التغلب على المعوقات الشخصية عند العمل مع الآخرين
عندما نتناول موضوعًا نوقش باستفاضةٍ مثل هذا الموضوع، نندهش لكون المعوقات ما زالت تُشوِّه القادة. وكثير من القادة يدركون أن صفاتٍ معينة — لنذكر ثلاثًا منها فحسب: الغرور، والتقلب المزاجي، والمثالية — يمكن أن تقلِّل من كفاءتهم إذا لم «يُتحكَّم» فيها. لقد كُتِبت مقالات وكُتُب (بما فيها كتابنا «لماذا يفشل الرؤساء التنفيذيون؟») من أجل مواجهة ظاهرة المعوقات، وقد عرض بوب هوجان وزملاؤه أبحاثًا أشارت إلى التأثيرات السلبية لصفاتٍ مثل عدم الثقة والقلق وحدة الطبع وضعف التكيُّف الانفعالي عمومًا على الكفاءة القيادية. لقد وجَّهنا وعملنا مع مئاتٍ من كبار التنفيذيين حول العالم، ولاحظنا كيف أن جوانبَ سلبيةً من شخصيتهم تُشكِّل جزءًا كبيرًا من بيئة مرءوسيهم المباشِرين. ويبدو معقولًا افتراض أن معظم القادة فكَّروا على الأقل في هذا الموضوع.
ربما كانت تلك هي المشكلة؛ فعلى الرغم من أن كثيرًا من المسئولين التنفيذيين فكَّروا في هذا الموضوع، فإنهم لم يتعاملوا معه من منظور القلب. وقد يكون كثير من القادة مستعدين للاعتراف بأنهم قد يكونون مديرين مغرورين يُثقِلون الكاهل بالمتطلبات في بعض الأحيان، لكن ذلك الاعتراف معرفيٌّ بحت وغير عاطفي. إنهم لا يفكِّرون في آثار ذلك على الناس من حولهم، وبسبب فشلهم في تفهُّم ذلك السلوك من منظورٍ عاطفي، فإنهم لا يواجهونه بالعمق الكافي لإدارته بكفاءة. أو لنعبر عن ذلك بطريقةٍ مختلفةٍ نسبيًّا؛ إنهم لا يفكِّرون في سبب تصرُّفهم بهذه الطريقة، وكيف يؤثِّر ذلك السلوك على الأشخاص الآخرين وعلى كفاءتهم في العموم.
بطبيعة الحال، حتى إذا تناولوا ذلك السلوك من زاوية القلب، فلا بد أن يُظهِروا أيضًا الشجاعةَ في إدارته. ويلزم قدر كبير من الشجاعة لتغيير سلوكٍ ليس سيئًا بالكامل؛ فالمعوقات هي في الغالب الجانب المظلم لصفاتٍ إيجابيةٍ ساعدت الأشخاص على تحقيق قدرٍ معينٍ من النجاح.
وكما يوحي عنوان الفصل، فإن الفهم (العقل)، والتقبُّل (القلب)، والتغلب على هذا السلوك (الشجاعة)؛ كلها أجزاء من العملية. وعلى الرغم من ذلك، فإننا سنركِّز فيما يلي على عناصر «التقبُّل»؛ لأن القلب هو مفتاح التعامُل الناجح مع هذه المعوقات.
(١) ما هي المعوقات؟ ولماذا تُشكِّل مصدرَ قلقٍ كبيرًا للقادة في الوقت الحاضر؟
في كتاب «لماذا يفشل الرؤساء التنفيذيون؟» حدَّدنا أحد عشر معوقًا من المعوقات التي اكتُشِفت من خلال البحث والتقييم، ومن خلال أبحاث العالِم النفسي بوب هوجان في المقام الأول. ويصف الكتاب المعوقات التالية بالتفصيل: الغرور، والمبالغة الدرامية، وتقلُّب المزاج، والحيطة المفرطة، واعتياد عدم الثقة، والعزلة، وإلحاق الضرر، وغرابة الأطوار، والمقاومة السلبية، والمثالية، والتلهُّف على الإرضاء.
