مليم الأكبر
تدور أحداث «مليم الأكبر» في أعقاب الحرب العالمية الثانية مباشرة، فهي تجسيد لحالة
الضياع التي كان
يحياها المجتمع المصري، والشباب بخاصة، يقدمها سيد قطب بأنها «قصة الصراع بين الطبقات،
مصبوبة في قالبٍ
فني.»
١
في درب اللبانة بحي القلعة، كان «بيت الفن» يسكنه ويتردد عليه مجموعات من الفنانين
والمثقفين أمثال
كامل التلمساني وجورج حنين ورمسيس يونان ويوسف كامل وأحمد هيكل وغيرهم، وكانت السياسة
وهموم المجتمع
تغلب على أحاديث بيت الفنانين ومناقشاته،
٢ كوَّن هؤلاء الفنانون جماعة «الفن والحرية»، ورفعوا شعار «الفن معمل بارود»، واعتمدوا
السوريالية مذهبًا «لإثارة الاستغراب في نفوس الجماهير».
٣ كانت السوريالية والتجريدية فرسَي رهان في الحياة الفنية في أوروبا، وكان بيكاسو ودالي
وموندريان وميرو وغيرهم فرسان الساحة، يملئُونها بشطحاتهم، ويغيِّرون وجه الأرض بإبداعاتٍ
غير
مسبوقة.
٤
كان الأساس النظري الذي تنبني عليه هذه المدرسة هو مذهب فرويد في العقل الباطن، وتحليلاته
للأحلام
والأساطير والفكاهة وخيالات الأطفال وتقاليد المتوحشين، فقد «كشف فرويد بهذا عن مستودعٍ
زاخر، يجد فيه
الرسام السيريالي مادة غزيرة لوحْيِه، ومدرسة السيريالزم — ككل مدرسة جديدة — تجذب إليها
فنانين من طبقات
مختلفة، منهم النابغة، ومنهم المقلِّد، منهم المؤمن ومنهم المتطفل؛ وهي لأنها ما زالت
في دور التجارب لم
تعرف بعدُ ممكناتها وحدودها، تتردد كثيرًا في أساليبها، فهي تارة تنحرف يمينًا، وتارة
يسارًا، وقد تتقدم
في طريق، ثم تتراجع، كالمنقب عن الآثار لا يعرف تمامًا أين تختبئ الكنوز، ولا بأية كنوز
سيفاجئه باطن
الأرض.»
٥
كانت هذه الجماعة — في تقدير رمسيس يونان — بمثابة البذرة التي انبثقت منها — بطريق
مباشرة وغير
مباشرة — شتَّى النزعات التجديدية التي ظهرت بين فنانينا منذ الحرب الأخيرة، ذلك أن فضل
هذه الجماعة لم
يقتصر على عقد الصلة بيننا وبين ينابيع حية في الفن، بعد أن كادت تقتصر صلتنا بالفن الأوروبي
على صوره
المتدهورة؛ فهي إذ عقدت الصلة بيننا وبين هذه الينابيع الحية، قد أوصلتنا من طريقها إلى
التراث العالمي
الذي هو أحد المقومات للوعي الفني الحديث.
٦ وكان المثَّال شوكت (صانع التماثيل) واحدًا من فناني بيت درب اللبانة، يقضي نهاره في
الغرفة
التي استأجرها، يصوغ تماثيله من الصلصال والمرمر.
٧
يصِف لويس عوض هؤلاء الفنانين بقوله: «كان واضحًا عندي منذ البداية أن حالتهم حالة
ثورة على
المدنية، وعلى العقل، وعلى الآلة والصناعة، وعلى العلم حين يصبح معبود الإنسان.»
٨ «وهكذا تميزت معارض القاهرة في سنوات الحرب بازدهار السوريالية، وأيًّا كان حكمنا على
أصالة
هذا الاتجاه في مصر، فقد نجح هذا الاتجاه في تحطيم الأكاديمية تحطيمًا نهائيًّا. ولقد
نشأت في مصر — منذ
الحرب العالمية — مدارس متعددة في الفن، تختلف في دروبها عن الدرب الذي رسمه رمسيس يونان،
وتنهل من
ينابيع مختلفة، نشأ التبقيع والتجريد والتكعيب والتعبيرية والتأثرية وما بعد التأثرية
… إلخ، ولكنها
جميعًا مدارس ثائرة على نظرية المنظور التي استقرت في روع الإنسانية منذ أن حطَّم رفائيل
ودافنشي وميكل
أنجلو، وعامة فناني الرنيسانس تسطيح جيوتو ورمزية العصور الوسطى.»
٩
مع ذلك، فمن الملاحَظ أن المبادئ التي أسرفت جماعة القلعة في التشدُّق بها، ظلَّت
في إطار الكلمات، فلم
تغادره، إنما هي أفكار هائلة تصنع مجتمعات مُثلى، تحرص على القيم والمُثُل، وتغيير واقع
الإنسان المصري إلى
الأفضل، لكن هذه الأفكار — كما قلت — لم تجاوز صفتها المحدودة والمحددة ككلمات.
