أحمد … ينفذ عملية الغاز!
كان الحارس قد اختفى، وكان بقية الحراس ما زالوا يقفون بعيدين قليلًا.
قال «أحمد»: تقدم. إن أحدًا لن يعترض طريقك.
تقدم «خالد» بالسيارة حتى تجاوز الرجل؛ فلم يتعرض له أحد. ظهرت الدهشة على وجهه.
إلا أن «أحمد» قال: هذه مسألة طبيعية. فما دام زميلهم قد تركنا واتجه إلى الداخل، فهذا يعني أنه يعرفنا، وأنه يتقدمنا فقط، لينقل خبر وصولنا.
قال «خالد»: ربما، لكني أريد أن أعرف، من هو «جان بوردو»؟
ابتسم «أحمد» وقال: إنه واحد من أثرياء روما، بجوار أنه صاحب سطوة، وصمت لحظة، ثم قال: أسرع قليلًا، إنها فرصتنا.
ضغط «خالد» بنزين السيارة القديمة؛ فانطلقت. كانت السيارة لا تكاد تظهر، لولا مصابيحها، فقد كانت سوداء اللون بدرجة كالحة، تكفي لأن تختفي في الليل.
بعد دقيقة قال «أحمد»: أطفئ أنوار السيارة، وتقدم تبعًا لجهاز التوجيه.
أطفأ «خالد» المصابيح في هدوء. كان جهاز التوجيه المثبت في تابلوه السيارة يدلهم، تبعًا لمؤشر يتحرك، فتتحرك السيارة. كانت أضواء خافتة تنساب من فيلا بعيدة. وحولها كانت تبدو غابة من الأشجار، التي تحجب الضوء، فلا يتسرب بين الأغصان، إلا هذه الأضواء الخافتة.
قال «أحمد» بعد دقائق: ينبغي أن نغادر السيارة، ونتركها في مكانٍ لا تظهر فيه.
كانت الأشجار قد بدأت. فقال «خالد»: إن أمامنا منطقة كثيفة من الأشجار.
قال «أحمد»: إذن، ابحث عن مكانٍ يمكن أن تختفي فيه.
ظهر طريق جانبي ضيق، فسأل «أحمد»: هل يمكن أن ندخل هنا؟
في براعة، انحرف «خالد» إلى الطريق الضيق الجانبي، كان ضيقًا بدرجة تسمح للسيارة أن تمر، دون أي فراغ جانبي.
نظر «أحمد» على الجانبين، فلم يرَ سوى نباتات كثيفة، فقال: هذا مكان جيد؛ يجب أن نتوقف فيه.
توقف «خالد»، ثم نزلا من السيارة بسرعة.
قال «أحمد»: يجب أن نزيل آثار مرور العجلات، حتى لا يعرف أحد مكانها.
أسرع «خالد» إلى حقيبة السيارة الخلفية؛ فأخرج قطعة من الجلد السميك، كانت مفروشة في الحقيبة، ثم أخذ يمر بها على الأرض، حيث كانت السيارة تمر، فانمحت آثار العجلات.
قال «أحمد»: ينبغي أن نسرع إلى الفيلا، ثم أخرج جهاز استقبال الإشارات، وضغط زره فأصدر ضوءًا خافتًا، وقال: إن «ويللي» في الداخل.
تقدم الاثنان وسط الظلام. لم يكن هناك صوت. مرت دقائق وهما يتقدمان. فجأة، بدأت أصوات تظهر. لم يكن أيهما يستطيع أن يميز ما يقال … فجأة أحس «أحمد» أن جهاز الإرسال يستقبل رسالة، فضغط الزر، وبدأ في تلقي الرسالة التي كانت من «عثمان».
كانت الرسالة تقول: «هناك سيارة تتبعنا. نحن بعيدون عن المكان.»
أرسل «أحمد» الرد بسرعة: اذهبا إلى خارج المكان مؤقتًا بقدر الاستطاعة. خطتنا هي: «ل – ك – ن – ن – ي – ق – ي – ل …»
وكانت الرسالة تعني حسب الشفرة المتفق عليها: تأجيل الاشتباك الآن؛ نحن في الطريق إلى الداخل، وكانت الشفرة المتفق عليها، هي الحرف الأخير من كل كلمة.
أرسل «عثمان» رسالة شفرية جديدة: «ن – ن – ت – ف – م – أ.» وكانت ترجمتها: «الشياطين ينفذون التعليمات، سوف نأخذهم بعيدًا.»
