التصرف بنزاهةٍ صارمة
لقد زادت صعوبة وضرورة التصرُّف بنزاهةٍ صارمةٍ في بيئة المؤسسات المعاصرة أكثر من أي وقتٍ مضى. إننا نعيش في زمنٍ أصبحت فيه الثقة في قادة المؤسسات، لا سيما قادة الشركات، في أدنى مستوياتها على الإطلاق، بسبب فضائحَ متعلقةٍ بالمؤسسات وبالمحاسبة هزت شركاتٍ مثل إنرون وأدلفيا وَورلد كوم وتايكو وفيفاندي. إن الرواتبَ الطائلة، والمضاربة اعتمادًا على معلوماتٍ سرية، وتعيين الأصحاب والأصدقاء في المناصب المهمة أو في مجالس الإدارات؛ كلها أمور أدت إلى زيادة مستويات الشك وعدم الثقة في قادة الشركات. يشك الناس تلقائيًّا في الرؤساء التنفيذيين وغيرهم من المسئولين التنفيذيين، فيفترضون أنهم يعملون واضعين نُصب أعينهم صورتَهم العامة وحياتهم المهنية بدلًا من العمل وفق مجموعةٍ من القيم الأسمى. وما يزيد الأمور تعقيدًا أن الضغط من أجل الأداء يدفع القادة غالبًا إلى التصرُّف ببراجماتية، لكن ليس بالضرورة بطرقٍ متفقةٍ مع القِيَم الإنسانية الشخصية؛ فقد يجد القادةُ أنفسَهم في مواقف «تجبرهم» على إعطاء الموظفين أملًا زائفًا عن مستقبل الشركة كي يظلوا منتجين، على الرغم من أنهم يعلمون أن بعضًا من هؤلاء الموظفين قد لا تكون لديهم وظيفة في غضون اثني عشر شهرًا.
على الرغم من صعوبة التصرُّف بنزاهة، فمن الضروري تمامًا أن يلتزم القائد به. تلعب هذه الصفة المنبثقة عن الشجاعة دورًا في غاية الأهمية؛ لأنها تخلق طاقة إيجابية هائلة داخل المؤسسة. وفي الشركات التي يُظهِر قادتُها النزاهةَ، يوجد مستوًى عالٍ من الالتزام والثقة؛ فالقائد الذي تتجلَّى نزاهته يُحمِّس الموظفين، وعندما يُظهِر التزامًا بالمبادئ العليا يصبح مصدرًا للإلهام. وفي ظل عالمٍ معقدٍ ومربكٍ تصبح النزاهة التي لا تتزحزح أمرًا يفهمه الناس، ويتفهمونه، ويحترمونه.
إن حالة الشد والجذب بين الحاجةِ إلى التصرُّف بنزاهةٍ وصعوبةِ فعْل ذلك، تفاقمت على نحوٍ غير مسبوق، وربما أفضل طريقةٍ لبدء التعامل مع حالة الشد والجذب هي فهم المعنى الحقيقي «للنزاهة الصارمة».
(١) معنى النزاهة على صعيد القيادة
النزاهة ليست مفهومًا مطلقًا، على الرغم من صفة «الصارمة» التي أضفناها إليها. وندرك أن النزاهة، مثل كل الصفات التي ناقشناها، تعتمد على المواقف. وعلى الرغم من أن بعض «المؤيدين للتعريفات المطلقة» قد يختلفون معنا، فإن ما يمثل النزاهة من منظور أحد الرؤساء التنفيذيين في أحد السياقات أو إحدى الثقافات، قد يكون مثالية ساذجة من وجهة نظر رئيسٍ تنفيذيٍّ آخر؛ ولذلك، فإننا نُعرف «النزاهة» — من زاوية القيادة — على أنها مجموعة معتقداتٍ تتطوَّر تدريجيًّا وتقود تصرفات الأشخاص في الأوقات الصعبة التي تنطوي على تحديات. تدعم المعتقدات إحساسًا باتباع الصواب، وتُقدِّم للقادة طريقةً للتصرُّف على نحوٍ متسق. وفي أغلب الأحيان تنشأ هذه المعتقدات نتيجةً للتعلم من التجارب، لا لتصريحات المؤسسة التي تعلن عن قيمها أو من منطلق الجشع المهني الفظ. وهذه المعتقدات راسخة على نحوٍ صادقٍ وعميقٍ، لكنها تتسم ببعض «المرونة». وعلى هذا النحو، فإننا ننصح القادة قائلين: «تصرَّفوا بنزاهةٍ صارمة، لكن دون حماقة.»
