الفصل الخامس

الرسالة المسروقة وحالة بو١

شوشانا فيلمن

إشارة

ليس لاكان سوى أحد العناصر في ما بعد البنيوية البريطانية. وقد انبثقت إحدى سمات النقد الحديث من النقد التحليلي المكتمل حيث تحتل النظرية الفرويدية والنظرية اللاكانية الدورَ الأساسي. وشوشانا فيلمن ناقدة يرتبط اسمها ارتباطًا قويًّا بمدرسة ييل Yale التفكيكية، ولكن نقدها تطوَّر أكثر في الاتجاه اللاكاني. وتتمثل قيمة لاكان، في رأيها، في أنه «يجسد … وقفة تفسيرية ثورية و… نظرية ثورية في القراءة». وترى أن لاكان يتجاوز الرأي الذي يرى أن التحليل النفسي تفسير «منغرس في خطاب المريض»:

إن رأي لاكان أكثر جذرية من ذلك. إن فعالية القراءة لا تقتصر على فعالية المحلِّل، ولكنها تتضمن فعالية المحلَّل أيضًا: إنها تفسير لما يحدث على جانبَي الموقع التحليلي … اللاشعوري … ليس ببساطة ذلك الذي يجب أن يُقرأ، ولكنه أيضًا، وربما بصورة أساسية، ذلك الذي يَقرأ، اللاشعوري قارئ، ويتضمن ذلك بصورة أكثر جذرية أن كل من يَقرأ، ويفسر ما يخرج من اللاشعوري الخاص به، محلَّل، حتى حين يتم التفسير من وضع المحلِّل.

وفي مقالها عن بو ينصب الاهتمام على «السؤال الحاسم عن القيمة العملية للتحليل النفسي».٢ إن المرء لا يستطيع ببساطةٍ تطبيق أفكار فرويد أو لاكان على نصٍّ أدبي؛ لأن أنا المحلِّل (أو الناقد الأدبي) لا تمثِّل نقطة مرجعية ثابتة في رأي لاكان. وهكذا لا تكون المعرفة التحليلية اكتشافًا لشيء موضوعي في النص، ولكنها عملية تتداخل معه، وفيها يكون التحليلُ النفسي ذاته مهدَّدًا بالضياع، ويكون علينا إعادة اكتشافه باستمرار.
تُستهَل أولى المجموعات المنشورة من مقالات لاكان، كتابات Écrits، بفصل بعنوان «سيمينار عن الرسالة المسروقة». وما يُدعى «السيمينار» تعليق مكتوب عن فصل دراسي استغرق عامًا كاملًا، وقد تم تكريسه لاستكشاف نص أدبي قصير، إحدى الحكايات الرائعة التي كتبها إدجار ألان بو، «الرسالة المسروقة». وقد قُدِّم السيمينار إلى متدربين في التحليل النفسي. لماذا اختار لاكان تكريس عام كامل لتدريس هذه الحكاية؟ ما مغزى القرار الاستراتيجي بوضع هذا «السيمينار» في افتتاحية كتابات، بوصفه عملًا رئيسيًّا في محاولات لاكان؟

سأقوم بدراسة هذين السؤالين على نحو غير مباشر، بالتأمل، أولًا، في «حالة بو» في الدراسات الأدبية في علم النفس والتحليل النفسي قبل لاكان. وسأحاول، بعد ذلك، تحليل الاختلاف الذي قدَّمه لاكان في المقاربة التحليلية للقراءة والطريقة التي جعل بها لاكان الدرس الذي استنبطه من دراسة بو درسًا في التحليل النفسي.

إن التعليق على الشعر من منظور التحليل النفسي يعني، تقليديًّا، تحليل الشعر باعتباره عرَضًا من أعراض الشاعر. وأودُّ هنا أن أعكس تلك المقاربة، وأحلل أحد الشعراء باعتباره عَرَضًا من أعراض الشعر.

ربما لا يوجد شاعر باستثناء إدجار ألان بو تم التهليل له بمثل هذا السخاء، وفي الوقت ذاته، تعرض للاستنكار بمثل هذا العنف. إنه أحد أكثر الأعلام في المشهد الأدبي الأمريكي إثارة للخلاف، «ربما يكون أكثر من أسيء فهمهم بين الكتَّاب الأمريكيين كلهم»،٣ «إنه بمثابة حجر عثرة أمام الناقد الحصيف»،٤ لا يوجد شاعر أثار في تاريخ النقد مثل هذا القدر من التضارب وهذا الكم من التناقضات النقدية. وهذا التضارب النقدي ذاته يمثل، في رأيي، دليلًا على فعالية شعرية، وتلك التناقضات النقدية التي أثارها شعر بو مهمة لطبيعة الشعر بصورة غير مباشرة.

التأثير البو-يطيقي Poe-etic: تاريخ حالة أدبية

لا يوجد شاعر آخر أشير إليه غالبًا بمثل هذا القدر باعتباره «عبقريًّا»، في شكل من أشكال الاتفاق الجماعي شارك فيه حتى أولئك الذين ينتقصون من قدره. تحمل دراسة جوزيف وود كرتش Joseph Wood Krutch، وهي دراسة تميل إلى التقليل من منزلة بو وتحقير قيمة إنجازه الفني، إلا أنها، مع ذلك، تحمل العنوان: «إدجار ألان بو: دراسة في العبقرية».٥ وهذا ما فعله عدد كبير من النقاد الآخرين الذين يعترفون ﺑ «عبقرية» بو، ويؤكدون عليها في عناوين مقالاتهم.٦ يكتب توماس ونتورث هيجينسون Thomas Wentworth Higginson: «يحدث أحيانًا أن نلتقي بوعيٍ معجزةً استثنائية ندعوها عبقرية، ولكن ذلك لا يحدث إلا نادرًا في حياتنا. ومن بين العدد الكبير من الشخصيات الأدبية التي قابلتها … لا يربو عدد من تركوا فيَّ إحساسًا لا يقاوم بهذه الخاصية النادرة على ستة أشخاص، وبو واحد من بين هذا العدد القليل.»٧ ويتحدث الشاعر الإنجليزي سوينبرن Swinburne عن «الخاصية الفريدة لعبقرية بو المرهفة»، ويصف الشاعر الفرنسي مالارميه Mallarmé ترجماته لأعمال بو بأنها «أثر خالد للعبقري الذي … مارس تأثيره في بلادنا». ومع أن الشاعر الأمريكي جيمس راسل لويل James Russell Lowell، وهو من أعنف نقاد بو، أصدر حكمه، الحكم المنظوم الذي نال حظه من الشهرة، على شعر بو بأن «خُمسَيه من الغش المطبق»، إلا أنه يؤكد على أن «السيد بو يمتلك ذلك الشيء الذي يفوق الوصف، الشيء الذي اتفق الناس على أن يدعوه عبقرية … دع الموهبة تلتف وتلتوي بقدر ما تستطيع، إنها تفتقر إلى مثل هذه المغناطيسية. ربما كانت تتمتع بوفرة من العظام والأوتار، لكنها تفتقر إلى الأجنحة.»٨
ربما يتمنى القارئ المدقِّق، مهما يكن شكَّاكًا وغير رومانسي، لو يتعلق بذلك «الشيء الذي يفوق الوصف، الشيء الذي اتفق الناس على أن يدعوه عبقرية». ومن الواضح أن شعر بو يُنتج ما يمكن أن يُدعى تأثيرًا عبقريًّا: انطباعًا بقوة غامضة ومسيطرة يخضع لها القارئ. ولوصف «تلك القوة، التي تُحَس»،٩ كما يعبر أحد القراء، يتحدث لويل عن «المغناطيسية»، ويتحدث نقاد آخرون عن «السحر». ويكتب برنارد شو: «من الحتمي أن بو أنتج السحر باستمرار بينما أنتج معظمُ معاصريه الجمال.»١٠ وعلى مضض يوافق ت. س. إليوت تمامًا على أن «بو تمتع، بصورة استثنائية، بالشعور بالعنصر التعويذي في الشعر، ذلك الذي ربما يُدْعى، في أقرب فهم حرفي له، «سحر الشعر».»١١
ويُعزى «سحر» بو إلى إبداعه في النظم، وبراعته التقنية النادرة، إلا أن كلمة «سحر»، «في أقرب فهم حرفي»، تعني أكثر بكثير من مجرد الاعتراف العقلاني بمهارة تقنية رائعة. إنها توحي بالفعل المؤثر لشيء يفوق فهم الشخص وسيطرته، إنها توحي بقوة لا يملك الشخص خيارًا أمامها سوى الخضوع. يكتب لويل، وما زالت الإشارة إلى عبقرية بو: «لا أحد يستطيع أن يقول لنا ما هي، إلا أنه لا يوجد أحد لا يدرك حتمًا … قوتها» (ص١١). وقال شو: «من الحتمي أن بو أنتج السحر.» ثَمة شيء في شعر بو يُدرَك باعتباره شيئًا حتميًّا، شيئًا لا يمكن تجنبه (ليس مجرد شيء تستحيل مقاومتُه). ويضاف إلى ذلك أنه بمجرد قراءة هذا الشعر توجد حتميته لتبقى، تصبح حتمية أبدية، يكتب بندلتون كوك P. Pendleton Cook: «إنه سيلتصق بذاكرة كل من يقرؤه» (ص٢٣). ويكتب إليوت: «كتب بو القليل … من القصائد القصيرة … التي تلتصق بالذاكرة بصورة من الصور» (ص٢٠٧-٢٠٨).

