فلما كانت الليلة ٨٧٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية لما رأَتْ عليًّا نور الدين تعلَّقَ قلبُها بمحبته، فالتفتَتْ إلى الدلَّال وقالت له: هل هذا الشاب التاجر الذي هو جالس بين التجار وعليه الفرجية الجوخ العودي، ما زاد في ثمني شيئًا؟ فقال لها الدلَّال: يا سيدة الملاح، إن هذا شاب غريب مصري، ووالده من أكابر التجار بمصر، وله الفضل على جميع تجارها وأكابرها، وله مدة يسيرة في هذه المدينة، وهو مقيم عند رجل من أصحاب أبيه، ولم يتكلَّم فيك بزيادة ولا نقصان. فلما سمعَت الجارية كلامَ الدلَّال، نزعت من إصبعها خاتمَ ياقوت مثمنًا، وقالت للدلَّال: وصلني عند هذا الشاب المليح، فإن اشتراني كان هذا الخاتم لك في نظير تعبك في هذا اليوم معنا. ففرح الدلال وتوجَّهَ بها إلى نور الدين، فلما صارت عنده تأمَّلَتْه فرأته كأنه بدر التمام؛ لأنه ظريف الجمال، رشيق القَدِّ والاعتدال، كما قال فيه بعض واصفيه:
ثم إن الجارية نظرَتْ إلى نور الدين وقالت له: يا سيدي، بالله عليك أَمَا أنا مليحة؟ فقال لها: يا سيدة الملاح، وهل في الدنيا أحسنُ منك؟! فقالت له الجارية: ولأي شيءٍ رأيت التجارَ كلَّهم زادوا في ثمني، وأنت ساكت ما تكلَّمْتَ بشيءٍ، ولا زدتَ في ثمني دينارًا واحدًا، كأنني ما عجبتك يا سيدي؟ فقال لها: يا سيدتي، لو كنتُ في بلدي كنتُ أشتريك بجميع ما تملكه يدي من المال. فقالت له: يا سيدي، أنا ما قلتُ لك اشتَرِني على غير مرادك، ولكن لو زدتَ في ثمني شيئًا لَجبرتَ بخاطري، ولو كنتَ لا تشتريني لأجل أن تقول التجار لولا أن هذه الجارية مليحة ما زاد فيها هذا التاجر المصري؛ لأن أهل مصر لهم خبرة بالجواري. فعند ذلك استحى نور الدين من كلام الجارية الذي ذكرته، واحمرَّ وجهه وقال للدلَّال: كَمْ بلغ ثمن هذه الجارية؟ قال: بلغ ثمنها تسعمائة وخمسين دينارًا غير الدِّلَالة، وأما قانون السلطان فإنه على البائع. فقال نور الدين للدلَّال: خلِّها عليَّ بالألف دينار دِلَالةً وثمنًا. فبادرَتِ الجارية وتركت الدلَّال وقالت: بِعْتُ نفسي لهذا الشاب المليح بألف دينار. فسكَتَ نور الدين، فقال واحد: بعناه. وقال آخَر: يستأهل. وقال آخَر: ملعون ابن ملعون مَن يزود ولا يشتري. وقال آخَر: والله إنهما يصلحان لبعضهما. فلم يشعر نور الدين إلا والدلَّال أحضر القضاة والشهود، وكتبوا عقدَ البيع والشراء في ورقةٍ وناوَلَها لنور الدين، وقال: تسلَّمْ جاريتك، الله يجعلها مبارَكةً عليك، فهي ما تصلح إلا لك، ولا تصلح أنت إلا لها. وأنشد الدلَّال هذين البيتين:
فعند ذلك استحى نور الدين من التجار، وقام من وقته وساعته ووزن الألف دينار التي كان وضعها وديعةً عند العطار صاحب أبيه، وأخذ الجارية وأتى بها إلى البيت الذي أسكنه فيه العطار، فلما دخلت الجارية البيت رأَتْ فيه خلق بساط ونطعًا عتيقًا، فقالت له: يا سيدي، هل أنا ما لي منزلة عندك، ولا أستحق أن توصلني إلى بيتك الأصلي الذي فيه مصالحك؟ ولأي شيء ما دخلت بي عند أبيك؟ فقال لها نور الدين: والله يا سيدة الملاح، إن هذا بيتي الذي أنا فيه، ولكنه ملك لشيخ عطار من أهل هذه المدينة، وقد أخلاه لي وأسكنني فيه، وقد قلتُ لك إنني غريب، وإنني من أولاد مدينة مصر. فقالت له الجارية: يا سيدي، أقل البيوت يكفي إلى أن نرجع إلى بلدك، ولكن يا سيدي بالله عليك أن تقوم وتأتي لنا بشيء من اللحم المشوي والمُدَام والنُّقْل والفاكهة. فقال لها نور الدين: والله يا سيدة الملاح، ما كان عندي من المال غير الألف دينار الذي وزنته في ثمنك، ولا أملك غير تلك الدنانير شيئًا من المال، وكان معي بعض دراهم صرفتها بالأمس. فقالت له: أَمَا لك في هذه المدينة صديقٌ تقترض منه خمسين درهمًا وتأتيني بها حتى أقول لك أي شيء تفعل بها؟ فقال لها: ما لي صديق سوى العطار. ثم ذهب من وقته وتوجَّهَ إلى العطار وقال له: السلام عليك يا عم. فردَّ عليه السلام وقال: يا ولدي، أي شيء اشتريت بالألف دينار في هذا اليوم؟ فقال له: اشتريتُ بها جارية. فقال له: يا ولدي، هل أنت مجنون حتى تشتري جارية واحدة بألف دينار؟ يا ليت شعري، ما جنسُ هذه الجارية؟ فقال نور الدين: يا عم، إنها جارية من أولاد الإفرنج. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.