البغايا … ثمار الحرب

البغاء نتيجة وليس سببًا، والأسباب متعددة، منها ما يتصل بشخصية البغي نفسها كالضعف العقلي والسيكوباتية وعدم التوافق النفسي بينها وبين الآخرين، أو زواجها في سن باكرة، أو زواجها ممن يكبرها بأعوام طويلة. ومنها ما يتصل بالبيئة الأقرب: بيئة الأسرة، وضعها الاقتصادي والاجتماعي، مدى تشدُّد الأبوين وتساهلهما، أو وفاتهما، أو هجرة الأسرة من بيئة ريفية إلى بيئة حضرية، أو وقوعها تحت سطوة زوج قواد، ومنها ما يتصل بالمجتمع جميعًا كظروف الحرب، أو غلبة الأمراض الاجتماعية.١
كانت البغي محورًا لعشرات الإبداعات في التراث المحلي والعالمي، ثمة سونيا في «الجريمة والعقاب» لديستويفسكي، وألما سلوفا في «البعث» لتولستوي، ومسز وارن في مسرحية برناردشو، وغيرها،٢ كل هذه الأعمال تناصر البغي، وتُدين موقف المجتمع منها، تصفها بأنها ضحية له، أو لظروفها الأسرية الخاصة.
البغي — في معظم الأحوال — ضحية للظروف الاجتماعية القاسية، لغياب العدل الاجتماعي، وانسحاق الطبقات الأدنى، فضلًا عن تفشي قِيَم بالية كالوصولية والانتهازية وغيرها، وقد دافع قاسم أمين عن المومسات — في أوائل القرن العشرين — بأن «بيوت المومسات قد تقفل أبوابها على نساء فيهن من هي أوفر حشمة وأدبًا، وأكثر بُعدًا عن الشهوة، من كثير من المُخدَرات اللائي تنحني الرءوس أمامهن.»٣

•••

أما بداية تناول البغاء في الأعمال الأدبية المصرية، ففي رواية «في وادي الهموم» لمحمد لطفي جمعة التي تتناول قصة أب فاسد وأم ساقطة، أنجبا ابنًا وابنة هما مختار وعزيزة، سارا في طريق الانحراف حتى انتهيا إلى الضياع. رفض الفنان أن يكون موضوع الرواية عن «الغرام الطاهر والحب النقي الذي ينتهي بالزواج.» واختار أن يكتب عن «سقوط الشبيبة، وتفاعلها مع تيار الفساد الأدبي.»٤

وظني أن محمد لطفي جمعة قد قرأ لإميل زولا، وقرأ عنه، جيدًا، فقد ظل — كما قال — ثلاثة أشهر يجول في أحياء القاهرة، يشاهد، ويسجل ما يراه، في دفتر صغير، وهو ما كان يفعله زولا، وقلَّده فيه نجيب محفوظ، وبخاصة في الأعمال التي تناولت بيئة الإسكندرية.

تتحدث الرواية عن الشاب مختار الموظف بالحكومة، ينفق الأموال التي ورثها على الراقصة منيرة، فلما بدَّد مختار كل ما لديه، هجرته منيرة، فبادر الشاب المصدوم إلى خنقها، وخنق نفسه (تذكِّرنا بالعديد من أفلامنا العربية!) إنها — في تقدير الفنان — رواية حياتَين محزنتَين، حياة المرأة الظالمة التي أساءت إليها القوة القادرة التي تحكم هذا العالم، وأساء إليها كل من عرفها، وحياة الشاب الساقط المسكين الذي وقع معها في هوة الانحطاط، «ولا أدري أين هذه المرأة، وأين هذا الرجل؟ أهما في جنة تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، على الأرائك متكئين، تطوف عليهما غلمان كاللؤلؤ المنثور بأكواب من فضة ختامها من مسك، أم هما في جحيم وقودها الناس والحجارة واقفين على حجرين من نار يغسلان ذنوبهما بماء من نار، وتُبدَّل جلودهما كلما فنيت أنفاسهما في الهواء الرحب، لا تستقران على حال من القلق، تطيران من كوكب إلى كوكب، ومن عالم إلى عالم، حتى تهلكا.»٥
«في وادي الهموم» — في تقدير محمد لطفي جمعة — أول رواية مصرية تصور حياة المومسات، وكما يقول الفنان فهو «لا يقصد بالمرأة تلك المخلوقةَ التي تهز سرير طفلها، وتطبخ لزوجها، وإنما يقصد المرأة المسكينة المحتقَرة، المهانة، الظالمة، المظلومة، التي أجبرها الفقر، وألزمتها الفاقة، فباعت عرضها لتأكل بثمن رغيف خبز يابس … تلك المخلوقة الضعيفة، يجب إصلاحها لأنها لا تستطيع أن تدفع عن نفسها أذى ذئاب المدينة، وإن قدرت فهي لا تريد، ولا أدري على رأس مَن يقع ذنبها، فإنها — المسكينة — تسقط بسرعة، ولو سقطت، ليس لها من يرفعها، فيدوس عليها الرجال.»٦
ويرى نجيب محفوظ أن الحاجة المادية هي الباعث لمعظم حالات انحراف المرأة، وإذا لم تكن المرأة مصابة بمرضٍ نفسي، فإنها لن تقبل بهذه الحياة، والرجل مسئول — في أغلب الأحيان — عن انحرافها. وكما يقول الفنان فإن بواعث الانحراف اجتماعية في الأغلب، ومن هنا، يبين تطلع أغلبية المنحرفات إلى الحياة النظيفة المستقرة؛ لأن الفقر هو أساس انحرافهن.٧«الأغلبية الساحقة للمنحرفات يتلهفن على الحياة المستقرة، وهذه حقيقة، ولكنها غائمة بعض الشيء، وسبب ذلك أن كل الفرص التي تظهر للمنحرفة، لا تثق بها، ولا تطمئن إليها، إنما هي — لو وجدت الصادق في حبها، وبادلته نفس الحب — فهي لا شك ستنقلب إلى امرأة من نوع آخر. إن أغلبية المنحرفات اللاتي يرجع انحرافهن لأسبابٍ اجتماعية، يكن مستعدات، بل متلهفات، إلى الحياة النظيفة، بمعنى أن أغلبية المنحرفات أساس انحرافهن الفقر، وهن متلهفات على حياة شريفة، إذا وجدن الفرصة.
ثمة زنوبة (بين القصرين) ونور (اللص والكلاب) وريري (السمان والخريف) وعطية (السكرية) وسناء (بداية ونهاية) وقدرية (حضرة المحترم). ومثلما كانت سناء صديقة لحسن كامل علي، زوجة في كل شيء إلا العَقد، وعاشت معه على الخير والشر، فقد كانت نور هي الملاذ لسعيد مهران حين لجأ إليها بعد أن لفظه الجميع، وتهددته الأخطار من كل جانب. وقد تزوجت ريري (السمان والخريف) من رجل مسنٍّ أحبها وتبنى ابنتها ثمرة علاقة سفاح، وعندما دخل الرجل السجن في جريمة مخدرات، انتظرته المرأة، باعتباره والد طفلتها الحقيقي، وليس عيسى الدباغ الذي أنجبت منه الابنة «لست أبًا، أنت جبان، ولا يمكن أن تكون أبًا.»٨
وتلخص نور ما تطمح إليه الغالبية من النساء اللائي اتخذن البغاء حرفة: «أريد توبة مطمئنة، وصحوة هنية، وجلسة وديعة … هل يتعذر ذلك على رافع السموات السبع؟»٩ بل إن مريم (قصر الشوق) وحميدة (زقاق المدق) من ضحايا الوجود الاحتلالي في مصر، احترفتا البغاء في ظل غواياته، من خلال أفراده، أو المتعاملين معه. ويقول نجيب محفوظ «إن زنوبة (بين القصرين) من المنحرفات اللائي وجدن فرصة، ولاحظ أن زنوبة ليست منحرفة بمعنى الانحراف، هي صبية عالمة، ليست مجرد مومس، وإنما هي أيضًا فنانة بلغة العصر، وهي حرة في نفسها بدرجة ما.»١٠ وترد إحدى المومسات (الجامع في الدرب) على السؤال: ألا تخافين الله؟ تجيب: ربنا يتوب علينا! فهي تعلم أن مهنتها تستوجب العقاب في الآخرة، لكنها تعلم كذلك أن الله يستطيع أن ينقذها من هذا المصير إن تاب عليها، بحيث تسد جوعها دون حاجة إلى ممارسة الدعارة.١١
ويعلن البعض رأيه (الجامع في الدرب): «إن المومس بشر مثلنا، وإن أكثر المحترمين بمقاييس العرف ليسوا خيرًا منها في شيء.»١٢