•••
كان الربع العتيق في حي الخيامية، الذي أطلق عليه قاطنوه اسم «القلعة» قصرًا لأحد
المماليك، وكان
صاحب القصر من المماليك، وقد مات ميتة غير طبيعية، بالخنجر أو بالسم. أشيع بعد ذلك أن
القصر مسكون، وأن
الجن تعبث فيه بالليل فتملؤه ضجيجًا وصياحًا، وظل القصر — بتوالي الروايات — مهجورًا،
ثم آل إلى وزارة
الأوقاف التي ما لبثت أن أجرته لشاب اسمه نصيف، بجنيهَين شهريًّا، لمدة ثلاثة أعوام.
كان القصر — أو الربع كما سُمِّي فيما بعد — يضم عشر غرف فسيحة وحوضًا رخاميًّا،
لكنَّ الناس لم يتصوروا
أن الشاب سيقيم في الربع ليلة واحدة،
١٠ أفرد نصيف لنفسه غرفة علوية واسعة، وأجَّر بقية الغرف لأناس متباينين بإيجارٍ ما بين
جنيه
وجنيه ونصف لكل حجرة.
١١ كان نصف المستأجرين من الأجانب، والنصف الآخر من المصريين المشتغلين بالفن أو الأدب
أو
الصحافة، بالإضافة إلى بحار وحلاق.
١٢
نزل مليم الدار بعد خروجه من السجن، بدعوة من الشاب نصيف الذي كان يعرفه من قبل،
و«شعر قاطنو
القلعة — بعد مجيء مليم — بأن الحال أصبح غير الحال، وبأن الإقامة في هذه الدار العتيقة
صارت ممتعة
حقًّا، بعد أن كانوا قد أحسوا بنوعٍ من خيبة الأمل في أول عهدهم بها. ولم يعُد معظمهم
— بعد أن أمضوا في
القلعة شهرًا أو شهرين — يقيمون بها إقامة مستمرة، فاتخذها بعضهم برجًا عاجيًّا يلجئُون
إليه كلما نزعوا
إلى الوحدة، واتخذها البعض الآخر وكرًا للغرام، يجلبون إليه عشيقاتهم كلما ضاقت بهم السبل،
أما الرسامون
منهم فقد أحالوا غرفهم إلى استوديوهات، لا يقصدونها إلا كلما أرادوا رسم صورة، أو نحت
تمثال.»
١٣
أفاد النهَّابون — يمثلهم مليم — من أفكار جماعة القلعة جسرًا للوصول إلى تحقيق مطالبهم،
أفادتهم
الواجهة البراقة للجماعة. حاول مليم أن يؤدي عملًا شريفًا، فاشتغل نجارًا، لكنه دخل السجن،
فترسب في
أعماقه أن المجتمع لا يساعده في إيجاد عمل شريف، وتقدم بالتالي للعمل مع ساكني القلعة،
ووصفه أحد سكان
القلعة — يومًا — بأنه «سيد القرية».
١٤
•••
مليم الأكبر — ولعلها أول عمل روائي يحمل اسمًا لخادم! — تروي قصة خالد الذي يعود
من بعثة تعليمية
لدراسة الحقوق في إنجلترا، وفي رأسه وأخلاقه وسلوكياته مثاليات رومانسية تنتسب إلى القرن
الثامن عشر …
وهو — مثل مليم تمامًا، وإن اختلفت البواعث والظروف — يريد أن يبدأ حياة جديدة، ترتكز
إلى مفاهيم وقيم
تحررية وإنسانية.
سيد قطب يرى أن خالد هو الشخصية الأولى في الرواية، خالد «شاب نشأ في طبقة الأثرياء،
ابن خورشيد
باشا، ولكنه سافر إلى إنجلترا، وطاف بالبلاد الأوروبية حيث كانت المذاهب الاجتماعية الحديثة
تصطرع مع
الأوضاع التقليدية القديمة، ثم عاد فوجد نفسه غريبًا بين أهله، غريبًا كذلك عن مجتمعه.
إن رأسه محشو
بالنظريات الحديثة، وإنه لمتحمس لها كل الحماسة، ولكنه لم يكن ذا طبيعة عملية، تنفذ في
عالم الواقع ما
يجيش في نفسه من نزعات، كان خليطًا عجيبًا من رجل الواقع ورجل الخيال.»
١٥
وعلى الرغم من أن منطلق مليم وخالد كان واحدًا، وهو الرغبة في تغيير الحياة، فإنهما
اختلفا تمامًا
في الأسلوب الذي يحقق هذا التغيير … فخالد رومانسي، ومثالياته تصاب بنوبات بردٍ عند مصافحتها
لنسمة، أما
مليم فهو واقعي التفكير والتصرفات، حتى إنه لا يتورع عن إلقاء شِباكه على خالد، الذي
كان شاغله أن يعين
«مليم»!
