فلما كانت الليلة ٧٤٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن جلناز لما وضعت وجاء إليها أهلها، قابلهم الملك وفرح بقدومهم، وقال لهم: أنا قلت ما أسمِّي ولدي حتى تحضروا وتسموه أنتم بمعرفتكم. فسمَّوْه بدر باسم، واتفقوا جميعًا على هذا الاسم، ثم إنهم عرضوا الغلام على خاله صالح، فحمله على يديه، وقام به من بينهم، وتمشى في القصر يمينًا وشمالًا، ثم خرج به من القصر ونزل به البحر المالح، ومشى حتى خفي عن عين الملك، فلما رآه الملك أخذ ولده وغاب عنه في قاع البحر، يئس منه وصار يبكي وينتحب، فلما رأته جلناز على هذه الحالة، قالت له: يا ملك الزمان، لا تخف ولا تحزن على ولدك؛ فأنا أحبُّ ولدي أكثر منك، وإن ولدي مع أخي فلا تبالِ من البحر ولا تخشَ عليه من الغرق، ولو علم أخي أنه يحصل للصغير ضرر ما فعل الذي فعله، وفي هذه الساعة يأتيك بولدك سالمًا إن شاء الله تعالى. فلم يكن غير ساعة إلا والبحر قد اختبط واضطرب، وطلع منه خال الصغير، ومعه ابن الملك سالمًا، وطار من البحر إلى أن وصل إليهم والصغير على يديه وهو ساكت ووجهه كالقمر في ليلة تمامه.
ثم إن خال الصغير نظر إلى الملك، وقال له: لعلك خفت على ولدك ضررًا لمَّا نزلتُ به في البحر وهو معي؟ فقال: نعم يا سيدي خفت عليه، وما ظننت أنه يسلم منه قطُّ. فقال له: يا ملك البر، إنَّا كحَّلناه بكحلٍ نعرفه، وقرأنا عليه الأسماء المكتوبة على خاتم سليمان بن داود عليهما السلام، فإن المولود إذا وُلِد عندنا صنعنا به ما ذكرتُ لك، فلا تخَفْ عليه من الغرق، ولا الخنق، ولا من سائر البحار إذا نزل فيها، ومثلما تمشون أنتم في البر نمشي نحن في البحر. ثم أخرج من جيبه محفظة مختومة، ففضَّ ختامها ونثرها، فنزل منها جواهر منظومة من سائر أنواع اليواقيت والجواهر، وثلاثمائة قضيب من الزمرد، وثلاثمائة قصبة من الجواهر الكبار التي هي قدر بيض النعام، نورها أضوأ من نور الشمس والقمر، وقال: يا ملك الزمان، هذه الجواهر واليواقيت هدية مني إليك؛ لأننا ما أتيناك بهدية قطُّ؛ لأننا ما كنا نعلم موضع جلناز ولا نعرف لها أثرًا ولا خبرًا، فلما رأيناك اتصلت بها، وقد صرنا كلنا شيئًا واحدًا أتيناك بهذه الهدية، وبعد كل قليل من الأيام نأتيك بمثلها إن شاء الله تعالى؛ لأن هذه الجواهر واليواقيت عندنا أكثر من الحصى في البر، ونعرف جيدها ورديئها وجميع طرقها ومواضعها، وهي سهلة علينا. فلما نظر الملك إلى تلك الجواهر واليواقيت اندهش عقله، وحار لبه، وقال: والله إن جوهرة من هذه الجواهر تعادل ملكي. ثم إن الملك شكر فضل صالح البحري، ونظر إلى الملكة جلناز، وقال لها: أنا استحيت من أخيك؛ لأنه تفضَّل عليَّ وهاداني بهذه الهدية السنية التي يعزُّ عنها أهل الأرض. فشكرت جلناز أخاها على ما فعل، فقال أخوها: يا ملك الزمان، لك علينا حقٌّ قد سبق، وشكرك علينا قد وجب؛ لأنك قد أحسنت إلى أختي، ودخلنا منزلك، وأكلنا زادك، وقد قال الشاعر:
ثم قال صالح: ولو وقفنا في خدمتك يا ملك الزمان ألف سنة على وجوهنا، ما قدرنا أن نكافئك، وكان ذلك في حقك قليلٌ. فشكره الملك شكرًا بليغًا، وأقام صالح عند الملك هو وأمه وبنات عمه أربعين يومًا، ثم إن صالحًا أخا جلناز قام وقبَّلَ الأرض بين يدي الملك زوج أخته، فقال له: ما تريد يا صالح؟ فقال صالح: يا ملك الزمان، قد تفضَّلْتَ علينا والمراد من إحسانك أن تتصدق علينا وتعطينا إذنًا، فإننا قد اشتقنا إلى أهلنا وبلادنا وأقاربنا وأوطاننا، ونحن ما بقينا ننقطع عن خدمتك، ولا عن أختي ولا عن ابن أختي، فوالله يا ملك الزمان ما يطيب لقلبي فراقكم، ولكن كيف نعمل ونحن قد رُبِّينا في البحر، وما يطيب لنا البر؟ فلما سمع الملك كلامه نهض قائمًا على قدميه، وودَّعَ صالحًا البحري وأمه وبنات عمه، وتباكوا للفراق، ثم قالوا له: عن قريب نكون عندكم ولا نقطعكم أبدًا، وبعد كل قليل من الأيام نزوركم. ثم إنهم طاروا وقصدوا البحر حتى صاروا فيه وغابوا عن العين. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.