ومع أن العوادة زنوبة كانت تبيع جسدها، فإنها رفضت استمرار العلاقة بعشيقها أحمد عبد الجواد، صارحت الرجل بأنها لا ترضى إلا بمن تحب، وكانت تعني ابنه ياسين الذي عرض عليها الزواج، فقبِلت، وتزوجا بالفعل، واستطاعت أن تحافظ على حياتها معه. لم يكن يشغلها من علاقتها بالأب والابن إلا أن تتزوج أحدهما، وهو ما تحقق لها عندما تزوجت ياسين، وأخلصت في زواجها، أشبه بآبي في «رغبة تحت شجرة الدردار» ليوجين أونيل التي كان عشيقها يظن أنه فارس عشيقته الأول والأخير، ثم فوجئ بأنها عشيقة ولدَيه أيضًا، لكن الزواج — كما نعرف — كان هو الهدف الذي سعت إليه زنوبة، برغم اختلاف مستوى الحياة، بين عوامة الأب وشقة الابن في السكرية.

قالت زنوبة (قصر الشوق) لياسين: لقد ضقت ذرعًا بحياة الحرام، ليس وراءها إلا البوار، إن مثلي إذا تزوجت، قدَّرت الحياة الزوجية خير قدرها.١٣
وباعتراف ياسين، فقد حرصت زنوبة على الحياة الزوجية أكثر من سابقتَيها.١٤
لم تكن زنوبة مجرد مومس، إنما هي — كما يقول الفنان — صبية عالمة، فنانة بلغة العصر، اندمجت في أسرة أحمد عبد الجواد، فأصبحت واحدة من أفرادها، تقول لأمينة: يا تيزة، وتقول لخديجة: يا أختي. وحرصت — دومًا — على أن ترتدي ثيابًا محتشمة، وقالت عنها أمينة — ذات يوم — «لا شك أن أصلها طيب، ربما أصلها البعيد، فليكن، لكنها بنت حلال، هي الوحيدة التي عمَّرت مع ياسين.»١٥
ولعل المومس عطية (السكرية) هي الأقرب إلى شخصية زنوبة، يقول كمال عبد الجواد (السكرية): «يا لها من امرأة طيبة عاثرة الحظ، طالما أقنعتني أحوالها بأنها لا تمارس هذه الحياة إلا مضطرة.»١٦

كان البغاء وسيلة عطية — التي لم تجد سواها — لتربية طفلها الصغير، وكانت تحرص على الجو الأسري مع عشَّاقها الأقربين، وكان كمال عبد الجواد واحدًا منهم.

ومع أن البغاء كان مهنة قدرية (حضرة المحترم)، فإنها كانت تتميز بوعي اجتماعي متفوق، حتى لقد خرجت — ذات يوم — في مظاهرة سياسية.١٧
وكان خالد (مليم الأكبر) ينعى على المجتمع الفاسد الذي جعل من النسوة مومسات، يتصيدن الرجال.١٨ وعرف أحمد عاكف (خان الخليلي) طريقه إلى المومسات، لكنه خرج من تلك التجربة بجروحٍ وندوب؛ فهو لم يستطع أن يجتذب واحدة ممن تردد عليهن، فتصور أنه عاطل من جاذبية الجنس.١٩
والواقع أن نظرة الفنان قد تغيرت — فيما بعد — إلى مأساة سقوط المرأة. قال لي: سقوط المرأة في وقتنا الحالي لا يكون بصفتها ضحية، لا تملك لنفسها ضرًّا ولا نفعًا، بقدر ما يرجع إلى سلوكها الشخصي، وإرادتها، وتفاعلها مع الظروف، وهذا يخلق السقوط التراجيدي، لا السقوط الميلودرامي، وأضغط على المرأة المسئولة؛ أي المرأة المتعلمة، أما رواسب الماضي، فما زالت على حالها كما كانت.٢٠
ذلك ما تذهب إليه القوادة سوسو (السكن في الأدوار العليا)، فهي تنفي أن تكون أحلام النساء بالحياة الشريفة حقيقية «الواحدة بعد ما تتعوَّد على الوعد لا يمكن تسلاه، تحلم بالجواز والهرب، لكنها مجرد أحلام، لقد قيَّد الجنس المتواصل خطواتها بسلسلة أقوى من الحديد.»٢١ والمرأة في قصة «الكازينو» تعبير متكرر عن استحالة الحياة الشريفة للمومس، فهي لا بد أن تحن إلى حياة الدعارة.٢٢ وكان رأي عزيز (ثريا) أن المومس لا تحب، وإن أحبَّت، فحبُّها وقتي يزول زوال الليل، وأن المرأة متى سقطت لا تعود إلى الحياة الشريفة.٢٣ وقد جعل عزت (عصر الحب) في شقته ليالي حمراء، فلم يهنأ بها كما تخيل «بدا له الحب التجاري مقززًا للغاية.»٢٤

•••

والعديد من شخصيات الأعمال الروائية — عندما يواجهون الضياع — فإنهم يلجَئُون إلى الزواج من مومسات.

ذلك ما فعله ياسين (قصر الشوق) وعثمان بيومي (حضرة المحترم) وسالم علي (حب تحت المطر). يبرر سالم عرضه، الذي فوجئت به سميرة، بأنه يريد أن يستقر مع امرأة معقولة بلا خداع، ويسألها: هل أنتِ على استعدادٍ لنسيان الماضي، وبدء حياة جديدة؟٢٥ وحين يقول حسنين لحسن (بداية ونهاية): «أفضل أن تختار زوجك من وسط كوسطنا!» رافضًا بذلك فكرة زواج حسن من سناء، فإن حسن يقول في استياء: «إنها أفضل من سيدات كثيرات، تحبني، وتخلص لي، ولا تضن عليَّ بمال.»٢٦ ويضيف: «إن إخلاص الزوجة لزوجها لا يخلو من منفعة وراءه، أما هذه المرأة، فإخلاصها غير مشوب.»٢٧

ومن الغريب أن تبين هذه الحياة عن بُعدٍ إيجابي في حياة المرأة، فزنوبة (قصر الشوق) تقول لأحمد عبد الجواد في بساطة وقسوة: «أنا لا أرضى إلا بمن أحب!» تأكيدًا على أنها تملك الاختيار، تملك الاستقلال، بعكس النسوة الفاضلات القابعات داخل البيوت، إن زنوبة وزبيدة وجليلة وغيرهن يبدون أكثر مساواة بالرجل من أمينة وخديجة وعائشة.

