مفاجأة غير متوقعة!
ظل «أحمد» ممسكًا بالجهاز في جيبه، في نفس الوقت الذي كان يفتش فيه الرجل باليد الأخرى. انسحبت حرارة الجهاز؛ فعرف «أحمد» أنه ابتعد عن مكان الخطر. عاد ليقترب بيده من منطقة وسط الرجل، فظهرت الحرارة من جديد، ظل يقترب من «توكة» الحزام الحديدية، وكانت فعلًا كبيرة بما يكفي لأن يختفي فيها جسم صغير.
ازدادت حرارة الجهاز، وعرف «أحمد» أن الرجل يخفي شيئًا في الحزام، فأمسك به، ثم سحبه من حول وسطه، حتى أصبح في يده، وأخذ يقلب «التوكة»، حتى وجد مسمارًا صغيرًا للغاية، ضغط عليه، فانفتحت «التوكة» وظهر جسم صغير؛ عرف «أحمد» أنه قنبلة زمنية حديثة؛ التقطها بسرعة، بينما ظهرت الدهشة على وجوه الجميع.
نظر «أحمد» إلى الرجل الذي قال: أنت شيطان بلا شك.
ابتسم «أحمد»، وبدأ يتحسس جميع أجزاء جسم الرجل، غير أن الجهاز لم يرسل الحرارة مرة أخرى، فتأكد أنه لم يعد يحمل شيئًا.
قال في هدوء: إنه الآن بلا خطر!
في نفس اللحظة جاءت رسالة من برج المراقبة، تعطي الإشارة للطائرة بالنزول، ولم تمضِ دقائق، حتى كانت تأخذ طريقها إلى الأرض، وشاهد «أحمد» عربات المطافئ والإسعاف تقترب من حيث سوف تقف الطائرة، فعرف أنهم يعدون أنفسهم لأي احتمال، فربما حدث شيء. توقفت الطائرة أخيرًا وفي دقائق كان عدد من رجال البوليس الإيطالي، يقفون في حجرة القيادة.
سأل ضابط البوليس: هل هذا هو الرجل؟ ثم أشار إليه عندما رأى يديه الموثوقتين، وفي هدوء اقتاده إلى خارج الغرفة.
همس «أحمد» في أذن الضابط: لقد كان يحمل نوعًا حديثًا جدًّا من المفرقعات، ثم قدم له القنبلة الزمنية والحزام.
نظر الضابط إلى «أحمد» لحظة، ثم قال له: هل يمكن أن تصحبنا؟
تقدموا جميعًا، وعند باب الطائرة، قال الضابط لقائد الطائرة: فلينزل جميع الركاب حتى يُجرى تفتيش دقيق، فنحن لا نضمن ربما يكون قد وضع مفرقعات أخرى في أي مكان …
في لحظة … كان صوت مذيع الطائرة يعلن للركاب عن مغادرة الطائرة، دون أن يشرح لهم السبب، حتى لا يثير الشك عندهم. نزل الركاب في هدوء، بينما تخلف «أحمد» عن الشياطين وأخذ يذرع الطائرة، غاديًا رائحًا، وهو يمسك الجهاز الصغير في يده، وتأكد في النهاية أن الطائرة ليس بها شيء.
في هدوء نزل، كان الضابط يقف أسفل الطائرة في انتظاره، نظر الشياطين إليه، كانوا يفكرون: هل يمكن أن يتخلف «أحمد» في «روما»، إلا أن «أحمد» قال في هدوء، وبلغة الشياطين: سوف أكون معكم. وتبع الضابط في هدوء.
في صالة المطار، كان الزحام شديدًا، فقد وصلت أكثر من طائرة، لكن الزحام كان منظمًا. وقف الشياطين يرقبون «أحمد» الذي اتجه مع الضابط إلى مقر قيادة بوليس المطار.
اقترب منهم قائد الطائرة وقال: لن يتخلف، ثم اتجه هو الآخر إلى مقر قيادة البوليس.
وقف الشياطين يرقبون حركة المطار والناس … تحركت «إلهام» في هدوء، فقد لفت نظرها شيء؛ فظلت تراقب. كان هناك رجل يقف شاردًا، وتذكرت الأوصاف التي قالها رقم «صفر» عن «ويللي» رجل المخابرات الذي خطفوا ابنه «جان»، وكانت الأوصاف تنطبق عليه تمامًا، لكن حركة يده اليسرى التي تميزه لم تظهر مرة واحدة. واقتربت منه، فنظر الشياطين إليها.
