القمر في حلبة التزلج بشارع أورانج
فُوجئ سام، عندما دخل إلى متجر كالي الذي كان يبيع بعض السلع الرخيصة والحلوى. كان قد توقع وجود مجموعة غير مرتبة من منتجات البقالة، والبضائع قليلة الجودة، ورائحة سيئة، وربما زينة حفلات باهتة اللون، وزينة كريسماس قديمة مهملة. بدلًا من كل ذلك، وجد مكانًا يشغل في معظمه ألعاب فيديو. لافتات مكتوبة بخط اليد باللونين الأحمر والأزرق تحذِّر من تناول المشروبات الكحولية، والشجار، والتسكع، والسباب. كان المتجر مليئًا بضجيج الألعاب الإلكترونية، والأضواء الوامضة، وأولاد شكلهم مخيف، يرتدون ملابس حديثة الطراز، حالقين شعورهم وطالين بشرتهم على نحو غريب. كانت كالي تجلس خلف طاولة البيع، طاليةً بشرتها هي الأخرى، مرتدية باروكة شقراء مائلة إلى اللون القرنفلي. كانت تقرأ كتابًا ورقيَّ الغلاف.
طلب سام سجائر، كي يختبرها. وضعت الكتاب، ونظر هو إلى عنوانه، «حبي حيث تهب الرياح العاتية»، تأليف فيرونيكا جراي. أعطته السجائر وناولته الباقي وعدَّلت من السترة على كتفيها وتناولت الكتاب مرة أخرى، دون أن تنظر إليه. كانت سترتها مُغطاة بكرات صغيرة من الصوف القرنفلي والأبيض، التي كانت تتحرك مثل الفشار. انتظرت حتى اللحظة الأخيرة حتى تتحدث إليه.
«هل ما زلت تدخن في سنك الكبيرة هذه يا سام؟»
«خِلتُ أنك لم تعرفيني.»
قالت كالي، وهي فرحة بنفسها: «أستطيع أن أتعرف عليك وسط ألف شخص … عرفتك من اللحظة الأولى التي دخلت فيها من هذا الباب.»
•••
سام رجل في التاسعة والستين من العمر، أرمل. يمكث في نُزل ثري ليتيل بيجز، على الطريق السريع، لبضعة أيام بينما هو في طريقه لزيارة ابنته المتزوجة في بنسلفانيا. على الرغم من أنه دائمًا ما كان يخبر زوجته عن بلدة جالاجر، فلم يكن ليأتي بها لتراها. بدلًا من ذلك، زارا هاواي، وأوروبا، وحتى اليابان.
يذهب الآن في رحلات سير في جالاجر. عادةً يكون هو الشخص الوحيد الذي يسير. المرور مزدحم، ولم يعد متنوعًا بين سائر وراكب مثلما كان. أفسح التصنيع المجال للصناعات الخدمية. تبدو الأشياء بالنسبة لسام غير منظَّمة قليلًا. لكن ربما يرجع ذلك إلى أنه يعيش الآن في فيكتوريا؛ في أوك باي، حي راقٍ وجميل مليء بالأشخاص المتقاعدين الموسرين مثله.
كان نُزل كرناجان آخر نُزل — آخر بناية — على طرف البلدة. لا يزال موجودًا في مكانه، لا يزال قريبًا من رصيف المشاة. لكن حدث بعض التوسع في البلدة عند كل أطرافها؛ محطة تزود بالوقود، أحد متاجر كنديان تاير ذو باحة انتظار كبيرة، بعض المنازل الجديدة، المنخفضة. كان نُزل كرناجان مطليًّا بلون أزرق فاتح، وبخلاف ذلك كان يبدو مهملًا. بدلًا من الشرفة الأمامية، حيث كانت توجد مقاعد لكل نزلاء النُّزل، يرى سام أن الشرفة قد تمت تغطيتها بالكامل بالزجاج، وبطانة عازلة، ومرتبة موضوعة على أحد جانبيها، وحواجز سلكية، ونوافذ قديمة ثقيلة مضادة للعواصف. كان لون المنزل حنطيًّا فاتحًا، وكانت الزخارف الخارجية مطلية باللون البني. لم يكن كل شيء نظيفًا فيه. كان الغبار يمثل مشكلة، كان الطريق قريبًا جدًّا وغير مرصوف في ذلك الوقت. كان يمر به خيول وأشخاص سيرًا على الأقدام، فضلًا عن سيارات وشاحنات مزارع. قالت الآنسة كرناجان، على نحو استنكاري، مشيرةً إلى الغبار: «يجب أن تتبعه في كل مكان.» في حقيقة الأمر، كانت كالي هي من تتبعه. كانت كالي كرناجان في التاسعة عشرة من عمرها، عندما رآها سام وإدجار جرازير للمرة الأولى، على الرغم من أنها كانت تبدو في الثانية عشرة. كانت مدمنة عمل. قال عنها البعض إنها مثل العاملات بالسخرة، العاملة بالسخرة الصغيرة لدى الآنسة كرناجان، أو كانوا يطلقون عليها الخادمة الكادحة، الخادمة الكادحة كرناجان. كان الخطأ الذي كان يرتكبه الناس أنهم كانوا يظنون أنها كانت تبالي بذلك.
في بعض الأحيان، كانت امرأة آتية من الريف، حاملة زبدها وبيضها، تأخذ قسطًا من الراحة على العتبات الأمامية للنُزل. أو ربما تجلس فتاة هناك حتى تخلع حذاءها طويل العنق المطاطي وترتدي حذاءها الخفيف؛ مخبئة حذاءها طويل العنق في فتحة التصريف حتى ترتديه مرة أخرى في طريق عودتها إلى المنزل. كانت الآنسة كرناجان تنادي، من الظلام خلف نافذة غرفة الطعام: «هذا ليس مقعدًا في متنزه!» كانت الآنسة كرناجان امرأة ضخمة، مربعة الكتفين، دميمة، مستوية البطن والعجز، ذات شعر مخضب بالحناء، ووجه غير واضح الملامح، تغمره بودرة التجميل، وفم متدلٍّ بشدة ومغطى بكثافة بأحمر الشفاه. كانت تُروى حولها العديد من قصص العربدة، التي كانت أكثر غموضًا، وأصعب في التدليل عليها من قصص جشعها وبخلها المدهشة. قال البعض إن كالي، المفترض أنها لقيطة، ابنة الآنسة كرناجان. كان على المقيمين في النُّزل الالتزام بالخط المرسوم لهم. ممنوع تناول المشروبات الكحولية، ممنوع التدخين، ممنوع السباب أو التصرف ببذاءة، هكذا أخبرت أبناء جرازير في اليوم الأول لهم عندها. ممنوع تناول الطعام في غرف النوم، مثلما أخبرتهم لاحقًا، بعد عيد الشكر، عندما أحضرا صندوقًا كبيرًا مشحَّمًا من الكعك المسكَّر من المنزل. قالت: «تجذب تلك الأشياء الفئران.»
كانت الآنسة كرناجان تقول كثيرًا إنها لم تسكن عندها صبية من قبل. كانت تبدو كما لو كانت تسدي لهم معروفًا. كان يقطن لديها أربعة أشخاص: أرملة، السيدة كروز، وهي امرأة عجوز جدًّا لكنها كانت تستطيع الاعتناء بنفسها؛ وموظفة، الآنسة فيرن، التي كانت كاتبة حسابات في مصنع القفازات؛ ورجل أعزب، آدم ديلاهانت، الذي كان يعمل في البنك ويُدرِّس في مدرسة الأحد؛ وامرأة شابة أنيقة، متكبرة، أليس بيل، التي كانت مخطوبة إلى رجل شرطة وكانت عاملة هاتف. كان هؤلاء الأربعة يشغلون غرف النوم العلوية. كانت الآنسة كرناجان تنام على الأريكة في غرفة الطعام، وكانت كالي تنام على الأريكة في المطبخ. كان سام وإدجار يقيمان في السقيفة، حيث نُصب سريران صغيران ذوا إطار معدني على جانبي خزانة ذات أدراج وبساط منسوج.
بعد أن ألقيا نظرة على المكان، دفع سام إدجار للنزول للسؤال عما إذا كان يوجد أي مكان يستطيعان تعليق الملابس فيه. قالت الآنسة كرناجان: «لا أعتقد أن صبيين مثلكما يمتلكان الكثير من الملابس … لم أُسكن لدي صبية من قبل. لماذا لا تفعلان مثل السيد ديلاهانت؟ يضع بنطاله تحت المرتبة كل ليلة، كي يحافظ على الثنيات الموجودة فيه.»
ظن إدجار أن ذلك هو نهاية الأمر، لكن أتت كالي بعد فترة قصيرة حاملةً عصا مقشة وبعض السلك. وقفت على الخزانة وصنعت شماعة ملابس وذلك بعمل حلقات من السلك حول عمود.
قال سام: «كنا نستطيع أن نفعل ذلك بسهولة.» نظرَا في فضول وبعض اللذة إلى سروالها التحتي الرمادي المتدلي. لم يصدر عنها أي رد فعل. جلبت أيضًا بعض شماعات الملابس. كانا يعرفان بطريقة ما أن كل ذلك كان من صنيعها هي.
قال إدجار، الذي كان صبيًّا نحيفًا ذا شعر أشقر مجعد، مبتسمًا ابتسامة عذبة، خجلة لم تُجدِ في الطابق السفلي: «شكرًا يا كالي.»
تحدثت كالي بالصوت الخشن الذي كانت تستخدمه في متجر البقالة عندما كانت تطلب شراء بطاطس جيدة. «هل سيناسبكما هذا الترتيب؟»
•••
كان سام وإدجار ابني عم؛ ليسا شقيقين، مثلما كان معظم الناس يظنون. كانا في نفس العمر — سبعة عشر عامًا — وكانا قد أُرسلا إلى جالاجر للالتحاق بكلية التجارة. كانا قد نشآ في مكان يبعد عشرة أميال من هنا، وكانا قد ذهبا إلى نفس المدرسة الريفية والمدرسة التكميلية الموجودة في القرية. بعد عام في كلية التجارة، يمكنهما الحصول على وظيفة في بنوك أو شركات أو التدرب عند محاسبين. كانا ينويان عدم الرجوع إلى المزرعة التي ولدا فيها.
ما كانا يريدان أن يفعلاه حقًّا، وأرادا أن يفعلاه منذ أن كانا في حوالي العاشرة من عمرهما، هو أن يصبحا لاعبي أكروبات. كانا قد تدربا سنوات على ذلك وقدما عروضًا في الحفلات التي كانت تنظمها المدرسة التكميلية. لم يكن بهذه المدرسة قاعة رياضية، لكن كانت هناك قضبان متوازية، وقضيب اتزان، وبُسط في البدروم الخاص بها. في المزرعة، كانا يتدربان في الإسطبل، وعلى الحشائش في الطقس الجيد. ما مصدر دخل لاعبي الأكروبات؟ كان سام هو من بدأ في طرح هذا السؤال. لم يستطع تخيُّل نفسه هو وإدجار في سيرك. لم يكن لون بشرتهما داكنًا بما يكفي، وكان ذلك أحد الأسباب. (كان يعتقد أن الأشخاص الذين يعملون في السيرك جميعهم من الغجر.) كان يعتقد أن ثمة لاعبي أكروبات يتجولون بمفردهم، يؤدون بعض العروض في المعارض، وفي قاعات الكنائس. تذكَّر رؤية بعض هؤلاء عندما كان أصغر سنًّا. من أين كانوا يأتون؟ كيف يكسبون عيشهم؟ كيف يعرف المرء طريقة الانضمام إليهم؟ أقلقت هذه الأسئلة سام أكثر فأكثر، ولم يبدُ قط أنها كانت تزعج إدجار.
