غروب أيام الفتوات
يقول الفتوة (العالم الآخر): «هنا يتقرر مصيرك بقوة رأسك، ويتحدد مركزك المالي
بجرأتك، وتتقرر سعادتك بطاقة حيويتك، لا زيف على الإطلاق. اعتبرني الآن رئيس وزراء
يعترض طريقه رجل خطير، فإذا تغلبت عليه تُوِّجت ملكًا.»١ الطموح مهلكة، لكنه حلم الفتوات (الرجل الثاني، الشيطان يعظ)، و«لا فتونة
بلا جنون.»٢ الفتونة الحقة لا تستند إلى القوة والشجاعة وحدهما،٣ إنها تحتاج إلى صفات أخرى، في مقدمتها سرعة البديهة، والمبادرة، والذكاء،
وخفة النمر، ودهاء الثعلب.٤ وقد أصبح حسن الفران (جاء الشتاء) فتوة، بعد أن خاض معركة، حطم فيها أحد
المقاهي، ودخل السجن عقابًا لما فعل. وحين عاد إلى الحي، كانت قصته قد سبقته «كان قد
أصبح أحدوثة؛ فالنساء يتغامزن حوله، وكما لم يعرف الناس سبب المعركة الماضية، لم
يستطيعوا معرفة السبب في معركة اليوم. المهم أن حسن حطم المقهى تمامًا، واختفى بأيدي
رجال البوليس وراء جدران السجن، وشاعت قصة حسن في الحي، وعندما عاد هذه المرة، كان قد
أصبح أحدوثة.»٥ «وعرفت النقود طريقها إليه، من شغلة جديدة وسهلة، وليس فيها عرق الفرن، ولا
مذلَّة الخدمة، ولا مغامرة التجارة في الحشيش. إنه يطلب فقط، والناس من حوله تلبي ما
يطلبه.»٦ وثمة فتوة الزفة الذي يرقص ويسكر ويصول ويجول، ثم يعمل عصاه في المصابيح
وطاقات الورد والمزامير والمدعوين، حتى يغطي الصوات على الزغاريد.٧ كانت كل حارة (الحارة هي الحي في المعنى القديم) تحتاج إلى فتوة لتحفظ
ذاتها وكرامتها بين الحارات الأخرى.٨ وقد يشمل الفتوة بحمايته بيوت الدعارة.٩ مثل حسن كامل علي في درب طياب (بداية ونهاية)، وخليل زكي الذي كان «حاميًا»
لجميع بيوت الدعارة في منطقة السكاكيني.١٠ وكان عشماوي هو رجل درب الحلة وحاميه، بفضل قوته وجبروته، فنعم أهل الدرب
بالسلام والأمان، فالويل لمن يتعرض لأحدهم بالسوء، بل إنهم — بفضله — بغوا على الخلق
وهم
في أمن من العواقب. وعندما اعتدى فتوة من القبيسي على رجل من أبناء الدرب، هجم على الحي
كالقضاء والقدر، لم يفرق بين متهم وبريء، هوت ضرباته على رءوس المارة، وحطم الدكاكين،
وأشعل النيران في عربات اليد، بل إن مما يفخر به — إبان ثورة ١٩١٩م — أنه ذبح إنجليزيًّا،
وشرب دمه!١١ وفي قصة محمد تيمور «صفارة العيد» (١٩١٧م) يطالعنا الفتوة محمود السبع الذي
يصيح الأطفال لمشاهدته: محمود السبع حضر … محمود السبع حضر! ويصفقون بأيديهم، فيبتسم
لهم محمود، ويمضي في طريقه على مهل، ملوحًا بعصاه في الهواء، كما يلوح الفارس
