فلما كانت الليلة ٨٢٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن زوجة حسن اعتذرت إليه وقالت له: لا تؤاخذني بذنبي، وأنا أستغفر الله العظيم. فقال لها حسن وقد أوجعه قلبه عليها: أنتِ ما أخطأتِ وما أخطأ إلا أنا؛ لأني سافرتُ وخليتك عند مَن لا يعرف قدرك ولا يعرف لك قيمةً ولا مقدارًا، واعلمي يا حبيبة قلبي وثمرة فؤادي ونور عيني أن الله سبحانه أقدرني على تخليصك، فهل تحبين أن أوصلك إلى ديار أبيك وتستوفي عنده ما قدَّره الله عليكِ، أم تسافرين إلى بلادنا عن قريب حيث حصل لك الفرج؟ فقالت له: ومَن يقدر على تخليصي إلا رب السماء؟ فرُحْ بلادك وخلِّ عنك الطمع، فإنك لا تعرف أخطارَ هذه الديار، وإن لم تُطِعني فسوف تنظر. ثم إنها أنشدت هذه الأبيات:
ثم بكت هي وولداها، فسمع الجواري بكاءهم فدخلْنَ عليهم فوجدْنَ الملكة منار السنا تبكي هي وولداها، ولم ينظرن حسنًا عندهم، فبكَتِ الجواري رحمةً لهم ودعوْنَ على الملكة نور الهدى، فصبر حسن إلى أن أقبَلَ الليل وذهب الحرس الموكلون بها إلى مراقدهم، ثم بعد ذلك قام وشدَّ وسطه وجاء إلى زوجته وحلَّها وقبَّلَ رأسها وضمَّها إلى صدره، وقبَّل ما بين عينَيْها وقال لها: ما أطول شوقنا إلى ديارنا واجتماع شملنا هناك! فهل اجتماعنا هذا في المنام أم في اليقظة؟ ثم إنه حمل ولده الكبير وحملَتْ هي الولد الصغير وخرجَا من القصر وقد أسبَلَ الله عليهما السترَ وسارَا، فلما وصلَا إلى خارج القصر وقفَا عند الباب الذي يقفل على سراية الملكة، فلما صارَا هناك رأيَاه مقفولًا، فقال حسن: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون. ثم إنهما يَئِسَا من الخلاص، فقال حسن: يا مفرِّج الكروب. ودقَّ يدًا على يد وقال: كل شيء حسبتُه ونظرتُ في عاقبته إلا هذا، فإنه إذا طلع علينا النهار يأخذوننا، وكيف تكون الحيلة في هذا الأمر؟ ثم إن حسنًا أنشد هذين البيتين:
ثم بكى حسن وبكَتْ زوجته لبكائه ولما هي فيه من الإهانة وآلام الزمان، فالتفَتْ حسن إلى زوجته وأنشد هذين البيتين:
وأنشد أيضًا هذين البيتين:
فقالت له زوجته: والله ما لنا فرج إلا أن نقتل أرواحنا ونستريح من هذا التعب العظيم، وإلا نصبح نقاسي العذابَ الأليم. فبينما هما في الكلام وإذا بقائلٍ يقول من خارج الباب: والله ما أفتح لكِ يا سيدتي منار السنا وزوجك حسن، إلا إن تطاوعاني فيما أقوله لكما. فلما سمعَا هذا الكلام منه سكتَا وأرادَا الرجوع إلى المكان الذي كانَا فيه، وإذا بقائل يقول: ما لكما سكتما ولم تردَّا على الجواب؟ فعرفَا صاحبَ القول، وهي العجوز شواهي ذات الدواهي، فقالَا لها: مهما تأمرينا به نعمله، ولكن افتحي لنا الباب، فإن أولًا هذا الوقت ما هو وقت كلام. فقالت لهما: والله ما أفتح لكما حتى تحلفَا لي أنكما تأخذاني معكما ولا تتركاني عند هذه العاهرة، ومهما أصابكما أصابني، وإن سلمتما سلمتُ، وإن عطبتما عطبتُ، فإن هذه الفاجرة المساحقة تحتقرني، وفي كل ساعة تنكلني من أجلكما، وأنتِ يا بنتي تعرفين مقداري. فلما عرفاها اطمأنَا بها وحلفَا لها بالأيمان التي تثق بها، فلما حلفَا لها بما تثق فتحَتْ لهما الباب وخرجَا، فلما خرجَا وجدَاها راكبة على زير رومي من فخار أحمر، وفي حلق الزير حبل من ليف وهو يتقلَّب من تحتها، ويجري جريًا أقوى من جري المُهْر النجدي، فتقدَّمَتْ قدامهما وقالت لهما: اتبعاني ولا تفزعَا من شيء، فإني أحفظ أربعين بابًا من السِّحْر، أقل باب منها أجعل به هذه المدينة بحرًا عجاجًا متلاطمًا بالأمواج، وأسحر كل بنت فيها فتصير سمكة، وكل ذلك أعمله قبل الصبح، ولكني كنتُ لا أقدر أن أفعل شيئًا من ذلك الشر خوفًا من الملك أبيها ورعايةً لأخوتها؛ لأنهم مستعزُّون بكثرة الأعوان والأرهاط والخدم، ولكن سوف أريكما عجائب سحري، فسيرَا بنا على بركة الله تعالى وعونه. فعند ذلك فرح حسن هو وزوجته وأيقنَا الخلاص. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.