في أوائل الخريف، بعد تناول العشاء، وبينما كان يوجد بعض الضوء أثناء الأمسيات، كانا يتدربان في الباحة الخالية في الجانب الآخر من الشارع الموجود فيه نُزل كرناجان، حيث كانت الأرض مستوية تمامًا. كان كلٌّ منهما يرتدي فانلة داخلية وبنطالًا صوفيًّا. كانا يبدآن أولًا ببعض التدريبات لزيادة مرونة الجسم مثل الشقلبة الجانبية، والوقوف على اليدين، والوقوف على الرأس، والشقلبة والشقلبة المزدوجة في الهواء، ثم كانا يلتحمان معًا بجسديهما. كانا يشكِّلان جسديهما في صورة علامات — حروف هيروغليفية — مقلِّلَين إلى درجة مذهلة الحدود الفاصلة بين الجسدين، ومخفِيَيْن بروز رأسيهما وكتفيهما. في بعض الأحيان، بالطبع، كانت هذه التشكيلات تتفكك، كل شيء ينهار، الأذرع والأرجل تتحرر، وكان الجسدان المتشابكان يعاودان الانفصال؛ فقط جسدي صبيين، أحدهما طويل وخفيف، والآخر أقصر وأكثر امتلاءً. ثم كانا يبدآن مرة أخرى في الالتحام. كان الجسدان المتوازنان يتأرجحان. ربما يختل توازنهما، ربما يظلان متوازنين. كان الأمر كله يعتمد على ما إذا كانا يستطيعان الالتزام بذلك الخط غير المرئي الذي كان يصل بين جسديهما، محققين التوازن العجيب. نعم. لا. نعم. مرة أخرى.
كان لديهما جمهور من المقيمين في النُّزل الذين كانوا يشاهدونهما وهم جالسون في الشرفة الخارجية. لم تكن أليس بيل تهتم بالأمر. فإذا لم تخرج مع خطيبها، كانت تمكث في غرفتها تعتني بملابسها وبنفسها؛ تطلي أظافرها، تصفف شعرها أو تفرده، تهذب شعر حاجبيها، تغسل ستراتها وجواربها الحريرية، وتنظف أحذيتها. كان آدم ديلاهانت مشغولًا دائمًا أيضًا؛ كانت لديه اجتماعات في جمعية الاعتدال في تناول المشروبات الكحولية ومنظمة جدعون، وكان يشرف على أنشطة اجتماعية في مدرسة الأحد التي كان يدرس فيها. لكنه كان يجلس لبعض الوقت ويشاهد الصبيين مع السيدة كروز، والآنسة فيرن، والآنسة كرناجان. كانت السيدة كروز لا تزال تتمتع ببصر جيد وكانت تحب العرض. كانت تضرب بعصاها على أرضية الشرفة وصاحت قائلةً: «نل منه، أيها الصبي! نل منه!» كما لو كانت هذه العروض مباريات مصارعة.
أخبر السيد ديلاهانت سام وإدجار عن الدرس الذي يلقيه في مدرسة الأحد، والذي كان يتناول الفضيلة، والقوة، والنصر. قال لهما إنهما إذا انضما إلى المدرسة، فسيستطيعان استخدام قاعة الكنيسة المتحدة الرياضية. لكن الصبيين كانا ينتميان لكنيسة كولد ووتر المعمدانية في موطنهما؛ لذا لم يرغبا في الانضمام للمدرسة.
حين كانت كالي تشاهد العرض، كانت تفعل ذلك من وراء النوافذ. كان لديها دومًا عملٌ تؤديه.
قالت الآنسة كرناجان إن التدريب الكثير من شأنه أن يزيد من شهية الصبيين على نحو هائل.
•••
عندما كان سام يتذكر نفسه هو وإدجار أثناء تدربهما في تلك الباحة الخالية — التي أصبحت الآن جزءًا من باحة انتظار شركة كنديان تاير — كان يبدو دومًا جالسًا في الشرفة الخارجية، أيضًا، ناظرًا إلى الصبيين وهما يحاولان، ويسقطان، ثم ينهضان على الحشائش — يرتفع أحدهما فوق الآخر ببطء، محافظًا على توازنه بيديه في انتصار — ثم ينفصلان في ابتهاج بحركة شقلبة رائعة. تنطوي هذه الذكريات على ظلال بنية كئيبة خاصة. ربما بسبب ورق الحائط في نُزل كرناجان. كانت الأشجار التي تصطف على الطريق في ذلك الوقت أشجار دردار، وكان لون أوراقها في الخريف ذهبيًّا ذا نقاط بنية. كانت الأوراق تتخذ شكل شعلة شمعة. سقطت هذه الأوراق في ذهنه في أمسية هادئة، كانت السماء فيها صافية، لكن كان منظر الغروب محجوبًا، والريف ضبابيًّا. كانت البلدة، في ظل الأوراق ودخان الأوراق المحترقة، غامضة وعصية، عالمًا قائمًا بذاته، بأبراج الكنائس، وصافرات المصانع، ومنازل الأثرياء، وصفوف المنازل المتشابهة المتلاصقة، والشبكات، والشعارات، والمصالح الشخصية. كان قد جرى تحذيره؛ إذ قيل له إن أهل البلدة مقززون. لم يكن هذا يمثِّل إلا نصف الحقيقة.
زادت التدريبات من شهية الصبيين جرازير، لكن شهيتهما كانت هائلة على أي حال. كانا معتادين على تناول الطعام بكميات كبيرة في بيتهما، ولم يتصورا قط أن هناك من يمكن أن يعيش على حصص الطعام مثل تلك التي كانت تُقدَّم في النُّزل. رأيا في دهشة أن الآنسة فيرن كانت تترك نصف الكمية القليلة التي كانت تُقدَّم لها في طبقها، وأن أليس بيل كانت ترفض تناول البطاطس والخبز ولحم الخنزير والكاكاو؛ باعتبارها أشياء تهدد رشاقتها، واللفت والكرنب والفول؛ باعتبارها تمثل تهديدًا لعملية الهضم لديها، وأي شيء يحتوي على زبيب؛ لأنها كانت لا تحبه. لم يستطيعا التوصل إلى أي طريقة للحصول على ما ترفضه أليس بيل أو ما تتركه الآنسة فيرن في طبقها، على الرغم من أن هذا كان سيكون بالتأكيد أمرًا عادلًا.
في العاشرة والنصف مساءً، كانت الآنسة كرناجان تقدم ما كانت تسميه «وجبة المساء». كان هذا طبقًا مكونًا من شرائح خبز، وبعض الزبد والمربى، وبعض الكاكاو أو الشاي. لم تكن القهوة تقدَّم في ذلك النُّزل. قالت الآنسة كرناجان إن هذه الوجبة أمريكية وتؤدي إلى تآكل المريء. كان الزبد يُقطَّع سلفًا إلى قطع صغيرة، وكان طبق المربى يوضع في منتصف المائدة، بحيث لا يمكن أن يصل إليه أي شخص بسهولة. أشارت الآنسة كرناجان إلى أن الأشياء المسكرة تفسد مذاق الخبز والزبد. استسلم النزلاء الآخرون إلى وجهة نظرها انطلاقًا من التعود، لكن سام وإدجار التهما طبق المربى التهامًا. وسرعان ما تناقصت كمية المربى إلى ملعقتين منفصلتين. كان الكاكاو مصنوعًا من الماء، مع إضافة القليل من اللبن منزوع الدسم؛ لزيادة قوامه ولدعم زعم الآنسة كرناجان أنه صُنع من اللبن بالكامل.
لم يكن يعارضها أحد. لم تكن الآنسة كرناجان تكذب لخداع الناس بل لردعهم. إذا قال أحد النزلاء: «كان الجو باردًا قليلًا في الدور العلوي الليلة الماضية»، كانت الآنسة كرناجان ترد على الفور قائلةً: «لا أستطيع فهم ذلك. توجد نار تدفئة كبيرة مشتعلة. كانت الأنابيب ساخنة جدًّا بحيث لا يستطيع أحد أن يضع يده عليها.» حقيقة الأمر أنها تركت النيران تهدأ أو تنطفئ تمامًا. كان النزيل يعرف هذا أو يشك بقوة في حدوثه، لكن ما جدوى شك النزيل في مقابل كذبة الآنسة كرناجان الحازمة، الحادة؟ كانت السيدة كروز في تلك الحالات تعتذر، وكانت الآنسة فيرن تتمتم ببعض الأشياء حول التهاب جلدها بسبب البرد، وكان السيد ديلاهانت وأليس بيل ينظران في عبوس لكن دون أن يجادلا.
كان سام وإدجار ينفقان مصروفهما الشخصي بالكامل، والذي لم يكن مبلغًا كبيرًا، على الطعام. في البداية، كانا يتناولان الهوت دوج في مطعم كوزي جريل. ثم رأى سام أن يسيرا لمسافة أبعد إلى متجر البقالة لشراء عبوة تارت مربى أو بسكويت فيج نيوتونز المحشو بالتين. كان عليهما أن يأكلا كل هذا في طريقهما إلى المنزل، بسبب قاعدة عدم تناول الطعام في غرف النوم. كان يحبان الهوت دوج، لكنهما لم يشعرا بالراحة قط في مطعم كوزي جريل، الذي كان ممتلئًا بطلاب المدرسة الثانوية الصاخبين، الذين كانوا أصغر عمرًا وأكثر وقاحةً منهما كثيرًا. استشعر سام إمكانية تعرضهما للإساءة منهم، على الرغم من أن هذا لم يحدث قط. في طريق عودتهما إلى نُزل كرناجان من متجر البقالة، كانا يمران بمطعم كوزي جريل ثم متجر ديكسون، وهو صيدلية بها مكان لبيع الآيس كريم في الخلف. كان ذلك هو المكان الذي كان زملاؤهما في كلية التجارة يقصدونه لتناول مشروب الكولا بالكرز والآيس كريم بالموز بعد انتهاء اليوم الدراسي وفي الأمسيات. عند المرور على نوافذ متجر ديكسون، كانا يتوقفان عن الأكل، ويسيران في تبلد ناظرين أمامهما مباشرةً. ما كانا ليدخلا إلى هناك أبدًا.
كانا الصبيين الوحيدين في كلية التجارة اللذين تربيا في الريف، وكانت ملابسهما تميزهما عن الآخرين. لم يكن لديهما كنزات ذات ياقات على شكل حرف في بلون أزرق أو بني فاتح، ولم يكن لديهما بناطيل رمادية اللون تشبه في هيئتها بناطيل البالغين، لم يكونا يرتديان إلا بناطيل صوفية ضيقة، وكنزات سميكة منسوجة منزليًّا، وسترات بذلات قديمة كانا يرتديانها كمعاطف رياضية. كانا يرتديان قمصانًا ورابطات عنق؛ لأن ذلك كان مطلوبًا، لكن لم يكن أيٌّ منهما يملك إلا رابطة عنق واحدة وقميصين. لم تكن الآنسة كرناجان تسمح إلا بغسيل قميص واحد في الأسبوع؛ لذا كانت أساور وياقات سام وإدجار عادةً قذرة، بل كانت توجد عليها بقع — ربما جراء تارت المربى — لم ينجحا في التخلص منها.
كانت توجد مشكلة أخرى، تتعلق جزئيًّا بالملابس وجزئيًّا بالأجساد داخلها. لم يكن يوجد ماء ساخن كثير في النُّزل، وكانت أليس بيل تستخدم أكثر من حصتها. في الصباح المبكر جدًّا، كان الصبيان ينضحان أيديهما ووجهيهما بالماء كما كانا يفعلان في بيتهما. كانا يتحاملان على أنفسهما واعتادا على رائحة جسديهما القذرة، وملابسهما التي كانوا يرتدونها باستمرار، وهو ما يُعد علامة على مثابرتهما وكدهما. ربما كان هذا لحسن حظهما، وإلا كانت الفتيات ستنجذب أكثر إلى إدجار، الذي كان مظهره يروق لهن، وليس إلى سام، ذي الشعر رملي اللون المنسدل، والنمش، الذي كانت لديه عادة خفض رأسه إلى أسفل، كما لو كان يفكر في شيء ما. كانت ستصبح بينهما فجوة. أو، بعبارة أخرى، كانت الفجوة ستظهر بينهما أسرع.
