان للكاتب كامل عجلان: أنا مؤمن بأني موفق فيما انتزعته من حياتنا الريفية).٤٢ فالمبادئ الدينية هي لصالح كل البشر، وليست وقفًا على طبقة دون سواها، والقول بأن النظام السائد وضعه الله — سبحانه وتعالى — باطل وسخيف؛ لأنه ما أصاب المرء حسنة فمن الله، وما أصاب سيئة فمن نفسه.٤٣
إن الظلم — على حد تعبير عصام الدين حفني ناصف — لا يُحدِث الثورات، لكن يُحدِثها الشعور به. وإذن فالذي يدأب على لفت نظر أمة من الأمم، أو طبقة من الطبقات، إلى ما يصيبها من ظلم كانت غافلة عنه، لا يقل اشتراكًا في أحداث ثورتها عمن يتولى قيادة حركتها المسلحة.٤٤ والملاحَظ أنه حين سمع أحد فلاحي قصر مظهر أن صحيفة كتبت عن الفلاحين، أنهم عماد ثروة البلاد، وأصحاب الفضل على الأغنياء، ومن واجب الحكومة أن تُعنى بهم … ابتسم الرجل حينًا، ثم غاضت ابتسامته، وربَّت على كتف ابنه الرضيع، وقال له: لعلهم يعرفون بذلك في قابل أيامك.٤٥

•••

أثارت «عاصفة فوق مصر» عاصفة من النقد والملاحظات تساوي الأثر الذي أحدثته، أما ملاحظة محرر «المصور» على الرواية بأن المقدمة التي يقول فيها الفنان «إنها ليست وليدة موهبة فذة، أو خيال محلق، أو شاعرية مرهفة، فقد كان في وسع أي شرطي ممن ألِفوا تدوين المحاضر أن يكتبها بعينها لو أنه كُلِّف بكتابة محضر بسير الأحوال في أية قرية مصرية؛ فهي صنعة لا تدل على صانع، بل هي بضاعة لا صنعة فيها.»٤٦ هذه الكلمات لا تنطوي «على كثير من التواضع»، كما يقول محرر «البلاغ»، و«ليس في استطاعة ألف شرطي ممن ألِفوا تدوين المحاضر أن يكتبها.»٤٧ لكنها تمثِّل إدانة صريحة لواقع الريف المصري بعامة. ووصف محرر «الدستور» الفنان بأنه «دائب الثورة، دائم الغليان، شأن الرجل الفوار.»٤٨ وكتب محرر «الدستور» بتوقيع مختار: «كم من شخصية مصرية تماثل شخصية مظهر باشا سيد تلك القرية — قصر مظهر — أثرى بعد إملاق بطرقٍ تندى الفضيلة حياء منها، وابتنى القصور وقد أخمص البطون وأجاع الفلاحين، وسخر من إنسانيتهم، وتظاهر بالتقى والروع متوسلًا بذلك المظهر الساخر إلى خداعهم، والإجهاز على أسباب حياتهم، والحيلولة بينهم وبين نور العلم وفضاء الحرية. عندنا كثير من أمثال مظهر باشا، ذلك الرجل الجاهل المتعلم، يلتف حوله نفر من الضعاف المتملقين الذين يسبِّحون بحمده، ويقبِّلون تراب الأرض بين يديه في مهانة وصغار، وهم يعلمون أنهم بذلك يكذبون أنفسهم، ويكذبون ذلك الباشا الذميم. أجل، عندنا الكثير من أمثال العمدة والمأذون وناظر الزراعة وكاتب حسابات الدايرة ممن يسبِّحون بحمد الباشا مظهر، قصد الحصول على لباناتهم الدنيئة وأغراضهم التافهة. نعم يا سيدي، في ريف مصر أناس كالكهول المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة المؤبدة، يعرفون أنهم سيموتون دون أن يتنسموا نسيم الحرية، ولكن هذه المعرفة لا تدفعهم إلى محاولة ما، فغريزة حفظ الحياة تصدُّهم عن الانتحار، وحب الإخلاد إلى الراحة والركون إلى الاستكانة يثبطان هممهم دون التمرد والمجازفة. وهكذا يظلون يحيون حياتهم التعسة في منفاهم المهين، وليس أمامهم من غرض سوى وفاء مدة الحكم الأبدي التي حُكِم عليهم بها، ولكن في ريف مصر شباب على غرار عبد الخالق أفندي، ذلك الشاب المثقف ابن الأسرة المتوسطة الحال، قد يعود إلى مثل قرية «قصر مظهر»، فيجد حالة أهله وعشيرته كما وصفنا، ويجد مثل ذلك الباشا الذميم فارضًا نفسه على الأرض والخلق جميعًا، كما لو كان إلهًا، فتثور لذلك نفسه الحرة المستنيرة، ويحاول جهده الصمود لنيره ومقاومة سلطانه، والقضاء على بطشه.»٤٩ وثمة رأي أننا إذا «سمَّينا ما كتبه عصام الدين رواية، فقد نسيء إليها لأنها قطع ألم وصفحات بؤس، أشبه ما تكون بالمذكرات والمشاهدات الريفية.»٥٠ وأنه يكفي المؤلف توقيعه في روايته، وصراحته وتضحيته في سبيل فكرته وإصلاح شأن الفلاح.٥١ وكتب محرر «البلاغ»: «تلكم هي القضية التي حاربت نظام الطبقات، فسدَّت فراغًا، بل وردَّت عن الفكر المصري عارًا، وليس لي عليها مأخذ، بل لها عليَّ حق الفخار بها.»٥٢ أضاف المحرر أن الفنان آمن «بأن مصاب مصر في سوء توزيع الثروة، وتسلُّط طبقة على طبقة، فكرَّس جهوده لمحاربة نظام الطبقات حتى تفيء الطبقة الباغية، وراح يخدم فكرته بطائفة من المؤلفات تطرف في بعضها حتى ناله السوء، واعتدل أخيرًا فجنح إلى القصة الاجتماعية، يقلِّد فيها الأدب الروسي، ولكن يقيمها على مصر، ويجعل أبطالها من المصريين.»٥٣ أما المازني، فقد أشار إلى أن من واجبه — كمصري لا كأديب — أن ينبِّه إلى هذا الكتاب، «لا لأن السيد عصام صديق لي، بل لأن كتابه نذير جدير بالإصغاء، وأخوف ما أخاف أن يصدق عنوانه، فيثير الإهمال العاصفة التي يحذرنا منها.»٥٤ وكتب زكي المحاسني «لو كان الأمر لي لطبعت من هذه الرواية ألوفًا، وفرقتها على الفلاحين؛ لأن فيها قطرة لعيونهم العشواء.»٥٥ وأما محرر «الصباح» فقد كتب: «الأستاذ عصام الدين حفني ناصف يُعَد من خيرة من وقفوا على النظم الاجتماعية العالمية، جديدها وقديمها، وأحسنوا درس تواريخها ونشأتها وأسبابها وتطوراتها ونتائجها، وله في هذا الصدد بحوث ومترجمات كثيرة؛ فهو إذ يعالج مثل هذه الأدوار الواغلة في جسد الحياة المصرية من تحكم البرجوازية واستعانتها بذيولها وأذنابها على إهدار دم الفلاح، فإنما يعالِج عن معرفة الدارس الواسع الاطلاع، إلى جانب خبرة الباحث الاجتماعي الذي قضى شطرًا من حياته في الريف راصدًا وقته لدراسة ما توفَّر عليه، وهذه القصة أمثولة مصرية من القصص التي يُكتَب لها الخلود في الغرب، ويكون لها أثرٌ أيما أثر في الانقلابات الإصلاحية.»٥٦

