إلهام … تبكي هي الأخرى
نزلت قبضة العملاق في اتجاه رأس «أحمد»، إلا أنه كان أسرع منه، فقد ابتعد عن طريقه، ثم عاجله بلكمةٍ قوية، إلا أن العملاق لم يتأثر. فهم «أحمد» أنه أمام قوة لا يستهان بها، فطار في الهواء، وضربه ضربةً مزدوجة بقدميه معًا، فتراجع العملاق في قوة، واصطدم بالحائط. أسرع «أحمد» يضربه نفس الضربة مرةً أخرى، فصرخ العملاق في وحشية، عرف أنه بدأ يتأثر من الضربة، وقبل أن يفيق من الألم، طار في الهواء وضربه، فاصطدم بالحائط، وارتفعت الصرخة أكثر، غير أن اللكمات لم تكن تجدي، فقد بدأ «أحمد» يشعر بالتعب. أسرع فأخرج مسدسه، وثبت فيه حقنة مخدرة، وأطلقها بسرعة عليه. ابتسم العملاق، ولم يظهر عليه أنه قد تأثر كثيرًا، لقد بدأت خطواته تتأرجح ثانية، وعرف أنه يحتاج إلى حقنةٍ أخرى؛ فعاجله بها. فتوقف العملاق لحظة، ثم تهاوى على الأرض، فأحدث صوتًا … توقف «أحمد» وقد أدهشه أن أحدًا لم يظهر، قال في نفسه: هل يمكن أن يكون العملاق وحده؟
اقترب من الباب، وبدأ يتحسسه، فاكتشف أنه مجهز بعازل للصوت. أخرج جهاز الكشف، وضغطه، فعرف أن «ويللي» بالداخل. فكر قليلًا، إلا أن تفكيره لم يستمر، فقد وصلته رسالة من «عثمان»: «العنوان ٨٩ شارع ٢١٦.»
حشى «أحمد» مسدسه بعدة طلقات، ثم أطلق طلقتين متتابعتين على باب الحجرة فانفتح. في نفس اللحظة، انهمرت طلقات الرصاص من داخل الحجرة، لكنه كان يقف في مكان لا يعرضه للخطر، وانتظر حتى تتوقف الطلقات، لكنها لم تتوقف. فكر لحظة، ثم أرسل رسالة إلى «خالد» و«إلهام»: «العنوان ٨٩ شارع ٢١٦ سوف ألحق بكما.»
أخرج قنبلة دخان، ثم نزع فتيلها، وألقى بها داخل الحجرة، وفي دقائق كان الجميع يخرجون، وهم يسعلون؛ أسرع يجذب «ويللي» من بينهم.
وقال: ينبغي ربطهم، حتى نلحق بالآخرين، إن «جان» في مكانٍ آخر.
وفي دقائق كان أفراد العصابة يرقدون على الأرض، وهم مكتوفو الأيدي.
انطلق «أحمد»، وخلفه «ويللي»، ركبا المصعد إلى الطابق الأرضي، وعندما خرجا، أخرج «أحمد» مادة لاصقة، فوضعها بين ضلفتي الباب، ثم أغلقه في قوة وهو يقول: لن يستطيع أحد فتحه إلا بمعونتي.
أسرعا إلى السيارتين، وكانت هناك واحدة فقط، هي السيارة القديمة؛ فقفزا داخلها. أدار «أحمد» محركها، ثم لف بالسيارة لفة كاملة، وعندما كاد ينطلق، سمع صوت كلاكس سيارة، فنظر في المرآة، وعرف أنها سيارة «عثمان». كان اثنان من أفراد العصابة يرقدان في المقعد الخلفي لسيارة «أحمد»، ولذلك قال: اتبعنا إلى العنوان.
انطلقت السيارتان، تشقان شوارع روما إلى شارع ٢١٦. كان الشارع يقع في منطقةٍ منعزلة، ولذلك فقد استغرق الطريق وقتًا، وعندما اقتربوا من المكان، تحدث «أحمد» إلى «عثمان» بالتليفون الموجود داخل السيارة. قال: اتجه إلى الطرف الآخر من المكان.