قال «خالد»: يبدو أنها كشفت شيئًا.
ابتسم «عثمان» وقال: إن حركة المطار تغري بالمراقبة ومن يدري، قد يظهر ما لا يخطر لنا ببال.
اقتربت «إلهام» من الرجل … كان طويلًا، أشقر الشعر، أزرق العينين، قوي البنيان، لكن عينيه لم تكن تستقران على مكان، كانت عيناه تنتقل من مكانٍ إلى مكان، وكأنه يبحث عن شيء.
فكرت «إلهام»: هل يمكن أن يكون هو نفسه «ويللي»؟ لكن ما الذي أتى به إلى هنا؟!
تحركت مرة أخرى في اتجاه الرجل، حتى اقتربت منه تمامًا، وعندما أصبحت بجواره همست: «جان».
اهتز الرجل عندما سمع الاسم، لكنه حاول أن يكون ثابتًا.
كررت الاسم مرة أخرى، ثم قالت: السيد «ويللي».
اتسعت عينا الرجل دهشة، فأسرعت تقول: لا تتحدث إليَّ، اسمعني فقط. إننا نعرف كل شيء عنك، وقد جئنا لمساعدتك. إننا نعرف أن «جان» في أيديهم الآن.
كان الرجل يبدو غير مصدق لما يسمع. قالت «إلهام»: هل الماس معك؟
كاد الرجل يمد يده إليها، إلا أنها أسرعت وهي تقول: لا تكشف نفسك، فالمؤكد أنهم يراقبونك الآن، سوف نكون خلفك، فلا تخشَ شيئًا.
كانت تتحرك حوله، حتى لا تلفت نظر أحد، في النهاية قالت: سوف أسقط علبة صغيرة، بداخلها زر صغير، ضع الزر في جيبك، فسوف يرشدنا إليك، إلى اللقاء الآن.
وفي هدوءٍ أسقطت علبة صغيرة أمامه، ثم أخذت طريقها إلى حيث الشياطين، بينما كان «أحمد» قد عاد، وانضم إلى «خالد» و«عثمان».
ابتسمت وهي تقول: لن نكون في حاجةٍ إلى مواصلة الرحلة.
نظروا إليها في دهشة، غير أنها سألت: ماذا حدث مع الرجل؟
قال «أحمد»: لقد أصبحت هذه مهمة رجال البوليس.
سألت مرة أخرى: وأنت؟
قال: لا شيء، لقد انتهت مهمتي! … وصمت قليلًا … ثم سأل: ماذا تقصدين؟
بسرعة، قالت لهم ما حدث، فظهرت الدهشة على وجوههم، وألقى «عثمان» نظرة سريعة في اتجاه «ويللي» الذي كان ما زال يقف في مكانه. وضغط «أحمد» جهازًا صغيرًا في جيبه، فأصدر ضوءًا خافتًا، فعرف أن الجهاز الذي يحمله «ويللي» قد بدأ عمله.
قال «خالد»: إن ما حدث لا يمكن أن يخطر ببال، ولولا رجل الطائرة لكانت رحلتنا صعبة في «لندن».
طال الوقت دون أن يظهر أحد، ولم يتحرك «ويللي». كان لا يزال في حالة شرود.
فجأة تحرك «ويللي» من مكانه، فقال «خالد»: لقد مر رجل من أمامه وتحدث إليه.
قالت «إلهام»: علينا بمتابعته.
ظلوا في أماكنهم يراقبون حركة «ويللي» إلى خارج الصالة، ثم ضغط «أحمد» الجهاز في جيبه، حتى لا يتوه «ويللي»، خرج الشياطين في هدوء، فشاهدوا «ويللي» يركب سيارة حمراء، لم يكن فيها سوى السائق. تحركت السيارة، ثم انطلقت حتى اختفت تمامًا؛ فأسرع «عثمان» إلى تليفون المطار، وتحدث إلى عميل رقم «صفر».
في دقائق … كانت سيارة بُنية اللون تقف أمام الشياطين، ونزل السائق، ثم ترك السيارة وانصرف. أسرع الشياطين إليها، وانطلقوا خلف إشارة الجهاز التي كانت تتردد.
بعد نصف ساعة، قال «أحمد»: انتظر.