وهذا هو السبب في أن شعر بو يمكن تعريفه، وقد عُرِّف بالفعل، بأنه شعر ذو تأثير من الطراز الأول، بالمعنى الذي أكده هارولد بلوم: «إنه يتدفق.» أو أن له سلطة على الآخر. ويمكن التعليق، في الواقع، على حالة بو في التاريخ الأدبي باعتبارها حالة متفاقمة ومعقدة من حالات «قلق التأثير»، قلق يستثار بدون قصد نتيجة «تأثير» ينبعث من هذا الشعر بصورة لا تُقاوَم، إلا أن الشيء الفريد في تأثير بو، مثلما هو الحال بالنسبة لسحره، هو مدى إغواء فعله بصورة لا تقبل التعليل، بصورة تتجاوز السيطرة والإرادة وإدراك من يتعرضون لذلك التأثير. يكتب إليوت:

إن تأثير بو … يثير الارتباك. إن لشعره ونظرياته البويطيقية تأثيرًا هائلًا في فرنسا. ويبدو أن تأثيره ضئيل في إنجلترا وأمريكا … إلا أن المرء لا يمكن أن يكون على يقين من أن كتاباته هو ذاته لم تتأثر ببو. (ص٢٠٥)

ويواصل إليوت تعليقه دارسًا تأثير بو على بودلير ومالارميه وفاليري:

إنهم هنا يمثلون ثلاثةَ أجيالٍ أدبية، تكاد تمثِّل بالتمام قرنًا من الشعر الفرنسي. إنهم، بالطبع، شعراء مختلفون تمامًا … لكنني أظن أن باستطاعتنا اقتفاء تطور نظرية واحدة محددة عن طبيعة الشعر واقتفاء انتقالها بين هؤلاء الشعراء الثلاثة، وهي نظرية يرجع أصلها إلى نظرية … إدجار بو. والانطباع الذي نخرج به عن تأثير بو هو الأكثر تأثيرًا، حيث إن مالارميه، ومن ثَم فاليري، لم ينبثقا في الحقيقة عن بو عبر بودلير: تعرَّضَ كل واحد منهما بنفسه لذلك التأثير بصورة مباشرة، وترك دليلًا أكيدًا على القيمة التي يعزوها إلى نظرية بو ذاته وإلى ممارساته. (ص٢٠٦)

ومما يثير الغرابة بدرجة كبيرة، أنه بينما لا يوجد أدنى شك في أهمية بو على مستوى العالم وفي تأثيره الكبير، إلا أن بعض النقاد يستمرون في الاحتجاج والتصريح، بأعلى أصواتهم، بأن بو ليس مهمًّا، وأن بو ليس شاعرًا كبيرًا، يكتب الدوس هكسلي عن بو ويتهمه ﺑ «السوقية»:

هل كان إدجار ألان بو شاعرًا كبيرًا؟ لم يحدث بالتأكيد أن قال هذا الكلام أي ناقد من الناطقين بالإنجليزية، إلا أن الحال مختلف في فرنسا، حيث خرج منذ عام ١٨٥٠م حتى الآن أفضل الشعراء في كل جيل — نعم، وأفضل النقاد أيضًا؛ لأن بودلير ومالارميه وبول فاليري، شأنهم شأن معظم الشعراء البارعين، نقاد رائعون — خرجوا عن طريقهم لتبجيله … أما نحن الناطقين بالإنجليزية … فلا يمكن إلا أن نقول، مع كل الاحترام الواجب، إن بودلير ومالارميه وفاليري كانوا مخطئين، وأن بو ليس واحدًا من شعرائنا الكبار.

