الألمان والإنجليز … وجاليات أخرى

كان عدد الأجانب في مصر — في بداية الأربعينيات — حوالي نصف مليون، بينما كان عدد سكان مصر ١٦ مليونًا. وكان متوسط ما يملكه الأجنبي من أرض مصر ٧٨٥٧ فدانًا، بينما كان متوسط ما يملكه المصري من الأرض ٢٢٣ فدان، أي أن متوسط ما يملكه الأجانب من ملَّاك الأراضي الزراعية يزيد عن ثلاثة أضعاف ما يملكه المصريون،١ وكانت طبيعة عمل خليفة (الشيخ خليفة يقتل) تتحدد في السفر إلى الصعيد، ليشتري القطن من المزارعين، ثم يشحنه في مراكب شراعية إلى كفر الزيات، حيث يبيعه إلى التجار الأجانب.٢
كان الأجانب موزعين على جاليات كبيرة، لكلٍّ منها معتقداتها وتقاليدها وعاداتها، وحياتها الخاصة عمومًا، وكانت الجالية اليونانية أكبر تلك الجاليات، فقد بلغ عدد أفرادها حوالي المائة ألف، وبلغت الجالية الإيطالية ٧٠ ألفًا، والأرمن ٤٠ ألفًا، وكانت بور توفيق مأوى للأجانب، حرامًا على أبناء العرب، إلى حد أن صاحبة الفندق الأجنبية كانت ترفض أولاد العرب.٣ وثمة قرية كبيرة، فاز بها، وبأهلها السبعة الآلاف، إنجليزي عجوز في رهان بنادي محمد علي، من إنجليزي آخر، ومات العجوز، وخلفه ابنه الشاب، وظلت القرية على حالها من الحرمان والقهر.٤
كان «الخواجات» يبيعون في الفلاحين ويشترون، الأجير يطلب قرشًا زيادة في اليوم، فيطرده الخواجة، والخواجة يتحكم في مياه الري، والعمدة يتوسط لتشغيل وابور الطحين، فيوقف مرة ثانية،٥ وعلى الرغم من الانتماءات العرقية لهؤلاء الأجانب، فإن عددًا كبيرًا منهم كانوا بلا جنسية، ذلك لأنهم كانوا من رعايا دولة الخلافة العثمانية، فلما أُعلنَت الحماية البريطانية على مصر، وجدوا في الامتيازات الأجنبية ما يدفعهم إلى تأكيد انتمائهم إلى الدول التي يتبعونها عرقيًّا، حتى ولو كانوا قد ولدوا في مصر، أو في بلاد أخرى غير البلاد التي ينتمون إليها.٦

وصدر — في أعقاب الحرب — قانون يخول لوزارة المعارف حق تفتيش المعاهد والمدارس الأجنبية، لكنه ظل حبرًا على ورق نتيجة لتدخل السفراء الأجانب.

والملاحَظ أن أعداد الأجانب بدأت في التناقص — بعد عام ١٩٣٧م — لتوضُّح نذر الحرب العالمية الثانية، ثم لتطورات الحرب فيما بعد، فقد أُلقي القبض على الكثير من الأجانب، ورحل أعداد منهم إلى بلادهم، ووُضعَت ممتلكاتهم تحت الحراسة، بالإضافة إلى إلغاء الامتيازات والمحاكم المختلطة، وصدور القوانين المنظمة للجنسية المصرية، وقوانين الشركات التي قلَّلت من التواجد الأجنبي، وأفسحت المجال أمام العنصر الوطني.٧ وكما يقول إليوس كاناكيس، فإن الحرب «كانت بمثابة اللحظة التي تفككت فيها هذه الطوائف الجماعية الأجنبية، بعد أن عاشت حياة مرحة ورغدة وثراء فاحشًا وتبذيرًا جنونيًّا.»٨
وعلى سبيل المثال، فقد كان كرم بك من أبناء دمياط، لكن أصله غير المصري كان واضحًا في وجهه الأبيض «مثل وجوه الكثيرين من سكان الثغور المصرية، حيث يسهل الاختلاط والتزاوج مع أهل الأقطار المجاورة التي يتجرون معها، وحين أقدم على الزواج، فقد اختار زوجة يونانية الأصل، نزح أهلها إلى دمياط منذ قرون، واتخذوها وطنًا نسوا فيه — على مر السنين — لغتهم وجنسيتهم.»٩ وكانت صاحبة المقهى الذي تجلس فيه المومس ريري (السمان والخريف) تتحدث كثيرًا عن أيام الإنجليز الحلوة، وأنها فتحت مقهاها من نقودهم!١٠ وإلى بداية الخمسينيات، كانت لهجة البعض تفضح أصله التركي.١١

•••

في ١٩٣٧م كانت تصدر في القاهرة حوالي ٢٠٠ جريدة ومجلة باللغة العربية، و٦٥ باللغات الأجنبية،١٢ وهي نسبة لافتة، وقد حرصت أم مدحت (وطنه قضيته) على تعليمه الفرنسية والإنجليزية والتركية، الفرنسية لكي يبدو ابن ذوات، والإنجليزية لكي يتخاطب مع أصحاب الحكم والسلطان، والتركية لكي يكون أثيرًا لدى بلاط الملك فؤاد،١٣ وكان من المشاهِد المألوفة في مدينة السويس — على سبيل المثال — أسراب النساء الخارجات للتنزُّه مساء كل أحد، معظمهن من الأجنبيات.١٤
وحتى الستينيات، فإن حسني علام (ميرامار) لجأ إلى قوادة مالطية، كان يتردد عليها في ليالي الصيف، فضاجعها في علاقة عابرة،١٥ وفي مرة تالية، زار قوادة باسبورتنج، قدمت له امرأة أرمينية، ثم أهدته قوادة بسيدي جابر فتاة من أم إيطالية وأب سوري.١٦

•••

شهدت العلاقات بين علي ماهر والسلطات البريطانية تدهورًا تدريجيًّا، أسهم في تحقيقه عدة أزمات، أولاها: رفض عزيز المصري أن يخضع الجيش المصري للقيادة البريطانية في مصر، وكانت وجهة نظره أن مصر لم تعلن الحرب، ومن ثَم يجب ألا تتغير قيادة الجيش المصري، كما يجب أن تتم الاتصالات بين القوات المصرية والقوات البريطانية في مصر بواسطة البعثة العسكرية. وإلى ذلك، فقد كان عزيز المصري معروفًا بميله إلى الألمان، ونفوره الذي لم يخفِه من الإنجليز، وكان رأيه أن الإمبراطورية البريطانية شاخت، وهي تلفظ أنفاسها.١٧

وطلبت السلطات البريطانية من رئيس الوزراء علي ماهر أن ينحِّي عزيز المصري، فمنحه — بدلًا من ذلك — إجازة إجبارية.

وكان من بين دوافع تدهور العلاقات أيضًا بين علي ماهر والسلطات البريطانية، تلك الزيارة التي قام بها في يناير ١٩٤٠م إلى السودان بصحبة صالح حرب وزير الحربية، وكانت أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء مصري بعد توقيع معاهدة ١٩٣٦م.

وعلى الرغم من أن الزيارة كانت موجَّهة من الحاكم العام للسودان — وهو إنجليزي — فإنها أحيطت بمظاهرات وطنية حادة، عكست آثارها السلبية لدى السلطات البريطانية، ثم كان موقف علي ماهر من الجالية الإيطالية في مصر — بعد إعلان روما الحرب ضد الحلفاء، وكانت الحكومة البريطانية تجد فيه موقفًا متخاذلًا — هو بداية انهيار العلاقات فعلًا بين علي ماهر والإنجليز، وقد ادَّعت السلطات البريطانية أنها اكتشفت في الوثائق الألمانية التي عُثِر عليها، أن علي ماهر كان يتلقَّى مساعدات من المحور عن طريق بنك دريسدن،١٨ كما ادَّعت تلك السلطات أن علي ماهر كان على اتصال مع القوات الإيطالية، ورحَّب بمقدمها.
ولخص السير مايلز لامبسون رأيه في علي ماهر في رسالة بعث بها — أثناء الحرب — إلى وزارة الخارجية البريطانية: «إن سر مصائبنا في مصر يرجع إلى علي ماهر.»١٩

