فلما كانت الليلة ٧٣٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن رئيس خدام الحريم لما أخبر بنت الملك بخطبتها لابن الملك الأعظم قالت: سمعًا وطاعةً. فلما سمع رئيس خدام الحريم هذا الكلام رجع إلى الملك وأعلمه الجواب، ففرح بذلك فرحًا شديدًا، ثم إنه دعا بخلعة سنية وأفرغها على الوزير، وأمر له بعشرة آلاف دينار وقال له: أوصل الجواب إلى الملك، واستأذنه لي في أن أنزل إليه. فقال الوزير: سمعًا وطاعة. ثم إن الوزير خرج من عند الملك عبد القادر ومشى حتى وصل إلى الملك الأعظم، وأوصل إليه الجواب وبلغه ما معه من الكلام، ففرح الملك بذلك، وأما ابن الملك فإنه قد طار عقله من الفرح، واتسع صدره وانشرح. ثم أذن الملك الأعظم بأن الملك عبد القادر ينزل إليه ويقابله، فلما كان في اليوم الثاني، ركب الملك عبد القادر وحضر عند الملك الأعظم فتلقاه ورفع مكانه وحيَّاه، وجلس هو وإياه، ووقف ابن الملك بين أيديهما. ثم قام خطيب من خاصة الملك عبد القادر وخطب خطبة بليغة، وهنَّأ ابن الملك بما قد حصل له من بلوغ مراده بتزويجه بالملكة سيدة بنات الملوك. ثم إن الملك الأعظم بعد جلوس الخطيب أمر بإحضار صندوق مملوء بالدر والجوهر وخمسين ألف دينار، وقال للملك عبد القادر: إني وكيل عن ولدي في جميع ما استقر عليه الأمر. فاعترف الملك عبد القادر بقبض الصداق، ومن جملته خمسون ألف دينار من أجل فرح بنته سيدة بنات الملوك حياة النفوس، وبعد هذا الكلام أحضروا القضاة والشهود، وكتبوا كتاب بنت الملك عبد القادر على ابن الملك الأعظم أردشير، وكان يومًا مشهودًا، وفرح فيه سائر المحبين واغتاظ به سائر المبغضين والحاسدين. ثم إنهم عملوا الولائم والدعوات، وبعد ذلك دخل عليها ابن الملك فوجدها درةً ما ثُقِبت، ومهرًا لغيره ما رُكِبت، فريدة مصونة وجوهرة مكنونة، وظهر ذلك لأبيها.
ثم إن الملك الأعظم سأل ولده: هل بقي في نفسه حاجة قبل الرحيل؟ قال: نعم أيها الملك، اعلم أني أريد الانتقام من الوزير الذي أساءنا، والطواشي الذي افترى الكذب علينا. فبعث الملك الأعظم إلى الملك عبد القادر في الحال، يطلب منه ذلك الوزير والطواشي فأرسلهما إليه، فلما حضرا بين يديه أمر بشنقهما على باب المدينة، ثم أقاموا بعد ذلك مدة يسيرة وطلبوا من الملك عبد القادر إذنًا لابنته أن تتجهَّز للسفر، فجهَّزَها أبوها وأركبوا ابنه الملك في تخت من الذهب الأحمر، مرصَّع بالدر والجوهر، تجره الخيل الجياد، وأخذت معها جميع جواريها وخدمها، وعادت الداية إلى مكانها بعد هروبها وصارت على عادتها، وركب الملك الأعظم وولده وركب الملك عبد القادر وجميع أهل مملكته لوداع صهره وابنته، وكان يومًا يُعَدُّ من أحسن الأيام. فلما بعدوا عن الديار حلف الملك الأعظم على صهره أن يرجع إلى بلاده، فودَّعه ورجع إلى دياره بعد أن ضمه إلى صدره وقبَّله بين عينيه، وشكره على فضله وإحسانه، وأوصاه على ابنته. وبعد وداع الملك الأعظم وولده رجع إلى ابنته وعانقها، ثم قبَّلَتْ يدَيْه وبكيا في موقف الوداع، ثم رجع إلى مملكته وسار ابن الملك الأعظم هو وزوجته ووالده إلى أن وصلوا إلى أرضهم وجدَّدوا فرحهم، ثم أقاموا في ألذ عيش وأهناه، وأرغده وأحلاه، إلى أن أتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات، ومخرِّب القصور ومعمِّر القبور، وهذا آخِر القصة.
حكاية جلناز وبدر باسم
ومما يُحكَى أيها الملك السعيد، أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان، في أرض العجم، ملكٌ يقال له شهرمان، وكان مستقره خراسان، وكان عنده مائة سرية، ولم يُرزَق منهن في طول عمره بذكر ولا أنثى، فتذكَّر ذلك يومًا من الأيام وصار يتأسف حيث مضى غالب عمره ولم يُرزَق بولد ذكر يَرِث الملك من بعده كما ورثه هو عن آبائه وأجداده، فحصل له بسبب ذلك غاية الغم والقهر الشديد. فبينما هو جالس يومًا من الأيام إذ دخل عليه بعض مماليكه وقال له: يا سيدي، إن على الباب جارية مع تاجر لم يُرَ أحسن منها. فقال لهم: عليَّ بالتاجر والجارية. فأتاه بالتاجر والجارية، فلما رآها وجدها تشبه الرمح الرديني، وهي ملفوفة في إزار من حرير مزركش بالذهب؛ فكشف التاجر عن وجهها فأضاء المكان من حُسْنها، وارتخى لها سبع ذوائب حتى وصلت إلى خلاخلها كأذيال الخيل، وهي بطرف كحيل، وردف ثقيل، وخصر نحيل، تشفي سقام العليل، وتطفئ نار الغليل، كما قال الشاعر في المعنى هذه الأبيات:
فتعجب الملك من رؤيتها وحُسْنها، وجمالها وقدِّها واعتدالها، وقال للتاجر: يا شيخ، بكم هذه الجارية؟ قال التاجر: يا سيدي اشتريتها بألفَيْ دينار من التاجر الذي كان ملكها قبلي، ولي ثلاث سنين مسافرًا بها، فتكلفت إلى أن وصلت إلى هذا المكان ثلاثة آلاف دينار، وهي هدية مني إليك. فخلع عليه الملك خلعة سنية، وأمر له بعشرة آلاف دينار، فأخذها وقبَّلَ يدي الملك، وشكر فضله وإحسانه وانصرف. ثم إن الملك سلم الجارية إلى المواشط، وقال لهن: أصلحن أحوال هذه الجارية وزيِّنَّها، وافرشن لها مقصورة وأدخلنها فيها، وأمر حجَّابه أن ينقلوا إليها جميع ما تحتاج إليه، وكانت المملكة التي هو مقيم فيها على جانب البحر، وكانت مدينته تُسمَّى المدينة البيضاء، فأدخلوا الجارية في مقصورة، وكانت تلك المقصورة لها شبابيك تطلُّ على البحر. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.