تحقيق الموازنة بين احتياجات الأفراد ومتطلبات العمل
تحتاج إلى القلب كي تحقِّق التوازن بين احتياجات الأفراد واحتياجات العمل، والقائد الكلاسيكي — النَّشِط، المهتم في المقام الأول بالأرقام، والميَّال إلى التنافسية، والمُركِّز على الأهداف — لا يحقِّق ذلك أبدًا. ومثل هذا النوع من القادة يفشل غالبًا في رؤية الارتباط بين تنمية الأفراد وتنمية الشركة؛ ونتيجةً لذلك، فإن هذا النوع من المسئولين التنفيذيين قد يُلبِّي متطلبات العمل على المدى القصير، لكنه يفشل في الحفاظ على مستوًى عالٍ من الأداء على المدى الطويل. وفي نهاية المطاف، فإن هذا التركيز الأحادي على النتائج سوف يُبدِّد الروحَ المعنوية للشركة، ويؤدِّي إلى زيادةِ معدل دوران العمالة، وانعدامِ الحماس، والفشلِ في خلق التزامٍ حقيقيٍّ تجاه الشركة. ويكتشف هذا النوع من القادة «القساة» أن قيادة الأفراد بلا هوادةٍ سوف تؤدِّي إلى انخفاض جهدهم أو دفعهم إلى ترك المؤسسة.
في الوقت نفسه، فإن القائد الذي يعتمد كليًّا على القلب والمشاعر لا يمكنه تحقيق ذلك التوازن أيضًا. وفي حقيقة الأمر، إذا كنتَ مهتمًّا فحسب بإشباع احتياجات الآخرين، فقد تنتهي بك الحال مديرًا لفريقٍ تسوده مشاعرُ الرضا، لكنه سرعان ما سيصبح فريقَ المدير الذي سيحلُّ محلَّك. نحن نبالغ بالطبع، لكن ليس إلى حدٍّ كبير. وكما يقول أحد زملائنا: «إذا كان اهتمامُك الأساسي هو التعاطُفَ مع الآخرين، فعمَّا قريبٍ لن تجد أيَّ شخصٍ يتلقَّى تعاطفَك.»
في كل يومٍ يواجه القادةُ خياراتٍ صعبةً ما بين الأفراد والشركة؛ هل يجمدون التوظيف حاليًّا كي يزيدوا احتمالات بقاء الموظفين في وظائفهم في العام القادم؟ أم يجب أن يصارحوا الأفرادَ الموهوبين الذين لديهم بعض السلبيات، ويصرُّوا على أن يتغلَّب هؤلاء على معوقاتهم؛ وعندئذٍ يخاطرون بفقدان أولئك الموهوبين وذهابهم للعمل لدى المنافِسين؟ هل يجب أن يُكلِّفوا موهبةً شابةً واعِدةً بمهمةٍ يتوقَّعها شخصٌ آخَر أكبر سنًّا وأكثر استعدادًا وأقل احتمالًا لتحقيق النجاح؟
هذه موضوعات صعبة تتطلَّب الشجاعةَ لمواجهتها. دعونا نبدأ بإلقاء نظرةٍ على الأسباب الدافعة إلى توظيف بعضٍ من مهارات القلب في مواجهة الضغط الشديد من أجل تحقيق النتائج.
(١) تحقيق الارتباط بين القلب والنتائج
لسنا في حاجةٍ إلى إخبارك عن الضغط المتزايد على القادة لتحقيق أداءٍ محسنٍ في كل ربع سنة. وقد كتب جاك جروبل من شركة إل جي إي سيستمز كتابًا رائعًا بعنوان «رياضي المؤسسات»، يصف ضغطَ الأداء الذي يواجه قادةَ الشركات. درس جاك المتطلبات العقلية والبدنية والعاطفية المنوطة بالقادة في الشركات، وقارَنَها بتلك المتطلبات المنوطة بالرياضيين المحترفين، وأظهَرَ أن الضغوط التي تواجه رياضيي المؤسسات لا تلين ولا تنتهي أبدًا. وعلى النقيض من الرياضي المحترف، فإن رياضي المؤسسات ليس لديه «موسم توقُّف عن اللعب»؛ فلا توجد ساعات لا نهائية من التدريب للاستعداد لمباراةٍ أو لعبةٍ أسبوعية، بل إن الضغط مستمر، ولا تخفُّ حدَّتُه ولا يتوقَّف، وأي شخصٍ يتجاهل هذا الضغط فإنه يُعرِّض نفسَه للخطر. ونحن لا نقترح تجاهُلَ التركيز على النتائج، لكن في بعض الأحيان يمكن تخفيف ذلك الضغط بإظهار الاهتمام بالآخرين.