•••

جاءت محاولة عزيز المصري الفرار من مصر بصحبة ضابطَين من سلاح الطيران، وسقوط الطائرة في قليوب بعد دقائق قليلة من تحليقها في الجو … جاءت تلك المحاولة بعد أيامٍ قليلة من فرار هيس نائب هتلر إلى إنجلترا، واعتقاله هناك.٢٠
تعدَّدت الروايات حول مصير عزيز المصري بعد سقوط طائرته، وإخفاق البوليس في العثور عليه؛ قيل إنه نجح في اختراق الصحراء الغربية، واتصل بالألمان، وقيل إنه بدأ في إذاعة بيانات من محطة برلين، وأكدت روايات أخرى أنه موجود في القاهرة.٢١ كان عزيز المصري يعاني، حتى من موظفي مكتبه، وكما يقول أنور السادات، فقد استطاع الإنجليز أن يملئُوا وظائف مكتبه بجماعة من الضباط الذين يَدينون بالولاء لسلطات الاحتلال، ويتجسسون لحسابها.٢٢
عبد العظيم رمضان يؤكد أن إنجلترا هي التي دفعت عزيز المصري إلى أحضان الألمان، برغم أنه كان قد أعطى للقيادة العسكرية البريطانية خلاصة خبرته العسكرية دون تحفُّظ، وكان في جانب دفاع مصر عن نفسها في حالة الاعتداء على أراضيها.٢٣
ويروي الفنان أن القبض علي عزيز المصري جاء مصادفة، وأن المفروض — حين داهم البوليس تلك الفيلا في آخر حي الدقي — أن يجد فيها بطله فوزي السيد، لكنَّ رجال البوليس فوجئوا بعزيز المصري داخل الفيلَّا.٢٤
ولسنا ندري مدى غلبة الخيال الروائي على حادثة هروب فوزي السيد (الدكتور خالد)، واختفائه عن أعين السلطات البريطانية، فهي تشابه — إلى حد التطابق — حادثة هروب المصري العظيم عبد الله النديم، بعد هزيمة العرابيين. لقد اختار الريف ملاذًا له، ثم انتحل شخصيات متباينة، منها شخصية عالِم بالأزهر، استعار من بعض معارفه عمامة وجبة ولوازمها، ووضع على عينيه نظارات بيضاء، وليست سوداء حتى لا تثير الشك، وأطلق على نفسه اسم الشيخ حسن عبد الجواد.٢٥
أما حسين (خادمك المليونير) فإنه يفسر سقوط طائرة عزيز المصري، بأن الطائرة إذا ارتفعت قبل أن تسخن آلاتها إلى درجة خاصة، تعرضت لخطر انسداد بعض أنابيبها، مما يفضي إلى سقوطها.٢٦ وفي ١٥ مايو ١٩٤١م، أذاعت إدارة المطبوعات البلاغ الرسمي التالي: «حوالي الساعة الواحدة من بعد ظهر اليوم، قبض البوليس على كلٍّ من عزيز علي المصري باشا، والطيارَين الأولين حسين ذو الفقار صبري أفندي، وعبد المنعم عبد الرءوف أفندي، حيث وجدهم البوليس مختبئين جميعًا في أحد المنازل بإمبابة، وقد أبلغ أمرهم إلى سعادة النائب العام الذي تولى التحقيق.»

•••

ما موقف الزعامات والأحزاب السياسية من التطورات؟

لعله يمكن تلخيص الصورة السياسية بأن كل القيادات السياسية القائمة قد فشلت في تحديد موقف سياسي عملي حول موقف مصر من الحرب، فبينما اتجهت الغالبية نحو تأييد الحلفاء، واعتبار مصر ضمن معسكر القوى الديمقراطية، اتجهت الأقلية — بشكلٍ تلقائي — إلى تأييد المحور، تحت وَهْم أنه بذلك يسهم في تحرير مصر من الاحتلال الإنجليزي. كانوا على يقين أن الحرب ستنتهي بسحق الإنجليز، واندحارهم، وأن معنى ذلك — في تقديرهم — تحرير الوطن، والتخلص من شر الإنجليز، وتحمَّلوا — لذلك — ويلات الظلام والغارات والجوع،٢٧ دون أن يدركوا طبيعة التناقضات التي أدت إلى نشوب الحرب، ودون أن يعوا بشاعة النازية وحلفائها، ودون أن يطمئنوا إلى جوهر موقف النازي من قضية تحرير شعوب المستعمرات.
راهن البعض على جواد هتلر عن غير عقيدة، لظنهم — حينذاك — أنه الجواد الرابح، وقد اشتد حماس هؤلاء مع المحور عندما تقدمت قوات روميل في الصحراء الغربية، وبلغت العلمين، واقتربت بذلك من الإسكندرية،٢٨ وثمة من ذهب إلى أن «المصريين على استعدادٍ لاستقبال الشيطان إذا كان الشيطان سيخلِّصهم من الإنجليز.»٢٩
ويفسر وسيم خالد إقبال علي ماهر وصدقي على الألمان والإيطاليين بأنهما يمثِّلان بعض العناصر الاحتكارية المصرية «التي تتميز بذكاء ومقدرة عقلية باهرة قد أدركت طبيعة هذه الحرب المذهبية، وأن الشيخوخة قد دبَّت في حضارة غرب أوروبا، وأن النازية تمثِّل آخر فرصة للنظام الرأسمالي الصرف، ولذلك أيَّدوها»،٣٠ ويؤكد سليم باشا شلبي (الحصاد) أن سياسة الملك بُنيَت على احتمال انتصار الألمان.٣١ وفي مذكرات الحاج أمين الحسيني تأكيدٌ من الهر فون روبنتروب وزير خارجية ألمانيا في عهد هتلر، بأن الملك فاروق أبدى استعداده — في ظل اتصالاته المكثَّفة بالحكومة الألمانية — للخروج من القاهرة إلى الصحراء الغربية، عند اقتراب الجيش الألماني من حدود مصر، ليحاول التعاون معها، وأن كل ما طلبه فاروق هو الخطة، وموعد التنفيذ.٣٢
ويشير السير مايلز لامبسون في مذكراته إلى أن التقارير السرية لقوات الإنجليز أكدت صدور أضواء ليلية من قصر المنتزه، وأن الملك فاروق لم يبدِ دهشة حين أخبره السير لامبسون بما في التقارير، وإن وعد بالتحقيق في الأمر.٣٣ وبعث لامبسون-كيلرن (٢٧/ ٨/ ١٩٤٢م) برقية سرية إلى وزارة الخارجية البريطانية، قال فيها: «وصلت إليَّ معلومات سرية ليلة أمس من قائد الأسطول، أن غواصة للعدو اقتربت ليلة ٢٥ أغسطس من الساحل عند قصر المنتزه في الإسكندرية، وأن الملك فاروق يحتمل أن يكون قد هرب.» وبعد أن ينفي لامبسون تلك المعلومات، يعود فيقول: «ومع ذلك، فإن الشكوك لا تزال قائمة في أنه حدث اتصال، وأن هذه لم تكن المرة الأولى.»٣٤ وفي تقرير للسفارة البريطانية، فإنه حين عرف الملك فاروق نبأ انتصار الحلفاء في العلمين «انفجر في البكاء، وظل ينتحب، وبقي ثلاثة أيام لا يغيِّر ملابسه، وأعلن لمن حوله أن سوف يغادر البلاد، ولن يبقى، ويسمح للبريطانيين أن ينكِّلوا به.»٣٥
وكان موقف «مصر الفتاة» من الأحداث «أن الشباب المصري — كأي شباب آخر في العالم — لم يكن يسعه إلا أن يُعجَب بهتلر، وبطولته الخارقة، وهو إنسان عادي من غمار الناس، لو لم تتداركه الحرب العالمية الأولى لظل عاطلًا يتسكع في شوارع فيينا، وكيف وجد نفسه فجأة بعد انتهاء الحرب بهزيمة ألمانيا، وسط دنيا من اليأس والاستسلام والفوضى وفقدان الثقة بالنفس، فقرر أن يكون هو منقذ ألمانيا، وهو الذي يرد لها كرامتها، ويعيدها إلى سابق قوتها.»٣٦ ويقول أحمد حسين: «كنا نطمع في أن تنهار إنجلترا في هذه الحرب لكي نتحرر من سلطانها وسيادتها.»٣٧ والملاحَظ أن حزب مصر الفتاة قد حوَّل اسمه إلى «الحزب الوطني الإسلامي»، وبدأ يعد لمحاربة لمحاربة الإنجليز، بعد أن تبدَّى قرب هزيمتهم على أيدي الألمان، فراح يجمع الأسلحة، ويدبِّر المخابئ، ويطبع المنشورات، تمهيدًا للعمل الفوري عقب هزيمة القوات البريطانية.٣٨

وسأل بيومي (الدكتور خالد): هل صحيح يا حضرة الأستاذ أنك أرسلت لهتلر تدعوه لاعتناق الإسلام؟