•••
حل الشتاء وتوقفا عن تقديم عروض الأكروبات في الباحة الخالية. كان سام وإدجار يأملان الآن في أن يذهبا للتزلج. كانت حلبة التزلج على مسافة مربعين سكنيين فقط، في شارع أورانج. وفي ليالي التزلج، أيام الاثنين والخميس، كانا يستطيعان سماع الموسيقى. كانا قد أحضرا حذاءَيِ التزلج معهما إلى جالاجر. كانا يتزلجان منذ أمد بعيد، على بركة المستنقع أو في حلبة التزلج الخارجية في القرية. يتكلف التزلج هنا خمسة عشر سنتًا، وكانت الطريقة الوحيدة التي يستطيعان من خلالها تحمل تكلفة ذلك هي التنازل عن تناول الطعام الإضافي. لكن الطقس البارد كان يذْكي شهيتهما أكثر وأكثر.
سارا إلى حلبة التزلج في ليلة أحد عندما لم يكن أحد موجودًا، ومرة أخرى في ليلة اثنين بعد انتهاء فترة التزلج المسائية ولم يكن ثمة أحد يمنعهما من الدخول إلى هناك. دخلا واختلطا بالناس الذين كانوا يغادرون حلبة التزلج ويخلعون أحذية التزلج. دققا النظر جيدًا فيما حولهما قبل إطفاء الأنوار. في طريق عودتهما إلى المنزل، وفي حجرتهما، كانا يتحدثان بصوت خفيض. كان سام مستمتعًا وهو يضع خطة للدخول للحلبة مجانًا، لكنه لم يتصور نفسه هو وإدجار يفعلان ذلك حقيقةً. أخذ إدجار على محمل التسليم أنهما سينتقلان من التخطيط إلى التنفيذ.
قال سام: «لا نستطيع تنفيذ ذلك … جسدانا ليسا صغيرين بما يكفي.»
لم يرد إدجار، فاعتقد سام أن ذلك كان نهاية الأمر. لكن كان يجدر به أن يعرف أن تلك ليست نهاية الأمر.
حلبة التزلج في شارع أورانج، في ذاكرة سام، عبارة عن بناية متهالكة، مظلمة، طويلة. يظهر ضوء خافت، متحرك خلال الشقوق بين الألواح الخشبية. كان يأتي مصدر الموسيقى من تسجيلات جرامافون خشنة وحادة الصوت؛ يعتبر استماع المرء إليها مثل محاولة الاستماع إلى الموسيقى عبر حاجز مهتز من الأشجار الشائكة. «حكايات من غابات فيينا»، «الأرملة الطروب»، «فالس الذهب والفضة»، «الجمال النائم». يأتي الضوء المتحرك الذي يُرى عبر الشقوق من مصدر ضوء يُسمى «القمر». القمر، الذي يلمع من سقف حلبة التزلج، عبارة عن مصباح أصفر في علبة من صفيح كبيرة، علبة مشروب، قُطع أحد أطرافها. تُطفأ جميع الأضواء الأخرى عند إضاءة القمر. تسمح مجموعة من الأسلاك والحبال بجذب العلبة الصفيح في هذا الاتجاه أو ذاك؛ مما يخلق انطباعًا بوجود مصدر ضوء متحرك؛ حيث يجري إخفاء المصباح الأصفر القوي، مصدر الضوء، تمامًا.
كان بعض العمال المؤقتين هم الذين يتحكمون في القمر. كانوا صبية تتراوح أعمارهم بين العاشرة أو الحادية عشرة والخامسة عشرة أو السادسة عشرة. كانوا ينظفون الثلج ويجرفون الثلوج الزائدة خارج باب الثلج، الذي كان عبارة عن باب قلاب مركب بإحكام في مكان منخفض في الحائط، مغلق من الداخل. بالإضافة إلى الحبال التي كانت تتحكم في القمر، كانوا يتعاملون مع المصاريع التي كانت تغطي الفتحات في السقف؛ التي كانت تفتح من أجل دخول الهواء، وتغلق مع الهطول الشديد للثلوج. كان هؤلاء العمال يجمعون رسوم الدخول وكانوا في بعض الأحيان يخدعون الفتيات اللائي كن يخفن منهم ولا يعطونهن باقي نقودهن، لكنهم لم يكن بإمكانهم خداع بلينكر، الذي جعلهم يعتقدون أنه كان يعد جميع من يدخل للتزلج في الحلبة. كان بلينكر صاحب الحلبة، رجلًا شاحب الوجه، نحيفًا، غير ودود. كان يجلس هو وأصدقاؤه في غرفته، خلف حمام الرجال وغرفة تبديل الملابس. كان في الغرفة موقد خشبي، عليه إناء قهوة طويل، مسوَّد، مخروطي الشكل، وبعض المقاعد مستقيمة الظهر التي تنقصها بعض الروافد، وبعض المقاعد ذات الذراعين، القديمة، القذرة. كانت الألواح الخشبية في الأرضية، مثل جميع الأرضيات والمقاعد والألواح الجدارية في الحلبة، مشقوقة ومخدوشة جراء آثار أحذية التزلج الجديدة والقديمة ويسوِّدها الدخان والغبار. كانت الغرفة التي كان يجلس فيها مع أصحابه حارة ومليئة بالدخان ويقال إنهم كانوا يشربون خمرًا فيها، على الرغم من أنها كانت في الغالب مجرد قهوة في أقداح غير نظيفة مصنوعة من المينا. يُقال إن صبية دخلوا ذات مرة إلى الغرفة قبل وصول الرجال، وتبولوا في إناء القهوة. ويُقال أيضًا إن أحد أصدقاء بلينكر فعل ذلك عندما ذهب لجمع رسوم الدخول.
قد يكون العمال مشغولين أو واقفين دون عمل حول أجزاء الحلبة، يتسلقون سلالم الحوائط، ويسيرون بطول المقاعد، أو حتى يجرون بطول المنصة، التي لم يكن بها حاجز حماية، تحت فتحات السقف. في بعض الأحيان، كانوا يمرقون عبر هذه الفتحات إلى السقف، ويعودون بالطريقة ذاتها. بالطبع، كان البعض منهم يتزلج. كانوا يدخلون الحلبة مجانًا.
وهو ما فعله سام وإدجار وكالي. جاءوا للحلبة عندما كانت مفتوحة للناس وكانت ممتلئة وصاخبة. كانت توجد بعض أشجار الكرز بالقرب من أحد أركان المبنى، وكان الشخص خفيف الوزن جدًّا يستطيع تسلق إحدى هذه الأشجار والقفز على السقف. ثم على هذا الشخص الخفيف جدًّا الجريء الرشيق، أن يزحف بسرعة على السقف، ثم ينسل عبر إحدى الفتحات ويقفز إلى المنصة في الأسفل، مُخاطرًا بالسقوط على الثلج في الأسفل، أو بكسر بعض عظامه، أو حتى بالموت. لكن الصبية كانوا يخاطرون بعمل ذلك طوال الوقت. من المنصة، كان المرء يستطيع النزول عبر سلم حائط، ثم السير بطول المقاعد، والانسلال فوق حائط الممر المصنوع لإلقاء الثلج في الخارج. ثم لم يكن الأمر يعدو سوى الربوض في الظل، وترقُّب اللحظة المناسبة، وفتح باب الثلج، ودخول الاثنين اللذين كانا منتظرين في الخارج: سام وإدجار، اللذين لم يضيعا وقتًا في ارتداء حذاءيهما والتزلج على الجليد.
لماذا لم ينجح الآخرون في القيام بالأمر نفسه؟ ربما يُسأل سام عن ذلك في تلك المناسبات، بعدها بسنوات وسنوات، التي كان يقرر فيها أن يحكي هذه القصة، وكان يقول إن آخرين ربما فعلوا ذلك، لكنه لم يكن يَعرف عن هذا الأمر شيئًا. ربما كان بمقدور العمال بالطبع فتح الباب لأي عدد من أصدقائهم، لكنهم لم يكونوا يميلون إلى عمل ذلك؛ حيث إنهم كانوا يحافظون بشدة على ما يتمتعون به من امتيازات. وكان عدد قليل من المتزلجين في الليل صغيري الحجم بما يكفي وخفيفي الوزن وسريعي الحركة وشجعانًا بما يكفي بحيث يدخلون إلى الحلبة عبر السقف. ربما حاول الأطفال تجربة ذلك، لكنهم كانوا يتزلجون في أوقات ما بعد الظهيرة أيام السبت ولم تكن تتوفر لديهم ميزة الظلام. ولِم لَم يكن ممكنًا ملاحظة كالي؟ حسنًا، كانت سريعة جدًّا، ولم تكن قط غير منتبهة؛ كانت تنتظر الوقت المناسب. كانت ترتدي ملابس رثة، لا تتلاءم مع حجمها؛ بنطالًا، وسترة قصيرة، وقبعة صوفية مسطحة. كان ثمة صبية دومًا في المكان يرتدون ملابس رثة مهلهلة. وكانت البلدة كبيرة بما يكفي بحيث لم يكن من الممكن تحديد كل وجه على نحو دقيق فورًا. كانت توجد مدرستان حكوميتان، وأي صبي يذهب إلى إحداهما إذا رآها سيظن أنها تذهب إلى المدرسة الأخرى.
سألت زوجة سام ذات مرة: «كيف أقنعتماها؟» كالي؛ ما الذي جعل كالي تهتم بالأمر إلى هذا الحد، على الرغم من أنها لم تمتلك قط حذاء تزلج؟
قال سام: «كانت حياة كالي كلها عملًا … لذا كان أي شيء ليس عملًا، أمرًا مثيرًا بالنسبة إليها.» لكنه تساءل في نفسه: كيف «تمكنَّا» من إقناعها؟ لا بد أن ذلك كان بمنزلة تحدٍّ. كانت مصادقة كالي في البداية تشبه مصادقة كلب صغير غضوب، ومرتاب، ثم لاحقًا كان الأمر يشبه مصادقة الفتاة التي بداخلها التي كانت تجعلها تبدو وكأنها تبلغ اثني عشر عامًا. في البداية لم تكن لتتوقف عن العمل وتعيرهما انتباهها. أبديَا إعجابهما بالصورة الموجودة في أعمال التطريز التي كانت تقوم بها، والمكونة من تلال خضراء، وبركة زرقاء مستديرة، ومركب شراعي كبير، لكنها ضمتها إلى صدرها معتقدةً أنهما كانا يسخران منها. قال سام، قاصدًا الإطراء، لكنها استشاطت غضبًا: «هل تصنعين تلك الصور بنفسك؟»
قالت: «نرسل في طلبها … من سينسيناتي.»
كانا مصرين. لم؟ لأنها كانت تعمل عملًا شاقًّا، منفصلة دائمًا عما يجري حولها، غريبة الشكل، ضئيلة الحجم أكثر مما ينبغي، ومقارنةً بها كانا ينتميان إلى الاتجاه السائد في الحياة، كانا محظوظين. كان باستطاعتهما أن يكونا شريرَيْن أو عطوفَين معها حسب ما يريدان، وكانا يريدان أن يكونا عطوفَين. أيضًا، كان الأمر بمنزلة تحدٍّ. كانت الدعابات ومواقف التحدي هي التي جعلتها تستسلم. كانا يقدمان لها قطعًا صغيرة من الفحم ويغلفانها في أوراق شوكولاتة. كانت تضع أشواكًا جافة تحت ملاءات سريريهما. أخبرتهما أنها لم ترفض تحديًا قبل ذلك. كان هذا هو سر كالي؛ لا يوجد شيء لا يمكنها أن تفعله. لم تكن تشعر بالاضطهاد بسبب الأعمال الشاقة التي كانت مكلفة بها، فقد كانت تفخر بذلك. ذات ليلة، عندما كان سام يُجري بعض العمليات المحاسبية على مائدة غرفة الطعام، ألقت بكراسة مدرسية تحت أنفه.
