الشياطين يدخلون معارك متلاحقة!
أخرج «أحمد» أنبوبة صغيرة مملوءة بغازٍ شفاف من جيبه، ثم فتحها فانساب الغاز. قربها من باب الدولاب، فأخذ الغاز يتسرب إلى الحجرة. مرت لحظات، سمع بعدها سعالًا حادًّا، وصوت «تورهام» يقول: ماذا حدث؟ هل هناك شيء في الحجرة؟
فهم «أحمد» أن الغاز قد بدأ مفعوله … وأخذت الأصوات تقل، ثم تتباعد، حتى اختفت. فتح «أحمد» الدولاب في حذرٍ، فوجد «خالد» ممددًا على الأرض. أسرع إليه، فقد فهم أن الغاز قد أثر فيه. أسرع يقرب زجاجة صغيرة من أنفه؛ ثم أسقط نقطتين.
تنفَّس «خالد» في عمق، ثم فتح عينيه، وقال: كدت أنتهي.
قال «أحمد»: معذرة. كان الوقت ضيقًا، لكني أعرف قدرة احتمالك.
هزَّ «خالد» رأسه، ثم قال: يجب أن نسرع، لقد خرجوا، ومعهم «ويللي».
فجأة، وصلتهما رسالة من «عثمان»: «ن – ل – لا – ي – ة – م». وكانت ترجمتها: «نحن داخل الفيلا في النقطة «م».»
قال «أحمد»: إنهما قريبان منا.
أرسل لهما رسالة: «راقبا الموقف، فقد بدأ التصادم.»
فجأة، بدأت أصوات أقدام تقترب. أسرعا إلى الباب، ثم خرجا. كانت الصالة الواسعة أمامهما أخرج «خالد» قنبلة دخان، ثم نزع الفتيل، وألقاها. في دقائق، كان الدخان يملأ القاعة … تسرب بسرعة، في الوقت الذي سمعا فيه صوتًا يصيح: هناك حريق.
أخذا جانبًا واختفيا. فجأة، اندفعت مياه قوية من الباب الخارجي. لقد ظنوا أن الدخان نتيجة حريق. تقدم «أحمد» وخلفه «خالد»، حتى وقفا عند الباب. كانت المياه لا تزال تندفع.
قال «أحمد»: يجب أن نبحث عن مكانٍ آخر.
عادا بسرعة إلى أحد الأبواب، فتحه «أحمد». لم يكن هناك أحد. كانت الحجرة تضم مكتبًا وعددًا من المقاعد. وفي المواجهة، كانت توجد نافذة مفتوحة. فجأة انفتح باب جانبي. التفتا بسرعة، وقد سحب كل منهما مسدسه، لكنهما وجدا «عثمان» وخلفه «إلهام».
قال «أحمد»: يجب أن نراقب الرسائل اللاسلكية التي تخرج من هنا؛ فقد نفقد «جان» الصغير.
أسرع هو و«خالد» يغادران الحجرة، فدخلا حجرة أخرى. كانت خالية هي الأخرى، لكن فجأة سمعا صوتًا يقول في سخرية: لا داعي للعجلة.
أخذا جانب الحائط، وهما يراقبان كل الأماكن إلا أن الصوت قال مرةً أخرى: لا داعي للخوف، إنكما في أمانٍ الآن. سوف نلتقي حالًا.
أسرعا إلى الباب يفتحانه، إلا أنه كان مغلقًا. حاول «أحمد» أن يعالج أكرة الباب، لكنه كان موصدًا تمامًا، حتى إن الأكرة لم تتحرك. أخرج «خالد» مسدسه، ثم ثبت فيه جهازًا صغيرًا، وضغط الزناد. خرج شعاع غير مرئي، وفي لحظة كان الباب مفتوحًا. أسرعا إلى داخل الحجرة الأخرى. كان «عثمان» و«إلهام» لا يزالان فيها.
قال «أحمد» بسرعة: يجب مغادرة المكان، حتى لا نقع في أيديهم.