بسيفه.١٢ وكان الفتوة (نفق المنيرة) يجرع زجاجة البيرة، ولا يدفع ثمنها، ويعيش على
إتاوات يفرضها على الآخرين لقاء حمايتهم — كما ادعى — ومن يعترض فإنه يواجِه
العقاب.١٣ وقد استطاع «الحنش» أن يفرض سلطانه على رقعة واسعة من البلاد، يتصرف فيها
تصرف الحاكم المطلق، يقتل، ويسلب، ويفرض الإتاوات، لا يهاب شيئًا، ولا يخضع لإرادة أحد،
وليس في رأيه منازع ولا مدافع. وعُرِف عنه أنه كان يجري أرزاقًا على أسر معوزة، وكان
يرد
الحقوق إلى الضعفاء حين يستعدونه على الأقوياء، ويفرج عن الناس كرباتهم في المواسم
والأعياد والأزمات.١٤ وعندما يُعِد الفتوات أنفسهم لمعركة، فإنهم يتسلحون بالنبابيت والخناجر،
ويشحنون العربات بالزلط والزجاجات وخردة الحديد.١٥
وحين يلُوح موكب الفتوة من بعيد، فإن أحد «الناضورجية» يصفر، ثم يهتف باسمه، ويلوذ
الجميع بالبيوت والقهاوي والدكاكين التي ما تلبث أن تغلق أبوابها، ويشمل الدرب سكون
كأنه الموت. ثم يظهر الفتوة وسط أتباعه المسلحين بالنبابيت، يلقون على المكان الخالي
نظرة استعلاء، ويرجُّون الأرض بوقع أقدامهم الثقيلة، وارتطام نبابيتهم بالبلاط، ويواصلون
السير في هدوء، حتى تغيِّبهم نهاية الدرب. وتمر دقائق قبل أن يخرج الناضورجي من مكمنه،
ويهتف: أمان!١٦ وقد يمارس الفتوة القوادة، والعكس صحيح. وكان القلعاوي (عريان بين الذئاب)
يكسب رزقه من حماية النسوة في حي البغايا، ويفرض عليهن سطوته.١٧ وثمة المعلم أبو زيد (نحن لا نزرع الشوك) الذي يضاجع المعلمة لواحظ ليلًا،
ويحمي حقوقها وبيتها في النهار «طويل القامة، عريض المنكبين والفكين، يغطي جسده الضخم
جلباب بلدي ينبعج أمامه كرشه البارز، ويلف رأسه بلاسة بيضاء صفراء النقوش، ومن فتحة
الجلباب يبدو الصديري المخطط وقد علقت فيه كتينة ذهب تحمل ساعة الجيب.»١٨ ويصف الفنان معارك الفتوات في أوائل القرن العشرين، بأنه ما أن تنشب معركة
حتى يعصف الذعر بالناس، فيتوارى كلٌّ بما يملك، أو بنفسه، وراء الأبواب، «وهنالك ينعق
غراب الخراب، فتنقلب العربات، وتتحطم السلال، وينفجر الصوات، ويصاب الأبرياء بلا حساب،
حتى أمست الحياة شرًّا لا يُطاق.»١٩ فإذا طال عمر الفتوة، دون أن تصرعه ضربة شومة أو طعنة سكين، فإنه يضطر إلى
اعتزال الفتونة بحكم العجز والكبر.٢٠
وقد شهد حسن (جاء الشتاء) زوال سطوته، ونهاية عهده، عندما فوجئ بفتور تدريجي من دافعي
الإتاوات. فقد تقلص ما يدفعونه من يوم بعد يوم، إلى مرة كل أسبوع، ثم مرة كل شهر. حتى
فردوس التي أحبها ولم يبخل عليها بشيء على الإطلاق، فترت مشاعرها — بصورة واضحة — نحوه.