«ما هذا يا كالي؟»
«لا أعرف!»
كان كراسة قصاصات، وكان ملصقًا بها بعض الأخبار المنشورة في الصحف عنها. كانت الصحيفة قد دعت الناس إلى المشاركة في بعض المسابقات. من يستطيع صنع أكبر عدد ممكن من العُرى في ثماني ساعات؟ من يستطيع تعليب أكبر كمية ممكنة من التوت الأحمر في يوم واحد؟ من يستطيع تطريز عدد مذهل من مفارش الأسرَّة، وأغطية ومفارش المائدة، والبُسط الطويلة؟ كالي، كالي، كالي، كالي كرناجان، مرة بعد أخرى. في تقديرها، لم تكن خادمة كادحة، وإنما شخصًا معجزة يشفق على حياة الآخرين التي تتسم بالكسل.
كان بإمكانهم الذهاب للتزلج فقط في ليالي الاثنين؛ حيث كانت الآنسة كرناجان تذهب للعب لعبة البنجو في ليجون هول. كانت كالي تترك ملابس الصبية التي كانت ترتديها في سقيفة الحطب. كان مصدر هذه الملابس حقيبة تحتوي على أشياء قديمة تتعلق بالسيدة كروز، التي كانت قد جلبتها معها من منزلها القديم، عازمةً على صنع ألحفة منها، لكنها لم تجد وقتًا لعمل ذلك قط. كانت الحقيبة مصدر كل الملابس، باستثناء القبعة التي كان يمتلكها آدم ديلاهانت، ووضعها ضمن رزمة من الأشياء وأعطاها لكالي لإعطائها لجمعية المبشرين، لكن الآنسة كرناجان أمرت كالي بأن تضعها في القبو، في صندوق.
كانت كالي تستطيع الانسلال من حلبة التزلج بمجرد انتهاء مهمتها؛ كان بإمكانها أن تخرج من المدخل الرئيسي ولم يكن أحد ليضايقها. لكنها لم تفعل ذلك. تسلقت فوق قمة المقاعد، سارت عليها مختبرةً مدى اهتزاز الألواح تحتها، تسلقت جزءًا من أحد السلالم، وتأرجحت على يد واحدة، وقدم واحدة، متعلقةً فوق الفاصل وهي تشاهد المتزلجين. لم يتوقف إدجار وسام عن التزلج حتى انطفأ القمر وتوقفت الموسيقى وأضاءت الأنوار الأخرى. في بعض الأحيان كان يسابق أحدهما الآخر، مندفعين جيئةً وذهابًا بين أزواج يتزلجون في ثبات وصفوف من الفتيات اللائي كن يحاولن الاتزان. في بعض الأحيان، كانا يستعرضان مهاراتهما، متزلجين على الثلج مع بسط ذراعيهما. (كان إدجار أكثر موهبةً في التزلج، على الرغم من أنه لم يكن عداءً قويًّا؛ كان يستطيع أداء التزلج الاستعراضي، لو كان الصبية يقومون به وقتها.) لم يتزلجا مع الفتيات قط، ولم يرجع ذلك إلى أنهما كانا يتهيبان أن يطلبا ذلك منهن قدر ما كانا لا يرغبان في أن يتزلجا وفق هوى أحد. انتظرتهما كالي في الخارج عندما انتهى التزلج، وساروا إلى المنزل معًا، ثلاثة صبية. لم تتظاهر كالي بأي شيء لتظهر أنها صبي، بأن تطلق صافرة أو تقذف كرات ثلج. كانت تسير بسرعة واندفاع مثلما يسير الصبية، متأملة لكن مستقلة، مستعدة لجميع الاحتمالات؛ عراك أو مغامرة. كان شعرها الأسود الخشن، الكثيف مكوَّمًا تحت القبعة، وقد جعلت حجمه متناسبًا مع حجم رأسها. دون الشعر حوله، بدا وجهها أقل شحوبًا وتجهمًا؛ تلك النظرة المزدرية، الساخرة، الشرسة التي كانت ترتسم على وجهها في بعض الأحيان قد ذهبت وبدت أكثر وقارًا ومعتزة بنفسها. كانا يناديانها كال.
دخلوا إلى المنزل من الجانب الخلفي. صعد الصبيان إلى أعلى وبدلت كالي ملابسها في سقيفة الحطب التي كان يغطيها الثلج. كان أمامها ما لا يزيد عن عشر دقائق لتحضير وجبة المساء ووضعها على المائدة.
•••
عندما كان سام وإدجار يرقدان في الفراش في الظلام في ليالي الاثنين بعد التزلج، كانا يتحدثان أكثر من المعتاد. كان إدجار يميل إلى التحدث عن كريسي يونج، صديقته في العام الماضي، في موطنه. كان إدجار يزعم أن لديه خبرات جنسية. قال إنه ضاجع كريسي الشتاء الماضي، عندما تزلجا بزلاجة بعد حلول الظلام واصطدما بكومة ثلج. لم يكن سام يعتقد أن ذلك ممكنًا، نظرًا للبرد الشديد، وملابسهما، والوقت القصير الذي قضياه قبل أن يلحق بهما المتزلجون الآخرون. لكنه لم يكن متأكدًا، وأثناء الاستماع إلى ذلك، شعر بالضيق وربما بالغيرة. ذكر فتيات أخريات، فتيات كن في حلبة التزلج ترتدين تنورات قصيرة متسعة وسترات صغيرة يزين حوافها الفرو. قارن سام وإدجار بين ما رآه كلٌّ منهما عندما كانت تلك الفتيات تدرن أو كانت إحداهن تسقط على الثلج. سأل سام إدجار عما يمكن أن يفعله بشيرلي أو دوريس، ثم انتقل سريعًا، في روح يمتزج فيها خليط غريب من التهكم والإثارة، إلى سؤاله عما يمكن أن يفعله مع فتيات ونساء الأخريات، وهو أمر أقل احتمالًا أكثر فأكثر، إذا وقعن في موقف لا يستطعن الفكاك منه. الأستاذة في كلية التجارة، الآنسة لويسون التي كانت تشبه الرجال، والتي كانت تدِّرس المحاسبة، والآنسة باركينسون سريعة الانفعال، التي كانت تدرس الكتابة على الآلة الكاتبة. المرأة البدينة في مكتب البريد، الشقراء النحيفة جدًّا في مكتب طلب البضائع بالبريد التابع لمتجر إيتونز. ربات البيوت اللائي كنَّ يتباهين بمؤخراتهن في الفناء الخلفي لمنازلهن، وهن ينحنين فوق سلال الغسيل. كانت الطبيعة الغريبة لبعض الاختيارات تثيرهما أكثر من بهاء وجمال الفتيات اللائي كن محل إعجابهما. بالنسبة لأليس بيل، فقد تخيلا أنهما تعاملا معها بلا مبالاة؛ إذ ربطاها في فراشها واغتصباها بالقوة وهما في طريقهما لتناول العشاء. تخيلا الآنسة فيرن ممددة أمام الجميع على السلالم، بعد أن ضُبطت تحاول إثارة نفسها عن طريق لف ساقيها حول قائم الدرابزين في أسفل السلالم. استبعدا السيدة كروز؛ كانت توجد بعض الحدود لتخيلاتهما، على أي حال. ماذا عن السيدة كرناجان، التي كانت تعاني من الروماتيزم، والتي كانت ترتدي طبقات من الملابس الرثة، وتضع على فمها أحمر شفاه كثيفًا وغريبًا؟ كانا قد سمعا قصصًا حولها، الجميع سمع هذا. كان يُشاع أن كالي ابنة بائع أناجيل كان أحد المقيمين في النُّزل. كانا يتخيلان هذا الشخص وهو يقوم بفعلته بدلًا منهما، وهو يضاجع الآنسة كرناجان العجوز. مرة بعد الأخرى، كان هذا الرجل يضيِّق الخناق عليها، ويمزق سروالها التحتي القديم، يطفئ ظمأ فمها المتعطِّش، يدفعها إلى إصدار أصوات أنين وتأوه تشي بأقصى درجات الحاجة والإشباع.
قال إدجار: «كالي أيضًا.»
ماذا عن كالي؟ توقفت متعة اللعبة بالنسبة لسام عندما ذُكر اسمها. كانت حقيقة أنها، أيضًا، أنثى محرجة بالنسبة له. قد يظن المرء أنه اكتشف شيئًا مقززًا ومثيرًا للشفقة عن نفسه.
لم يكن إدجار يعني أنهما يجب أن يتخيلا فقط ماذا يمكن أن يُفعل في كالي.
«يمكننا أن نجعلها تقوم بذلك. أراهن أننا نستطيع أن نفعل ذلك.»
قال سام: «هي صغيرة جدًّا.»
«لا، هي ليست كذلك.»
يتذكر سام محاولة الإغواء تلك، وهي محاولة تحققت من خلال عدد من التحديات، وهو ما جعله يعتقد أن مغامرة حلبة التزلج من المفترض أنها تمت على النحو نفسه. في صباح يوم سبت عندما كان الشتاء على وشك الانتهاء، عندما كانت تصدر عربات الجليد، التي كان يقودها المزارعون فوق الثلج الكثيف، صوت صرير على رقع من الأرض العارية عند مرورهم بنُزل كرناجان، صعدت كالي سلالم السقيفة حاملةً ممسحة مبتلة، ودلوًا ممتلئًا بالمياه لحك وتنظيف الأرضية، وخرقًا قديمة لنفض التراب. ركلت البساط المنسوج إلى أسفل السلالم بحيث تستطيع نفضه خارج الباب. نزعت الملاءات المصنوعة من الفلانيلة، ذات الرائحة الحميمة، الدافئة. لا يدخل الهواء النقي إلى نُزل كرناجان. خارج النوافذ توجد نوافذ مضادة للعواصف. هذا هو وقت ومكان إغواء كالي.
هذه ليست الكلمة المناسبة للإشارة إلى الأمر. في البداية كانت كالي غاضبة وضيقة الصدر، تحاول مواصلة عملها، ثم صارت متجهمة، ثم طيِّعة على نحو غريب. كان استفزازها مع شعورها بالذعر أسلوبًا فعَّالًا بالتأكيد. لا بد أنهما كانا يعرفان، آنذاك، عمرها الحقيقي، لكنهما كانا لا يزالان يعاملانها كما لو كانت شيطانًا صغيرًا يسهل إغواؤه؛ لم يفكرا في ملامستها أو التملق إليها كفتاة.
حتى مع تعاونها، لم يكن الأمر سهلًا مثلما تخيلا. صار سام مقتنعًا بأن قصة كريسي لم تكن إلا كذبة، على الرغم من أن إدجار ذكر اسم كريسي في تلك اللحظة.
قال إدجار: «تعالي … سأريك ما أفعله مع صديقتي. هذا ما أفعله مع كريسي.»
قالت كالي في حدة: «أراهن على ذلك.» لكنها سمحت له بأن ينام فوقها على المرتبة الضيقة. كان الرباط المطاطي لسروالها التحتي الشتوي قد ترك آثارًا حمراء حول رجليها ووسطها. كانت ترتدي سترة مصنوعة من الفلانيلة، مزررة فوق القميص التحتي، وجوربها المضلع البني، تحمله إلى أعلى حمالات عريضة طويلة. لم تخلع شيئًا إلا السروال التحتي. قال إدجار إن الحمالات كانت تؤلمه وبدأ يفكها، لكن كالي صرخت قائلةً: «لا تقترب من تلك الحمالات!» كما لو كانت الحمالات هي ما يجب أن تحميه.