كولن باول — رجل ممدوح على نطاقٍ عالميٍّ تقريبًا بسبب مبادئه — لم يكن متفقًا دائمًا مع كل ما طَلب منه الرئيس جورج دبليو بوش فعلَه، أو على الأقل هذا ما بدا فيما يتعلق بقرار الولايات المتحدة بالمشاركة في الحرب على العراق. وبدلًا من تقديم استقالته من منصبه كوزيرٍ للخارجية — كما كان سيفعل شخص ذو حس نزاهةٍ صارم، وكما أراد منه الكثيرون من المعارضين للحرب — فقد وجد طريقًا بديلًا سمح له أن يظل في إدارة بوش دون تأنيب ضمير. لا شك أن ذلك لم يكن طريقًا مثاليًّا، وشعر باول على الأرجح في بعض الأوقات بعدم الارتياح عند قول وفعل بعض الأمور المعينة؛ لكن النزاهة ليست متعلقة بالمبادئ الشخصية للمرء فحسب، بل يمكن أن تتضمَّن مجموعة مبادئ أكبر. لقد آمَن باول على نحوٍ واضحٍ ببلده وبخدمة قائده ورئيسه، ويمكن أن نفترض أنه اعتقد أن الواجب والالتزام تجاه سلامة البلد يتفوقان في الأولوية على معتقداته السياسية الشخصية، وقرَّرَ أن أفضل إجراء هو البقاء في الوظيفة. وفي بعض الأحيان، من المحتمل أنه تجاهل كبرياءه من أجل الاضطلاع بالوظيفة على نحوٍ ناجح؛ ومن ثَمَّ يمكن القول إنه أظهر قدرًا كبيرًا من النزاهة من خلال القيام بهذه التضحية.
تحاول إحدى الشركات أن تبدوَ شركةً تتقبَّل التعدُّدية بعد أن أُقِيمت في حقها دعوى قضائية — ذاع صيتها — تتهمها بالتمييز العنصري. ويواجه أحد كبار المسئولين التنفيذيين في هذه المؤسسة قرارًا بشأن ترقية أحد الأشخاص إلى منصبٍ رئيسي، ووقع الاختيار على مرشحَيْن، كلاهما يشعر المسئول التنفيذي بأنه مؤهل. وعلى الرغم من أن ذلك المسئول التنفيذي يعتقد أن المرشح «أ» قد يكون الشخص الأنسب لهذه الوظيفة، فإنه يتعرَّض لضغطٍ كبيرٍ من أجل اختيار المرشح «ب» الأقل خبرةً لكنه من الأقليات. وكِلا الخيارين تدعمه مجموعةٌ من الحجج المنطقية ترجح أنه هو الاختيار الصائب. هل هذا المسئول موضوعي حقًّا؟ هل يبالغ في أهمية معيار الخبرة؟ أليس من مصلحة الشركة ترقية المرشح المنتمي إلى الأقليات والاستثمار بكثافةٍ في تطويره؟ إذا اختار هذا المسئولُ التفكيرَ في الخيارين بعمقٍ، وتحديدَ معتقداته الخاصة بدلًا من الرضوخ لضغوط الآخرين، فسوف يحدِّد ذلك ما إذا كان سيتصرَّف بنزاهةٍ لا تتزحزح.
