نتائج هذه الأصول
إلى أين أفضت طبيعة الإسلام بالمسلمين؟ وماذا كان أثرها في أسلافهم الأولين؟ فتح عمرو بن العاص رضي الله عنه مصر واستولى بجيشه على الإسكندرية بعد لحاق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى بست سنوات في رواية، وتسع سنوات في رواية أخرى، والإسلام في طلوع فجره وتفتح نوره، فكان من بقايا ما تركت الأزمان الأولى رجل مسيحي من اليعقوبيين اسمه يوحنا النحوي، كان في بدء أمره ملاحا يعبر الناس بسفينته وكان يميل إلى العلم بطبيعته، فإذا ركب معه بعض أهل العلم أصغى إلى مذكراتهم ثم اشتد به الشوق فترك الملاحة واشتغل بالعلم وهو ابن ٤٠ سنة فبلغ فيه ما لم يبلغه الناشئون فيه من طفولتهم، وقد أحسن من العلم فنونا كثيرة حتى عد من فلاسفة وقته وأطبائه ومناطقته.
يقول كثير من مؤرخي الغربيين ومؤرخي المسلمين: إن عمرو بن العاص سمع به فاستدناه منه وأكرمه لعلمه، ووقعت بينهما محبة ظهر أمرها واشتهر حتى قال أحد فلاسفة الغربيين: (إن المحبة التي نشأت بين عمرو بن العاص فاتح مصر ويوحنا النحوي ترينا مبلغ ما يسمو إليه العقل العربي من الأفكار الحرة والرأي العالي، بمجرد ما أعتق من الوثنية الجاهلية ودخل في التوحيد المحمدي أصبح على غاية من الاستعداد للجولان في ميادين العلوم الفلسفية والأدبية من كل نوع).
خالط المسلمون أهل فارس وسورية وسواد العراق وأدخلوهم في أعمالهم ولم يمنعهم الدين عن استعمالهم حتى كانت دفاترهم بالرومية في سورية ولم تغير بالعربية إلا بعد عشرات من السنين فاحتكت الأفكار بالأفكار. وأفضت سماحة الدين إلى أن أخذ المسلمون في دراسة العلوم والفنون والصنائع.