•••

وُضعَت في ١٨٦٩م لائحة للعاهرات، نصَّت على منع اتصال بيوت العاهرات بغيرها من بيوت الناس، كما حظرت عليهن الوقوف على أبواب بيوتهن ونوافذها.٢٨
ولعل قاسم أمين كان أول من دافع عن «المومسات» بين الكُتاب المصريين، كتب في مطالع القرن أنه «ليس ما يُكتَب على أبواب الأمكنة دائمًا صحيحًا، فقد يكون بين سكان البيمارستان مَن هو أعقل من هذا الذي تراه سائرًا في الطريق متمتعًا بحريته، كذلك بيوت المومسات، قد تقفل أبوابها على نساءٍ فيهن مَن هي أوفر حشمة وأدبًا وأكثر بُعدًا عن الشهوة، من كثير من المخدورات اللاتي تنحني الرءوس أمامهن.»٢٩ وكان بعض طلبة الأزهر — كما يروي قاسم أمين — «يتحايلون على جريمة الزنا، بالذهاب إلى «بيت عمومي» والعقد على امرأة بحضور شاهدَين لقاء مهر قدره خمسة قروش، فإذا أفرغ شهوته طلقها، وخرج متصورًا أنه بريء من كل ذنب!»٣٠

وقد راجت سوق الدعارة السرية — أعوام الحرب العالمية الأولى — بصورة هائلة، نشطت العصابات التي تخطف الفتيات القاصرات، وترغمهن على مزاولة مهنة الدعارة، وتزايدت النشرات التي تعلن عن الفتيات المتغيبات، وقبضت الشرطة على العديد من «العايقات» والقوادين ومورِّدي القاصرات إلى بيوت الدعارة.

والواقع أن عمل الشرطة لم يقتصر على محاولة منع مزاولة المهنة، فقد حاول العديد من العساكر مجاوزة ظروفهم المادية، بما يقترب من عمل القوادين والبلطجية، أقبلوا — كما يقول الفنان — على حراسة بيوت الدعارة السرية في الفجالة وعماد الدين وغيرها، لقاء إتاوة شهرية تدفعها صاحبات البيوت، بل إن بعض العساكر كان يوجه طالبي المتعة إلى بيوت الدعارة، لقاء خمسة، أو عشرة قروش، ورأى نعيم (العنقاء) بعينيه، شرطيًّا مسلحًا يقف ناحية الأنتيكخانة في منتصف الليل، إلى جانب عربة بداخلها جندي بريطاني ومجندة بريطانية «يستقلان البلا كاوت الثقيل في حراسة الشرطة.»٣١ وكان نعيم — في كل مرة — يستبشع ما يسمع، أو يرى، ثم يهز كتفيه، ويجد التفسير في الشرطة، وحقارة منبتهم، بل لقد سمع نعيم بضباط البوليس الذين يستوقفون السيدات الجميلات في شوارع القاهرة، ويزجون بهن في البوكسفورد، بتهمة تصيُّد الرجال، ليخلقوا بذلك مجالًا لمساومتهن في أعراضهن.٣٢

•••

إذا كانت نفيسة (بداية ونهاية) قد احترفت «الخطيئة» مدفوعة بالنقود، وبالإحساس بالدمامة، بينما كانت الخطيئة منطلق حميدة (زقاق المدق) إلى حياة الرغد التي كانت تتمناها، ومارست عزيزة (الحرام) الخطيئة في لحظة يائسة، دفعت حياتها ثمنًا للتخلص من ثمرتها … إذا كان ذلك هو مبعث «الخطيئة» في حياة النسوة الثلاث، فإن شُهرت (قاع المدينة) تختلف عنهن في مقاومتها الضارية لرغبة الأستاذ عبد الله، لكن العوز يُلقي بها في أحضانه، ثم ما تلبث أن تحترف الخطيئة.

ولم تكن المومس كايداهم (زقاق السيد البلطي) تضمر تطلعها إلى الحياة الشريفة،٣٣ وكانت المومس عطية (السكرية) تحيا من أجل ابنها الصغير، فهي لم تمارس اللذة إلا مضطرة،٣٤ بل إن المرأة المتسولة (٥ باب) باعت جسدها لقاء عشرة قروش وبعض الطعام، حتى تُطعِم وليدها،٣٥ كما دفعت مطالب الحياة رحمانة (الوعاء الفارغ) إلى بيع شرفها للشاب الثري في المدينة،٣٦ واضطرت شريفة — لاحظ الاسم — (الجوع) لاحتراف البغاء كي تأكل هي وأمها،٣٧ واسم قصة «تحلم بالحب» يشي بالإحساس الذي كانت تحياه البغي سعدية في دوامة ظروفها القاسية، في كوم بكير،٣٨ وتقول المومس (رسائل إنسانية): «إني إن تاجرت بعرضي، فلكي أعيش ولا صناعة بيدي أسترزق منها، ولا أُحسِن عمل شيء سوى هذا.»٣٩ وتضيف المومس وداد (وسادة فوق القمر) «الواحدة منا مرغمة … كل واحدة فينا بتجري على عيالها … الزمن رمانا … والمكتوب!»٤٠
ويقول أحمد عاكف (خان الخليلي): «إن المرأة الحقيقية هي البغي، فهي المرأة الحقيقية، وقد جلت عن وجهها قناع الرياء، فلم تعد تشعر بضرورة ادعاء الحب والوفاء والطهر.»٤١ وكانت أم عباس (الرغيف القاتل) تحيا في حي البغاء، فلما صدر الأمر العسكري رقم ٧٦ لسنة ١٩٤٩م، بإلغاء بيوت الدعارة وتحريم البغاء، تزوجت من أحد المترددين عليها،٤٢ وتزوج الراوي (ليلة في الحان) إحدى فتيات الحانة، لثقته في براءتها.٤٣
وقد باعت البغي (عيش وملح) جسدها، وعادت لتشتري طعامًا، شاركها في تناوله الراوي الذي كان قد تعرَّف إليها في الليلة ذاتها، ولكن شدَّها إليه إحساسه الواضح بإنسانيتها (عباس محمد عباس، عيش وملح، المجموعة)، وهو ما يذكِّرنا بالمومس نور (اللص والكلاب) التي ذهب رأي إلى أنها هي البطلة الحقيقية لرواية «اللص والكلاب»، وكانت هي البصيص الوحيد وسط أسداف من الظلام،٤٤ ولتتويب المرأة الضالة ثواب يضمنه الرجل، فهي لم تخطئ عن عمد، لكن ما فعلته كان مكتوبًا على جبينها، وسقوطها هو مجرد فترة طارئة، يستطيع من يريد أن يكسب الثواب أن يقتطعها من حياتها بالمبادرة إلى الزواج منها.٤٥

والحق أننا لا نكاد نصادف مومسًا تبيع جسدها لمجرد إرضاء الشهوة الجسدية، منذ حادثة يهود الذي لم يفِ بوعده لزوجة ولده المتوفَّى بتزويجها شيلاح ابنه الآخر، فأزمعت أن تنتقم، أن تهب جسدها لمن يشاء من الرجال، ودون مقابل … منذ تلك الحادثة التي مضى عليها الآن نحو أربعة آلاف سنة، لا نجد — أو نكاد — مومسًا واحدة ترفض الحب الطاهر الذي يهدف إلى الزواج، إلى الأمان والاستقرار.