ثمة شيء مهم جدًّا مفقود في ذاكرة سام حول هذا الصباح؛ الدماء. ليس لديه أي شك في عذرية كالي، متذكرًا محاولات إدجار المستميتة، ثم محاولاته هو، اللكزات والنخسات والحيرة. كانت كالي ترقد تحتهما الواحد تلو الآخر، نصف رافضة، ونصف راغبة، محتملةً إياهما، لا تشتكي من وجود أي نزف. لن تفعل هذا أبدًا. لكن لن تفعل أي شيء، على وجه الخصوص، للمساعدة.
قال إدجار في صوت جاد: «افتحي رجليكِ.»
«هما مفتوحتان بالفعل.»
ربما يرجع السبب في عدم تذكره للدماء إلى عدم وجود أي دماء. لم يصلا إلى هذه المرحلة. كانت كالي شديدة النحافة، لدرجة أن عظام حوضها كانت بارزة، لكن كالي بدت لسام عريضة، وعويصة، ومعقدة تمامًا. باردة ولزجة حيث بللها إدجار، وجافة في المناطق الأخرى، وبها مناطق ناتئة وأخرى متدلية وأخرى مسدودة على نحو غير متوقع؛ بدا ملمس جلدها كملمس الجلد المدبوغ. عندما تذكَّر ذلك لاحقًا، لم يكن متأكدًا بعد أنه قد عرف طبيعة مضاجعة الفتيات. كان الأمر كما لو كانا قد لهوا مع دمية أو جرو متذمر. عندما نهض من فوقها، رأى أن ما بدا له من جلدها قد اقشعر، وقد بدا الشعر فيه وكأنه ميت. أيضًا، لاحظا أن منيَّهما أغرق إحدى فردتي جوربها. مسحت كالي نفسها باستخدام إحدى خرق نفض التراب — بافتراض أنها خرقة نظيفة — وقالت إن الأمر يذكرها بتنظيف مخاط الأنف في منديل.
قال سام: «أنت لست غاضبة، أليس كذلك؟» قاصدًا بعبارته هذه ذلك المعنى جزئيًّا، وجزئيًّا يعني: أنت لست غاضبة بحيث تخبري أحدًا؟ «هل آلمناك؟»
قالت كالي: «أستطيع تحمل ما هو أشد إيلامًا من هذا الشيء الغبي.»
لم يعد أحد يذهب للتزلج بعد ذلك. صار الطقس لطيفًا جدًّا.
•••
اشتد مرض الروماتيزم على الآنسة كرناجان. ازداد العمل الملقى على عاتق كالي. أصيب إدجار بالتهاب في اللوزتين ومكث فترة في المنزل ولم يذهب إلى الكلية. أدرك سام، الذي صار يذهب بمفرده إلى الكلية، كيف صار يستمتع بالدراسة في الكلية. كان يحب صوت الآلات الكاتبة؛ وقرع الأجراس، وصوت العربات. كان يحب تخطيط صفحات دفاتر الحسابات بقلم من نوع خاص، واضعًا الخطوط السميكة والعادية المطلوبة. كان يحب على نحو خاص التوصل إلى النسب والجمع السريع لأعمدة من الأرقام، وحل مسائل السيد س والسيد ب، كان يمتلك الأول مخزن أخشاب والثاني سلسلة من متاجر بيع الأدوات المعدنية.
لم يذهب إدجار إلى الكلية قرابة ثلاثة أسابيع. عندما عاد، كان قد تخلَّف في كل شيء. كانت كتابته على الآلة الكاتبة أبطأ، وأكثر أخطاءً عما كانت عليه وقت الكريسماس، كان يلطِّخ المسطرة بالحبر، ولم يكن يفهم جيدًا جداول أسعار الفائدة. بدا فاتر الهمة يائسًا، يحدِّق باستمرار خارج النافذة. لانت له قلوب الأستاذات بسبب مظهره — صار لونه فاتحًا وأكثر شحوبًا منذ مرضه، حتى شعره ازداد شقرة — ولم يحاسبه أحد على تراخيه وعدم كفاءته لبعض الوقت. بذل بعض الجهد لتحسين الوضع، وذلك بتأدية فروضه من آن لآخر مع سام، أو كان يذهب إلى غرفة الكتابة في وقت الظهيرة للتدرب. لكن لم يدم أي تحسن، أو حتى كان كافيًا. فقد أخذ إجازات عديدة.
بينما كان مريضًا، تلقى إدجار بطاقة بريدية يدعو له من أرسلها بالشفاء. كان عليها تنين أخضر يرتدي بيجامة مخططة ممددًا في الفراش. في الجانب الأمامي من البطاقة، كانت الكلمات الآتية مكتوبة: «آسفة لسماعي أنك مريض»، وفي الجزء الخلفي للبطاقة كان مكتوبًا الآتي: «آمل أن تتعافى سريعًا.» أسفل البطاقة، كان مكتوبًا بالقلم الرصاص، كريسي.
لكن كانت كريسي في ستراتفورد، تتلقى تدريبًا حتى تصبح ممرضة. كيف كان لها أن تعرف أن إدجار كان مريضًا؟ جاء الخطاب، عليه اسم إدجار، عبر البريد وعليه ختم بريدي محلي.
قال إدجار: «أنت من أرسله … أعرف أنها ليست كريسي.»
قال سام بصدق: «لم أفعل ذلك.»
«أنت من أرسله.» كان صوت إدجار أجش وكان محمومًا وتغمره خيبة أمل شديدة. «أنت حتى لم تكتبه بالقلم الحبر.»
•••
«كم لدينا من المال في البنك؟» أراد إدجار أن يعرف. حدث هذا في أوائل شهر مايو. كان لديهما ما يكفي لدفع مقابل إقامتهما في النُّزل حتى نهاية الفصل الدراسي.
لم يكن إدجار قد ذهب إلى الكلية لعدة أيام. كان قد ذهب إلى محطة السكك الحديدية، وسأل عن سعر تذكرة ذهاب فقط إلى تورونتو. قال إنه كان ينوي الذهاب وحده إذا لم يكن سام سيذهب معه. كان يرغب بشدة في الرحيل. لم يأخذ سام وقتًا طويلًا حتى يعرف السبب.
«أخشى أن تكون كالي حبلى.»
قال سام: «سنها ليست كبيرة بما يكفي.» ثم تذكَّر أنها كانت كذلك. لكنه أشار لإدجار أنه كان متأكدًا أنهما لم يقيما معها علاقة كاملة.
قال إدجار في صوت عابس: «أنا لا أتحدث عن تلك المرة.»
كانت هذه هي المرة الأولى التي عرف فيها سام شيئًا عما كان يحدث عندما لم يكن إدجار يذهب إلى الكلية. لكن سام أساء الفهم مرة أخرى. ظن أن كالي كانت قد أخبرت إدجار أنها في ورطة. لم تقم بذلك. لم تخبره بأيٍّ من ذلك أو تطلب منه شيئًا أو تهدده بأي شيء. لكن إدجار كان خائفًا. جعله ذعره متوترًا بشدة. اشتريا لفافة من الكعك المحلى من متجر البقالة وجلسا على السور الحجري أمام الكنيسة الأنجليكانية يأكلانها. قضم إدجار قضمة واحدة وأمسك بالكعكة في يده.
قال سام إنه لم يتبقَّ لهما إلا خمسة أسابيع في الكلية.
قال إدجار: «لن أعود إلى الكلية على أي حال. تخلَّفت أكثر مما ينبغي.»
لم يقل سام إنه كان قد تصور نفسه لاحقًا يعمل في بنك، باعتباره خريج كلية تجارة. تصور نفسه يرتدي بذلة من ثلاث قطع في مقصورة الصرَّافين. سيربي شاربًا آنذاك. صار بعض الصرافين مديري بنوك. كان قد خطر بباله مؤخرًا أن مديري البنوك لم يولدوا مديري بنوك. كانوا شيئًا آخر في البداية.
سأل إدجار عن نوع الوظائف التي يمكن أن يشغلاها في تورونتو.
قال إدجار: «نستطيع أن نقدم بعض العروض … نستطيع أن نؤدي بعض العروض على الأرصفة.»
أدرك سام الآن ما هو مقبل عليه. لم يكن إدجار يمزح. جلس حيث كان ممسكًا بالكعكة التي قُضمت منها قضمة واحدة واقترح هذه الطريقة لكسب العيش في تورونتو. أداء العروض على الأرصفة.
ماذا عن والديهما؟ لم يفضِ هذا التفكير إلا إلى خطط مجنونة أكثر.
«يمكن أن تخبرهما أنني اختُطفت.»
قال سام: «ماذا عن الشرطة؟ … تبحث الشرطة عن أي شخص مختطف. وسيجدونك.»
قال إدجار: «إذن لا تخبرهم أنني اختطفت … أخبرهم أنني رأيت جريمة قتل وأنني اضطررت إلى الاختباء. أخبرهم أنني رأيت جثة في جوال دُفع به من فوق جسر سيدار بوش ورأيتُ الرجال الذين اقترفوا ذلك ثم لاحقًا قابلتهم في الشارع وتعرفوا عليَّ. أخبرهم بذلك. أخبرهم ألا يذهبا إلى الشرطة وألا يقولا أي شيء عن الأمر؛ لأن حياتي معرضة للخطر.»
قال سام في بلاهة: «كيف عرفت أنه يوجد جثة في الجوال؟ … توقف عن الحديث عن هذا. عليَّ أن أفكر جيدًا في الأمر.»
على الرغم من ذلك، لم يفعل إدجار في طريق العودة إلى نُزل كرناجان سوى الحديث، مضيفًا المزيد من التفاصيل إلى هذه القصة أو إلى قصة أخرى، وهي قصة تضمنت تجنيده من قبل الحكومة للعمل كجاسوس، بعد صباغة شعره باللون الأسود وتغيير اسمه.
وصلا إلى النُّزل في اللحظة ذاتها التي كانت أليس بيل وخطيبها، رجل الشرطة، خارجين من الباب الأمامي.
قال إدجار: «لنستدر وندخل من الباب الخلفي.»
كان باب المطبخ مفتوحًا على مصراعيه. كانت كالي تنظف أنابيب الموقد. وضعتها جميعها في مكانها مرة أخرى، وكانت تنظف الموقد. كانت تلمِّع الجزء الأسود منه بالورق الشمعي والحواف باستخدام خرقة نظيفة. كان منظر الموقد رائعًا، مثل طقم رخام أسود مزدان بالفضة، أما كالي نفسها فكانت متسخة من قمة رأسها إلى أخمص قدميها. جفناها أيضًا كانا متسخين. كانت تدندن بأغنية «حبيبتي نيللي جراي»، كانت تغنيها بسرعة كبيرة، حتى تساعدها في التلميع:
جلست الآنسة كرناجان إلى المائدة، تحتسي قدحًا من الماء الساخن. بالإضافة إلى الروماتيزم، كانت تزعجها مشكلة عسر الهضم. كانت مفاصلها تصدر صريرًا، وكانت تصدر أصوات دمدمة، وتأوه، بل وحتى صافرات، من جوف أحشائها. لم يظهر ذلك على وجهها على الإطلاق.
قالت: «أيها الصبيان … ماذا كنتما تفعلان؟»
قال إدجار: «كنا نسير.»
«لم تعودا تؤديا عروضكما.»
قال سام: «الأرض مبللة جدًّا بسبب المطر.»
قالت الآنسة كرناجان: «اجلسا.»
كان باستطاعة سام سماع نفس إدجار اللاهث. كان يشعر بثقل في معدته، كما لو كان كل الجهد الذي جرى لهضم كمية الكعك المحلى — كان قد أكلها جميعًا باستثناء واحدة — قد توقَّف. هل يمكن أن تكون كالي قد أخبرتها بالأمر؟ لم تكن الآنسة كرناجان تنظر إليهما.
