الأربعاء ٥ فيفري ١٩٣٠
- (١)
الشعر الغرامي في الأدب الجاهلي. وما هي ميزاته وخصائصه؟
- (٢)
خصومة القدماء والمحدثين في القرن الثالث ﻫ.
- (٣)
أنواع الحيوانات الوحشية التي وردت في الشعر الجاهلي.
- (٤)
كُثير عزة.
- (٥)
مؤرخو الإسلام ومذاهبهم في التاريخ ومواردها.
وقال: «لو كنت اطَّلعت على هذه المواضيع قبل رمضان لكنت اقترحت أن تكون من بين مسامراتنا» ثم قال: «وما رأيكم لو توزَّعنا هذه الأبحاث فيما بيننا، على أن نلقيها في مسامرات بعد رمضان». فوافق الجماعة على ذلك.
فأخذ الأخ محمد الصالح المهيدي الخصومة الأدبية بين القدماء والمحدثين في القرن الثالث الهجري.
وأخذ الأخ عثمان الكعاك …
واقترحوا عليَّ أن أتحدث عن الشعر الغرامي في الآداب الجاهلية. وما هي ميزاته وخصائصه؟
فأخذته بعد ممانعة وإلحاح. ولا أدري هل أبر بوعدي فيه أم لا؟ لأن الأشغال الكثيرة المختلفة التي تملك كل وقتي في هذا العام لا أحسبها تترك لي فرصة البحث والدرس، وتكوين فكرة جازمة في هذا الموضوع الكبير.
وطلب إليَّ الأخ عثمان الكعاك أن أكتب إعلانين إلى جريدتي «الزهرة» و«النهضة» عن مسامرته التي اعتزم إلقاءها يوم الجمعة على الساعة الثامنة والنصف، والتي عنوانها «المجتمع التونسي على عهد دولة بني خراسان»، والتي هي المسامرة الثانية من المسامرات التي اعتزم النادي الأدبي أن يقوم بإلقائها في شهر رمضان. فكتبت الإعلانين، وانصرفت صحبة رفيقيَّ اللذين صحبتهما إلى القدماء. وإلى هنا ينتهي الثلث الأول من سهرة الليلة.
أمَّا الثلث الثاني، فقد صرفناه في جمعية «التمثيل العربي» أين يتمرَّن الممثلون بهاته الفرقة على استظهار أدوارهم وإتقان تمثيلها. ذهبنا إليهم عن وعد سابق، صدر مني بالذهاب إليهم بعد إلحاح كبير منهم، فقاموا ببعض الأدوار التمثيلية من رواية «على المائدة الخضراء» التي ينوون القيام بها قريبًا. وقمت ورفيقيَّ بدور المرشد الذي يُقوِّم ما اعوج من كلماتهم، ويثقِّف ما انحرف من ألسنتهم. وكانوا يتقبَّلون إرشادنا بكل مسرة وشوق وامتنان، وربَّما شجر فيما بينهم خلاف في كيفية النطق ببعض الكلمات، فإذا جئنا عرضوا علينا، وما قلنا لهم أخذوه بلا ممانعة. ولقد رأيت فيهم من الشوق واللهف لمجالسنا ما قلب فكري في تمثيلنا رأسًا على عقب، فإنني ما كنت أحسبهم بتلك الصفة من الشغف بالعربية والمحبة لمن يُقوم ألسنتهم ويصلح خطأهم.
وبعد أن أتمُّوا أدوارهم انصرفوا، ولم يبقَ إلا المدير الفني للفرقة واثنان من ممثليها. وحاولنا أن ننصرف فتشبَّثوا بنا ورغبوا إلينا أن نؤانسهم قليلًا، فلبثنا وأخذنا نتحدَّث أحاديث كثيرة. وقد كان هذا المجلس مُغيِّرًا لرأيي في الممثلين التونسيين من ناحية أخرى. لقد أخذ يتحدَّث معنا المدير الفني لهاته الفرقة أحاديث كثيرة في مختلف الشؤون الاجتماعية والسياسية، فأبان عن رأي لا بأس به، ما كنت أحسب أن له مثله. وإلى هنا ينتهي الثلث الثاني من سهرة الليلة.
ثم غادرنا المحل إلى منتدى آخر ألِفْنَا أن نجتمع به ببعض رفاقنا الأدباء، وأن نقضي فيه شطرًا من الليل في حديث أدبي واجتماعي وسياسي وعلمي، من كل لون وطبق. ودخلنا المكان فإذا صنف آخر من الناس، ولون آخر من الأفكار والخلائق تفهم الأدب أفهامًا معكوسة إلا الأقل منهم، وتحسب أن ما جاء به من سبقنا ليس بمستطاع لأهل هذا الزمن. وكان أكثرهم جمودًا وغباوة وحِدَّةً كهلٌ يلمع الوضح في وجهه ويديه. فقد كان صاحبنا يعتقد أن «قبادو» أشعر الشعراء جميعًا، وأنَّه أوتي الشعر لصلاحه، وأنه لم يجد في العصر الحاضر من يستطيع أن يأتي ببعض ما أتى به الأسبقون من التواشيح. ولا يطرب للشعر إلا إذا كان جِناسًا أو تورية وما على ذلك من كلف البديع.
ولقد أضجرني هذا الرجل بحديثه السمج المستثقل. فتآمرت وصديقًا من إخواني على العبث، فتجاذبنا حديث الخطابة والاجتماع الذي عقدناه لأجلها، واستشاره أحدنا في رأيه في هذا المشروع. فقابله ببرود، فاندفعت مبيِّنًا فائدة هذا المشروع، منددًا على خطباء المساجد الذين أضاعوا لهجة الخطابة ومغزاها. وصاحبنا من هؤلاء — ولا تسأل عن غضب الرجل وانفعاله حينما أنحيت باللائمة على هاته الطائفة، وجرَّدْتُها من كل مزية وفضل. فقد أخذ يدافع عنها جهده، محمِّلًا وزر ذلك الحكومة والأمة.
وقد تعمَّدت إهاجته، فأخذت أُفنِّد كلَّ رأي يقوله، وكل كلمة يلفظها. حتى لقد غضب غضبًا أصبح معه لا يبين كلامًا. ثم حلف على أن لا يجادلنا بعدها، ويتناول كتابًا يتشاغل به عنَّا. فنأبى إلا الإغراق في النقد، فلا يستطيع سكوتًا، فتثور ثائرته ويرمينا ببعض كلمات، ثم يأخذ الاعتذار عنها. وقد استحالت قلوبنا عليه حديدًا لا تشفق ولا ترحم. فدخلنا في مواضيع أخرى كلها نقد وشدة. ومن بينها مسألة الزوايا و«البندير»، فقد تشددنا في هاته المسألة وهجمنا عليها هجومًا عنيفًا، ثم خرجنا وتركناه يغلي كالمرجل.
ولما خرجنا حدَّثني صديق أن صاحبنا رئيس عصابة من عصابات «الشطح والردح والبندير».