فلما كانت الليلة ٨٦١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن أهل المدينة وجدوا جميعَ القضاة والشهود مرضى بحبها، فإن كلَّ مَن رآها مات بعشقها، وإن لم يَمُتْ عاشَ يكابد لوعة الغرام من شدة حبها، رحمهم الله أجمعين. هذا ما كان من أمرهم، وأما ما كان من أمر زين المواصف، فإنها جدَّتْ في السير مدة أيام حتى قطعت مسافةً بعيدةً، فاتفق أنها خرجت هي وجواريها فمرَّتْ على دير في الطريق وفيه راهب كبير اسمه دانس، وكان عنده أربعون بطريقًا، فلما رأى جمالَ زينِ المواصف نزل إليها وعزم عليها، وقال لها: استريحوا عندنا عشرة أيام ثم سافروا. فنزلت عنده هي وجواريها في ذلك الدير، فلما نزلت ورأى حُسْنَها وجمالها أفسدَتْ عقيدته وافتتن بها، وصار يرسل إليها البطارقةَ واحدًا بعد واحد لأجل أن يؤلفها، فصار كلُّ مَن أرسله إليها يقع في حبها ويراودها عن نفسها له، وهي تتعذَّر وتتمنَّع. ولم يَزَلْ دانس يرسل إليها واحدًا بعد واحدٍ، حتى أرسل إليها الأربعين بطريقًا، وكل واحد حين يراها يتعلَّق بعشقها ويُكثِر من مُلاطَفتها ويُراوِدها عن نفسها، ولا يذكر لها اسم دانس، فتمتنع من ذلك وتجاوبهم بأغلظ جواب. فلما فرغ صبر دانس واشتدَّ غرامه، قال في نفسه: إن صاحب المثل يقول: ما حكَّ جسمي غير ظفري، ولا سعى في مرامي مثل أقدامي. ثم نهض قائمًا على قدمَيْه وصنع طعامًا مفتخرًا وحمله ووضعه بين يديها، وكان ذلك في اليوم التاسع من العشرة أيام التي اتفق معها على إقامتها عنده لأجل الاستراحة، فلما وضعه بين يدَيْها قال: تفضَّلي باسم الله، خير الزاد ما حصل. فمدَّتْ يدها وقالت: بسم الله الرحمن الرحيم. وأكلت هي وجواريها، فلما فرغت من الأكل قال لها: يا سيدتي، أريد أن أنشدك أبياتًا من الشعر. قالت له: قُلْ. فأنشد هذه الأبيات:
فلما سمعت زين المواصف شِعْرَه، أجابته عن شعره بهذين البيتين:
فلما سمع شعرها رجع إلى صومعته وهو متفكِّر في نفسه، ولم يَدْرِ كيف يصنع في أمرها، ثم بات تلك الليلة في أسوأ حالٍ، فلما جنَّ الليل قامت زين المواصف وقالت لجواريها: قوموا بنا فإننا لا نقدر على أربعين رجلًا رهبانًا، وكل واحد يراودني عن نفسي. فقالت لها الجواري: حبًّا وكرامة. ثم إنهن ركبن دوابهن وخرجن من باب الدير ليلًا. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.