مفاجأة غير متوقعة!
انتظر «أحمد» قليلًا، بعد أن انتهت الرسالة. كانت أعين الشياطين مركزة عليه، وكانوا جميعًا في انتظار أن يقول كلمة. ولم يستطع «مصباح» أن يحتمل هذا الانتظار، الذي أحس أنه ثقيل، فقال: ماذا هناك؟
ابتسم «أحمد» وهو يقول: رسالة من «خالد» …
ظهرت الدهشة على وجوه الشياطين، وصاح «باسم» و«مصباح»: أخيرًا!
نقل «أحمد» مضمون الرسالة إلى الشياطين، وكان عليهم أن يتحركوا فورًا إلى النقطة «س» التي حددتها رسالة «خالد» … أسرع «أحمد» إلى عجلة القيادة، ثم أدار الموتور، ضغط أحد الأزرار أمامه، فانتهى المجال المغناطيسي حول الزورق، وأصبح حر الحركة. وفي أقل من دقيقة كان ينطلق بسرعة في اتجاه النقطة «س» التي لا تبعد كثيرًا عن جزر أزورس.
كانوا يشعرون بالتعب؛ ولذلك قال «أحمد»: عليكم أن تستريحوا قليلًا. إن أمامنا بعض الوقت. وسوف أستدعيكم في الوقت المناسب …
قال «باسم»: أستطيع أن أبقى معك …
أحمد: لا داعي لذلك. إن أمامنا مهمة شاقة، وسوف آخذ دوري في الراحة …
انسحب الشياطين، وأخذ كل منهم مكانًا، فاستلقى فيه، وظل «أحمد» أمام عجلة القيادة. كان العمق الذي يندفع فيه الزورق لا يبعد كثيرًا عن السطح. ولم تكن هناك تيارات ونظر «أحمد» أمامه إلى الساعة، كانت تشير إلى الثالثة صباحًا، فقال في نفسه: سوف تنتهي المهمة مع الصباح …
فجأة أضاءت لمبة حمراء. كانت رسالة من «خالد»: «تحرك الرأس الكبير، الموعد «ف» …»
رد «أحمد»: التعليمات كما هي …
استمر انطلاق الزورق. وكان «أحمد» يستعيد هذه المغامرة منذ بدأت، وكيف مرت أول ناقلة في سلام، عندما لمعت لمبة صفراء، فعرف أن هناك رسالة من رقم «صفر»، فبدأ يتلقى الرسالة: «خرجت العصافير. النقطة «س» …»
رد «أحمد»: اللقاء هناك …
ضغط زرًّا أمامه، فانطلقت موسيقى هادئة. إن كل الأمور على ما يرام الآن. إن خطة «خالد» ورقم «صفر» تحقق نجاح المغامرة، لكن خاطرًا قفز في رأسه فجأة: «هذا إن لم يحدث شيء جديد …» ولم يستمر الخاطر في رأسه طويلًا، فقد جاءته رسالة جديدة من «خالد» جعلت الخطة تتغير تمامًا. كانت الرسالة: «الرءوس الصغيرة حول الرأس الكبير. الفارق ثلاث نقط …»
عندما انتهت الرسالة، كان على «أحمد» أن يزيد من سرعته، وأن يستعد للخطوة الجديدة. نظر في الساعة، فوجد أنه لم يبقَ سوى ساعة واحدة فقط، فقال في نفسه: إنها تكفي حتى يرتاح الشياطين، ثم أُوقظهم.
لكنه فجأة سمع صوت «مصباح» يقول: هل هناك جديد؟ …
قال: كان ينبغي أن تستريح!
اقترب «مصباح» حتى أصبح بجواره تمامًا، ثم قال: إن ربع ساعة تكفيني. تستطيع أن تنال بعض الراحة الآن …
رد «أحمد»: لا يوجد وقت للراحة. إن هناك أحداثًا جديدة، علينا أن نقابلها!
أخبر «مصباح» بالرسائل التي جاءت من «خالد» ومن رقم «صفر». فقال «مصباح» على الفور: إذن أنت في حاجة إلى الراحة بعض الوقت. إننا لا نعرف كم عدد الرءوس الصغيرة التي سنقابلها …
صمت «أحمد» قليلًا، ثم ترك مكان القيادة «لمصباح»، وأخذ طريقه إلى حيث «بو عمير» و«باسم». ألقى نفسه بجوارهما، وفي لحظة كان قد استغرق في النوم.