كان «خالد» هو الذي يجلس إلى عجلة القيادة. ثم أضاف «أحمد»: إن «ويللي» قريب منا جدًّا … وصمت لحظة … ثم قال: يبدو أننا مراقبون.
انتظر الشياطين قليلًا، وكان المساء قد اقترب، وبدأت أشعة الشمس تنسحب من الوجود، وأخذت أضواء الليل تلمع، بينما ظلت إشارة الجهاز ثابتة.
وقال «أحمد»: إنه يقع الآن عند النقطة «ك» بزاوية ٤٨ درجة … وأضاف بعد لحظة: ينبغي أن نغادر المكان مؤقتًا، إن «ويللي» في النهاية، قد أصبح تحت أيدينا، وكذلك هم.
تحرك «خالد» بالسيارة مبتعدًا.
قال «عثمان»: هل نذهب إلى الفندق؟ إن عميل رقم «صفر» قد حجز لنا في فندق النجوم الذهبية.
لم يرد أحد لمدة لحظة … غير أن «إلهام» قالت: ينبغي أن نذهب إلى الفندق، إن ذلك يعطينا فرصة للتفكير والتصرف.
وافق الشياطين على اقتراحها، واتجه «خالد» إلى حيث يقع فندق «النجوم الذهبية» في شارع «مارتيني» … وعندما توقفت السيارة عند الفندق؛ غادروها بسرعة، وفي دقائق كانوا يعقدون اجتماعًا في حجرة «أحمد».
قال «عثمان»: إذا كنا مراقبين، فينبغي أن نفترق، إن أدوات الماكياج يمكن أن تضللهم، وتعطينا فرصة للحركة.
قال «أحمد»: لقد فكرت نفس التفكير. سوف أتنكر أنا و«خالد»، وعليكما أن تظلا كما أنتما. إن عصابة «الورقة الزرقاء» سوف تتبعكما، وهذه فرصة، لنتصرف نحن.
ضغط الجهاز الصغير بعد أن أخرجه من جيبه، ثم قال: «ويللي» في النقطة «ل»؛ لقد تحرك من مكانه، إنه يقع على زاوية ١٢٠ درجة الآن.
رسم الشياطين خطة التحرك، سوف يخرجون من الفندق، ويتجهون إلى حيث يقع «ويللي» … في نفس الوقت، يكون «عثمان» و«إلهام» وحدهما … ويكون «خالد» و«أحمد» وحدهما.
قال «أحمد»: يمكن أن تنصرفا الآن، واستخدما السيارة، وسوف نطلب سيارة أخرى.
انصرفت «إلهام» و«عثمان» بعد أن أبدلا ثيابهما، في نفس الوقت الذي أخذ فيه «أحمد» يضع ماكياج رجل عجوز … و«خالد» وضع ماكياج رجل إيطالي، شعر طويل، شارب رفيع، ثم وضع نظارة بيضاء على عينيه …
أخيرًا رفع «أحمد» سماعة التليفون، ثم تحدث إلى عميل رقم «صفر»، وطلب سيارة قديمة الشكل.
بعد عشر دقائق غادر الفندق، كانت هناك سيارة تبدو قديمة تمامًا، وكأنها في خدمة «أحمد» العجوز منذ عشرين عامًا … إنها تبدو وكأنها قد وضعت مكياجًا، هي الأخرى. كان «أحمد» يمسك عصًا رفيعة، يتوكأ عليها ويبدو عليه التقدم في السن، وعلى عينيه نظارة وشعره أبيض، وقد أحنى قامته قليلًا … في نفس الوقت كان «خالد» يمشي خلفه وكأنه سائقه الخاص. عندما وصلا إلى السيارة أسرع «خالد» يفتح الباب ﻟ «أحمد»، الذي تقدم في بطءٍ، ثم ركب السيارة، فأغلق «خالد» الباب، ثم أسرع إلى حيث يجلس؛ إلى عجلة القيادة، وانطلق بالسيارة. كان «أحمد» قد أمسك الجهاز في يده، فحدد له اتجاه السيارة، حيث يوجد «ويللي».
خرجت السيارة إلى خارج المدينة، فقال «أحمد»: لا تتعجل، ينبغي أن نقترب في هدوء، حتى لا نلفت النظر!
