فلما كانت الليلة ٨٣٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن حسنًا شرع يحكي للشيخ عبد القدوس والشيخ أبي الرويش — وهم في المغارة يتحدثون — جميعَ ما جرى له من أوله إلى آخِره، إلى أن وصل إلى حكاية القضيب والطاقية، فقال الشيخ عبد القدوس لحسن: يا ولدي، أما أنت فقد خلَّصتَ زوجتك وولدَيْك، ولم يَبْقَ لك حاجة بهما، وأما نحن فإننا كنَّا السببَ في وصولك إلى جزائر واق، وقد عملت معك الجميل لأجل بنات أخي، وأنا أسألك من فضلك وإحسانك أن تعطيني القضيب، وتعطي الشيخ أبا الرويش الطاقية. فلما سمع حسن كلام الشيخ عبد القدوس أطرَقَ رأسَه إلى الأرض واستحى أن يقول ما أعطيهما لكما، ثم قال في نفسه: إن هذين الشيخين قد فعلَا معي جميلًا عظيمًا، وهما اللذان كانَا السببَ في وصولي إلى جزائر واق، ولولاهما ما وصلتُ إلى هذه الأماكن ولا خلَّصْتُ زوجتي وولديَّ، ولا حصلت على هذا القضيب وهذه الطاقية. ثم رفع رأسه وقال: نعم أنا أعطيهما لكما، ولكنْ يا سادتي إني أخاف من الملك الأكبر والد زوجتي أن يأتيني بعساكر إلى بلادنا، فيقاتلوني ولا أقدر على دفعهم إلا بالقضيب والطاقية. فقال الشيخ عبد القدوس لحسن: يا ولدي، لا تَخَفْ، فنحن نبقى لك جاسوسًا وردًّا في هذا الموضع، وكل مَن أتى إليك من عند والد زوجتك ندفعه عنك، ولا تَخَفْ من شيء أصلًا جملة كافية، فطِبْ نفسًا وقرَّ عينًا وانشرِحْ صدرًا ما عليك بأس. فلما سمع حسن كلامَ الشيخ، أخذه الحياء وأعطى الطاقية للشيخ أبي الرويش، وقال للشيخ عبد القدوس: اصحبني إلى بلادي وأنا أعطيك القضيب. ففرح الشيخان بذلك فرحًا شديدًا، وجهَّزَا لحسن من الأموال والذخائر ما يعجز عنه الوصف، ثم أقام عندهما ثلاثة أيام، وبعد ذلك طلب السفر، فتجهَّزَ الشيخ عبد القدوس للسفر معه، فلما ركب حسن دابةً وأركَبَ زوجته دابةً، صفَّرَ الشيخ عبد القدوس، وإذا بفيل عظيم قد أقبَلَ يهرول بيدَيْه ورجلَيْه من صدر البرية، فأخذه الشيخ عبد القدوس وركبه وسار هو وحسن وزوجته وولداه، وأما الشيخ أبو الرويش فإنه دخل المغارة. وما زال حسن وزوجته وولداه والشيخ عبد القدوس سائرين يقطعون الأرض بالطول والعرض، والشيخ عبد القدوس يدلُّهم على الطريق السهلة والمنافذ القريبة حتى قربوا من الديار، وفرح حسن بقُرْبه من ديار والدته ورجوع زوجته وولدَيْه إليه، وحين وصل حسن إلى تلك الديار بعد هذه الأهوال الصعبة، حمِدَ الله تعالى على ذلك، وشكره على نعمته وفضله، وأنشد هذه الأبيات:
فلما فرغ حسن من شعره نظر، وإذا هم قد لاحَتْ لهم القبة الخضراء والفسقية والقصر الأخضر، ولاح لهم جبل السحاب من بعيد، فقال لهم الشيخ عبد القدوس: يا حسن، أبشِرْ بالخير، فأنت الليلة ضيف عن بنات أخي. ففرح حسن بذلك فرحًا شديدًا وكذلك زوجته، ثم إنهم نزلوا عند القبة واستراحوا وأكلوا وشربوا، ثم ركبوا وساروا حتى قربوا من القصر، فلما أشرفوا عليه خرجت لهم بناتُ أخي الشيخ عبد القدوس وتلقَّيْنَهم وسلَّمْنَ عليهم وعلى عمِّهم، وسلَّمَ عليهم عمُّهم، وقال لهم: يا بنات أخي، ها أنا قد قضيتُ حاجةَ أخيكم حسن، وساعدتُه على خلاص زوجته وولدَيْه. فتقدَّمَ إليه البنات وعانَقْنَه وفرحْنَ به وهنَّأْنَه بالسلامة والعافية وجَمْع الشمل بزوجته وولدَيْه، وكان عندهن يوم عيد. ثم تقدَّمت أخت حسن الصغيرة وعانقَتْه وبكَتْ بكاءً شديدًا، وكذلك حسن بكى معها على طول الوحشة، ثم شكَتْ له ما تجده من ألم الفراق وتعب سرها، وما قاسته من فراقه، وأنشدت هذين البيتين:
فلما فرغت من شِعْرها فرحت فرحًا شديدًا، فقال لها حسن: يا أختي، أنا ما أشكر أحدًا في هذا الأمر إلا أنتِ من دون سائر الأخوات، فالله تعالى يكون لكِ بالعون والعناية. ثم إنه حدَّثَها بجميع ما جرى له في سفره من أوله إلى آخِره، وما قاساه وما اتفق له مع أخت زوجته، وكيف خلَّصَ زوجته وولدَيْه، وحدَّثها بما رآه من العجائب والأهوال الصعاب، حتى إن أختها كانت أرادَتْ أن تذبحه وتذبحها وتذبح ولدَيْهما، وما سلَّمَهم منها إلا الله تعالى. ثم حكى لها حكاية القضيب والطاقية، وأن الشيخ أبا الرويش والشيخ عبد القدوس طلباهما منه، وأنه ما أعطاهما لهما إلا من شأنها؛ فشكرَتْه على ذلك ودَعَتْ له بطولِ البقاء، فقال: والله ما أنسى كلَّ ما فعلتِه معي من الخير من أول الأمر إلى آخِره. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.