فلما كانت الليلة ٨٥٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن زين المواصف لما قالت لزوجها: لا تسافِرْ إلا برفيق، ولا تقطعْ عني أخبارك لأجل أن أكون مطمئنةَ القلب والخاطر عليك. قال لها: حبًّا وكرامة، والله إن أمركِ رشيد، ورأيكِ سديد، وحياتكِ على قلبي ما يكون إلا ما تريدينه. ثم إنه خرج بشيء من بضاعته إلى دكانه وفتحها وجلس يبيع في السوق، فبينما هو في دكانه وإذا بمسرور قد أقبَلَ وسلَّمَ عليه وجلس إلى جانبه وصار يحيِّيه، ومكث يتحدَّث معه ساعة، ثم أخرَجَ كيسًا وحلَّه وأخرَجَ منه ذهبًا ودفعه إلى زوج زين المواصف، وقال له: أَعطِني بهذه الدنانير شيئًا من أنواع العطارة لأبيعه في دكاني. فقال له: سمعًا وطاعة. ثم أعطاه الذي طلبه وصار مسرور يتردَّد عليه أيامًا، فالتفَتَ إليه زوج زين المواصف وقال له: أنا مرادي رجل أشاركه في المتجر. فقال له مسرور: أنا الآخَر مرادي رجل أشاركه في المتجر؛ لأن أبي كان تاجرًا في بلاد اليمن، وخلف لي مالًا عظيمًا وأنا خائف على ذهابه. فالتفَتَ إليه زوج زين المواصف وقال له: هل لك أن تكون رفيقًا لي وأكون لك رفيقًا وصاحبًا وصديقًا في السفر والحضر، وأعلِّمك البيع والشراء والأخذ والعطاء؟ فقال له مسرور: حبًّا وكرامة.
ثم إنه أخذه وأتى به إلى منزله وأجلسه في الدهليز، ودخل إلى زوجته زين المواصف وقال لها: إني رافقتُ رفيقًا ودعوتُه إلى الضيافة، فجهِّزي لنا ضيافةً حسنةً. ففرحَتْ زين المواصف وعرفَتْ أنه مسرور، فجهَّزَتْ وليمة فاخرة وصنعت طعامًا حسنًا من فرحتها بمسرور، حيث تمَّ تدبير حيلتها. فلما حضر مسرور في دار زوج زين المواصف قال: اخرجي معي إليه ورحِّبي به وقولي له آنستنا. فغضبَتْ زين المواصف وقالت له: أتحضرني قدام رجل غريب أجنبي؟ أعوذ بالله، ولو قطَّعتَني قطعًا ما أحضر قدامه. فقال لها زوجها: لأي شيء تستحيين منه وهو نصراني ونحن يهود ونصير أصحابًا؟ فقالت: أنا ما أشتهي أن أحضر قدام الرجل الأجنبي الذي ما نظرَتْه عيني قطُّ ولا أعرفه. فظَنَّ زوجها أنها صادقة في قولها، ولم يزل يعالجها حتى قامت وتلفلفت وأخذت الطعام وخرجت إلى مسرور ورحَّبَتْ به؛ فأطرَقَ رأسه إلى الأرض كأنه مستحٍ، فنظر الرجل إلى إطراقه وقال: لا شك أن هذا زاهد. فأكلوا كفايتهم، ثم رفعوا الطعام وقدَّموا المُدام، فجلست زين المواصف قبال مسرور، وصارت تنظره وينظرها إلى أن مضى النهار، فانصرف مسرور إلى منزله والتهبَتْ في قلبه النار، وأما زوج زين المواصف فإنه صار متفكِّرًا في لطف صاحبه وفي حُسْنه. فلما أقبَلَ الليلُ قدَّمَتْ إليه زوجته طعامًا ليتعشَّى كعادته، وكان عنده في الدار طير هزار، إذا جلس يأكل يأتي إليه ذلك الطير ويأكل معه ويرفرف على رأسه، وكان ذلك الطير قد ألف مسرورًا فصار يرفرف عليه كلما جلس على الطعام، فحين غاب مسرور وحضر صاحبه لم يعرفه ولم يقرب منه، فصار متفكِّرًا في أمر ذلك الطير وفي بُعْدِه عنه. وأما زين المواصف فإنها لم تَنَمْ، بل صار قلبها مشغولًا بمسرور، واستمرَّ ذلك الأمر إلى ثاني ليلة وثالث ليلة، ففهم اليهودي أمرها ونقد عليها وهي مشغولة البال، فأنكَرَ عليها. وفي رابع ليلة انتبه من منامه نصف الليل، فسمع زوجته تلهج في منامها بذِكْرِ مسرور وهي نائمة في حضنه، فأنكر ذلك عليها وكتم أمره.
فلما أصبح الصباح ذهب إلى دكانه وجلس فيها، فبينما هو جالس وإذا بمسرور قد أقبَلَ وسلَّمَ عليه، فردَّ عليه السلام وقال: مرحبًا يا أخي. ثم قال له: إني مشتاق إليك. وجلس يتحدَّث معه ساعة زمانية، ثم قال له: قُمْ يا أخي معي إلى منزلي حتى نعقد المؤاخاة. فقال مسرور: حبًّا وكرامة. فلما وصَلَا إلى المنزل تقدَّمَ اليهودي وأخبر زوجته بقدوم مسرور، وأنه يريد أن يتَّجِر هو وإياه ويؤاخيه، وقال لها: هيِّئِي لنا مجلسًا حسنًا، ولا بد أنك تحضرين معنا وتنظرين المؤاخاة. فقالت له: بالله عليك لا تحضرني قدام هذا الرجل الغريب، فما لي غرض أن أحضر قدامه. فسكَتَ عنها وأمر الجواري أن تقدِّم الطعام والشراب، ثم إنه استدعى الطير الهزار، فنزل في حجر مسرور ولم يعرف صاحبه؛ فعند ذلك قال له: يا سيدي، ما اسمك؟ قال: اسمي مسرور. والحال أن زوجته طول الليل تلهج في منامها بهذا الاسم. ثم رفع رأسه فنظرها وهي تشير إليه وتغمزه بحاجبها، فعرف أن الحيلة قد تمَّتْ عليه، فقال: يا سيدي، أمهِلْني حتى أجيء بأولاد عمي يحضرون المؤاخاة. فقال له مسرور: افعل ما بَدَا لك. فقام زوج زين المواصف وخرج من الدار وجاء من وراء المجلس. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.