نقل «أحمد» الرسالة إلى «خالد» الذي قال: أعتقد أن الاشتباك معهم سوف تفرضه الظروف.
لم يعلق «أحمد»، واستمرا في تقدمهما. فجأة، ظهر شبح على الطريق كان هو نفس الرجل الذي ذهب لإبلاغ رسالة «جان بوردو». اختفى الاثنان، حتى لا يظهرا أمامه.
همس «خالد»: هل ننتهي منه؟ إنه إذا وصل هناك ولم يجدنا، فسوف يبدأ التفتيش. ويبدأ الصدام.
قال «أحمد»: هذه فكرة صحيحة. نعم؛ ينبغي أن نتخلص منه.
كان الرجل يقترب، حتى أصبح موازيًا لهما. انتظر «خالد» لحظة، حتى ابتعد خطوتين، ثم قفز طائرًا في الهواء، وضرب الرجل ضربةً قوية، فتكوَّر الرجل على الأرض، وانقلب عدة مرات، وكأنه كرة تجري. في نفس اللحظة التي كان «خالد» يتابعه فيها. وعندما استقرَّ الرجل، أسرع «خالد» يجذبه في قوة، قبل أن يستطيع التصرف. وضربه، وعندما سقط أحدث صوتًا مكتومًا، كان «خالد» يقف عند رأسه. كانت المفاجأة قد شلت الرجل، فلم يستطع حراكًا. أسرع «خالد» يكممه، ثم أوثقه، وجره في قوةٍ إلى حيث ألقاه بين النباتات العالية، فلم يظهر. كان «أحمد» ينتظر «خالد»، فلما اقترب قال هامسًا: معركة سريعة للتسخين.
ابتسم «خالد» وقال: نعم، حتى لا تكون عضلاتي يابسة.
تقدما في الظلام، حتى اقتربا من الفيلا. كان الضوء قد بدأ يزداد، فقد كانا قد تجاوزا مساحة الأشجار الكثيفة وعلى باب الفيلا، شاهدوا أعدادًا من الرجال، يلتفون حول رجل رفيع. لم تكن تظهر ملامحهم، فأخرج «أحمد» نظارته المكبرة الصغيرة، وبدأ يكشف بها التفاصيل. كان أول ما ركز عليه، هو هذا الرجل الرفيع.
قال: يبدو أنه «تورهام»، فهم يقفون حوله في خضوع.
ضغط «خالد» جهازه، ثم قال: إن «ويللي» ليس بينهم، فالجهاز يعطي زاوية مختلفة عن الزاوية التي يقفون فيها.
ظل «أحمد» يراقب، ثم قال: إنهم يتحدثون.
أخرج «خالد» فراشة صغيرة، ثم ضبط جهازها، وأطلقها في الهواء؛ بعد قليل، كانت الفراشة ترسل لهم حديث الرجال.
جاء صوت ضخم يقول: مسألة عادية أن يأتي السيد «جان بوردو» إلى هنا.
سأل «خالد»: من الذي يتحدث؟
قال «أحمد»: «تورهام».
جاء صوت آخر يقول: ألا تكون خدعة؟
رد صوت ثالث: ومن سوف يخدعنا؟ ولماذا؟!
صمت الجهاز لحظة، ثم جاء صوت «تورهام»: تحدث إلى البوابة، فلا يبدو أن أحدًا يتحرك.
انصرف أحد الرجال. وكان «أحمد» يصف ما يحدث. قال «خالد»: إذن، سوف تبدأ عملية البحث. إن هذا يدفعنا إلى التصرف بسرعة؛ فهذه فرصتنا وهم بالخارج.
أسرع «أحمد» و«خالد» يتحركان بعيدًا عن المكان، وفي اتجاه الفيلا بزاويةٍ مختلفة عن المكان الذي يقفون فيه. أخذا يقتربان من الفيلا، في الوقت الذي كانا يسمعان فيه ما يدور من حديث، من خلال إرسال الفراشة الإليكترونية. وعندما أصبحا خلف الفيلا مباشرة، شاهدا حارسين يقفان عند بابٍ مغلقٍ.
همس «أحمد»: هذه فرصتنا للدخول.
