فلما كانت الليلة ٧٣٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية حين أرسلتها حياة النفوس إلى أردشير ابن الملك الأعظم، وصلت إليه وأخبرته بكلام سيدتها، فلما سمع منها هذا الكلام بكى بكاءً شديدًا وقال لها: اعلمي أن حياة النفوس سيدتي وأنا عبد هواها وأسيرها، ولا نسيت ما كان بيننا ولا مرارة يوم الفراق، فقولي لها بعد أن تقبِّلي قدمَيْها: إني أحدِّث أبي في أمرها، ويرسل وزيره الذي خطبك منه أولًا يخطبك، فإنه لم يقدر أن يخالف، فإن أرسل إليك أبوك ليشاورك في ذلك، فلا تخالفي، فإني لا أروح بلادي إلا بك. فرجعت الجارية إلى سيدتها وقبَّلت يديها وبلَّغَتْها رسالته، فلما سمعت ذلك الكلام بكت من شدة الفرح وحمدت الله تعالى.
هذا ما كان من أمرها، وأما ما كان من أمر الغلام فإنه اختلى بأبيه في الليل وسأله عن حاله وما جرى له، فحدثه بجميع ما جرى من أوله إلى آخره، فقال له: ما تريد أن أفعل لك يا ولدي؟ فإن أردت إتلافه أخربت دياره ونهبت أمواله وهتكت حريمه. فقال له: لا أريد ذلك يا أبي، فإنه لم يفعل معي شيئًا يوجب ذلك، بل أريد اتصالي بها وأريد من إحسانك أن تجهز هدية وتقدمها لأبيها، ولكن تكون هدية نفيسة وترسلها مع وزيرك صاحب الرأي السديد. فقال له أبوه: سمعًا وطاعة. ثم إن أباه قصد ما ادَّخره من قديم الزمان، وأخرج منه كل شيء نفيس ثم عرضه على ولده فأعجبه، ثم دعا بالوزير وأرسل ذلك صحبته وأمره أن يسير بذلك إلى الملك عبد القادر، ويخطب منه بنته لابنه ويقول له: اقبل هذه الهدية وردَّ له الجواب. فسار الوزير متوجهًا إلى الملك عبد القادر، وكان الملك عبد القادر حزينًا من وقت فارق الغلام، ولم يزل مشغولَ الخاطر متوقعًا خراب ملكه وأخذ ضياعه، وإذا بالوزير قد أقبل عليه وسلَّمَ وقبَّلَ الأرض بين يديه، فقام له الملك على الأقدام وقابله بالإكرام، فأسرع الوزير ووقع على قدميه وقبَّلهما وقال له: العفو يا ملك الزمان، إن مثلك لا يقوم لمثلي، وأن أقل عبيد الخدام، واعلم أيها الملك أن ابن الملك تكلم مع أبيه وعرَّفه ببعض فضلك عليه وإحسانك له، فشكرك الملك على ذلك، وقد جهز لك صحبة خادمك الذي بين يديك هديةً، وهو يُقْرِئك السلام ويخصُّك بالتحية والإكرام. فلما سمع الملك منه ذلك لم يصدقه من شدة خوفه حتى تقدَّمت إليه الهدية، فلما عُرِضت عليه وجدها هدية لا يفي بقدرها مالٌ، ولا يقدر ملك من ملوك الأرض على مثلها، فصغرت نفسه عنده؛ فعند ذلك نهض الملك قائمًا على قدميه، وحمد الله تعالى وأثنى عليه، وقد شكر الملك ذلك الغلام.
ثم قال له الوزير: أيها الملك الكريم، أصغِ لكلامي، واعلم أن الملك الأعظم قد ورد عليك واختار القرب منك، وقد جئتك قاصدًا راغبًا في بنتك السيدة المصونة والجوهرة المكنونة حياة النفوس وزواجها بولده أردشير، فإن أجبتَ لهذا الأمر وكنتَ به راضيًا فاتفق معي على صداقها. فلما سمع منه ذلك الكلام قال: سمعًا وطاعة، أما من جهتي أنا فليس عندي مخالفة، وهو أحب ما يكون عندي، وأما من جهة البنت فإنها بالغة رشيدة وأمرها بيد نفسها، واعلم أن ذلك الأمر راجع إلى البنت، فإنها بالاختيار إلى نفسها. ثم إنه التفت إلى رئيس الخدام وقال له: امضِ إلى بنتي وعرِّفها بهذه الأحوال. فقال رئيس الخدام: سمعًا وطاعة. ثم إنه مشى حتى طلع قصر الحريم ودخل على بنت الملك وقبَّل يديها وأخبرها بما ذكره الملك، ثم قال لها: ما تقولين أنت في جواب هذا الكلام؟ فقالت: سمعًا وطاعة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.