كان «ويللي» ينظر إلى «أحمد» في إعجابٍ ودهشة. فهو لم يعرف حتى الآن، من هؤلاء الذين يساعدونه، وهل هم تابعون للمخابرات مثله؟ وهل المخابرات هي التي أرسلتهم؟ لكنه مع ذلك لم ينطق بكلمة، فقد أجل كل أسئلته، حتى يعثر على ابنه المخطوف.
توقف «أحمد» قريبًا من المنزل ٨٩، وجاءته رسالة من «خالد»: «نحن في النقطة «ل». الجميع في الداخل، فقد حاولوا الخروج، ثم تراجعوا، الطفل معهم.»
نقل «أحمد» الجملة الأخيرة إلى «ويللي»، حتى يطمئنه، فقال «ويللي»: إنني لا أدري ماذا أقول!
أسرع «أحمد» يقاطعه: لا داعي الآن.
أوقف السيارة في منحنى شارع مظلم، ثم نزل وهو يقول: هيا، إنها الجولة الأخيرة.
اقتربا في خطواتٍ حذرة من المنزل. لم يكن منزلًا مرتفعًا، فقد كان مكونًا من طابقين، لكنه لا يأخذ شكل الفيلا، وكانت تحوطه حديقة واسعة، مزروعة بكثيرٍ من أشجار الفاكهة والزهور، وحول الحديقة سور حديدي يعطي فرصة لأن يرى الإنسان ما بالداخل، وإن كانت هناك نباتات متسلقة، تزحف على أجزاء كثيرة منه، ولذلك فقد فهم «أحمد» أنهم يستخدمون المنزل منذ وقتٍ قريب.
اقتربا من السور الحديدي … لكن فجأة … اصطدم شيء معدني بالسور، فعرف «أحمد» أنها طلقة نارية خرجت من مسدس عليه جهاز كاتم للصوت؛ أسرع بالرقود على الأرض، وهو يجذب «ويللي» معه، زحفا إلى مكانٍ آخر، حتى لا يتعرضا لطلقات الرصاص. أرسل رسالة إلى الشياطين تقول: «ينبغي الدخول إلى المنزل بسرعة، قبل أن يحدث شيء، من الواضح أنهم يعرفون بوجودنا.»
دار دورة طويلة، ثم اقترب من السور، كانت الفراغات الموجودة بين القضبان الحديدية، لا تتسع لجسم إنسان. أخرج مسدسه، وثبت عليه جهاز الأشعة، ثم ضغط الزناد، أصبح الحديد لينًا بما يكفي لأن يعالجه، أخذ «ويللي» يفعل نفس الشيء، وفي هدوء، دخلا إلى الحديقة. كانت المسافة بعيدة، بين السور والمنزل. أرسل رسالة إلى الشياطين، فردوا عليه كانوا جميعًا قد تجاوزوا السور إلى الداخل.
قال «ويللي» في خوف: أخشى أن يفعلوا شيئًا في «جان» إذا واجهناهم.
ردَّ «أحمد» هامسًا: لا تخشَ شيئًا، سوف يكون في أمان، فهو هدفنا أولًا، قبل أن نصطدم بهم.
زحفا في اتجاه المنزل، كان الظلام الذي يحوط المكان كافيًا لأن يكونا في أمان. أصبحا عند جدار المنزل، أخرج «أحمد» سماعة صغيرة، ثم لصقها بالجدار، وبدأ يستمع إلى ما يدور في الداخل، كانت أول جملة سمعها كافية لأن تحدد حركتهما بعد ذلك.
كانت الجملة: «انقل «جان» في حجرة الاجتماعات، حتى يكون جاهزًا لخروجه من الباب الخلفي.»
أرسل رسالة إلى الشياطين: «من منكم عند الباب الخلفي؟»
جاءه الرد من «خالد»: أمامي باب صغير، وهناك حركة في اتجاهه.
همس إلى «ويللي»: إننا نقترب من «جان»، وسوف يكون بين أيدينا خلال دقائق.
لمعت عينا «ويللي» بالفرحة، حتى كاد يبكي؛ أنه أخيرًا سوف يرى ابنه.
