فلما كانت الليلة ٧٣٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الوزير لما رجع من عند الملك الأعظم، وأخبر الملك عبد القادر بما وقع له وهو مقطوف اللون ترتعد فرائصه من شدة الوجل، قال له الملك عبد القادر وقد داخله الوسواس والمخافة على نفسه وعلى الناس: يا وزير، مَن يكون ولد هذا الملك؟ قال: إن ولده هو الذي أمرتَ بقتله، والحمد لله الذي لم يعجِّل قتله، فإن أباه كان يخرب ديارنا وينهب أموالنا. فقال له الملك: انظر رأيك الفاسد حيث أشرتَ علينا بقتله، فأين الغلام ولد هذا الملك الهمام؟ قال له: أيها الملك الهمام، إنك قد أمرت بقتله. فلما سمع هذا الكلام اندهش عقله، وصاح من صميم قلبه ورأسه: ويلكم، أدركوا السياف لئلا يوقع عليه القتل. ففي الوقت أحضروا السياف، فلما حضر قال له: يا ملك الزمان، قد ضربت عنقه كما أمرتَني. فقال له: يا كلب، إنْ صحَّ ذلك لا بد أن ألحقك به. قال: أيها الملك، إنك أمرتني بقتله من غير أن أشاورك فيه مرةً ثانية. قال الملك: كنت في غيظي، فتكلَّمِ الحقَّ قبل تلف روحك. قال له: أيها الملك، هو في قيد الحياة. ففرح الملك واطمأنَّ قلبه وأمر بإحضاره. فلما حضر بين يديه نهض له قائمًا على قدميه، وقبَّل فاه وقال له: يا ولدي، أستغفرُ الله العظيم مما وقع مني في حقك، فلا تتكلم بما يحط قدري عند والدك الملك الأعظم. قال الغلام: يا ملك الزمان، وأين الملك الأعظم؟ قال له: لقد جاء بسببك. قال الغلام: وحق حرمتك ما أبرح من بين يديك حتى أبرِّئ عرضي وعرض بنتك ممَّا نُسِبنا إليه، وهي بكر عذراء، فاطلب الدايات القوابل لتكشف عليها بين يديك، فإن وجدتَ بكارتها زالت فقد أبحتك دمي، وإن كانت عذراء فأَظْهِر براءة عرضي وعرضها. فدعا القوابل، فلما كشفْنَ عليها وجدْنَها عذراء، فأخبرن الملك بذلك وطلبن منه الإنعام، فأنعم عليهم وخلع ما كان عليه، وكذلك أنعم على جميع مَن في الحريم، وأخرجوا طاسات الطيب فطيبوا أرباب الدولة وفرحوا غاية الفرح.
ثم إن الملك اعتنق الغلام وعامله بالتعظيم والإكرام، وأمر بإدخاله الحمام مع خاصته من الخدام، فلما خرج أفرغ عليه خلعة سنية وتوجه بتاج من الجوهر ووشحه بوشاح من الإبريسم مزركش بالذهب الأحمر، مرصَّع بالدر والجوهر، وأركبه فرسًا من أحسن الخيل بسرج من الذهب مرصَّع بالدر والجوهر، وأمر أرباب ورؤساء مملكته بالركوب في خدمته إلى أن يصل إلى أبيه. ثم أوصى الغلام أن يقول لأبيه الملك الأعظم: إن الملك عبد القادر تحت أمرك، سامع مطيع لك في جميع ما تأمره وتنهاه. فقال الغلام: لا بد من ذلك. ثم ودَّعه وسار متوجِّهًا إلى أبيه، فلما نظر إليه أبوه طار عقله من الفرح، ثم نهض له قائمًا على قدميه ومشى له خطوات وعانقه، وشاع الفرح والسرور في عسكر الملك الأعظم، ثم حضر جميع الوزراء والحجاب، وجميع الجند والقواد، وقبَّلوا الأرض بين يديه وفرحوا بقدومه، وكان لهم في الفرح يوم عظيم، وأباح ابن الملك لمَن معه وغيرهم من مدينة الملك عبد القادر أن يتفرجوا على ما عليه عساكر الملك الأعظم، ولا يعارضهم أحد حتى يروا كثرة جنوده وقوة سلطانه، فصار كلُّ مَن دخل سوق البزازين ونظر الغلام قبل ذلك وهو جالس في المكان، يتعجَّب منه كيف رضي لنفسه ذلك مع شرف نفسه وعظيم منزلته! ولكن أحوجه إلى ذلك حبه وميله لبنت الملك. وشاعت الأخبار بكثرة عساكره، فبلغ ذلك حياة النفوس فأشرفت من أعلى القصر ونظرت إلى الجبال، فرأتها امتلأت بعساكر وجيوش، وكانت في قصر أبيها مسجونة تحت الأمر حتى يعلموا ما يأمر به الملك في شأنها، إما بالرضى والإطلاق، وإما بالقتل والإحراق.
فلما رأت حياة النفوس هذه العساكر وعلمت أنها عساكر أبيه، خافت أن ابن الملك ينساها ويلتهي عنها بأبيه، ثم يرحل عنها فيقتلها أبوها، فأرسلت إليه الجارية التي كانت عندها في المقصورة برسم الخدمة، وقالت لها: امضي إلى أردشير ابن الملك ولا تخافي، فإذا وصلتِ إليه فقبِّلي الأرض بين يديه وعرفيه بنفسك وقولي له: إن سيدتي تسلِّم عليك وإنها الآن محبوسة في قصر أبيها تحت الأمر، فإما أن يقصد العفو عنها، وإما أن يقصد قتلها، وتسألك أنك لا تنساها ولا تتركها، فإنك اليومَ ذو مقدرة، ومهما أشرت إليه لا يقدر أحد أن يخالف أمرك، فإن حسن عندك أن تخلِّصها من أبيها وتأخذها عندك كان من فضلك، فإنها قد تحملت هذه المكاره من أجلك، وإن لم يحسن عندك ذلك حيث فرغ غرضك منها، فقل لوالدك الملك الأعظم لعله يشفع لها عند أبيها، ولا يرحل حتى يطلقها من أبيها، ويأخذ عليه العهد والميثاق ألَّا يفعل بها سوءًا ولا يتعمَّد قتلها، وهذا آخر الكلام ولا أوحش الله منك والسلام. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.