كان والد مليم يعمل في جريدة تعنى بالإعلانات القضائية، وتسد النواقص بمواد تحريرية،
كان الرجل
يكتب المقالات الافتتاحية والأخبار، رغم أنه لم يكن يعرف من القراءة والكتابة — على حد
تعبير الفنان —
إلا ما يعرفه كمسارية الترام، فضلًا عن معلومات غريبة عن السياسة، ونوادر مختلفة عن الزعماء،
وكان الرجل
— بالإضافة إلى ذلك — يتولى توزيع الجريدة بمجهود شخصي،
١٦ وكما يقول الفنان، فلم يكن الأب — بالنسبة إلى مليم — رب أسرة حقيقيًّا، ولم يكن مليم
ابنًا
يعتمِد في معاشه على أبيه، أو يَدين له بالطاعة.
١٧
نشأ مليم، وتفتح وعيه على مرافقة أبيه في جولاته لبيع المخدرات على رواد المقاهي.
وكان مليم يجد
في تلك الحياة ما يرضيه، لأنها تهبه من الحرية أقصاها، وتعفيه من مزاولة مهنة تشقيه قسوتها.
ودخل الأب
السجن بتهمة غير حقيقية، ووجد مليم نفسه بلا عائل، وبلا عمل، ولم يحاول أن يصل ما بدأه.
أزمع أن يبتعد
عن الطريق التي طال سيره فيها مع أبيه، ويتجه إلى طريق أخرى أكثر استقامة وطمأنينة، وأنصت
إلى نصيحة
صديقه «بندق» فعمل عند عمه النجار،
١٨ لكنه ما لبث أن تبيَّن — من خلال ممارسة فعلية — صعوبة السير في تلك الطريق.
ذهب إلى قصر خورشيد باشا لإصلاح نافذة، والتقى في القصر بخالد ابن الباشا، وهو شاب
درس في جامعة
بريطانية، وتعدَّدت أسفاره إلى بلدان أوروبا، وتعمَّق في دراسة النظريات السياسية والاجتماعية،
وحوَّل
اهتماماته من الخاص إلى العام، وإلى ضرورة التنبُّه لتفاعل الأوضاع الاقتصادية والنظم
السياسية.
عاد خالد من الخارج بمفاهيم وقيم تحررية وإنسانية، ووجد نفسه فردًا في أسرة، مؤلَّفة
من الأخ الأكبر
المطيع، الملتزم بالعادات والتقاليد، والأب الصارم، والأم المسكينة الصابرة التي تكتفي
بالدعاء والمحبة
والخير.
تكررت محاولات الباشا الأب لاستمالة ابنه، ومنها إلحاقه بوظيفة، وقبِل خالد الوظيفة
بالفعل، لأنها
— كما قال لنفسه — ستمكِّنه آخر الأمر من الاستقلال بنفسه، ومن عبودية هذا المنزل إلى
غير رجعة، وفوجئ
خالد بأن العمل الذي تولاه، قد جعل لأمثاله «ممن يأتوننا بين الفينة والفينة، غير مفروض
فيهم أن يعملوا
شيئًا.»
١٩
انتهى خالد إلى الاكتفاء بالتردد على ديوان الوزارة مرتين، أو ثلاث مرات، في الأسبوع،
ومضت ستة
أشهر لم يصطدم أثناءها بأبيه، حتى أثاره — ذات يوم — موقف لأبيه يتصل بتعامله مع الخدم،
وواجهه الأب
بالقول: «لعلك تظن أن من حقك أن تناقش تصرفاتي؟! ما أنت يا شاطر إلا ولد مأفون، إنك تعتقد
في نفسك أنك
نابغة العصر، ونبي الجيل، وما أنت — في الحقيقة — إلا مراهق مضطرب الوجدان، مشتت الإرادة،
ضعيف القوى
العقلية.»
٢٠
وإذا كان خالد قد أخفق في أن يصلح العالم بمفرده، فإن عمر — الابن الثاني للباشا —
كان يختلف عن
أخيه، فهو لا يتردد في الزج بإنسان بريء إلى السجن كي يشتري لعشيقته ما تريد.
تبقى شخصية الباشا التي كانت تعلن عداءها الواضح للفلاحين، لا يلجأ إلى الأساليب الملتوية
للتعبير
عن هذا العداء، لكنه مثال صارخ لتلك الطبقة الأنانية الجشعة «التي تسرق أموال الفقراء»،
إنه يؤذي
الفلاحين، ويُطلِق عليهم كلبه ليعقرهم.
كان الباشا يعطي لنفسه الحق في أن يسلب حقوق الآخرين، ويغلب صالحه على مصالح الناس،
دون نظر إلى
أي اعتبار،
٢١ وكان رأيه أن المجتمع لا يقوم على أفراد العامة، ولكن على الأسر الكبيرة، الأسر الكبيرة
عروش صغيرة، يجب الحفاظ عليها.