ولما تورط في قتل زوجها، فوجئ بالعشرات يشهدون ضده من أصحاب المقاهي والباعة والمتشردين
والذين كانوا يقبِّلون يده!٢١
•••
كانت الحياة — في ظل الفتوات — توترًا دائمًا، وقلقًا، والمعارك تنشب لسببٍ ولغير
سبب،
وربما نشبت المعركة لشتمة أو سخرية أو طوبة، وقد تظل المعركة صغيرة، أو تتسع فتشمل
الكثيرين.٢٢ وحين دخل كمال الصغير (بين القصرين) في خناقة مع ولد من أسرة فتوات معروفة
بالدرَّاسة، فإن والده — أحمد عبد الجواد — لجأ، ليدفع عن ابنه أذى الفتوات، إلى بعض
معارفه من تجار الدرَّاسة، فمضوا إلى بيت الفتوات، مستشفعين له، وزاد أحمد عبد الجواد
فبعث بمن يحمل إليهم نفحة من هداياه، ونجا كمال من عصي الفتوات.٢٣
كان وجود الفتوات — كما يقول الفنان — معترفًا به من الشرطة، فهي تلجأ إليهم في الكثير
من الجرائم، تنشد المساعدة. بل إن مأمور قسم الظاهر لجأ إلى فتوة الحي — يومًا — يطلب
عونه. وبالإضافة إلى ذلك، فقد كان الناس على اقتناع بأن الفتونة أقوى من الحكومة، فلم
يروا طوال حياتهم شرطيًّا يتحدى فتوة، بينما كان الفتوات يتحدون القانون في كل ساعة من
نهار أو ليل.٢٤ وثمة فتوات من النساء، كانت فتحية إحداهن، ظلت أكثر من خمسين سنة تخوض
المعارك لحساب نفسها، ولحساب الآخرين.٢٥ وشيئًا فشيئًا، حلَّت الشرطة محل الفتوات؛ مضى عهد الفتوات والفتونة، اختفى
الأعوان، وبطلت الشعائر، فأصبح عشماوي — في نظر القانون — صاحب مقهًى وتحت المراقبة
الدائمة، وإن ظل — في نظر أهل الحارة — هو الفتوة والحامي، حتى الشرطي وشيخ الحارة كانا
يخصانه بالاحترام وحسن المعاملة.٢٦ مع ذلك، فإن الفتوة عشماوي يعبِّر عن ضيقه بالحال التي وصل إليها: «إني ألعن
كل شيء، وألعن فوق كل شيء نفسي. إني ثائر على ضعفي وعجزي واندحاري في صندوق القمامة بلا
حول. ومن أنا؟ أنا عشماوي الخشن، صاحب القبضة الحديدية والنبوت المخضب بالدماء. أنا من
يَرجف عند ذكر اسمه الرجال، وتتوارى النساء، ويستعيذ بالله منه رجال الشرطة. أنا المجرم
الجبار الفتاك الطاغية السفاك النمرود الشيطان.»٢٧
أما موجود الديناري صاحب مقهًى (الرجل الثاني) فهو آخر الفتوات في صبا الراوي قبل
أن
ينتهي العصر بكامله، يجلس فوق أريكة الإدارة، في شيخوخة مجللة بالمهابة والقوة والجمال،
والنوادر الغامضة عن حكايات فتونته، تتناثر بين رواد المقهى، وتتضارب حولها
التفاسير.٢٨ أصبح الرجل — في نظر القانون — صاحب مقهًى، وتحت المراقبة الدائمة، وإن ظل — في
نظر الناس — فتوة الحارة وحاميها.
وكان الأب فتوة، فلما كسرت الشرطة شوكة الفتوات، اشتغل بما كان عنده من مال في تجارة
شريفة، حفظت حياة أسرته.٢٩ وكان الشحاذ الذي يقف أسفل فندق القاهرة يتغنى بالمدائح النبوية (الطريق)،
كان الرجل في شبابه فتوة داعرًا، ثم فقدَ كل شيء من قوة ومال وبصر، فتسول!٣٠
•••
وإذا كان عصر الفتوات قد انقضى تمامًا من المدينة، فإنه ظل قائمًا في الريف. تعوَّد
أهل
القرية (شرخ في جدار الخوف) — على سبيل المثال — بمرور الزمن أن يكونوا في حاجة إلى
مروان؛ فهم ينظرون إليه، يسمعون له، يحملقون فيه، ثم تخشع عيونهم، ويمتثلون بالرضا، أو
بالاستسلام، أو بالرهبة.٣١ كان مروان مجرد فلاح فقير، جاء إلى العمدة يومًا، يستعين به في شراء شوال