وعلى الرغم من أن ذلك لا يكون واضحًا دائمًا من النظرة الأولى، فإن القدرة على تبنِّي الاحتواء وإبداء التعاطف مع الآخرين يمكن أن تحقِّق تأثيرًا هائلًا على الأداء، خاصةً على المدى الطويل؛ على سبيل المثال: إن إظهارَ الاهتمام الحقيقي بأحد أعضاء الفريق، والتعبيرَ عن إيمانك به وثقتك فيه، لن تتمثل فائدتهما فحسب في زيادة الالتزام من جانبه، بل سيمنحانه الثقةَ اللازمة للإتيان بحلولٍ تتَّسِم بقدرٍ أكبر من الابتكار في مواجهة المشكلات الصعبة. ويشار إلى هذا التأثير باسم تأثير بيجماليون، إشارةً إلى الأثر الإيجابي للتوقُّعات العالية على الأداء. وهذه الظاهرة أصبحت رائجةً عبر مسرحية «سيدتي الجميلة» (التي تحوَّلَتْ لاحقًا إلى فيلم)؛ ففي هذه المسرحية أثَّرت التوقُّعات العالية للأستاذ هنري هيجينز على أداء إليزا دوليتل. وقد أظهرت أبحاثٌ أجراها روبرت روزنثال أن التوقُّعات العالية يمكن أن تؤثِّر إيجابيًّا على الأداء، سواءٌ أكان التركيز منصبًّا على طلبةٍ في أحد الفصول أم على المرءوسين المباشِرين الذين يمثِّلون جزءًا من فريقك التنفيذي.
تيري كبير المسئولين الماليين في شركةٍ فرعيةٍ كبرى تابعةٍ لإحدى الشركات العالمية، ويشتهر بكونه مخططًا استراتيجيًّا بارعًا في مجال المالية، فضلًا عن قوته في التواصُل وكونه قائدًا أخلاقيًّا. يستطيع تيري أيضًا أن يصبح قائدًا متعاطفًا، لكنه نادرًا ما يسمح لتعاطفه بالظهور. وقد أسفر تركيزُه الجامح على النتائج القصيرة المدى — بالإضافة إلى الرسائل التي يتلقَّاها من المؤسسة الأم — عن عقليةٍ ترى أن الموظفين يتحمَّسون بالخوف أكثر من أي شيءٍ آخَر؛ وهذا جعله يُلحِق ضررًا مزدوجًا بالآخرين؛ فكان يعاقب الموظفين ويحطُّ من قَدْرهم عندما لا يحقِّقون الأهداف، ثم يصبح لطيفًا وودودًا عندما يكون راضيًا عن أدائهم. إن هذا الازدواج المتناقِض على غرار شخصية الدكتور جيكل والسيد هايد أدَّى إلى شيوع عدم الثقة بين الموظفين، وأكَّد فحسب للآخرين اعتقادَهم بأن النتائج هي كل ما يهم تيري؛ ولهذا السبب بدأ يخسر فريقه؛ فبعضهم يسعى للانتقال إلى مكانٍ آخَر في المؤسسة، والبعض الآخر يترك الشركة بالفعل. أما الموظفون المتبقون فيُظهِرون «إذعانًا ناقمًا»، لكنهم منفصلون عاطفيًّا ويفقدون طاقتهم وإبداعهم. وعلى القدر نفسه من الأهمية، كان أقران تيري غير راضين عن طريقتِه في العمل والأثرِ السلبي الذي يخلفه أسلوبُه على مؤسساتهم. وعلى الرغم من أن الثقافة المؤسسية تتبنَّى الصرامةَ والتركيزَ القوي على العمل، فإنها أيضًا تتبنَّى احترام الموظفين. وتيري ينتهك القيمة الأخيرة، وهذا لا يضر حياته المهنية فحسب، بل يلحق الضرر بكفاءته أيضًا.
كجزء من الجهد المبذول لتحسين الأداء في جميع أنحاء منطقتنا، خصَّصْنا جزءًا من ميزانية الشركة للمساعدة في تمويل الدعاية في البلاد التي يحتاج فيها الأداءُ إلى الدعم. وفعلنا ذلك طواعيةً؛ حيث أدركنا أنه كلما تحسَّن أداءُ المنطقة الآسيوية، كان ذلك أفضلَ لنا جميعًا. لكن عندما زار تيري مكاتبنا نسي أننا نعمل بموارد أقل ممَّا كانت متاحةً لنا فيما سبق. هذا ليس عذرًا، لكنَّ افتقارَه إلى التعاطف وعدمَ تفهُّمه لما نواجِهه وميلَه إلى لومنا على الظروف التي ساعَدَ في خَلْقها؛ كلها أمور تقلِّل من الروح المعنوية للمؤسسة بأكملها.
من المهم ملاحظة أن ما كان يطمح له نائب الرئيس التنفيذي المشار إليه كان التفهُّم، وليس عذرًا يُمكِّنه من التنصُّل من تحقيق النتائج. ومن المفارقة أنَّ عَجْز تيري عن فهم مشاعر الآخرين قلَّلَ من المحصلة نفسها التي كان يسعى إليها؛ أَلَا وهي النتائج الأفضل!