في لمح البصر، كانوا يقفزون من النافذة إلى الحديقة، لكنهم وجدوا مجموعة من الرجال في انتظارهم، ولم يكن أمامهم سوى الاشتباك … سحب أحد الرجال مسدسه، إلا أن آخر صرخ: لا تستخدم مسدسك. إن الزعيم يريدهم في أتم صحة.
وقف الشياطين أمام الحراس، وكان عددهم ستة. نظر «أحمد» إلى «إلهام»، فقال أحد الحراس بسخرية: لا تخَفْ؛ سوف تكون الآنسة في أمان.
لكن «أحمد» لم يكن يخشى شيئًا بالنسبة «لإلهام»، فقد كان يعطيها إشارة البدء. وفي لحظة، كانت المعركة قد بدأت … قفزت «إلهام» برشاقة جعلت الحراس ينظرون إليها في دهشة، وهذا ما فكر فيه «أحمد». وبضربةٍ واحدة، كانت قد أطاحت باثنين معًا. في نفس الوقت، الذي فعل «خالد» نفس الشيء. وكان من نصيب «عثمان» و«أحمد»، رجلان فقط. كانت إلهام مثار الدهشة للجميع، ففي دقائق كانت قد انتهت من الرجلين، ووقفت ترى بقية المعركة. كان «خالد» لا يزال يشتبك مع اثنين، فأسرعت إلى أحدهما، وكان يسحب خنجرًا من حزامه، وقبل أن يرفع يده كانت قد طارت في الهواء، ثم ضربته بمشط قدمها في وجهه، فتراجع في عنف، حتى إنه لم يتمالك نفسه، فأسرعت تجهز عليه بضربةٍ أخرى.
فجأة، سمعوا صوتًا يقول: إنهم مجموعة طيبة؛ ربما نستطيع أن نستفيد منهم …
نظرت «إلهام» إلى مصدر الصوت. كان «تورهام» يقف في الشرفة، وهو يبتسم. انتهت المعركة ووقف الشياطين.
فقال «تورهام»: لا داعي للعجلة. إن المكان مُحاصر تمامًا، ولن يستطيع أحدكم الإفلات منا. فالحراسة هنا شديدة. وصمت لحظة، ثم أضاف: إنني لا أفهم شيئًا؛ وأريد أن أعرف ماذا تريدون.
لم يكن «ويللي» بين الذين يقفون مع «تورهام»، ولم يرد الشياطين عليه، فقال مبتسمًا: أرجو أن تقبلوا ضيافتي حتى نتحدث. ثم اختفى.
قال «أحمد»: فلنختفِ بسرعة.
عثمان: عليك بمراقبة الرسائل التي تخرج من الفيلا.
في دقائق كان الشياطين يختفون داخل النباتات التي تحوط الفيلا. كان «عثمان» قد أصبح وحده، فقد تحددت مهمته في مراقبة الرسائل، في نفس الوقت الذي تحرك فيه «أحمد» و«خالد» و«إلهام»، حتى أخذوا مكانًا جيدًا، يراقبون منه أي حركة تحدث.
مرت دقائق، ثم ظهر عدد من الحراس، همس «أحمد»: سوف آخذ طريقي إلى حيث يوجد «ويللي».
أخرج الجهاز وضغطه، ثم ظهرت الدهشة على وجهه، قال: إن «ويللي» يبتعد عن المكان؛ يجب أن نتبعه … صمت لحظة … ثم أرسل رسالة إلى «عثمان»: «استمر في المراقبة، فسوف نغادر المكان.»
كانت أضواء كثيرة قد ظهرت في المكان، وكان هذا يمثل عقبة شديدة أمامهم، لكنهم تقدموا في اتجاه السيارة، فجأة سمعوا صوت سيارة، ثم ظهرت أضواؤُها، أسرع الشياطين أكثر، حتى أصبحوا قريبين من سيارتهم القديمة. في نفس الوقت قالت «إلهام»: إن سيارتنا في الخارج.
