فلما كانت الليلة ٨٣٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن اليهودي قال لخليفة الصياد: إن كان هذا الأمر مرادك فهو عليَّ هيِّنٌ. ثم قام اليهودي من وقته وساعته ووقف على قدمَيْه وقال مثل ما قال له خليفة الصياد، وبعد ذلك التفَتَ إليه وقال له: هل بقي لك عندي شيء؟ فقال الصياد: لا. فقال له اليهودي: مع السلامة. فنهض خليفة من وقته وساعته، وأخذ قفَّتَه وشبكته وجاء إلى بحر الدجلة ورمى الشبكة، ثم سحبها فوجدها ثقيلة، فما طلَّعها إلا بعد جهدٍ، فلما طلَّعَها رآها ملآنة بالسمك من جميع الأصناف، فجاءَتْ له امرأةٌ ومعها طبق، فأعطته دينارًا فأعطاها به سمكًا، وجاء إليه خادم آخَر وأخذ بدينار، وهكذا حتى باع سمكًا بعشرة دنانير، ولم يزل يبيع في كل يوم بعشرة دنانير إلى نهاية عشرة أيام حتى جمع مائة دينار ذهبًا.
وكان لذلك الصياد بيت من داخل ممر التجار، فبينما هو نائم في بيته ليلةً من الليالي، إذ قال في نفسه: يا خليفة، إن الناس كلهم يعرفون أنك رجل فقير صيَّاد، وقد حصل معك مائة دينار من الذهب، فلا بد أن أمير المؤمنين هارون الرشيد يسمع بخبرك من أحد الناس، فربما يحتاج إلى مالٍ فيرسل إليك، ويقول لك: إني محتاج إلى مبلغ من الدنانير، وقد بلغني أن عندك مائةَ دينارٍ فأَقرِضْني إياها. فأقول: يا أمير المؤمنين، أنا رجل فقير، والذي أخبَرَك أن عندي مائةَ دينارٍ كذب عليَّ، وليس معي ولا عندي شيء من ذلك. فيسلِّمني إلى الوالي ويقول له: جرِّده من ثيابه وعاقِبْه بالضرب حتى يُقِرَّ ويأتي بالمائة دينار التي عنده. فالرأي الصواب الذي يخلِّصني من هذه الورطة أني أقوم في هذه الساعة وأعاقب نفسي بالسوط لأكون قد تمرَّنْتُ على الضرب. وقال له حشيشه: قُمْ تجرَّدْ من ثيابك. فقام من وقته وساعته وتجرَّدَ من ثيابه، وأخذ في يده سوطًا كان عنده، وكان عنده مخدة من جلد، فصار يضرب على تلك المخدة ضربة وعلى جلده ضربة ويقول: آه آه، والله إن هذا كلامٌ باطل يا سيدي، وإنهم يكذبون عليَّ، وأنا رجل فقير صيَّاد وليس معي شيء من حطام الدنيا.
فسمع الناس خليفةَ الصياد وهو يعاقب نفسه ويضرب فوق المخدة بالسوط، ولوَقْعِ الضرب على جسده وعلى المخدة دويٌّ في الليل، ومن جملة مَن سمعه التجار، فقالوا: يا تُرَى ما لهذا المسكين يصيح ونسمع وَقْعَ الضرب نازلًا عليه؟ فكأنَّ اللصوص قد نزلوا عليه وهم الذين يعاقبونه؛ فعند ذلك قاموا كلهم على حسِّ الضرب والصياح، وخرجوا من منازلهم وجاءوا إلى بيت خليفة فرأوه مقفولًا، فقالوا لبعضهم: ربما يكون اللصوص نزلوا عليه من وراء القاعة، فينبغي أن نطلع من السطوح. فطلعوا السطوح ونزلوا من الممرق فرأوه عريانًا وهو يعاقب نفسه، فقالوا له: ما لك يا خليفة؟ أي شيء خبرك؟ فقال: اعلموا يا جماعة أني حصَّلْتُ بعضَ دنانير، وأنا خائف أن يُرفَع أمري إلى أمير المؤمنين هارون الرشيد، فيُحضِرني بين يدَيْه ويطلب مني تلك الدنانير، وإذا أنكرتُ أخاف أن يعاقبني؛ فها أنا أعاقب نفسي وأجعل ذلك تمرينًا لنفسي على ما يأتي. فضحك عليه التجار وقالوا له: اتركْ هذه الفعال لا بارَكَ الله فيك ولا في الدنانير التي جاءتْكَ، فقد أقلقْتَنا في هذه الليلة وأزعجْتَ قلوبنا. فبطل خليفة الضرب عن نفسه ونام إلى الصباح، فلما قام من النوم وأراد أن يذهب إلى شغله، تفكَّرَ في أمر المائة دينار التي حصلتْ معه، وقال في نفسه: إذا تركتُها في البيت يسرقها اللصوص، وإنْ وضعتُها في كمر على وسطي، فربما ينظرها أحد فيترصَّدني حتى أنفرد في مكان خالٍ عن الناس فيقتلني ويأخذهم مني، ولكن أنا أفعل شيئًا من الحِيَل وهو مليح نافع جدًّا. ثم إنه نهض من وقته وساعته وخيَّطَ له جيبًا في طوق جبَّتِه، وربط المائة دينار في صرة ووضعها في ذلك الجيب الذي عمله، ثم قام وأخذ شبكته وقفَّتَه وعصاه وسار حتى وصل إلى بحر الدجلة. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.