اتجها إلى حيث يوجد «خالد» و«إلهام»، وعندما أصبحا معهما قال «أحمد»: اتجه إلى الطرف الآخر أنت و«ويللي». سوف أتقدم أنا و«إلهام» في اتجاه الباب الصغير.
انسحب «ويللي» و«خالد». أشار «أحمد» إلى «إلهام»، ثم تقدما من الباب. فجأة، سمع دوي طلقات متبادلة، فقال في نفسه: لقد اشتبك الشياطين، هذه فرصة طيبة، فهم سوف يقومون بتهريب «جان»، كما رسموا خطتهم الآن. كان هو و«إلهام» يواجهان الباب مباشرة. فجأة، انفتح الباب، وظهر رجلان، وقفا لحظة، ثم أشارا إلى أحد بالداخل. دقيقة ثم ظهر «جان» بيد أحد الرجال.
نظر «أحمد» إلى «إلهام»، ثم همس: فلنبدأ.
في ثانية، كانت المسدسات جاهزة بالإبر المخدرة، بينما كانت طلقات الرصاص مستمرة في الجانب الآخر. رفع «أحمد» إصبعه، ثم أنزله، فانطلقت إبرتان معًا في اتجاه الرجلين الأماميين. كان الجميع قد خرجوا من الباب. لحظة، ثم سقط الرجلان. وقف الرجل الثالث ينظر حوله، ثم جذب الطفل واستدار عائدًا. إلا أن «إلهام» كانت أسرع منه، فأطلقت إبرة مخدرة عليه، فسقط هو الآخر.
بينما كان الطفل يقف حائرًا …
همس «أحمد»: إبرة مخدرة صغيرة إلى عزيزنا «جان» …
وعندما كانت «إلهام» تنفذ تعليمات «أحمد»، كان هو قد زحف بسرعة في اتجاه الطفل، كان «أحمد» قد فكر: إن الطفل قد يصرخ خوفًا مما حدث حوله، وقد يصرخ عندما يراه، وهذا في النهاية يكشف وجوده و«إلهام»؛ لكنه عن طريق الإبرة المخدرة يمكن أن ينقله في هدوء، ودون أي خطر.
وعندما أصابت الإبرة ذراع «جان»، كان فعلًا قد أوشك على الصراخ، لكنه لم يكمل صرخته، فقد بدأ يتهاوى على الأرض، إلا أن «أحمد» لحق به، وحمله بين ذراعيه بسرعة ثم عاد. وفي هدوءٍ، تسلل هو و«إلهام» في اتجاه السور الحديدي من حيث دخل هو و«ويللي»، وتحت شجرة ذات أغصان كثيفة، أعطى الطفل ﻟ «إلهام» وهو يقول: سوف ألحق بهم حتى ننهي المعركة.
انسحب بسرعة في اتجاه المنزل وبزاويةٍ حادة بعيدًا عن مكان الشياطين، أخرج قنبلة صوتية، وألقاها في اتجاه المنزل، ولم تمر لحظات، حتى انفجرت القنبلة، فأحدثت دويًّا هائلًا، أعقبه هدوء شديد، فقد توقفت طلقات الرصاص عندما ارتفع صوت القنبلة.
لحظة، ثم تلقى «أحمد» رسالة من الشياطين تقول: «لقد نجحت الخطة.»
ظل الصمت ممتدًّا لعدة دقائق، غير أن «أحمد» فكر أن ينهي الموقف، فأخرج قنبلة صوتية أخرى، ومن النافذة المفتوحة أمامه ألقاها في داخل المنزل. كانت قنبلة زمنية ضبط زمن فرقعتها بعد خمس دقائق، ولذلك كانت الدقائق مشحونة بالترقب.
أرسل رسالة إلى الشياطين تقول: «هناك واحدة أخرى.» ومع نهاية الدقائق الخمس، ارتفع صوتٌ عنيفٌ هزَّ المنزل جميعه، وفي لحظات كان من بداخله يهرولون إلى الحديقة خوفًا، فأصبحوا أمام الشياطين، وكأنهم فئران هاربة، وبسهولة.