إن التوبة ليست أمرًا مستحيل الحدوث، بل إنها متوقعة تمامًا، فقط حين تمتد اليد الحانية لتزيح عن القلب التعس أحزانًا كثيرة.

•••

كانت الأم — أحيانًا — هي التي تزين لابنتها طريق الغواية، كما في رواية «في وادي الهموم»، ثم في أعمال تالية لمحمود تيمور ويحيى حقي ونجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وفتحي غانم، ولعلنا نذكر التحريضات التي طالما رفضتها إحسان شحاتة من أبويها لاحتراف الدعارة (القاهرة الجديدة)، حتى في الصعيد كانت حميدة (قصة في سجن) «تقودها للفحش المتستر أمها العرجاء.»٤٦ وهو ما أقدمت عليه الأم (الخوف) حين جعلت من ابنتها طُعمًا يستثير الرجال، لكنها رفضت — أيًّا يكن المقابل — أن يتحوَّل الطُّعم إلى طعام حقيقي «البنت ما حدش يلمسها.»٤٧ وثمة زوج (الأوسطى شحاتة يطالب بأجرته) هو الذي دفع زوجته في طريق الغواية، وكان يأمرها بشرب الخمر، وتناول المخدرات، ويقدمها إلى الراغبين في المتعة.٤٨
وفي المقابل، فقد تتزوج المومس لمجرد أنه عندما يُلقَى القبض عليها، يتغاضى الزوج عن كرامته لتنجو من العقاب.٤٩

•••

واللافت أن مهنة الفتونة اقترنت — بدرجة وبأخرى — بالقوادة والبغاء، وقد فرض خليل زكي (المرايا) نفسه على جميع بيوت الدعارة في منطقة السكاكيني بحيلة طريفة … فقد كان يذهب إلى أي بيت دعارة كأنه زبون، وبعد أن ينال بغيته، يرفض دفع النقود، ويهدد بإبلاغ الشرطة، فإذا تصدى له حامي البيت، جندله، ثم فرض نفسه «حاميًا» للبيت، وهكذا حتى امتد نفوذه إلى كل منطقة السكاكيني.٥٠
يقول البلطجي في حي المومسات: «هنا يتقرر مصيرك بقوة رأسك، ويتحدد مركزك المالي بجرأتك، وتقرر سعادتك بطاقة حيويتك، لا زيف على الإطلاق.»٥١
لقد ازدهرت مهنة البغاء، فازدهرت مهنة القوادة بالتالي، وكما كان سالم الإخشيدي (القاهرة الجديدة) هو سبيل محجوب عبد الدايم وإحسان شحاتة لمجاوزة ظروفهما القاسية، فقد كان فرج إبراهيم (زقاق المدق) هو واسطة حميدة إلى دنيا الثراء خارج زقاق المدق، يصِفه الفنان بأنه لم يعرف الحب قَطُّ «ولعله من الغريب أن تقوم حياته على هذه العاطفة التي لم تحرك فؤاده أبدًا.»٥٢ وهو يرفض فكرة الزواج: «خبريني ما هو الزواج؟ لقد أنسيته كما أنسيت الآداب الشريفة جميعًا، أو دعيني أتذكر قليلًا … زواج؟! شيء خطير فيما أذكر، يتضمن رجلًا وامرأة ومأذونًا ووثيقة دينية وطقوسًا كثيرة، متى عرفت هذا كله يا إبراهيم؟ في الكُتاب، أو في المدرسة؟! ولكن لا أدري، أما تزال هذه العادة مُتبَعة، أم قد أقلع الناس عنها؟! خبريني يا عزيزتي ألا يزال الناس يتزوجون؟»٥٣

وتقول له حميدة: لستَ رجلًا … بل أنت قواد.

فيقول ضاحكًا: أليس القواد رجلًا أيضًا؟ بلى … وهو رجل — وحق جمالك الفتان — ولا كل الرجال، وهل تجدين عند الرجل العادي غير وجع الدماغ؟ أما القواد فهو سمسار السعادة في هذه الدنيا! ولكن لا تنسَي أني محبك كذلك، لا تدعي الغضب يحكم حبنا، إني أدعوك للسعادة والحب والجاه.»٥٤
ويتكرر فرج إبراهيم — بصورة مغايرة — في ذلك الشاب ذي الجلباب والطاقية (امرأة في الجانب الآخر) الذي تحدَّث — لدقائق — مع فتاة مصرية في ميدان مصطفى كامل، قبل أن يدفعها إلى تاكسي، مع ثلاثة من الجنود الإنجليز،٥٥ وحين اختفت أساور السيدة (العنقاء) اتهمت خادمتها تحية بسرقتها، وقبض عليها البوليس بضعة أسابيع، ثم أفرج عنها لعدم كفاية الأدلة، ولجأت إلى بيع اليانصيب، ثم رآها القواد سرهنك (ونتذكر القواد الآخر فرج) فنظَّفها، وجعل منها سيدة، ووضعها في جرسونيرة بشارع شمبليون.٥٦
ويختلف المعلم شرف الدين الدباح (السقا مات) عن فرج إبراهيم في أنه كان يمارس مهنته علانية؛ فهو لا يلجأ إلى الإعداد والمناورة، ورسم عوالم جميلة، وهمية: «عندنا حاجات طيبة أوي يا سيدنا لفندي … عندنا ولاد ناس طيبين.»٥٧ والمقصود عاهرة!
وتعبِّر إقبال هانم (الأوسطى شحاتة يطالب بأجرته) عن مثلٍ شعبي بذيء، فقد تحوَّلت إلى قوادة، بعد أن رأت تجارتها بجسدها تسير نحو البوار.٥٨ وبعد أن أمضت سعدية، أو سوسو (السكن في الأدوار العليا) جزءًا كبيرًا من حياتها في ممارسة الدعارة، ثم استقرت في حياتها زوجة وأمًّا، فإنها تحوَّلت إلى ترويض البنات، تحويل الأنثى إلى بائعة حب.٥٩

•••

يقول ألكسندر دوماس: «إذا أردتَ أن تحكم على بغيٍّ، فتش عن سبب عهرها.» وكانت ظروف الحرب سببًا مباشرًا في خروج أعداد كبيرة من الفتيات الصغيرات من الأحياء الوطنية، للفرار من التقاليد الموروثة بتأثير الضغوط الاقتصادية، وبدافع الرغبة في التخلص من الواقع الاجتماعي إلى حياة أكثر يسرًا، فاشتغلن في المحال العامة. وكانت الفتيات اليهوديات — اليهود دائمًا! — قدوة في ذلك «ذهبن إليها مكدودات هزيلات فقيرات، وسرعان ما أدركهن تبدُّلٌ وتغيُّر في ردحٍ قصيرٍ من الزمن، شبِعن بعد جوع، وكسِين بعد عري، وامتلأن بعد هزال، ومضين على أثر اليهوديات في العناية بالمظهر، وتكلُّف الرشاقة، ومنهن من يرطن بكلمات، ولا يتورعن عن تأبط الأذرع، والتخبط في الشوارع الغرامية، تعلمن شيئًا، واقتحمن الحياة.»٦٠

وكان فرج إبراهيم — كما لاحظنا — واحدًا من هؤلاء الذين جعلوا مهمتهم تصدير بنات الأحياء الشعبية إلى ليل القاهرة.