(Recognition، ص١٦٠.)
إلا أنه يبدو أن الذين ينتقصون من قيمة بو لا يدركون المفارقة التي تؤسس مشروعهم: ليس من الواضح أبدًا لماذا يكون على أي إنسان أن يتكلف عناء الكتابة — بإسهاب — عن كاتب تافه. وهكذا يكتب يوفر ونترز Yvor Winters وهو من أكثر متهمي بو تنظيمًا:
لا يكمن الخطر، أساسًا، في المعجبين به الذين يمكن التأثير فيهم من الأدباء الذين ما زال له بعض الشيء في نفوسهم، حتى في إنجلترا وأمريكا، حيث كان يجب أن تكون الألفة مع لغته دليلًا واضحًا على فجاجته؛ لأن هؤلاء الأفراد لا يؤثرون عمومًا تأثيرًا حقيقيًّا دائمًا. إنه بالأحرى يكمن في هيكل المؤسسة التعليمية المؤثرة حيث يمكن دعم أحد الكُتاب دعمًا قويًّا من قِبل المؤسسة التعليمية، وسوف يكفي القليل جدًّا من التوضيح الفلسفي لترسيخ وجوده في العالم الأكاديمي ككاتب لا تحتاج عظمته إلى دليل (Recognition، ص١٧٧).
وتكمن المفارقة هنا، في كتابة هذا الهجوم ضد بو، في أن ما يفعله المهاجم في الحقيقة يضيف دراسة أخرى إلى «هيكل المؤسسة التعليمية المؤثرة» التي «يكمن الخطر» فيها على حد تعبيره. وهكذا، يكون من المفارقات الكبيرة، أن الخطر في الواقع سوف يزيد بدراسة ونترز؛ أي سوف يزيد احتمال أن تصبح «عظمة بو ككاتب لا تحتاج إلى دليل». وسوف أناقش هنا، بصرف النظر عن حكم القيمة الذي قد يصدر على بو، هذه المجموعة المؤثرة من الدراسات عن بو، والكم الهائل من أدبيات النقد الذي كُتِب عن شعر بو، وهذا الكم في حد ذاته مؤشر على قوته الشعرية المؤثرة، على القوة التي تدفع القارئ إلى الفعل، وترغمه على عملية القراءة. إن الإنكار، المفصَّل والمدوَّن، لقيمة بو، والنفي المسهب والصاخب لأهميته، يشبهان النفي في التحليل النفسي تمام الشبه، ومن الواضح أنه إذا كان نصُّ بو غير مهم في الواقع، فإنه لا يكون من المهم أن نصرِّح ونبرهن ونؤكد أن بو ليس مهمًّا. إن حقيقة أن التصريح بأن بو غير مهم تصريح مهم إلى حد بعيد ليست سوى دليل على أن شعر بو شعر مهم في الواقع.
وهكذا يمكن القول إن لبو تاريخ حالة أدبية، تتضح في أجلى صورها حين تجسد، في أشكالها المتناقضة، طبيعةَ المفارقة في التأثير الشعري القوي: إن الشعر الحقيقي هو الذي نشعر أمامه، أكثر مما نشعر أمام سواه، بأنه شعر لا يمكن مقاومته، ويبرهن التاريخ الأدبي أيضًا على أن الشعر الأكثر مقاومة، هو الشعر الذي استثار المقاومات أكثر من سواه.
ويساهم هذا التناقض الظاهري، الذي يجعل من شعر بو حالة فريدة في التاريخ الأدبي، يساهم بوضوح في طبيعة المفارقة في التأثير التحليلي. والسر الذي يقدمه لنا سرٌّ تحليلي من الطراز الأول، كما عبَّر بو نفسُه، الذي جاءت ظنونه المدهشة عن طبيعة ما يطلق عليه «التحليل»، جاءت شبيهة بصورة مذهلة للاكتشافات التي عرفها التحليل النفسي بعد ذلك. «إن السمات العقلية التي تُقدَّم بوصفها سماتٍ تحليليةً لا تقبل التحليل، في ذاتها، إلا بقدر ضئيل، إننا لا نفهمها إلا عبر تأثيراتها.»١٢

جاء نصُّ بو (وليست سيرة بو الذاتية عن العصاب الذي عانى منه) نتيجة للطبيعة الأصيلة لتأثيره القوي، ونتيجة لعمليات القراءة التي يستثيرها، وهو يمثل بكل وضوح حالةً تحليلية في تاريخ النقد الأدبي، حالة توحي بشيء حاسم علينا أن نفهمه بواسطة مصطلحات التحليل النفسي؛ وبالتالي لا يكون تناول أبحاث التحليل النفسي لبو بصورة متكررة، وتركيز أنظار النقاد التحليليين عليه، باستمرار مثيرًا للدهشة.

لاكان: مقاربة إشكالية النص

إن «الرسالة المسروقة»، كما نعرف، قصة السرقة المزدوجة، لرسالة مشبوهة، أُرسلتْ في الأصل إلى ملكة. وحين فوجئت الملكة بدخول الملك على غير توقع، تركت الرسالة على الطاولة أمام أنظار الجميع، حتى لا تثير الشبهة؛ وبالتالي تلفت نظر الملك. دخل الوزير D الذي يحلِّل الوضع، ويلاحظ الملكة والنظرات المتبادلة بينها وبين الملك الذي لا يرتاب في شيء، ويكتشف الوزير، بعد أن تعرَّف على خط المرسِل، موضوعَ الرسالة، ويسرقها — ويضع مكانها رسالة كانت في جيبه — تحت عيون الملكة ذاتها في تحدٍّ لها، ولم يكن في وسعها أن تقوم بأي شيء لمنع السرقة بدون أن تستثير شكوك الملك. وبعد ذلك تطلب الملكة من رئيس الشرطة أن يقوم بتفتيش جناح الوزير. ويستخدم رئيس الشرطة كل حيل البوليس السري لتفتيش كل المواضع الخفية التي يمكن أن نتصورها في بيت الوزير، ولكن باءت كل محاولات البحث بالفشل.

يستدعي رئيس الشرطة، بعد استنفاد كل الوسائل، أوجست دوبين، «المحلِّل» الشهير، كما يصفه بو (إنه مخبر هاوٍ بارع في حل المشاكل بالاستدلال المنطقي) ويحكي له القصة بكاملها. (وفي الحقيقة، عرف القُراء قصة الرسالة من هذا السرد من رئيس الشرطة لدوبين، وقد سجلها الراوي، وهو صديق دوبين، وكان حاضرًا حين كان رئيس الشرطة يحكي القصة لدوبين.)

وفي اللقاء الثاني، وسط الدهشة الهائلة لرئيس الشرطة والراوي، يخرج دوبين الرسالة المسروقة من درجه ويعطيها لرئيس الشرطة مقابل مكافأة مالية كبيرة. ينصرف الرئيس، ويشرح دوبين للراوي كيفية العثور على الرسالة: استنتج أن الوزير، الذي يعرف أن الشرطة ستقوم بتفتيش بيته بكل دقة، توصَّل إلى أن أفضل قاعدة لإخفاء الرسالة أن يتركها في مكان واضح، تحت أنظار الجميع، إن الرسالة، بكل دقة، لم تُكتشَف لأن كشفها لم يكن يحتاج إلى دليل. وبناءً على تلك الفرضية، عرَّج على جناح الوزير، وتلفَّت حوله، وفي الحال رأى الرسالة موضوعة على رفٍّ في حامل للبطاقات. وبعد ذلك بوقت قصير، أثار رجل يعمل لحساب دوبين ضجة في الشارع جعلت الوزير ينظر من النافذة، وفي هذه اللحظة استبدل دوبين الرسالة بنسخةٍ طبق الأصل.