كيماوي، ورأى العمدة أن يكون مروان هو الفاعل في جريمة قتل، رغم أنه كان يعرف جيدًا أن
سلامة هو الفاعل.٣٢ يقول الفنان: «في الأول، كانت قد بدأت الحكاية بشكلٍ مستورٍ من جانبهم، فلما
فهم هو الموضوع، استحلى خوف الناس، وانساق مع استعدادهم للخضوع لنصيحته، ثم الاستجابة
لمطالبه، ثم بالعادة للخوف منه، وآه يا بلد تخاف ولا تختشيش، حتى أصبح يطلب الإتاوة على
المكشوف بلا غطاء، ولا قناع، بل لقد أصبح يهدد بقطع الطريق، بالقطط المشتعلة لغيطان
القمح قبل الحصاد، وإغراق المحاصيل وقطع المياه، بل وتسميم المواشي أيضًا.»٣٣
وفي قصة «أستغفر الله» يضغط الفنان على حقيقة غريبة، هي أن القوة هي سبيل الحياة
الآمنة
في الريف. الراوي في قصة «المجداف» يصف أحد هؤلاء الفتوات بقوله: «إنه شوك في الزرع
الطيب، وهو الذي يسوِّد وجه الريف، ويحجب عنه ضوء القمر، ويجعل أهله وأعيانه يهربون إلى
المدينة.»٣٤ وقد عانى عمران من اقتلاع زراعة قطنه، وتسميم مواشيه، وكان يتحمل الجرائم
التي يعرف مرتكبيها في صبر، وإيمان بقضاء الله.٣٥ مع ذلك، فلعل التقدير الخفي — أو المعلَن — الذي يحمله الفلاحون للأشقياء، هو
تعبير عن رفضهم للظلم الذي عانوه في التاريخ المصري. نحن نجد في الشيخ «أبو الغيط»
(الوشاح الأبيض) واحدًا من هؤلاء الفتوات، أو كما يصفه الفنان، سلطانًا من سلاطين الريف
الذين يستنبتون الجريمة، ولا يمسهم القانون إلا مسًّا رفيقًا.٣٦ وقد فرض «أبو الغيط» سطوته على عزبة الأفندي، فلم يجرؤ أحد على استئجارها، أو
فلاحتها، ولم يجد سعيد — الابن الذي ورثها عن أبيه — من يبيعها، أو يؤجرها، أو حتى من
يقبل فلاحتها لحسابه إلا بعد أن قتل «أبو الغيط».٣٧ وكان سالم (عمدة الناحية) يتزعم خمسة من ذوي الشوارب والعضلات المفتولة من
أبناء القرية، صناعتهم أداء الخدمات لكل من يريد الأخذ بالثأر، أو من يريد إشعال النار
في جرن خصمه، أو في منزله.٣٨ وقد لجأ منير (عدالة القدر) إلى أحد هؤلاء الفتوات، وحرَّضه على تقطيع حقل
الذرة الذي يملكه الشيخ بهاء.٣٩ وفي قصة «أبو الشوارب» آثر الشاويش عاشور أن يقضي أيامه الأخيرة في هدوء، بعد
أن عمل لمدة ثلاثين عامًا مساعدًا لعشماوي، لكنه ظل يواجه اتهام أبناء قريته: «ما نفع
هذا الشارب الضخم المسنون، وأنت من الجبن والخور بحيث لا تستطيع أن تذبح دجاجة؟ خير لك
أن تحلق شاربك!» وأقدَم الشاويش عاشور على جريمة الثأر، ليظل — كما كان دائمًا — «أبو
الشوارب».٤٠ وكان المفروض أن يواصل عويس (عصر عويس الذهبي) حياته في طمأنينة ودعة كنجار
للسواقي والطنابير الخضبية والعصي، لولا اتهام الشيخ بيومي له بأنه وراء كل الجرائم
التي شهدتها القرية، ولا تزال. وكان الناس يصدقون الشيخ في كل ما يقوله، وتحوَّل عويس
—
ذلك الذي لم يقتل ذبابة — إلى شخصية أسطورية، يعمل لها الجميع ألف حساب. حتى أبناء القرى
المجاورة، أصبحوا يفدون ليمعنوا النظر في عويس، وينشروا من ثَم حكايات خارقة عن المخلوق
العجيب الذي أنجبته الدلاتون: نجار طنابير وعمل نهارًا، وما رواه لا يرحم إذا جاء
الليل.٤١ وقد غادر سعد الله السجن، وفي نيته أن يتخلى عن الجريمة، لكن نظرة الناس
