فلما كانت الليلة ٧٣٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن حياة النفوس لما أتاها محبوبها في القصر، تعانقا وأنشدت أشعارًا فيما يناسب ذلك، فلما فرغت من إنشادها قالت: هل هذا صحيح من كوني نظرتك في منزلي وأنت نديمي ومؤنسي؟ ثم قوي بها الهوى وأضرمها الجوى، حتى كاد أن يطير عقلها من الفرح به، فأنشدت هذه الأبيات:
فلما أصبح الصباح أدخلته في محل عندها لم يطَّلِع عليه أحدٌ إلى أن أتى الليل، فأطلعته وجلسا يتنادمان، فقال لها: قصدي أن أعود إلى دياري وأُعْلِم أبي بأخبارك لأجل أن يجهِّز وزيره إلى أبيك فيخطبك منه. قالت: يا حبيبي، أخشى أن تروح إلى أرضك وحكمك فتلتهي عني وتَسْلَى محبتي، أو أن أباك لا يوافقك على هذا الكلام فأموت أنا والسلام، والرأي السديد أن تكون أنت معي وفي قبضتي فتنظر إلى طلعتي وأنظر إلى طلعتك، حتى أدبر لك حيلة وأخرج أنا وأنت في ليلة فننزح إلى بلادك، فإني قطعت رجائي ويئست من أهلي. فقال لها: سمعًا وطاعةً. واستمرَّا على ما هما فيه من شرب الخمر. ثم إنه طاب لهما الشراب في ليلة من الليالي، فلم يهجعا ولم يناما إلى أن لاح الفجر، وإذا بأحد الملوك أرسل إلى أبيها هدية ومن جملتها قلادة من الجوهر اليتيم، وهي تسعة وعشرون حبة لا تفي خزائن ملك بثمنها. ثم إن الملك قال: ما تصلح هذه القلادة إلا لبنتي حياة النفوس. والتفت إلى خادم كانت قلعت أضراسه لمقتضى ذلك، فناداه الملك وقال: خذ هذه القلادة وأوصلها إلى حياة النفوس وقل لها: إن أحد الملوك أرسلها هدية لأبيك ولا يوجد مالٌ يَفِي لها بقيمة، فضعيها في عنقك. فأخذها الغلام وهو يقول: الله تعالى يجعلها آخِر لبسها من الدنيا، لقد أعدمتني نفع أضراسي.
ثم إنه سار حتى وصل إلى باب المقصورة فوجد الباب مغلوقًا والعجوز نائمة على الباب، فأيقظها فانتبهت مرعوبةً وقالت له: ما حاجتك؟ قال لها: إن الملك أرسلني في حاجة إلى ابنته. قالت: إن المفتاح ما هو حاضر، رح إلى أن أحضر المفتاح. قال لها: ما أقدر أن أروح للملك. فراحت العجوز لأجل أن تحضر المفتاح فأدركها الخوف، فطلبت النجاة لنفسها. فلما أبطأت على الخادم خاف من إبطائه على الملك، فحرَّكَ الباب وهزَّه فانكسر القفيز وانفتح الباب فدخل، ولم يزل داخلًا إلى أن وصل إلى الباب السابع، فلما دخل المقصورة وجدها مفروشة بفرش عظيم وهناك شموع وقناني، فتعجَّبَ الخادم من ذلك الأمر وتمشى إلى أن وصل إلى التخت وعليه ستر من الإبريسم، وعليه شبكة من الجوهر، فكشف الستر عنه فوجد بنت الملك وهي راقدة وفي حضنها شاب أحسن منها، فعظَّمَ الله تعالى الذي خلقه من ماء مهين، ثم قال: ما أحسن هذه الفعال ممَّن تبغض الرجال؟ ومن أين وصلت إلى هذا؟ وأظنها ما قلعت أضراسي إلا من أجله. ثم إنه رد الستر إلى مكانه وخرج طالبًا الباب، فانتبهت مرعوبة ونظرت للخادم كافور ونادته فلم يُجِبْها، فنزلت ولحقته وأخذت ذيله ووضعته على رأسها وقبَّلت رجليه، وقالت له: استر ما ستر الله. فقال: الله لا يستر عليك ولا على مَن يستر عليك، أنت قلعتِ أضراسي وتقولين لي: لا يذكر لي أحد شيئًا من صفات الرجال. وانفلت منها وخرج وهو يجري وقفل عليهما الباب، وحط عليه خادمًا يحرسه ودخل على الملك، فقال له الملك: هل أعطيت القلادة لحياة النفوس؟ فقال الخادم: والله إنك تستحق أكثر من هذا كله. فقال الملك: وما حصل؟ قل لي وأسرع في الكلام. قال: لا أقول لك إلا في خلوة بيني وبينك. فقال له: قل بلا خلوة. فقال الخادم: أعطني الأمان. فرمى له منديل الأمان، فقال الخادم: أيها الملك، دخلت على الملكة حياة النفوس فوجدتها في مجلس مفروش، وهي نائمة وفي حضنها شاب، فقفلتُ عليهما الباب وحضرت بين يديك. فلما سمع الملك كلامه، نهض قائمًا وأخذ سيفًا في يده وصاح على رئيس الخدام وقال له: خذ معك صبيانك وادخل على حياة النفوس وهاتها هي ومَن معها، وهما على التخت نائمان وغطوهما بغطائهما. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.