فجأة وصلت رسالة استقبلها «أحمد». كانت الرسالة من «عثمان» تقول: «كل شيء هادئ هناك!» نقل الرسالة إلى «خالد» الذي كان قد أبطأ من سرعة السيارة، وظل يتقدم في هدوء حتى ظهر ضوء خافت في الأفق.
فقال «خالد»: إننا نقترب من المكان.
كان الظلام يحيط الأشياء، والهدوء يلف المكان، ولكن فجأة، ظهر ضوء قوي في مرآة السيارة، حتى إن «خالد» لم يرَ الطريق للحظة، فغير اتجاه المرآة، ثم قال ﻟ «أحمد»: هناك سيارة خلفنا.
كان واضحًا أن السيارة تقترب بسرعة، فأخذ يمين الطريق، وأخذت السيارة تقترب، حتى توازت مع سيارة الشياطين، ورأى «أحمد» أربعة من الرجال الأشداء داخلها … كانت السيارة قد أبطأت من سرعتها، ونظر الرجال في حدة في اتجاه «أحمد».
وقال أحدهم مخاطبًا «خالد»: إلى أين؟
قال «خالد» بلغة إيطالية سليمة، وكأنه من أهالي «روما»: إن السيد متعب قليلًا، ويحتاج إلى بعض الهواء والهدوء.
هز الرجل رأسه، وقال: لا تستمر طويلًا، فالطريق مغلق أمامك، فهو طريق خاص.
ابتسم «خالد»، وقال: سوف نعود بعد قليل.
انحنى «أحمد» إلى الأمام، ووضع يده على أذنه، وكأنه لم يسمع ما قيل، وسأل: ماذا يقول السيد؟
ابتسم «خالد» وقال: إنه يحذرنا … يا سيدي.
ابتسم الرجال، ثم انطلقت سيارتهم مبتعدة. لقد كانت حركة «أحمد» مثيرة للابتسام فعلًا.
وقال «خالد»: إنها حركة تمثيلية جيدة.
قال «أحمد» مبتسمًا: إنها ضرورة عمل.
ظلت السيارة تتقدم في بطء … لكن فجأة لمع ضوء قوي؛ أنار الطريق كله، ومن خلال النور ظهر عدد من الرجال، كانوا يبدون كالحراس، اقتربت السيارة منهم، فتصدَّى أحد الرجال للسيارة، فتوقف «خالد».
سأل الرجل: إلى أين؟
سأل «خالد»: هل انتهى الطريق؟
أجاب الرجل: نعم، ينبغي أن تعود الآن.
هز «خالد» رأسه، في نفس الوقت الذي قام «أحمد» بنفس الحركة، فاقترب منه الرجل، وانحنى يحدثه: إنه طريق خاص يا سيدي.
رفع «أحمد» صوته متسائلًا: ماذا تقول؟
التفت الرجل إلى «خالد»، وسأل: هل السيد لا يسمع جيدًا؟
قال «خالد»: نعم.
عاد الرجل إلى «أحمد»، وقال بصوتٍ مرتفع: إنه طريق خاص يا سيدي.
قال «أحمد» بصوتٍ مرتفع أيضًا: ماذا يعني طريق خاص؟
قال الرجل: إن هذه الأرض ملك للسيد «تورهام».
ظهرت الدهشة على وجه «أحمد»، وهي دهشة تمثيلية، وسأل: «تورهام»؟ هل هو إيطالي؟
نظر له الرجل لحظة، ثم ارتسمت علامات الجد على وجهه، وقال: أظن أن هذا ليس من حقي يا سيدي، إنني هنا من أجل الحراسة فقط.
قال «أحمد» بجد: إذن قل لسيدك «تورهام»: إنني أريد أن ألقاه.
قال الرجل: إن السيد «تورهام» لا يقابل أحدًا يا سيدي.
قال «أحمد» بعنف: انقل لسيدك أن السيد «جان بوردو» يريد أن يقابله.
اتسعت عينا الرجل، وقال: السيد «جان بوردو»، سوف أنقل هذا إليه يا سيدي حالًا.
وعندما ابتعد الرجل قليلًا، ضحك «أحمد» ضحكة عميقة، وهو يقول: ها نحن ندخل بأقدامنا إليهم.
سأل «خالد» الذي بدت عليه الدهشة: ومن هو «جان بوردو» هذا؟
ضحك «أحمد» بعمق وهو يقول: هذه حكاية أخرى.