٢٢
كان الباشا يعرف هدفه جيدًا، وكان يسعى إلى ذلك الهدف بقلبٍ لا يعرف الإشفاق، ونفسية
تَدين
بالاحتيال.
يطلب الأب الباشا من ابنه مغادرة البيت، يقول له: أيها الفتى، لقد زادت وقاحتك، ولم
ترع، أراني
مضطرًّا — مرة أخرى — لأن أطلب منك مغادرة منزلي.
يقول خالد: وأراني أنا الآخر مضطرًّا — مرة أخرى — لأن أذكِّرك بأنني في منزل المرحومة
والدتي، ولعلي
وارث فيه أكثر مما ترِث.
– يحزنني — أيها الأفندي — أن أخبرك بأنك لا ترث في هذا المنزل قيراطًا واحدًا.
– ولماذا أيها الباشا؟ هل اتضح أخيرًا أنني لم أكن ابنًا لوالدتي؟
– إن المرحومة والدتك قد باعت لي هذا المنزل، كما باعت لي كل ما تملك، نظير ديون كانت
لي في
ذمتها.
– ديون؟! أكنت تقرضها بالربا؟!
– ليس هذا من شأنك.
– شأن مَن إذن؟ لقد كانت والدتي أوفر منك ثراء، فكيف تستدين منك؟
– إن لهذا قصة طويلة.
– وستكون لها قصة أطول مما تظن. الآن عرفت سر استرضائك لي، فأنت تعلم يقينًا أن هذه
المبايعات
المدعاة لا تستطيع أن تقف على قدميها في وجه القانون.
– إنني أعلم منك بالقانون أيها الأفندي.
وحين يبدي خالد اهتمامًا لافتًا بالدعوى التي رفعها ضد أبيه، فإنه ينفي أن يكون المال
هو الهدف
الذي يسعى إليه، إنه — كما يعرف الجميع — لا يحفل بالماديات، ولا يعرف للنقود قيمة، لكن
دعاواه على
السنجق — هكذا سمَّى أباه! — هي في الواقع دعاوى المجتمع، وما أنا إلا أداة، فالمجتمع
يكسب كثيرًا لو
افتقر السنجق، ويخسر كثيرًا إن اغتنى، بل إن السنجق نفسه لم تصلح له حال إلا إذا ضاعت
ثروته.
٢٤
•••
عاد خالد من رحلته الدراسية في الخارج بعد أن حصل على إجازته العلمية، عاد شخصًا
آخر غير الفتى
اليافع الخجول الذي غادر مصر منذ بضع سنين، فهو ثائر على أوضاع المجتمع (ونتذكر الدكتور
إسماعيل في
قنديل أم هاشم)، وشمل سخطه حتى مجتمع أسرته الصغير، فضاق صدره بأبيه في البداية، ثم بأخيه
الأكبر،
وبوالدته من بعد،
٢٥ وبدلًا من أن توحي المكانة الوظيفية الرفيعة التي تحققت لأحمد خورشيد باشا، بمضاعفة
ما كان
يشعر به خالد نحو أبيه من احترام، فإنه وجد نفسه ينظر إليه بعين السخط التي لا ترى إلا
المساوئ.
٢٦
كانت الحقائب التي عاد بها من الخارج ممتلئة بالكتب والتحف وبعض الهدايا، ويجيب بالنفي
عن سؤال
أبيه: أليس لديك بذلة غير التي ترتديها؟
بدأ — منذ تلك اللحظة — صراع بين الأب وابنه، الابن مشغول بأفكاره الإصلاحية، والأب
يرى في الشعب
مجرد حمار، لكي يسهل قياده فلا بد أن يُركَب، وظن الأب أن ابنه سيعدل — يومًا — عن نظرياته
الإصلاحية،
لكن الأيام مضت دون أن يتخلى خالد عما يؤمن به من أفكار، وزاد فاندمج في مجموعة أصدقاء،
لهم رؤاهم التي
أصابت الباشا بالذهول، وربما الفزع.
نقم خالد على أبيه تصرفاته القاسية، التي شملت طرد خدمه لأتفه الأسباب، وأكل حقوقهم
بدلًا من أن
يكافئهم، ومقاضاة مزارعيه المتخلفين عن أداء إيجارهم المتأخر، والحجز على أموالهم، وبيع
ممتلكاتهم،
وإطلاق كلابه على مَن يدخل حديقته، فتعقره، وتمزق ثيابه. وقيل إن السر في تكالبه على
المال، وفي قساوته
وعنفه، يرجع إلى أن جده كان يهوديًّا يقرض بالربا، فلما أصبح ثريًّا أسلم ليصير ذا جاه،
٢٧ تطالبه أمه بأن يثوب إلى رشده، فيقول لها: الذي أرجوه هو أن تثوبوا أنتم إلى رشدكم،
ولكنكم
لا تثوبون إلا إلى خرافاتكم وجهلكم وأنانيتكم.