وقفوا فجأة، عندما سمعوا صوت «أحمد» يقول: ألقوا أسلحتكم، المكان محاصر من كل الاتجاهات. ألقى الرجال أسلحتهم دون أن يتحرك أحدهم من مكانه. تقدم «خالد» يجمع السلاح الملقى على الأرض.
في نفس الوقت اقترب فيه «ويللي» من «أحمد» وهو يتساءل: هل أدخل للبحث عن «جان»؟
ابتسم «أحمد»، وقال: أين الماس؟
قال «ويللي» بسرعة، وهو يضع يده في جيبه: إنه معي.
وبينما كان يخرجه، قال: لقد أخبرتهم أنه موجود في خزانة الفندق، حيث أنزل، لكنني كنت أحمله معي، خوفًا من حدوث شيء.
قال «أحمد»: دعه في جيبك، لقد كنت أطمئن عليه.
سأل «ويللي»: أين ابني «جان»؟
قال «أحمد»: إنه في أمان.
اتسعت عينا «ويللي»، فلم يكن يصدق ما سمعه من «أحمد»، إلا أن «أحمد»، قال: سوف تراه حالًا.
نظر «ويللي» لحظة ﻟ «أحمد»، ثم انهار باكيًا. لقد كان منظرًا مؤثرًا، جعل الشياطين يهتزون أمام عواطف الأبوة. ولم يكد «ويللي» يتمالك نفسه، حتى كانت «إلهام» تقترب وهي تمسك «جان» الصغير في يدها.
كان الشياطين يراقبون تلك اللحظة، فما إن رأى «جان» والده، حتى هتف: بابا. ثم جرى إليه … في نفس اللحظة التي لم يستطع فيها «ويللي» أن يفتح فمه، فقد فتح ذراعيه فقط، بينما كانت دموعه تسيل، واحتضن ابنه باكيًا في عُنف، جعل «إلهام» تمسح دمعة نزلت بالرغم منها … ووسط المشهد المؤثر، ارتفعت كلاكسات سيارات الشرطة تمزق صمت الليل. نظر الشياطين إلى بعضهم، فقال «عثمان»: نعم، على الشرطة أن تقوم بدورها.
وفي دقائق كانت سيارات الشرطة تقف حول المنزل تحاصره لحظات، كان أحد الضباط يقترب من الشياطين، في الوقت الذي دخل خلفه «تورهام»، وفي يده السلاسل الحديدية، وحوله عدد من رجاله؛ تحت حراسة الشرطة.
قال الضابط يخاطب «أحمد»: إن شرطة إيطاليا تقدم تحيتها لهذه المعاونة العظيمة، فقد مرت ليالٍ طويلة لم نذُق فيها طعمَ النوم، بحثًا عن عصابة «الورقة الزرقاء».
رفع «ويللي» وجهه المبلل بالدموع في اتجاه «أحمد»، وفتح فمه ليتحدث، إلا أن «أحمد» رفع يده، بمعنى: لا داعي، لقد قمنا بواجبنا فقط.
نظر «ويللي» في اتجاه «تورهام» الذي كان ينظر إلى «أحمد» في غيظٍ مكتومٍ، ثم أدار عينيه بين رجال «تورهام»، وقال ﻟ «أحمد»: هذا هو العميل الذي خدعني! ثم أشار إلى رجل قصير قبيح، كان يقف قريبًا من «تورهام». وكان ينظر إلى «ويللي» في حدة.
أخذ رجال الشرطة يجمعون أفراد العصابة، بينما كان الشياطين يقتربون من «ويللي» يحيونه، وحمل «أحمد» «جان» وقبَّله، ثم انسحبوا عائدين إلى سيارتهم التي تقف في الخارج، بينما كان «ويللي» يحمل ابنه الصغير، ويأخذ طريقه إلى الخارج.
كانت الساعة الرابعة صباحًا، عندما أرسل «أحمد» رسالة من السيارة إلى رقم «صفر» تقول: «انتهت المغامرة.»
وجاء الردُّ سريعًا يقول: من رقم «صفر» إلى الشياطين: «تهنئتي، الاجتماع غدًا في الرابعة مساءً.»