فلما كانت الليلة ٧٤٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن صالحًا لما قدَّم الهدية إلى الملك السمندل، وقال له: القصد من الملك أن يتفضل عليَّ، ويجبر قلبي بقبولها مني. قال له الملك السمندل: لأي سبب أهديتَ لي هذه الهدية؟ قل لي قصتك وأخبرني بحاجتك، فإن كنتُ قادرًا على قضائها قضيتها لك في هذه الساعة ولا أحوجك إلى تعب، وإن كنتُ عاجزًا عن قضائها فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها. فقام وقبَّلَ الأرض ثلاث مرات، وقال: يا ملك الزمان، إن حاجتي أنت قادر على قضائها، وهي تحت حوزك وأنت مالكها، ولم أكلف الملك مشقة، ولم أكن مجنونًا حتى أخاطب الملك في شيء لا يقدر عليه، فبعض الحكماء قال: إذا أردتَ أن تُطاع فسَلْ عمَّا يُستطاع. فأما حاجتي التي جئتُ في طلبها، فإن الملك حفظه الله قادر عليها. فقال له الملك: اسأل حاجتك، واشرح قضيتك واطلب مرادك. فقال له: يا ملك الزمان، اعلم أني قد أتيتُكَ خاطبًا راغبًا في الدرة اليتيمة، والجوهرة المكنونة، الملكة جوهرة بنت مولانا، فلا تخيِّب أيها الملك قاصدك. فلما سمع الملك كلامه، ضحك حتى استلقى على قفاه استهزاءً به، وقال: يا صالح، كنت أحسبك رجلًا عاقلًا وشابًّا فاضلًا لا تسعى إلا بسداد، ولا تنطق إلا برشاد، وما الذي أصاب عقلك ودعاك إلى هذا الأمر العظيم، والخطر الجسيم، حتى إنك تخطب بنات الملوك أصحاب البلدان والأقاليم؟ وهل بلغ من قدرك أنك انتهيت إلى هذه الدرجة العالية؟ وهل نقص عقلك إلى هذه الغاية حتى تواجهني بهذا الكلام؟ فقال صالح: أصلح الله الملك، إني لم أخطبها لنفسي، ولو خطبتها لنفسي كنت كفؤًا لها، بل أكثر؛ لأنك تعلم أن أبي ملك من ملوك البحر، وإن كنتَ اليومَ ملكنا، ولكن أنا ما خطبتها إلا للملك بدر باسم صاحب أقاليم العجم، وأبوه الملك شهرمان، وأنت تعرف سطوته، وإن زعمت أنك ملك عظيم فالملك بدر باسم ملك أعظم، وإن ادَّعَيْتَ أن ابنتك جميلة فالملك بدر باسم أجمل منها، وأحسن صورةً وأفضل حسبًا ونسبًا، فإنه فارس زمانه، فإن أجبتَ إلى ما سألتُكَ تكن يا ملك الزمان قد وضعتَ الشيء في محله، وإن تعاظمْتَ علينا فإنك ما أنصفتنا، ولا سلكت بنا الطريق المستقيم، وأنت تعلم أيها الملك أن هذه الملكة جوهرة بنت مولانا الملك لا بد لها من الزواج، فإن الحكيم يقول: لا بد للبنت من الزواج أو القبر. فإن كنت عزمت على زواجها، فإن ابن أختي أحق بها من سائر الناس.
فلما سمع الملك كلام صالح، اغتاظ غيظًا شديدًا، وكاد عقله أن يذهب، وكادت روحه أن تخرج من جسده، وقال له: يا كلب الرجال، وهل مثلك يخاطبني بهذا الكلام، وتذكر ابنتي في المجالس وتقول: إن ابن أختك جلناز كفء لها، فمَن هو أنت؟ ومَن هي أختك؟ ومَن هو ابنها؟ ومَن هو أبوه؟ حتى تقول لي هذا الكلام وتخاطبني بهذا الخطاب، فهل أنتم بالنسبة إلينا إلا كلاب؟ ثم صاح على غلمانه، وقال: يا غلمان، خذوا رأس هذا العلق. فأخذوا السيوف وجرَّدوها، وطلبوه فولَّى هاربًا، ولِبَابِ القصر طالبًا، فلما وصل إلى باب القصر رأى أولاد عمه وقرابته وعشيرته وغلمانه، وكانوا أكثر من ألف فارس غارقين في الحديد، والزرد النضيد، وبأيديهم الرماح، وبيض الصفاح، فلما رأوا صالحًا على تلك الحالة، قالوا له: ما الخبر؟ فحدَّثهم بحديثه، وكانت أمه قد أرسلتهم إلى نصرته، فلما سمعوا كلامه علموا أن الملك أحمق شديد السطوة، فترجلوا عن خيولهم، وجرَّدوا سيوفهم، ودخلوا على الملك السمندل، فرأوه جالسًا على كرسي مملكته غافلًا عن هؤلاء، وهو شديد الغيظ على صالح، ورأوا خدامه وغلمانه وأعوانه غير مستعدين، فلما رآهم وبأيديهم السيوف مجرَّدة صاح على قومه، وقال: يا ويلكم، خذوا رءوس هؤلاء الكلاب، فلم تكن غير ساعة حتى انهزم قوم الملك السمندل، وركنوا إلى الفرار، وكان صالح وأقاربه قد قبضوا على الملك السمندل وكتَّفوه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.