الأمة هي الفرد
الأمة هي الفرد بالمعنى العلمي الدقيق، وما من بلاهة أو عقل، وما من استقامة أو انحراف، وما من صحة أو مرض، أو قوة أو ضعف، يكون في فرد إلَّا ويكون أيضًا في الأمة.
وذلك لأن كل فرد يتوزع دمه في الأمة، فيصيبها منه خيره أو شره، وإذا أنت نظرت إلى عشرة أفراد في عرض الشارع، فإنك يمكنك أنْ تتأكد أنَّ دماء هؤلاء العشرة لن يخلو منها فرد من الأمة بعد خمسمائة سنة، فاعتبر هؤلاء العشرة من حيث صفاتهم الجسمية والعقلية، واحكم على حال الأمة بعد خمسمائة سنة.
ولكي يتحقق صدق ما أقول دعنا نفرض أنَّ رجلًا سيتزوج هذا العام ويخلف الزوجان ولدين، وأنَّ كل ولد سيتزوج بعد ذلك ويخلف اثنين فقط؛ أي بلا زيادة الجيل القادم على الجيل السابق، وافرض أنَّ عمر كل جيل ٢٥ سنة هكذا:
الجيل الأول | يعقب | ٢ |
الجيل الثاني | يعقب | ٤ |
الجيل الثالث | يعقب | ٨ |
الجيل الرابع | يعقب | ١٦ |
الجيل الخامس | يعقب | ٣٢ |
الجيل العاشر | يعقب | ١٠٢٤ |
الجيل الخامس عشر | يعقب | ٣٢٧٦٨ |
الجيل العشرون | يعقب | ١٠٤٨٥٧٦ |
فإذا رأيت فردًا كائنة ما كانت صفاته، فاحكم أنه بعد خمسمائة عام سيتوزع دمه في أكثر من مليون نفس، وإذا رأيت عشرة أنفس فاحكم بأن صفاتهم الجسمية والعقلية، ستظهر في جميع أفراد الأمة بعد خمسمائة عام على فرض أنَّ عدد الأمة يبلغ نحو عشرة ملايين نفس في نهاية هذه المدة.
وهذه القاعدة تتمشى عكسًا كما تتمشى طردًا، ففي كل فرد منا العناصر الوراثية التي كانت متوزعة منذ ٥٠٠ سنة في مليون نفس.
ومن هنا تعرف أنَّ الأمة عائلة واحدة، وأنَّ في أسلاف كل منَّا بالعدد العديد من رجال الفضيلة والرذيلة، فيهم الزاني والقاتل والعاهر والنصَّاب، كما فيهم الشجاع والتقي والمستقيم والسخي، ففي دمك — أيها القارئ المصري — دماء الملوك الفراعنة، على وجه الحقيقة لا على وجه المجاز، كما أنَّ في دمك عرق دسَّاس يرجع بك أحيانًا أوقاتَ غضبك إلى دم أسلافك من السفاكين وغيرهم.
ولكن هذا الحساب عبرة أخرى، وهي أنَّ الأبله الذي يتزوج تتوزع بلاهته بهذه النسبة أيضًا، ففي كل منَّا عرق من هذه البلاهة التي توزعت في الماضي، بل في كل منَّا عرق من الجنون، ومن نزعة الإجرام وسائر الرذائل، كما أنَّ في كل منَّا عروقًا من النبوغ والشجاعة والاقتصاد، ومن نزعة التفكير الحر وسائر الفضائل.
من هنا نعرف قيمة وضع شرعة للزواج يمنع فيها كل ذي عاهة يخشى منها على عقول الأمة أو أجسامها من الزواج، فالإنسان مثل سائر الحيوان يمكن تأصيله بانتقاء الطيب فيه، واستيلاده ومنع الرديء من التناسل، وليس الإصلاح ما يقصد به تعبيد الشوارع أو نشر التعليم، أو الوقاية من الأمراض، أو الإكثار من السكك الحديدية، أو إصلاح الأراضي فقط، بل هو فوق وأهم من ذلك إصلاح أجسام الأمة وعقولها.
وهذا الإصلاح هو ما يعالجه علم اليوجنية، فهو يعرف للفرد أثره في الأجيال القادمة، ويعرف أنَّ إصلاح الوسط أو البيئة لا يقتضي إصلاح الفرد، وأنَّ الإصلاح الحقيقي هو ما يتناول التأثير في جسم الإنسان وعقله بتشجيع ذوي الكفايات على التناسل، ومنع العجزة وذوي العاهات منه؛ حتى تسير الأمة وكل جيل يفضل ما سبقه، وصراع الأمم في المستقبل هو صراع بين عقول أبنائها، فالأمة الحائزة لأكبر مقدار من الذكاء ستكون بلا شك هي الفائزة السائدة على غيرها، وإذا لم يكن في الرأي العام أو رأي العامة في الأمم «الشرقية» ما يمنع زواج البله، فيجب أنْ تمنعه الحكومة بشرعة خاصة.