قالت الآنسة كرناجان: «لم أخبركما أيها الصبيَّان كيف وُلدت كالي.» ثم بدأت على الفور في إخبارهما.
«حدث ذلك في فندق كوينز في ستراتفورد. كنت أمكث هناك مع صديقتي لوي جرين. كنا أنا ولوي جرين ندير متجرًا للقبعات النسائية. كنا في طريقنا إلى تورونتو للحصول على إكسسوارات الربيع الخاصة بالقبعات. لكن كنا في الشتاء. في حقيقة الأمر، كانت عاصفة ثلجية تهب. كنا الوحيدتين الموجودتين لتناول العشاء. بينما كنا خارجتين من غرفة الطعام بعد ذلك، انفتح باب الفندق على مصراعيه ودخل ثلاثة أشخاص. كان هؤلاء هم السائق الذي كان يعمل لدى الفندق، والذي كان يذهب لملاقاة الزائرين القادمين على متن القطارات، وامرأة، ورجل. كان الرجل والسائق يمسكان بالمرأة ويسندانها. كانت تئن وتصرخ، وكانت منتفخة للغاية. وضعوها على الأريكة، لكنها انزلقت منها إلى الأرض. لم تكن إلا فتاة، في الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة. اندفع الطفل من بطنها مباشرةً على الأرض. جلس الرجل على الأريكة ووضع رأسه بين رجليه. كنت مَن هرع واستدعى مدير الفندق وزوجته. جاءا مسرعين، وكلبهما يسبقهما، وهو ينبح. كانت لوي تُمسك بالدرابزين تخشى أن يغمى عليها. كل شيء يحدث في نفس اللحظة.
كان السائق كنديًّا من أصل فرنسي، لذا على الأرجح كان قد رأى طفلًا وهو يولد من قبل. قضم الحبل السري بأسنانه ثم قام بربطه بخيط قذر أخرجه من جيبه. أمسك ببساط صغير ووضعه بين رجليها. كانت الدماء تنزف منها بلون داكن مثل نبات سم الذباب؛ كانت تنتشر على الأرض. صرخ طالبًا من أحد أن يأتي ببعض الثلج، أما الزوج، أو أيًّا من كان، فلم يرفع رأسه على الإطلاق. كانت لوي هي من عَدَتْ خارجة وعادت بثلج ملء كفيها، وعندما رأى السائق الكمية الصغيرة التي أتت بها سبَّها ورمى الثلج على الأرض. ثم ركل الكلب؛ لأنه اقترب أكثر من اللازم. ركله ركلة قوية أطاحت به عبر الغرفة، وصرخت زوجة مدير الفندق معتقدةً أن الكلب قد مات. تناولتُ الطفل ولففته في سترتي. تلك كانت كالي. يا لها من مخلوق ضعيف. لم يمت الكلب. كانت البُسط كلها غارقة في الدماء، وكان الرجل الفرنسي يسب سبابًا عنيفًا. ماتت المرأة، لكنها كانت لا تزال تنزف.
كانت لوي هي من أرادت أن نصطحبها معنا. قال الزوج إنه سيكون على اتصال بنا لكنه لم يفعل قط. اضطررنا إلى شراء زجاجة إرضاع، وغلي بعض اللبن، وشراب الذرة، وأن نصنع لها فراشًا في درج. أعربت لوي عن حبها الشديد للرضيعة، لكن خلال عام تزوجت لوي وذهبت لتعيش في ريجينا ولم تعد قط. هذا كان هو الحب الذي كانت تعرب عنه.»
ظن سام أن هذا كله في الغالب لم يكن إلا اختلاقًا. على الرغم من ذلك، تأثر بشدة بما سمعه. لماذا تخبرهما بذلك الآن؟ لا يهم إذا كان ما تقوله صحيحًا أم كذبًا، أو ما إذا كان قد ركل أحد الأشخاص كلبًا أو نزف دمًا حتى الموت. ما كان يهم هو نبرة التأكيد القوية التي سردت من خلالها الآنسة كرناجان هذا، قصدها الخفي وغير الودي بالتأكيد، وشراستها العشوائية.
لم تتوقف كالي عن العمل لسماع كلمة واحدة من القصة. كانت قد خفضت صوتها لكنها لم تتوقف عن الغناء بالكامل. كان المطبخ يمتلئ بالضوء في مساء الربيع، وكانت تفوح منه رائحة الصابون ومساحيق التنظيف النفَّاذة التي كانت كالي تستخدمها. كان سام يشعر في بعض الأحيان أنه واقع في ورطة، لكنه كان يعرف دومًا طبيعة الورطة تمامًا وماذا ستكون العقوبة، وكان يستطيع التفكير في طريقة للخروج منها. صار الآن يشعر أن ثمة ورطةً لا يستطيع معرفة مداها ولا يستطيع أن يدرك عقوبتها. لم تكن سوء نية الآنسة كرناجان هي ما كانا يخشيانه. ماذا إذن؟ هل كان إدجار يعرف؟ كان إدجار يشعر بأن ثمة شيئًا يجري التحضير له؛ مفاجأة مباغتة. كان يعتقد أن الأمر يتعلق بكالي وبرضيع وبما فعلاه. كان سام يشعر بتداعيات أكبر. لكن كان عليه أن يرى أن حدس إدجار كان صائبًا.
•••
في صباح السبت، سارا عبر الشوارع الخلفية إلى المحطة. كانا قد تركا المنزل عندما ذهبت كالي لشراء مستلزمات الفندق في نهاية الأسبوع، جارَّةً عربة أطفال خلفها لوضع البقالة فيها. كانا قد سحبا أموالهما من البنك، وتركا ورقة عند باب المكان الذي ينامان فيه كانت ستسقط عند فتح الباب، مكتوبًا عليها: «رحلنا. سام وإدجار.»
كانت كلمة «رحلنا» قد كتبها سام في اليوم السابق في الكلية، وإن كانا قد وقعا على الورقة بخط يديهما. كان سام قد فكَّر في إضافة «مصاريف الإقامة مدفوعة حتى يوم الاثنين» أو «سنكتب إلى أبوينا». لكن بالتأكيد كانت الآنسة كرناجان ستعرف أن مصاريف إقامتهما مدفوعة حتى يوم الاثنين وقولهما إنهما سيكتبان إلى أبويهما سيكون بمنزلة إشارة إلى أنهما لن يعودا إلى موطنهما. بدت كلمة «رحلنا» حمقاء، لكنه كان يخشى أنهما إذا لم يتركا أي رسالة فسيثار الذعر وستبدأ ربما عملية بحث عنهما.
تركا الكتب الثقيلة، البالية التي كانا ينويان بيعها في نهاية الفصل الدراسي — «ممارسة مهنة المحاسبة»، «العمليات الرياضية الخاصة بالأعمال» — ووضعا كل ما يستطيعان وضعه من ملابس في كيسين ورقيين بنيين.
كان الصباح جميلًا وخرج الكثيرون من منازلهم. احتل الأطفال الأرصفة لتبادل قذف الكرة، ولعبة الحجلة، ونط الحبال. كان عليهما أن يجدا أي طريقة لتبرير حملهما للأكياس الورقية المكدسة بالأشياء.
«ماذا لديكما في تلك الأكياس؟»
قال إدجار: «قطط ميتة.» ثم أمال الكيس نحو رأس الفتاة.
لكنها كانت متماسكة. «ماذا ستفعلان بها؟»
قال إدجار في صوت مُهدد: «سنبيعهما إلى الرجل الصيني لعمل طبق لحم قطط بالخضراوات.»
ثم سارا في طريقهما وسمعا الفتاة تدندن خلفهما: «لحم قطط بالخضراوات! لحم قطط بالخضراوات! تناولاه وستجدانه مقززًا!» قرب المحطة، تقلصت أعداد هذه المجموعات من الأطفال، ثم اختفت. لا يتسكع الآن إلا صبية في الثانية عشرة أو الثالثة عشرة — بعض الصبية الذين كانوا يتسكعون حول حلبة التزلج — قرب المنصة، يلتقطون أعقاب السجائر، محاولين إشعالها. كانوا يقلِّدون غطرسة البالغين، ولم يكن لأحد منهم أن يطرح أي أسئلة.
قال ناظر المحطة: «جئتما مبكرًا أيها الصبيان عن وقت انطلاق القطار.» لن ينطلق القطار إلا في الساعة الثانية عشرة والنصف، لكنهما كانا قد وقَّتا موعد رحيلهما وفق وقت ذهاب كالي للتسوق. «هل تعرفان إلى أين أنتما ذاهبان في المدينة؟ هل سينتظركما أحد هناك؟»
لم يكن سام مستعدًّا لهذا السؤال، لكن إدجار أجاب: «أختي.»
لم يكن لديه أخت.
«هل تعيش أختك هناك؟ هل ستقيمان في منزلها؟»
قال إدجار: «في منزلها هي وزوجها … هي متزوجة.»
توقع سام ما سيأتي بعد ذلك من أسئلة.
«في أي أنحاء تورونتو يعيشان؟»
كان إدجار منطقيًّا. قال: «في الجزء الشمالي … أليس لكل مدينة جزء شمالي؟» بدا ناظر المحطة شبه راضٍ عن الإجابة. قال لهما: «احرصا على مالكما.»
جلسا على المقعد المواجه للسياج الموجود على الجانب الآخر من القضبان، ممسكين بتذكرتيهما وكيسيهما البنيين. كان سام يعد في رأسه مقدار المال الذي عليهما الحرص عليه. كان قد ذهب إلى تورونتو مرة مع أبيه عندما كان يبلغ عشرة أعوام. تذكَّر تعرضهما لحالة من الارتباك عند ركوبهما للترام. حاولا الركوب من الباب الخطأ، أو النزول من الباب الخطأ. صرخ الناس فيهما. تمتم أبوه قائلًا إنهم ليسوا إلا مجموعة من الحمقى. شعر سام أن عليه الاستعداد لمواجهة كبيرة، ومحاولة توقع تداعيات ما هم مقبلون عليه بحيث لا تفاجئه. ثم جالت فكرة بخاطره كانت بمنزلة هدية من السماء. لم يعرف من أين جاءت تلك الفكرة. جمعية الشبان المسيحيين. يمكن أن يذهبا إلى جمعية الشبان المسيحيين ويمكثا هناك تلك الليلة. سيكون الوقت متأخرًا فيما بعد الظهيرة عندما سيذهبان إلى هناك. سيتناولان شيئًا أولًا، ثم سيسألان عن الطريق إلى تلك الجمعية. وربما يسيران إليها.
أخبر إدجار عما سيفعلانه. «ثم غدًا سنتجول في الأنحاء، ونتعرف على الشوارع، ونعثر على أرخص مكان يمكن أن نتناول الطعام فيه.»
كان يعلم أن إدجار سيقبل بأي خطة في تلك اللحظة. لم يكن إدجار يعرف أي شيء عن تورونتو بعد، على الرغم من هذا الاختلاق السريع لقصة وجود أخت وزوج أخت له. كان إدجار جالسًا هنا على المقعد في المحطة، وفكره مشغول بفكرة قدوم القطار وصعدوهما على متنه. دوي صوت الصافرة، الرحيل؛ الهروب. الهروب مثل انفجار، يحررهما. لم يتخيل نفسه هو وسام وهما يخرجان من القطار، حاملين كيسيهما الورقيين، في مكان جديد صاخب، مزدحم، مثير للأعصاب، غريب تمامًا. كان سام أفضل حالًا خاصةً بعد أن صارت لديه خطة مبدئية. إذا كانت قد خطرت له فكرة من السماء، فلم لا تخطر له فكرة أخرى؟
بعد برهة، بدأ الأشخاص الآخرون في التجمُّع، انتظارًا للقطار. سيدتان متأنقتان ذاهبتان للتسوُّق في ستراتفورد. كانت قبعاتهما القشية المزخرفة تشير إلى أن الصيف قد اقترب. رجل شيخ يرتدي بذلة سوداء لامعة حاملًا صندوقًا من الكرتون المقوى ملفوفًا بحبل. كان الصبية الذين كانوا يتجولون هنا وهناك ولم يذهبوا إلى أي مكان يستعدون لوصول القطار؛ جالسين جميعًا معًا في نهاية الرصيف، مدلدلين أرجلهم. كان يوجد كلبان يجوبان رصيف القطار على نحو شبه رسمي، يتشممان حقيبة سفر وبعض الطرود، ينظران إلى عربة الأمتعة، بل كانا ينظران إلى أسفل في اتجاه القضبان كما لو كانا يعرفان مثل الجميع من أي اتجاه سيأتي القطار.