هوامش

(١) الهلال، ديسمبر ١٩٨٧م.
(٢) مجلة «التطور»، مايو ١٩٤٠م.
(٣) حكمت كامل آدم، الناس والدنيا، مطبعة دمنهور، ٨.
(٤) عصام الدين حفني ناصف، عاصفة فوق مصر، الطبعة الأولى، ١٩٣٩م، المقدمة.
(٥) المصدر السابق، ٣.
(٦) نفسه، ٥.
(٧) نفسه، ٥.
(٨) نفسه، ٥.
(٩) نفسه، ٦.
(١٠) نفسه، ٧.
(١١) نفسه، ٨٥.
(١٢) نفسه، ٩٧.
(١٣) محمد أمين حسونة، الغروب، الورد الأبيض، ١٩٣٣م.
(١٤) عاصفة فوق مصر، ٢٩.
(١٥) المصدر السابق، ٣٨.
(١٦) نفسه، ٣٩.
(١٧) نفسه، ٩٤.
(١٨) نفسه، ٩٥.
(١٩) نفسه، ٢٥.
(٢٠) نفسه، ٢٥.
(٢١) نفسه، ١٢.
(٢٢) نفسه، ١٣.
(٢٣) نفسه، ٤٨.
(٢٤) نفسه، ٥١.
(٢٥) نفسه، ٧٢.
(٢٦) نفسه، ٦٦.
(٢٧) نفسه، ٦٦.
(٢٨) نفسه، ٥١.
(٢٩) نفسه، ٧٩.
(٣٠) نفسه، ١٠٧.
(٣١) نفسه، ١١٧.
(٣٢) نفسه، ١٠٦.
(٣٣) نفسه، ٩٨.
(٣٤) نفسه، ٩٩.
(٣٥) نفسه، ٩٩.
(٣٦) نفسه، ١٠٩.
(٣٧) نفسه، ١٠٣.
(٣٨) نفسه، ٨٦.
(٣٩) نفسه، ٨٨.
(٤٠) نفسه، ٨٩.
(٤١) نفسه، ١٢٩.
(٤٢) الدستور، ٩/ ٧/ ١٩٣٩م.
(٤٣) الشمندورة، ٥٠.
(٤٤) اليسار المصري، ٢٠٠.
(٤٥) الشمندورة، ٣٧.
(٤٦) المصور، ١١/ ٥/ ١٩٣٩م.
(٤٧) الدستور، ٢٣/ ٥/ ١٩٣٩م.
(٤٨) المرجع السابق.
(٤٩) نفسه.
(٥٠) الدستور، ٩/ ٧/ ١٩٣٩م.
(٥١) المرجع السابق.
(٥٢) البلاغ، ٥/ ٥/ ١٩٣٩م.
(٥٣) البلاغ، ٢٥/ ٥/ ١٩٣٩م.
(٥٤) البلاغ، ٢٤/ ٦/ ١٩٣٩م.
(٥٥) من قصاصة جريدة بلا تاريخ في أوراق عصام الدين حفني ناصف.
(٥٦) الصباح، ٢٨/ ٦/ ١٩٣٩م.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