مرت نصف ساعة، عندما ضغط «مصباح» زرًّا أمامه، فتردد صوت جرس رقيق حيث يرقد الشياطين، فقفزوا جميعًا دفعة واحدة وأخذوا طريقهم إلى مقدمة الزورق. ما إنْ رآهم «مصباح» حتى قال: إننا نقترب من النقطة النهائية …
نظر «أحمد» في الساعة ثم قال: ما زال باقيًا أمامنا نصف ساعة …
مصباح: لقد رفعت السرعة، حتى نقطع الطريق عليهم …
جلس الشياطين حول «مصباح» ولم تمر دقائق، حتى قال «بو عمير»: يجب أن نرسل موجات صوتية؛ لكي نعرف أين هم الآن بالضبط …
ضغط «أحمد» زرًّا، ولمعت فوق شاشة الرادار تلك الموجات الصوتية التي انبعثت في شكل دوائر متتابعة. ولم يمر وقت، حتى ارتدت تلك الموجات، فعرف الشياطين أنهم يقتربون من الهدف، وأن الرءوس الصغيرة تتقدم قريبة منهم.
رفع «مصباح» سرعة الزورق أكثر. وفجأة، ظهرت بقعة سوداء على شاشة الرادار، وظلت تقترب … ضبط «باسم» مؤشر الرادار حتى يحدد المسافة، واستعد الشياطين، بينما كانت البقعة السوداء تقترب أكثر.
وأخيرًا قال «مصباح»: إننا نسير أسفل الهدف تمامًا …
قال «أحمد»: يجب أن نطفوا بجواره …
ضغط «باسم» على أحد الأزرار، فبدأ الزورق يطفو، بينما كان الشياطين يتابعون شاشة الرادار، وعندما أصبح الزورق عند السطح تمامًا، استطاع الشياطين أن يرصدوا زورقًا يتقدمهم.
قال «مصباح»: إنه زورق الرءوس الصغيرة …
أحمد: علينا أن نكون أكثر حرصًا. إنهم يمكن أن يكشفونا …
ظل الزورق في تقدمه، بينما كان الرادار يسجل حركة الزورق الآخر، وظلت المسافة تتناقص. وبعد لحظات أمسك «أحمد» بميكروفون، ثم تحدث فيه، كان الصوت يتردد مرتفعًا في هدوء الليل. قال «أحمد»: إلى قائد الزورق وبحارته. يجب أن تستمعوا للنداء جيدًا …
مرت دقيقة. ثم استمع الشياطين إلى رد الزورق الآخر: إلى بحارة الزورق وقائده، ماذا تريدون؟
أحمد: نحن حرس الشواطئ. نأمركم بالوقوف …
لم يرد الزورق الآخر، لكن فجأة، دوَّت في الليل فرقعة عالية، نظر الشياطين إلى بعضهم، وقال باسم: إنها طلقة مدفع!
سلط «مصباح» كشافات قوية على الزورق، فأصبح واضحًا تمامًا.
وقال «أحمد» يحذرهم: لا داعي للصراع. إن هناك بعض المعلومات ينبغي أن نعرفها …
لم يرد الزورق الآخر فرفع «مصباح» سرعة الزورق، فاندفع الزورق الآخر.
قال «بو عمير»: إنها مطاردة لا نريد أن ندخلها …
أسرع إلى أجهزة إطلاق الصواريخ، وضغط أحد الأزرار، فانطلق صاروخ فوق سطح الماء، وكانت صورته تبدو على الرادار … اقترب الصاروخ من الزورق حتى أصبح قرب مؤخرته، ثم تجاوزها إلى منتصفه، ثم إلى مقدمته وانفجر محدثًا دويًّا هائلًا، جعل الزورق يهتز، وكان «أحمد» قد أسرع عائدًا إلى الشياطين، فقال «بو عمير»: إنها حركة ناجحة …
توقف الزورق الآخر، فاقترب منه زورق الشياطين حتى توقف بجانبه. وتحدث «أحمد»: أين القائد؟
رد أحدهم: إنه أنا! ماذا تريد؟
أحمد: التصاريح …
قال الرجل: فليتفضل القائد ليرى التصاريح …
تقدم «أحمد» إلى حافة الزورق الآخر، لقد كان يفهم تمامًا ماذا يريدون. رفع قدمه ليضعها على حافة الزورق فمد الرجل يده إليه، وأمسك «أحمد» بيد الرجل الذي ضربه فجأة ضربة قوية كادت أن توقعه في الماء، إلا أن «أحمد» الذي كان مستعدًا قفز وهو يسدد بيده الأخرى لكمة قوية في وجهه، فسقط الرجل في قاع زورقه، بينما كان الشياطين قد قفزوا جميعًا داخل الزورق الآخر. وقبل أن يتمكن الآخرون من الحركة أسرع «بو عمير» إلى قائد الزورق الملقى على الأرض ثم رفعه إلى أعلى وهوى به على حافة الزورق فصرخ الرجل ثم سقط في الماء.
