فلما كانت الليلة ٨٦٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن أولاد التجار لما نزلوا البستان رأوا فيه من الفواكه
ما ذكرناه، ووجدوا فيه من الكمثرى الطوري والحلبي والرومي، ما هو مختلف الألوان، صنوان
وغير
صنوان، ما بين أصفر وأخضر يدهش الناظر، كما قال فيه الشاعر:
يَهْنِيكَ كُمَّثْرَى غَدَا لَوْنُهَا
لَوْنَ مُحِبٍّ زَائِدِ الصُّفْرَةْ
شَبِيهَةٌ بِالْبِكْرِ فِي خِدْرِهَا
وَالْوَجْهُ مِنْهَا مُسْبِلُ السُّتْرَةْ
وفي ذلك البستان من الخوخ السلطاني ما هو مختلف الألوان من أصفر وأحمر، كما قال فيه
الشاعر:
كَأَنَّمَا الْخُوخُ فِي رَوْضِهِ
وَقَدْ بَدَا حُمْرَةَ الْعَنْدَمِ
بَنَادِقُ مِنْ ذَهَبٍ أَصْفَرَ
قَدْ خَضَّبَتْ وَجْهَهَا بِالدَّمِ
وفي ذلك البستان من اللوز الأخضر ما هو شديد الحلاوة يشبه الجمار، ولبُّه من داخل
ثلاثة
أثواب، صنعة الملك الوهَّاب، كما قيل فيه:
ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ عَلَى جَسَدٍ رَطْبِ
مُخَالِفَةِ الْأَشْكَالِ مِنْ صَنْعَةِ الرَّبِّ
تُرِيهِ الرَّدَى فِي لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ
وَإِنْ يَكُنِ الْمَسْجُونُ فِيهَا بِلَا ذَنْبِ
وقال آخَر وأجاد:
أَمَا تَرَى اللَّوْزَ حِينَ تُظْهِرُهُ
مِنَ الْأَفَانِينِ كَفُّ مُعْتَطِفِ
وَقِشْرُهُ قَدْ جَلَا الْقُلُوبَ لَنَا
كَأَنَّهُ الدُّرُّ مِنْ دَاخِلِ الصَّدَفِ
وأحسن منه قول الآخَر:
يَا حُسْنَ لَوْزٍ أَخْضَرَ
أَصْفَرَ مِلْءُ الْيَدِ
كَأَنَّمَا زُبَيْرُهُ
نَبْتُ عِذَارِ الْأَمْرَدِ
وَقَدْ غَدَتْ قُلُوبُهُ
مِنْ مُزْدَوِجٍ وَمُفْرَدِ
كَأَنَّهَا لُؤْلُؤَةٌ
تُصَانُ فِي زَبَرْجَدِ
وقال آخَر وأجاد:
مَا أَبْصَرَتْ عَيْنايَ مِثْلَ اللَّوْزِ فِي
حَسَنَاتِهِ لَمَّا بَدَتْ أَنْوَارُهْ
الرَّأْسُ مِنْهُ بِاشْتِعَالٍ شَائِبُ
حِينَ انْتَشَى وَاخْضَرَّ مِنْهُ عِذَارُهْ
وفي ذلك البستان النبق مختلف الألوان، صنوان وغير صنوان، كما قال فيه بعض واصفيه هذا
الشعر:
انْظُرْ إِلَى النَّبْقِ فِي الْأَغْصَانِ مُنْتَظِمًا
كَمِشْمِشٍ مُعْجَبٍ يَزْهُو عَلَى الْقُضُبِ
كَأَنَّ صُفْرَتَهُ لِلنَّاظِرِينَ غَدَتْ
تَحْكِي جَلَاجِلَ قَدْ صِيغَتْ مِنَ الذَّهَبِ
وقال آخَر وأجاد:
وَسِدْرَةٍ كُلَّ يَوْمٍ
مِنْ حُسْنِهَا فِي فُنُونِ
كَأَنَّمَا النَّبْقُ فِيهَا
وَقَدْ بَدَا لِلْعُيُونِ
جَلَاجِلُ مِنْ نُضَارٍ
قَدْ عُلِّقَتْ فِي غُصُونِ
وفي ذلك البستان النارنج كأنه خولجان،
كما قال فيها الشاعر الولهان:
وَحَمْرَاءُ مِلْءُ الْكَفِّ تَزْهُو بِحُسْنِهَا