٢٨
كان أول صدام لخالد — عقب عودته إلى مصر محملًا بالمُثُل العليا والأحلام الوردية
— مع أبيه الباشا
الإقطاعي، عاب عليه أنه «يعتدي كل يوم على فريسة جديدة، يطرد خدمه لأتفه الأسباب، ثم
يأكل حقوقهم بدلًا
من أن يكافئهم، وهو يقاضي مزارعيه المتخلفين عن أداء بقية من إيجار، ويحجز على أموالهم،
ويبيع
ممتلكاتهم، حتى ليجردهم من الرداء الذي يستترون به، وهو يُطلِق كلابه على مَن يدخل حديقته،
فيعقره، ويمزق
ثيابه، ولقد سمع أن لديه في الضيعة جلادًا يشوي بسوطه ظهور المغضوب عليهم من الفلاحين.»
وأضاف إلى سوء العلاقة بين خالد وأبيه، اتهام الباشا لمليم بالسرقة ظلمًا، وانتصر
خالد لمليم، لكن
قوة الأب ألقت بمليم في السجن، صدر الحكم على مليم بالحبس ثمانية عشر شهرًا مع الشغل
والنفاذ. وكان مليم
قد التزم الصمت طيلة المحاكمة، لم يرد على أسئلة القاضي ولا المحامي ولا الادعاء، ورجاه
خالد أن يعدل عن
موقفه، لكنه ظل على صمته.
٢٩
يغادر مليم السجن، ويجد استمرار حياته في مهنة جديدة، فهو يعمل في بيت القلعة، بين
جماعة من
الفنانين ذوي الاتجاهات الراديكالية، يقطنون ذلك البيت الأثري في حي الخيامية الذي سموه
«القلعة»،
ومارسوا فيه حياتهم غير المنضبطة.
كان خالد قد انضم إلى الجماعة مدفوعًا بمثالياته، بالإضافة إلى أنه كان ينظر إلى هذه
المناوشات
اللفظية على أنها حقائق سامية، تستدعي العمل على تحقيقها، فقد كانت له طبيعة صادقة، مخلصة،
لا تفرق بين
الكلام والاعتقاد، فهو يحس الأفكار بوجدانه على حين أنهم يتخذون منها أداة لإدارة ألسنتهم
وسماع
أصواتهم. وقد خُيِّل إليه أن الطريق سهل، والقطوف دانية، فما من أحد يمكن أن يعترض على
الإصلاح، ولا يمكن
للظلم أن يقف في وجه العدالة. ويقدِم خالد على الفعل الذي تصوره إيجابيًّا، كتب منشورًا
ثوريًّا، وطبعه،
وحاول توزيعه — متنكرًا — على رواد أحد المقاهي الشعبية، لكن سوء حظه جاء بالشرطة في
اللحظات نفسها،
ليلقي القبض على خالد، ويودع السجن.
وبالطبع، فقد سعى الأب للإفراج عن ابنه، حتى أفلح في ذلك، وفق شروطٍ أملاها الباشا
على ابنه،
وتبدَّلت شخصية خالد بمرور الأعوام، أصبح — بعد أربع سنوات من رضوخه لإرادة الأب — مثلًا
للشاب الثري الذي
يوزع حياته بين الخمر والنساء والملذات الحسية بعامة، أما مليم فقد أصبح واحدًا من أثرياء
الحب.
والتقى الرجلان في لحظة، وجد خالد في مليم «صوت الماضي الذي حاول أن يسكته بمئات الكئوس
وعشرات
النسوة، بينما كانت السنوات الأربع قد قتلت في نفس خالد ما يستطيع أن يستمع — من خلاله
— إلى كلمات
مليم.»
يقول خالد في لهجة تقطر حزنًا: «ما أنا إلا صريع الجيل الذي وُلِدت فيه، هذا أتعس
العصور للإنسان منذ
بدء الخليقة، ولن تجد فردًا واحدًا يعي أحوال دنياه، ويستطيع أن يكون سعيدًا في الوقت
نفسه، ولكن ما
السبب؟ إنه هذا الذكاء اللعين، فقد أصبح ذكاء الإنسان أكبر من طاقته البشرية، أكبر من
معرفته الحقيقية،
أو لتسمها وجدانه إن شئت.»
ويتناهى صوت بالقول: «إيه يا هاملت مصر الموزع اللب أبدًا.»
فيردف مليم: «بل إيه يا مصر الغارسة رأسها في الرمال.»
ثار خالد — ابن أحمد باشا خورشيد — على واقع مجتمعه الذي يناقض ما يملأ خياله من قِيَم
ومُثُل.
وكانت بداية تنفيذ مليم لعزمه على الحياة الشريفة، في عمله كنجار، يصلِّح نافذة في
قصر أحمد باشا
خورشيد، ويعثر على مظروف بداخله خمسمائة جنيه، فيسلِّمها إلى عمر، الابن الثاني للباشا،
فيأخذ الشاب
المبلغ، ثم يتهم «مليم» بسرقته بعد انصرافه، ويُقدَّم مليم إلى المحاكمة، ليقضي في السجن
عامًا ونصف
العام.