اقتربا في هدوء، حتى كانا على بعد خطواتٍ من الحارسَين. نظر «أحمد» إلى «خالد»، ثم رفع إصبعه، علامة البدء. في لحظة، كانا يطيران في الهواء، ويضربان الحارسين في وقتٍ واحدٍ. سقط الحارسان على الأرض، وفي لمحة كان كل منهما قد تسلم أحد الحارسين. كان أحدهما قويًّا بما يكفي لأن تكون المعركة طويلة، وكان قد اشتبك مع «خالد».
ضرب «خالد» ضربة جعلته يطير في الهواء. وعندما كان يسحب مسدسه، ليصيب «خالد»، كان «أحمد» يضرب الحارس الثاني، وبعد أن انتهى منه ضرب المسدس بقدمه، فطار في الهواء … فوجئ الحارس العملاق بضربة «أحمد». وقبل أن يفيق من دهشته، كان «أحمد» قد ضربه ضربة قوية في وجهه، جعلته لا يرى. في نفس الوقت، كان «خالد» قد تسلم الرجل الذي كان لا يزال يئن من عنف الضربة التي ضربها له «أحمد»؛ فعاجله «خالد» بشمال خطافية، ثم أتبعها بيمين مستقيمة، فتراجع الحارس بشدة، وأسرع «خالد» خلفه، وضربه ضربة قوية، جعلته يسقط بلا حراك. في الوقت الذي كان «أحمد» قد اشتبك مع العملاق في معركةٍ عنيفة، ترك «خالد» حارسه، وانضم إلى «أحمد»، فأصبح العملاق بين الاثنين. وفي دقائق، كان العملاق يتهاوى على الأرض فاقدَ الحركة. أسرعا فربطا الاثنين معًا، وجراهما خلف الشجرة، ثم أسرعا إلى الباب.
عالج «أحمد» أكرة الباب فانفتح؛ دخل في حذر، وخلفه «خالد». كانت أمامهما قاعة واسعة، بها بعض التحف، ونافورة صغيرة في وسطها، تدفع الماء الملون بألوانٍ متعددة، فيبدو منظرها ساحرًا. إلا أن ذلك لم يوقف «أحمد» و«خالد»، كانت هناك عدة أبواب مغلقة في مساحة القاعة.
أخرج «أحمد» الجهاز وضغط عليه، ثم قال: إن «ويللي» خلف هذه الأبواب. ينبغي أن نفترق. أسرع كل منهما إلى باب، وفتحه. دخل «أحمد» بسرعة.
سمع صوت «تورهام» يقول: هناك خدعة. كيف اختفت السيارة؟ ومن بداخلها؟
توقف «أحمد» وهو يتسمَّع لصوت الأقدام التي تتحرك. كانت الأقدام تقترب. نظر حوله، كانت هناك منضدة مستديرة، وحولها عدد من الكراسي. وبجوار الجدران، توجد دواليب خشبية مغلقة. أسرع إلى أحدها وعالج بابه فانفتح؛ دخل فيه بسرعة. كان الدولاب يضم مجموعة من الأسلحة. أغلق الباب على نفسه، وانتظر يسمع صوت الأقدام داخل الحجرة، ثم ظهرت الأصوات. استقر صوت الأقدام؛ فعرف أنهم توقفوا. سمع صوت المقاعد تتحرك؛ ففهم أنهم جلسوا.
قال في نفسه: موقف صعب. يذكرني بحكاية «علي بابا والأربعين حرامي.»
سمع صوت «تورهام» يقول في غضب: لا بد أنها خدعة، اشترك فيها «ويللي». أحضروه فورًا.
قال «أحمد» في نفسه: إن هذه فرصة لا تعوض. إن الغاز يمكن أن يفعل الكثير وانتظر.
كان «تورهام» يقول: لا بد من العثور على السيارة، ومن بداخلها.
ردَّ صوت: إن رجالنا قد بدءوا التفتيش في كل مكان أيها السيد «تورهام».
مرت لحظة صمت، ثم بدأ صوت أقدام يقترب … وأخرج «أحمد» الجهاز، وضغط الزر، ثم ابتسم. عرف أن «ويللي» يقترب.
لحظات، ثم سمع صوت «تورهام» يصرخ: لقد فقدت ابنك.
مرت لحظة صمت، ثم جاء صوت يرتعش: «جان» كيف؟
قال «تورهام»: أنت اشتركت في خدعة للإيقاع بنا.