(٢) الأشخاص الذين يُظهرون شجاعة التصرُّف وفقًا لمعتقداتهم
نود أن نُطلعكم على أربع قصصٍ تعبر عن المعنى المقصود من تصرُّف القادة بنزاهةٍ صارمة. في أغلب الأحيان، نفكر في النزاهة بطريقةٍ مبسطة؛ فنرى أنها متمثلة في استقالة أحد التنفيذيين اعتراضًا على السياسة البيئية لشركته، أو إبلاغه الحكومةَ عن مخالفات الشركة لأنه لا يستطيع قَبول الممارسات التمييزية التي تنتهجها في تعيين الموظفين. وعلى الرغم من أن تلك التصرُّفات قد تكون مبنية على مجموعةٍ من المبادئ والقِيَم القوية، فإنها لا تعكس المواقف المعقدة والغامضة التي يواجِهها القادة يوميًّا. وإذا كانت الشركة لا تفعل شيئًا خاطئًا على نحوٍ واضح، مثل انتهاك القوانين أو التصرُّف بطريقةٍ تستحق اللوم من وجهة نظر الجمهور، فإن معظم القادة يعرفون ما ينبغي القيام به. وعلى الرغم من أن تلك المواقف تمثِّل خطرًا كبيرًا، فإن خيارات التعامل معها تكون في العادة واضحة جدًّا، وليس من ضمنها الاستمرار في تقبُّل الموقف. وفي أغلب الأحيان، يجد القادة أنفسهم في مواقفَ أكثر غموضًا بمراحلَ حيث لا تبدو الخيارات المطروحة شديدةَ الوضوح.
كل قصةٍ من القصص الأربع التالية توضح كلًّا من صعوبة فعل الصواب وتعقيده. القصة الأولى تكملة لقصةٍ من فصل سابق تناولنا فيها المسئول التنفيذي المحبوب، الذي استقال من شركته ليرفع عن الإدارة عبْءَ الاضطرار إلى نقله رغمًا عن إرادته.
قائد يستقيل لمعرفته أنه ليس الشخص المناسب للوظيفة
لم يحقِّق هذا القائد أهدافَ الأداء الضرورية لبعض الوقت، وكانت شركته في محنة؛ وعلاوةً على ذلك، كان واضحًا للجميع أنه ليس الشخص القادر على حل المشكلات. وبصفته شخصًا أكسَبَه نجاحُه على مدار خمسٍ وعشرين سنة في الشركة قدرًا هائلًا من الاحترام والولاء، فقد كان من الممكن أن يُصعِّب على الشركة عمليةَ التخلُّص منه. وربما كان سينجح في تقديم حججٍ تَثْنِي المدير عن إبعاده عن الشركة.
بدلًا من ذلك، من منطلق علمه أن الشركة ستكون في حالةٍ أفضل مع وجود قائدٍ آخَر في منصبه، فعَلَ الصواب واستقال. ولا شك أنه لم يتخذ هذا القرار بسهولة؛ فهو لم يتخلَّ فحسب عن وظيفةٍ مربحة، لكنه نحَّى كبرياءَه جانبًا أيضًا. وفي النهاية، قاده حسُّ النزاهة القوي لديه إلى فِعْل الأمر الصائب.
مستشار يرفض عملًا مربحًا
أحد المستشارين الكبار لإحدى الشركات الكبرى، طلب منه أحد العملاء أن يساعد مؤسسته في إجراء تغييرٍ صعبٍ لثقافة المؤسسة. كان العميل متلهفًا للبدء، وأراد تنفيذ مجموعةٍ كبيرةٍ من البرامج على الفور؛ وهي برامج كانت ستدرُّ دَخْلًا هائلًا على شركة المستشار، التي كانت متلهفةً لترسيخ مكانتها في السوق. وعلى الرغم من ذلك، كلما فكر المستشار في الأمر، زاد إدراكه أن تطبيق تلك البرامج أمر سابق لأوانه؛ واستنتج أن العميل يحتاج إلى إجراء المزيد من التحليلات، ووضع استراتيجيةٍ أكثر تعقيدًا لتغيير الثقافة أولًا لكي يتمكَّن من استخدام إمكانياته كمستشارٍ على نحوٍ ناجح.