هذه ليست المعوقات الوحيدة بأي حالٍ من الأحوال؛ فربما قرأتَ قصصًا أخرى عن طرق تشويه القادة لكفاءتهم. لقد كتب بيل باسمور، وسيدني فنكلشتاين، وديفيد نادلر، وغيرهم، باستفاضةٍ عن القيادة وفشل الرؤساء التنفيذيين. وعلى الرغم من ذلك، فإن الأحد عشر معوقًا التي أوردناها تمثِّل في العموم الطرقَ الأكثر شيوعًا، التي من خلالها يمكن أن تقلِّل الصفاتُ الشخصية من كفاءة القادة.
ومن المحتمل أنك تدرك أيضًا أن هذه الصفات يمكنها غالبًا أن تدعم الكفاءة في المؤسسات إلى درجةٍ معينةٍ، بسبب نقاط القوة المرتبطة بنقاط الضعف تلك؛ على سبيل المثال: يمكن الاعتماد على الشخص المثالي لتجنُّب الأخطاء المكلفة ولضمان الجودة العالية، إلى أن يبدأ في تكثيف تركيزه بدرجةٍ كبيرةٍ على التفاصيل إلى حد إغفال الصورة الكبرى؛ والشخصُ الشغوف بإرضاء الآخرين يكون ماهرًا في الغالب في تكوين العلاقات القوية مع الموظفين، والعملاء، والموردين، إلى أن يجد نفسه يبذل من الوقت أكثرَ ممَّا يلزم في دراسة المناخ السياسي العام في المؤسسة بدلًا من إبراز وجهة نظره؛ والقائدُ المتقلِّب المزاج من الممكن أن ينشر حماسَه المعدي، إلى أن يقوده ميلُه إلى المبالَغة في رد الفعل تجاه المشكلات الصغيرة إلى دفعِ الموظفين لقضاء كثيرٍ من الوقت في إدارة عواطفهم، وعدمِ قضاء وقتٍ كافٍ في إنجاز العمل. ولا تسبِّب تلك الصفات مشكلاتٍ إلا عندما لا تخضع للتحكم، أو تكون خارج نطاق الإدراك.
يجب أن نؤكد على أن تلك المعوقات لا تكون ظاهرة طوال الوقت. وفي الحقيقة، بعض القادة ماهرون في إدارة الجانب المظلم منها إلى أن يعمل أحد المواقف المسببة للتوتر كمحفزٍ لأحد هذه المعوقات. وتحت ضغط مواعيد التسليم، أو الأهداف المالية الطموحة، أو المشروعات ذات الأهمية المحورية، أو غيرها من المواقف المسبِّبة للتوتُّر، يُظهِر القادة على نحوٍ لا إراديٍّ أحدَ سلوكيات المعوقات؛ لأن هذه هي طريقتهم «الطبيعية» في القيادة. ومع اقترابِ موعد التسليم النهائي، والضغطِ من أجل التفوُّق على معيار أداء السنة الماضية، قد يصبح المسئول التنفيذي مفتقِرًا إلى الثقة في الآخرين إلى حدٍّ كبير (فيقول: «لن يعملوا بالجهد أو بالمهارة التي أريدها»)، لدرجة أنه يتدخَّل بنفسه كثيرًا ويقلِّل من تكليف الآخرين بالمهام، ويعجز أداءُ الفريق عن إرضاء توقُّعاته.
