فلما كانت الليلة ٧٤٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن أخا جلناز صالحًا وأمها وبنات عمها قالوا لها: إن كان الملك قد مات، فقد خلف هذا الغلام العديم النظير، الأسد الكاسر، والقمر الزاهر. ثم إن أرباب الدولة والأكابر دخلوا على الملك بدر باسم، وقالوا له: يا ملك، لا بأس بالحزن على الملك، ولكن الحزن لا يصلح إلا للنساء، فلا تشغل خواطرك وخاطرنا بالحزن على والدك، فإنه قد مات وخلفك، ومَن خلف مثلك ما مات. ثم إنهم لاطفوه وسلوه، وبعد ذلك أدخلوه الحمام، فلما خرج من الحمام لبس بدلة فاخرة منسوجة من الذهب مرصعة بالجواهر والياقوت، ووضع تاج الملك على رأسه وجلس على سرير ملكه، وقضى أشغال الناس وأنصف الضعيف من القوي، وأخذ للفقير حقه من الأمير، فأحبه الناس حبًّا شديدًا، ولم يزل كذلك مدة سنة كاملة، وبعد كل مدة قليلة تزوره أهله البحرية، فطاب عيشه وقرت عينه. ولم يزل على هذه الحالة مدة مديدة، فاتفق أن خاله دخل ليلة من الليالي على جلناز وسلم عليها، فقامت له واعتنقته وأجلسته إلى جانبها، وقالت له: يا أخي، كيف حالك وحال والدتي وبنات عمي؟ فقال لها: يا أختي، إنهم طيبون بخير وحظ عظيم، وما ينقص عليهم إلا النظر إلى وجهك. ثم إنها قدمت له شيئًا من الأكل فأكل، ودار الحديث بينهما، وذكروا الملك بدر باسم وحُسْنه وجماله، وقَدَّه واعتداله، وفروسيته وعقله وأدبه، وكان الملك بدر باسم متكئًا، فلما سمع أمه وخاله يذكرانه ويتحدثان في شأنه، أظهر أنه نائم وصار يسمع حديثهما، فقال صالح لأخته جلناز: إن عمر ولدك سبعة عشر عامًا، ولم يتزوَّج، ونخاف أن يجري له أمر ولم يكن له ولد، فأريد أن أزوِّجه بملكة من ملكات البحر تكون في حسنه وجماله. فقالت جلناز: اذكرهن لي فإني أعرفهن. فصار يعدهن لها واحدة بعد واحدة، وهي تقول: ما أرضى هذه لولدي ولا أزوجه إلا بمَن تكون مثله في الحُسْن والجمال والعقل والدين والأدب والمروءة والملك والحسب والنسب. فقال لها: ما بقيت أعرف واحدة من بنات الملوك البحرية، وقد عددت لك أكثر من مائة بنت وأنت ما يعجبك واحدة منهن، ولكن انظري يا أختي هل ابنك نائم أم لا؟ فجسته فوجدت عليه آثار النوم، فقالت له: إنه نائم، فما عندك من الحديث؟ وما قصدك بنومه؟ فقال لها: يا أختي، اعلمي أني قد تذكَّرت بنتًا من بنات البحر تصلح لابنك، وأخاف أن أذكرها فيكون ولدك منتبهًا فيتعلَّق قلبه بمحبتها، وربما لا يمكننا الوصول إليها، فيتعب هو ونحن وأرباب دولته، ويصير لنا شغل بذلك، وقد قال الشاعر:
فلما سمعت أخته كلامه، قالت له: قل لي ما شأن هذه البنت؟ وما اسمها؟ فأنا أعرف بنات البحر من ملوك وغيرهم، فإذا رأيتها تصلح له خطبتها من أبيها، ولو أني أصرف جميع ما تملكه يدي عليها، فأخبرني بها، ولا تخشَ شيئًا فإن ولدي نائم. فقال: أخاف أن يكون يقظان، وقد قال الشاعر:
فقالت له جلناز: قل وأوجز ولا تخف يا أخي. فقال: والله يا أختي ما يصلح لابنك إلا الملكة جوهرة بنت الملك السمندل، وهي مثله في الحُسْن والجمال، والبهاء والكمال، ولا يوجد في البحر ولا في البر ألطف ولا أحلى شمائل منها؛ لأنها ذات حُسْن وجمال، وقَدٍّ واعتدال، وخَدٍّ أحمر وجبين أزهر، وشعر كأنه الجوهر، وطرف أحور، وردف ثقيل، وخصر نحيل، ووجه جميل، إن التفتت تخجل المها والغزلان، وإن خطرت يغار غصن البان، وإذا أسفرت تخجل الشمس والقمر وتسبي كلَّ مَن نظر، عذبة المراشف ليِّنة المعاطف. فلما سمعت كلام أخيها قالت له: صدقت يا أخي، والله إني رأيتها مرارًا عديدة، وكانت صاحبتي ونحن صغار، وليس لنا اليوم معرفة ببعضنا لموجب البُعْد، ولي اليوم ثمانية عشر عامًا ما رأيتها، والله ما يصلح لولدي إلا هي. فلما سمع بدر باسم كلامهما، وفهم ما قالاه من أوله إلى آخِره في وصف البنت التي ذكرها صالح، وهي جوهرة بنت الملك السمندل، عشقها بالسماع، وأظهر لهم أنه نائم، وصار في قلبه من أجلها لهيب النار، وغرق في بحرٍ لا يُدرَك له ساحل ولا قرار. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.