قفزوا في السيارة، جلس «أحمد» إلى عجلة القيادة، وفي براعة تراجع بالسيارة، حتى لا تسقط بين الأشجار، وعندما أخذت السيارة اتجاهها على الطريق كانت السيارة الأخرى قد وصلت إلى البوابة. ضغط «أحمد» البنزين؛ فانطلقت السيارة، وفي لحظات، كانت تقترب من البوابة التي كانت سيارة العصابة قد تجاوزتها. رأى «أحمد» عددًا من الحراس يسدون المكان؛ فرفع سرعة السيارة ثم اندفع بها في اتجاه الحراس مباشرة، كانوا يرفعون أيديهم إشارة للوقوف، لكنه لم ينتظر، ولم يكن أمام الحراس، إلا أن يلقوا بأنفسهم بعيدًا عن طريقه، خوفًا من أن يصدمهم. في نفس الوقت، تجاوزت السيارة البوابة، وكانت سيارة العصابة تظهر أمامهم في الليل، لكن المسافة بين السيارتين كانت بعيدة.
أسرع «أحمد» أكثر حتى اقترب منها، ثم ضغط زرًّا في تابلوه السيارة، فخرج شعاع غير مرئي … فجأة كانت سيارة العصابة تدور حول نفسها، عدة مرات، ثم تتوقف في نفس اللحظة التي كانت فيها سيارة الشياطين قد وقفت أمامها مباشرةً، قفز الشياطين بسرعة، قبل أن يتمكن أي من رجال العصابة من الحركة، ولم يكن هناك مفر من أن ينزلوا في هدوءٍ من السيارة، وقد رفعوا أيديهم. كان «ويللي» بينهم، يقف مشدوهًا لا يدري شيئًا، ولا يفهم شيئًا منذ رأى «إلهام» في المطار.
قال «أحمد»: استديروا.
استدار الرجال، لكن فجأة كان أحدهم يدور في سرعة ليضرب «خالد» الذي كان بجواره، إلا أن «خالد» كان حذرًا، فتلقى الضربة في هدوء، وردها بلكمةٍ قوية جعلت الرجل يترنح، وكانت هذه الحركة كافية لأن يقف الآخرون بلا حركة. تقدمت «إلهام» فجمعت مسدساتهم، في نفس الوقت الذي قام «خالد» بربط أيديهم.
وقال «أحمد»: حتى لا يفقد أحدكم حياته، ينبغي أن تنفذوا تعليماتنا، صمت قليلًا، ثم قال: اثنان يتقدمان إلى السيارة، ومعهما «خالد» و«إلهام»، واثنان معنا، «ويللي» وأنا.
أصدر «أحمد» التعليمات، فنفذوها بسرعة، وفي دقائق كانت السيارتان تنطلقان.
قال «أحمد»: أين يوجد «جان»؟
نظر له الاثنان لحظة، ثم قال أحدهما: شارع ٣٦ رقم ٩.
أسرعت السيارتان إلى العنوان، وكان الطريق خاليًا، فلم يستغرق وقتًا، وأمام العنوان اقتربت السيارتان في بطء؛ كان «أحمد» يعرف أنه يمكن أن يكون هناك كمين لهم. أوقف السيارتين بعيدًا، ثم طلب من «ويللي» أن ينزل ليرى الطريق. كان المكان هادئًا تمامًا، نزل «ويللي» بسرعة، كانت فكرة «أحمد»، أن رجال العصابة لن يشكوا في «ويللي»، وهذا يساعدهم على تنفيذ خطتهم في إنقاذ «جان». اقترب «ويللي» من المنزل في حذر، لكنه لم يجد أحدًا.
أشار إلى «أحمد»، فنزل إليه مسرعًا، وهو يشير إلى «خالد» و«إلهام» إشارات فهماها، تقدم هو و«ويللي» حتى باب المنزل، غير أن أحدًا لم يظهر. كان الباب مغلقًا، أخرج «أحمد» آلة صغيرة من جيبه، ثم وضعها في الباب وعالجه في هدوء فانفتح، تقدم في حذر، وتقدم «ويللي» خلفه، كان المنزل مكونًا من ثلاثة طوابق.
قال «ويللي» هامسًا: فلنستخدم المصعد.
فرد «أحمد»: إن ذلك يجعلنا محبوسين في حجرة، ويعرضنا للخطر.