فَظَاهِرُهَا نَارٌ وَبَاطِنُهَا ثَلْجُ
وَمِنْ عَجَبٍ ثَلْجٌ مِعَ النَّارِ لَمْ يَذُبْ
وَمِنْ عَجَبٍ نَارٌ وَلَيْسَ لَهَا وَهْجُ
وقال بعضهم وأجاد:
وَأَشْجَارُ نَارَنْجَ كَأَنَّ ثِمَارَهَا
إِذَا مَا بَدَتْ لِلنَّاظِرِ الْمُتَفَرِّسِ
خُدُودُ نِسَاءٍ قَدْ تَبَرَّجْنَ زِينَةً
بِأَيَّامِ عِيدٍ فِي غَلَائِلِ سُنْدُسِ
وقال الآخَر وأجاد:
كَأَنَّ رُبَى النَّارَنْجِ أَذْهَبَتِ الصَّبَا
وَأَضْحَتْ بِهِ الْأَغْصَانُ وَهْيَ تَمِيدُ
خُدُودٌ عَلَيْهَا بَهْجَةُ الْحُسْنِ أَقْبَلَتْ
عَلَيْهَا بِأَوْقَاتِ السَّلَامِ خُدُودُ
وقال آخَر وأجاد:
وَشَادِنٌ قُلْنَا لَهُ صِفْ لَنَا
بُسْتَانَنَا هَذَا وَنَارَنْجَنَا
فَقَالَ لِي: بُسْتَانُكُمْ طَلْعَتِي
وَمَنْ جَنَى النَّارَنْجَ نَارًا جَنَى
وفي ذلك البستان الأترج لونه كلون التِّبْر، وقد حطَّ من أعلى مكانٍ، وتدلى في الأغصان
كمال فيه كأنه سبائك العقبين، وقد قال فيه الشاعر الولهان:
أَمَا تَرَى أَيْكَةَ الْأُتْرُجِّ مُثْمِرَةً
يُخْشَى عَلَيْهَا إِذَا مَالَتْ مِنَ الْعَطَبِ
كَأَنَّهَا عِنْدَمَا مَرَّ النَّسِيمُ بِهَا
غُصْنٌ تَحَمَّلَ قُضْبَانًا مِنَ الذَّهَبِ
وفي ذلك البستان الكباد منسدل في أغصانه كنهود أبكار تشبه الغزلان، وهو على غاية المراد،
كما قال فيه الشاعر وأجاد:
وَكَبَّادَةٌ بَيْنَ الرِّيَاضِ نَظَرْتُهَا
عَلَى غُصُنٍ رَطْبٍ كَقَامَةِ أَغْيَدِ
إِذَا سَبَلَتْهَا الرِّيحُ مَالَتْ كَأَكْرَةٍ
بَدَتْ ذَهَبًا فِي صَوْلَجَانِ زَبَرْجَدِ
وفي ذلك البستان الليمون ذاكي الرائحة يشبه بيض الدجاج،
ولكن صفرته زينة مجانية، وريحه يزهو لجانيه، كما قال فيه بعض واصفيه:
أَمَا تَرَى اللَّيْمُونَ لَمَّا بَدَا
يَأْخُذُ إِشْرَاقَهُ بِالْعِيَانِ
كَأَنَّهُ بَيْضُ دَجَاجٍ وَقَدْ
لَطَّخَهُ الْمُخَمَّسُ بِالزَّعْفَرَانِ
وفي ذلك البستان من سائر الفواكه والرياحين، والخضراوات والمشمومات من الياسمين والفاغية
والفلفل والسنبل العنبري والورد بسائر أنواعه، ولسان الحمل والآس وكامل الرياحين من جميع
الأجناس، وذلك البستان من غير تشبيه كأنه قطعة من الجنان لرائيه، إذا دخله العليل خرج
منه
كالأسد الغضبان، ولا يَقدرُ على وصْفه اللسان، لِمَا فيه من العجائب والغرائب التي لا
توجد
إلا في الجنان، كيف لا واسمُ بوَّابِه رضوان، لكن بين المقامَيْنِ شتَّان. فلما تفرَّج
أولاد التجار في ذلك البستان، جلسوا بعد التفرُّج والتنزُّه على ليوان من لواوينه،
وأجْلَسُوا نورَ الدين في وسط الإيوان. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام
المباح.