الاثنين ٢٧ جانفي ١٩٣٠
ذهبت عشيَّة اليوم إلى النَّادي الأدبي بجمعية قدماء الصادقيَّة؛ إذ كان اليوم يوم الإثنين، وهو موعد اجتماع النادي، ولكن وجدته مقفلًا رغم أنَّ الساعة كانت إذ ذاك الخامسة وخمسة وأربعين دقيقة، مع أنَّ الموعد الخامسة والنصف. ورغم صفعة الأسبوع الماضي التي تلقَّتنا بها أبواب النادي المقفلة، فقد عدت مرة ثانية بعد ربع ساعة، فوجدت «قيِّم» القدماء يدير بعض الشؤون هناك. وسألته هل جاء أحد؟ فأجابني بالنفي. فدخلت وجلست بقاعة المطالعة. ولمَّا أردت إنارتها بالكهرباء أعلمني أنَّ التيار منقطع، فانتظرت قليلًا. ولمَّا لم يأت أحد رجعت أسوان آسفًا.
لست أدري والله أي لعنة حلَّت على النادي هذا العام فأَوْهَتْ قواه وحلَّت عصبته وشتَّتت شمله. فإنني أراه ما ازداد يومًا إلا ازداد تأخرًا وانحطاطًا، وهرمًا وخمودًا، بدل أن يزداد فتوَّةً وشبابًا وتوقُّدًا ونشاطًا. وما تراخى عليه الزمن إلا وضربت عليه الذلَّة، والمسكنة، وخيَّمت عليه كآبة الوحشة وجمود الانفراد.
إنَّني أراه يهرم ويشيخ، ولست أدري هل تعود إلى الشيخ قواه.
لقد أصبحت يائسًا من المشاريع التونسيَّة، ناقمًا على التونسيين، لأنَّني أراهم يقولون كثيرًا ولا يعملون إلا قليلًا، وإنَّني أراهم نبغاء في بسط آرائهم ونظرياتهم. والتحمُّس لها يدفعك إلى أن تؤمِّل الآمال الكبار، وتعتد أنك تخاطب روحًا متجسِّدة في فكرة تلتهب، حتى إذا جاء دور العمل تمزَّقَتِ تلك البراقع، وخمدت تلك النزوات، وتكشَّف البرقعُ البرَّاقُ عن وجه الحقيقة الأربد، وانجاب طلاء الشباب ونضارة الفتوَّة المستعارة عن تجعُّدات الشيخوخة وقبور الخمول.
إنَّ التونسيين الآن ذوو نظريَّات فسيحة واسعة، ولكنَّهم يدورون في منطقة ضيِّقة من الأعمال لا تكاد تنتج شيئًا.
حدِّث من شئت من الشباب التونسي فلا تُلْفِي إلا حماسًا وعزمًا وأفكارًا ومشاريع، ولكن ثق أنَّك حين تدعوه للعمل فلا تجد إلا عزائم خابية وشبابًا هرمًا يغطُّ في سُبات الأحلام اللذيذة!!