فلما كانت الليلة ٨٥٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن زوج زين المواصف قال لمسرور: أمهِلْني حتى أجيء بأولاد عمي ليحضروا عقد المؤاخاة بيني وبينك. ثم إنه مشى وجاء من وراء المجلس ووقف، وكان هناك طاقة تشرف عليهما، فجاء إليها وصار ينظرهما منها وهما لا ينظرانه، وإذا بزين المواصف قالت لجاريتها سكوب: أين راح سيدك؟ قالت: إلى خارج الدار. فقالت لها: أغلقي البابَ ومكِّنيه بالحديد، ولا تفتحي له حتى يدق الباب بعد أن تخبريني. قالت لها الجارية: وهو كذلك. كل ذلك وزوجها يعايِنُ حالهم، ثم إن زين المواصف أخذَتِ الكأس وطيَّبَتْه بماء الورد وسحيق المسك وجاءت إلى مسرور، فقام لها وتلقَّاها وقال لها: والله إن ريقك أحلى من هذا الشراب. وصارت تسقيه ويسقيها، وبعد ذلك رشَّتْه بماء الورد من فوقه إلى قدمه حتى فاحت روائحه في المجلس، كل ذلك وزوجها ينظر إليهما ويتعجَّب من شدة الحب الذي بينهما، وقد امتلأ قلبه غيظًا مما قد رآه، ولحقه الغضب وغار غيرةً عظيمةً؛ فأتى إلى الباب فوجَدَه مغلقًا، فطرقه طرقًا قويًّا من شدة غيظه، فقالت الجارية: يا سيدتي، قد جاء سيدي. فقالت: افتحي له الباب، فلا ردَّه الله بسلامة. فمضَتْ سكوب إلى الباب وفتحته، فقال لها: ما لكِ تغلقين الباب؟ فقالت: هكذا في غيابك، لم يزل مغلقًا ولا يُفتَح ليلًا ولا نهارًا. فقال: أحسنتِ، فإنه يعجبني ذلك. ثم دخل على مسرور وهو يضحك، ولكنه كتم أمره وقال: يا مسرور، دَعْنا من المؤاخاة في هذا اليوم ونتآخى في يوم آخَر غير هذا اليوم. فقال: سمعًا وطاعة، افعل ما تريد. فعند ذلك مضى مسرور إلى منزله، وصار زوج زين المواصف متفكِّرًا في أمره ولا يدري ما يصنع، وصار خاطره في غاية التكدير، وقال في نفسه: حتى الهزار أنكَرَني، والجواري أغلقَتِ الأبوابَ في وجهي ومِلْنَ إلى غيري. ثم إنه صار من شدة قهره يردِّد إنشاده هذه الأبيات:
فلما سمعت زين المواصف شِعْره ارتعدت فرائصها، واصفرَّ لونها، وقالت لجاريتها: هل سمعتِ هذا الشعر؟ فقالت الجارية: ما سمعته في عمري قال مثل هذا الشعر، ولكنْ دَعِيه يقول ما يقول. فلما تحقَّقَ زوجها أن هذا الأمر صحيح، صار يبيع في كل ما تملكه يده، وقال في نفسه: إنْ لم أغربهما عن أوطانهما فلن يرجعَا عمَّا هما فيه أبدًا. فلما باع جميع أملاكه كتب كتابًا مزوَّرًا، ثم قرأه عليها وادَّعَى أن هذا الكتاب جاءه من عند أولاد عمه، يتضمَّن طلب زيارته لهم هو وزوجته، فقالت: وكَمْ نقيم عندهم؟ قال: اثني عشر يومًا. فأجابته إلى ذلك وقالت له: هل آخذ معي بعض جواريَّ؟ قال: خذي منهن هبوب وسكوب، ودعي هنا خطوب. ثم هيَّأ لهن هودجًا مليحًا، وعزم على الرحيل بهن، فأرسلَتْ زين المواصف إلى مسرور: إنْ فاتَ الميعاد الذي بيننا ولم نأتِ، فاعلم أنه قد عمل علينا حيلةً ودبَّرَ لنا مكيدةً، وأبعَدَنا عن بعضنا، فلا تَنْسَ العهود والمواثيق التي بيننا، فإني أخاف من حيله ومَكْره. ثم إن زوجها جهَّزَ حاله للسفر، وأما زين المواصف فإنها صارت تبكي وتنتحب ولا يقرُّ لها قرارٌ في ليل ولا نهار، فلما رأى زوجها ذلك لم ينكر عليها، فلما رأت زين المواصف أن زوجها لا بد له من السفر، لمَّتْ قماشها ومَتاعها وأودعَتْ جميعَ ذلك عند أختها، وأخبرتها بما جرى لها وودَّعَتْها وخرجت من عندها وهي تبكي، ثم رجعت إلى بيتها فرأَتْ زوجها قد أحضَرَ الجِمال، وصار يضع عليها الأحمال، وهيَّأَ لزين المواصف أحسن الجِمال. فلما رأت زين المواصف أنه لا بد من فراقها لمسرور تحيَّرَتْ، فاتفق أن زوجها قد خرج لبعض أشغاله، فخرجت إلى الباب الأول وكتبَتْ عليه هذه الأبيات. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.