فلما كانت الليلة ٨٣٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن خليفة الصياد لما طلع الشبكة هو والخليفة، رأياها ملآنة من جميع أصناف السمك، فقال له خليفة: والله يا زمار إنك قبيح، ولكن إذا عانيتَ الصيد تكون صيَّادًا عظيمًا، فالرأي الصواب أنك تركب حمارتك وتروح إلى السوق وتأتي بفردين، وأنا أحفظ هذا السمك حتى تحضر ونحمله أنا وأنت على ظهر حمارتك، وعندي الميزان والأرطال وجميع ما نحتاج إليه، فنأخذ الجميع معنا، وليس عليك إلا أن تمسك الميزان وتقبض الأثمان، فإن معنا سمكًا يساوي عشرين دينارًا، فأسرِعْ بمجيء الفردين ولا تُبطِئ. فقال له الخليفة: سمعًا وطاعة. ثم تركه وترك السمك وساق بغلته وهو في غاية الفرح، ولم يزل يضحك على ما جرى له مع الصياد حتى وصل إلى جعفر، فلما رآه جعفر قال له: يا أمير المؤمنين، لعلك لما رحتَ إلى الشرب وجدتَ بستانًا طيبًا، فدخلته وتفرَّجت فيه وحدك. فلما سمع الرشيد كلام جعفر ضحك.
ثم إن جميع البرامكة قاموا وقبَّلوا الأرض بين يدَيْه وقالوا له: يا أمير المؤمنين، أدام الله عليك الأفراح وأذهَبَ عنك الأقراحَ، ما سبب تأخيرك حين ذهبتَ إلى الشرب؟ وما الذي جرى لك؟ فقال لهم الخليفة: لقد جرى لي حديث غريب، وأمر مطرب عجيب. ثم أعاد عليهم حديثَ خليفة الصياد وما جرى له معه من قوله أنت سرقت ثيابي، ومن كونه أعطاه قباءه، ومن كون الصياد قطع القباء لما رآه طويلًا. فقال جعفر: والله يا أمير المؤمنين، لقد كان في خاطري أني أطلب القباء منك، ولكن أروح في هذه الساعة إلى الصياد وأشتريها منه. فقال له الخليفة: والله لقد قطع ثلثها من جهة ذيلها وأتلَفَها، ولكن يا جعفر قد كللْتُ من صيدي في البحر؛ لأني قد اصطدتُ سمكًا كثيرًا، وهو على شاطئ البحر عند معلمي خليفة، فإنه واقف هناك ينتظرني حتى أرجع إليه وآخذ له فردين، ثم أروح أنا وإياه إلى السوق فنبيعه ونقسم ثمنه. فقال له: يا أمير المؤمنين، وأنا أجيء إليكم بالذي يشتري منكم. فقال له الخليفة: يا جعفر، وحق آبائي الطاهرين إن كلَّ مَن جاء لي بسمكة من السمك الذي قدام خليفة الذي علَّمني الصيد أعطيه فيها دينارًا ذهبًا. فنادَى المنادي في العسكر أن اطلعوا واشتروا سمكًا لأمير المؤمنين؛ فطلع المماليك وقصدوا شاطئ البحر. فبينما خليفة ينتظر أمير المؤمنين حتى يحضر له فردين، وإذا بالمماليك قد انقضَّتْ عليه مثل العقبان، وأخذوا السمك ووضعوه في مناديل مزركشة من الذهب، وصاروا يتضاربون عليه. فقال خليفة: لا شك أن هذا السمك من سمك الجنَّة. ثم أخذ سمكتين بيده اليمنى وسمكتين بيده اليسرى ونزل في الماء لحلقه وصار يقول: يا الله، بحق هذا السمك، إن عبدك الزمَّار شريكي يجيء في هذه الساعة. وإذا بعبدٍ قد أقبَلَ عليه، وكان ذلك العبد مقدَّمًا على جميع العبيد الذين كانوا عند الخليفة، وكان سبب تأخيره عن المماليك أن جواده وقف يبول في الطريق، فلما وصل عند خليفة وجد السمك لم يَبْقَ منه شيء قليل ولا كثير؛ فنظر يمينًا وشمالًا، فرأى خليفة الصياد واقفًا في الماء ومعه السمك، فعند ذلك قال له: يا صياد تعالَ. فقال له الصياد: رُحْ بلا فضول. فتقدَّمَ إليه الخادم وقال له: هاتِ هذا السمك وأنا أعطيك الثمن. قال خليفة الصياد للخادم: هل أنت قليل العقل، أنا لا أبيعه. فسحب عليه الدبوس، فقال له خليفة: لا تضرب يا شقي، فالأنعام خير من الدبوس. ثم إنه رمى إليه السمك، فأخذه الخادم وجعله في منديله وحطَّ يده في جيبه، فلم يجد ولا درهمًا واحدًا. فقال: يا صياد، إن بختك مشئوم، وأنا والله ما معي شيء من الدراهم، ولكن في غدٍ تعالَ في دار الخلافة وقُلْ دلُّوني على الطواشي صندل، فيدلُّكَ الخدَّام عليَّ، فإذا جئتَني هناك يحصل لك الذي فيه النصيب، فتأخذه وتروح إلى حال سبيلك. فعند ذلك قال خليفة: إن هذا اليوم مبارك، وبركته ظاهرة من أوله.
ثم إنه أخذ شبكته على كتفه ومشى حتى دخل بغداد، ومشى في الأسواق فرأى الناس خلعة الخليفة عليه، وصاروا ينظرون إليه حتى دخل الحارة، وكان دكان خياط أمير المؤمنين على باب الحارة، فنظر الخياط خليفةَ الصياد وعليه خلعة تساوي ألفَ دينار من ملابس الخليفة، فقال: يا خليفة، من أين لك هذه الفرجية؟ فقال له خليفة: وأي شيء لك في الفضول؟ أنا أخذتُها من الذي علَّمْتُه الصيدَ وصار غلامي، وعفوت عنه في قطع يده؛ لأنه سرق ثيابي، وأعطاني هذه العباءة عوضًا عنها. فعلم الخياط أن الخليفة قد عبر عليه وهو يصطاد، ومزح معه وأعطاه الفرجية. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.