قال «الأستاذ» (والمعنى هنا هو أحمد حسين نفسه): نعم، وأي غرابة في ذلك؟ إن الله قد أمر بنشر الإسلام في كل زمان ومكان.٣٩
أما الضابط الشاب جمال عبد الناصر، فقد اعتبر الإنجليز أصل بلائنا كله.٤٠
ومع أن عصام الدين حفني ناصف دعا إلى العمل على دحر ألمانيا الفاشية، فإنه أشار إلى أن ذلك لا يعني كراهية الألمان.٤١ وقد اتُّهم أنور السادات وزميله الطيار حسن عزت في ١٩٤٢م بمناصرتهما للألمان، وأنهما يتجسسان لحسابهم، وفُصلا من الجيش في عهد الوزارة النحاسية، واعتُقلا بأمر الحاكم العسكري، لكن السادات وعزت تمكَّنا من الهرب، وكوَّنا شركة للنقل، انضم إليهما فيها عبد الفتاح عنايت — أحد المحكوم عليهم في قضية مقتل السردار — ثم عاد السادات — فيما بعد — إلى نشاطه السياسي، السري.
ولعله يمكن القول إن الإخوان المسلمين كانوا يأملون في دخول الألمان للتخلص من الإنجليز، فقد طلبت السلطات البريطانية — على سبيل المثال — من رئيس الوزراء حسين سري إبعاد حسن البنا من القاهرة، وأمر وزير المعارف محمد حسين هيكل بنقل البنا خارج العاصمة، وتم نقله فعلًا، لكن الأحرار الدستوريين مارسوا ضغطًا مكثفًا على رئيس الوزراء ووزير المعارف، حتى أعيد البنا إلى وظيفته كمدرس بالقاهرة. مع ذلك فإن الفنان (السكرية) يشير إلى أن انتصار الألمان في العلمين أغضب الإخوان المسلمين؛ لأنهم أعداء الإنجليز والألمان والروس جميعًا.٤٢
وفي «قلوب خالية» يتبيَّن لنا حرص الألمان على استغلال الكراهية الشائعة للإنجليز. ثمة رجل قبضت عليه حكومة الوفد، وثبت أنه يتصل بالألمان، ويعمل لحسابهم، لقاء أموال طائلة، ويُعِد الخطط لإثارة المظاهرات والاضطرابات، وكان الرجل نازي التفكير، حتى إنه قال في بساطة: «هاتوا لي دبابة وأنا أحكم بها مصر، ده شعب يعبد القوة، شعب يخاف بس!»٤٣

•••

وكان العقاد في مقدمة المثقفين المعادين للنازية، والمناصرين — بالتالي — لإنجلترا في حربها ضد الألمان، فهو يصِف الإنجليز بأنهم «أبناء جزيرة مستقرة قريرة، فهم لهذا آمنون، وهم لهذا تجار، ومن هنا بطل فيهم طغيان العسكرية، ونشأت فيهم خلائق الشورى والتفاهم والأخذ والعطاء، وهم أقوياء، ولكنهم يبيعون ويشترون، فلا مناص لهم من السمعة، ومن الثقة، ومن الإرضاء؛ إذ التاجر لن تنسيه قوته أن يُرضي عميله وشريكه، ولن يستغني — وإن استغنى — عن التفاهم والقبول.»٤٤ وفي المقابل، فإنه ينفي عن الألمان عقليتهم المبتكرة، وأنهم «قلما يخترعون ويبتدعون، وندر أن يتجاوزوا في الأسلحة حدود التطبيق والتحسين.»٤٥ ويقول العقاد «يجب أن نذكر أن أعداء بريطانيا العظمى لا يحاربونها ليحتلوا لندن، ولا لينتزعوا ليفربول، ولكنهم يحاربونها ليحتلوا مصر وأشباه مصر، فالخطر يتجه إلينا على كل حال.»٤٦ «فالمصريون والعرب والترك والإنجليز والفرنسيون يقفون اليوم في موقف دفاعٍ واحد، ويتعاونون اليوم على حراسة واحدة.»٤٧
واعتبر العقاد الإنجليز حلفاء طبيعيين للشرق العربي، لأن الشرق العربي حليف طبيعي للإنجليز، «فهم يستفيدون من صداقته، وهو يستفيد من صداقتهم، واستقلال بلاده وغرضهم الجوهري في السياسة العالمية لا يتعارضان، وهذا ضمان أوثق من كل ضمان.»٤٨ بل إنه يحاول أن يرجع مأساة فلسطين، التي كانت غيومها قد تلبدت في سماء المنطقة العربية، إلى فظائع هتلر وموسوليني التي دفعت اليهود إلى الهجرة، وأنه لولا تلك الفظائع «لما زادت هجرة اليهود، ولا ظهرت قضية صهيونية.»٤٩
تناسى الرجل تاريخ الصهيونية في المنطقة، منذ وعد بونابرت، والمؤتمرات، والمؤامرات المعلَنة، وكان يهود الدونمة، من خلال جمعية الاتحاد والترقي — كما أشرنا فيما سبق — وراء مؤامرة تشويه صورة السلطان عبد الحميد، عقابًا له على رفضه قيام دولة لليهود في فلسطين! بل إن العقاد يحاول أن ينفي عن السلطات البريطانية في فلسطين تأييدها لهجرة اليهود إلى فلسطين، و«إننا على أية حال نرجو، ونعتقد، أن مسألة فلسطين ستنتهي حتمًا بما يُرضي العرب والإسلام، ونرى من الآن بوادر التشديد في تطبيق شروط الهجرة إلى فلسطين، ومن ذاك ما جاءت به الأنباء من رد سفينة فرنسية كان عليها ألف وسبعمائة وسبعون من المهاجرين.» … إلخ.٥٠ وكان العقاد يذيع من الإذاعة المصرية لصالح الحلفاء، ولما اقتربت قوات روميل من الإسكندرية، هاجر إلى السودان.٥١ وكتب حافظ عفيفي مقالًا بدأه قائلًا: الإنجليز أمة سلام، لا أمة حرب، وقال فيه «الإنجليز أمة لا جيش لها، لها أسطول قوي منيع، ولكن الأساطيل كانت دائمًا أداة دفاع لا أداة هجوم، وهي لا تصبح أداة هجوم إلا إذا كان وراءها جيش كبير تستطيع أن تحميه وتنقله إلى أي مكان.»٥٢ في حين أصدر أحد المؤلفين كتابًا بعنوان «الحرب الحديثة» أعلن فيه أن «مصلحتنا الخاصة هي التي تربطنا بإنجلترا قبل أن تكون مصلحة المبادئ ذاتها.»٥٣ بل إن الموظف الصغير (الدكتور خالد) يتحسر على الأيام التي كان فيها الإنجليز يشرفون على الإدارات الحكومية: «الله يرحم أيام الإنجليز في مصلحة الأملاك، كانت علاواتي وترقياتي تجيء مثل الساعة، ربنا ينصرهم يا شيخ … ربنا ينصرهم.»٥٤ وكان الدسوقي البدويهي (محب) يبرر لهزائم الإنجليز، ويتنبَّأ بانتصارهم، وكان يضع في دكانه صورة تشرشل وهو يرفع يده بعلامة النصر.٥٥
أما محمد أنيس فهو يطرح السؤال: ماذا يمكن أن تكون صورة العالم إذا انتصرت الفاشية العالمية،٥٦ وربما — انطلاقًا من هذا التخوف — جاءت مقولة أعداد هائلة من المصريين: «ربنا ينصر الحق.»٥٧
ثم استطاعت طبيعة الخطر الألماني أن تكسر — أحيانًا — قشرة الوجدانية التي صنعها الإنسان المصري من خلال كراهيته للاحتلال البريطاني، حتى فتح الله أفندي الذي لم يغادر قريته (قلوب خالية) أعلن — بعد مناقشات مستفيضة مع ابنه الطالب في كلية الهندسة — أن يقتنع — لأول مرة — بأن مقاومة النازية ليست ارتماء في أحضان الإنجليز، وإنما هي اختيار لأهون الشرَّين!٥٨

•••

لعل السؤال الذي يفرض نفسه: لماذا اتجه البعض — موضوعيًّا — إلى مناصرة الألمان، أو عدم معاداتهم في الأقل:

  • الخطر الألماني كان مجهولًا، بينما كان الخطر البريطاني حقيقة قائمة.

  • لم تكن هناك حدود مشتركة بين ألمانيا ومصر يُخشى على مصر منها.

  • كان الانتصار الألماني يحمل في طياته (توقعات غالبية المصريين) حل قضية فلسطين لصالح العرب، وإنهاء الوجود البريطاني في مصر بعد احتلال ٦٠ عامًا.

  • الانتصار للإنجليز لم يكن يعني الحصول — في حال انتصارهم — على أية ثمار، بينما كانت معاداة الألمان تعني — في حال انتصارهم — نتائج رهيبة، وكان انتصار الألمان هو الأمل الأقرب.

من هنا نشأ تيار «تجنيب مصر ويلات الحرب».٥٩
ويشير عبد العظيم رمضان إلى أن الوعود والتصريحات الألمانية التي كان تضغط على وجوب استقلال مصر، كانت دون مقابل منتظر من الشعب المصري، ودون أن تطلبها مصر، «فهي على هذا النحو تختلف عن دعوة بريطانيا للشريف حسين في الحرب العالمية الأولى التي صدرت مقابل اشتراك العرب في الحرب، يُضاف إلى ذلك أن الوثائق الألمانية قد أوردت الكثير عن أطماع ألمانيا بالنسبة لبقعٍ كثيرة من العالم، ولكنها لم تُورِد شيئًا من هذه الأطماع بالنسبة لمصر.»٦٠ وكانت محطات الإذاعة الألمانية قد أعلنت تقديرها لموقف مصر، واعتبرت ما تقدمه لإنجلترا من مساعدة — اشترطتها معاهدة ١٩٣٦م — عملًا غير عدائي، لأن مُدنها يحتلها جنود الاحتلال.٦١ ولعل الهدف من ذلك، كان حث الحكومة المصرية على عدم السير إلى آخر المدى في مساعدة الإنجليز.