لم يكتفِ خالد بأن يكون شاهد نفي عن مليم، لكنه تقمَّص دور المحامي الذي يستنبط الأدلة،
ويكيِّف
الوقائع، ويعمد إلى المنطق في سبيل تبرئة المتهم، وحفلت رواية الشاب بروايات غريبة، وبدت
خصومته لأبيه
واضحة، حتى اضطر القاضي إلى مقاطعته، وتسفيه آرائه، والسخرية من أقواله، والرد عليه بعنفٍ
كلما أراد
الاسترسال في التعليق على واقعة ما.
أخفق خالد في شهادته تمامًا، وكان محامي مليم محدود الخبرة، لجأ إلى التفاصيل التي
لا داعي لها،
وزاد فأخطأ في نهاية مرافعته بالقول: بناء عليه، ترَون حضراتكم أن التهمة ثابتة بطريقة
لا تقبل الشك.
وضاع من عُمر مليم — بسبب شراسة الأب، وسذاجة الابن، وقلة خبرة المحامي — ثمانية عشر
شهرًا!
وفي المقابل، فقد كان محامي الباشا متمرسًا في مهنته، ركز هجومه في نقطة ضعفٍ واحدة،
فإذا الحجج
تتساقط، وتبدو الحقيقة كما رواها.
حاول خالد أن ينقذ «مليم» من مؤامرة أخيه، وجشع والده … لكنه اصطدم بما كاد يفضي به
هو نفسه إلى
السجن، ولما شعر أنه عاجز عن فعل أي شيء، لجأ إلى كوخ على مشارف الصحراء، عاش فيه حياة
البداوة، التي
طالما تغنَّى بها الرومانسيون … لكنه ما لبث أن ضاق بتلك الحياة، وهجرها.
أملى الخيال في ذهن خالد أن يحاول تقليد البدو في حياتهم، إنها حياة مليئة بمغامرات
الظعان
والنزال وضرب الرصاص، وهو لا بد أن يكون فارسًا مثل البدو، يساعده أنه كان من المبرزين
في لعبة السيف
بين طلبة الجامعة الإنجليزية التي كان بها، إلى جانب إجادته ركوب الخيل، لكن الشاب ما
لبث — بعد أيام
قليلة — أن تحوَّل عن حياة البدو إلى حياته الطبيعية.
٣٠
عثر خالد — في وجود مليم — على مبلغٍ هائلٍ من الأوراق المالية، وقال لمليم: ماذا
لو تقاسمنا هذا
الكنز؟ لعل الرجل (هذا الرجل هو الباشا أبوه!) لن يعود ليتفقد نقوده إلا بعد زمن ما،
يكفي لمحو كل أثر
للجريمة، ولإبعاد الشبهات عنَّا.
وبرَّر اقتراحه بأن هذه ليست سرقة، فهذا المال نفسه مسروق، اغتصبه الرجل من كد الفلاحين
الذين
يستأجرون أرضه، فأنا وأنت لن نعمل أكثر من أن نقاسمه ما سرق.
لكن اقتراح خالد ظل مجرد فكرة، لم تُنفَّذ.
٣١
•••
رغم محاولة خالد الفاشلة في الدفاع عن مليم، فإن «مليم» أصر أن ينصب حوله الشباك التي
يعدُّها
للجميع. وتعود إلى خالد «ثوريته» — فجأة — بعد أن وقع في غرام إحدى فتيات القلعة، ويقضي
ليلة بأكملها في
كتابة منشورات تدعو لإنقاذ الطبقات الكادحة من براثن الفقر، ويُقبَض عليه عند قيامه بتوزيع
المنشورات.
تنبَّه خالد — أخيرًا — إلى أن القضية ليست مجرد نتائج تصرفات غاشمة من دهر لا يبالي،
لكنها «نتيجة
حتمية لتفاعل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية»،
٣٢ و«لم يعُد عالمه أفرادًا متميزين، ولكن طبقات في مجتمع.»
٣٣ ونعى على المجتمع الفاسد الذي جعل من النسوة مومسات يتصيدن الرجال.
٣٤
كان خالد أمام حلَّين: إما أن يحاول تغيير المجتمع بالصورة التي يريدها، أو أن يحاول
تغيير نفسه
بالصورة التي تُرضي المجتمع. وبعد أن تأكد لخالد استحالة تنفيذ ما كان يحلم به لتغيير
صورة المجتمع، فإنه
قام برد فعلٍ مناقض متمثلٍ في لواذه بأبيه، ومحاولة الإفادة من المكاسب التي يحققها له
ذلك
التصرف.
رضخ خالد — أخيرًا — لجشع أبيه وعناده، وعانق الإحباط.