لقد صدَّرت الأحياء الفقيرة — على حد تعبير المعلم نونو — الخادمات، لتحوِّلهن الأحياء الأخرى إلى غانيات، وكان الرجل (العنقاء) يقصد دار بديعة، ويعود براقصة تؤنسه بقية الليل، وعندما أراد — ذات ليلة — أن يعود بامرأة من منعطفات شارع عماد الدين، تذكر أن أجورهن قد ارتفعت إلى خمسة جنيهات، بسبب جيوش جلالة ملك بريطانيا، فضلًا عن أجر الطبيب؛ إذ لا بد من طبيب،٦١ وقال الرجل (خان الخليلي) إن الحرب كانت فرصة طيبة لاكتشاف مواهبهن الفنية.٦٢

يسأله أحمد عاكف: كيف يتسع هذا الحي لمعصية الله؟

يجيب المعلم نونو: «يا ما تحت الساهي دواهي، فصبرًا حتى يأتيك اليقين، ومع ذلك، فليس الذنب ذنب حيِّنا، الذنب ذنب الأحياء الأخرى. لقد ضاقت بالفساد، فصدَّرت ما يزيد عن حاجتها إلينا، على حد قول الراديو عن التجارة العالمية. هنا نحن نصدِّر المواد الأولية، والأحياء الأخرى تورِّدها مصنوعة، فمن بعض أطراف هذا الحي تُصدَّر الخادمات، فتحوِّلها الأحياء الأخرى إلى غانيات، في هذه الحرب قلبت الدنيا رأسًا على عقب، تصور يا إنسان أني سمعت بالأمس بنت بائعة فجل تدعو أختها فتقول: تعالي يا دارلنج.»٦٣

كما وفدت إلى القاهرة — للعمل في ملاهيها الليلية، وللترفيه عن قوات الحلفاء — أعداد من الفتيات في القرى، ومن اللائي هجرن الخدمة في البيوت، كما في «قلوب خالية» على سبيل المثال.

يقول الصديق لرشدي عاكف [خان الخليلي]: الخادمات يا سيد رشدي … سقيًا لعهودهن … هجرن المطابخ إلى الكباريهات.

أضاف صديق آخر: كانت فرصة طيبة لاكتشاف مواهبهن الفنية!٦٤
أما المومس القادمة من الأرياف (أبو فودة) فهي — في الأغلب — ضحية نزقها وتصرفها الطائش؛ أسلمت نفسها لفتاها الذي تخلَّى عنها، فلم يعُد أمامها إلا الفرار للمدينة، والارتزاق من عرضها، أو مواجهة الموت الأكيد.٦٥
وقد عانى محجوب أفندي (قلوب خالية) طويلًا من اتهام أهل البلد له بأنه يورِّد البنات للإنجليز، وثمة مئات الحميدات اللائي يمكن اعتبارهن من ثمار الظروف التي أفرزتها الحرب العالمية الثانية، ملأن الشوارع والبنسيونات والمواخير، حتى لقد هجر بطل قصة «غرفة على السطح» عشيقته الرومية، وعاد إلى زوجته الوحيدة خوفًا عليها من مصيرٍ قاسٍ، شاهده بعينيه عندما دلفت فتاة مصرية، ترتدي الملاءة اللف، إلى عربة بها بعض جنود الإنجليز،٦٦ حتى المعلمة صبرية الحشمة (المرايا) استجابت — هي الأخرى — للتطورات الطارئة، فاستأجرت شقة كبيرة في شارع شامبليون، خصصتها للدعارة السرية، ووسَّعت دائرة نشاطها، ففتحت حانة بشارع الملكة نازلي، وأفادت جيدًا من الترفيه عن جنود الإمبراطورية البريطانية.٦٧
ويقول فرج إبراهيم (زقاق المدق) وهو ينهض عن حميدة دون أن يمسها: «مهلًا … مهلًا … إن الضابط الأمريكي يدفع خمسين جنيهًا عن طيب خاطر ثمنًا للعذراء.»٦٨ وحين أراد المجرم (رنين الكأس) الذي تزوج الفتاة رغمًا عنها، أن يدخل عليها، نصحه زميله بالقول: «لا تكن أبله! ألا تبغي من ورائها كسبًا؟ إذن دعها، فقيمتها الليلة غير قيمتها غدًا، الليلة تساوي ثقلها ذهبًا!»٦٩
أما الغانية عزيزة (الضباب) فقد انقطعت الصلة بينها وبين زبائنها القدامى؛ توافد الجنود الإنجليز، وأصبحت عزيزة شخصية مرموقة في دنيا الليل، وتفرغت لهؤلاء الزبائن تجيب طلباتهم.٧٠ كان الجندي من قوات الحلفاء في حاجة إلى الترفيه، و«كان ينبغي ألا يسأله أحدٌ عما يفعل، والحُجة أن المحارب الذي قد يموت غدًا، يُعفى اليوم من الحساب، وهكذا نزلت من ستر البيوت إلى لعلعة الكباريهات فتيات كثيرات، غريرات، ضاقت بهن الحياة في بلدهن المتجاهل لهن، فلم يستطعن مقاومة إغراء المال السايب، وتعرضت أرواحهن للتشريد وأبدانهن للامتهان.»٧١

•••

– وبذلك صارت المرأة أغلى من السماد.

– بل أعز من الفحم.

– وغدًا إذا وضعت الحرب أوزارها، فماذا يفعلن؟

– ستصير المرأة أرخص من اليابانية.

– ويصير العشق بالجملة، فيصيد الشاب في ليلة واحدة ثلاث نساء — مثلًا — واحدة للقبل وأخرى للنجوى وثالثة للمداعبة … إلخ.

