فلما كانت الليلة ٨٦٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن القضاة أمروا بحبس اليهودي زوج زين المواصف، فلما أصبح الصباح صار القضاة والشهود ينتظرون أن تحضر عندهم زين المواصف، فلم تحضر عند أحدٍ منهم، ثم إن القاضي الذي ذهبَتْ إليه أولًا قال: أنا أريد اليوم أن أتفرج على خارج المدينة لأنَّ لي حاجةً هناك. ثم ركب بغلته وأخذ غلامه وصار يطوف في أزِقَّة المدينة طولًا وعرضًا، ويفتِّش على زين المواصف فلم يقع لها على خبر، فبينما هو كذلك إذ وجد باقي القضاة دائرين، وكل واحد منهم يظن أنه ليس بينها وبين غيره ميعاد، فسألهم ما سبب ركوبهم ودورانهم في أزِقَّة المدينة، فأخبروه بشأنهم، فرأى حالهم كحاله وسؤالهم كسؤاله، ثم صار الجميع يفتِّشون عليها، فلم يقعوا لها على خبر، فانصرف كل واحد منهم إلى منزله مريضًا، ورقدوا على فرش الضنى. ثم إن قاضي القضاة تذكَّرَ الحدَّادَ فأرسَلَ إليه، فلما حضر بين يدَيْه قال: يا حداد، هل تعرف شيئًا من خبر الجارية التي دللتها علينا؟ فوالله إن لم تُطلِعني عليها ضربتك بالسياط. فلما سمع الحدَّادُ كلامَ القاضي أنشد هذين البيتين:
ثم إن الحداد قال: والله يا مولاي من حين انصرفت من الحضرة الشريفة ما نظرَتْها عيني قطُّ، وقد ملكت لبِّي وعقلي، وصار فيها حديثي وشغلي، وقد مضيت إلى منزلها فلم أجدها، ولم أَرَ أحدًا يخبرني عن شأنها، فكأنها غطست في قرار الماء أو عُرج بها إلى السماء. فلما سمع القاضي كلامَه شهق شهقةً كادَتْ روحُه أن تخرج منها، ثم قال: والله ما كان لنا حاجةٌ برؤيتها. فانصرف الحدَّاد ووقع القاضي على فرشه، وصار من أجلها في ضنًى، وكذا الشهود وباقي القضاة الأربعة، وصارت الحكماء تتردَّد عليهم، وما بهم من مرض يحتاج إلى الطبيب. ثم إن وجهاء الناس دخلوا على القاضي الأول فسلَّموا عليه واستخبروه عن حاله، فتنهَّدَ وباح بما في ضميره، وأنشد هذه الأبيات:
فلما فرغ القاضي من هذه الأبيات بكى بكاءً شديدًا، ثم إنه شهق شهقة ففارقت روحه جسده، فلما رأوا ذلك غسَّلوه وكفَّنوه وصلَّوْا عليه ودفنوه، وكتبوا على قبره هذه الأبيات:
ثم إنهم ترحَّموا عليه وانصرفوا إلى القاضي الثاني ومعهم الطبيب، فلم يجدوا به ضررًا ولا ألمًا يحتاج إلى طبيب، فسألوه عن حاله وشغل باله، فعرَّفهم بقضيته، فلاموه وعنَّفوه على تلك الحالة، فأجابهم مترنِّمًا بهذه الأبيات:
ثم إنه شهق شهقة، ففارقت روحه جسده، فجهَّزوه ودفنوه وترحَّموا عليه. ثم توجَّهوا إلى القاضي الثالث، فوجدوه مريضًا وحصل له ما حصل للثاني، وكذلك الرابع، فوجدوا الجميعَ مرضى بحبِّها، ووجدوا الشهود أيضًا مرضى بحبها، فإن كلَّ مَن رآها مات بحبها، وإنْ لم يَمُتْ عاش يكابد لوعة الغرام. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.