فلما كانت الليلة ٨٢٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن السيدة منار السنا لما أخبرَتْ أختها بأوصاف حسن قالت لها: والله إن هذا الرجل ما يُفرَّط فيه، خصوصًا بسبب مروءته، وهل كل هذا من أجلكِ؟ قالت: نعم. ثم إنهم باتوا يتحدثون إلى الصباح، فلما طلعت الشمس أرادوا الرحيل، فودَّعَ بعضهم بعضًا، وودَّعَتْ منار السنا العجوزَ بعدما أصلحَتْ بينها وبين أختها نور الهدى؛ فعند ذلك ضرب حسن الأرض بالقضيب، فطلع له خدَّامه وسلَّموا عليه وقالوا له: الحمد لله على هدوء سرِّكَ، فَأْمُرنا بما تريد حتى نعمله لك في أسرع من لمح البصر. فشكرهم على قولهم وقال لهم: جزاكم الله خيرًا. ثم إنه قال لهم: شدُّوا لنا جوادين من أحسن الخيل. ففعلوا ما أمرهم به في الوقت وقدَّموا له جوادين مسرَّجين، فركب حسن جوادًا منهما وأخذ ولده الكبير قدامه، وركبت زوجته الجوادَ الآخَر وأخذت ولدها الصغير قدامها، وركبت الملكة نور الهدى هي والعجوز، وتوجَّهَ الجميع إلى بلادهم، فسار حسن هو وزوجته يمينًا، وسارت الملكة نور الهدى هي والعجوز شمالًا، ولم يَزَلْ حسن سائرًا هو وزوجته وولداه مدةَ شهر كامل، وبعد الشهر أشرفوا على مدينةٍ فوجدوا حولها أثمارًا وأنهارًا، فلما وصلوا إلى تلك الأشجار نزلوا عن ظهور الخيل وأرادوا الراحة، ثم جلسوا يتحدَّثون، وإذا هم بخيول كثيرة قد أقبلَتْ عليهم، فلما رآهم حسن قام على رجلَيْه وتلقَّاهم، وإذا هم الملك حسون صاحب أرض الكافور وقلعة الطيور، فعند ذلك تقدَّمَ حسن إلى الملك وقبَّلَ يدَيْه وسلَّم عليه، ولما رآه الملك ترجَّلَ عن ظهر جواده، وجلس هو وحسن على الفرش تحت الأشجار، بعد أن سلَّمَ على حسن وهنَّأه بالسلامة، وفرح به فرحًا شديدًا، وقال له: يا حسن، أخبرني بما جرى لك من أوله إلى آخِره. فأخبره حسن بجميع ذلك، فتعجَّبَ منه الملك حسون وقال له: يا ولدي، ما وصل أحد إلى جزائر واق ورجع منها أبدًا إلا أنت، فأمرك عجيب، ولكن الحمد لله على السلامة.
ثم بعد ذلك قام الملك وركب وأمر حسنًا أن يركب ويسير معه ففعل، ولم يزالوا سائرين إلى أن أتوا إلى المدينة، فدخلوا دار الملك، فنزل الملك حسون ونزل حسن هو وزوجته وولداه في دار الضيافة، فلما نزلوا أقاموا عنده ثلاثة أيام في أكل وشرب وطرب، ثم بعد ذلك استأذَنَ حسنٌ الملكَ حسون في السفر إلى بلاده، فأذِنَ له فركب هو وزوجته وولداه، وركب الملك معهم وساروا عشرة أيام، فلما أراد الملك الرجوع ودَّعَ حسنًا، وسار حسن هو وزوجته وولداه، ولم يزالوا سائرين مدة شهر كامل، فلما كان بعد الشهر أشرفوا على مغارة كبيرة أرضها من النحاس الأصفر، فقال حسن لزوجته: انظري هذه المغارة هل تعرفينها؟ قالت: نعم. قال: إن فيها شيخًا يُسمَّى أبا الرويش، وله عليَّ فضل كبير؛ لأنه هو الذي كان سببًا في المعرفة بيني وبين الملك حسون. وصار يحدِّث زوجته بخبر أبي الرويش، وإذا بالشيخ أبي الرويش قد خرج من باب المغارة، فلما رآه حسن نزل عن جواده وقبَّلَ يدَيْه، فسلَّمَ عليه الشيخ أبو الرويش وهنَّأه بالسلامة، وفرح به وأخذه ودخل به المغارة وجلس هو وإياه، وصار يحدِّث الشيخَ أبا الرويش بما جرى له في جزائر واق، فتعجَّبَ الشيخ أبو الرويش غايةَ العجب، وقال: يا حسن، كيف خلَّصْتَ زوجتك وولدَيْك؟ فحكى له حكايةَ القضيب والطاقية، فلما سمع الشيخ أبو الرويش تلك الحكاية تعجَّبَ وقال: يا حسن يا ولدي، لولا هذا القضيب وهذه الطاقية ما كنتَ خلَّصْتَ زوجتك وولدَيْك. فقال له حسن: نعم يا سيدي. فبينما هما في الكلام، وإذا بطارق يطرق باب المغارة، فخرج الشيخ أبو الرويش وفتح الباب، فوجد الشيخ عبد القدوس قد أتى وهو راكب فوق الفيل، فتقدَّمَ الشيخ أبو الرويش وسلَّمَ عليه واعتنقه، وفرح به فرحًا عظيمًا وهنَّأَه بالسلامة، وبعد ذلك قال الشيخ أبو الرويش لحسن: احكِ للشيخ عبد القدوس جميعَ ما جرى لك يا حسن. فشرع حسن يحكي للشيخ جميعَ ما جرى له من أوله إلى آخِره، إلى أن وصل إلى حكاية القضيب. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.