أسرعا إلى السلم، فصعدا بسرعة، وفي الطابق الأول لم يجدا أحدًا. مرَّا في الغرف، غير أن شيئًا لم يظهر. أسرعا إلى السلم فصعداه إلى الطابق الثاني، كان الطابق مهجورًا، هادئًا.
قال «ويللي»: لا بد أنهم خدعونا.
نظر «أحمد» حوله، ثم قال: فلنصعد إلى الطابق الثالث حتى نتأكد.
أسرعا إلى السلم، إلا أنه كان قد انتهى، وكان الصعود إلى الطابق الثالث يحتاج إلى المصعد، فليست هناك وسيلة أخرى.
فكر «أحمد» قليلًا، ثم همس: إنها خطة ذكية، فمن يدخل المصعد يكون تحت سيطرتهم.
توقف لحظة أمام باب المصعد، ثم ضغط الزر، لحظات ثم توقف المصعد أمام الباب، فتح الباب، ثم قال ﻟ «ويللي»: اصعد أنت، وسوف ألحق بك.
دخل «ويللي»، ثم أغلق الباب وصعد، وانتظر «أحمد» وهو يتسمع في تركيز. توقف المصعد، ثم سمع صوت فتح الباب. مرت لحظات صامتة، ولم يسمع «أحمد» شيئًا، فكر؛ هل يكون «ويللي» قد وقع في أيديهم.
انتظر دقائق دون أن يصدر أي صوت، فكر بسرعة: لا بد أن أصعد، لكن دون دخول المصعد، حتى لا أقع في أيديهم إذا كانوا هناك. نظر إلى السقف، لم يكن هناك أي مكان يسمح بالمرور إلى الطابق الثالث. أسرع إلى إحدى الحجرات، ثم فتح نافذتها، ونظر إلى نوافذ الطابق الثالث، كانت مغلقة، وكان الظلام والهدوء يلف كل شيء. عاد إلى الجانب الآخر، وفتح نافذة أطل منها على الشارع، كانت السيارتان تقفان في مكانيهما. عاد مرة أخرى إلى حيث كانت النافذة المفتوحة؛ قفز إلى حافتها، ثم خرج منها، وقف يراقب نوافذ الطابق الثالث حتى يحدد مكانًا يمكن أن يقفز إليه، وقعت عينه على القضبان الحديدية التي تمتد فوق النوافذ. نظر إلى أسفل، لم يكن المكان مرتفعًا، وقال في نفسه: إنه يمكن القفز من هذا الطابق إلى الأرض دون إصابات.
في هدوء استجمع قواه، ثم قفز في الهواء، حتى استطاع أن يمسك بالقضبان الحديدية. كان جسده معلقًا في الهواء. استجمع قواه مرةً أخرى، ثم رفع نفسه معتمدًا على قوة ساعديه، حتى وقف فوق حافة النافذة. كان الزجاج مغلقًا، وكانت القضبان قريبة من بعضها فلا تعطي فرصة لأي شيءٍ ينفذ منها. أخرج جهازه الصغير، وثبته فوق فوهة المسدس، ثم ضغط الزناد، فانساب الشعاع الذي جعل القضبان الحديدية لينة تمامًا. أفسح بين القضبان، بما يكفي لأن يمر، ثم ضغط الزناد مرةً أخرى، على قفل النافذة؛ فانفتحت. وفي لحظةٍ كان يقف داخل حجرة مظلمة، لم يستطع أن يعرف تفاصيلها. أخذ يتسمع لأي حركةٍ حوله، فلم يسمع شيئًا، وركز نظره تمامًا فعرف مكان الباب، تقدم في حذر حتى وصل إليه، كان الباب مغلقًا. مد يده إلى مزلاج الباب وأداره، فدار معه؛ فتح الباب، فرأى المصعد، لكنه لم يجد «ويللي» … فجأة … كأن سقف الطابق الثالث قد وقع فوقه، لكنه احتمل الثقل الذي نزل عليه، وعندما استدار بسرعة، كان عملاقًا يتطاير الشرر من عينيه، يرفع يده لينزل بها مرةً ثانية فوق رأسه … لكنه أسرع بالإفلات من القبضة التي ارتفعت … ثم بدأت معركة شرسة.