•••

كانت الآراء الرافضة للإنجليز والألمان قد حدَّدت رفضها بأن مصر محتلة، وأن مهمتنا أن نحررها من الإنجليز، ومن الألمان، إذا احتلوها. إن انتصار الألمان لم يكن يعني — في تقديرهم — سوى استبدال احتلال باحتلال، وتأييد انتصار ألمانيا على إنجلترا، ارتكازًا إلى مقولة «عدو عدوي صديقي» ينطوي على مغالطة واضحة، لأن دخول قوات الألمان مصر، معناه استبدال احتلال باحتلالٍ مماثل.

عبَّر عن تلك النظرة، التي تضع الإنجليز والألمان في سلة واحدة، أو لعلها وجدت في الاستعمار الألماني خطرًا أفدح مما يحياه المصريون في ظل الاحتلال البريطاني، قول أبو زيد لأبيه (قلوب خالية): «دي مش حكاية إنجليز يابا … الحكاية مش كده … الغريبة إن الناس فاهمة إن هتلر حا يخلصنا من الإنجليز، وعاوزينه ينتصر، حتى الجامعة فيها طلبة بيفكروا بالشكل ده، ومنهم ناس بيروحوا يتدربوا على السلاح سرًّا، ويقتلوا العساكر الإنجليز في المعادي والضواحي البعيدة، مع إن هتلر لو دخل مصر حا يحكم عليهم بالإعدام هم أول ناس، لأنهم وطنيين فاهمين إنهم بيدافعوا عن وطنهم بالطريقة دي، حاجة تجنِّن! شيء غريب، يعني يا إما الإنجليز … يا إما الألمان؟! ما احنا ممكن نستقل، ونحكم نفسنا بنفسنا.»٦٢

وقال المخرج السينمائي عمر (نحن لا نزرع الشوك): الألمان قد اقتربوا، ووصلوا إلى العلمين، لقد فضحوا الإنجليز.

قال آخر: الإنجليز باين عليهم خيخة!

– كلام فارغ، بكرة الألمان سياكلوها سخنة!

– أنت مع الألمان ولَّا مع الإنجليز؟

– لست مع هذا ولا ذاك، نحن ليس لنا في الثور ولا في الطحين!٦٣
وعندما توقف روميل في العلمين، كانت أسرة الراوي (سكندريتي) قد ملَّت الهجرة، فقررت أن تظل في الإسكندرية «خلاص، مهما كان الخطر ربنا كبير، وكنت أمقت الألمان كما أمقت الإنجليز سواء.»٦٤

وعلى الرغم من أن هذا الموقف كان أنضج التيارات السياسية نسبيًّا، فإن مشكلته الحقيقية كانت تكمن في عدم بلورته في أهدافٍ استراتيجية محددة، وانغماسه في النشاط العملي، الذي كان يتمثَّل في نشوء جماعات صغيرة ومتعددة ومنفصلة، كانت تقوم بعمليات اغتيال واسعة لجنود الاحتلال، متأثرة إلى حدٍّ كبير بأنباء المقاومة الفرنسية للغزو النازي (وهو ما سنتناوله في فقرات قادمة).

وثمة اتجاه وضع أملَه في الولايات المتحدة الأمريكية التي دخلت الحرب بحملة دعاية واسعة، تزعم فيها العطف على قضايا تحرير الشعوب (المزاعم نفسها التي أعلنتها في الحرب العالمية الأولى)، وكان أصحاب هذا الاتجاه يأملون في أن تضع الولايات المتحدة قوتها في خدمة أهداف التحرر الوطني ضد قوى الاستعمار التقليدية، وكانت القوات الأمريكية قد وصلت إلى مصر في ٤ يونيو ١٩٤٢م.٦٥
أما جماعات اليسار — الشيوعيون تحديدًا — فقد كان أملهم الوحيد «أن ينتصر الروس، ويحرروا الدنيا من الأغلال والأوهام.»٦٦

•••

لعلنا نجد تعبيرًا عن موقف تياراتٍ ثلاثة في الأقل من تطورات الحرب، في هذا الحوار (أحزان مدينة):

– ما الأخبار اليوم؟

– عال … هتلر يتقدَّم.

– تركه الحلفاء يتقدم … خطة عسكرية ليست إلا.

– سيشربون خطتهم وشرفك.

– سنذبح هتلر بإذن الله.

– إذا طالته أيديكم، ولكنها ستُقطَع قبل أن تمتد.

– سنغرقه في المانش.

– الحلفاء يتكلمون وينهزمون … ولَّا إيه يا ربيع؟

– أنا رجل محايد … أتفرج وأضحك … هل لديكم مانع؟٦٧

لاحظ كلمات «سنذبح»، «إذا طالته أيديكم»، «سنغرقه» … إلخ، أصبحت الحرب — عند البعض — مشكلة شخصية!

ويتوضح تضارب الانتماءات والمشاعر إلى طرفَي الحرب، في مناقشات الشباب العائد إلى القرية في الصيف (قلوب خالية)، بالإضافة إلى رجال القرية المقيمين، ثمة مَن يعلن تأييده للمحور، وينتقد حكومة الوفد الموالية للحلفاء — بعد حادثة ٤ فبراير — وثمة مَن يرى رأيًا مخالفًا، وثالث يرحب بانتصار المحور لمجرد أنه عدو الإنجليز.

وابتداء، فإنه من الصعب إغفال نظرة أعدادٍ لا يُستهان بها من المواطنين العاديين إلى الحياة في إنجلترا، باعتبارها مثلًا الديمقراطية. يقول حسين كرشة (زقاق المدق): «سأتجنَّس بالجنسية الإنجليزية، في بلاد الإنجليز الكل سواسية، لا فرق بين الباشا وابن زبال، فلا يبعد أن يصير ابن القهوجي رئيس وزارة.»٦٨

الفنان في (الشارع الجديد) يعكس التأييد الشعبي الجارف للألمان، من خلال الأحاديث التي راح يتبادلها رواد إحدى الحانات:

– أسمعت هذا الخبر؟ دخل جريح ألماني على ضابط فرنسي، ودماؤه تسيل منه، كان كل ما يبغيه أن يضمد جراحه ويسلِّم نفسه، ولكن الضابط الفرنسي مات من الهلع لما وقعت عيناه عليه.٦٩

– يقال إن في المخزن رقم ١٣ أسلحة سرية يشيب من هولها الوليد.

– ولماذا كل هذا التعب، والفرنسيون ليسوا في حاجة إلى مثل هذا الدواء!

– أسمعت إذاعة إنجلترا؟ إنها تقول إنها تحارب في سبيل حرية الشعوب.

– هع … هع.

– قيل إن ضابطًا ألمانيًّا هبط بالبراشوت، وحطَّم جسرًا، ثم صعد ثانية بالبراشوت.

– سمعت أن هتلر يضع مصحفًا على مكتبه، وأنه معجب بفرسان المسلمين، وأنه أنشأ فرقة العاصفة على غرار فرسان خالد بن الوليد.

– يُقال إن هتلر قد أسلم، وإنه ينتظر حتى يتم له النصر، ثم يعلن إسلامه.

– سينتصر هتلر على أعدائه، ويبيد الإنجليز.٧٠
بل إن الشائعات تروِّج بأن فتيات ألمانيات يشتركن في الغارات الألمانية، «آه لو كان ذلك صحيحًا، لكان فيه عار الإنجليز.»٧١
وقال سيد عارف (خان الخليلي): «وسينتهز الألمان فرصة ضباب الخريف الكثيف، ويهبطون على شواطئ إنجلترا، وينهون الحرب!»٧٢

وقال أحد المدافعين عن الألمان (أحزان مدينة): لن يخرج الإنجليز من مصر سوى الألمان.

– لن يصلوا إلى مصر.