ولعلِّي أشير إلى رأي علي الراعي بأنه «لولا يقيننا بأن خالدًا قد انضم إلى الحداثة
بدافعٍ من الضعف،
وليس رغبة منه في الخيانة، لخرجنا من الرواية، وقد شملت المرارة أفواهنا وقلوبنا معًا،
وما عرفنا قَطُّ
عذوبة العطف على خالد.»
٣٥
ويشير أحمد إبراهيم الهواري إلى أن التناوُل العقلي الذي تناول به عادل كامل موضوعه،
جعل بطله يعيش
حياة هي أقرب إلى العقل منها إلى العاطفة، ومن ثَم فإن الفنان يحتفي بأفكار خالد احتفاء
كبيرًا، ويشرح
تفصيلات الأزمة الفكرية والروحية التي اكتوى بنارها.
٣٦
أما «مليم» فقد أفاد من متغيِّرات الحرب العالمية الثانية، تاجر مع قوات الحلفاء،
فأثرى، وأصبح
اسمه محمد بك سلَّام، ثم تزوج من هانيا معبودة القلعة التي عجز الجميع عن استمالة قلبها،
وأنجبا «مليم»
الصغير! تناست المعبودة رأيها في ناس القلعة، وأنهم ليسوا سوى عصبة من الرعاع، قطاع طرق
«إنني أعجب لمن
يدعون أنفسهم بفتيان الطليعة في هذا البلد! لقد جبت معظم عواصم أوروبا، وخالطت المشتغلين
بالفن في كل
قطر، فلم أقع على مثل هذه القلعة الجهنمية، وسكانها المحتالين، الذين يسلِّمون قيادهم
لشخصٍ وضيع مثلك،
أقول لك إنني لست من طرازكم اللعين، وسأغادر هذا الوكر القذر في الصباح الباكر.»
٣٧
النهاية التي انتهى إليها مليم الأكبر — باختياره — تتصل بالبداية التي اختارها له
أبوه … فهو قد
انتهى واحدًا من أثرياء الحرب، بينما بدأ في ترويج المخدرات لحساب أبيه، وما بين البداية
والنهاية، حاول
مليم — بصدقٍ — أن يتمرد على الزيف، وأن يمارس عملًا شريفًا … لكن عوامل الإحباط حاصرته،
حتى دفعته إلى
القذف بمثالياته من حالق.
أما خالد، فإنه يذكِّرنا بالدكتور إسماعيل في «قنديل أم هاشم» ليحيى حقي، فهو — أي
خالد — قد سافر إلى
إنجلترا، وطاف بدول أوروبا، وبهرته المذاهب الاجتماعية الحديثة، ثم عاد فوجد نفسه غريبًا
عن مجتمعه؛ ما
يتحمس له من الفكر الأوروبي يقابله واقع متواكل مستسلم، ومن ثَم فقد انعكس هذا التناقض
الحاد عليه هو
نفسه. وإذا كان الدكتور إسماعيل قد استعاد نفسه، وناسه، فإن «خالد» لم يفلح في أي شيء؛
اجتذبه الضياع،
فأسلم نفسه لدواماته.
ويرى أحمد إبراهيم الهواري أن «خالد» لم يحاول أن يخلق تواصلًا بينه وبين المجتمع،
مثلما فعل
الدكتور إسماعيل في «قنديل أم هاشم»، ويُدين الهواري موقف خالد بأنه يحمل انتهازية ونكوصًا
عن تحمل
المسئولية «إنه جبان، ألم يفر مرتين عندما أوشكت قوى الانتقام أن تمسك به؟ مرة مع مليم،
وأخرى بعد هزيمة
المقهى، إنه غارق في المثالية الزائفة التي تغفل طبيعة القوى الاجتماعية التي أراد أن
يتصدى لمواجهتها،
فضلًا عن شعور بالاستعلاء على المجتمع، مبالغة منه في تقديره لذاته، والتهوين من شأن
الغير في الوقت
نفسه.»
٣٨
الاختلاف في شخصية مليم يبين في استطاعته مجاوزة مأساة سجنه، وفي قبول التحرك داخل
إطار المجتمع
القائم، فهو قد أصبح محمد بك، وتزوج من هانيا، وحقق مكانة اجتماعية متفوقة.
مليم — هنا — أشبه بالعقب (نابغة الميضة) وكل الشخصيات التي ارتفعت من أسفل المجتمع
إلى قمته، كل
هذه الشخصيات تجد بدايتها في بداية «مليم الأكبر» الذي كان رمزًا لرجل الشارع الذي يحرص
على الاستقامة، ثم
تحوَّل إلى القيام بعملٍ غير شريف، ليصبح — في النهاية — أحد أغنياء الحرب المعروفين.
الذنب هنا ليس ذنب مليم أو العقب، لكن الذنب يقع — في الدرجة الأولى — على الأوضاع
السيئة في
المجتمع نفسه.