خلال فترة تَولِّي لافلي إدارة بروكتر آند جامبل، تلقَّى ثناءً يستحقه على قيادته لعملية التحوُّل من مؤسسةٍ تقليديةٍ تحافظ على الوضع الراهن إلى مؤسسةٍ ابتكاريةٍ ومتطلعةٍ للمستقبل. لافلي، ذلك القائد المفعم بالحيوية والعازم على النجاح، الذي يحقِّق نتائجَ باهرةً باستمرار، يشار إليه عادةً بأنه «لا يميل إلى لفت الانتباه» و«متواضِع». ووصف كيفين روبرتس، الرئيس التنفيذي لوكالة ساتشي آند ساتشي للإعلان، لافلي بأنه: «متواضع لكنه واثق من نفسه، لَين لكنه صارم، يستمع إلى الآخرين لكنه حازم.» وقال لافلي عن نفسه أيضًا: «أهتم بالتواصل مع الآخرين بطرقٍ تجعل حياتهم أفضل.» إن هذا القائد الذي يهتم بالآخرين، ويقود بقلبه، يستطيع أيضًا فعْلَ كل ما هو ضروري لتحقيق الأهداف. وعلى الرغم من أن لافلي يبدو مخلِصًا لموظفيه، فإنه استطاع أيضًا السماح بتقليل عمالة بروكتر آند جامبل بمعدل ٩ آلاف وستمائة موظف تقليلًا للتكاليف، وعندما اشترت بروكتر آند جامبل شركة كليرول، أغلقتْ ثلاثةً من مصانعها وتخلَّصَتْ من ٧٥٠ وظيفة.
من الواضح أن لافلي يعمل جاهدًا على الحفاظ على التوازن الصعب بين الأفراد والنتائج، ولا شك أنه يفهم فوائدَ الحفاظ على ذلك التوازنِ المتمثِّلةَ في الاستمرارية والابتكار وتكوين العلاقات.
(١-١) الاستمرارية
كما أشرنا من قبلُ، فإن الشركات يمكنها البقاء، بل حتى الازدهار، في ظل التركيز الحصري على نتائج العمل القصيرة المدى، لكنها ستعجز عن تجنُّب المشكلات الطويلة المدى. ولتحقيق القدرة المؤسسية — تنمية المواهب، والحفاظ على أغلبية الموظفين المَهَرة، وخلق بيئةٍ يعمل فيها الأفراد باجتهاد وحماس وابتكار — يجب أن تبذل المؤسساتُ جهدًا يتسم بالمصداقية للوفاء باحتياجات الأفراد. وقد أُجرِي قدر كبير من الأبحاث حول هذا الموضوع، ويبدو واضحًا أن الأفراد الذين لا يشعرون بالتقدير يتركون الشركات بسهولةٍ أكبر من الأفراد الذين يشعرون بالتقدير. وبالمثل، فإن القادة الذين يدعمون الإحساسَ بالانتماء يولدون مزيدًا من الالتزام والابتكار من جانب موظفيهم.
لا يتحقَّق هذا الأثر على الفور؛ فمن الممكن أن يستغرق الأمر شهورًا حتى يُكوِّن المشرفون علاقاتٍ مع مرءوسيهم المباشِرين، وحتى بعد بناء علاقاتٍ قويةٍ قوامُها الثقةُ، من الممكن أن يمر بعضُ الوقت قبل أن تُترجَم تلك العلاقات إلى أداء. وعلى الرغم من ذلك، فلقد رأينا مرارًا وتكرارًا كيف أن المشرفين الذين يتواصلون مع مرءوسيهم المباشِرين، يستطيعون تطويرهم لتحقيق مستوياتٍ أعلى من الأداء تفوق المستويات المعتادة. وبالعكس، فلقد رأينا قادةً منعزلين، ومنفصلين، ومسيطرين، وقادرين على إصدار الأوامر بتحقيق مستوياتٍ عاليةٍ من الأداء والحصول عليها من موظفيهم لفترةٍ قصيرةٍ من الوقت، لكنهم لا يستطيعون الحفاظَ على ثبات مستوى الأداء على المدى الطويل. ولا تتضح صحة ذلك في مكانٍ كما تتضح في اللجان التنفيذية لكبرى الشركات؛ حيث ينعكس الافتقار إلى الانتماء والاهتمام الحقيقي بعضهم ببعضٍ على كافة جوانب النظام ككلٍّ. ولقد رأينا فِرَقًا في الإدارة العليا تتصف بسوء العلاقات بين أعضائها، واندهشت تلك الفِرَق عندما علمت أن مشكلاتها تنعكس على كافة المستويات الدنيا في المؤسسة.
(١-٢) الابتكار
ما زال الابتكار هو الهدفَ الأصعب والأسمى لدى معظم الشركات؛ فهو مرغوب بقدر ما هو بعيد المنال. الابتكار هو قوام الحياة بالنسبة إلى أي مؤسسة، والأنظمة البيروقراطية الضخمة تميل دون قصدٍ إلى تفضيل الامتثال على الإبداع، وتجنُّب المخاطرة على النمو، والثبات على الإبداع. والابتكار هو قوام أي مؤسسةٍ لأنه يُسفِر عن طرقٍ جديدةٍ لإنجاز المهام، تتميَّز بكونها أسرع وأرخص من الطرق الأخرى الأكثر تقليديةً. وفي كثيرٍ من الأحيان يتطلَّب اقتراحُ طرقٍ جديدةٍ لإنجاز المهام داخل المؤسسات البيروقراطية جهدًا وشغفًا للتغيير لا يكلُّ ولا يملُّ.