ينصبُّ اهتمام لاكان عند هذه النقطة من البحث على الإشكاليات التحليلية ﻟ «التكرار القهري» repetition compulsion،١٣ كما اتضح في تأملات فرويد في وراء مبدأ اللذة؛ ومن ثَم يركز لاكان جهوده، فيما يتعلق ببو، على تحديد أسلوب اعتماد حبكة القصة وتتابع أحداثها (كما يحدث في تتابع الأحداث في قصة حياة، بالنسبة لفرويد) على مبدأ التكرار، وهو مبدأ يحكمها ويشيِّد التلاحم الدرامي والتهكمي بدون قصد. يشير لاكان إلى أن «هناك مشهدين، وسندعو أولهما، بلا أدنى تردد، المشهد الأساسي … ويمكن اعتبار المشهد الثاني تكرارًا له بالمعنى الذي نهتم به الآن» (ص٤١).١٤ يجري المشهد الأساسي في مخدع الملكة: إنه مشهد سرقة الرسالة من الملكة بواسطة الوزير، والمشهد الثاني — الذي يمثل تكرارًا للأول — هو مشهد سرقة الرسالة من الوزير بواسطة دوبين.
ويرى لاكان أن ما يشكِّل التكرار، مهما يكن، ليس مجرد التشابه في موضوع السرقة المزدوجة، لكنه الموقف البنيوي برمته الذي تحدث فيه السرقة المتكررة: يأتي اللصُّ في كل حالة نتيجة لعلاقة موضوعية بين ثلاثة أطراف. والمشاركون الثلاثة في المشهد الثاني هم الشرطة والوزير ودوبين، حيث يحتلُّ دوبين بالطريقة نفسها وضع الوزير في المشهد الأول (وضع سارق الرسالة)، ويحتل الوزير في المشهد الثاني وضع الملكة في المشهد الأول (مالك الرسالة المسلوبة)، وتحتل الشرطة، حيث تبقى الرسالة غير مرئية بالنسبة لها، الوضعَ الذي سبق أن احتله الملك. وهكذا يعكس كل مشهد صورةَ الآخر، ويصور المشهدان التبادل المتكرر «لثلاث نظرات، لثلاث ذوات، تجسدها في كل مرة شخصياتٌ مختلفة». إن ما يتكرر، بتعبير آخر، ليس فعلًا سيكولوجيًّا يُقترَف باعتباره وظيفة من وظائف السيكولوجيا الفردية الشخصية، ولكن باعتباره ثلاثة أوضاع وظيفية في بنية، تحدد ثلاثًا من وجهات النظر المختلفة، وتجسد ثلاث علاقات مختلفة لعملية الرؤية، وخاصةً رؤية الرسالة المسروقة.
  • الأولى: نظرة لا ترى شيئًا: الملك والشرطة.
  • الثانية: نظرة ترى أن الأولى لم ترَ شيئًا، وتتوهم أنها تتكتم على ما تخفيه: الملكة ثم الوزير.
  • الثالثة: ترى أن النظرتين الأولى والثانية تركتا ما يجب إخفاؤه في متناول يد من يريد الاستيلاء عليه: الوزير ودوبين في النهاية (ص٤٤).

وقد صممت الشكل التالي لتخطيط تحليل لاكان وتوضيح الإدراك البنيوي التزامني الذي يقترحه للتطور التعاقبي الزمني في الدراما.

figure

ويؤكد لاكان أن «ما يهمنا اليوم» …

هو الطريقة التي تحل بها الذوات إحداها مكان الأخرى في إزاحتها أثناء التكرار الموضوعي.

سنرى أن إزاحة الذوات تتحدد بالوضع الذي يحتله الدال المحض — الرسالة المسروقة — بأطرافها الثلاثة، وهذا ما سوف يؤكد لنا مكانته كتكرار تلقائي (ص٤٥).
وبتعبير آخر، تصبح الرسالةُ المسروقة ذاتُها — عبر تأكيدها في البنية — دالَّ اللاشعوري أو رمزَه، حتى يكون مقدرًا لها «أن تدل على إلغاء ما تدل عليه»، ضرورة كبتها، وكبت رسالتها: «لن يكون المعنى وحده خطيرًا، وسيكون نصُّ الرسالة أيضًا خطيرًا إذا تم تداوله» (ص٥٦). وبطريقة مماثلة إلى حد بعيد، مثلما يعود المكبوت في العَرَض، وهو بديله الرمزي المتكرر، تعود الرسالة المسروقة في الحكاية باستمرار — بوصفها دال المكبوت — عبر الإزاحة والإحلال المتكررين. «وهو، في الواقع، نفس ما يحدث في التكرار القهري» كما يقول لاكان (ص٦٠). إن الرغبة اللاشعورية، بمجرد كبتها، تواصل الحياة في وسط رمزي بديل يحكم حياة الذات وأفعالها دون أن تدرك معناها أبدًا أو تدرك النمط التكراري الذي تشيده:
إذا كان ثَمة معنًى لما اكتشفه فرويد وأعاد اكتشافه بإحساس متزايد بالصدمة دائمًا، فإن إزاحة الدال هي التي تحدد الذوات في أفعالها، في قدرها، في رفضها، في عماها، في نهايتها، وفي مصيرها، على الرغم من مواهبها الفطرية ومكاسبها الاجتماعية، وبصرف النظر عن سمات الشخصية أو الجنس sex، وكل ما يمكن أن يكون مهمًّا للمعرفة السيكولوجية، ككلٍّ، سوف يتبع، شاء أم أبى، مسار الدال (ص٦٠).
إذن، بأي معنًى يختلف المشهد الثاني من حكاية بو عن المشهد الأول وهو يكرره؟ إنه، بكل دقة، بمعنى أن المشهد الثاني يتيح لنا، عبر التكرار، فهم الأول وتحليله. وليس هذا التحليل عبر التكرار، في القراءة الرائعة التي قام بها لاكان، أقل من أن يكون إليجوريًّا عن التحليل النفسي. وهكذا يقارن تدخُّل دوبين، الذي يعيد الرسالة إلى الملكة، بتدخُّل المحلِّل، الذي يخلِّص المريض من العرَض. لا ينشأ تأثير المحلل نتيجة لقوته العقلية، ولكنه ينشأ — كما يؤكد لاكان — نتيجة لوضعه في البنية التكرارية. ويسمح المحلل بفضل احتلال الوضع الثالث — أي موضع locus لاشعوري الذات كمكان لتبديل الرسالة برسالة (الدال بدال) — عبر الإحالة transference، بتكرار الصدمة وإحلال بديل رمزي مكانها في الحال، ويؤثر بالتالي على حل عقدة الدراما.
ومن المهم أن نعقد مقارنة بين دراسة لاكان للتكرار القهري في التحليل النفسي انطلاقًا من نص بو ودراسة ماري بونابرت Marie Bonaparte عن التكرار القهري في نص بو.١٥ ومع أن المحلِّلَين يدرسان المؤلف ذاته ويركزان على المفهوم التحليلي ذاته، إلا أن مقاربة كلٍّ منهما تختلف عن الأخرى اختلافًا كبيرًا. وبقدر ما أصبحت دراسة بونابرت كلاسيكية، ونموذجًا للتحليل النفسي التطبيقي، أودُّ، في الإشارة إلى الاختلافات في مقاربة لاكان، التلميح إلى الطريقة التي تضع بها تلك الاختلافات موضع الشك وتقدم بديلًا لها في الحال.
  • (١)
    ماذا يكرر التكرار القهري؟ تفسير الاختلاف مقابل تفسير الهوية. ترى بونابرت أن ما يتكرر بصورة قهرية في نصوص بو المختلفة هو الفنتازيا اللاشعورية ذاتها: رغبة بو في أمه الميتة، وهي رغبة سادية في اشتهاء الموتى sadonecrophiliac. ويرى لاكان أن ما يتكرر في النص ليس محتوى الفنتازيا، ولكن الإزاحة الرمزية للدال في تأكيد سلسلة دالة. والتكرار هنا ليس تكرارًا للتماثل ولكنه تكرار للاختلاف، إنه ليس تكرارًا لمصطلحات مستقلة أو لموضوعات متشابهة ولكنه تكرار لبنية علاقات تبادلية متباينة،١٦ إن ما يعود فيه هو آخر دائمًا. وهكذا تكرر البنية الثلاثية عبر اختلاف الشخصيات التي تتتابع لاحتلال الأوضاع الثلاثة، ولا يمكن لنا أن ندرك دلالتها البنيوية إلا عبر هذا الاختلاف. وبصورة مماثلة تكمن دلالة الرسالة في إزاحتها، أي في تحركاتها المتكررة إلى أماكن مختلفة. وحيث إن المشهد الثاني، في رأي لاكان، يمثل إليجوريا التحليل، فإن أهميته لا تقتصر على تكرار المشهد الأول، ولكنها تمتد إلى الطريقة التي يقدم بها هذا التكرار (مثل التكرار الإحالي لخبرة تحليلية) اختلافًا: يأتي بحل للمشكلة. وهكذا بينما تحلل بونابرت التكرار باعتباره تأكيدًا للهُوية، يرى لاكان أن أية رؤية محتملة لواقع اللاشعوري تعتمد على إدراك التكرار بوصفه تأكيدًا لاختلاف لا يزول، لا بوصفه تأكيدًا للهوية.
  • (٢)
    تحليل الدال مقابل تحليل المدلول. في ضوء قراءة لاكان لحكاية بو باعتبارها إليجوريا القراءة التحليلية، قد يكون من المهم تحديد الفرق بين مقاربة لاكان ومقاربة بونابرت للقصة. إذا كان من الممكن أن نقول إن الرسالة المسروقة علامة اللاشعوري، فإن مهمة المحلِّل، في رأي بونابرت، تكمن في كشف محتوى الرسالة، وتعتقد — شأنها في ذلك شأن الشرطة — أنها مخبأة في مكان ما من الواقع، في عمق بيوجرافي سري. ومن الناحية الأخرى، يرى لاكان أن مهمة المحلل لا تكمن في قراءة المحتوى المرجعي الخفي الذي تتضمنه الرسالة، ولكنها تكمن في تحديد وضع المغزى السطحي لحركتها الخارجية، وتحليل الدليل الرمزي لإزاحتها، وهو دليل ينطوي على مفارقة، ولتأكيدها البنيوي، في سلسلة دالة. يكتب بو: «ثَمة شيءٌ بمثل هذا العمق، إن الحقيقة لا توجد في بئر دائمًا. وأظن، في الحقيقة، أن معظم المعارف المهمة توجد على السطح دائمًا.»١٧ ويتخذ لاكان، متبنيًا رؤية بو، من مبدأ الدليل الرمزي مرشدًا لتحليل الدال وليس تحليل المدلول، لتحليل اللاشعوري (المكبوت) ليس بوصفه شيئًا خفيًّا، ولكن على العكس بوصفه شيئًا مكشوفًا — في لغة — عبر إزاحة (بلاغية) مهمة.
    ومع أن تحليل الدال على هذا النحو يمكن أن يوجد نموذج له في تفسير الأحلام لفرويد، إلا أنه يمثل انقلابًا جذريًّا للتوقعات التقليدية في المقاربة التحليلية العامة للأدب وبحثها الدائم عن المعاني الخفية. وفي الحقيقة، لا تمثل قراءة لاكان ﻟ «الرسالة المسروقة» مجرد تقويض للنموذج التقليدي في القراءة التحليلية: إنها، عمومًا، قراءة غير مسبوقة في تاريخ النقد الأدبي. لقد عوَّدَنا تاريخُ القراءة أن نفترض — عادةً، دون شك — أن القراءة هي العثور على المعنى، وأن التفسير لا يمكن أن يتأسس إلا على ما له معنًى. ويكشف تحليل لاكان للدال فرضية جديدة تمامًا، فرضيةً جاءت نتيجة، منهجية ومنطقية نافذة البصيرة لاكتشافات فرويد: إن ما يمكن قراءته (وربما ما يجب قراءته) ليس المعنى، ولكن الافتقار إلى المعنى. إن الدلالة لا تكمن في الوعي، لكنها تكمن، بصورة خاصة، في تمزُّقه، يمكن أن يتم تحليل الدال بواسطة تأثيره ودون أن نعرف مدلوله. إن الافتقار إلى المعنى — الانقطاع في سياق الفهم الشعوري — يمكن تفسيره على هذا النحو، بل ويجب تفسيره عليه، دون تحويله بالضرورة إلى معنًى، يكتب لاكان «لنلقِ نظرةً»:

    سوف نجد إضاءة فيما يبدو، للوهلة الأولى، أنها أمور قاتمة: حقيقة أن الحكاية تتركنا في الحقيقة دون أن نعرف مرسل الرسالة أو محتواها (ص٥٧).

    إن الدال ليس أداة وظيفية … ربما نسلم حتى بأن الرسالة تحمل معنًى يختلف تمامًا (إن لم يكن بصورة أكثر إلحاحًا) بالنسبة للملكة عن المعنى الذي فهمه الوزير، ولن تتأثر سلسلة الأحداث تأثرًا ذا بال، وحتى لو لم تكن مبهمة تمامًا بالنسبة للقارئ الذي يجهلها (ص٥٦).

    وهذا هو التأثير اللاشعوري الحقيقي بالمعنى الدقيق حيث ندرِّس أن اللاشعوري يعني أن الإنسان مسكون بالدال (ص٦٦).

    وهكذا يرى لاكان أن ما هو تحليلي من الطراز الأول ليس المقروء [المفهوم] (كما ترى بونابرت)، ولكن ما هو غير مقروء وتأثيرات غير المقروء، إن ما يقتضي التحليل هو إلحاح غير المقروء في النص.

    وقد قال بو ذلك كله، بالطبع، في التعليق على طبيعة ما دعاه هو أيضًا — بصورة مذهلة للغاية، في الحقيقة — «التحليلي»: «إن السمات الذهنية التي تُدرس باعتبارها تحليلية لا تقبل التحليل، في ذاتها، إلا بصورة ضئيلة. إننا لا نفهمها إلا من خلال تأثيراتها.» ومن الغريب تمامًا أن ما قاله بو عن التحليل بحماس بقي هو ذاته بدون تحليل، ولم يلاحظه في الحقيقة أحد من دارسي التحليل النفسي قبل لاكان؛ ربما لأنه، أيضًا، طبقًا لمنطقه التحليلي الخاص «لا يحتاج إلى دليل بدرجة» تجعله لا يُدرَك.