•••
يصف سليمان فياض مؤلف «مليم الأكبر» بأنه «كاتب حقيقي، له عالم واقعي خاص، يفيض بروح
الدراما، بين
فنانين ضائعين، في جيلٍ ضائعٍ، في غرفٍ مقبضة، في حارة شعبية ساكنة، ثابتة العادات رتيبة
الحركة.»
٣٩
وإذا كانت أحلام خالد ومليم قد أُجهضَت، الأول باستسلامه لإرادة أبيه، والثاني بتعامله
مع الأعداء
حتى أصبح من أغنياء الحرب فإن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يعد خالد ومليم تعبيرًا حقيقيًّا
عن الفكر
الاشتراكي؟
«مليم الأكبر» — إذا ارتفعنا بالرواية إلى مستوى الرمز — تشير إلى ذلك اليوم المرتقب
الذي يصبح فيه
الخدم سادة لأسيادهم، أو أن يحلُّوا مكانهم في المجتمع على الأقل … الهدف نفسه الذي عبَّر
عنه الفنان في
«ويك عنتر»، عندما أصرَّت الخادم أن تحصل على زوج سيدتها، وترك الزوج بيته فعلًا، وتزوج
الخادم.
كتب عادل كامل مسرحيته «ويك عنتر» في ١٩٤٢م، وظل النص حبيس الأدراج ٣٢ عامًا، قبل
أن يقدِّم المسرح
الحديث مسرحية عادل كامل في ١٩٦٤م باسم عنتر وانجة، بعد أن تحوَّل حوارها من الفصحى إلى
العامية، واستقبل
النقاد المسرحية بحفاوة وإطراء، إلى حد القول إنها «من أكبر الأعمال الدرامية المتكاملة
التي عرفها
تاريخ المسرح المصري الحديث. ويُعتبَر تقديمها للجمهور هذا الموسم، نوعًا من الاكتشاف
لمقدرة خلَّاقة، كان
لا بد أن تأخذ مكانها الصحيح، في حياتنا المسرحية.»
المسرحية تضغط على الفكرة نفسها التي تناولتها رواية «مليم الأكبر»: نظام الطبقات،
وانتهازية الطبقة
الوسطى، الزوج المستسلم لإرادة زوجة غنية، فهي تنفذ ما تقرره، تذكِّرنا بمسرحية إبسن
الشهيرة «بيت الدمية»،
وإن تغيَّرت المواضع في المسرحية … فإذا كانت نورا قد صفقت الباب وراءها في «بيت الدمية»،
فإن الزوج في
مسرحية عادل كامل يكاد يفعل الأمر نفسه … ثار، وهجر بيت الزوجية، ليتزوج الخادمة التي
أحبها، تعبيرًا عن
انحيازه للطبقة الأدنى.
يعتبِر فؤاد دوارة «مليم الأكبر» أول عمل فني كبير في أدبنا الحديث «برز فيه الوعي
السياسي
والاجتماعي، على النحو الذي يلح دعاة الأدب الجديد اليوم في المطالبة به، ثم لا يُوفَّقون
— في الغالب —
إلى تقديمه على النحو الذي يرضيهم، ويُرضي القِيَم الفنية في الوقت نفسه.»
٤٠
لقد شدَّد نصيف على أهمية الوعي الاجتماعي «فدورنا الأساسي الذي يجب أن نقوم به،
هو أن نسعى إلى
تكوين وعي اجتماعي مدرك لوجود هذه المظالم، ومقتنع بوجوب إصلاحها، هذا هو الدور الذي
قُدِّر لنا أن نقوم
به، وهو — على خلاف ما تظنون — أنبل الأدوار جميعًا؛ لأن القائم به يهب حياته لخدمة قضية
سيعود نفعها
على الأجيال المقبلة، أما هو فيعيش ويموت جنديًّا مجهولًا، لا يدري بخبره أحد، فإن كنتم
ترونا نتكلم، فما
ذلك إلا ليعمل الجيل المقبل. وبقدر ما نتكلم، وندرس، ونناقش، يكون اقترابنا من الهدف
المقصود، فعليكم —
أيها الرفاق — أن ترضوا بما قُدِّر لكم، وألا تتذمَّروا من الدور الذي يطلب منكم التاريخ
أن تضطلعوا
به.»
٤١
ومثلما دعت «عودة الروح» إلى ظهور الزعيم الذي يعيد الروح إلى الجسد الساكن، فإن
عادل كامل يتحدث عن
الواقع الذي يلح في طلب من ينقذ «مصر الغارسة رأسها في الرمال»،
٤٢ ذلك «الرجل العظيم الذي يسعى إلى خلق أشياء جديدة، وفضائل جديدة.»
٤٣
وعمومًا، فقد عاشت شخصيات «مليم الأكبر» في دوامة من الضياع المتصل، وكانوا هم الأمل
في التغيير
الذي يطلبه المجتمع لنفسه، خلاصًا من ظروفه القاسية.
هوامش