على الرغم من اختلاف مسببات التوتر لدى الجميع، فإن القادة بصفةٍ خاصةٍ معرَّضون للمعوقات في وقتنا الحاضر بسبب الضغط الهائل الذي يمر به الكل؛ فمع الضغوطِ المتزايدة لتحسين الأداء المالي، والحاجةِ إلى إنجاز المزيد من المهام بعددٍ أقل من الأفراد، وتحدياتِ التنوُّع والمنافسة العالمية؛ يواجه القادة المزيدَ من التحديات المخيفة أكثر من أي وقتٍ مضى. ويبدو الحال كلَّ يوم كما لو كانت أزمة جديدة تطرأ على الساحة؛ ففي يوم الإثنين يكون لزامًا على القادة التمتع بحكمة سليمان في اتخاذ قراراتٍ حول الأشخاص الذين سيحظَوْن بالترقية وأولئك الذين ستتخطَّاهم الترقية. وفي يوم الثلاثاء لا بد أن يختاروا بين النتائج والقِيَم، فيقرِّروا ما إذا كان الربح المحتمل من أحد التعديلات يتفق مع العلامة التجارية. إن الضغط قد يجعل حتى أفضل القادة معرَّضين لخطر التأثُّر بمعوقاتهم. وبينما يضع محلِّلو وول ستريت كلَّ تحرُّكٍ وكلَّ قرارٍ يتخذه الرؤساء التنفيذيون تحت المجهر، ومع زيادة تدخُّل مجالس الإدارة في أعمالهم وتحميلهم مزيدًا من المسئولية أكثر من أي وقتٍ مضى، وتكهُّن الإعلام بمستقبلهم؛ نجد أن الرؤساء التنفيذيين يعودون إلى اتباع بعض الأنماط السلوكية دون تفكير. ونظرًا لأن تلك الأنماط السلوكية ساعدَتْهم في تحقيق أهدافٍ مهمةٍ على مدار حياتهم المهنية، ولأنها تجليات طبيعية لشخصياتهم، فإن الرؤساء التنفيذيين يعتمدون على تلك الأنماط عندما يكونون تحت ضغط. وفي تصورهم قد يرَوْن أن هذه الأنماط إيجابية وليست سلبية؛ فيتصرفون بغرابةٍ ويعتقدون أن تفرُّدهم سيكون مفيدًا جدًّا بالنسبة إليهم. ويزداد انعزالهم عن الناس ويُقنِعون أنفسهم بأنهم يحتاجون إلى البُعْد عن الآخَرين من أجل اتخاذ قراراتٍ موضوعية.
ريتشارد سكروتشي — الرئيس التنفيذي السابق لمؤسسة هيلث ساوث الذي اتُّهِم بجريمة احتيالٍ متعلِّقةٍ بالتأمين الصحي لكبار السن (لكن المحكمة لم تُدِنْه) — يُعَدُّ مثالًا جيدًا على قائدٍ ساعدتْه ثقته الهائلة في نفسه، وكذلك كبرياؤه، في بناء شركةٍ ناجحةٍ للغاية، لكنه ربما تجاهَلَ من باب الغرور، وتحت ضغوطِ زيادةِ الربحية، القواعدَ التي تنطبق على غيره من الرؤساء التنفيذيين. قد تعتقد أن شخصًا بمثل ذكاء وحنكة سكروتشي سيُدرَك المخاطرَ التي ستهدِّد صورته من جرَّاء امتلاكِ العديد من المنازل الضخمة، أو الإصرارِ على تسليط الضوء دائمًا عليه في اجتماعات المبيعات، أو شراءِ طائرةٍ مروحيةٍ تابعةٍ للمؤسسة، قيل إنها كانت «طائرة على سبيل الحوافز»، في وقتٍ توقَّفَتْ فيه مؤسسة هيلث ساوث عن إعطاء الحوافز للموظفين؛ لكن المعوقات يمكنها بسهولةٍ أن تجعل حتى أفضل وأذكى القادة يتصرَّفون بطرقٍ تضرُّ بهم.
وبالمثل، كانت كارلي فيورينا قائدةً ذات شخصيةٍ جذابةٍ للغاية، بدت خيارًا صائبًا لتحويل ثقافة هيوليت باكارد من ثقافةٍ تُعنَى بالأشخاص في المقام الأول، إلى ثقافة تُعنَى إلى حدٍّ أكبر بالأداء. ومع تصاعد الضغط من أجل تحسين الأداء، ومع اشتداد المنافسة من شركات ديل وآي بي إم، ظهرت معوقات فيورينا المتمثلة في المبالغة الدرامية وعدم الثقة في الآخرين؛ فطردتْ كبارَ الموظفين، وأصبحتْ علاقتُها بالصحفيين المؤثرين متوترةً، وأبعدت بعض أعضاء مجلس إدارتها عن سير العمل. ولا شك أن مهارتها باعتبارها موظفةَ مبيعاتٍ قد ساعدَتْها طوال حياتها المهنية؛ فالدراما والإثارة التي كانت تقدِّم بها العروض التقديمية كانت على الأرجح مُقنِعةً إلى حدٍّ هائل. وعلى الرغم من ذلك، فإن ميولها الدرامية المبالغ فيها ربما جعلتها تتَّخذ قراراتٍ تجذب الانتباه تجاهها لكنها لم تحقِّق المصلحةَ المُثلى لهيوليت باكارد.
