فلما كانت الليلة ٨٢٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجان قالوا لحسن: لا نأمن عليك يا سيدي من أهل هذه الجزائر، ولا من شر الملك الأكبر، ولا من هذه السَّحَرة والكهنة، فربما يقهروننا ويأخذونكم منَّا ونُبتلَى بهم، وكلُّ مَن بلغه الخبر بعد ذلك يقول لنا: أنتم الظالمون، كيف قَدِمتم على الملك الأكبر وحملتم الإنس من بلاده، وحملتم أيضًا ابنته معكم؟ ولو كنتَ معنا وحدكَ لَهَان علينا الأمر، ولكن الذي أوصَلَك إلى هذه الجزائر قادرٌ أن يوصلك إلى بلادك، ويجمع شملك بأمك قريبًا غير بعيد، فاعزمْ وتوكَّلْ على الله، ولا تَخَفْ فنحن بين يدَيْكَ حتى نوصلك إلى بلادك. فشكرهم حسن على ذلك وقال لهم: جزاكم الله خيرًا. ثم قال لهم: عجِّلوا بالخيل. فقالوا: سمعًا وطاعة. ثم دقعوا الأرض بأرجلهم فانشقَّتْ فغابوا فيها ساعة، ثم حضروا وإذا بهم قد طلعوا ومعهم ثلاث أفراس مسرجة ملجمة، وفي مقدم كل سرج خرج في إحدى عينَيْه ركوة ملآنة ماء، والعين الأخرى ملآنة زادًا، ثم قدَّموا الخيل فركب حسن جوادًا وأخذ ولدًا قدامه، وركبت زوجته الجواد الثاني وأخذَتْ ولدًا قدامها، ثم نزلت العجوز من فوق الزير وركبت الجواد الثالث وساروا، ولم يزالوا سائرين طول الليل حتى أصبح الصباح، فعرجوا عن الطريق وقصدوا الجبل وألسنتهم لا تفتر عن ذكر الله، وساروا النهار كله تحت الجبل، فبينما هم سائرون إذ نظر حسن إلى جبل قدامه مثل العامود، وهو طويل كالدخان المتصاعد إلى السماء، فقرَأَ شيئًا من القرآن وتعوَّذَ بالله من الشيطان الرجيم، فصار ذلك السواد يظهر كلَّما تقرَّبوا منه، فلما دَنَوْا منه وجدوه عفريتًا رأسه كالقبة العظيمة، وأنيابه كالكلاليب، ومنخراه كالإبريق، وأذناه كالأدراق، وفمه كالمغارة، وأسنانه كعواميد الحجارة، ويداه كالمداري، ورجلاه كالصواري، ورأسه في السحاب، وقدمه في تخوم الأرض تحت التراب؛ فلما نظر حسن إلى العفريت انحنى وقبَّلَ الأرض بين يدَيْه، فقال له: يا حسن، لا تخَفْ مني، أنا رئيس عمَّار هذه الأرض، وهذه أول جزيرة من جزائر واق، وأنا مسلم موحِّد بالله، وسمعت بكم وعرفت قدومكم، ولما اطَّلَعْتُ على حالكم اشتهيتُ أن أرحل من بلاد السَّحَرة إلى أرضٍ غيرها تكون خالية من السكان، بعيدة من الإنس والجان، أعيش فيها منفردًا وحدي، وأعبدُ الله حتى يدركني أجلي، فأردتُ أن أرافِقَكم وأكون دليلكم حتى تخرجوا من هذه الجزائر، وأنا ما أظهر إلا بالليل، فطيِّبوا قلوبكم من جهتي، فإنني مسلم مثلما أنتم مسلمون. فلما سمع حسن كلامَ العفريت فرح فرحًا شديدًا وأيقَنَ بالنجاة، ثم التفَتَ إليه وقال له: جزاكَ الله خيرًا، فسِرْ معنا على بركة الله. فسار العفريت قدامهم وصاروا يتحدثون ويلعبون، وقد طابت قلوبهم وانشرحت صدورهم، وصار حسن يحكي لزوجته جميعَ ما جرى له وما قاساه، ولم يزالوا سائرين طول الليل. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.