وعلى الرغم من صعوبةِ التخلِّي عن الدخل والمخاطرةِ بإثارة غضب العميل المتحمِّس، فقد تمسَّك المستشار بما اعتقد أنه الأمر الصائب، ورفض العمل. وعلى الرغم من أن العميل لم يكن مسرورًا بهذا التصرُّف في البداية، فإنه فهم أن المستشار قدَّمَ له خدمة كبيرة؛ فلو أنه مضى قُدمًا قبل الأوان، كان سيخسر قدرًا هائلًا من الوقت والمال.
رئيس تنفيذي يُطهِّر المؤسسة من الفساد
إدوارد برين، الذي تولى مسئولية مؤسسة تايكو الدولية التي مُنيت بفضيحة فساد، حقَّق معجزاتٍ فيما يتعلَّق بتعافي المؤسسة؛ إذ قلَّل دَيْنها إلى حدٍّ هائلٍ، وضاعَفَ صافي الأرباح ثلاث مرات. لكن ما لا يعرفه الجميع هو أنه حقَّق ذلك عبر نزاهةٍ صارمة؛ فعندما تولى مسئولية الشركة بعد الرئيس التنفيذي السابق الموصوم بالعار دينيس كوزلاوسكي، بدأ برين في تطهير الشركة من الفساد. إلا أنه لم يفعل ذلك على نحوٍ متساهلٍ ومتحفظ؛ فهو لم يتحدَّث إلى الموظفين عن الأخلاقيات وكفى، بل اتخذ أيضًا إجراءاتٍ أظهرت التزامه بالعمل وفقًا لقِيَمٍ قويةٍ ثابتةٍ لا يتنازل عنها من أجل أي شخصٍ أو أي شيء. على سبيل المثال: كان قراره بتبديل مجلس الإدارة بالكامل مثالًا على نزاهته الصارمة. كان من اللائق ذوقيًّا أن يستبدل فقط بعضًا من رؤساء مجلس الإدارة، ويضم الجزء الآخَر إلى فريقه لمساعدته في التحوُّل، لكن برين أراد أن يقدِّموا جميعًا استقالاتهم. وقد قاوَموا بطبيعة الحال، خوفًا من أن تجعلهم الاستقالة الجماعية يَبدون مُدانين بارتكاب أحد الأخطاء وتُفاقم مسئولياتهم القانونية.
توصَّل برين ببراعةٍ إلى ترتيبٍ سمح له باستبدال أعضاء مجلس الإدارة كافةً. وعلى القدر نفسه من الأهمية، شغل المناصب الخالية بمجموعةٍ متنوعةٍ من الرؤساء ذوي التفكير المستقل. طرد برين أيضًا ٢٩٠ من أصل ٣٠٠ من قادة الإدارة العليا خلال الشهور الأولى من ولايته، ليس لأنه شعر أنهم مُدانين بسلوكياتٍ غير أخلاقية، بل لأن أسلوبهم في الإدارة كان غير متفقٍ مع رؤيته لمؤسسة تايكو. لقد كانوا جزءًا من ثقافةٍ تركز على عقد الصفقات، وكان برين مهتمًّا أكثر بدعم ثقافةٍ تقوم على الحرص المالي والمبادئ والممارسات الإدارية القوية.
من الواضح أن التخلص من هذا العدد الكبير من كبار المسئولين التنفيذيين كان كابوسًا من وجهة نظر الموارد البشرية، ومن منطلق خسارة المعرفة المؤسسية. وعلى الرغم من ذلك، فقد علم برين أنه مهما سبَّبت نزاهته من ألمٍ على المدى القصير، فإنها سوف تفيد الشركة على المدى الطويل.