وعلى الرغم من ذلك، فإذا لم تُلَبَّ احتياجات الموظفين العاطفية، فإنهم سيفتقرون إلى الحماس والحرية اللازمَيْن للابتكار، على الأقل في معظم الحالات. وتوضِّح هذه النقطةَ مقالةٌ حديثةٌ نُشِرت في مجلة «هارفرد بيزنس ريفيو» للكاتبَيْن ريتشارد فلوريدا وجيم جودنايت، حملت عنوان «الإدارة من أجل الإبداع». يصف الكاتبان أهميةَ الحفاظ على اهتمام المواهب المبدعة وتحدِّيها فكريًّا؛ فعندما يخلق القادة مناخًا من الاحتواء والدعم، يصبح الأفراد أكثر استعدادًا لإبداء آرائهم، وتحدِّي الطرق التقليدية لإنجاز المهام من منطلق عِلمهم أنه حتى إذا كُتِبتْ عليهم مواجهةُ عواقب الفشل، فإنهم سيظلون يحظَوْن بالتقدير باعتبارهم أفرادًا في الفريق. وعندما يشعر الموظفون بأنهم لا يزالون محلَّ تقديرٍ ومكافأة، حتى إذا اقترفوا بعض الأخطاء، سيكونون أكثر استعدادًا لاقتراح الأفكار التي تتحدَّى حقًّا الممارسةَ المتبعة. فلا شيء يعيق الإبداع والابتكار أسرع من ثقافة الخوف وتجنُّب المخاطرة؛ فمن غير الممكن أن تأمر شخصًا بالإبداع؛ ولن تُحفز أحدًا للمضي قُدمًا نحو التغيير، عندما يكون خائفًا من الفشل، أو عندما يكون تحت ضغطٍ مستمرٍّ ومدمرٍ من أجل تحقيق الأهداف الحالية.
(١-٣) تكوين العلاقات
يتحقَّق المزيد من الأهداف الآن من خلال الترابط بين الأفراد (مقابل الجهود الفردية) أكثر من أي وقتٍ مضى. وقد حدَّدت معظم الشركات العمليات التي تتطلَّب تواصُلًا أفقيًّا وتكوينَ علاقاتٍ غيرِ رسميةٍ بالإضافة إلى فِرَق عملٍ أكثر رسميةً. إن هذه الشبكات الأفقية مسئولةٌ عن إنجاز قدرٍ هائلٍ من العمل المؤسسي؛ فتحفيزُ الفِرَق على المستوى الأفقي أصعبُ كثيرًا مقارَنةً بتحفيز الأفراد؛ فعندما يشعر أفرادُ الفريق بالاستغلال أو عدم التقدير أو الترهيب، فإنهم ينفصلون عن شبكة العلاقات الأفقية ويبحثون عن أشخاصٍ آخَرين للتعاون معهم. ومن الأسهل عندئذٍ إخفاء الأداء المتوسط أو الانفصال داخل الفريق أو الشبكة الأفقية، عنه في حالة وجود علاقةٍ ثنائيةٍ بين المشرف والمرءوس المباشِر.
يوضِّح باتريك لينشوني في كتابه «عناصر الخلل الخمسة في أداء الفريق» ما يحدث عندما لا تُلبَّى احتياجات الفريق. استخدَمَ الكتابُ صيغةَ حكايةٍ رمزيةٍ، ويوضِّح أنه عندما لا يشعر أعضاء الفريق بالثقة، فإنهم يحجبون المعلومات والأفكار؛ وعندما لا يعبِّرون عن آرائهم، فإنهم يتجنَّبون الصراعَ بدلًا من حله؛ وعندما لا يحل أعضاء الفريق خلافاتهم، فإنهم يفشلون في الالتزام بقرارات الفريق. وهذه هي فقط عناصر الخلل الثلاثة الأولى! ما نقصده هو أن احتياجات الأفراد لا بد من تلبيتها، وإلا فمِن المحتمل أن تعانيَ الفِرَق أو غيرها من الجماعات من الخلل الوظيفي.
(٢) أن تكون لطيفًا مقابل أن تكون عطوفًا
تميل المؤسسات إلى المبالغة في تبسيط فكرة احتياجات الأفراد، ويؤدي ذلك إلى قيامها بإجراءاتٍ شكليةٍ بدلًا من تلبية متطلباتهم الرئيسية. ومن الصور الأكثر شيوعًا للمبالغة في التبسيط، تلبيةُ القائد احتياجات الأفراد بأن يكون لطيفًا معهم. وعلى الرغم من ذلك، يجب أن تتأمل الفِرَق ما بين أن تكون «لطيفًا» وبين أن تكون «عطوفًا»؛ على سبيل المثال: إذا كنتَ غير مدركٍ لوجود بقعةٍ ملحوظةٍ على رابطة العنق، فإن الشخص اللطيف لن يخبرك بذلك؛ ومن ثَمَّ سينقذك من إحراجٍ بسيط. أما إذا كان الشخص عطوفًا، فسوف يسحبك جانبًا ويخبرك بوجود تلك البقعة وينصحك بتغيير رابطة العنق؛ فهذا الشخص يتصرَّف لتحقيق أفضل مصلحةٍ لك، وسيخبرك على الأرجح بشيءٍ تريد معرفته.