  • (٣)
    المقاربة النصية مقابل المقاربة البيوجرافية. يتضمن تحليل الدال نظرية في النصية تصبح بالنسبة لها بيوجرافيا بو، أو ما يُدْعى مرضه، أو التحليل النفسي المفترض لشخصيته، بلا أهمية. إن الافتراض المسبق — الذي يحكم أعمالًا من قبيل عمل ماري بونابرت — بأن الشعر لا يمكن تفسيره إلا باعتباره سيرة ذاتية، تفسيرٌ قاصر ومحدود بصورة واضحة. ويقدم التحليل النصي في أعمال لاكان، للمرة الأولى، بديلًا تحليليًّا للمقاربة البيوجرافية التي لم تكن قبل ذلك موضع شك، وكانت تبدو كاملة.
  • (٤)
    علاقة المؤلف/المحلِّل: تدمير نمط السيد/العبد وتضاد الطبيب/المريض. لنتذكرْ كم من القراء عانوا من الارتباك نتيجة تأكيد التحليل النفسي، ذلك التأكيد المخزي والمتدني أحيانًا ﻟ «علة» بو، وأيضًا نتيجة الشروح التي تساوي بين الشِّعري والذُّهاني. وكان يبدو أن الشك لم يتطرق إلى عقول قراء التحليل النفسي في أنه إذا كان من الممكن لوضع القراءة أن يشبه وضع التحليل النفسي، فإن الشاعر يتساوى بالمريض المعتل، وبالمحلَّل على الأريكة. ويدمر تحليل لاكان، مع ذلك، هذا الوضع الإكلينيكي الذي يوضع فيه الشاعر ويدمِّر معه، أيضًا، طمأنينة المفسِّر التي «تجاور» ذلك الوضع. وإذا كان لاكان لا يهتم ﺑ «علة بو»، إلا أنه مع ذلك يهتم اهتمامًا كبيرًا بصورة الشاعر في الحكاية، وبالفرضيات التي تفترض بشأن كفاءته أو عجزه. يقال إن الوزير ودوبين شاعران، وإن التعليل الشعري الذي يقدمانه هو ما يفشل رئيس الشرطة في فهمه، ويمكنهما بالتالي من التفوق على الشرطة. «د … أظن أنه ليس أحمق تمامًا.» هكذا يعلِّق دوبين في بدايات القصة، ويرد رئيس الشرطة على ذلك بالقول:

    ليس أحمق تمامًا … ومن ثَم فهو شاعر، وأظن أنه لا يبعد سوى خطوة واحدة عن الحماقة.

    وقال دوبين بعد أن سحب نفسًا عميقًا من غليونه: «حقًّا، مع أنني شعرتُ بالإثم من كتابة بعض النظم التافه» (ص٣٣٤).

    والسؤال الذي لا يطرحه لاكان كان يمكن أن ينشأ عن التأكيد على نقطة أخرى من الطبيعي ألا تثير الانتباه؛ لأنها، مرة أخرى، واضحة وعديمة الدلالة بصورة لافتة للنظر: لماذا يقول دوبين إنه، أيضًا، ينتابه إحساس بالإثم نتيجة نظم بعض الشعر؟ بأية صورة يتضمن وضع الشاعر إحساسًا بالإثم؟ بأي معنًى يمكن أن نفهم إثم الشاعر؟

    يلفت دوبين أنظارنا، بالتالي، إلى حقيقة أنه هو والوزير شاعران، وهي درجة من الكفاءة لا يصل إليها رئيس الشرطة. وحين يشرح دوبين، بعد ذلك، للراوي هزيمة رئيس الشرطة، يؤكد مرة أخرى على عدم قدرة رئيس الشرطة على رؤية المنطق أو «مبدأ الإخفاء» الذي يناسب الشعراء، وهكذا (كما قد يُفترض) يكون شعريًّا بصورة خاصة:

    هذا الموظف مرتبك تمامًا، ويكمن المصدر البعيد لهزيمته في افتراض أن الوزير أحمق؛ لأنه اكتسب شهرة بوصفه شاعرًا. الحمقى كلهم شعراء، وهو ما يشعر به رئيس الشرطة حين يشعر بالإثم شعورًا تامًّا من مسألة لا تستحق ذلك نتيجة استنتاجه أن الشعراء كلهم حمقى (ص٣٤١-٣٤٢).

    في ترجمة بودلير لقصة بو إلى الفرنسية بقيت كلمة أحمق fool، بالمعنى القديم القوي، fou؛ أي بمعنى «مجنون mad». ومن ثَم، آن أن نقدم الصياغة الجديدة التي أعدها لاكان لهذه الفقرة من القصة:

    وبعد ذلك، ثَمة لحظة من السخرية [من قِبل دوبين] من خطأ رئيس الشرطة في استنباط أنه ليس من المستبعد أن يكون الوزير مجنونًا لأنه شاعر، ويبرهن على أن هذا الخطأ قد يكمن … ببساطة في تصنيف زائف من صنع الطرف الأوسط، حيث إنه بعيد عن [الطرف] التالي، عن حقيقة أن المجانين كلهم شعراء.

    نعم، حقًّا، لكننا تُرِكنا في الظلام فيما يتعلق بتفوق الشاعر في فن الإخفاء (ص٥٢).

    تبدو هذه الفقرة من القصة، ويبدو تعليق لاكان هامشيين وعرَضيين، إلا أن العلاقة المفترضة بين الشعر والجنون لها صلة دالة بحالة بو وبمقاربات التحليل النفسي، المقاربات الأخرى التي وضعناها في الحسبان. ألَا يمكن القول إن خطأ ماري بونابرت (الذي يتمثل، شأنه في ذلك شأن خطأ رئيس الشرطة، في الانهماك في البحث عن معنًى خفي) يكمن في حقيقة أنها، شأنها في ذلك شأن رئيس الشرطة مرة أخرى، تساوي ببساطة بين الشِّعري والذُّهاني، وهكذا تفشل، وقد أغشى بصرها ما ترى أنه العجز الشعري، في رؤية القدرة الشعرية أو فهم خصوصيتها؟ إن الكثير من دراسات التحليل النفسي التي تشخص علة الشاعر، وتبحث عن سره الشعري في شخصه (مثلما يفعل رجال الشرطة) تشبه في الواقع تحقيقات الشرطة، وتفشل، مثلما تفشل الشرطة في قصة بو، في العثور على الرسالة، وتفشل في رؤية نصية النص.

    إن لاكان، بالطبع، لا يقول هذا كله، ولا يراهن عليه في التحليل الذي يقدمه. وكل ما يقوم به هو طرح سؤال آخر حين اعتقدنا أننا حصلنا على إجابة ما:

    نعم، حقًّا، لكننا تُرِكنا في الظلام فيما يتعلق بتفوق الشاعر في فن الإخفاء.

    إلا أن هذا السؤال الذي يبدو هامشيًّا، ويُطرح بصورة عابرة، ويُترك دون إجابة، يوحي باحتمال وجود بؤرة مختلفة اختلافًا تامًّا في القصة أو وجود منظور مختلف للتفسير. إذا كانت «الرسالة المسروقة» تمثل بصورة خاصة قصةَ «تفوق الشاعر في فن الإخفاء»، إلا أنها ليست مجرد إليجوريا التحليل النفسي، ولكنها أيضًا، في الوقت ذاته، إليجوريا الكتابة الشعرية، ولاكان ذاته شاعر لدرجة أن ما يتم إخفاؤه بتفوق في سيميناره هو التفكير في الشعر.