في نفس الوقت كان «باسم» قد أمسك بأحد البحارة وضربه في قوة تاركًا إياه يندفع حتى يصطدم بأحد جوانب الزورق. وفي أقل من دقائق، كان بحارة الزورق يقفزون إلى الماء هربًا من تلك المفاجأة التي لم يكن يتوقعها أحد منهم.
أسرع «أحمد» إلى زورق الشياطين، وسلط الكشافات القوية على سطح الماء؛ وتحول المكان إلى نهار، لشدة الضوء. ووقف الشياطين يرقبون الأسماك الصغيرة، وهي تحاول أن تختفي في أعماق المحيط. ولم تمضِ دقائق، حتى دوى انفجار، جعل الأمواج ترتفع، وكأنها عاصفة رهيبة وارتفع عامود من الماء، جعل «أحمد» يصرخ: يبدو أن هناك أسماكًا أكبر …
أسرع إلى خزان الدماء الصناعية وفتح الخزان، فانسابت الدماء إلى الماء، حتى صبغت سطح المحيط بلونها الأحمر. ثم سمِع الشياطين صراخ الأسماك الصغيرة التي ألقت بنفسها في الماء. لقد تحركت القروش عندما شمت رائحة الدم، وفي لحظات، كان بحارة العصابة قد تحولوا إلى عشاء شهي لسمك القرش الذي ملأ المكان. فقفز الشياطين إلى زورقهم تاركين الزورق الآخر، وعندما بدأ تحركهم كانت هناك رسالة من رقم «صفر»: «النسور في الطريق …»
لم تمضِ دقائق حتى سمع الشياطين أصوات طائرات الهيلوكوبتر تملأ سماء المحيط. لحظات، ثم تحول سطح المحيط إلى نهار بفعل الكشافات القوية، التي سلطتها الطائرات، وشاهد الشياطين باخرة ضخمة تتوسط المكان.
نزلت إحدى الطائرات على سطح الباخرة، واقترب الشياطين منها بسرعة. وفي أقل من لمح البصر كانوا فوق سطحها.
قال الضابط الذي نزل من الطائرة: أين السيد «زوس»؟ أجاب أحد البحارة: إنه في الداخل، يا سيدي …
وفجأة، ظهر «زوس» وخلفه الكابتن «بال».
قال «زوس» بهدوء: هل هناك شيء؟
أجاب الضابط: هناك أمر بالقبض عليك …
ظهرت الدهشة على وجه «زوس» وهو يقول: و«لماذا» يا سيدي الضابط؟ أظن أن هناك خطأ، إنني «زوس» صاحب شركة «أزورس» للنقل البحري!
قال الضابط: لهذا أقبض عليك …
قال «زوس» بدهشة: هل هناك شيء ضدي؟!
الضابط: أظن ذلك يا سيدي!
رد «زوس» قائلًا: لا بد أنه خطأ غير مقصود!
فجأة، ظهرت الدهشة على وجه الشياطين، وكانت المفاجأة التي لم يتوقعوها. لقد ظهر «خالد» … وحياهم بانحناءة من رأسه. وفي هدوء، اقترب من الضابط، وقدم له شريط تسجيل صغيرًا، وهو يقول: إنه يحمل الإدانة الكاملة للسيد «زوس» والكابتن «بال» يا سيدي. لقد سجلت عليه محادثاتهما، حول إغراق بواخر السيد «زوس» والاستيلاء على التأمينات الضخمة، التي شكت منها شركات التأمين …
نظر «بال» إلى «خالد»، ولم ينطق بكلمة، بينما استسلم «زوس» للقبض عليه.
رفع الضابط يده بالتحية إلى الشياطين، ودعاهم لركوب الطائرة … إلا أن الشياطين أبدو رغبتهم في أن يعودوا بزورقهم. وعندما ركبوا الزورق أطلقوا ١٣ طلقة تحية للشياطين بعد جمع شملهم.