لو كان سكروتشي وفيورينا اتخذَا خطوةً للوراء، ولاحظَا كيف أن سلوكيات الغرور والمبالغة الدرامية تؤثِّر على أهم الموظفين، لَربما تصرَّفَا على نحوٍ مختلفٍ وغيَّرا من التأثير الذي خلَّفاه. ولو كانا مستعدَّيْن للتفكير في تلك الأنماط السلوكية والتزما الصراحة مع أنفسهما فيما يتعلَّق بالمشكلات التي تسبِّبها لهما تلك السلوكيات، لَربما تمكَّنا من تقليل الضرر الناتج. ومن الوجيه أن نتساءل لماذا كان سكروتشي وفيورينا — هذان القائدان اللذان يتمتعان بقدرٍ هائلٍ من الذكاء والنجاح — غيرَ مدركَيْن على ما يبدو لمعوقاتهما. والجواب يرتبط كثيرًا بطريقة نظرة الثقافات المؤسسية — وثقافتنا في العموم — لفكرة ضعف الشخص والفشل.
(٢) مفارقة المعوقات
إننا ندرِّب الأشخاص على فهم معوقاتهم وقَبولها وإدارتها، لكن الطريقة الوحيدة للتقدم في كثيرٍ من الشركات هي إنكار تلك المعوقات. وهذه المفارقة تمثِّل تحديًا للقادة الذين يدركون في الغالب أن لديهم بعض السمات التي تميل إلى إيقاعهم في بعض المشكلات، لكنهم يعلمون أن الاعتراف بنقاط الضعف هذه سوف يمثِّل تهديدًا لهم، بل قد يُستخدَم أيضًا ضدهم. إن أي اعترافٍ بالشك أو بالفشل سيكون في الغالب مصدرَ تهديدٍ للقادة في الشركات التنافسية، من قِبَل المديرين المتطلبين المتسلطين، أو من قِبَل المرءوسين الطموحين الذين يبحثون عن بعض علامات الضعف في قائدهم كي يستطيعوا أن يحلوا محلَّه. ويرغب القادة في أن يكونوا مثل لاعبي كرة القاعدة الذين يتمتعون بما يُعرَف ﺑ «الأدوات الخمس»، وهؤلاء لاعبون خالون من نقاط الضعف، ويستطيعون تسديد عددٍ كبيرٍ من الضربات الناجحة، والضربات القوية، وسرقة القواعد، وحماية موقعهم جيدًا، والرمي بقوةٍ ودقة. وعلى الرغم من أن لاعبي الأدوات الخمس قد يَظهرون بين الحين والآخر، فإنهم نادرون.
وهم أكثر نُدْرةً في عالم المؤسسات. جميعنا نعاني من معوقٍ واحدٍ على الأقل — نمط سلوكي واحد يقلل من كفاءة المرء في وقتٍ لا يتحمَّل قلةَ الكفاءة — عند التعرُّض لإحدى الأزمات، أو عند مواجهة قرارٍ كبير، وهكذا. إن أهمية تلك المواقف في حد ذاتها تسبِّب التوتر للقائد، والتوتُّر يؤدِّي إلى ظهور المعوقات.
