فلما كانت الليلة ٧٤٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك بدر باسم وخاله صالحًا لما غطسا في البحر سارا، ولم يزالا سائرين حتى وصلا إلى قصر صالح فدخلاه، فرأته جدته أم أمه وهي قاعدة، وعندها أقاربها، فلما دخلا عليهم قبَّلَا أيديهم، فلما رأته جدته قامت إليه واعتنقته وقبَّلت ما بين عينيه، وقالت له: قدوم مبارك يا ولدي، كيف خلفت أمك جلناز؟ قال لها: طيبة بخير وعافية، وهي تسلم عليك وعلى بنات عمها. ثم إن صالحًا أخبر أمه بما وقع بينه وبين أخته جلناز، وأن الملك بدر باسم عشق الملكة جوهرة بنت الملك السمندل على السماع، وقص لها القصة من أولها إلى آخرها، وقال: أنه ما أتى إلا ليخطبها من أبيها ويتزوجها. فلما سمعت جدة الملك بدر باسم كلام صالح اغتاظت عليه غيظًا شديدًا، وانزعجت واغتمت، وقالت له: يا ولدي، لقد أخطأت بذِكْر الملكة جوهرة بنت الملك السمندل قدام ابن أختك؛ لأنك تعلم أن الملك السمندل أحمق جبَّار قليل العقل، شديد السطوة، بخيل بابنته جوهرة على خطابها، فإن سائر ملوك البحر خطبوها منه، فأَبَى ولم يَرْضَ بأحد منهم، بل ردهم وقال لهم: ما أنتم أكفاء لها في الحُسْن ولا في الجمال ولا في غيرهما. ونخاف أن نخطبها من أبيها، فيردنا كما ردَّ غيرنا، ونحن أصحاب مروءة فنرجع مكسورين الخاطر. فلما سمع صالح كلام أمه قال لها: يا أمي، كيف يكون العمل؟ فإن الملك بدر باسم قد عشق هذه البنت لما ذكرتها لأختي جلناز، وقال: لا بد أن نخطبها من أبيها ولو أبذل جميع ملكي، وزعم أنه إن لم يتزوج بها يموت فيها عشقًا وغرامًا.
ثم إن صالحًا قال لأمه: اعلمي أن ابن أختي أحسن وأجمل منها، وأن أباه كان ملك العجم بأسرهم وهو الآن ملكهم، ولا تصلح جوهرة إلا له، وقد عزمت على أني آخذ جواهر من يواقيت وغيرها وأحمل هدية تصلح له، وأخطبها منه، فإن احتجَّ علينا بأنه ملك فهو أيضًا ملك ابن ملك، وإن احتجَّ علينا بالجمال فهو أجمل منها، وإن احتجَّ علينا بسعة المملكة فهو أوسع مملكةً منها ومن أبيها، وأكثر أجنادًا وأعوانًا، فإن ملكه أكبر من ملك أبيها، ولا بد أن أسعى في قضاء حاجة ابن أختي، ولو أن روحي تذهب؛ لأني كنت سبب هذه القضية، ومثلما رميته في بحار عشقها، أسعى في زواجه بها، والله تعالى يساعدني على ذلك. فقالت له أمه: افعل ما تريد، وإياك أن تغلظ عليه الكلام إذا كلَّمْتَه، فإنك تعرف حماقته وسطوته، وأخاف أن يبطش بك؛ لأنه لا يعرف قدرَ أحد. فقال لها: السمع والطاعة. ثم إنه نهض وأخذ معه جرابين ملآنين من الجواهر واليواقيت، وقضبان الزمرد، ونفائس المعادن من سائر الأحجار، وحمَّلهما لغلمانه، وسار بهم هو وابن أخته إلى قصر الملك السمندل، واستأذن في الدخول عليه، فأذن له؛ فلما دخل قبَّل الأرض بين يديه وسلم بأحسن سلام، فلما رآه الملك السمندل قام إليه وأكرمه غاية الإكرام، وأمره بالجلوس فجلس، فلما استقر به الجلوس، قال له الملك: قدوم مبارك، أوحشتنا يا صالح، ما حاجتك حتى إنك أتيتَ إلينا؟ فأخبرني بحاجتك حتى أقضيها لك. فقام وقبَّلَ الأرض ثاني مرة، وقال: يا ملك الزمان، حاجتي إلى الله وإلى الملك الهمام، والأسد الضرغام الذي بمحاسن ذكره سارت الركبان، وشاع خبره في الأقاليم والبلدان بالجود والإحسان، والعفو والصفح والامتنان. ثم إنه فتح الجرابين، وأخرج منهما الجواهر وغيرها، ونثرها قدام الملك السمندل، وقال له: يا ملك الزمان، عساك تقبل هديتي، وتتفضَّل عليَّ وتجبر قلبي بقبولها مني. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.