في المثال الأخير، تحقَّقت نتيجةٌ إيجابية لم تكن لتصبح ممكنةً حال التزام اللطف فحسب؛ ومن ثَمَّ فتلبيةُ احتياجات الأفراد تتضمَّن أكثر من مجرد التعامُل بلطفٍ مع المرءوسين المباشِرين أو تجنُّب الصراع والمواجهة عبر التزام الأدب. إن الأمر ليس توجُّهًا فحسب، بل فِعْلٌ أيضًا. وفي حقيقة الأمر، لن تتمكَّن من الموازنة بين احتياجات الأفراد ومتطلبات العمل إلا من خلال أفعالٍ مفيدة.
تُثار في كثيرٍ من المؤسسات التي تعتمد على النظام المصفوفي اعتمادًا كبيرًا، مثل نايكي وبروكتر آند جامبل، مناقشاتٌ متكررةٌ وحاميةُ الوطيس حول كيفية الإدارة على نطاقٍ عالمي؛ ففي شركة نايكي، يوازن المسئولون التنفيذيون باستمرارٍ بين متطلبات المعايير العالمية للمنتج وبين المتطلبات المحلية للبلد. في المؤسسات المصفوفية، توجد دائمًا احتماليةُ نشوبِ صراعٍ حقيقي؛ لأن لدى القادة الأقوياء آراءً راسخةً عن التنظيم ووجهاتِ نظرٍ مختلفةً بشأنه. وفي شركة نايكي يستطيع فريق الإدارة العليا التعامُلَ بكفاءةٍ مع اختلافاتهم، فيتناقشون دون ضغائنَ أو اتهامات، ويضعون الخطط والأهداف السنوية. وهم قادرون على فعل ذلك لأن نايكي خلقَتْ ثقافةً إحدى قِيَمها «الانتماءُ إلى الفريق». وفي جميع المستويات الإدارية يدرك قادةُ نايكي أنه من المستحيل أن يربح الفردُ دون أن يربح الفريق أيضًا. وهذا المنهج هو أساس المؤسسة المصفوفية الناجحة التي لا مفرَّ فيها من الاعتماد المتبادل والصراع.
في نايكي وبنك أوف أمريكا وكولجيت وجونسون آند جونسون، وغيرها الكثير من المؤسسات التي نعمل معها وتتبنَّى نظامَ الاعتماد المتبادل، يتعهَّد فريق الإدارة العليا باحترام بعضهم بعضًا، حتى عند الخلاف. لكن في كثيرٍ من الأحيان لا يلتزم أعضاء الفريق التنفيذي بهذا التعهُّد، وينصبُّ تركيزهم على الجانب المعرفي؛ ممَّا يدفع بعضهم إلى محاولة التغلب على بعضٍ في النقاش. وفي الغالب تُوظِّف نقاشاتُهم المنطقَ على نحوٍ بارع، وهكذا تجد نفسَك تستمع إلى أحد القادة وتهز رأسك موافِقًا، ثم تستمع إلى القائد التالي صاحب وجهة النظر المضادة وتهزُّ رأسك موافِقًا مرةً أخرى. وسرعان ما يتوه الفريق في متاهة وجهة النظر ووجهة النظر المضادة التي يحسبها الآخرون خطأً شكلًا من أشكال الحوار وحل المشكلات. ولن تُحل المشكلات ويُصدَّق على الخطط وتُنفَّذ، وينعكس هذا بعد ذلك في الأداء؛ إلا عندما يوظِّفون مهاراتِ القلب؛ أيْ عندما يسمحون لأنفسهم بالاستماع بتفهُّمٍ إلى وجهة نظر الشخص الآخَر، ويُظهِرون المرونةَ التي تصبح ممكنةً فقط عندما نثق بالآخَرين.
ومن ثمَّ، فإن تلبية احتياجات الأفراد يمكن أن تعنيَ إظهار احترامٍ صادقٍ للآخرين، من خلال الاستماعِ الفعَّال والاستعدادِ لتعديل موقفٍ تتمسَّك به بقوة.
في بعض الأحيان بالطبع تكون نقطةُ التوازن بين الأفراد والعمل محفوفةً بالمخاطر؛ ففي معظم الأيام يدخل القادةُ في صراعٍ بين الرغبةِ في فعل الأمر المناسب لموظفيهم، والرغبةِ في فعل الأمر المناسب للشركة. هم يعلمون أنه ليس من «الصواب» التخلِّي عن أعدادٍ كبيرةٍ من الأفراد الذين أبدَوْا التزامًا حقيقيًّا تجاه المؤسسة، وأصبح لزامًا عليهم الآن خسارة وظائفهم لا لخطأٍ ارتكبوه في الأغلب. إلا إنهم يعلمون أيضًا أنهم إن لم يقلِّلوا التكاليفَ سريعًا، فإنه من المحتمل أن يخاطروا ببقاء الشركة في المستقبل. إنهم يعلمون أنه قد لا يكون «صائبًا» عند تحديد الترقيات تخطِّي شخصٍ أظهَرَ قِيَم المؤسسة والتزَمَ للغاية بتحسين قدراته لكنه لا يستطيع تحقيق النتائج. ولكي يحافظ القادة على التوازن بكفاءة، يجب أن يتخذوا باستمرارٍ إجراءاتٍ لا تبدو مُنصِفةً في ظاهر الأمر أو إنسانية.