– إلا إذا تدخلت الحكومة في سوقهن للمحافظة على الأسعار!٧٢
لقد تفكَّر عبد الخالق (الحصاد) في المشكلة طويلًا، وهو يتفرس — بعد انتهاء الحرب — في الفتيات اللائي ستنقطع أرزاقهن بجلاء القوات الإنجليزية عن القاهرة والإسكندرية «فأحس المأساة في أعماقه، ستستيقظ القاهرة يومًا، وإذا شوارعها غاصة بفتيات، لا هن أرتيستات، ولا هن خادمات، خاليات الوفاض، لا يصلحن إلا لتقديم أجسامهن، والشباب المتعطش إليهن لا يملك ما يدفعه لهن، إنها مشكلة ليس لها علاج، مشكلة وافدة من مشاكل الحروب، تبهر آلاف الفتيات ببريقها الخداع، ثم تطحنهن طحنًا، وتلقي بهن في تيار الحياة منبوذات.»٧٣
وتستعيد المومس سعيدة (السكن في الأدوار العليا) ذكرياتها في «الوعد»؛ أي أيام اشتغالها بالدعارة «كنت أميز بين الإنجليزي والأسترالي والنيوزيلندي، وكل واحد له سعر.»٧٤ وكانت المرأة (أبو فودة) مشهورة في القرية بميلها إلى الرجال، وقلة تورعها في التحدث إليهم ومقابلتهم، وما لبثت أن انتقلت إلى البندر تحت ضغط الوسط الذي تعيش فيه لترتزق هناك من عرضها.٧٥
أما الأسعار، فقد كانت — كما يقول الراوي (أيام الطفولة) — تقل فتصل إلى القرشين، وتزيد فتصل إلى العشرين قرشًا.٧٦

•••

هل كانت حميدة — ومثيلاتها — بنت ظروف الحرب الطارئة وحدها؟

الواقع أن المأساة لم تكن مأساة حرب، بقدر ما كانت مأساة طبقة بأكملها طحنتها ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية، ظلَّت ميسمًا لمصر عهودًا طويلة، تخلَّلتها سنو الحرب، وقد أرجعت المرأة (هدى) ما حدث لها إلى «الزمن الوحش والنصيب.»٧٧

إن حميدة — ومريم من قبلها، فإحسان شحاتة، فنفيسة، فغيرهن — نتاج طبيعي — بدرجات متفاوتة — للضغوط الاقتصادية التي تعرضت لها البلاد في فترة ما بين الحربين، والتي تحوَّلت إلى لحظة ممتدة حتى الخمسينيات، مع الأزمات الاقتصادية التي تعرَّض لها العالم كله، بالإضافة إلى التفسُّخ الذي كان المجتمع المصري يعاني ويلاته.

دور الحرب — في تقديري — لا يعدو إسهامها في إعطاء نتيجة محدَّدة لطحن الظروف القاسية للطبقات الفقيرة، فبدلًا من العمل في المصانع — مثل صديقات حميدة — أو الخدمة في البيوت، كما في «قلوب خالية»، آثرن طريق الغواية لسهولته، ولوفرة المقابل المادي. ولو أن فرج إبراهيم (زقاق المدق) التقى بحميدة في غير أعوام الحرب، لدفع بها في حضن ثري مصري — مثلًا — لأن فرج إبراهيم لم يكن ظاهرة أوجدتها ظروف الحرب، وإنما هو نبات طفيلي لا يخضع نموه لسنوات بعينها.

ولعلنا نذكر أن محجوب عبد الدايم (القاهرة الجديدة) تخلى عن زوجه وفراشه لرئيسه، ولم تكن البلاد تعاني الحرب، أو ما يشبهها. إن قاسم بك فهمي (القاهرة الجديدة) الذي تحوَّلت إحسان شحاتة — على يديه — إلى امرأة، والضابط الأمريكي الذي فض بكارة حميدة، يرمزان لشيء واحد، هو قوة المال المسيطرة.

وعلى الرغم من حنين حميدة (زقاق المدق) للثراء، وطموحها، فإنها كانت على استعدادٍ للزواج من حسين كرشة، أو من سليم علوان، وربما من عباس الحلو؛ ذلك لأن «الخطيئة» لم تكن هدفًا في ذاته، وإنما كانت سبيل تحقيق أحلام التحدي والقوة والسيطرة، وكانت زكية الحنش (زكية الحنش) خادمًا، فلما ضاق بها الحال، هربت في إحدى الليالي، وصمَّمت ألا تعود لأسيادها، واشتغلت ببضع مهن، بدءًا بجمع الأعقاب والتسول، مرورًا بالمتاجرة بجسدها، وانتهاءً بالعمل كممثلة، ثم كوَّنت شركة إنتاج سينمائية.٧٨

وبالطبع، فإنه إذا كانت الغواية قد أدركت أعدادًا من هؤلاء الفتيات، فإن أعدادًا أخرى كبيرة، مثَّلت بداية اشتغال الفتاة المصرية في الحياة العامة، سواء في وظائف الدولة، أو في المصانع الصغيرة والكبيرة، أو في المكاتب والمتاجر.

•••

ماذا عن شارع كلوت بك، أهم الشوارع — والدروب والعطوف التي تفرعت عنه — لأعمال البغاء؟

الاسم أطلق على الشارع لطبيبٍ كبير، أنشأ مدرسة الطب — كلية الطب حاليًّا — ونظَّم الخدمات الصحية في الجيش، وفي الحياة المدنية. البيوت قديمة، تحتها دكاكين، غطَّت واجهاتها ستائر، وجلست أمامها نسوة لا يستر أجسادهن سوى قمصان رقيقة، شفافة، يتبادلن الأحاديث والنوادر، وثمة مقاهٍ وحانات، تشاغل أصحابها برصِّ المقاعد، ورش الأرض، أو جلسوا يدخنون الشيشة، وانتشرت في الجو روائح العفن والأنفاس والعرق والخمر والدخان،٧٩ ومن الواضح أن الشارع كان يترصد حتى للمارين بجواره، فالنساء — في دهاليز البيوت — يبهرن النظر بألوان وجوههن وملابسهن، ولا يبالين أن ينكشف من أجسادهن ما ينكشف فوق السيقان، وتحت الأعناق.٨٠
وحين أراد الراوي (القتل والضحك) أن يطفئ رغبته، فقد سعى إلى ذلك البيت الخلوي، جلس إلى جانب المعلمة المتربعة فوق كنبة تركية، ضمن زوار، يتفحص المكان ومعروضاته، ويتصفح المومسات على اختلاف سحنهن وتكويناتهن الجسدية، ورائحة البخور المخدر تسري بالهدوء والسكينة. وعندما وقع اختياره على إحدى الفتيات، فإنه اكتفى بالقول للمعلمة: الحمراء! أي ذات الفستان الأحمر، وأشارت المرأة، فضمَّت الراوي والفتاة — بعد قليل — غرفة مغلقة.٨١
وعلى باب إحدى الحارات، احتكت امرأة فاقعة الثياب (الشوارع الخلفية) بعبد العزيز وأخوَيه، فاضطر الأخ الأوسط عبد اللطيف أن يطلب من أخوَيه الدخول في الشارع المجاور: بلاش شارع كلوت بك … تعالوا نمشي من شارع تاني،٨٢ وثمة سهرات خاصة كانت تبدأ — داخل البيوت — بعد وقت التشطيب في الدرب، غناء ورقص وتمادي في السهر حتى مطلع الفجر.٨٣
كانت المومس تستخرج ترخيصًا رسميًّا من الحكومة، مثل صاحبة أية مهنة،٨٤ والمرأة التي يُشَك في إصابتها بمرض تناسلي، تُحوَّل إلى الحوض المرصود، ليكشف عليها طبيب متخصص.٨٥ ويصف لنا الفنان عودة المومسات من الكشف الطبي في الحوض المرصود «ركبن عربات الكارو، وتحزَّمت إحداهن، وأمسكت بالصاجات، وأمسكت أخرى بالطبلة، ورحن يغنين: سالمة يا سلامة … رحنا وجينا بالسلامة!»٨٦
ويلحظ الراوي (المرايا) أن المومسات الجميلات هجرن حي البغاء، للعمل في البارات الليلية التي يتردد عليها جنود الحلفاء، ولم يبقَ في الحي إلا النسوة الميئوس منهن، ممن تقدَّم بهن العمر، أو ذبل جمالهن، وتدهور الحي نفسه، فلم يعُد صالحًا لارتياد الأفندية.٨٧