موظف يتحدَّى الرئيس التنفيذي
انضم جيل إلى شركةٍ مشهورةٍ سريعة النمو في منصب رئيس الموارد البشرية. لقد جاء من مؤسسةٍ تقليديةٍ أكثر محافظةً حيث كان يشغل منصبًا مشابهًا، وعلى الرغم من أن جيل استمتع بالسنوات الثماني التي قضاها في شركته السابقة، فإنه شعر بالحاجة إلى تحدٍّ جديدٍ وفرصةٍ للنمو مع شركةٍ تُحقق نموًّا.
وعقب بضعة أشهرٍ فحسب في الوظيفة الجديدة، شعر جيل بعدم الارتياح حيال بعض سياسات وممارسات المؤسسة الجديدة. وعلى الرغم من إعجابه بالرئيس التنفيذي وفريقه بسبب استراتيجياتهم الماهرة والطموحة، فإنه أصبح منزعجًا من بعض الطرق المختصرة التي طلبوا منه دعمها؛ فعلى سبيل المثال: أراد الرئيس التنفيذي إحضار مسئولٍ ماليٍّ كبيرٍ من مؤسسةٍ أخرى، وكان هدفه النهائي من ذلك هو استبدالَ المدير المالي الحالي، وطلَبَ الرئيسُ التنفيذي من جيل أن يُقنع المدير المالي الحالي بأن يأخذ الموظف المالي الجديد تحت جناحه ويدربه؛ وشدَّد عليه بألا يلمح للمدير المالي بأنه يدرِّب خليفته، زاعمًا أن معلومةً كهذه قد تُفسَّر بطريقةٍ خاطئة، وأن الشركة تحتاج إلى بقاء المدير المالي الحالي في وظيفته لمدة سنتين على الأقل.
لم يعتقد جيل أن هذا التصرُّف (أو غيره من السياسات المريبة التي طالبوه بتنفيذها) كان غير أخلاقي حقًّا، لكنه كان يخرق بالفعل مفهومه عن الطريقة الصحيحة لإنجاز الأمور، تلك الطريقة التي تَعلَّم التصرُّف وفقًا لها؛ إذ لم يكن يحب الطرقَ المختصرة الهادفة لخدمة المصلحة الشخصية، أو الأسلوبَ القيادي الذي يفضِّل الاستغلال على الشفافية. وفي الوقت نفسه، كانت الوظيفة تُمثِّل تحديًا ومجزية كما توقع جيل، ولم يرغب في الاستقالة، لكنه كان متضايقًا من مجاراته لسياسات شركةٍ لم يكن مؤمنًا بها حقًّا، دون تذمُّر.
وأخيرًا قرر اتخاذ موقف معين، ولم يُعرِب فحسب عن مخاوفه للرئيس التنفيذي، بل كتب أيضًا تقريرًا رسميًّا يحلل كيف أن هذه السياسات تؤثر سلبًا في نهاية المطاف على صافي دخل الشركة. بطبيعة الحال لم يتفق الرئيس التنفيذي مع جيل، لكنه قال إنه مستعدٌّ للتحدُّث أكثر عن هذا الموضوع، وإنه لو وجد جيل نفسه يرفض تنفيذ طلبٍ يثير ضيقه، يجب أن يناقش سبب مقاومته مع الرئيس التنفيذي، وسيكون التعامل مع الأمر على حسب كل حالة. وعلى الرغم من أن جيل لم يكن ليغيِّر سياسات الشركة، فقد اتخذ موقفًا كان متأكدًا من أنه سيَلفت انتباه الرئيس التنفيذي وغيره في المؤسسة، وسوف يُسفِر عن منحه قدرًا أكبر من حرية التصرف بطرقٍ يشعر تجاهها بالارتياح.