إن التحديَ الأصعب لدى معظم القادة هو مواجهة مرءوسيهم المباشِرين بمشكلات الأداء أو إقصاؤهم عن وظائفهم. والقادة العديمو الكفاءة يسمحون بوجود الأداء المتوسط أو المتدني ويدمرون المؤسسة؛ فقط لأنهم يريدون أن يكونوا لطفاء. لقد عملنا مع الكثير من القادة الذين يتخوَّفون بشدةٍ من مواجهة الأشخاص الآخَرين بمشكلات الأداء الموجودة لديهم. والمسئولون التنفيذيون الأقوياء الذين يتمتَّعون بالشجاعة اللازمة لاتخاذ قراراتِ عملٍ صارمةٍ في جميع الحالات الأخرى، تجدهم يرتجفون عند اضطرارهم إلى تقديم تقييمٍ صارم. سيتجنَّب هؤلاء الحوارَ أو يتعمَّدون التشويش على الرسالة. وعلى الرغم من ذلك، فعندما يُجرون في النهاية هذه المحادثة الجريئة، فإنهم يندهشون في الغالب من مدى سلاسة الأمر. وفي بعض الحالات يجدون أن الشخص الآخَر شعر فعليًّا بالتحرُّر من عبء القلق. إليكم مثالًا آخرَ عن الفَرْق بين اللطف والعطف: إن اللطف يعني تجنُّب الصراع والتظاهر الخادع بأن كل شيءٍ على ما يرام، أما العطف فيعني إعطاء الشخصِ الرسالةَ التي يحتاج إلى سماعها ويتصرَّف بناءً عليها بما يحقِّق أفضل مصلحة له. وفي أغلب الأحيان نسأل القائد المتردد في إخبار أحد الموظفين «أخبارًا سيئة» عمَّا إذا كان حقًّا عدمُ إخباره بما يحتاج إلى معرفته يصبُّ في مصلحته.
إن عدم الرغبة في المواجهة يشير إلى الافتقار إلى العطف. يقول موريس شاكتمان في كتاب «العمل دون شبكة أمان» إن المؤسسات تعجُّ بالمديرين «مقدمي الرعاية»؛ وهم أشخاص يغلب عليهم الطابع الأبوي أو الأمومي، ويُقنعون أنفسهم بأنهم يرعَوْن موظفيهم حقًّا ويُظهِرون ذلك بحمايتهم من خسارة وظائفهم أو حتى من النقد. إنهم يرَوْن أن مرءوسيهم المباشِرين أشخاص «ضعفاء» ولا يرغبون في جرح مشاعرهم. ويؤكد شاكتمان على أن الأشخاص أقوى بكثيرٍ مما يظن هؤلاء المديرون، وأنه لَمِن القسوة، وليس من العطف، السماحُ لأصحاب الأداء الضعيف ببذل جهدٍ لا طائلَ من ورائه، وعدم مواجهتهم أبدًا بالمعلومات التي قد تساعدهم في التعلُّم والنضج أو إيجاد وظيفةٍ على مستوًى مناسبٍ لهم.
على نطاق أكبر، فإننا نعمل مع مؤسسةٍ تعاني من مجموعةٍ من المشكلات المشابهة؛ فلقد علمت لجنتها التنفيذية، من خلال التقييم الصارم والمواجهة الصعبة مع البيانات، أن عددًا من المسئولين التنفيذيين الرئيسيين أكْفاءٌ لكنهم ليسوا ممتازين، ولكي تتقدَّم الشركة ستحتاج إلى أشخاصٍ أكثرَ كفاءةً في المناصب الرئيسية. أكملت اللجنةُ عمليةَ تقييم البيانات، وأصرَّ الرئيس التنفيذي على أن تبدأ الشركة في تعيين مواهب من خارج الشركة. ومن خلال العمل مع إحدى شركات التوظيف في المجال التنفيذي، حدَّدوا عددًا من القادة الذين سيعملون بمستوى كفاءةٍ أعلى. أما المشكلة فتمثَّلت في الأضرار التبعية؛ فالمسئولون التنفيذيون الحاليون عملوا مع الشركة لسنواتٍ طويلة، وكوَّنوا علاقاتٍ قويةً مع غيرهم في جميع أنحاء المؤسسة، وإذا استُبدِلتْ بهم أعدادٌ كبيرة، فسوف تنهار الروح المعنوية للموظفين، ومثل هذا التصرُّف قد يجعل الشركة تبدو وكأنها تتخلَّص من موظفيها بمنتهى القسوة. وعلى القدر نفسه من الأهمية، فإن الموظفين المستائين من استبدال رؤسائهم سيفقدون على الأرجح جزءًا من التزامهم وطاقتهم؛ ممَّا سيؤثِّر سلبًا على الأداء. وعلى الرغم من ذلك، فإن الأداء سيتأثَّر سلبًا أيضًا إذا سُمِح لأصحاب الأداء الضعيف بالبقاء في مناصبهم.