– ومَن سيمنعهم؟

– وإذا دخل الألمان مصر، فمن سيخرجهم منها؟

– لن يبقوا فيها، فليس هدفهم استعمار البلد.٧٣

وتسأل سوسن حماد (السكرية): لماذا يحب المصريون الألمان؟

يجيب أحمد شوكت: كراهية في الإنجليز!٧٤
كان البسطاء من المصريين يتحدثون عن هتلر — أو هلتر — كما يتحدثون عن أبي زيد الهلالي والزناتي خليفة وعنترة وغيرهم من أبطال السِّيَر الشعبية.٧٥ كانوا يعلقون آمالًا هائلة على الفرقة رقم ١٣ التي كان هتلر يهدد بها خصومه،٧٦ وبينما كان هتلر يقهر العالم في أوروبا، فإن المصريين كانوا يقولون إنه مسلم متنكر، وأن اسمه الحاج محمد هتلر،٧٧ وثمة مَن ادَّعى أن هتلر قد أسلم، وأنه قد سمَّى نفسه «محمد»، فأصبح الحاج محمد هتلر،٧٨ وأنه يأمر الطائرات، فلا تضرب سوى الإنجليز وحدهم «وتخلِّي بالها على أولاد العرب.»٧٩ وقال الأب في ثقة: «هؤلاء أولاد الحاج محمد هتلر، لا يضربون المصريين أبدًا، هم يعرفون أين الإنجليز، وهم يضربون بدقة، ولن يضربوا سوى الإنجليز وحدهم.»٨٠
حتى في الصعيد، سماه الناس الحاج «هطلر»، وأشاعوا أنه مسلم وموحِّد بالله وضد الكفرة والإنجليز، رغم أن هتلر كان قد صرح — في لقائه بالحاج أمين الحسيني مفتي القدس — أثناء معارك الحرب العالمية الثانية، إنه يخشى الإسلام، ولا يخشى الشيوعية ولا بريطانيا.٨١
وكان المعلم كرشة (زقاق المدق) يعتبر هتلر شيخ فتوات الدنيا، وكان يتمنى له النصر كما تمنَّاه دومًا لعنترة وأبي زيد،٨٢ ونزع البسطاء عنه كل الصفات السلبية، فهو لا يدخن، ولا يشرب الخمر، ولا يقرب القهوة، ولا يبدي ميلًا إلى النساء، وهو يحارب من أجل إقامة الدولة الإسلامية، الهائلة، الموحَّدة، التي يتمتع بحق المواطنة فيها كل مسلمي العالم.

وقال رجل (خان الخليلي): لن يبلغ الأذى مهبط رأس الحسين.

قال آخر: قل إن شاء الله.

– كل شيء بمشيئة الله.

– وهتلر ينطوي على احترامٍ عميق للبقاع الإسلامية.

– بل يقال إنه يبطن الإيمان بالإسلام.

– ليس هذا ببعيدٍ، ألم يقل الشيخ لبيب التقي النقي إنه رأى فيما يرى النائم علي بن أبي طالب — رضي الله عنه — يقلِّده سيف الإسلام؟!٨٣
وإبان اشتداد الغارات الألمانية، كان بواب بيت سليم باشا شلبي (الحصاد) لا يفتأ يتطلَّع إلى السماء، وهو يهتف في نشوة: «اضرب … اضرب يا حاج هتلر!»٨٤
وأكد أحدهم (خان الخليلي) أن هتلر سوف يعيد — عقب الحرب — مجدَ الإسلام الأول، وينشئ اتحادًا كبيرًا من الأمم الإسلامية، ثم يربط بين ذلك الاتحاد وبين ألمانيا بعهود الصداقة والتحالف،٨٥ وبرر البعض (خان الخليلي) إلقاء الطائرات الألمانية لقنابلها على القاهرة، بأن حي السكاكيني هو الذي استُهدِف، لأن «غالبية سكانه من اليهود!»٨٦
كان الأب (خان الخليلي) من المتأثرين بدعاية المحور الإسلامية، تصور أن حيًّا دينيًّا كحي الحسين لا يمكن أن تستهدفه طائرات الألمان، فاجتهد في البحث عن شقة فيه، حتى وجدها «هذا الحي في حمى الحسين رضوان الله عليه، وهو حي الدين والمساجد، والألمان أعقل من أن يضربوا قلب الإسلام وهم يخطبون ودَّ المسلمين.»٨٧

وحين ضرب الألمان القاهرة في رمضان، قال رجل (خان الخليلي): ألم يقولوا إن الألمان لن يغِيروا على مصر في شهر الصيام؟

قال سيد عارف، ولكن الإنجليز يغيرون على طرابلس، وهي بلاد مسلمين كذلك.

ثم قال بلهجة اليقين: الإنجليز لا يضربون طرابلس لفائدة حربية … ولكن ليجبروا الألمان على ضرب القاهرة!٨٨
من هنا، جاء تأكيد المعلم قطب (بوابة التاريخ) أن الطيارين الألمان يقذفون القنابل، فتصيب الإنجليز وحدهم، أما الإيطاليون فهم «بيضربوا عمياني»،٨٩ ذلك لأن «هتلر مسلم وموحِّد بالله، بس هوه مش عاوز يعلن كده على العالم إلا لمَّا يكسب الحرب، وراح يكسبها بإذن الله.»٩٠ وعندما كان يمر أمامه جندي إنجليزي، يقول متشفيًا: «ما فيش فايدة يا جورج … سعد باشا قال ما فيش فايدة.»٩١ وقال قطب عن الإنجليز «دا يوم المُنى نهار ما ينهزموا، أنا نادر أوزع عيش وفول على الناس الغلابا»،٩٢ وبلغت فرحة عطية النشتاوي (عطية النشتاوي) بانتصارات الألمان حدَّ تعديل اسمه، فسمَّى نفسه «هتلر النشتاوي»،٩٣ وبلغ إعجاب عامل التليفون في القرية (قلوب خالية) بهتلر حدَّ قص شاربه كهتلر!٩٤
وحين أصبحت قوات روميل في العلمين، تحدَّث الناس (الغريب) عن الحاج محمد هتلر، وإشهار اسلامه، وقدومه المرتقَب لتخليص مصر من قوات الإنجليز،٩٥ وعندما توقف الزحف الألماني عند العلمين، أكد سيد عارف (خان الخليلي) — بلهجة اليقين — أن هتلر أمر روميل بالتوقف ليجنِّب مصر — قلب الإسلام النابض — ويلات الغزو، وإنه لولا رحمة الفوهرر لكان الألمان في القاهرة منذ شهر.٩٦ أما قطب (بوابة التاريخ) فقد أصيب — فجأة — بذعرٍ حقيقي «بكرة نشحت من تاني، الألمان داخلين عن قريب، واللي كانوا بيشتغلوا في الجيش الإنجليزي راح ينضربوا بالرصاص.»٩٧ مع ذلك، فإن أمله ظل قويًّا في انتصار الألمان، وعندما تحقق انتصار الحلفاء، أعاد تحليل الموقف «لازم هتلر كان بيدَّعي الإسلام، وعلى العموم دي حظوظ، والألماني أصله قوي، لكن ما عندوش مكر، والإنجليزي دايمًا يغلب بالمكر، حكمة ربنا.»٩٨
وإذا كانت الحرب قد انتهت بهزيمة الألمان، فإن عم سيد (عزف منفرد) ظل معتزًّا بأنه كان يدعو لهتلر!٩٩
واللافت أن الترحيب بمقدَم الألمان لتخليص مصر من الاحتلال الإنجليزي قد فَقَدَ دلالاته باستمرار الحرب «وسئم الناس كل شيء.»١٠٠

•••

يبين الاختلاف في النظرة إلى الإنجليز والألمان في المناقشة التي دارت بين أصدقاء «السكرية»، حتى إن رياض قلدس صارح أصدقاءه بحيرته: «ولكننا انتهينا مع الإنجليز إلى برٍّ، والاستعمار البريطاني يوغل اليوم في الشيخوخة، ولعله قد تلطَّف ببعض المبادئ الإنسانية، ولكننا سنتعامل غدًا مع استعمار فتي مغرور شرِهٍ غني حرب، فما العمل؟»١٠١
والواقع أن قطاعات كبيرة من المصريين — المثقفين تحديدًا — حتى هؤلاء الذين نظروا إلى انتصارات المحور في إطار الشماتة ضد الإنجليز، واجهوا القلق من احتمالات سقوط مصر في أيدي الألمان، كانوا يعانون تصورات ما بعد هزيمة الإنجليز، ويدركون أن انتصار الألمان يعني استبدال استعمار باستعمارٍ آخر. وكان لتوالي الأحداث أثره الحتمي في نشوء جيل جديد، حاول أن يتصور حلًّا للموقف المتناقض والأحداث المتشابكة، وكان الحل في منتهى البساطة: سنقاتل الإنجليز، ولو جاء الألمان سنقاتلهم بالمثل.١٠٢

كانت الصورة مفزِعة إلى حدٍّ كبير، وحين تزايدت الغارات الألمانية، فلم تعُد تفرِّق بين المعسكرات وبيوت الأهالي، قال رجل يميل إلى الحلفاء (أحزان مدينة): أما زلتم تصرُّون على أن الألمان خير من الإنجليز؟