الثابتة التي وضعته في موضع «الخرع» اضطرته للعودة إلى الجريمة.٤٢ وعلى الرغم من التهمة التي قذفت بالفلاح خميس (وجه الحياة) في السجن لمدة
خمسة عشر عامًا، فقد أصر أبناء القرية — بعد عودته — على أن يعاملوه كقاتل، كمجرم،
اصطنعوا له هيبة خلقوها من خوفهم منه، من احترامهم الزائف له، وراحوا يقدمون له
الإتاوات والإكراميات، ويقومون له إذا مرَّ، ويحيُّونه إذا ابتسم، ويحملون عنه إذا وجدوا
بيده شيئًا. وكان خميس يرفض دائمًا: والله يا جماعة الحكاية مش كده … أنا زيكم … الحكاية
مش مستحقة … يعني عاوز أقول لكم بصريح العبارة: حكاية اللومان دي ما كانتش مضبوط … دانا
أخاف أدبح الفرخة … ثم ليه يا بني الإكرامية اللي مش بحق وحقيق دي؟ مش انتوا أولى بيها؟
اللومانجي شيء بعبع يا جماعة. لكن أبناء القرية ظلوا على إقناعهم بجريمته، وخوفهم منه.
ولم يغادر «الكابوس» حياتهم إلا بعد أن أبلغ العمدة عنه الإدارة، فأودعته أحد المعتقلات
باعتباره خطرًا على الأمن.٤٣ وإذا لم تكن بعض قرى الوجه البحري قد أزعجت سلطات الأمن بجرائم من أي نوع،
فذلك لأن الإقطاعيين كانوا يمارسون — في الأغلب — دور السلطتين القضائية والتنفيذية في
قراهم، ومن ثَم فلم تكن هناك محاضر رسمية ضد الجريمة. وأحيانًا، كانت إحدى الأسر الغنية
تكلِّف بعض المجرمين بأخذ ثأرها، دون أن تعرض أفرادها للأذى من حيث التعرض للعقوبة، أو
التعرض للمعاملة بالمثل. وبعد أن كان «أبو دراع» حارسًا خاصًّا لعمدة القرية، تحوَّل
— بأوامر
العمدة نفسه — إلى أداة تقضي على الخصوم، وتحرق الأراضي، وتسلب المحاصيل. ثم جاء الوقت
الذي غادر فيه «أبو دراع» دائرة نفوذ العمدة، واشتغل لحساب نفسه، ولكل من يدفع الأجر،
وأشاعت عصابة «أبو دراع» الإرهاب في الإقليم بأكمله. وكان ينجيه من قبضة الحكومة أن
«السادة» كانوا يحمونه، ويبعدون أذى الحكومة عنه. والغريب أن «أبو دراع» سلَّم نفسه
للشرطة فداء لامرأة ثأر لها من قاتل زوجها، بعد أن اعترفت أنها هي القاتلة!٤٤ وكان سلومة (أزهار الشوك) واحدًا من هؤلاء الفتوات، وكان — في بداية أمره —
أجيرًا في إحدى العزب، ثم حبَّب إليه إبراهيم ميسور — أحد أعيان الريف — أن يعمل عنده.
وكان
ذلك العمل نوعًا من الجريمة — المستترة، أو المعلنة — وتمادى سلومة في عمله الغريب، حتى
كادت أحاديث الناس تقتصر في اجتماعاتهم على آخر ما جناه. وكان إبراهيم ميسور يدفع عنه
أذى الأقوياء، فإذا قبضت عليه الحكومة دفع كبار المحامين لتبرئته. لكن سلومة، لسببٍ غير
معروف، انقلب على سيده، وتواصلت القطيعة بينهما، حتى نجح إبراهيم ميسور في الزج بسلومة
في السجن، مقابلًا للجرائم التي حرَّضه هو على ارتكابها.٤٥ ولم يعُد الشيخ حميدة الباز (رجل رهيب) منذ عيَّنه صاحب الضيعة خفيرًا، يقترب
من أمواله، بل إنه قتل ربيبته الصغيرة — ابنة زوجته — عندما أقدمت على سرقة أموال صاحب
الضيعة، تلك الربيبة التي كان يصفها بأنها وحيدته، وقرة عينه، وبهجة قلبه. يقول: وهل
تظن أن أحدًا من الأشرار تحدِّثه نفسه بشيء ما دمت حيًّا؟٤٦ ويمثِّل أبو السباع (سماعين) نموذجًا آخر لأشقياء الريف، فهو يقف لصفوان بيه
على الترعة، ويجبره على أن يعطي للشغالة في أرضه نقودهم.٤٧
هوامش
(١) نجيب محفوظ، العالم الآخر، شهر العسل، مكتبة مصر.