لا يوجد حلٌّ بسيط لهذه المعضلة، لكن التزام اللطف عند تأمُّل الأداء المتوسط أو الضعيف ليس الحل. وفي هذا الموقف، ربما تتطلَّب الموازنة بين احتياجات الأفراد ومتطلبات العمل تحوُّلًا تدريجيًّا وعادلًا؛ وقد يعني ذلك ضرورة أن تتعامل الشركة مع خطوة استبدال هؤلاء الموظفين على أنها عمليةٌ، وليس باعتبارها واقعةَ «إطاحةٍ جماعية». ربما يمكن نقل بعض المسئولين التنفيذيين إلى وظائفَ جديدةٍ، أو تطويرهم لمستوًى أعلى من الكفاءة، أما الموظفون الذين سُرِّحوا، فمن الممكن تقديم مكافأةِ نهايةِ الخدمة لهم، وإمدادهم بخدمات المساعدة على التوظيف. وبصرف النظر عن الطريقة المتبعة في التنفيذ، فإن كلًّا من احتياجات الأفراد ومتطلبات العمل لا بد من اعتبارها عواملَ بدلًا من النظر إليها باعتبارها بدائلَ يمكن الاختيار بينها.
(٣) فخ التعاطُف الزائد
كان لدى أحد الرؤساء التنفيذيين عضوة في اللجنة التنفيذية لا تُسهم في الأداء، وكانت واحدةً من الموظفات القلائل في شركةٍ تعاني من مشكلاتٍ في التنوع. وفي حقيقة الأمر، كان عدم إسهامها بالأداء في وظيفةٍ حيويةٍ متعلقةٍ بالموظفين يؤثر على المؤسسة بأكملها. وعلم الرئيس التنفيذي أن من المصلحة العليا للشركة الإقدامَ على التغيير، وكان مجلس الإدارة يضغط عليه لفعل ذلك. في الوقت نفسه، كان قد كوَّن ارتباطًا قويًّا بهذه الموظفة نظرًا لأنه عمل معها طوال حياتهما المهنية.
عندما عَيَّن الرئيس التنفيذي السابق له هذه الموظفة في منصبها الحالي، كانت مهارتها مناسبة لمتطلبات المنصب المتمثلة في تجميع الموارد، ووضع المقاييس، وإدارة الأداء. أما الآن فالمطلوب هو قائد ذو رؤيةٍ يستطيع نقل الشركة لمستوًى آخَر. والرئيس التنفيذي يعلم أنها أم عاملة وزوجها مدمن كحول، وأنها مثار إعجابِ ومحبةِ فريقها، وأنها مضغوطة من جهاتٍ كثيرة. إلا أنها على الرغم من حصولها على تقييمٍ شامل من جميع جهات المؤسسة، فضلًا عن التوجيه والرسائل المباشِرة من أقرانها، فإنها غير قادرةٍ على النجاح في مواجهة التحدِّي الذي تواجِهه الشركةُ.
في هذا المثال، يمكن أن يرى الرئيس التنفيذي المفرط في الاهتمام بالأفراد أن هذه المرأة صديقة وزميلة محل ثقة، ويستمر في تبرير السماح لها بالاحتفاظ بوظيفتها. ومن الممكن أن يُقرِّر أن الوظيفة تلعب في الحقيقة دورًا ثانويًّا فيما يتعلَّق بالمهمة الأساسية للعمل، وربما يُقرِّر تقديمَ المزيد من التوجيه لمساعدتها في مشكلات الأداء التي تُعاني منها، وقد يُصرُّ على حضورها أحد البرامج التنفيذية الوظيفية في إحدى كليات الأعمال المرموقة، ومن الممكن أن يُقنِع نفسه بأنها تمر فحسب بفترةٍ عصيبةٍ وأنها ستتغلب على مشكلاتها في الأداء. وطوال هذا الوقت يشعر زملاؤها بالاستياء من عدم كفاءتها، ومن حقيقة أن محاباة الرئيس التنفيذي لها هي ما يحفظ لها وظيفتها.
وكما سنرى، فإن التوازن الذي نقترحه يمكن أن يحقِّقه القادة الذين يقودون في الأساس بقلوبهم أو بعقولهم، لكنه لا يمكن تحقيقه إذا كانوا يعتمدون على هذا الأسلوب الأساسي حصريًّا.
(٤) كيفية وضع متطلبات الأفراد في الاعتبار دون نسيان متطلبات العمل
يتصرَّف معظم المسئولين التنفيذيين وفقًا لتصوُّراتٍ شخصيةٍ لطالما اعتنقوها عن الأشخاص والتحفيز والمكافآت والأداء. وتقضي إحدى وجهات النظر المفرطة في التبسيط أن الأهداف يمكن تحقيقها من خلال التركيز العنيد على التنفيذ والنتائج، عندها لا بد أن يتحمَّل الأفراد متطلبات السفر والاجتماعات التي لا تُعَدُّ ولا تُحصَى، وأعباء العمل الشديدة، وأهداف الأداء التي نادرًا ما تكون واقعية. وفي الواقع، توجد حدود بدنية لما يستطيع الناس تحقيقه، وكثير من الشركات والقادة يقترب من تلك الحدود. والأهم من ذلك، أنَّ تحقيقَ أداء العمل يتطلَّب أكثر من مجرد العمل الجاد؛ فالميزة التنافسية في وقتنا الحاضر تنبع في أغلب الأحيان من الإبداع، وتكوين العلاقات، والْتماس وجهات النظر المتنوِّعة، ودعم الإحساس بالانتماء الذي يُولِّد الشغف والطاقة في المؤسسة، ويؤدي بدوره إلى التميُّز في الأداء.