(٣) كيف تكتسب النزاهة الصارمة؟
-
لماذا تتخذ موقفًا من هذا الموضوع بالتحديد؟ هل انتهك أحدٌ المُثُلَ التي تقدِّرها كثيرًا؟ هل يبدو الأمر كما لو كنتَ لن تستطيع احترامَ نفسك إنْ لم تتخذ ذلك الموقف؟
-
هل درستَ دافعك وراء اتخاذ هذا القرار أو القيام بهذا الإجراء؟ أهي مسألة نزاهةٍ حقًّا، أم أن الأمر ينطوي على بعض المصلحة الشخصية؟
-
هل يطلب منك رئيسك القيام بأمورٍ أو اتباع سياساتٍ متوافقةٍ مع قِيَم المؤسسة تجدها بغيضة من منظورك الشخصي؟ هل حاولتَ التعبير عن مشاعرك حول هذا الموضوع لقادة الإدارة العليا؟ هل بحثتَ عن بدائلَ قد تجعل مهمتَك تلقى قدرًا أكبر من القَبول من وجهة نظر قِيَمك الشخصية؟
-
هل تشعر أن معتقدك حول الطريقة الصحيحة والطريقة الخاطئة لتنفيذ المهام في العمل قد تطوَّرَ مع مرور الوقت؟ هل سمحتْ لك تجاربُ معينةٌ بتكييف وتعديل توجُّهك، أم أنك متمسك للغاية بوجهة نظرك لدرجة أن لا شيء سيجعلك تفكِّر في تعريفٍ آخَر لما هو صحيح؟
-
هل تفرق بين الأخلاقيات المؤسسية القانونية والنزاهة الشخصية؟ هل توجد مواقف تتصرَّف فيها بطرقٍ متوافقةٍ مع السلوك الأخلاقي، كما قد يفسره مجلس الإدارة، لكنك تظل تشعر بأنك تفعل شيئًا يتعارض مع مبادئك؟
-
ما مخاطر اتخاذ موقفٍ من هذا الموضوع؟ كيف تريد أن يفسر الآخَرون هذا التصرُّف؟ ما الذي تحاول «قوله»؟
ما نقصده هو أن الأسئلة المحفزة للتفكير والحوار هي غالبًا أفضل طريقةٍ لتناول الموضوعات المعقدة والصعبة عندما تكون نزاهة القائد في خطر.
•••
رأينا إلى الآن بعض تحديات القيادة عبر توظيف العقل والقلب والشجاعة. تتطلَّب هذه التحديات مجموعةً من المهارات ليس من السهل اكتسابها. وفي كثيرٍ من الأحيان، تتطلَّب أكثرَ من مجرد المهارة؛ إذ تتطلَّب منَّا التصرُّف بنزاهةٍ وأن نعكس جوهرنا الحقيقي كقادةٍ وكأشخاص. إنها تلمس ما نعتقده عن أنفسنا، وما نعتقده عن الآخرين، وما نعتقد أنه ممكن ومرغوب فيه للعالَم ولمستقبلنا.
في الجزء الأخير من هذا الكتاب سوف نقدِّم فكرة «القائد الناضج» — قائد كامل، وليس قائدًا جزئيًّا — الذي لم يمر بخبراتٍ كثيرةٍ في الحياة فحسب، بل أجال الفكر أيضًا في الحياة كثيرًا. إنه قائدٌ يدرك أهمية التصرف بذكاءٍ مستعينًا بحكمة القلب دون أن يُعميَه قلبه، قائدٌ يمتلك شجاعة المخاطرة في ظل غموض وتعقيد القيادة في العالم المعاصر، لكنه ليس طائشًا إلى حدٍّ يجعله يعتقد أن الإجابات الصحيحة خاليةٌ من المخاطرة وسهلةٌ. باختصار، القائد الناضج هو قائد قادر على استحضار كل عناصر الذكاء والتعاطف والشجاعة اللازمة لتلبية متطلبات القيادة في القرن الحادي والعشرين.