أحداث فلسطين

صدر الكتاب الأبيض الإنجليزي يقرُّ بفكرة تقسيم فلسطين إلى ثلاث مناطق: عربية، ويهودية، وثالثة تحت الانتداب البريطاني. ورغم أن الكتاب الأبيض صدر لاكتساب ثقة العرب بعد وعد بلفور، الذي أعطى لليهود حق إقامة دولة صهيونية في أرض فلسطين، فإنه ثبَّت فكرة إقامة تلك الدولة، وهو ما أثار الرأي العام في الأقطار العربية؛ فقد رفض مجرد تصور إقامة «دولة غريبة» في منطقة قوامها من العرب.

امتد إضراب الفلسطينيين ستة أشهر، وشارك فيها الشعب كله، ثم تحوَّل الإضراب إلى مقاومة مسلحة، وثورة، امتدت إلى أنحاء فلسطين. شاركت الجمعيات النسائية الفلسطينية والطالبات الفلسطينيات في المظاهرات والإضرابات وجمع التبرعات ورعاية أسر الشهداء وشراء الأسلحة.١

ولم يفلح القمع الإنجليزي في إسكات الثورة، حتى بدأت نذر الحرب العالمية الثانية في نهايات ١٩٣٨م، وبدايات ١٩٣٩م، وتوسَّط الملوك والرؤساء العرب لعقد هدنة، توصلًا إلى التسوية.

كان التدخل الرسمي العربي لإيقاف الإضراب الفلسطيني الكبير في ١٩٣٦م، هو الخطأ الأول في مسار القضية الفلسطينية، وكما يقول المناضل الفلسطيني أبو علي شاهين، فحين اندلعت ثورة ٣٦–٣٩ استطاعت أن تحسم الكثير من الأمور، بل استطاعت أن تفرض مواقع متقدمة، لكن تدخل الدول العربية في البيان الشهير لملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية حسم الموقف لصالح بريطانيا؛ وبالتالي لصالح الحركة الصهيونية.٢
وقد أسهمت قوات البادية التي كان يتولى قيادتها الضابط البريطاني جلوب، بالدور الأكبر في قمع الثورة الفلسطينية، وقمع ثورة العراق ضد بريطانيا فيما بعد (١٩٤١م)، كما تولت مهمة حراسة خطوط أنابيب البترول والمنشآت العسكرية، وخطوط المواصلات البريطانية، خلال الحرب العالمية الثانية.٣
يقول إيجال آلون: «كانت الأهداف الفورية للعرب هي إبادة أكبر عددٍ ممكن من المستعمرات القائمة، سواء بعزلها، أو بالهجوم المباشر عليها، ومنع إقامة مستعمرات جديدة، وتحطيم المقاومة اليهودية، والحيلولة بين اليهود وبين ادعاء صفة الدولة. وكان هدفهم النهائي إرغام الإنجليز على الرجوع عن تعهداتهم للحركة الصهيونية، وإقامة دولة ذات أغلبية عربية.»٤

ونشرت «الأهرام» (٢٥ يناير ١٩٣٨م) نبأ مشروع لنوري السعيد، يرمي إلى توحيد فلسطين وإمارة شرقَي الأردن والعراق، على أن يُتاح لمليونَي يهودي الهجرة إلى الأقطار الثلاثة بعد توحيدها.

•••

كتبت مجلة «نور الإسلام» التي كانت تصدر في القاهرة أن المصريين «قد تنبَّهوا — أخيرًا — إلى قضية فلسطين بعد طول تهادن، وقد بعث الفكرة فيهم أبناء الأزهر الشريف، وهم — كما قال شوقي رحمه الله — قطب السياسة المصرية ومحورها منذ دخلها نابليون.»٥

تكوَّنت لجنة مصرية برلمانية للدفاع عن فلسطين برئاسة محمد علي علوبة باشا، دعت إلى مؤتمر برلماني عربي «لمقاومة مطامع الصهيونية في فلسطين، والدفاع عن حقوق العرب.» وبدأت أولى جلسات المؤتمر في يوم الجمعة ٧ أكتوبر ١٩٣٨م، وأعلنت قراراته في يوم الثلاثاء ١١ أكتوبر ١٩٣٨م، وتدعو إلى:

  • (١)

    اعتبار تصريح بلفور باطلًا من أساسه، ولا قيمة له في نظر العرب والمسلمين.

  • (٢)

    ضرورة منع هجرة اليهود لفلسطين من الآن منعًا باتًّا.

  • (٣)

    رفض تقسيم فلسطين على أي نحوٍ، والتمسك ببقائها قطرًا عربيًّا.

  • (٤)

    ضرورة إنشاء حكومة وطنية دستورية، بمجلسٍ نيابي منتخَب بالتمثيل النسبي من العرب واليهود، وعقد معاهدة تحالف ومودة بين إنجلترا وفلسطين ينتهي بها الانتداب.

  • (٥)

    العفو العام الشامل عن المتهمين والمحكوم عليهم في حوادث الثورة الفلسطينية، وإطلاق سراح المعتقلين والمسجونين، وإعادة جميع المُبعَدين والمنفيين السياسيين.

  • (٦)

    حث ملوك وحكومات الأمم العربية والإسلامية وشعوبها على العمل لتنفيذ هذه القرارات بكافة الوسائل الممكنة.

  • (٧)
    تشكيل لجنة برئاسة محمد علي علوبة، تتكوَّن من تسعة أعضاء، أربعة بينهم مصريون، يكون مقرها القاهرة، لتتابع تنفيذ القرارات التي توصَّل إليها المؤتمر.٦
وأقيم — لأول مرة في تاريخ الحركة النسائية المصرية — مؤتمر نسائي عربي لمساندة الشعب الفلسطيني، حضره مندوبون عن عدة أقطار عربية من بينها فلسطين. ولعلَّه يكفي للتدليل على فقدان الإحساس الحقيقي بفداحة المأساة أن برنامج المؤتمر كان يشتمل على بعض المحاضرات التي تعبِّر عن تعاطف النساء العربيات مع القضية الفلسطينية بعامة، والمرأة الفلسطينية على وجه الخصوص. وكان يشتمل — في الوقت نفسه — على زيارة الأهرام بالجيزة، وحديقة الحيوان، واستديو مصر للتمثيل والسينما، والمتحف المصري، ودار الآثار العربية، والقناطر الخيرية، وبعض المصانع، وتناول الغداء بمطعم الحاتي، وحضور حفلات شاي وحفلات ساهرة، اختُتمَت بحفلة غنائية أحيتها بلبلة الشرق الآنسة أم كلثوم بدار جمعية الاتحاد النسائي المصري لصالح منكوبي فلسطين.٧

هوامش

(١) زكي العيلة، المرأة في الرواية الفلسطينية، ت. مركز أوغادين الثقافي برام الله، ١٤.
(٢) محمد القيسي، الهواء المقنع، كتاب لوتس، ٢٨.
(٣) الطليعة، أبريل ١٩٨٢م.
(٤) إيجال ألون، إنشاء وتكوين الجيش الإسرائيلي، ت. عثمان سعيد، دار العودة، ٧٦.
(٥) نور الإسلام، ١٥/ ٥/ ١٩٣٨م.
(٦) الأهرام، ١٨/ ١٠/ ١٩٣٨م.
(٧) السجل التاريخي للمؤتمر النسائي الشرقي المنعقد بدار جمعية الاتحاد النسائي المصري بالقاهرة، من ١٥ إلى ١٨ أكتوبر ١٩٣٨م للدفاع عن فلسطين، المطبعة المصرية بمصر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