علاوةً على ذلك، فإن كثيرًا من القادة واقعون تحت تأثير افتراضٍ مفرط في التبسيط يدفع بأن الأجر هو الحافز الأهم لدى الأفراد. من المؤكد أن الأشخاص يهتمون بقدر المكافآت التي يحصلون عليها نظير ما قاموا به. وعلى الرغم من ذلك، فإن كل دراسةٍ أُجرِيت حول توجُّهات الموظفين على مدار العقدين الماضيين، توضِّح أن العامل المهم حقًّا بالنسبة إلى الأشخاص هو جودة البيئة التي يعملون بها. وجودة بيئة العمل لدى معظم الأفراد تعني طريقةَ معامَلةِ مديرهم لهم، وإذا ما كانوا يرَوْن أن عملهم مهم ويسهم في نجاح المؤسسة ككلٍّ.
يمكن أيضًا أن يقع القادة في فخ اعتقاد أن الجميع تُحفزهم نفس الأشياء، أو يُحفزهم نفس ما يحفز القادة. لقد عملنا مع أحد القادة الذي صُدِم عندما رفض أحد مرءوسيه المباشِرين الترقية. كانت الترقية ستعطي هذا الشخص مزيدًا من المسئوليات، لكنها كانت تعني أيضًا إقصاءَه عن وظيفةٍ يحبها، والانتقالَ إلى مكانٍ مختلفٍ في البلد. لم يكن هذا القائد ليتردَّد أبدًا في القيام بهذه «التضحيات»، ولم يستطع تخيُّل السبب الذي يدفع أحد الأشخاص للتردُّد؛ ومن ثَمَّ عملنا معه على توسيع نظرته عن الأمور التي تحفِّز الناس، وعن مدى حاجته إلى تغيير افتراضاته باستمرارٍ حول ما يريده الأفراد منه ومن الشركة.
يميل القادة «أصحاب التفكير البسيط» إلى التفاخُر بأنهم يعامِلون الجميع بطريقةٍ واحدة. وقد يعني هذا التعامُلَ الشديدَ مع الجميع، أو العكسَ المتمثِّلَ في معاملة الجميع برفق. وفي أيٍّ من الحالتين، فإن مثل هذا الأسلوب يفشل في إدراك أنه في ظل تزايُد التنوُّع الثقافي، يتوقَّع الناس أن يُعامَلوا باعتبارهم أفرادًا؛ فبعض الأشخاص سيُقدِّرون التعليمات الواضحة وستُحفِّزهم التوقُّعات الدقيقة، بينما يُقدِّر غيرهم الغموض والاستقلالية، ويمكن أن تؤديَ أيُّ محاولةٍ لفرض حدودٍ صارمةٍ حول المسئوليات إلى تثبيط همتهم. مع بعض الأشخاص يمكن أن تكون مباشِرًا وناقِدًا ومحلِّلًا وقاسيًا وعديمَ الرحمة، وسوف يشكرونك على وضوحك. أما مع غيرهم، فإن تجاهل البُعْد العاطفي في العلاقات يمكن أن يمثِّل صدمةً تؤثِّر سلبًا على التزامهم وطاقتهم. والقادة الرائعون ينخرطون في المهمة المعقَّدة المتمثِّلة في تحديد الطريقة المناسبة للتعامُل مع كل شخصٍ، ثم تطوير ذلك الشخص وتحفيزه وفقًا لهذه الطريقة. ومن خلال التفكير بهذه الطريقة المعقدة، سيكون القادة أكثر قدرةً على الرد بالنوع المناسب من سلوكيات القلب.
وأخيرًا، انتبه إلى أن هذه الإجراءات الأربعة كافةً تتطلَّب الشجاعةَ؛ فإذا كانت المؤسسة التي تعمل بها يسودها قادةٌ صارمون يعتمدون على الجانب المعرفي، وكانت ثقافتها تتبنَّى على نحوٍ مشابهٍ التوجُّهَ نفسه، فسوف يتردَّد القادة في التفكير في احتياجات الأفراد ومتطلبات العمل بالقدر نفسه أو بذل الجهد للاستماع، بالإضافة إلى تحقيق النتائج. في هذا النوع من الثقافات يُعتبَر التواصُلُ مع قلبك علامةَ ضعفٍ. أما إذا كانت شركتك فطنة، فسوف تتعرَّف على القادة الذين يمتلكون شجاعةَ إظهارِ تلك الصفات، ويحاولون الموازَنةَ بين مطلبين متناقضين ظاهريًّا، وتكافئهم.
•••
في الفصل القادم سنتناول بناء الثقة، وهذا بالتأكيد صفة أخرى من صفات القلب، لكنها صفة تزايدت أهميتُها في الشركات ذات الاعتماد المتبادل على المستويات الإدارية الأفقية، التي تعمل على تقديم حلولٍ متكاملةٍ للعملاء على نطاقٍ عالمي.