بمجرد سماعهما الصافرة تنطلق عند الطرق المتقاطعة غرب البلدة، نهض سام وإدجار ووقفا على حافة الرصيف. عندما وصل القطار، بدت إشارة طيبة جدًّا أنهما كانا قد اختارا الوقوف في الموضع نفسه الذي نزل فيه المحصل، حاملًا معه سلمًا صغيرًا. وبعد أن قضى وقتًا طويلًا في مساعدة امرأة، معها طفل رضيع وحقيبة سفر وطفلان، على ركوب القطار؛ استطاعا هما الركوب. سبقا السيدتين اللتين كانتا ترتديان القبعات الصيفية، والرجل الذي كان يحمل صندوقًا، وكل من كان واقفًا على الرصيف. لم ينظرا خلفهما البتة. سارا إلى نهاية عربة القطار شبه الخالية واختارا أن يجلسا حيث يكونان متقابلين، على جانب القطار الذي كان يطل على السياج الخشبي، لا على الرصيف؛ السياج الخشبي نفسه الذي كانا يحملقان فيه لأكثر من ثلاثة أرباع ساعة. كان عليهما أن يجلسا في مكانهما دقيقتين أو ثلاث دقائق بينما كانت هناك الجلبة المعتادة خارج القطار، النداءات التي توحي بالأهمية، وصوت المحصل وهو يقول: «اصعدوا!» على نحو حوَّل الكلمة من صوت إنساني إلى صوت قطار. ثم بدأ القطار في الحركة. كانا يتحركان. كانت ذراع كلٍّ منهما ما زالت تحيط بكيس بني بينما تمسك اليد الأخرى بالتذكرة. كانا يتحركان. شاهدا ألواح السياج مما يدل على حركة القطار. اختفى السياج بالكامل عن أنظارهما، وكانا يمران عبر ضواحي البلدة الآخذة في التضاؤل في الحجم؛ الأفنية الخلفية، السقائف الخلفية، الشرفات الخارجية الخلفية، أشجار التفاح الآخذة في الإزهار. زهور الليلك التي فرقتها القضبان، وأخذت تتحرك في جنون.
بينما كانا ينظران من النافذة، وقبل أن تغيب البلدة تمامًا عن الأنظار، جلس صبي على المقعد الموجود على الجانب الآخر من الممر الفاصل بين المقاعد. كان سام يرى أنه أحد هؤلاء الصبية الذين كانوا يتسكعون على الرصيف الذي انسل إلى القطار، أو تحايل على نحو ما للركوب دون دفع الأجرة، ربما للذهاب إلى ملتقى الطرق. دون أن يدقق فيه، أخذ فكرة عامة عن مظهر الصبي، الذي كان يرتدي ملابس رثة وغير مهندمة جدًّا بحيث لا يمكن أن يكون ذاهبًا في رحلة سفر حقيقية. ثم نظر إليه، ورأى أن الصبي كان يحمل تذكرة، مثلما كانا يحملان.
في ليالي الشتاء عندما كانوا يسيرون إلى حلبة التزلج، لم ينعما النظر بعضهم في بعض كثيرًا. في ضوء مصابيح الشارع، كانوا يشاهدون ظلالهما المتحولة على الثلج. داخل الحلبة، كان القمر الاصطناعي يبدل الألوان ويخفي بعض المناطق على نحو شبه كامل؛ لذا، لم ترسل الملابس التي كان هذا الصبي يرتديها أي رسالة خاصة يمكن أن يتلقياها. اللهم إلا أنها لم تكن الملابس المعتادة في رحلة سفر؛ حذاء مطاطي طويل العنق، وبنطال ثقيل عليه بقع زيت أو طلاء، وسترة قصيرة ممزقة تحت إحدى الأذرع وثقيلة أكثر مما ينبغي بالنسبة إلى طقس اليوم، وقبعة كبيرة غير ملائمة.
كيف مرت كالي على ناظر المحطة وهي مرتدية تلك الملابس؟ ناظر المحطة نفسه الذي كان ينظر إلى سام وإدجار على نحو متفحِّص — والذي كان يريد أن يعرف أين كانا يخططان أن يمكثا ومن كانا سيقابلان — سمح لهذه الفتاة الغريبة، القذرة، رثة الثياب، المتنكرة في شكل صبي بشراء تذكرة (إلى تورونتو؛ كان هذا تخمين كالي، وكان تخمينها صائبًا) والسير إلى الرصيف دون أن يتوجه أحد إليها بكلمة، بسؤال. ساهم هذا في شعور الصبيين، عندما تعرفا عليها، بأنها كانت تمتلك قوى لا تقل عن كونها قوى سحرية. (ربما شعر إدجار، على وجه الخصوص، بذلك.) كيف عرفتْ بالأمر؟ ومن أين حصلتْ على المال؟ وكيف جاءت إلى هنا؟
لم يكن أيٌّ من ذلك مستحيلًا. عادت حاملةً البقالة وصعدت إلى السقيفة. (لماذا؟ لم تقل.) وجدت الرسالة وحزرت في الحال أنهما ما كانا ليعودا إلى موطنهما وما كانا ليوقفا سيارة على الطريق السريع ليركباها إلى المكان الذي سيتوجهان إليه. علمت بموعد رحيل القطار. كانت تعرف وجهتي القطار، ستراتفورد وتورونتو. سرقت المال من أجل شراء تذكرتها من الصندوق المعدني الموجود تحت كتب الترانيم عند مقعد البيانو. (لم تكن الآنسة كرناجان، بالطبع، تثق بالبنوك.) عند وصولها إلى المحطة وشراء تذكرتها، كان القطار قادمًا وكان لدى ناظر المحطة الكثير من الأشياء التي تشغله؛ فلا يوجد وقت لطرح الأسئلة. كان ثمة الكثير من الحظ — توقيت محظوظ وتقدير محظوظ في كل خطوة — وكان هذا كل ما في الأمر. لم يكن في الأمر أي قوى سحرية.
لم يستطع سام وإدجار التعرف على الملابس، ولم يكن ثمة حركة أو إشارة خاصة نبهتهما. الصبي كالي جلس ناظرًا من النافذة، يشيح برأسه بعيدًا عنهما قليلًا. لم يعرف سام متى عرف تحديدًا للمرة الأولى أن الصبي لم يكن إلا كالي، أو كيف جاءت تلك المعلومة إلى ذهنه، وما إذا كان قد نظر إلى إدجار أم كان يعرف ببساطة أن إدجار عرف الشيء ذاته وفي الوقت نفسه. بدت تلك المعلومة طائرة في الهواء، في انتظار من يمسك بها. مروا بممر طويل، تكسو جانبيه الحشائش، وعبروا جسر سيدار بوش، الجسر نفسه الذي تحدى صبية البلدة بعضهم بعضًا في تسلقه والتعلق بالدعائم تحت العوارض بينما يمر القطار فوق رءوسهم. (هل كانت كالي ستفعل ذلك إذا تحدياها في فعل ذلك؟) بحلول وقت عبور هذا الجسر، عرفا كلاهما أن كالي هي من كان يجلس إلى الجانب المقابل منهما. وكلٌّ منهما كان يعرف أن الآخر يعرف.
تحدث إدجار أولًا. قال: «هل تريدين الانتقال والجلوس إلى جانبنا؟»
نهضت كالي وسارت عبر الممر، جالسةً إلى جانب إدجار. كانت لا تزال تتصنع نظرة الصبي؛ نظرة ليس فيها ذلك المكر أو الميل إلى العراك اللذان يميزان نظرتها المعتادة. كانت صبيًّا ظريفًا، هادئ المُحيَّا.
كان سام هو من تحدثت إليه قائلة: «هل تمانع في الجلوس في الجانب العكسي؟»
قال سام لا.
ثم، سألتهما عما يوجد في الأكياس، فتحدث كلاهما في آن واحد.
قال إدجار: «قطط ميتة.»
قال سام: «الغداء.»
•••
لم يشعرا كما لو كان قد تم الإمساك بهما. فهِما على الفور أن كالي لم تأت حتى تعود بهما مرة أخرى. كانت قد جاءت للانضمام إليهما. في ملابس الصبية هذه التي كانت ترتديها، كانت تذكرهما بليالي الحظ والمكر الباردة، الخطة التي نُفذت دون أي تعثر، التزلج المجاني، السرعة والمتعة، الخداع والسرور. عندما يسير كل شيء على ما يرام، فلم يكن من الممكن أن يحدث أي شيء خطأ، وكان النصر مؤكدًا، وجميع التحركات في وقتها تمامًا. بدت كالي، التي استقلت هذا القطار عن طريق سرقة المال وارتداء ملابس صبية، كما لو كانت تبعد عنهما التهديدات بدلًا من أن تلوِّح بها في وجهيهما. حتى سام توقف عن التفكير فيما كانا سيفعلانه في تورونتو، وعما إذا كانت أموالهما ستكفيهما أم لا. لو كان عقله يعمل على النحو المعتاد، لكان سيرى في وجود كالي مصدرًا لكل أنواع المتاعب بمجرد النزول إلى العالم الواقعي، لكنه لم يكن يعمل على النحو المعتاد ولم ير في أي شيء مصدرًا للمتاعب. في تلك اللحظة، رأى قوة — قوة كالي، التي لم تقبل بأن تتخلَّف — موَّزعة في سخاء عليهم جميعًا. كانت اللحظة عامرة بالقوة، فيما يبدو، وبالاحتمالات. لكن لم يكن هناك إلا شعور بالسعادة. سعادة فقط في حقيقة الأمر.
هكذا كانت الكيفية التي تنتهي بها دومًا قصص سام، التي كانت تتغاضى عن بعض التفصيلات والأسباب في الطريق. إذا سُئل كيف سارت الأمور بعد ذلك، فربما يقول: «حسنًا، كان الأمر أكثر تعقيدًا بقليل مما توقعنا، لكن الأمور انتهت على ما يرام.» بعبارة أخرى، وعلى نحو أكثر تحديدًا، لم يأخذ الموظف بجمعية الشبان المسيحيين، الذي كان يأكل شطيرة بيض بالبصل، أكثر من دقيقتين لاكتشاف أنه يوجد شيء غريب في كالي. أسئلة. أكاذيب، ملاحظات ساخرة، تهديدات، مكالمات هاتفية. اختطاف قاصر. محاولة إدخال فتاة إلى جمعية الشبان المسيحيين لأغراض غير أخلاقية. أين والداها؟ من يعلم أنها هنا؟ من أعطاها الإذن؟ من يتحمل المسئولية؟ رجل شرطة في المشهد. رجلا شرطة. اعتراف كامل ومكالمة هاتفية، ويتذكر ناظر المحطة كل شيء. يتذكر الأكاذيب. اكتشفت الآنسة كرناجان اختفاء المال وقالت إنها لن تسامحها أبدًا. ولا تريد أن تراها مرة أخرى. لقيطة ولدت في بهو فندق، أبواها على الأرجح لم يكونا متزوجين، أُخذت وجرى إيواؤها، جحود، حقد. ليكن هذا درسًا. عار من كافة الأوجه، حتى رغم أن كالي ليست قاصرًا.