    إلا أنه لا يمكن فهم تفوق الشاعر في التفسير الذي يقدمه لاكان للوضع الثالث المتعلق بالرسالة إلا باعتباره تفوقًا بنيويًّا: الوزير في المشهد الأول، ودوبين في المشهد الثاني، وكلٌّ منهما شاعر، لكن الوضع الثالث يمثل أيضًا، وهذه هي النقطة الأساسية في مقاربة لاكان، وضع الشاعر الذي لم يعد وضع المريض المعتل، ولكن، إذا كان لا بد، فإنه وضع المحلِّل. وإذا كان الشاعر لا يزال متَّهمًا بالحماقة، فإن حماقته — إن وُجدت (ويبقى السؤال مفتوحًا) — هي في الوقت ذاته حماقة المحلِّل. إن التناقض الواضح بين الجنون والصحة العقلية، أو بين الطبيب والمريض، تناقض لا شعوري لا يستطيع أحد أن يمسك به أو يسيطر عليه. «لا توجد ميتا لغة Metalanguage»، كما يقول لاكان: لا توجد لغة يمكن أن يتجنب فيها التفسير تأثيرات اللاشعوري، والمفسِّر ليس محصَّنًا أكثر من الشاعر ضد الضلالات والأخطاء اللاشعورية.
  • (٥)
    التضمين، مقابل التطبيق، في نظرية التحليل النفسي. لم تعد مقاربة لاكان تقع ضمن القسم الذي أُطلقَ عليه «التحليل النفسي التطبيقي»، حيث يتضمن مفهوم التطبيق وجود علاقة خارجية بين العلم التطبيقي والحقل الذي يُفترَض، من اتجاه واحد، أنه يقدم المعرفة. وحيث إن نص بو، في التحليل الذي قدَّمه لاكان، يفسِّر نص فرويد بالضبط مثلما يفسِّر نصُّ فرويد نصَّ بو، وحيث إن نظرية التحليل النفسي والنص الأدبي يقدم كلٌّ منهما المعرفةَ للآخر، ويزيحه، وحيث إن الوضع الحقيقي للمفسِّر — المحلِّل — يصبح داخل النص وليس خارجه، يتلاشى إذَن التعارض الواضح والحدود الصارمة بين الأدب والتحليل النفسي: يمكن أن يكون التحليل النفسي متغلغلًا في الأدب intraliterary بقدر ما يمكن أن يكون الأدب متغلغلًا في التحليل النفسي intrapsychoanalytic. إن الرهان المنهجي لم يعد تطبيق التحليل النفسي في الأدب، ولكنه، بالأحرى، رهان التضمين المتبادل في كلٍّ منهما.
إذا كنتُ قد تناولت بإسهابٍ المساهمةَ المبتكرة التي قدمها لاكان والمثال المنهجي المختلف في مقاربته، فإن الهدف لم يكن تقديم هذا المثال باعتباره نموذجًا للتقليد، ولكنه، بالأحرى، إشارة إلى الأسلوب الذي يدعونا به بصورة موحية إلى تجاوزه (مثلما يتجاوز لاكان أسلوب فرويد)، الأسلوب الذي يفتتح به مجالًا جديدًا تمامًا لاحتمالات لم تُجرَّب من قبلُ في مشروع القراءة. وبتعبير آخر، لا تكمن أهمية لاكان في رأيي بصورة خاصة في أية تعاليم جديدة قد تفترضها «مدرستُه»، ولكنها تكمن في التأكيد الواضح على وجود أكثر من أسلوب لتضمين التحليل النفسي في الأدب. والسؤال عن كيفية تضمين التحليل النفسي في الأدب سؤال يحتاج إلى تفسير، وإلى تحدٍّ من براعة المفسِّر وبصيرته، ولا يمثل فرضية يمكن أن نسلم بها بطريقة ما. إن ما يتعلق بالتحليل في النص ليس بالضرورة القاطعة «اللاشعوري في الشاعر»، وعلينا أن ندع علته أو مشاكل حياته في حالها. ولتحديد وضع التحليلي في نص من هذا القبيل — تحديد وضع موضوع التحليل أو نقطة تضمينه النصية — ليس علينا بالضرورة أن نتعرف على ما هو معلوم وأن نعثر على إجابة، ولكن، وربما بتحدٍّ أكبر، تحديد وضع المجهول والعثور على سؤال.

التحليلي البو-يطيقي The Poe-etic Analytical

لنعد الآن إلى السؤال الحاسم الذي تركناه معلقًا من قبل، بعد طرحه بنقض شرط فرويد المتعلق بنوع البحث الذي تقدمه ماري بونابرت: هل يمكن أن يقدم لنا التحليل النفسي بصيرة للنفاذ إلى خصوصية الشعري؟ ويمكن الآن أن نكمل هذا السؤال بسؤال آخر: كيف يمكن تحديد وضع التحليلي فيما يتعلق بشعر بو؟

ربما يأخذ البحث عن إجابة لهذين السؤالين أحد اتجاهين: (١) قراءة مباشرة لنص شعري من نصوص بو في محاولة لتحديد وضع الدال الشعري في القصيدة وتحليل وظيفته وتأثيراته. وبتعبير آخر، تحليل عمل الشعر بهذه الطريقة من خلال الدوال (حتى إنه من الممكن اعتبار الدوال، على عكس المعاني، دوال اللاشعوري دائمًا). (٢) قراءة تحليلية للتاريخ الأدبي، حيث يشكل بو تاريخ حالة أدبية واضحة. ولم يقم أحد، بقدر علمي، أبدًا بقراءة من هذا القبيل فيما يتعلق بأي كاتب: لم يُنظَر أبدًا إلى التاريخ الأدبي بوصفه موضوعًا تحليليًّا، بوصفه موضوعًا يحتاج إلى تفسير تحليلي،١٨ إلا أنه لا يزال من الواضح إلى حد بعيد، في حالة مثل حالة بو، أن خطاب التاريخ الأدبي يشير إلى بعض التحديدات اللاشعورية التي تبنيه، ولكنه لا يدرك معناها. ما هو لا شعوري التاريخ الأدبي؟ هل هناك علاقة بين إثم الشعر واللاشعوري؟ هل يمكن بطريقةٍ ما اعتبار التاريخ الأدبي إحالة لا شعورية متكررة لإثم الشعر؟
إن التاريخ الأدبي أو، بتعبيرٍ أدق، الخطاب النقدي حول بو، هو في الحقيقة من أوضح (لا يحتاج إلى دليل) تأثيرات الدال الشعري عند بو؛ أي من أوضح تأثيرات نصه. والآن، كيف يمكن أن نتعامل تحليليًّا مع مسألة التأثير الخاص لبو؟ الإجابة التي أقترحها هي: بتحديد وضع ما يبدو أنه غير مقروء أو غير مفهوم في هذا التأثير، بتحديد أكثر التعارضات أو الانقطاعات بروزًا في الخطاب النقدي المتعلق ببو عمومًا، بتحديد أكثر التناقضات إثارة للارتباك، وبمحاولة تفسير تلك التناقضات كأعراض لخاصية الاضطراب في التأثير البو-يطيقي Poe-etic، وبالمثل خاصية اعتماد مثل هذا التأثير على اللاشعوري.
بدا للوهلة الأولى أن شعر بو، طبقًا للأدلة المتعارضة في قراءته، ولنكرر ذلك مرة أخرى، بدا أنه لا يُقاوَم بصورة تفوق كل الأشعار الأخرى، وربما يكون أكثر الأشعار مقاومة في التاريخ الأدبي. إننا نشعر للوهلة الأولى بأن بو أستاذ الفن اللاشعوري، أستاذ لا يبارى، وأستاذ أكثر الحالات اللاشعورية التواءً، وقد يُحكَم عليه بأن يبقى «ضحية للفكرة الثابتة idée fixe باستمرار وضحية لهواة التحليل النفسي».١٩ وأود أن أبرهن على أن الشعر هو بكل دقة تأثيرُ الصراع المميت بين الوعي واللاوعي، وعليه أن يعمل مع المقاومة ومع ما لا يمكن مقاومته أو الهروب منه. إن بو عرَضٌ من أعراض الشعر حتى يصبح الشعر أكثر ما يقاوم تفسير التحليل النفسي، وأكثر ما يعتمد على تأثيرات التحليل النفسي.