فأجابه رجل يميل إلى الألمان: أباستطاعتك أن تدَّعي أن الإنجليز خير من الألمان؟١٠٣
وأعلن الراوي أنه يمقت الألمان كما يمقت الإنجليز سواء، وأنهم في البلاء سواء.١٠٤
وكان محمود (الضياع) واحدًا من الشباب الذين عاشوا — لفترة طويلة في حياتهم — مبهورين بالمعبود هتلر وبمبادئه، وأنه قد حلَّ جميع مشكلات الشعب الألماني، فلا فقر ولا بطالة ولا انحلال! ثم تبيَّن له — حين سافر إلى هناك — أن هتلر ليس سوى دمية يحركها ملوك الصناعة في بلاده، وأن ديمقراطيته مزجت أفراد الشعب الألماني في قوالب نازية واحدة، وأن المعارضة قد صُفيَت تمامًا؛ فالإضرابات ممنوعة، والمظاهرات محرَّمة، ومعسكرات الاعتقال سبيل كل من يبدي رأيًا.١٠٥
ويقول الفنان (ثم تشرق الشمس): «كان كُره المستعمر مغروسًا في النفوس، شبَّ معها وكبر، فكان الرأي العام يكاد يتجه بكُلِّه إلى رجاء هزيمة الإنجليز، لمجرد الانتقام منهم لا بفكرة أخرى، لا يقف رجاؤهم هذا عند حدٍّ، إلا إذا ذكَّر أحدهم الآخر بأن الألمان قد يكونون شرًّا في استعمارهم من الإنجليز، وأننا قد نبدأ عهدًا جديدًا من استعمارٍ جديد، يحتاج إلى بدء مفاوضات أخرى كانت قد وصلت إلى معاهدة الشرف والاستقلال.»١٠٦
تلاشت التوقعات بأن الأسعار ستبدأ في الانخفاض بعد انتهاء الحرب، واصلت الأسعار ارتفاعها،١٠٧ وأعلن الخواجة ديمتري (لا أحد ينام في الإسكندرية) بحسم: «قطيعة تقطع إنجلترا على ألمانيا في يوم واحد، لم ينُبنا غير الغلاء والظلام.»١٠٨ المعنى نفسه في قول المعلم نونو (خان الخليلي): «ملعون أبو هؤلاء وهؤلاء، فلا الألمان أمنا، ولا الإنجليز أبونا، وليذهب بهم الشيطان جميعًا إلى الجحيم.»١٠٩ ويقول الفنان إن المصريين صفقوا للألمان، لا حبًّا فيهم، وإنما ليخلصوهم من الإنجليز.١١٠ يضيف أحمد شوكت (السكرية): «إننا هنا لا نسمع إلا الإذاعة الألمانية، شعبنا يحب الألمان ولو على سبيل الكراهية للإنجليز، والمأمول أن تقضي الحرب على النازية والاستعمار معًا.»١١١

وعندما سقطت طبرق في يد الألمان، في النصف الثاني من يونيو، بدا غزو مصر محتملًا، وأكد سيد عارف بسرور: لن يقف زحف روميل هذه المرة.

فقال أحمد راشد (خان الخليلي): «يا مَن تحبُّون الألمان، هل تحسبون أنهم إذا دخلوا مصر يدخلون بسلام، أم أن دون ذلك حربًا ضروسًا تقتلع كلَّ قائم؟!»١١٢

اليونانيون

في تعداد ١٩٤٧م كانت الجالية اليونانية تتألَّف من ٩٣٦٥٦ نسمة، بما يعادل ٠٫٣٪ من مجموع السكان.١١٣ وحتى الأعوام الأولى من ثورة يوليو، كانت الوجوه اليونانية (السمان والخريف) تطالع المرء في الإسكندرية — مثلًا — أينما كان، في الشرفات، وفي النوافذ، وعلى قارعة الطريق، حتى سوق الخضار والدكاكين كانت تحتلها الوجوه اليونانية.١١٤
ألَّف اليونانيون في مصر فرقة مقاتلة، وأسهموا في المجهودات الحربية بالتطوع الجسدي، وبالتبرع المادي.١١٥ ويتحدث الراوي (حياة الظلام) عن الحلاق اليوناني في شارع قصر النيل.١١٦ ومع أن الخواجة مخالي صاحب لوكاندة أبوللو بالسويس [المنارة] أمضى عمره في مصر، فإنه لم ينس موطنه الأصلي، وكان دائم الحديث عن أمجاد الإغريق.١١٧
وإلى ما بعد العدوان الثلاثي على مصر في ١٩٥٦م، فقد ظل اليونانيون جزءًا في نسيج البنية الاجتماعية المصرية، بداية من مرشدي قناة السويس، وانتهاءً بالمهنيين والحرفيين والتجار، ثم وجدوا في استعادة المصريين أهم مرافقهم الدولية، مقابلًا لعداءٍ معلنٍ من دول الغرب، بلغ حد العدوان المسلح، ما يطرح فكرة المواطنة، وانتماء المرء إلى وطنه الأصلي.١١٨

الإيطاليون

عندما دخلت إيطاليا الحرب في ١٩٤٠م كان عدد أفراد الجالية الإيطالية ٧٠ ألفًا، ينتشرون في المدن الكبرى والأقاليم، وإن فضَّلوا الحياة في المدن الساحلية والإسكندرية بخاصة،١١٩ ويزاولون مهنًا مختلفة، خاصة التجارة والصناعات الكهربائية وهندسة المباني والموسيقى، منهم ١٢ ألفًا في سن الخدمة العسكرية.
وقد كوَّن جماعة من الإيطاليين المعادين للفاشية (١٩٣٨م) تشكيل الاتحاد الديمقراطي، الذي أقام الكثير من الندوات، شارك فيها أعداد من الإيطاليين المعادين للفاشية، إلى جانب أفراد من المثقفين المصريين، وكانت الندوات والمحاضرات تتركز في عمومها، على إدانة غياب الديمقراطية، والأيديولوجية النازية، والفاشية، والإشادة بالحرية السائدة في دول الحلفاء.١٢٠
وحين قامت الحرب، أفادت الجالية الإيطالية جيدًا من الامتيازات الأجنبية، حتى إن أبناءها لم يترددوا في ارتداء القمصان السوداء التي كان يرتديها شباب الفاشيست بإيطاليا،١٢١ وحرص أفراد الجالية — في المناسبات المختلفة — على إقامة الاحتفالات والمهرجانات، واستعراضات القمصان السوداء، وعزف الموسيقى، وإلقاء الأناشيد الحماسية.١٢٢
وكان الإيطالي إميليو يثق في قرارة نفسه، أنه — في يومٍ قريب — سيدخل موسوليني الدوتشي مصر، غازيًا راكبًا حصانه الأبيض؛ ليحكم مصر كما حكمها يوليوس قيصر.١٢٣
لذلك كانت مصارحة السفير البريطاني لعلي ماهر بأن البوليس المصري «لن يستطيع أن يعتقل هؤلاء جميعًا، وخاصة أنهم مدرَّبون تدريبًا جيدًا»، فوعده علي ماهر بأنه سيصدر أمرًا بنزع السلاح الموجود لدى كل السكان، وهو إجراء سيشمل المصريين، وكل الجاليات الأجنبية.١٢٤
وقد تمكَّن الإيطاليون من النفاذ إلى داخل حاشية الملك، منذ جلس السلطان أحمد فؤاد على العرش،١٢٥ توافدت على مصر — منذ تولي فؤاد عرش مصر — أعداد كبيرة من المهاجرين والمستوطنين الإيطاليين، حتى أصبحت الجالية الإيطالية هي التالية — من حيث العدد — بعد الجالية اليونانية، وصار لها امتيازاتها ومدارسها وجمعياتها وأنديتها وصحفها، واعتُبِر بعض الإيطاليين سببًا مباشرًا في انحراف الملك فاروق «كانوا وراء انحرافه، وتحوُّله إلى فاسق، لا يهمه شيء إلا نزواته ومتعه.»١٢٦ وكما يقول الفنان (بنت من شبرا) فقد كان المصريون — أعوام الحرب العالمية الثانية — يتجهون إلى وظائف الحكومة، بينما كان أكثر ميل أفراد الجالية الإيطالية الوصول إلى مواقع السلطة في مصر، وأهمها العمل في القصور الملكية، وصار لهم بالفعل نفوذ داخل القصور وخارجها.١٢٧
كان ضمن حاشية الملك فاروق ١٧ إيطاليًّا، من بينهم بوللي خادمه الخاص، وإدوارد كافاتري المشرف على الكلاب الملكية، وأيقنت الحكومة البريطانية أن القصر — بواسطة العملاء الإيطاليين — وراء تسريب معلومات الأمن، وتحركات القوات البريطانية.١٢٨
وكان من مظاهر الوجود الإيطالي في مصر: المعهد الإيطالي العام، وجمعية الصداقة المصرية الإيطالية، والصحف الإيطالية، ونادي خريجي المدارس والجامعات الإيطالية، كما كان للجالية الإيطالية عدة أندية رياضية، منها نادي «ليتوريا» في القاهرة، و«البلاستيرا» في الإسكندرية، فضلًا عن العديد من جمعيات الكشافة، ولها مدارس كثيرة، مثل «الدون بوسكو» و«الراهبات الفرنسيسكان» و«الراهبات السيليزيان». ويقول رفعت السعيد إن الرجعية المصرية تساهلت مع الفاشيست الإيطاليين، إلى حد السماح لهم بتكوين تنظيمات وسط الجالية الإيطالية في مصر.١٢٩
وقد وجدت بعض القيادات الإقطاعية والرأسمالية في الفاشية سبيلًا، لا بأس به، لمواجهة الخطر الشيوعي المتزايد، وأكدت إحدى الصحف أن أوروبا قد تنبَّهت إلى مزايا الفاشية التي أنقذت إيطاليا، بعد أن كادت تهوي إلى هاوية الشيوعية.١٣٠
وفي بنغازي، تسلَّم موسوليني «سيف الإسلام»، وأعلن أن إيطاليا ستحمي الإسلام في العالم، وزار الماريشال بالبو مصر مرتين، وأعلن — في كل مرة — تأييد بلاده لاستقلال مصر.١٣١

