فلما كانت الليلة ٨٢٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن حسنًا صعد هو وزوجته وولداه والعجوز على طرف الجبل بعد أن صرفوا الخيل، ثم بعد ذلك أقبلَتِ الملكة نور الهدى بعساكر ميمنة وميسرة، ودارت عليهم النقباء وصفُّوهم جملةً جملةً، وقد التقى العسكران، وتصادم الجمعان، والتهبَتِ النيران، وأقدمت الشجعان، وفرَّ الجبان، ورمَتِ الجن من أفواهها لهيبَ الشرر إلى أن أقبل الليل المعتكر، فافترق الجمعان وانفصل الفريقان، ولما نزلوا عن خيولهم واستقروا على الأرض أشعلوا النيران، وطلع السبعة ملوك إلى حسن وقبَّلوا الأرض بين يدَيْه، فأقبَلَ عليهم وشكرهم ودعَا لهم بالنصر، وسألهم عن حالهم مع عسكر الملكة نور الهدى، فقالوا له: إنهم لا يثبتون معنا غير ثلاثة أيام، فنحن كنَّا اليومَ ظافرين بهم، وقد قبضنا منهم مقدارَ ألفَيْن، وقتلنا منهم خلقًا كثيرًا لا يُحصَى عددهم، فطِبْ نفسًا وانشرِحْ صدرًا. ثم إنهم ودَّعوه ونزلوا إلى عسكرهم يحرسونه، وما زالوا يشعلون النيران إلى أن طلع الصباح، وأضاء بنوره ولاح، فركبت الفرسان الخيلَ القراح، وتضاربوا بمرهفات الصفاح، وتطاعنوا بسُمْر الرماح، وباتوا على ظهور الخيل وهم يلتطمون التطامَ البحار، واستعَرَ بينهم في الحرب لهيبُ النار، ولم يزالوا في نضال وسباق حتى انهزمت عساكر واق، وانكسرت شوكتهم وانحطت همتهم، وزلَّتْ أقدامهم وأينما هربوا فالهزيمة قدامهم، فولَّوا الأدبار وركبوا إلى الفرار، وقُتِل أكثرهم وأُسِرت الملكة نور الهدى، هي وكبار مملكتها وخواصها.
فلما أصبح الصباح حضر الملوك السبعة بين يدَيْ حسن ونصبوا له سريرًا من المرمر مصفَّحًا بالدر والجوهر، فجلس فوقه ونصبوا عنده سريرًا آخَر للسيدة منار السنا زوجته، وذلك السرير من العاج المصفح بالذهب الوهَّاج، ونصبوا جنبَه سريرًا آخَر للعجوز شواهي ذات الدواهي، ثم إنهم قدَّموا الأسارى بين يدَيْ حسن ومِن جملتهم الملكة نور الهدى، وهي مكتَّفة اليدَيْن مقيَّدة الرجلين، فلما رأتها العجوز قالت لها: ما جزاؤك يا فاجرة يا ظالمة إلا من يُجوِّع كلبتين ويربطهما معك في أذناب الخيل، ويسوقهما إلى البحر حتى يتمزَّق جلدك، وبعد ذلك يقطع من لحمك ويُطعِمك؛ كيف فعلتِ بأختك هذه الفعالَ يا فاجرة؟ مع أنها تزوَّجَتْ في الحلال بسُنَّة الله ورسوله؛ لأنه لا رهبانية في الإسلام، والزواج من سنن المرسلين عليهم السلام، وما خُلِقت النساء إلا للرجال. فعند ذلك أمر حسن بقتل الأسارى جميعهم، فصاحَتِ العجوز وقالت: اقتلوهم ولا تبقوا منهم أحدًا. فلما رأت الملكة منار السنا أختها في هذه الحالة وهي مقيَّدة مأسورة، بكَتْ عليها وقالت لها: يا أختي، ومَن هذا الذي أسرنا في بلادنا وغلبنا؟ فقالت لها: هذا أمر عظيم، إن هذا الرجل الذي اسمه حسن قد ملكنا وحكَّمَه الله فينا، وفي سائر ملكنا، وتغلَّب علينا وعلى ملوك الجن. فقالت لها أختها: ما نصره الله عليكم ولا قهركم ولا أسركم إلا بهذه الطاقية والقضيب. فتحقَّقَتْ أختها ذلك، وعرفت أنه خلَّصها بهذا السبب، فتضرَّعَتْ لأختها حتى حنَّ قلبها عليها، ثم قالت لزوجها حسن: ما تريد أن تفعل بأختي؟ فها هي بين يديكَ، وهي ما فعلتَ مكروهًا حتى تؤاخذها به. فقال لها: كفى تعذيبها إياكِ مكروهًا. فقالت له: كل مكروه فعلَتْه معي كانت معذورةً فيه، وأمَّا أنت فإنك قد أحرقَتْ قلبَ أبي بفقدي، فكيف يكون حاله بعد أختي؟ فقال لها حسن: الرأي رأيك مهما أردْتِه فافعليه. فعند ذلك أمرَتِ الملكة منار السنا بحلِّ الأسارى جميعهم، فحلُّوهم لأجل أختها، وكذلك أختها، وبعد ذلك أقبلَتْ على أختها وعانقَتْها وصارت تبكي هي وإياها، ولم يزالَا كذلك ساعة زمانية، ثم قالت الملكة نور الهدى لأختها: يا أختي، لا تؤاخذيني بما فعلته معكِ. فقالت لها السيدة منار السنا: يا أختي، إن هذا كان مقدرًا عليَّ. ثم جلست هي وأختها على السرير يتحدثان، وبعد ذلك أصلحَتْ منار السنا بين العجوز وبين أختها على أحسن ما يكون وطابَتْ قلوبهما، ثم إن حسنًا صرف العسكر الذين كانوا في خدمة القضيب، وشكرهم على ما فعلوه من نصره على أعدائه.
ثم إن السيدة منار السنا حكَتْ لأختها جميعَ ما جرى لها مع زوجها حسن، وجميع ما جرى له وما قاساه من أجلها، وقالت لها: يا أختي، مَن كانت هذه الفعالُ فعالَه، وهذه القوةُ قوتَه، وقد أيَّدَه الله تعالى بشدة البأس حتى دخل بلادنا وأخذكِ وأسرَكِ وهزم عسكركِ، وقهر أباكِ الملك الأكبر الذي يحكم على ملوك الجن، يجب ألَّا يفرط في حقِّه. فقالت لها أختها: والله يا أختي لقد صدقتِ فيما أخبرتِني به من العجائب التي قاساها هذا الرجل، وهل كل هذا من أجلكِ يا أختي؟ وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.