لكن هذا، في مفارقة وافية، هو الشيء المشترك بين الشعر والتحليل النفسي. إنهما موجودان بقدر ما يقاومان قراءتنا. وحين يتم اصطيادهما في فعل، يُسرَقان من جديد باستمرار.

١  العنوان الأصلي: The Case of Poe: Applications/Implications of Psychoanalysis.
وهو مترجم عن: Shoshana Felman, Jacques Lacan and the Adventure of Insight: Psychoanalysis in Contemporary Culture (Cambridge, Mass., 1987), pp. 27–32, 39–51. Reprinted in K. M. Newton, Theory into Practice (Macmillan, 1992), pp. 174–191.
٢  K. M. Newton Theory into Practice, pp. 124-5.
Shoshana Felman, Jacques Lacan and the Adventure of Insight: Psychoanalysis in Contemporary Culture (Cambridge, Mass., 1987), pp. 2–10, 12.
٣  «مع أن بو لم يكن منبوذًا على المستوى الاجتماعي، إلا أن بودلير تصور أنه كان منبوذًا، وربما كان بو، وما زال، أكثر من أسيء فهمُهم من بين الكتَّاب الأمريكيين جميعًا.» راجع Floyd Stoval, Edgar Poe the Poet: Essays New and Old on the Man and His Work (Charlottesville: University of Virginia Press, 1969).
٤  عبارة ت. س. إليوت الشهيرة في دراسته:
From Poe to Valéry, Hudson Review, Autumn 1949.
وقد أعيدت طباعتها في:
The Recognition of Edgar Allan Poe: Selected Criticism since 1829, ed. Eric W. Carlson (Ann Arbor: University of Michigan Press, 1966), p. 3–5.
وسنذكر هذه المجموعة من المقالات بعد ذلك باسم Recognition، وتحتوي على عدد من المقالات المتنوعة يمكن ذكرها بإيجاز على النحو التالي:
P. P. Cooke, ‘Edgar A. Poe’ (1884); T. S. Eliot, ‘From Poe to Valéry’ (1949); T. W. Higginson, ‘Poe’ (1987); Aldous Huxley, ‘Vulgarity in Literature’ (1931); G. B. Shaw, ‘Edgar Allan Poe’ (1990); Edmund Wilson, ‘Poe at Home and abroad’ (1993); Yvor Winters, ‘Edgar Allan Poe: A Crisis in American Obscurantism’ (1937).
٥  راجع J. W. Krutch, Edgar Allan Poe: A Study in Genius (New York: Knopf, 1936).
٦  راجع J. M. S. Robertson, ‘The Genius of Poe’, Modern Quarterly, 3 (1926); Camille Mauclair, Le Génie d’Edgar Poe (Paris, 1925); John Dillon, Edgar Allan Poe: His Genius and His Character (New York, 1911); John R. Thompson, The Genius and Character of Edgar Allan Poe (privately printed, 1929); Jeannet A. Marks, Genius and Disaster: Studies in Drugs and Genius (New York, 1925); Jean A. Alexander, Affidavits of Genius: French Essays on Poe, Dissertation Abstracts, 22 (September 1961).
٧  راجع ‘Poe’, Recognition, p. 67. Higginson.
٨  راجع Swinburne, Letter to Sara Sigourney, 9 November 1875; Recognition, p. 63; Mallarmé, ‘Scolies’, in Oeuvres complètes, ed. H. Mondor and G. Jean-Aubry (Paris: Pléiode, 1945), p. 223; my translation. Lowell, ‘Edgar Allan Poe’, Recognition, p. 11.
٩  راجع Cooke, quoting Elizabeth Barrett, in ‘Edgar A. Poe’, Recognition, p. 23; original Italics.
١٠  راجع Shaw, ‘Edgar Allan Poe’, Recognition, p. 98.
١١  راجع Eliot, ‘From Poe to Valéry’, Recognition, p. 209.
١٢  راجع ‘The Murders in the Rue Morgue’, in Edgar Allan Poe: Selected Writings, ed. David Galloway (New York: Penguin, 1967), p. 189.
وسيذكر فيما يلي باسم Poe.
١٣  للاطلاع على تحليل مهم لطريقة حدوث التكرار في إشكاليات القراءة التي أشار إليها نص لاكان، انظر:
Barbara Johnson’s The Frame of Reference: Poe, Lacan, Derrida, in The Critical Difference: Essays in the Rhetoric of Contemporary Criticism (Baltimore: Johns Hopkins University Press, 1980).
١٤  راجع Lacan, ‘Le Séminaire sur La Lettre volée’, in Ecrits (Paris: Seuil, 1966); first translated by Jeffrey Mehlman in ‘French Freud’, Yale French Studies, 48 (1972).
وكل الإشارات الواردة في هذا المقال إلى سيمينار لاكان عن بو هي إشارات إلى هذه الترجمة.
١٥  راجع Bonaparte, Edgar Poe (Paris: Denöel et Steele, 1933). English edition: Life and Works of Edgar Allan Poe, trans. John Rodker (London: Imago, 1949).
وكل الإشارات إلى ماري بونابرت في هذا المقال هي إشارات إلى الطبعة الإنجليزية.
١٦  «هل نحن في حاجة إلى تأكيد التشابه بين النتيجتين؟ نعم؛ لأن الشبه في رأينا ليس مجرد تجمع بسيط لخصائص لم تُجمَع إلا لمحو الاختلاف. إن الإبقاء على تلك الخصائص المشتركة على حساب الخصائص الأخرى لا يكفي لاستنتاج أبسط الحقائق. إن حث العملين اللذين نتمنى توضيحهما يتم بالأحرى فيما بين الذوات intersubjectivity، مثلما هو الحال بالنسبة للأطراف الثلاثة التي تبنيها. وتنتج المكانة الخاصة لتلك الأطراف عن توافقها المتزامن مع اللحظات المنطقية الثلاث التي يتم أثناءها الوصول إلى القرار، ومع المواضع الثلاثة التي يعزوها إلى الذوات التي يختار بينها … وهكذا يتم تحميل اللحظات الثلاث، التي يبني ثلاث نظرات، بثلاث ذوات، تتجسد كل مرة في شخصيات مختلفة.» «سيمينار عن الرسالة المسروقة»، ص٤٣-٤٤.
١٧  راجع ‘The Murders in Rue Morgue’, Poe, p. 204.
١٨  حاولتُ، مع ذلك، أن أقوم بعملية استكشاف أساسي لمثل تلك المقاربة فيما يتعلق بهنري جيمس في مقالي:
‘Turning the Screw of Interpretation’, in Writings and Madness: Literature/Philosophy/Psychoanalysis (Ithaca: Cornell University Press, 1985).
١٩  التعبير لدافيد جالوي David Galloway, (Poe, p. 204).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