واستطاع الإيطاليون أن يتسللوا إلى قلب الريف بواسطة بعض العملاء، فثمة الخواجة بنايوتي (قلوب خالية) الذي استطاع أن يثري بالتعامل مع الفلاحين، يقول إن «الطلاينة رايحين ينزِّلوا عساكر من الطيارات ومعاهم دره وغلة وفلوس … حاينزِّلوهم من الطيارات في البر كله؟»

ويتأمل أبو اليزيد الكلمات جيدًا، ثم يصيح في انفعال: «بقى الخواجة قاعد يقول لكم كده؟ الله … ده قطعًا بيشتغل عميل للمحور، ما هي شبكة الطابور الخامس منتشرة في العالم كله، ما هم دخلوا بلاد كتيرة بمساعدة الطابور الخامس، واستغلوا حالات زي اللي في مصر! إزاي بنايوتي ده حر طليق؟ ليه مش معتقل؟!»١٣٢
ويتحدث الراوي (حياة الظلام) عن الحفلة الراقصة التي تقيمها الجالية الإيطالية في رأس كل سنة،١٣٣ وحين أراد النحات سامي علوي (ثلاث نساء وذئب) أن ينحت تمثالًا جديدًا لفتاة، فقد لجأ إلى صديقه الإيطالي العجوز ليبحث له عن موديل من بين الفتيات الإيطاليات اللائي يعرفهن.١٣٤

وعلى الرغم من النشاط المعادي الذي كانت تقوم به جماعة «الفيدراليين الإيطاليين» في الإسكندرية، فإن الجالية الإيطالية كانت تساند الحركة الوطنية بوجه عام.

كان الكثير من الشبان الإيطاليين يدَّخرون المال للسفر إلى إيطاليا، حيث يقود موسوليني جيشًا يعود إلى مصر ليستعيد فيها حكم روما.١٣٥ ولما قامت الحرب، قبض الإنجليز على المتقاعسين عن السفر في الوقت المناسب من الإيطاليين، وامتلأت المعتقلات حتى بهؤلاء الذين كانوا يتمتعون بحماية الملك.١٣٦

وطلبت السلطات البريطانية من حكومة علي ماهر اتخاذ بعض الإجراءات ضد الرعايا الإيطاليين والحكومة الإيطالية، ومنها:

  • اعتقال الأطباء الإيطاليين وحرمان المرضى من رعايتهم.

  • تفتيش المفوضية الإيطالية.

  • اعتقال اثني عشر ألف إيطالي.

  • قطع الاتصال بالوزير المصري في روما.

  • تفتيش الوزير الإيطالي وتفتيش حقائبه.

  • اعتقال موظفي القنصليات الإيطالية.

  • منع إعلان القاهرة مدينة مفتوحة.١٣٧
  • وقد أغلقت السلطات البريطانية النادي الإيطالي، واستولت على مبانيه وملاعبه.١٣٨
وكان صاحب محل الحقائب الإيطالي (امرأة في الجانب الآخر) واحدًا من أبناء الجالية الإيطالية الذين أودعوا المعتقلات في أعوام الحرب،١٣٩ كما كان الخواجة ماركو (قليل من الحب، كثير من العنف) واحدًا من أفراد الجالية الإيطالية الذين اعتُقلوا أثناء الحرب العالمية الثانية.١٤٠

الفرنسيون

كان عدد الفرنسيين في مصر حوالي ٢٥ ألف شخص،١٤١ وكان أفراد الجالية الفرنسية في مصر يتابعون الموقف في وطنهم، وانقسام فرنسا — بعد طلب الهدنة — إلى قسمَين، أحدهما تحتله ألمانيا، والآخر لم تصل إليه قبضتها بعد، لأنه كان يتألف من المستعمرات الفرنسية، وطالب فرنسيو مصر قادتهم بمواصلة القتال لإنقاذ شرف فرنسا، وأبدوا استعدادهم للتطوع والتجنيد في المواقع التي تحددها لهم القيادات.١٤٢
وبعد حوالي شهر من إعلان الهدنة، تألَّفت في القاهرة جمعية فرنسية وطنية، بهدف مواصلة النضال، والسعي لتكاتف جميع الفرنسيين، وتكوَّنت الفرقة الفرنسية المحارِبة في الشرق، وأنشأت مكاتب لها في المدن المصرية الكبرى، واستغلت وسائل الإعلام المتاحة آنذاك،١٤٣ وكانت الفرنسية سوزي (حياة الظلام) تعمل في حانة بالقرب من حديقة الأزبكية.١٤٤

الأرمن

كان عدد الأرمن — حتى قيام الحرب العالمية الثانية — ٥٠ ألفًا، وكان للجالية الأرمنية ثلاث كنائس في القاهرة: واحدة في شارع رمسيس، الثانية في شارع جامع جركس، الثالثة في شارع السبع بنات، بالإضافة إلى كنيستين في الإسكندرية، وكان لها مدارس: بولاق الأرمنية، مدرسة الجمعية الأرمنية الإعدادية في شبرا، فضلًا عن ثلاث مدارس أخرى لروضة الأطفال، والمرحلة الابتدائية في مصر الجديدة. أما الأندية فهي: نادي أرارات الرياضي، نادي نيرسيت بشبرا، نادي جامك، ونادي هوتيمن بالإسكندرية، إلى جانب أندية أخرى ثقافية، وجريدتين هما «الهوسابير» و«أريف».

وكان الطبيب العجوز جارو (صيد العصاري) أحد ضحايا التهجير العثماني من بلاده، انتهت به رحلته القاسية إلى مصر، وأتاحت له مهنته كطبيبٍ أن يفتح عيادة في بحري بالإسكندرية، لكن مأساة بلاده لم تغادر وجدانه؛ ظل مشغولًا بالعودة إليها، حتى تحقق له ذلك، ولم يعُد بمفرده، وإنما صحب معه نورا، الفتاة الصغيرة التي فضَّلت أن يرافقها — زوجة — إلى وطنهما المشترك، بدلًا من أن تتواصل علاقتها بالصحفي المصري الشاب صلاح بكر، وكانت نورا عضوًا في أسرة أرمينية، التحمت بالمجتمع المصري، فصارت جزءًا منه.١٤٥