بعبارة أخرى، وبالإضافة إلى ذلك، واصل الجميع حياته، وحدثت أشياء كثيرة. ظن هو، حتى في تلك الأيام المرتبكة والمهينة الأولى في تورونتو، أن مكانًا كهذا — الذي توجد به ظلال في وقت الظهر في شوارع وسط البلدة الخفيضة الضيقة الخاصة به، وشركاته المزينة في فخامة، وحركة وصلصلة الترام المنتظمة — يمكن أن يكون المكان الملائم له. مكان للعمل وصناعة الثروات. لذا بقي، ومكث في جمعية الشبان المسيحيين، حيث سرعان ما نُسيت مشكلته — مشكلته ومشكلة إدجار وكالي — وحدث شيء آخر في الأسبوع التالي. حصل على وظيفة، وبعد عدة سنوات رأى أن هذا ليس مكان صناعة الثروات بل الغرب هو المكان الذي تُصنع الثروات فيه. لذا انتقل إليه.
عاد إدجار وكالي إلى المنزل في المزرعة للعيش مع والدي إدجار. لكنهما لم يمكثا طويلًا. وجدت الآنسة كرناجان أنها لا تستطيع إدارة الأمور في نُزلها بدونهما.
•••
يقع متجر كالي في بناية تملكها هي وإدجار. متجر للمنتجات الرخيصة ومحل لتصفيف الشعر في الطابق السفلي، أما عن موضع إقامتهما، ففي الدور العلوي. (يوجد محل تصفيف الشعر مكان متجر البقالة الذي كان سام وإدجار معتادين على شراء عبوات تارت المربى منه. تقول كالي: «لكن من يريد أن يسمع عن هذا الأمر؟ … من يريد أن يسمع عما كانت عليه الأمور في الماضي؟»)
تشكَّلت فكرة سام عن الذوق الجيد من خلال الألوان الرمادية، والبيضاء، والزرقاء، والخطوط المستقيمة، والزهريات المفردة التي كانت زوجته تستخدمها. مكان إقامة كالي في الدور العلوي رائع. ستائر مسدلة من القماش المطرز ذهبي اللون لتوحي بوجود نافذة كبيرة خلفها لكن لا توجد نافذة في واقع الأمر. بساط مخملي ذهبي اللون، سقف مغطًّى بالجص الأبيض الخشن تتلألأ النجوم فيه. أحد الجدران عبارة عن مرآة حوافها ذات لون ذهبي باهت يرى سام عروقًا من الخطوط السوداء والفضية تتقاطع على جسده. تتدلى المصابيح من سلاسل، في كرات من الزجاج كهرماني اللون.
في وسط هذا يجلس إدجار، مثل قطعة ديكور ملمَّعة، لا يتحرك إلا نادرًا. من بين ثلاثتهم، حافظ على مظهره على أفضل ما يكون. كان لدى إدجار الكثير مما يجب الحفاظ عليه. فهو طويل، ضعيف البنية، متأنق في مظهره وملبسه. تحلق له كالي ذقنه. تغسل له شعره يوميًّا، وهو أبيض، ولامع مثل شعر الملائكة على أشجار الكريسماس. كان يستطيع ارتداء ملابسه بنفسه، لكنها كانت تلبسه كل شيء؛ البناطيل، الجوارب، رابطات العنق ومناديل الجيب المتوافقة معًا، القمصان الناعمة التي باللون الأزرق الغامق أو العنابي، وهو ما كان يُحدث توازنًا بين لون خديه القرنفلي ولون شعره.
تقول كالي: «أصيب بثقل بسيط في حركة اللسان … قبل أربع سنوات في شهر مايو. لم يفقد القدرة على الكلام أو أي شيء آخر، لكنني اصطحبته إلى الطبيب وأكد لي أنه يعاني من ثقل بسيط في حركة اللسان. لكنه بصحة جيدة. هو بخير.»
سمحت كالي لسام باصطحاب إدجار في نزهة سير. هي تقضي معظم وقتها في المتجر. وينتظر إدجار في الطابق العلوي أمام التليفزيون. يعرف سام، ويبدو سعيدًا لرؤيته. يومئ برأسه على الفور عندما يقول له سام: «ستضع معطفك أولًا ثم سنخرج.» يجلب سام معطفًا جديدًا ذا لون رمادي فاتح، وقبعة رمادية من خزانة الملابس، ثم، بعد إعادة تفكير، حذاءً فوقيًّا مطاطيًّا لحماية حذاء إدجار اللامع.
سأله سام: «هل أنت مستعد؟» لكن إدجار أومأ إيماءة مفادها: «انتظر لحظة.» يشاهد امرأة شابة جميلة تستضيف سيدة عجوزًا. تصنع السيدة العجوز العرائس. العرائس مصنوعة من العجين. على الرغم من أنها ذات أحجام مختلفة، فترتسم على ملامحها جميعًا التعبير نفسه، الذي هو، في رأي سام، تعبير أبله. يبدو إدجار منجذبًا تمامًا لشكل العرائس. أو ربما هو منجذب للمرأة التي تجري المقابلة، ذات الشعر الذهبي المهوَّش.
ينتظر سام حتى ينتهي البرنامج. ثم تأتي نشرة الأحوال الجوية، ويشير إليه إدجار أن يجلس. هذا منطقي؛ حتى يعرفا الحال الذي سيكون عليه الجو قبل أن يشرعا في رحلة سير. ينوي سام التوجه إلى شارع أورانج — حيث حل مجمع خاص بكبار السن محل حلبة التزلج وأشجار الكرز — ثم يتوجهان إلى نُزل كرناجان وباحة انتظار شركة كنديان تاير. بعد نشرة الأحوال الجوية، يظل سام جالسًا يشاهد الأخبار؛ نظرًا لأنه يوجد شيء حول قانون ضريبي جديد يثير اهتمامه. تواصل الإعلانات التجارية مقاطعة نشرة الأخبار، بالطبع، ولكن تنتهي نشرة الأخبار أخيرًا. ثم يأتي حوار مع بعض المتزلجين البارزين. وبعد مرور ساعة أو ما يقرب من ذلك، يدرك سام عدم وجود أي أمل في زحزحة إدجار من أمام التليفزيون.
كلما تحدث سام بأي شيء، كان إدجار يرفع يده، كما لو أنه يقول له إنه سيستمع إليه في غضون دقيقة. لا ينزعج أبدًا. يمنح كل شيء القدر نفسه من الانتباه القانع. يبتسم وهو يشاهد المتزلجين في زيهم اللامع. يبدو بريئًا مثل الطفل، ولكن يلمس سام شعورًا بالرضا لديه.
توجد على رف المدفأة الديكوري أعلى المدفأة الكهربية صورة فوتوغرافية لكالي وإدجار بملابس الزفاف. طرحة كالي، على غرار طراز زمن قديم مضى، مرتبطة بقبعة مزينة باللؤلؤ ومسدلة على جبهتها. تجلس في مقعد ذي ذراعين، ذراعاها مزدانتان بالورود، ويقف إدجار خلفها شامخًا ونحيفًا.
يعرف سام أن هذه الصورة لم تُلتقط يوم زفافهما. كان الكثير من الناس في تلك الأيام يضعون ملابس زفافهم ويذهبون إلى استوديو المصور في مناسبة لاحقة. لكن لم تكن هذه حتى ملابس زفافهما. يتذكر سام أن امرأة لها علاقة بجمعية الشبان المسيحيين اشترت لكالي فستانًا، وكان ثوبًا لا طراز له ذا لون قرنفلي باهت. لم يكن إدجار يمتلك ملابس جديدة على الإطلاق، وتزوجا على عجل في تورونتو على يد قس لم يكن أيٌّ منهما يعرفه. الغرض من هذه الصورة هو أن يمنح انطباعًا مختلفًا تمامًا. ربما التُقطت بعد الزفاف بسنوات. تبدو كالي أكبر كثيرًا عما كانت عليه في يوم زفافها الحقيقي، وجهها أكثر عَرضًا، وثقلًا، وتحكمًا. في حقيقة الأمر، تشبه الآنسة كرناجان قليلًا.
ذلك هو الشيء الذي لا يمكن فهمه أبدًا؛ لماذا تحدَّث إدجار أثناء الليلة الأولى في تورونتو وقال إنه وكالي سيتزوجان. لم يكن ثمة ضرورة لذلك، أي ضرورة يمكن أن تكون واضحة لسام. لم تكن كالي حبلى، وفي حقيقة الأمر، بقدر ما يعرف سام، لم تصبح حبلى قط. ربما كانت نحيفة جدًّا، أو أنها لم تنمو بالشكل الطبيعي. مضى إدجار قدمًا وفعل ما لم يجبره أحد على فعله، حصل ما كان يهرب من أجله. هل كان يشعر بوخز الضمير؟ هل كان يشعر بأن ثمة أشياء لا يمكن الهروب منها؟ قال إنه وكالي سيتزوجان. لكن لم يكن ذلك ما كانا سيفعلانه، لم يكن ذلك ما يخططان له، بالتأكيد. عندما نظر سام إليهما في القطار، وضحك ثلاثتهم في ارتياح، لم يكن ذلك لأنهم كانوا يتوقعون نتيجة كهذه. كانوا يضحكون فقط. كانوا سعداء. كانوا أحرارًا.
إن خمسين عامًا فترة طويلة جدًّا بحيث لا يمكن للمرء أن يسأل عن الأمر، هكذا يحدِّث سام نفسه. وحتى في ذلك الوقت كان مندهشًا جدًّا. صار إدجار شخصًا لا يعرفه. انطوت كالي على نفسها، على حالتها الأنثوية المؤسفة. بقيت لحظة السعادة التي شاركهما فيها في عقله، لكنه لم يعرف قط ماذا يصنع بها. هل تعني مثل هذه اللحظات حقيقةً، مثلما تبدو، أننا نمتلك حياة سعيدة نصادفها عَرَضيًّا؟ هل تسلِّط هذه اللحظات هذا الضوء قبل وبعد كل ما حدث لنا في حياتنا — أو ما جعلناه يحدث — بحيث تجعلنا ننساه؟
عندما تصعد كالي السلالم، لا يشير إلى صورة الزفاف. تقول كالي: «أحضرت الكهربائي في الطابق السفلي … لذا، عليَّ أن أنزل مرة أخرى وأتابعه. لا أريده أن يجلس يدخن سيجارة ثم يطلب مني أموالًا كثيرة.»
يتعلم الأشياء التي يجب ألا يتحدث عنها. الآنسة كرناجان، النُّزل، حلبة التزلج. الأوقات الخالية. هذا العزف على نغمة الأوقات الخالية من قبل شخص كان بعيدًا لشخص ظل على حاله أمر مزعج؛ شكل بارع من أشكال الإهانة. وتتعلم كالي أنها يجب ألا تسأله كم تكلَّف منزله، كم تتكلف شقته في هاواي، وكم أنفق على الرحلات العديدة التي كان يذهب فيها في الإجازات وعلى زواج ابنته؛ باختصار، تتعلم أنها يجب ألا تعرف أبدًا كم يمتلك من أموال.
يستطيع أن يرى شيئًا آخر تتساءل بشأنه. يرى السؤال يغوص أكثر في التجويفين العميقين، المطليين باللون الأزرق حول عينيها، عينيها التي تُطل منهما الآن حياة كاملة من الجهود والحسابات الناجحة.
ماذا يريد سام؟ ذلك ما تتساءل كالي بشأنه.
يحدث نفسه بأن يخبرها أنه ربما يمكث حتى يعرف. ربما يصبح أحد المقيمين في المنزل.
يقول سام: «لم يبدُ أن إدجار كان يريد الخروج … لم يكن يبدو أنه يريد الخروج على أي حال.»
تقول كالي: «لا … لا. هو سعيد هكذا.»