وقد وجدنا أن بعض الأشخاص، إذا كانوا على قدرٍ معقولٍ من الصراحة مع أنفسهم فإنهم سيعترفون بهذه المعوقات في السر لكنهم سينكرونها علانيةً، أو قد يقرون من الناحية المعرفية بوجودها لكن يفشلون في قبول حقيقة أنها تؤثر سلبيًّا على الآخرين (القلب) وتتطلَّب شجاعةً لتغييرها (الشجاعة). وفي أيٍّ من الحالتين، لا ينظرون داخلهم ويواجهون تأثيرَ تلك الأنماط السلوكية ومدى تجلِّيها في حياتهم المهنية.
إننا ندرك أن الخوف من الاعتراف بالضعف ليس وحده ما يَحُول دون المواجهة وفعل شيءٍ حيال المعوقات؛ فالأشخاص لا يحبون العمل في نظامٍ يسمح بالفشل؛ إنهم ينجذبون إلى المؤسسات ذات المعايير العالية التي تدفع العاملين فيها إلى النجاح. إن الأشخاص الأكْفاء الطموحين، لا سيما خريجي أعلى برامج ماجستير إدارة الأعمال، يحبون التحديَ الذي تُقدِّمه تلك الثقافات.
وعلى الرغم من ذلك، فالأمر الذي قد لا يحبونه هو ألَّا يكونوا قادرين على الأداء وفقًا للمعايير العالية للشركة، أو أن يعجزوا عن فعل المتوقَّع منهم. حتى أفضل القادة وأكثرهم ذكاءً يعجزون عن أداء المتوقَّع منهم في بعض الأحيان. وعلى الرغم من أن الرؤساء التنفيذيين وكبار المسئولين التنفيذيين في تلك المؤسسات يُقدِّمون للعالَم صورةً هادئة ومتَّزنة عن أنفسهم، فإنهم أيضًا لديهم معوقات تمنعهم من تحقيق النتائج التي يَعِدُون بها؛ وتقودهم تلك المعوقات أيضًا إلى إخفاقاتٍ قد ينكرونها للحفاظ على وهم الكمال.
في ثقافةٍ تسعى محمومةً نحوَ الأداء مثل ثقافة بنك أوف أمريكا، وفي ظل صناعةٍ شديدة التنافسية تضغط فيها وول ستريت على القادة طوال الوقت؛ لا يكون الفشل خيارًا مقبولًا. صمَّمنا مؤخرًا برنامجًا لكبار المسئولين التنفيذيين في بنك أوف أمريكا، وتضمَّنَ التصميمُ عرضًا تقديميًّا قدَّمَه أحد المسئولين التنفيذيين الناجحين، الذي كان يدير إحدى وحدات الأعمال الكبرى؛ وعلى الرغم من أن البرنامج استمرَّ لمدة عامين، فإن نجاح المسئول التنفيذي لم يستمر، وفي حقيقة الأمر تعرَّضَ ذلك المسئول لفشلٍ كبيرٍ بسبب تغيُّراتٍ في السوق لم يستطع أن يتعامل معها بالسرعة الكافية.
واقترحنا على بنك أوف أمريكا أن يستمر في تقديم العروض التقديمية في البرنامج، لكن بدلًا من تحليل نجاحه، ركَّزنا على أسباب عدم نجاحه. وأثار هذا المقترح جدلًا كبيرًا داخل البنك حول ما إذا كان من الحكمة أن يعترف أحدُ كبار المسئولين التنفيذيين بفشله. هل سيكون ذلك الفشل عبرةً غير مقصودةٍ للآخرين؟ هل سيؤدي ذلك إلى طرح أعذارٍ بدلًا من التفكُّر في أسباب فشله؟ هل سيتقبَّل شخصٌ في الإدارة العليا الاعترافَ بأخطائه في التقدير وفي التنفيذ؟ وفي نهاية الأمر، اتخذ الفريق التنفيذي للإدارة العليا القرار باستمرار بقاء ذلك المسئول التنفيذي في البرنامج؛ لأن الشركة كي تصبح مؤسسةَ تعلُّمٍ حقيقي، ينبغي أن تمتلك الشجاعة لمواجهة، وفهم، وتصحيح الأخطاء والإخفاقات كي تمضي قُدمًا؛ ومن ثَمَّ غيَّرَ المسئول التنفيذي رسالته بحيث تُركِّز على أخطائه ومعوقاته، وأصبح من أكثر المحاضرين شعبيةً في البرنامج. إن المعوقات تُقدِّم معلوماتٍ كاشفةً عن الأسباب التي تجعل القائدَ يفشل، وعن الأمور التي يمكن فعلها حيال ذلك.