هوامش

(١) محمود كامل، مصر الغد تحت حكم الشباب، ١٥.
(٢) مؤلفات محمود كامل، الشيخ خليفة يقتل، هيئة الكتاب.
(٣) محمود البدوي، الأعرج في الميناء.
(٤) محمد كمال محمد، الحب في أرض الشوك، كتاب اليوم، ١٥.
(٥) المصدر السابق، ٢٣.
(٦) رفعت السعيد، تاريخ المنظمات اليسارية المصرية: ١٩٤٠–١٩٥٠، ٩٨-٩٩.
(٧) نبيل عبد الحميد سيد أحمد، النشاط الاقتصادي للأجانب وأثره في المجتمع المصري (١٩٢٢–١٩٥٢م)، هيئة الكتاب، ٤٠–٤٥.
(٨) أخبار الأدب، العدد ١٢.
(٩) نقولا يوسف، إلهام، ١٠.
(١٠) نجيب محفوظ، السمان والخريف، مكتبة مصر، ١٠٦.
(١١) عباس الأسواني، أبو حنفي، الجمهورية، ١٥/ ٥/ ١٩٥٤م.
(١٢) «مصر: ولع فرنسي»، ٢٨٦.
(١٣) محمد زكي عبد القادر، وطنه قضيته، لست مسيحًا أغفر القضايا، كتاب اليوم.
(١٤) محمود البدوي، الأعرج في الميناء، هيئة الكتاب.
(١٥) ميرامار، ١٠٣.
(١٦) المصدر السابق، ١١٢.
(١٧) الدكتور خالد، ٨٧.
(١٨) محمد أنيس، ٤ فبراير ١٩٤٢م في تاريخ مصر السياسي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ١٩٧٢م، ٧١.
(١٩) التاريخ السري لمصر، ١٢٣.
(٢٠) وراء القضبان، ٢٤.
(٢١) المصدر السابق، ٢٩.
(٢٢) أسرار الثورة المصرية، ٤٩.
(٢٣) تطور الحركة الوطنية في مصر، ٢: ٦١-٦٢.
(٢٤) الدكتور خالد، ٢٩١.
(٢٥) المصدر السابق، ٢٧٩-٢٨٠.
(٢٦) عثمان نويه، خادمك المليونير، مكتبة مصر، ٣٧.
(٢٧) محمود البدوي، الشعلة، الأعرج في الميناء، هيئة الكتاب.
(٢٨) العمال، العدد ٢٢٧.
(٢٩) وراء القضبان، ٨٢.
(٣٠) الكفاح السري ضد الإنجليز في مصر، ٤٢.
(٣١) الحصاد، ٥٨.
(٣٢) التاريخ السري لمصر، ٩٦.
(٣٣) الدبابات حول القصر، ٥٢.
(٣٤) التاريخ السري لمصر، ٩٥.
(٣٥) الأهالي، أكتوبر ١٩٩٢م.
(٣٦) الدكتور خالد، ٥٠–٦٠.
(٣٧) وراء القضبان، ١٣٨.
(٣٨) تطور الحركة الوطنية في مصر، ٢: ١٣١.
(٣٩) الدكتور خالد، ٣٨.
(٤٠) أسرار الثورة المصرية، ٣٤.
(٤١) إخفاق الفاشية، ٢.
(٤٢) السكرية، ٣٣٠.
(٤٣) قلوب خالية، ٨٤.
(٤٤) هتلر في الميزان، ٧٩.
(٤٥) الحرب العالمية الثانية، ٩٤.
(٤٦) هتلر في الميزان، ٢٥٢.
(٤٧) الحرب العالمية الثانية، ٢٤.
(٤٨) الهلال، فبراير ١٩٤١م.
(٤٩) الحرب العالمية الثانية،٨٠.
(٥٠) المرجع السابق، ٨٠-٨١.
(٥١) فتحي رضوان، عصر ورجال، الأنجلو المصرية، ٢٩.
(٥٢) الهلال، فبراير ١٩٤١م.
(٥٣) رياض محمود مفتاح، الحرب الحديثة، ١٠.
(٥٤) الدكتور خالد، ١١٥.
(٥٥) عبد الفتاح الجمل، محب، روايات الهلال، ٣٣.
(٥٦) المقصود: ألمانيا وإيطاليا واليابان، مقابلًا للديمقراطية: إنجلترا وفرنسا والاتحاد السوفييتي، قبل أن تدخل الولايات المتحدة الحرب.
(٥٧) الدكتور خالد، ١١٠.
(٥٨) قلوب خالية، ٨٣.
(٥٩) تطور الحركة الوطنية في مصر، ٢: ٥٥-٥٦.
(٦٠) المرجع السابق، ٢: ٢٥٥.
(٦١) التاريخ السري لمصر، ١٢١.
(٦٢) قلوب خالية، ١٠٨.
(٦٣) يوسف السباعي، نحن لا نزرع الشوك، مكتبة الخانجي، ٧٥٨.
(٦٤) إدوار الخراط، سكندريتي، ١٢٥.
(٦٥) المحاكمة الكبرى، ١٦١.
(٦٦) خان الخليلي، ٧٧.
(٦٧) أحزان مدينة، ١١٧.
(٦٨) زقاق المدق، ٣٢١.
(٦٩) الشارع الجديد، ٣٨٨-٣٨٩.
(٧٠) المصدر السابق، ٣٨٨-٣٨٩.
(٧١) الحصاد، ٤٥.
(٧٢) خان الخليلي، ٩٩.
(٧٣) أحزان مدينة، ١١٨.
(٧٤) السكرية، ٣١٠.
(٧٥) محمود الخفيف، من وراء المنظار، مطبعة الرسالة، ١٩٤٧م، ١٤٠.
(٧٦) عادل كامل، الحل والربط، روايات الهلال، ٢١.
(٧٧) عبد الرحمن فهمي، البرد، تاريخ حياة صنم، مختارات فصول.
(٧٨) أحزان مدينة، ١١٨.
(٧٩) محمد سالم، بنادق الإنجليز، ١٥ قصة مصرية، المجموعة الثانية، كتب للجميع، ١٩٥٨م.
(٨٠) فاروق خورشيد، الكل باطل من جديد، حبال السأم، مختارات فصول.
(٨١) صخور السماء، ٢٥.
(٨٢) زقاق المدق، ١٨٨.
(٨٣) خان الخليلي، ٧٣.
(٨٤) الحصاد، ٤٤.
(٨٥) خان الخليلي، ٧٣.
(٨٦) المصدر السابق، ٧٣.
(٨٧) المصدر السابق، ١١.
(٨٨) المصدر السابق، ١٠٧.
(٨٩) محمود السعدني، بوابة التاريخ، بنت مدارس، الكتاب الذهبي، ١٩٦٠م.
(٩٠) المصدر السابق.
(٩١) المصدر السابق.
(٩٢) المصدر السابق.
(٩٣) نقولا يوسف، عطية النشتاوي، مواكب الناس، دار نشر الثقافة المصرية بالإسكندرية، ١٩٥٢م.
(٩٤) قلوب خالية، ١٣٤.
(٩٥) يوسف إدريس، الغريب، آخر الدنيا، مكتبة مصر.
(٩٦) خان الخليلي، ٢٨٩.
(٩٧) بوابة التاريخ.
(٩٨) المصدر السابق.
(٩٩) علي شلش، عزف منفرد، الأعمال الكاملة، هيئة الكتاب.
(١٠٠) محمود البدوي، غرفة على السطح، ٣٠.
(١٠١) السكرية، ٢٢٨.
(١٠٢) الكفاح السري ضد الإنجليز في مصر، ٤٣-٤٤.
(١٠٣) أحزان مدينة، ١٣١.
(١٠٤) إدوار الخراط، الثعبان والنهد الخئون، عمل نبيل، هيئة قصور الثقافة.
(١٠٥) فتحي الرملي، الضياع، دار الطباعة الحديثة، ١٩٧٠م.
(١٠٦) ثم تشرق الشمس، ١٧٣.
(١٠٧) يوسف الشاروني، الآلهة الزجاج، أجداد وأحفاد، هيئة قصور الثقافة.
(١٠٨) لا أحد ينام في الإسكندرية، ٥٧٠.
(١٠٩) خان الخليلي، ١٠١.
(١١٠) محمود البدوي، امرأة في الجانب الآخر، الأعمال الكاملة، هيئة الكتاب.
(١١١) السكرية، ٢١٩.
(١١٢) خان الخليلي، ٢٧٦.
(١١٣) الجمهورية، ١٢/ ١١/ ١٩٧٤م.
(١١٤) السمان والخريف، ٨٣.
(١١٥) مصر والحرب العالمية الثانية، ٥٠.
(١١٦) حياة الظلام، مؤلفات محمود كامل، هيئة الكتاب.
(١١٧) محمود البدوي، المنارة، الأعمال الكاملة، هيئة الكتاب.
(١١٨) راجع روايات محمد جبريل: الشاطئ الآخر، زمان الوصل، صيد العصاري، أهل البحر.
(١١٩) كان يسكنها أكثر من ٢٥ ألفًا.
(١٢٠) صلاح عيسى، القاهرة، ٢٩/ ٦/ ٢٠١٠م.
(١٢١) تاريخ المنظمات اليسارية المصرية: ١٩٤٠–١٩٥٠، ١٠٥-١٠٦.
(١٢٢) كيف سقطت الملكية في مصر؟
(١٢٣) فتحي غانم، بنت من شبرا، روايات الهلال، ١٧.
(١٢٤) المحاكمة الكبرى، ١٣٥.
(١٢٥) كيف سقطت الملكية في مصر؟، ٦٦.
(١٢٦) الملف السري للملك فاروق، ٤٣.
(١٢٧) بنت من شبرا، ١٤.
(١٢٨) الملف السري للملك فاروق، ٨٢.
(١٢٩) اليسار المصري، ٥٠.
(١٣٠) تاريخ المنظمات اليسارية المصرية، ١٠٥-١٠٦.
(١٣١) التاريخ السري لمصر، ١٢١.
(١٣٢) قلوب خالية، ١٠٧.
(١٣٣) مؤلفات محمود كامل، حياة الظلام، هيئة الكتاب.
(١٣٤) محمود كامل، ثلاث نساء وذئب، لاعبات بالنار، كتب للجميع.
(١٣٥) بنت من شبرا، ٥٥.
(١٣٦) المصدر السابق، ٦٢.
(١٣٧) تطور الحركة الوطنية في مصر، ٢: ٨٤.
(١٣٨) بنت من شبرا، ٧٤.
(١٣٩) محمود البدوي، امرأة في الجانب الآخر.
(١٤٠) فتحي غانم، قليل من الحب … كثير من العنف، ١٩.
(١٤١) مصر ولع فرنسي، ٣٨٩.
(١٤٢) مصر والحرب العالمية الثانية، ٤٤.
(١٤٣) المرجع السابق، ٤٦.
(١٤٤) مؤلفات محمود كامل، حياة الظلام، هيئة الكتاب.
(١٤٥) محمد جبريل، صيد العصاري، دار البستاني، ٢٠٠٤م.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