الخميس ٦ فيفري ١٩٣٠
صور كثيرة متباينة في هذا اليوم وليلته. «… ولكن أين هو الفكر الذي يستطيع استحضارها؟ فإنني ما شرعت أكتب، وكلَّفت ابن عمي الصغير أن يسخِّن سحورنا على البابور حتى اضطربت حركاته، وتلعثم لسانه، فلم يستطع أن يُبِينَ».
فقلت له: «ماذا؟»
فقال: «لم أجد البابور».
فقلت: «أنسيته خارج البيت؟»
فقال: «كلا بل أدخلته».
– وكيف فُقد إذًا؟ أسرقته الشياطين؟ إنك نسيته خارجًا يا مجنون.
– كلا بل أدخلته.
– لا تقل أدخلته يا كلب. وهل سرقته الجِنَّة لو كنت صادقًا؟ اذهب وابحث عنه خارجًا علَّك تُلفيه.
فخرج الصبيّ، وقد أعمى النوم والخوف بصره، فلم يجده وعاد، والخيبة تغشى وجهه، فسألته: هل وجدته؟
فقال بانكسار: «كلا. ولكنني أدخلتُه واللهِ».
– اسكت يا كذاب!
وظل صامتًا وظللت أفكِّر. ثم اندفعت عليه ضربًا وشتمًا في ثورة الغضب العنيف. ثمَّ أفاق أخو الخطيبة، فأعطيته حقَّه من الشتم والتقريع، ثم سكتُّ سكوت الغاب إثر العاصفة وظلِلت كذلك حينًا. ثمَّ الْتَفَتُّ إلى أخي الخطيبة، وأمرته أن يذهب إلى فلان ليأتي ببابوره. فما خرج حتى ولَّى قائلًا: ولِماذا أستعير من الناس وهذا بابورنا. فقلت: هل وجدته؟
قال: نعم.
فالتفتُّ إلى الآخر قائلًا: أيها الأعمى! أرأيت كيف أنك أدخلت البابور وأخرجته الشياطين إلى الخارج؟
فلم يُجب بحرف.
وهكذا شاء الشيطان أن يهزأ بنا قليلًا، فهزأ ما شاء له الهزء: «أنسَى الصبيَّ إدخالَ البابور، ثم أعماه أن يراه لمَّا ذهب للتفتيش عنه، ثمَّ أبداه لما يئسنا، واعتمدنا على سواه».
والآن وقد فرغت من هذا الحادث العارض الذي أوقفني عن متابعة الكتابة في مذكرة اليوم ورسم ما فيه من رسوم، فلآخذ فيما جلست لكتبه:
بعد أن غادرت الإدارة، وودَّعت ابن عمَّتي، رجعت وجلست على المنضدة وأخذت أكتب … وجاء الأخ زين العابدين «وأنا أكتب» فحيَّاه أخي، واقتحم البيت، ولمَّا رآني أكتب وقف في الباب يتأملني. ولكنَّنِي لم أنتبه له رغم وقوفه وتحية أخي إليه. ولم أشعر إلا وصوت يقول: «لا أراك إلا تكتب أدبًا أليس كذلك؟»
فالتفتُّ، فإذا به الأخ زين العابدين.
فقلت له: لا أكتب أدبًا الآن، ولكنَّنِي أكتب مذكرات.
فقال: وهل تجد الوقت الكافي لكتابتها؟
فقلت: أجده يومًا، ولا أجد آخر.
ثم جلسنا وتحدثنا أحاديث شتَّى. وكان من بين ما حدثني به «أن المحدِّث» و«يعني به نفسه» قد شرع في قصَّتين رائعتين: إحداهما تتوقف على زورة إلى نابل حتى يرى الشخص أو ينظر العذارى اللواتي يسنين الماء في البساتين. والأخرى تتعلَّق بفكرة الزواج، والمرأة التي كثيرًا ما كانت سلعة تباع في سوق المطامع والشهوات، وخلاصتها.