في الثقافات التعاونية يكون الاعتراف بالمعوقات أكثر سهولةً. للسويد تاريخ طويل مع الشركات ذات الثقافات التعاونية؛ إذ يعتقد السويديون أنه عندما تصبح الظروف عصيبة، لا بد أن يعتمد الأشخاص على قلوبهم بدلًا من عقولهم أو شجاعتهم. وهذا يعني، ضمن أمورٍ أخرى، إظهار التعاطف تجاه نقاط ضعف الآخرين، ويعني أيضًا التغلُّب على الفشل من خلال التواصُل والتأمُّل الداخلي. على النقيض من ذلك، في كثيرٍ من الشركات الأمريكية، عندما تصبح الظروف عصيبةً، يعتمد الأشخاص على عقولهم وشجاعتهم، ويكون رد الفعل التلقائي للقائد هو إصدارَ التوجيهات أثناء الأزمة بدلًا من الاستماع والتأمُّل. إنه من الصعب جدًّا لقائدٍ على هذه الشاكلة أن يعترف بأحد المعوقات وسط الأزمة؛ فعندما تتقلَّص هوامش الربح وتنخفض الأسهم، يتحدَّث الجميع عن حاجة الشركة إلى تحقيق الأداء بأي ثمن. وخلال هذه الأوقات، يصبح توظيف القلب رفاهيةً ويتجاهله الجميع مؤقتًا. وإذا كانت الشركة مضطرةً لخفض العمالة، فإنها تخفض العمالة، وَلْتذهبِ الإنسانيةُ إلى الجحيم.
إننا ندرك أنه يوجد زمان ومكان صالحان لتوظيف القلب، وأنه في أحيانٍ أخرى يحظى الأداءُ بالأولوية. وعلى الرغم من ذلك، فإننا نعتقد أن ما يعجز كثير من الشركات عن إدراكه هو أن القلب ضروريٌّ من أجل الأداء المستدام، وأن القادة الذين يرفضون مواجهة وإدارة معوقاتهم سيضرون في النهاية بأداء الشركة، وأن ما يمكن أن يكون سمةً إيجابيةً في ظروفٍ معينةٍ يصبح صفةً سلبيةً في ظروفٍ أخرى.
ليس بوسع القائد تقديم نفسه في صورة شخصٍ ضعيفٍ ومتشكِّك، لكنه يستطيع أن ينتظر ويترقَّب تلك اللحظات التي يكون فيها من الحكمة قولُ: «لا أعلم» أو «لقد اقترفتُ أحد الأخطاء»، ويتعلَّم من التجربة. لقد وجدنا أن الاعتراف بعدم امتلاك كل الأجوبة يشجِّع الآخرين على التعلُّم، وأن الاعتراف بنقاط الضعف، لا سيما تلك التي يراها الآخَرون بالفعل، يجعل القادة أقوى في واقع الأمر. عندما يعترف الأشخاص بنواقصهم أو بنقاط ضعفٍ معينةٍ لديهم، فإنهم يصبحون أكثر إنسانيةً وأسهل في التعامُل معهم. وتنطبق صحة ذلك بصفةٍ خاصةٍ على القادة الأقوياء عندما يعترفون بذلك؛ فهذا يمنح الآخرين الإذنَ في التحدُّث معهم والاعتراف بنقاط ضعفهم الخاصة. وفي كثيرٍ من الأحيان يخشى المرءوسون المباشِرون من التزام الصراحة التامة مع رؤسائهم؛ خوفًا من أن ينتقدوهم بسبب قرارتهم السيئة أو فشلهم في التقدير السليم؛ ونتيجةً لذلك لا يرى القادةُ الصورةَ الكاملة للموقف ويحلِّلونه دون إدراكٍ حقيقيٍّ لما يحدث. ومن ناحيةٍ أخرى، يتلقَّى القادة المستعِدون للاعتراف بالفشل اعترافاتٍ مماثلةً من موظفيهم، ولا يعني هذا أنهم يُجيزون الفشلَ أو يشجِّعون عليه؛ بل هو اعتراف واقعي بأنه في بعض الأحيان حتى أفضل الأشخاص يرتكبون الأخطاء. إن التزام الصراحة تجاه تلك الأخطاء والتعلُّم منها يُحسِّن الأداء على المدى الطويل.