جاء الصوت المرتعش، الذي فهم «أحمد» منه أنه صوت «ويللي»: أنا؟ كيف أشترك في خدعة، و«جان» بين أيديكم؟ لقد جئت إليكم كما طلبتم، وحسب اتفاقنا.
قال «تورهام»: هل تعرف السيد «جان بوردو»؟
قال «ويللي»: بالتأكيد لا. إنني فقط أسمع عنه …
سأل «تورهام» في غضب: وماذا تعرف عنه؟
قال «ويللي»: أعرف أنه أحد أثرياء «روما»، وأنه صاحب نفوذ كبير.
صاح «تورهام»: وماذا أيضًا؟
قال «ويللي»: ربما أعرف أنه على علاقة وثيقة بك.
صرخ تورهام: إذن أنت شريكٌ في المؤامرة.
فقال «ويللي»: أي مؤامرة؟! إنني لا أفهم شيئًا.
سمع «أحمد» ضربة قوية على المنضدة، ثم صوت «تورهام»: إذن لقد فقدت ابنك. ثم أضاف بسرعة: رسالة، فلينتهِ «جان» الصغير.
صرخ «ويللي» باكيًا: أيها السيد «تورهام»، إنني لا أعرف شيئًا، إنني بريء، و«جان» ابني أيضًا.
فكر «أحمد» بسرعة: إن رسالة إلى أي مكان، يمكن التقاطها، لكنه فكر في نفس الوقت حتى لو التقطناها، فلن نملك عمل شيء.
سمع صوت «ويللي» الباكي يقول: يا سيدي، أنا لا أعرف شيئًا. أرجوك ارحمني، وارحم ابني.
قال صوت: فلننتظر حتى يتم تفتيش المكان. فربما كان هناك خطأ ما.
فكر «أحمد» بسرعة، ثم استقر على رأي، أن يظهر «خالد» ويقع في أيديهم، بعدها يمكن التصرف. أرسل رسالة إلى «خالد» يشرح له ما حدث، ويطلب منه أن يظهر أمامهم، ويمكنهم من القبض عليه. في نفس الوقت أرسل رسالة أخرى إلى «عثمان» و«إلهام». كانت الرسالة: «لا – ن – ة – د – ن – أ – ة». وكانت ترجمة الرسالة: «ادخلا المكان بسرعة؛ لا بد أن تبدأ المعركة.»
فجأة، سمع ضجيجًا، فركز سمعه، توالت طلقات رصاص، وشعر بالفزع، فقد خشي أن يُصاب «خالد» بطلقٍ ناري، لكنه في نفس الوقت قال في نفسه: إن الشياطين يعرفون كيف يتصرفون. انتظر. علا صوت الضجيج أكثر، حتى ملأ المكان، ثم سمع صوت «خالد» يقول في تحدٍّ: احذروا أي خطأ.
صمت كل شيء … مرت لحظات، لم يسمع فيها «أحمد» شيئًا، لكن رسالة جاءته من «عثمان» تقول: «اجتزنا البوابة. نحن في الطريق إلى الفيلا.»
أسرع يرسل رسالة إلى «خالد» حتى يطمئن. وقال في الرسالة: «الزاوية ٤٥ درجة. نفس المكان.»
سمع صوت «تورهام» يقول: أنت سائق السيارة؟
ردَّ «خالد» في هدوء: نعم.
سأل «تورهام»: أين سيدك؟
قال «خالد»: لا أدري، لقد نزلت من السيارة لأمرٍ ما، وعندما عُدت لم أجد السيد، ولا السيارة.
صرخ «تورهام»: هل ابتلعته الأرض؟
قال «خالد» بصوتٍ قريبٍ من السخرية: لا أدري يا سيدي، ربما حدث ذلك.
سمع «أحمد» صوت خبطة على المنضدة، ثم صوت «تورهام» يصرخ: هل تسخر؟
قال «خالد» بنفس الهدوء: أبدًا يا سيدي.
قال «تورهام»: هل تعرف السيد «ويللي»؟
أجاب «خالد» في تساؤل: ومن يكون السيد «ويللي»؟
مرَّت لحظات صمت، ثم قال «تورهام»: يبدو أنك لن تتحدث كما أريد.
خذوه إلى حظيرة الكلاب.
فكر «أحمد» بسرعة: إن «خالد» يمكن أن يتعرض لخطرٍ شديد. الآن يجب أن نبدأ عملية الغاز …