فلما كانت الليلة ٨٢٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن حسنًا وزوجته والعجوز شواهي لما طلعوا من القصر وأيقنوا بالخلاص، خرجوا إلى ظاهر المدينة فأخذ حسن القضيبَ بيده وضرب به الأرض وقوَّى جنانه، وقال: يا خدم هذه الأسماء، احضروا لي وأطلعوني على إخوانكم. وإذا بالأرض قد انشقَّتْ وخرج منها عشرة عفاريت، كل عفريت منهم رجلاه في تخوم الأرض ورأسه في السحاب، فقبَّلوا الأرضَ بين يدَيْ حسن ثلاثَ مرات، وقالوا كلهم بلسان واحد: لبيك يا سيدنا والحاكم علينا، بأي شيء تأمرنا؟ فنحن لأمرك سامعون ومُطِيعون، إنْ شئتَ نيبس لك البحار، وننقل لك الجبال من أماكنها. ففرح حسن بكلامهم وبسرعة جوابهم، فشجَّعَ قلبه وقوَّى جنانه وعزمه وقال لهم: مَن أنتم؟ وما اسمكم؟ ولمَن تُنسَبون من القبائل؟ ومن أي طائفة أنتم؟ ومن أي قبيلة؟ ومن أي رهط؟ فقبَّلوا الأرض ثانيًا وقالوا بلسان واحد: نحن سبعة ملوك، كل ملك منَّا يحكم على سبع قبائل من الجن والشياطين والمَرَدة، فنحن سبعة ملوك نحكم على تسع وأربعين قبيلة من سائر طوائف الجن والشياطين والمَرَدة والأرهاط والأعوان الطيَّارة والغوَّاصة، وسكَّان الجبال والبراري والقفار وعمَّار البحار، فَأْمُرنا بما تريد فنحن لك خدَّام وعبيد، وكلُّ مَن ملك هذا القضيب ملك رقابنا جميعًا ونصير تحت طاعته. فلما سمع حسن كلامهم فرح فرحًا عظيمًا، وكذلك زوجته والعجوز، فعند ذلك قال حسن للجان: أريد منكم أن تُطلِعوني على رهطكم وجنودكم وأعوانكم. فقالوا: يا سيدنا، إذا أَطْلَعناك على رهطنا نخاف عليك وعلى مَن معك؛ لأنهم جند كثيرة مختلفة الصور والخَلْق والألوان والوجوه والأبدان، فمنَّا رءوس بلا أبدان، ومنَّا أبدان بلا رءوس، ومنَّا مَن هو على صفة الوحوش، ومنَّا مَن هو على صفة السباع، ولكن إنْ شئتَ ذلك فلا بد لنا من أن نعرض عليك أولًا مَن هو على صفة الوحوش، ولكن يا سيدي ما تريد منَّا في هذا الوقت؟ فقال لهم حسن: أريد منكم أن تحملوني أنا وزوجتي وهذه المرأة الصالحة في هذه الساعة إلى مدينة بغداد. فلما سمعوا كلامه أطرقوا رءوسهم، فقال لهم حسن: لِمَ لا تجيبون؟ فقالوا بلسان واحد: أيها السيد الحاكم علينا، إننا من عهد السيد سليمان بن داود عليهما السلام، وكان حلَّفنا أننا لا نحمل أحدًا من بني آدم على ظهورنا، فنحن من ذلك الوقت ما حملنا أحدًا من بني آدم على أكتافنا ولا على ظهورنا، ولكن نحن في هذه الساعة نشدُّ لكَ من خيول الجن ما يبلغك بلادك أنت ومَن معك. فقال لهم حسن: وكم بيننا وبين بغداد؟ فقالوا له: مسافة سبع سنين للفارس المُجِدِّ. فتعجَّبَ حسن من ذلك وقال لهم: كيف جئتُ أنا إلى هنا فيما دون السنة؟ فقالوا له: أنت قد حنَّنَ الله عليك قلوبَ عباده الصالحين، ولولا ذلك ما كنتَ تصل إلى هذه الديار والبلاد ولا تراها بعينك أبدًا؛ لأن الشيخ عبد القدوس الذي أركَبَك الفيلَ وأركَبَك الجَوَادَ الميمون، قطع بك في الثلاثة أيام ثلاث سنين للفارس المُجِدِّ في السير، وأما الشيخ أبو الرويش الذي أعطاك لدهنش، فإنه قد قطع بك في اليوم والليلة مسافة ثلاثة سنين، وهذا من بركة الله العظيم؛ لأن الشيخ أبا الرويش من ذرية آصف بن برخيا، وهو يحفظ اسمَ الله الأعظم، ومن بغداد إلى قصر البنات سنة؛ فهذه هي السبع سنين. فلما سمع حسن كلامه تعجَّبَ عجبًا عظيمًا وقال: سبحان الله مهوِّن العسير، وجابر الكسير، ومقرِّب البعيد، ومذلِّ كلِّ جبارٍ عنيد، الذي هوَّنَ عليَّ كلَّ أمرٍ، وأوصلني إلى هذه الديار، وسخَّرَ لي هؤلاء العالَم وجمع شملي بزوجتي وولديَّ، فما أدري هل أنا نائم أم يقظان؟ وهل أنا صاحٍ أم سكران؟ ثم التفَتَ إليهم وقال لهم: إذا أركبتموني خيولكم ففي كم يوم تصل بنا إلى بغداد؟ فقالوا: تصل بك فيما دون السنة، بعد أن تقاسي الأمور الصعاب والشدائد والأهوال، وتقطع أودية معطشة وقفارًا موحشة وبراري ومهالك كثيرة، ولا نأمن عليك يا سيدي من أهل هذه الجزائر. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.