ومرةً أخرى، فإن مفارقة المعوقات تمنع في أغلب الأحيان هذا الاعترافَ الصادق؛ ففي معظم الشركات، يبدو غالبًا أن مَن يحصلون على الترقيات هم الأشخاص الأقل عيوبًا. والمشكلة بطبيعة الحال هي أن أولئك الذين يتقدَّمون لديهم عيوب ذات خطرٍ مضاعفٍ لأنها مجهولة للجميع (وفي كثيرٍ من الأحيان لا يعلمها أصحابُها أنفسهم)، ولا يحاول هؤلاء الأفراد إدارتَها. والأسوأ من ذلك أن القادة لا يعرفون معوقات مرءوسيهم المباشِرين، وربما لا يدركون الطرقَ المثبطة للروح المعنوية التي تجبر الموظفين الأعلى أداءً في واقع الأمر على تحقيق هذه النتائج؛ أو لا يرَوْن أن ولعَ مساعِدِهم بالسلوك المُلحَق بالأذى للآخرين يسبِّب التشوُّش بين أعضاء الفريق؛ أو يظنون أن تقلُّبَ مزاجِ أحد الأشخاص يجعل الجميعَ يبذل مزيدًا من الجهد، من أجل تجنُّب إثارة أعصابه، أكثرَ ممَّا يبذلونه في الإتيان بأفكارٍ لمشروعٍ جديد. عندما يفهم القادة معوقات فِرَقهم، فإنهم يستطيعون مساعدة أعضاء الفريق في أن يتعلَّموا إدارةَ تلك المعوقات، وأن يصبحوا أكثر إنتاجيةً.
(٣) ثلاث طرقٍ لإدارة المعوقات
وأخيرًا، يجب أن تفهم المؤسسات أن هذه الأساليب الثلاثة يكون لها عادةً أثرٌ أكبر مع القادة الأكبر سنًّا مقارَنةً بتأثيرها على القادة الأصغر سنًّا؛ فعندما يكون المرء شابًّا مفعمًا بالثقة والطاقة يكون أكثر مقاوَمةً للاعتراف بإمكانية وجود أحد العيوب في شخصيته. وبصفةٍ خاصةٍ، نجد أن التنفيذيين الشباب الذين حقَّقوا نجاحًا هائلًا في وقتٍ قصيرٍ في الغالب لم يتعرَّضوا مطلقًا «للعراقيل»؛ فلقد كانوا ينطلقون من وظيفةٍ إلى أخرى دون التعرُّض لعقبات. وفي كتابنا الجديد «ممرات القيادة»، كتبنا أن الخبرات الحياتية السلبية تخلق في الغالب الظروفَ المناسبة للتعلُّم الحقيقي. ولا يصبح القادة الشباب مستعِدِّين لتلقِّي التوجيه إلا عندما يتعرَّضون لواقعةِ فشلٍ علني. ولا يصبحون مستعِدِّين للاعتراف بأنهم ربما فعلوا شيئًا خاطئًا يمكن عزوه إلى خياراتٍ اختاروها أو فشلوا في اختيارها، إلا عندما يتعرَّضون للعقبات مرةً أو مرتين؛ وعند هذه المرحلة يستطيعون تجاوُزَ التحليل المعرفي، ورفضَ الاعتراف بمعوقاتهم، والتعامُلَ مع حقيقة أن شخصيتهم وطريقتهم في القيادة ليست مجدية دائمًا.
•••