(٢) المصدر السابق.
(٣) نفسه.
(٤) نفسه.
(٥) محمود السعدني، جاء الشتاء، السماء السوداء، الطبعة الأولى، ١٩٥٥م.
(٦) المصدر السابق.
(٧) قصر الشوق، ١٠٣.
(٨) حكايات حارتنا، ١٢٥.
(٩) المرايا، ٩٦.
(١٠) المصدر السابق، ٩٦.
(١١) حب تحت المطر، ٤٠.
(١٢) صفارة العيد، مؤلفات محمد تيمور.
(١٣) حسني سيد لبيب، نفق المنيرة، ٦.
(١٤) محمود تيمور، الحنش والعقرب، حكاية أبي عوف، دار نهضة مصر، ١٩٦٩م.
(١٥) الرجل الثاني، الشيطان يعظ.
(١٦) العالم الآخر، شهر العسل.
(١٧) سعد مكاوي، عريان بين الذئاب، الزمن الوغد، هيئة الكتاب.
(١٨) نحن لا نزرع الشوك، ٢: ٥٨١.
(١٩) نجيب محفوظ، الخوف، بيت سيئ السمعة، مكتبة مصر.
(٢٠) حكايات حارتنا، ١٢١.
(٢١) جاء الشتاء، السماء السوداء.
(٢٢) نجيب محفوظ، المجنونة، خمارة القط الأسود، مكتبة مصر.
(٢٣) بين القصرين، ٥٥.
(٢٤) الخوف، بيت سيئ السمعة.
(٢٥) سعد مكاوي، الزمن الوغد، هيئة الكتاب.
(٢٦) المصدر السابق.
(٢٧) نجيب محفوظ، حب تحت المطر، مكتبة مصر، ٣٩.
(٢٨) نجيب محفوظ، الرجل الثاني، الشيطان يعظ، مكتبة مصر.
(٢٩) نجيب محفوظ، ثمن الضعف، المجلة الجديدة، ٣/ ٨/ ١٩٣٤م.
(٣٠) الطريق، ١٤١.
(٣١) محمد صدقي، شرخ في جدار الخوف، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر،
١٩٦٣م.
(٣٢) المصدر السابق.
(٣٣) نفسه.
(٣٤) محمود البدوي، المجداف، غرفة على السطح.
(٣٥) محمد أمين حسونة، الغروب، أوراق الورد، ١٩٣٢م.
(٣٦) محمد عبد الحليم عبد الله، الوشاح الأبيض، مكتبة مصر، ١١٤.
(٣٧) المصدر السابق، ١٦٦.
(٣٨) علي الدالي، عمدة الناحية، القصة، ٢٠/ ٢/ ١٩٥٠م.
(٣٩) عدالة القدر، ٤١.
(٤٠) محمود تيمور، أبو الشوارب، ٢٣.
(٤١) سعد مكاوي، عصر عويس الذهبي، الماء العكر، دار الفكر.
(٤٢) ثروت أباظة، ذكريات بعيدة، أستغفِر الله، دار القلم.
(٤٣) محمد صدقي، وجه الحياة.
(٤٤) لطفي الخولي، اللومنجي، رجال وحديد، دار النديم.
(٤٥) محمد فريد أبو حديد، أزهار الشوك، الرواية.
(٤٦) محمود تيمور، رجل رهيب، فرعون الصغير.
(٤٧) لطفي الخولي، سماعين، ١٥ قصة مصرية، كتب للجميع.