•••

كانت أحياء البغاء قائمة في أغلب المدن المصرية، حتى الصغيرة منها، وداير الناحية هو الحي الذي كان يُزاوَل فيه البغاء — رسميًّا — في المدن الإقليمية،٨٨ حتى تلك القابعة في أحضان الجبل بالصعيد، وكانت تلك الأحياء تتخذ أسماء معظمها مشتق من الطبيخ، مثل «الخبِّيزة».٨٩ كانت صورًا مصغَّرة لحي البغاء في القاهرة، فثمة النسوة أشباه العرايا اللائي يجلسن أمام الدكاكين، يتلوين، ويعرين سيقانهن، وتبرز أثداؤهن من الثياب الرقيقة، ويشرن بأيديهن إلى أجزاء من أجسامهن، وثمة الأبواب المغلقة التي يتناهى من خلالها الهمسات والصيحات والتأوهات، والمصابيح الحمراء والصفراء والمخادع والشيش وأكواب الشاي واللحم الآدمي المتنوع الأحجام والأشكال والألوان.
وقد عُرِف حي البغاء في مدينة بني سويف، باسم «وش البركة»، وظل إلى ما بعد أربعينيات القرن العشرين، ثم تحوَّل إلى حي للصناعات الصغيرة والحرفيين، مثل ورش الحدادة والسباكة وغيرها،٩٠ أما حي البغاء في الإسماعيلية (أحزان مدينة) فقد كان اسمه حي «المداخن»، على مقربة من الجبانة، ومن التل الذي تُحرَق فيه قمامة المدينة، حي كامل، يُعَد الاقتراب منه جرمًا هائلًا، يضيع معه شرف المسلم، ولا يغفره الله.٩١

وقبل أن يُلغى البغاء رسميًّا في ١٩٤٩م، كان البغاء — في الإسكندرية — يُمارَس في شياخة الجنينة الصغرى وكوم بكير بحي اللبان، ولا تزال في هذه المنطقة — حتى الآن — قهاوي وبارات شعبية، يرتادها البحارة الأجانب، والعمال من أبناء المدينة.

•••

إلى جانب البغاء العلني، كان ثمة بغاء سري، مثلما كان يجري في البيت الذي قصده نجيب وخيري، ليفتح الباب عن رجل وقور.

ويسأل نجيب: الهوانم هنا؟

يقول الرجل: أخواتك هنا.

ثم ينادي: يا ليلى … يا يسرية.٩٢
وتعبِّر المومس (امرأتان في امرأة واحدة) عن وجهة نظر تثير التأمل: «لولانا لمات الأزواج الشرفاء، وانهارت البيوت المحترمة.»٩٣

•••

والمومسات بعامة زبائن دائمين لأضرحة الأولياء، يقدِّمن الشموع، ويعدن بالنذور، ويطلبن النصفة والمدد. وحين تاب الله على الخاطئة (قنديل أم هاشم) بعد صبر سنوات، فإنها أوفت النذر الذي قطعته على نفسها: أنارت في مقام السيدة زينب خمسين شمعة تستقبل بنورها الحياة الجديدة، الشريفة. وكانت الست ظريفة (خليها على الله) واحدة من بغايا منفلوط، استتابت، فتاب ربها عليها، وأنشأت — تأكيدًا على حُسن إيمانها — مسجدًا كبيرًا عُرِف باسمها.٩٤ أما المعلمة جليلة (السكرية) فقد أعلنت توبتها، وبدأت تُعِد نفسها لأداء فريضة الحج.٩٥

•••

قالت قدرية (حضرة المحترم) في خوفٍ وحسرة: قرروا إلغاءنا، عليهم اللعنة.

وتساءل عثمان بيومي بانزعاجٍ: حقًّا؟

– نبهوا علينا بالفعل.

– خبر غريب.

– وعَدُونا بعمل لمن تريد عملًا … أي عمل؟ عليهم لعنات الدنيا والآخرة، هل أصلحوا كل شيء، فلم يبقَ إلا نحن.٩٦
وعلى الرغم من أن البغاء قد أُلغي رسميًّا في ١٩٤٩م، وأغلقت الدولة أمكنة الدعارة، وطاردت القوادين والمومسات، وتحوَّل حي الأزبكية — شيئًا فشيئًا — إلى دكاكين وغرفٍ لأصحاب الحرف والصناعات الصغيرة … على الرغم من ذلك، فإنه من الملاحَظ أن عدد البغايا المرخصات عند تطبيق القانون، لم يكن يجاوز ٥٠٠ امرأة، في الوقت الذي ارتفع فيه عدد مرات القبض على البغايا في خلال عام واحد تالٍ (١٩ أكتوبر ١٩٥٧م–١٨ أكتوبر ١٩٥٨م) إلى ٢٣٢٩ مرة. وبلغ عدد البغايا المقبوض عليهن في الفترة نفسها ١٠٥٥ بغيًا؛ أي أن عدد البغايا المعروفات لرجال الشرطة في القاهرة قد تضاعف في أقل من عشر سنوات، بالإضافة إلى أعدادٍ أخرى لم يُتَح للشرطة اكتشافها،٩٧ كالمومسات اللائي يقمن مع أشخاص في بيوتهم، فهن فوق مرتبة الخادمة، ودون مرتبة السيدة.٩٨
لذلك جاء القول (قضية الشاويش صقر): «لم يعُد في يومنا بالإمكان أن نفرِّق بين البغايا وبنات الأسر الطيبة.»٩٩

•••

فأين نضع ذلك النوع من النساء اللائي يقدمهن الفنان في «أزهار»؟ أعني هؤلاء اللائي يمارسن الجنس بدافعٍ من الرغبة الجنسية، وليس بدافع العوز المادي؟

في بيت مدام سيمون الخياطة كن يلتقين بعلية القوم والسراة الذين يرغبون في نساء غير عموميات من ربات الصون والعفاف وبنات الأسر، وكان هذا الطراز من النسوة يقصدن البيت لأسبابٍ أهمها شدة حرصهن على سمعتهن، في الوقت الذي يُشبِعن فيه غرائزهن.١٠٠
وطبيعي أن التردد على تلك الأماكن، التي لم تتحدد لهذا الغرض، لم يكن يخلو من مغامرة، وربما واجه المرء مصير نفيسة (بداية ونهاية) أو الراوي (نور القمر) عندما يدهم رجال البوليس المكان، ويساق الرجال والنساء، عرايا أو شبه عرايا، إلى أقسام البوليس، في بشاعة دونها الموت!١٠١

