فلما كانت الليلة ٧٤١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن جلناز البحرية لما حكت لأخيها جميع حكايتها، وقالت: إن الله تعالى لم يقطع بي وعوضني خيرًا، وإن الملك ليس له ولد ذكر ولا أنثى، وأطلب من الله تعالى أن يرزقني بولدٍ ذكر يكون وارثًا عن هذا الملك العظيم ما خوَّله الله تعالى من هذه العمارات والقصور والأملاك. فلما سمع أخوها وبنات عمها كلامها، قرت أعينهم بذلك الكلام وقالوا لها: يا جلناز، أنتِ تعلمين بمنزلتك عندنا وتعرفين محبتنا إياكِ، وتتحقَّقين أنك أعز الناس جميعًا عندنا، وتعتقدين أن قصدنا لك الراحة من غير مشقة ولا تعب، فإن كنت في غير راحة فقومي معنا إلى بلادنا وأهلنا، وإن كنتِ مرتاحة هنا في معزة وسرور، فهذا هو المراد والمنى؛ فإننا لا نريد إلا راحتك على كل حال. فقالت جلناز: والله إني في غاية الراحة والهناء والعز والمنى. فلما سمع الملك منها ذلك الكلام فرح واطمأنَّ قلبه، وشكرها على ذلك، وازداد فيها حبًّا ودخل حبها في صميم قلبه، وعلم منها أنها تحبه كما يحبها، وأنها تريد القعود عنده حتى ترى ولده منها.
ثم إن الجارية التي هي جلناز البحرية أمرت جواريها أن يقدمن الموائد والطعام من سائر الألوان، وكانت جلناز هي التي باشرت الطعام في المطبخ، فقدمت لهم الجواري بالطعام والحلويات والفواكه. ثم إنها أكلت هي وأهلها، وبعد ذلك قالوا لها: يا جلناز، إن سيدك رجل غريب منا، وقد دخلنا بيته من غير إذنه، ولم يعلم بنا وأنت تشكرين لنا فضله، وأيضًا أحضرتي لنا طعامه فأكلنا، ولم نجتمع به ولم نره ولم يرنا، ولا حضر عندنا ولا أكل معنا حتى يكون بيننا وبينه خبز وملح. وامتنعوا كلهم من الأكل واغتاظوا عليها، وصارت النار تخرج من أفواههم كالمشاعل؛ فلما رأى الملك ذلك طار عقله من شدة الخوف منهم، ثم إن جلناز قامت إليهم وطيَّبت خاطرهم، ثم بعد ذلك تمشت إلى أن دخلت المخدع الذي فيه الملك سيدها وقالت له: يا سيدي، هل رأيت وسمعت شكري لك وثنائي عليك عند أهلي، وسمعت ما قالوا لي من أنهم يريدون أن يأخذوني معهم إلى أهلنا وبلادنا. فقال لها الملك: سمعت ورأيت، جزاكِ الله عنَّا خيرًا، والله ما علمتُ قدرَ محبتي عندك إلا في هذه الساعة المباركة، ولم أشك في محبتك إياي. فقالت له: يا سيدي، هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ وأنت قد أحسنتَ إليَّ، وتكرَّمت عليَّ بجلائل النعم، وأراك تحبني غاية المحبة، وعملت معي كل جميل، واخترتني على جميع مَن تحب وتريد، فكيف يطيب قلبي على فراقك والرواح من عندك؟ وكيف يكون ذلك وأنت تحسن وتتفضَّل عليَّ؟ فأريد من فضلك أن تأتي وتسلِّم على أهلي، وتراهم ويَرَوك، ويحصل الصفاء والود بينكم، ولكن اعلم يا ملك الزمان أن أخي وأمي وبنات عمي قد أحبوك محبة عظيمة لما شكرتك لهم، وقالوا: ما نروح إلى بلادنا من عندك حتى نجتمع بالملك ونسلِّم عليه. فيريدون أن ينظروك ويأتنسوا بك. فقال لها الملك: سمعًا وطاعة، فإن هذا هو مرادي.
ثم إنه قام من مقامه وسار إليهم وسلَّمَ عليهم بأحسن سلام؛ فبادروا إليه بالقيام وقابلوه أحسن مقابلة، وجلس معهم في القصر، وأكل معهم على المائدة، وأقام معهم مدة ثلاثين يومًا. ثم بعد ذلك أرادوا التوجه إلى بلادهم ومحلهم، فأخذوا بخاطر الملك والملكة جلناز البحرية، ثم ساروا من عندهما بعد أن أكرمهم الملك غاية الإكرام. وبعد ذلك استوفت جلناز أيام حملها وجاء أوان الوضع، فوضعت غلامًا كأنه البدر في تمامه، فحصل للملك بذلك غاية السرور؛ لأنه ما رُزِق بولد ولا بنت في عمره، فأقاموا الأفراح والزينة مدة سبعة أيام، وهم في غاية السرور والهناء، وفي اليوم السابع حضرت أم الملكة جلناز، وأخوها وبنات عمها الجميع لما علموا أن جلناز قد وضعت. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.