هوامش

(١) سيد عويس، حديث عن المرأة المصرية المعاصرة، ٢٤٥.
(٢) استدلالنا بالأعمال المسرحية لا يلغي أن هذا الكتاب يقتصر على الروايات والقصص القصيرة.
(٣) محمد عمارة، النص الكامل لكتاب مجهول لقاسم أمين، الهلال، يناير ١٩٧٧م.
(٤) محمد لطفي جمعة، في وادي النيل، مطبعة النيل، ١٩٠٥م، ٧.
(٥) المصدر السابق، ١١٠.
(٦) المصدر السابق، ٦–١٠.
(٧) نجيب محفوظ، أتحدث إليكم.
(٨) السمان والخريف، ١٩٢.
(٩) اللص والكلاب، ١١٩.
(١٠) الهلال، العدد التذكاري عن نجيب محفوظ.
(١١) نجيب محفوظ، الجامع في الدرب، دنيا الله، مكتبة مصر.
(١٢) المصدر السابق.
(١٣) قصر الشوق، ٣١٦.
(١٤) المصدر السابق، ٤٠٢.
(١٥) السكرية، ٢٧.
(١٦) المصدر السابق، ٢٥٣.
(١٧) حضرة المحترم، ٥١.
(١٨) عادل كامل، مليم الأكبر، لجنة النشر للجامعيين، ١٩٤٤م، ١٧٤.
(١٩) خان الخليلي، ٤٠.
(٢٠) من حوار مع المؤلف.
(٢١) رفعت السعيد، السكن في الأدوار العليا، ٣٣.
(٢٢) عيسى عبيد، الكازينو، ثريا، مكتبة الوفد.
(٢٣) المصدر السابق.
(٢٤) نجيب محفوظ، عصر ورجال، مكتبة مصر، ١٠٣.
(٢٥) حب تحت المطر، ٧١.
(٢٦) بداية ونهاية، ٢٣٩.
(٢٧) المصدر السابق، ٢٣٩.
(٢٨) محمود خيرت، المرأة بين الماضي والحاضر، ١٤٥-١٤٦.
(٢٩) الهلال، يناير ١٩٧٧م.
(٣٠) المرجع السابق.
(٣١) العنقاء، ١٢٩.
(٣٢) المصدر السابق، ١٢٩.
(٣٣) زقاق السيد البلطي، ١٧١.
(٣٤) السكرية، ٢٥٣.
(٣٥) أمين يوسف غراب، ٥ باب، نساء الآخرين.
(٣٦) علي الدالي، الوعاء الفارغ.
(٣٧) عبد الحميد جودة السحار، الجوع، كشك الموسيقى.
(٣٨) محمد صدقي، تحلم بالحب، الأنفار.
(٣٩) شحاتة عبيد، رسائل إنسانية، درس مؤلم، مكتبة الوفد.
(٤٠) عبد العال الحمامصي، وسادة فوق القمر، هذا الصوت وآخرون، هيئة الكتاب.
(٤١) خان الخليلي، ٤٠.
(٤٢) يوسف جوهر، الرغيف القاتل، عاصفة على شجرة العائلة، هيئة الكتاب.
(٤٣) محمود البدوي، ليلة في الحان، فندق الدانوب، لجنة النشر للجامعيين.
(٤٤) لويس عوض، مقالات في النقد والأدب.
(٤٥) يحيى حقي، خليها على الله، كتاب الجمهورية، ٢٣٩.
(٤٦) يحيى حقي، قصة في سجن، دماء وطين، هيئة الكتاب.
(٤٧) محمد صدقي، الخوف، الأنفار.
(٤٨) محمود تيمور، الأوسطى شحاتة يطالب بأجرته، الشيخ جمعة.
(٤٩) عبد المعطي المسيري، من كان منكم بلا خطيئة.
(٥٠) المرايا، ٩٦.
(٥١) نجيب محفوظ، العالم الآخر، شهر العسل، مكتبة مصر.
(٥٢) زقاق المدق، ٣٢٥.
(٥٣) المصدر السابق، ٢٢٩-٢٣٠.
(٥٤) المصدر السابق، ٢٤٧.
(٥٥) محمود البدوي، امرأة في الجانب الآخر، غرفة على السطح.
(٥٦) العنقاء، ١٥٠.
(٥٧) السقا مات، ٢٢٧.
(٥٨) الأوسطى شحاتة يطالب بأجرته.
(٥٩) السكن في الأدوار العليا، ٣١.
(٦٠) زقاق المدق، ٥٢.
(٦١) العنقاء، ١٣٢-١٣٣.
(٦٢) خان الخليلي، ١٣٣.
(٦٣) المصدر السابق، ٤٦.
(٦٤) المصدر السابق، ١٣١.
(٦٥) يحيى حقي، أبو فودة، دماء وطين، هيئة الكتاب.
(٦٦) محمود البدوي، غرفة على السطح، الكتاب الذهبي.
(٦٧) المرايا، ٢٢٠.
(٦٨) زقاق المدق، ٢٨١.
(٦٩) جاذبية صدقي، رنين الكأس، مملكة الله، مطبعة الاستقامة، ١٩٥٤م.
(٧٠) الضباب، ١٨٣.
(٧١) الإصبعان المبتوران.
(٧٢) خان الخليلي، ١٣٢.
(٧٣) الحصاد، ٢٥٦.
(٧٤) السكن في الأدوار العليا.
(٧٥) أبو فودة، دماء وطين.
(٧٦) إبراهيم عبد الحليم، أيام الطفولة، دار الفكر، ٩٧-٩٨.
(٧٧) فخري لبيب، هدى، كنز الدخان، هيئة قصور الثقافة.
(٧٨) يوسف السباعي، زكية الحنش، الشيخ زعرب وآخرون، مكتبة الخانجي.
(٧٩) نحن لا نزرع الشوك، ٥٨٠-٥٨١.
(٨٠) المرايا، ٢٠.
(٨١) نجيب محفوظ، المرايا، مكتبة مصر، ٢١٩.
(٨٢) الشوارع الخلفية، ٢٤٤.
(٨٣) المرايا، ٢١٩.
(٨٤) نحن لا نزرع الشوك، ٢: ٦٢٧.
(٨٥) عبد المنعم شميس، الرعاع، عتريس الأكبر، مطبوعات الجديد.
(٨٦) نحن لا نزرع الشوك، ٢: ٦٢٧.
(٨٧) المرايا، ١٧٠.
(٨٨) سمير بسيوني، كرامات أبو الرجال، عنترة يبحث عن هوية، هيئة قصور الثقافة.
(٨٩) يحيى حقي، حقيبة في يد مسافر، كتاب اليوم.
(٩٠) أحزان مدينة، ١٩٦-١٩٧.
(٩١) ثم تشرق الشمس، ١٦٢.
(٩٢) نوال السعداوي، امرأتان في امرأة، مكتبة مدبولي، ١٠٥.
(٩٣) قنديل أم هاشم، ١٥.
(٩٤) خليها على الله، ٢٣٢.
(٩٥) السكرية، ٢٥٥-٢٥٦.
(٩٦) حضرة المحترم، ١٤٠.
(٩٧) سيد عويس، الخدمة الاجتماعية ودورها القيادي في مجتمعنا الاشتراكي المعاصر، دار المعارف، ٢١١-٢١٢.
(٩٨) السمان والخريف، ١٠٤.
(٩٩) نعيم عطية، الابتسامة، قضية الشاويش صقر، مكتبة الأنجلو المصرية، ١٩٧١م.
(١٠٠) أزهار، ٨١.
(١٠١) نجيب محفوظ، نور القمر، الحب فوق هضبة الهرم، مكتبة مصر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